مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 457

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 457 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135555 / تحميل: 5241
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ في الحقيقة تقف على نماذج للأمم السابقة ممّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال غير العادية ، إلّا أنّهم استمروا في الإنكار وعدم الإيمان.

في البدء يقول تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) . سنشير في نهاية هذا البحث إلى هذه الآيات التسع وماهيتها.

ولأجل التأكيد على الموضوع اسأل ـ والخطاب موّجه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين والمنكرين :( فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ ) .

إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون ـ برغم الآيات ـ لم يستسلم للحق ، بل أكثر من ذلك اتّهم موسى( فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً ) .

وفي بيان معنى «مسحور» ذكر المفسّرون تفسيرين ، فالبعض قالوا : إنّها تعني الساحر بشهادة آيات قرآنية أخرى ، تقول بأنّ فرعون وقومه اتّهموا موسى بالساحر ، ومثل هذا الاستخدام وارد وله نظائر في اللغة العربية ، حيث يكون اسم المفعول بمعنى الفاعل ، كما في (مشؤوم) التي يمكن أن تأتي بمعنى «شائم» و (ميمون) بمعنى «يامن».

ولكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة «مسحور» بمعناها المفعولي والتي تعني الشخص الذي أثّر فيه الساحر ، كما يستفاد من الآية (39) من سورة الذاريات التي نسبت السحر إليه ، والجنون أيضا ،( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

على أي حال ، فإنّ التعبير القرآني يكشف عن الأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون ويتهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّ الفساد والظلم ، إذ يصف الظالمون والطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس

١٦١

ويفرّقوهم عن الأنبياء.

ولكن موسىعليه‌السلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له ، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق ، إذ قال له :( قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ ) .

لذا فإنّك ـ يا فرعون ـ تعلم بوضوح أنّك تتنكر للحقائق ، برغم علمك بأنّها من الله! فهذه «بصائر» أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق. وعند ما سيسلكون طريق السعادة. وبما أنّك ـ يا فرعون ـ تعرف الحق وتنكره ، لذا :( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ) .

(مثبور) من (ثبور) وتعني الهلاك.

ولأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية ، فإنّه سلك طريقا يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون وكافة الأعصار ، وذاك قوله تعالى:( فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ) .

«يستفز» من «استفزاز» وتعني الإخراج بقوة وعنف.

ومن بعد هذا النصر العظيم :( وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) . فتأتون مجموعات يوم القيامة للحساب.

«لفيف» من مادة «لفّ» وهنا تعني المجموعة المتداخلة المعقّدة بحيث لا يعرف الأشخاص ، ولا من أي قبيلة هم!

* * *

بحوث

1 ـ المقصود من الآيات التسع

لقد ذكر القرآن الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسىعليه‌السلام منها ما يلي :

1 ـ تحوّل العصا إلى ثعبان عظيم يلقف أدوات الساحرين ، كما في الآية

١٦٢

(20) من سورة طه :( فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ) .

2 ـ اليد البيضاء لموسىعليه‌السلام والتي تشع نورا :( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى ) (1) .

3 ـ الطوفان :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ) (2) .

4 ـ الجراد الذي أباد زراعتهم وأشجارهم( وَالْجَرادَ ) (3) .

5 ـ والقمل الذي هو نوع من الأمراض والآفات التي تصيب النبات : و( الْقُمَّلَ ) (4) .

6 ـ (الضفادع) التي جاءت من النيل وتكاثرت وأصبحت وبالا على حياتهم:( وَالضَّفادِعَ ) (5) .

7 ـ الدم ، أو الابتلاء العام بالرعاف ، أو تبدّل نهر النيل إلى لون الدم ، بحيث أصبح ماؤه غير صالح لا للشرب ولا للزراعة :( وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ) (6) .

8 ـ فتح طريق في البحر بحيث استطاع بنو إسرائيل العبور منه :( وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ) (7) .

9 ـ نزول ال (منّ) و (السلوى) من السماء ، وقد شرحنا ذلك في نهاية الآية (57) من سورة البقرة( وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (8) .

10 ـ انفجار العيون من الأحجار :( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) (9) .

11 ـ انفصال جزء من الجبل ليظلّلهم :( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ

__________________

(1) طه ، 22.

(2) و (3) و (4) و (5) و (6) ـ الأعراف ، 133.

(7) البقرة ، 50.

(8) البقرة ، 57.

(9) البقرة ، 60.

١٦٣

ظُلَّةٌ ) (1) .

12 ـ الجفاف ونقص الثمرات :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ ) (2) .

13 ـ عودة الحياة إلى المقتول والذي أصبح قتله سببا للاختلاف بين بني إسرائيل:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (3) .

14 ـ الاستفادة من ظل الغمام في الاحتماء من حرارة الصحراء بشكل إعجازي :( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ) (4) .

ولكن الكلام هنا هو : ما هو المقصود من (الآيات التسع) المذكورة في الآيات التي نبحثها؟

يظهر من خلال التعابير المستخدمة في هذه الآيات أنّ المقصود هو المعاجز المرتبطة بفرعون وأصحابه ، وليست تلك المتعلقة ببني إسرائيل من قبيل نزول المنّ والسلوى وتفجّر العيون من الصخور وأمثال ذلك.

لذا يمكن القول أنّ الآية (133) من سورة الأعراف تتعرض إلى خمسة مواضيع من الآيات التسع وهي : (الطوفان ، القمّل ، الجراد ، الضفادع ، والدم).

كذلك اليد البيضاء والعصا تدخل في الآيات التسع ، يؤيد ذلك ورود تعبير (الآيات التسع) في الآيات (10 ـ 12) من سورة النمل بعد ذكر هاتين المعجزتين الكبيرتين.

وبذلك يصبح مجموع هذه المعاجز ـ الآيات ـ سبعا ، فما هي الآيتان الأخيرتان؟

بلا شك إنّنا لا نستطيع اعتبار غرق فرعون وقومه في عداد الآيات التسع ،

__________________

(1) الأعراف ، 171.

(2) الأعراف ، 130.

(3) البقرة ، 73.

(4) البقرة ، 57.

١٦٤

لأنّ الهدف من الآيات أن تكون دافعا لهدايتهم وسببا لقبولهم بنبوة موسىعليه‌السلام ، لا أن تقوم بهلاك فرعون وقومه.

عند التدقيق في آيات سورة الأعراف التي جاء فيها ذكر العديد من هذه الآيات يظهر أنّ الآيتين الأخريتين هما : (الجفاف) و (نقص الثمرات) حيث أننا نقرأ بعد معجزة العصا واليد البيضاء وقبل تبيان الآيات الخمس (الجراد ، والقمل ...) قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .

وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ الجفاف لا يمكن فصله عن نقص الثمرات وبذا تعتبر الآيتان آية واحدة ، إلّا أنّ الجفاف المؤقت والمحدود ـ كما قلنا في تفسير الآية (130) من سورة الأعراف ـ لا يؤثّر تأثيرا كبيرا في الأشجار ، أمّا عند ما يكون جفافا طويلا فإنّه سيؤدي إلى إبادة الأشجار ، لذا فإنّ الجفاف لوحده لا يؤدي دائما إلى نقص الثمرات.

إضافة إلى ما سبق يمكن أن يكون السبب في نقص الثمرات هو الأمراض والآفات وليس الجفاف.

والنتيجة أنّ الآيات التسع التي وردت الإشارة إليها في الآيات التي نبحثها هي:العصا، اليد البيضاء ، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم ، الجفاف ، ونقص الثمرات.

ومن نفس سورة الأعراف نعرف أنّ هؤلاء ـ برغم الآيات التسع هذه ـ لم يؤمنوا ، لذلك انتقمنا منهم وأغرقناهم في اليم بسبب تكذيبهم(1) .

هناك روايات عديدة وردت في مصادرنا حول تفسير هذه الآية ، ولاختلافها فيما بينها لا يمكن الاعتماد عليها في إصدار الحكم.

__________________

(1) الأعراف ، 136.

١٦٥

2 ـ هل أنّ السائل هو الرّسول نفسه؟

ظاهر الآيات أعلاه يدل على أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بسؤال بني إسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت على موسى ، وكيف أنّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسىعليه‌السلام بمختلف الذرائع رغم الآيات.

ولكن بما أنّ لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم والعقل بحيث أنّه لا يحتاج إلى السؤال ، لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهب الى أن المأمور بالسؤال هم المخاطبون الآخرون.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ سؤال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكن لنفسه ، بل للمشركين ، لذلك فما المانع من أن يكون شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يسأل حتى يعلم المشركون أنّه عند ما لم يوافق على اقتراحاتهم ، فذلك لأنّها اقتراحات باطلة قائمة على التعصّب والعناد ، كما قرأنا في قصّة موسى وفرعون ونظير ذلك.

3 ـ ما المراد ب (الأرض) المذكورة في الآيات؟

قرأنا في الآيات أعلاه أنّ الله أمر بني إسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض ، فهل الغرض من الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية السابقة والتي بيّنت أنّ فرعون أراد أن يخرجهم من تلك الأرض.

وبنفس المعنى أشارت آيات أخرى إلى أنّ بني إسرائيل ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إشارة إلى الأرض المقدّسة فلسطين ، لأنّ بني إسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها.

بالنسبة لنا فإنّنا لا نستبعد أيّا من الاحتمالين ، لأنّ بني إسرائيل ـ بشهادة الآيات القرآنية ـ ورثوا أراضي فرعون وقومه ، وامتلكوا أرض فلسطين أيضا.

١٦٦

4 ـ هل تعني كلمة (وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟

ظاهرا إنّ الإجابة بالإيجاب ، حيث أنّ جملة( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) قرينة على هذا الموضوع ، ومؤيّدة لهذا الرأي. إلّا أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ (وعد الآخرة) إشارة إلى ما أشرنا إليه في بداية هذه السورة ، من أنّ الله تبارك وتعالى قد توعّد بني إسرائيل بالنصر والهزيمة مرّتين ، وقد سمى الأولى بـ «وعد الأولى» والثّانية بـ «وعد الآخرة» ، إلّا أنّ هذا الاحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى :( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) (فدقق في ذلك).

* * *

١٦٧

الآيات

( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) )

التّفسير

عشاق الحق

مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويجيب على بعض ذرائع المعارضين.

في البداية تقول الآيات :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) ، ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) .

ثمّ تقول :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) إذ ليس لك الحق في تغيير محتوى القرآن.

١٦٨

لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) والجملة الثّانية :( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) منها :

1 ـ المراد من الجملة الأولى : إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن بالحق. بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التقدير قد تحقق ، لذا فإنّ التعبير الأوّل يشير إلى التقدير ، بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل والتحقق(1) .

2 ـ الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادة القرآن ومحتواه هو الحق ، أمّا التعبير الثّاني فانّه يبيّن أن نتيجته وثمرته هي الحق أيضا(2) .

3 ـ الرأي الثّالث يرى أنّ الجملة الأولى تقول : إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحق بينما الثّانية تقول : إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتدخل في الحق ولم يتصرف به ، لذا فقد نزل الحقّ.

وثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير ، وهو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما ، ولكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح وذلك بسبب من ضعفه ، أمّا بالنسبة للشخص الذي يعلم بكل شيء ويقدر على كل شيء ، فإنّه يبدأ بداية صحيحة ، وينهي العمل نهاية صحيحة. وكمثال على ذلك الشخص الذي يخرج ماء صافيا من أحد العيون ، ولكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع ذلك الشخص أن يحافظ على صفاء هذا الماء ونظافته أو يمنعه من التلوث ، فيصل الماء في هذه الحالة إلى الآخرين وهو ملوّث. إلّا أنّ الشخص القادر والمحيط بالأمور ، يحافظ على بقاء الماء صافيا وبعيدا عن عوامل التلوث حتى يصل إلى العطاشى والمحتاجين له.

القرآن كتاب نزل بالحق من قبل الخالق ، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين ، أو المرحلة التي كان

__________________

(1) يراجع تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 3955.

(2) في ظلال القرآن ، أننا تفسير الآية.

١٦٩

الرّسول فيها هو المتلقي ، وبمرور الزمن له تستطيع يد التحريف والتزوير أن تمتد إليه بمقتضى قوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته.

لذا فإنّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإلهي القويم لم تناله يد التحريف والتبديل منذ عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى نهاية العالم.

الآية التي تليها ترد على واحدة من ذرائع المعارضين وحججهم ، إذ كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولماذا كان نزوله تدريجيا؟ كما تشير إلى ذلك الآية (32) من سورة الفرقان التي تقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) فيقول الله في جواب هؤلاء:( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ) (1) حتى يدخل القلوب والأفكار ويترجم عمليا بشكل كامل.

ومن أجل التأكيد أكثر تبيّن الآية ـ بشكل قاطع ـ أنّ جميع هذا القرآن أنزلناه نحن:( وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

إنّ القرآن كتاب السماء إلى الأرض ، وهو أساس الإسلام ودليل لجميع البشر ، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والاجتماعية والسياسية والعبادية لدنيا المسلمين ، لذلك فإنّ شبهة هؤلاء في عدم نزوله دفعة واحدة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجاب عليها من خلال النقاط الآتية :

أوّلا : بالرغم من أنّ القرآن هو كتاب ، إلّا أنّه ليس ككتب الإنسان المؤلّفة حيث يجلس المؤلّف ويفكّر ويكتب موضوعا ، ثمّ ينظّم فصول الكتاب وأبوابه لينتهي من تحرير الكتاب ، بل القرآن له ارتباط دقيق بعصره ، أي ارتباط ب (23) سنة ، هي عصر نبوة نبي الإسلام بكل ما كانت تتمخض به من حوادث وقضايا.

__________________

(1) مجيء كلمة (قرآن) منصوبة في الآية أعلاه يفسّره المفسّرين بأنّه مفعول لفعل مقدّر تقديره (فرقناه) ، وبذلك تصبح الجملة هكذا : (وفرقناه قرآنا).

١٧٠

لذا كيف يمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامنا لها أن ينزل في يوم واحد؟

هل يمكن جمع حوادث (23) سنة نفسها في يوم واحد ، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟

إنّ في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإسلامية ، وآيات تختص بالمنافقين ، وأخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهل يمكن أن يكتب مجموع كل ذلك منذ اليوم الأوّل؟

ثانيا : ليس القرآن كتابا ذا طابع تعليمي وحسب ، بل ينبغي لكل آية فيه أن تنفّذ بعد نزولها ، فإذا كان القرآن قد نزل مرّة واحدة ، فينبغي أن يتمّ العمل به مرّة واحدة أيضا ، ونعلم بأنّ هذا محال ، لأنّ إصلاح مجتمع مليء بالفساد لا يتمّ في يوم واحد ، إذ لا يمكن إرسال الطفل الأمي دفعة واحدة من الصف الأوّل إلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوما ـ أي بشكل تدريجي ـ كي ينفذ بشكل جيّد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتمثله عمليا.

ثالثا : بدون شك ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإمكانيات أكبر عند ما يقوم بتطبيق القرآن جزءا جزءا ، بدلا من تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنّه مرسل من الخالق وذو عقل واستعداد كبيرين ليس لهما مثيل ، إلّا أنّه برغم ذلك فإنّ تقبّل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل ممّا لو نزل دفعة واحدة.

رابعا : النّزول التدريجي يعني الارتباط الدائمي للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مصدر الوحي ، إلّا أنّ النّزول الدفعي يتمّ بمرحلة واحدة لا يتسنى للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الارتباط بمصدر الوحي لأكثر من مرّة واحدة.

آخر الآية (32) من سورة الفرقان تقول :( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ

١٧١

تَرْتِيلاً ) وهي إشارة إلى السبب الثّالث ، بينما الآية التي نبحثها تشير إلى السبب الثّاني من مجموع الأسباب الأربعة التي أوردناها. ولكن الحصيلة أنّ مجموع هذه العوامل تكشف بشكل حي وواضح أسباب وثمار النّزول التدريجي للقرآن.

الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول :( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) .

* * *

ملاحظات

في هذه الآية ينبغي الالتفات إلى الملاحظات الآتية :

أوّلا : يعتقد المفسّرون أنّ جملة( آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه متعدّدة ، إذ قال بعضهم : إن المعنى هو : سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإعجاز القرآن ونسبته إلى الخالق.

بينما قال البعض : إنّ التقدير يكون : سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإنّ نفع ذلك وضرره سيقع عليكم.

لكن يحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مكمّلة لها ، وهي كناية عن أنّ عدم الإيمان هو سبب عدم العلم والمعرفة ، فلو كنتم تعلمون لآمنتم به. وبعبارة أخرى : يكون المعنى : إذا لم تؤمنوا به فإنّ الأفراد الواعين وذوي العلم يؤمنون به.

ثانيا : إنّ المقصود من( الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ) هم مجموعة من علماء اليهود والنصارى من الذين آمنوا بعد أن سمعوا آيات القرآن ، وشاهدوا العلائم التي قرءوها في التوراة والإنجيل ، والتحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين ، وأصبحوا من علماء الإسلام.

وفي آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة إلى هذا الموضوع ، كما في قوله

١٧٢

تعالى في الآية (113) من سورة آل عمران :( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) .

ثالثا : «يخرّون» بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم ، واستخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة ، هي أنّ الواعين وذوي القلوب اليقظة عند ما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالقعزوجل ينجذبون إليه ويولهون به الى درجة أنّهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشية بدون وعي واختيار(1) .

رابعا : (أذقان) جمع (ذقن) ومن المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض ، إلّا أن تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود.

بعض المفسّرين احتمل أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض ، ولكن الشخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا ، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى (يخرون)(2) .

الاية التي بعدها توضح قولهم عند ما يسجدون :( وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ) (3) . هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده. فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد والصفات الحقة والإيمان بنبوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالمعاد. والكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة.

وللتأكيد ـ أكثر ـ على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم ، وعلى سجدة الحب التي

__________________

(1) يقول الراغب في (المفردات) : «يخرون» من مادة «خرير» ويقال لصوت الماء والريح وغير ذلك ممّا يسقط من علّو. وقوله تعالى :( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، والتنبيه أنّ ذلك الخرير كان صوت تسبيحهم بحمد الله لا بشيء آخر. ودليله قوله تعالى فيما بعد:( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) .

(2) تفسير المعاني ، ج 15 ، ص 175.

(3) (إنّ) في قوله :( إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا ) غير شرطية ، بل هي تأكيدية ، وهي مخففة من الثقيلة.

١٧٣

يسجدونها تقول الآية التي بعدها :( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) .

إنّ تكرار جملة( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ) دليل على التأكيد ، وعلى الاستمرار أيضا.

الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبّهم وعشقهم لخالقهم.

واستخدام الفعل المضارع في جملة( يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) دليل على أنّهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة ، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل ، وخشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة).

* * *

بحثان :

1 ـ التخطيط للتربية والتعلم

من الدروس المهمّة التي نستفيدها من الآيات أعلاه ، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو تربوية ، فإذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إنّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة بالرغم من أنّه كان موجودا في مخزون علم الله كاملا ، وقد تمّ عرضه في ليلة القدر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعة واحدة ، إلّا أنّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (23) سنة ، وضمن مراحل زمنية مختلفة وفي إطار برنامج عملي دقيق.

وعند ما يقوم الخالق جلّ وعلا بهذا العمل بالرغم من عمله وقدرته المطلقة وغير المتناهية عند ذلك سيتّضح دورنا وتكليفنا نحن إزاء هذا المبدأ. وعادة ما يكون هذا قانونا وتكليفا إلهيا ، حيث أنّ وجوده العيني لا يختص بعالم التشريع

١٧٤

وحسب ، بل في عالم التكوين أيضا. إنّه من غير المتوقع أن تنصلح أمور مجتمع في مرحلة البناء خلال ليلة واحدة لأنّ البناء الحضاري الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي يحتاج إلى المزيد من الوقت.

وهذا الكلام يعني أنّنا إذا لم نصل إلى النتيجة المطلوبة في وقت قصير فعلينا أن لا نيأس ونترك بذل الجهد أو المثابرة. وينبغي أن نلتفت إلى أنّ الانتصارات النهائية والكاملة تكون عادة لأصحاب النفس الطويل.

2 ـ علاقة العلم بالإيمان

الموضوع الآخر الذي يمكن أن نستفيده من الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإيمان، إذ تقول الآيات : إنّكم سواء آمنتم بالله أو لم تؤمنوا فإنّ العلماء سيؤمنون بالله إلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون أرضا ساجدين من شدّة الوله والحبّ ، وتجري الدّموع من أعينهم، وإنّ هذا الخشوع والتأدّب يتصف بالاستمرار في كل عصر وزمان.

إنّ الجهلة ـ فقط ـ هم الذين لا يعيرون أهمية للحقائق ويواجهونها بالاستهزاء والسخرية ، وإذا أثّر فيهم الإيمان في بعض الأحيان فإنّه سيكون تأثيرا ضعيفا خاليا من الحبّ والحرارة.

إضافة إلى ذلك ، فإنّ في الآية ما يؤكّد خطأ وخطل النظرية التي تربط بين الدين والجهل أو الخوف من المجهول. أمّا القرآن فإنّه يؤكّد على عكس ذلك تماما ، إذ يقول في مواقع متعدّدة : إنّ العلم والإيمان توأمان ، إذ لا يمكن أن يكون هناك إيمان عميق ثابت من دون علم ، والعلم في مراحلة المتقدمة يحتاج إلى الإيمان. (فدقق في ذلك).

* * *

١٧٥

الآيتان

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) )

سبب النّزول

وردت آراء متعدّدة في سبب نزول هاتين الآيتين منها ما نقله صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجدا ذات ليلة بمكّة يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون متهمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يدعونا إلى إله واحد ، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(1) .

__________________

(1) يراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.

١٧٦

التّفسير

آخر الذرائع والأغذار

بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم ، وهي قولهم : لماذا يذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالق بأسماء متعدّدة بالرغم من أنّه يدّعي التوحيد. القرآن ردّ على هؤلاء بقوله :( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) . إنّ هؤلاء عميان البصيرة والقلب ، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد ، وكل اسم من هذه الأسماء كان يعرّف بشطر أو بصفة من صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك ، هل من العجيب أن تكون للخالق أسماء متعدّدة تتناسب مع أفعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته والمنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم ، وهو وحدهعزوجل الذي يدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساسا ، فانّ الله تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبّر عن ذاته ، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أشياؤنا الأخرى أيضا ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له ، وإنّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضا ، حتى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه ، نراه يقول : «ما عرفناك حق معرفتك».

إنّ الله تعالى في قضية معرفتنا إيّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة ، بل ساعدنا كثيرا في معرفة ذاته ، وذكر نفسه بأسماء متعدّدة في كتابه العظيم ، ومن خلال كلمات أوليائه تصل أسماؤه ـ تقدس وتعالى ـ إلى ألف اسم.

وطبيعي أنّ كل هذه أسماء الله ، وأحد معاني الأسماء العلّامة ، لذا فإنّ هذه علامات على ذاته الطاهرة ، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إلى نقطة

١٧٧

واحدة ، وهي لا تقلّل من شأن توحيد الذات والصفات.

وهناك قسم من هذه الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر ، حيث تعطينا معرفة ووعيا أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإسلامية ، بالأسماء الحسنى ، وهناك رواية معروفة عن رسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مضمونها : «إن الله تسعا وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مفصل للأسماء الحسنى ، والأسماء التسعة والتسعين بالذات ، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (180) من سورة الأعراف ، في قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .

لكن علينا أن نفهم أنّ الغرض من عد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب ، حتى يصبح الإنسان من أهل الجنّة ومستجاب الدعوة ، بل إنّ الهدف هو التخلّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات من هذه الأسماء ، مثل (العالم ، والرحمن ، والرحيم ، والجواد،والكريم) في وجودنا حتى نصبح من أهل الجنّة ومستجابي الدعوة.

وهناك كلام ينقله الشيخ الصدوقرحمه‌الله في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاء فيه :

يقول هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن أسماء الله عزّ ذكره واشتقاقها فقلت : الله ممّا هو مشتق؟

قالعليه‌السلام : «يا هشام ، الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد.

أفهمت يا هشام؟».

قال هشام : قلت : زدني.

قالعليه‌السلام : «للهعزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان

١٧٨

كلّ اسم منها هو إلها ، ولكن اللهعزوجل معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره.

يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق»(1) .

والآن لنعد إلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : إنّه يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته ، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

لذلك فإنّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إنّ المقصود منها يتعلق بالإفراط والتفريط في الجهر والإخفات ، فهي تقول : لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ ، ولا أقل من الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة ـ حول الآية ـ التي يرويها الكثير من المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيّد هذا المعنى.(2)

وهناك آيات عديدة من طرق أهل البيت نقلا عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام وتؤيد هذا المعنى وتشير إليه(3) .

لذا فإنا نستبعد التفاسير الأخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حد الاعتدال ، وما هو الجهر والإخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنّ الجهر هو بمعنى (الصراخ) ، و (الإخفات) هو من السكون بحيث لا يسمعه حتى فاعله.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآية :

__________________

(1) توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان أثناء تفسير الآية.

(2) ـ يمكن مراجعة نور الثقلين ، ج 3 ، ص 233 فما بعد.

١٧٩

«الجهر بها رفع الصوت ، والتخافت بها ما لم تسع نفسك ، واقرأ بين ذلك»(1) .

أمّا الإخفات والجهر في الصلوات اليومية ، فهو ـ كما أشرنا لذلك ـ له حكم آخر، أو مفهوم آخر ، أي له أدلة منفصلة ، حيث ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها.

* * *

ملاحظة

هذا الحكم الإسلامي في الدعوة إلى الاعتدال بين الجهر والإخفات يعطينا فهما وإدراكا من جهتين :

الأولى : لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء ، فيقومون بالاستهزاء والتحجج ضدكم ، إذ الأفضل أن تكون مقرونة بالوقار والهدوء والأدب ، كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلامي ومنهج العبادة في الإسلام.

فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بإلقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت ، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين ، هم على خطأ ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات ، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليغ الديني.

الثّانية : يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط والتفريط ، إذ الأساس هو :( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

أخيرا نصل إلى الآية الأخيرة من سورة الإسراء ، هذه الآية تنهي السورة المباركة بحمد الله ، كما افتتحت بتسبيحه وتنزيه ذاتهعزوجل . إنّ هذه الآية ـ في

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 234.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

التفسير في إطار خاصّ، فترى أنّهم ألّفوا كتباً تفسيريّة في خصوص موضوعات محدودة، فجمعوا آياتها في رسائلهم وكتبهم وأدّوا حقّ الكلام في الموضوع الذي لا يمكن في النمط الآخر من التفسير، ونذكر في المقام بعض ما ألّف في ذلك المجال :

أ: المحكم والمتشابه

إنّ القرآن الكريم يصنّف الآيات القرآنية ويقسّمها إلى محكم ومتشابه، فالمحكم هو أُمّ الكتاب، والمتشابه ما يجب أن يرجع إليها في تبيين مفهومه، فكأنّ المحكم أصل، والمتشابه فرع، ويجب أن نستعين في فهم المتشابه بالأُمّ، قال سبحانه:( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) .١

ثمّ إنّه وقع الاختلاف في تفسير المتشابه إلى أقوال كثيرة ذكرها الفخر الرازي في تفسيره، وأنهاها إلى قرابة عشرين قولاً لا يسع المقام ذكرها ونقدها، وإنّما الغرض هو الإشارة إلى ما قام به الشيعة الإمامية طوال القرون من تأليف رسائل خاصّة في ذلك الموضوع، والبحث عن الآيات المتشابهة إلى جانب الآيات المحكمة، ونذكر في هذه القائمة مشاهير المؤلّفين ونترك الباقي لأصحاب المعاجم:

١. متشابه القرآن: لإمام القرّاء أحد البدور السبعة، أبي عمارة، حمزة بن حبيب الزيّات الكوفي، من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام، والمتوفّى أيّام المنصور، عام ( ١٥٨ ه‍ )، ذكره ابن النديم.٢

__________________

١. آل عمران: ٧.

٢. فهرست ابن النديم: ٦١.

٣٦١

٢. محكم القرآن ومتشابهه: لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي. قال النجاشي: شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها، إلى أن قال: ولقي مولانا أبا محمدعليه‌السلام، له كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، والظاهر أنّ كتابه في فصلين أحدهما: الناسخ والمنسوخ، والثاني: في المحكم والمتشابه، أو هما رسالتان جمعهما في جزء واحد، توفّي سعد عام ( ٣٠١ ه‍ ).١

٣. متشابه القرآن: تأليف أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي. قال النجاشي: شيخنا المتكلّم المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها، ثمّ عدّ كتبه الكثيرة وقال: « متشابه القرآن، وله مجالس مع الشيخ أبي القاسم البلخي المعتزلي ( المتوفّى ٣١٩ ه‍ ).٢

٤. متشابه القرآن: للشيخ أبي عبد الله محمد بن هارون، أُستاذ الشيخ محمد ابن المشهدي، صاحب « المزار »، ( المتوفّى عام٥٣٠ ه‍ ).٣

٥.متشابه القرآن ومختلفه: تأليف الشيخ رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني، المولود عام ( ٤٨٨ ه‍ )، والمتوفّى عام ( ٥٨٨ ه‍ )، وهو كتاب نفيس ينبئ عن طول باعه، وسيوافيك الكلام فيه في قائمة أعلام التفسير في القرن السادس.

٦.متشابه القرآن: لصدر المتألّهين المولى محمد بن إبراهيم الشيرازي، المولود عام ( ٩٧٩ ه‍ )، والمتوفّى عام ( ١٠٥٠ ه‍ ).٤

__________________

١. رجال النجاشي: ١ / ٤٠١ برقم ٤٦٥.

٢. رجال النجاشي: ١ / ١٧٩ برقم ١٤٦.

٣. أمل الآمل: ٢ / ٣١١ برقم ٩٤٧، يعرّفه بقوله: فاضل جليل، صالح فقيه، له كتب: منها: مختصر التبيان في تفسير القرآن، وكتاب متشابه القرآن

٤. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١٩ / ٦٢ برقم ٣٢٨.

٣٦٢

٧. متشابهات القرآن ومحكماته: تأليف العلّامة محمد هادي معرفة، وهو يشكّل جزءاً خاصّاً من موسوعته: « التمهيد في علوم القرآن »، وقد درس الآيات المتشابهة حسب ترتيب السور، وهو كتاب ممتع.

٨. أضواء على متشابهات القرآن: تأليف الشيخ خليل ياسين المعاصر، طبع في بيروت في جزءين عام ( ١٣٨٨ ه‍ ).

ونكتفي بما ذكر، وقد قام المعاصرون بتأليف رسائل مستقلة حول متشابهات القرآن، وفيما ذكرنا غنى وكفاية.

ب: الناسخ والمنسوخ

إنّ البحث عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم من الموضوعات التي لفتت نظر الباحثين والمحقّقين، وقد ألّف في ذلك الموضوع كتب ورسائل، وقد قام أبو بكر النحّاس بجمع الآيات التي ادّعى نسخها في كتاب أسماه « الناسخ والمنسوخ » فبلغت (١٣٨) آية.

إنّ النسخ في الاصطلاح عبارة عن « رفع أمر ثابت » في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه، والمعروف بين الإلهيين، جواز النسخ أي رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والإنشاء، وخالف في ذلك اليهود، فادّعوا استحالة النسخ، واستندوا في ذلك إلى شبه واهية.١

والمقصود في المقام هو نسخ الأحكام الواردة في القرآن الكريم، لا مطلق نسخ الأحكام وإن لم يرد في القرآن الكريم، فانّ القسم الثاني ممّا لا كلام فيه، فقد

__________________

١. قوانين الأُصول: ٢ / ٩٢، المقصد الخامس في النسخ.

٣٦٣

صرّح القرآن الكريم بنسخ لزوم التوجّه إلى القبلة الأُولى في الصلاة، والكلام في أن يكون شيء من أحكام القرآن منسوخاً بالقرآن أو بالسنّة القطعية أو بالإجماع، وقد قسّموا النسخ إلى ثلاثة أقسام :

١. نسخ التلاوة والحكم.

٢. نسخ التلاوة دون الحكم.

٣. نسخ الحكم دون التلاوة.

والأوّل: بيّن الفساد لا يقول به إلّا القائل بالتحريف في الكتاب العزيز، والمسلمون برآء منه إلّا الحشوية من العامّة وبعض الأخباريّين من الخاصّة.

ومُثّل للثاني: بآية الرجم، وانّه كان في القرآن الكريم ثمّ نسخ، والقول به أيضاً يلازم القول بالتحريف المصون عنه كتاب الله العزيز.

والقسم الثالث: هو المشهور بين العلماء والمفسّرين، فأنكر جماعة وجوده، وخالفهم بعض آخر بعد الاتّفاق على الإمكان، والعدد الذي ذكره النحّاس إفراط، كما أنّ نفيه من رأس تفريط، والتحقيق موكول إلى محلّه، وها نحن نذكر في هذا المقام الرسائل المؤلّفة في هذا الموضوع من غير فرق بين أن يكون المؤلّف مثبتاً، أو نافياً وإليك البيان:

١. الناسخ والمنسوخ: لعبد الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعي، المنسوب إلى طائفة من العرب باسم المسامعة ذكره النجاشي، وقال: وله كتاب الناسخ والمنسوخ١ يروي عنه محمد بن عيسى بن عبيد المتوفّى عام ( ٢٦٢ ه‍ )، ويروي هو عن مسمع بن كردين، وهو من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام .

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ١٥ برقم ٥٦٤ ؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١٢ برقم ٥٩.

٣٦٤

٢. الناسخ والمنسوخ: تأليف حسن بن واقد الذي هو أخو عبد الله بن واقد المعدود من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام .١

٣. الناسخ والمنسوخ: لدارم بن قبيصة التميمي الدارمي السائح، وهو ممّن روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام وله كتاب آخر باسم الوجوه والنظائر.٢

٤. الناسخ والمنسوخ: تأليف حسن بن علي بن فضّال الكوفي، من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ المتوفّى عام ( ٤٢٢ ه‍ ).

٥. الناسخ والمنسوخ: لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. قال النجاشي: شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع، وكان أيضاً الرئيس الذي يلقى السلطان، ولقي الرضاعليه‌السلام وله كتب، ولقي أبا جعفر الثاني وأبا الحسن العسكري، له كتاب الناسخ والمنسوخ٤ توفي بعد سنة (٢٧٤)، أو (٢٨٠).

٦. الناسخ والمنسوخ: لسعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها، ولقي مولانا أبا محمد العسكري، ثمّ ذكر كتبه، منها ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، توفّي عام ( ٢٩٩ ه‍ ) أو ( ٣٠١ ه‍ ).٥

٧. الناسخ والمنسوخ: لشيخ القميين علي بن إبراهيم بن هاشم الذي كان حيّاً عام ( ٣٠٧ ه‍ )، وقد أكثر الكليني النقل عنه.٦

__________________

١. فهرست ابن النديم: ٥٧ ؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١١ برقم ٥٢ ونقله عن النجاشي أيضاً ولم نجده، وله تفسير أيضاً سيوافيك في محلّه.

٢. رجال النجاشي: ١ / ٣٧٢ برقم ٤٢٧.

٣. رجال النجاشي: ١ / ١٢٧ برقم ٧١.

٤. رجال النجاشي: ١ / ٢١٦ برقم ١٩٦.

٥. رجال النجاشي: ١ / ٤٠١ برقم ٤٦٥.

٦. رجال النجاشي: ٢ / ٨٦ برقم ٦٧٨.

٣٦٥

٨. الناسخ والمنسوخ: لعبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي الأزدي البصري، شيخ البصرة وأخباريها، وكان عيسى الجلّودي من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام ذكره النجاشي وذكر له كتباً كثيرة، منها كتاب الناسخ والمنسوخ، كما ذكر له كتاب التفسير وسيجيء في محلّه، وهو من شيوخ محمد بن جعفر بن قولويه، مؤلّف كامل الزيارات ( المتوفّى عام ٣٦٧ ه‍ ).١

٩. الناسخ والمنسوخ: لمحمد بن العباس المعروف بابن الحجام يروي عنه التلعكبري سماعاً عنه سنة ( ٣٢٨ ه‍ ).٢

١٠. الناسخ والمنسوخ: للشيخ الصدوق، ( المتوفّى عام٣٨١ ه‍ )، والنسخة موجودة بالنجف الأشرف مكتبة الشيخ علي كاشف الغطاء٣ واحتمل شيخنا المجيز الطهراني أن تكون النسخة للناسخ والمنسوخ تأليف الشيخ عبد الرحمن بن محمد العتائقي الحلي، كما سيجيء.

١١. الناسخ والمنسوخ من القرآن العظيم: لقطب الدين سعيد بن هبة الله ابن الحسن الراوندي ( المتوفي عام٥٧٣ ه‍ ) توجد منه نسخة في طهران، وهو مؤلّف « الخرائج والجرائح » المعروف.٤

١٢. الناسخ والمنسوخ: لعبد الرحمن بن محمد العتائقي الحلي، المتوفى عام ( ٧٦٠ ه‍ )، والنسخة موجودة في النجف.٥

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٥٤ برقم ٦٣٨ ؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١١ برقم ٥٦.

٢. فهرست الطوسي: ١٧٧ برقم ٦٥٢.

٣. رجال النجاشي: ٢ / ٣١١ برقم ١٠٥٠ ؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١١ برقم ٥٥.

٤. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١١ برقم ٥٧.

٥. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١٤ برقم ٦٩.

٣٦٦

١٣. الناسخ والمنسوخ: لجمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن بن المتوّج البحراني من أجلاّء تلاميذ فخر المحقّقين ( المتوفّى عام ٧٧١ ه‍ )، والمعاصر للشهيد الأوّل، ( المتوفّى عام ٧٨٦ ه‍ )، وقد بسط في الكتاب القول في بيان الآيات الناسخة والمنسوخة، قال سليمان الماحوزي: « وقد قرأته على بعض مشايخي في حداثة سنّي، سنة ( ١٠٩١ ه‍ ) » والنسخة موجودة في النجف الأشرف١ .

١٤. الناسخ والمنسوخ: لعلي بن شهاب الدين الحسيني العلوي الهمداني، ( المتوفّى عام ٧٨٦ ه‍ )، ومنه نسخة في مكتبة المرعشي بقم.٢

١٥. الناسخ والمنسوخ من الآيات القرآنية: لفخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوّج البحراني، شيخ ابن فهد الحلي، ( المتوفّى عام ٨٤١ ه‍ )، وتلميذ فخر المحقّقين، ( المتوفي عام ٧٧١ ه‍ ) وهو غير جمال الدين أحمد بن عبد الله الذي مضى برقم ١٣.٣

١٦. الناسخ والمنسوخ: لشهاب الدين أحمد بن فهد الاحسائي مؤلّف خلاصة التنقيح ( المتوفّى ٨٠٦ ه‍ ) شرحه عبد الجليل الحسيني القاري، شارح الجزرية في التجويد سنة ( ٩٧٢ ه‍ )، وقد شرح هذا الكتاب سنة ( ٩٧٦ ه‍ )، وطبع في طهران ( عام ١٣٨٤ ه‍ ).٤

١٧. الناسخ والمنسوخ: للشيخ محمد مهدي بن جعفر الكاشاني الموسوي،

__________________

١. المصدر نفسه: ٢٤ / ٩ برقم ٤٧.

٢. المصدر نفسه: ٢٤ / ١٢ برقم ٦٢.

٣. المصدر نفسه: ٢٤ / ١٣ برقم ٦٨.

٤. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١٠ برقم ٤٩.

٣٦٧

ألّفه عام ( ١٢٥٠ ه‍ )، وهو حفيد الوحيد البهبهاني.١

١٨. الناسخ والمنسوخ: للشيخ محمد شريف الموسوي الاصفهاني المجاز من الفاضل الايرواني، ( المتوفي عام ١٢٠٦ ه‍ )، والشيخ زين العابدين المازندراني الحائري، طبع مع رسالته « نسيم السحر » في سنة ( ١٣٢٣ ه‍ ).٢

هؤلاء مشاهير المؤلّفين في الناسخ والمنسوخ، ومن أراد التوسّع فليرجع إلى المعاجم والفهارس، غير أنّ هنا لفيفاً من أعلام الطائفة درس مسألة الناسخ والمنسوخ في الذكر الحكيم دراسة معمّقة في ثنايا تفسيرهم أو مقدّماته، وأخصّ بالذكر ما دبّجته يراعة المرجع الإسلامي الكبير السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي - دام ظلّه ـ، فقد طرح القسم الثالث من الناسخ والمنسوخ في كتابه « البيان في تفسير القرآن »، واقتصر في البحث على (٣٦) آية، وخرج بأنّها غير منسوخة.٣

والجدير بالذكر أنّه لم يبحث عن آية العدّة، أعني قوله سبحانه:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) ٤ ، فانّ هذه الآية ناظرة إلى الحول المعروف في الجاهلية الذي كان عدّة للنساء فيها، وقد أقرّ القرآن هذا الحكم مؤقّتاً ونسخ حكماً بقوله سبحانه:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) ٥ ، فقد تضافرت النصوص على ذلك من أئمّة أهل البيت.٦

__________________

١. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢٤ / ١٣ برقم ٦٥.

٢. المصدر نفسه: ٢٤ / ١١ برقم ٥٤.

٣. البيان: ٢٧٧، ٣٨١.

٤. البقرة: ٢٤٠.

٥. البقرة: ٢٣٤.

٦. وسائل الشيعة: ١٥ / ٤٥١، الباب ٣٠ من أبواب العدد.

٣٦٨

ج: آيات الأحكام

الآيات التي تقع ذريعة لاستنباط الأحكام الشرعية المتعلّقة بعمل المكلّف في حياته الفردية والاجتماعية هي الآيات المعروفة بآيات الأحكام، وهي على المشهور ثلاثمائة آية تقريباً، وهناك أُناس يستنبطون من كثير من الآيات القرآنية أحكاماً عملية، ولا تعدّ من آيات الأحكام وقد تعرّفت على بعضها في الأحاديث المرويّة عن الإمام الجواد والإمام الهاديعليهما‌السلام .

وقد أفردها لفيف من علماء الشيعة بالتأليف والتفسير بين رسائل صغيرة إلى كتب حافلة بالتحقيق، وربّما حازوا قصب السبق في هذا المضمار كما سيتضح، وإليك أسماء مشاهيرهم في هذا الفصل مقتصرين عليهم:

١. آيات الأحكام: لأبي نصر محمد بن السائب بن بشر الكلبي من أصحاب أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادقعليهما‌السلام ( المتوفّى عام ١٤٦ ه‍ )، وهو والد هشام الكلبي النسّابة الشهير، وصاحب التفسير الكبير الذي هو أبسط التفاسير كما أذعن به السيوطي في الإتقان.

قال ابن النديم في الفهرست عند ذكره للكتب المؤلّفة في أحكام القرآن ما لفظه:

« كتاب أحكام القرآن للكلبي رواه عن ابن عباس، وهو أوّل من صنّف في هذا الفن لا الإمام الشافعي محمّد بن إدريس المتوفّى سنة ( ٢٠٤ ه‍ ) كما زعم السيوطي، وكيف لا يكون كذلك وقد توفّي الكلبي قبل ولادة الشافعي بأربع سنين حيث ولد الشافعي عام ١٥٠.١

__________________

١. فهرست ابن النديم: ٥٧ ؛ تأسيس الشيعة لفنون الإسلام: ٣٢١. لاحظ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١ / ٤٠ برقم ١٩٢.

٣٦٩

٢. آيات الأحكام، الموسوم بمنهاج الهداية: للشيخ جمال الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن بن المتوّج البحراني، تلميذ فخر المحقّقين.١

٣. آيات الأحكام، الموسوم بالنهاية في تفسير خمسمائة آية: للشيخ فخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوّج البحراني، وهذا المؤلّف، والمؤلِّف المتقدّم من أُسرة واحدة، وكلاهما من تلامذة فخر المحقّقين.٢

٤. آيات الأحكام: للشيخ ناصر بن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الله بن المتوّج البحراني، ووالده الشيخ أحمد من تلامذة فخر المحقّقين ابن العلّامة الحلّي ( المتوفّى عام ٧٧١ ه‍ )، حكى شيخنا المجيز في « الذريعة » عن أُستاذه المجيز السيد حسن الصدر أنّه رآه في مكتبات النجف.٣

٥. آيات الأحكام: للشيخ أبي عبد الله المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري الأسدي الحلّي ( المتوفّى عام ٨٢٦ ه‍ )، وقد طبع باسم « كنز العرفان في فقه القرآن »، وهو من أنفس الكتب في موضوعه، وقد ترجم إلى الفارسيّة والأُردُويَّة حسب ما حكاه السيّد شهاب الدين المرعشيقدس‌سره في تقديمه على مسالك الأفهام.

٦. آيات الأحكام، الموسوم بمعارج السؤول ومدارج المأمول: لكمال الدين حسن بن شمس الدين محمد الاسترآبادي النجفي، ألّفه سنة ( ٨٩١ ه‍ ).٤

٧. آيات الأحكام، للمولى شرف الدين علي بن محمد الشيفنكي ( المتوفّى عام

__________________

١. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١ / ٤٢ برقم ٢١١.

٢. المصدر السابق: برقم ٢١٣.

٣. المصدر السابق: برقم ٢٢٠.

٤. المصدر السابق: برقم ٢١٧.

٣٧٠

٩٠٧ ه‍ ) حكاه شيخنا المجيز عن رياض العلماء، وحكاه هو عن تاريخ حسن بيك روملو.١

٨. آيات الأحكام، للمحقّق أحمد بن محمد الأردبيلي ثمّ النجفي، ( المتوفّى عام ٩٩٣ ه‍ )، وطبع باسم « زبدة البيان في براهين أحكام القرآن » مرّتين، مرّة بطهران عام ( ١٣٠٥ ه‍ )، وأُخرى في سنة ( ١٣٨٦ ه‍ )، محقّقة منقّحة.

٩. آيات الأحكام، للعلّامة الأمير أبو الفتح بن الأمير مخدوم بن الأمير شمس الدين محمد الحسيني ألّفه للسلطان محمد قطب شاه سنة ( ١٠٢١ ه‍ )، وطبع في تبريز.

١٠. آيات الأحكام، للسيد ميرزا محمد الحسيني الاسترآبادي، صاحب الكتب الرجالية الشهيرة: « الكبير » و « الوسيط » و « الصغير »، وقد توفّي عام ( ١٠٢٦ ه‍ )، ومنه نسخة في مكتبة المرعشي.٢

١١. آيات الأحكام: للشيخ أبي عبد الله محمد بن الجواد شمس الدين الكاظمي، والمشتهر بالفاضل الجواد من تلاميذ شيخنا البهائي ( المتوفّى ١٠٣٠ ه‍ )، وقد شرح كتاب أُستاذه في الحساب، أعني: خلاصة الحساب، وطبع الشرح بطهران عام ( ١٢٧٣ ه‍.ق )، وقد طبعت آيات الأحكام باسم « مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام » في جزءين كبيرين وعنيت بنشره وتحقيقه المكتبة المرتضوية.

١٢. آيات الأحكام: للشيخ أحمد بن إسماعيل بن العلّامة الشيخ عبد النبيّ الجزائري النجفي ( المتوفّى سنة ١١٥٠ ه‍ ) طبع باسم « قلائد الدرر »، وقد

__________________

١. مقدّمة مسالك الأفهام ( تقديم آية الله المرعشي ): ١٠.

٢. الذريعة: ١ / ٤٣ ؛ مقدمة مسالك الأفهام: ١١.

٣٧١

طبع مرّتين، مرّة في طهران وأُخرى بالنجف الأشرف عام ( ١٣٨٦ ه‍ )، شكر الله مساعي الجميع.

هذه اثنا عشر تأليفاً حول آيات الأحكام اكتفينا بها، ومن أراد التوسّع والوقوف على ما ألّفه أصحابنا حول آيات الأحكام من رسائل وكتب وموسوعات، فعليه الرجوع إلى معاجم الكتب.١

وهذه الكمّيّة الهائلة تعرب عن عناية الشيعة بفهم القرآن الكريم، وتبويب مفاهيمه.

د: ما نزل من القرآن في حقّ النبيّ والآل

لم ينحصر هذا النمط من التفسير ( أي التفسير الموضوعي ) فيما سبق من الموضوعات ( المحكم والمتشابه، الناسخ والمنسوخ، وآيات الأحكام )، بل توجّهت همم الأصحاب وعنايتهم إلى تأليف رسائل وكتب في موضوعات قرآنيّة، نظير ما نزل من الآيات في حقّ أهل البيت، وإليك نزراً يسيراً ممّا أُلّف في هذا المجال من الأقدمين، وأمّا المتأخّرين فهو على عاتق المعاجم القرآنيّة.

إنّ أهل البيتعليهم‌السلام ممّن خصّهم الله سبحانه بالذكر في غير واحد من الآيات، فقال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ٢ وقال سبحانه:( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) ٣ ، وقال سبحانه:( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) ٤

__________________

١. لاحظ: الذريعة: ١ / ٤٠ - ٤٤ وج ٤ / ٢٣٤ - ٣٥١، وتقديم آية الله المرعشي لكتاب مسالك الأفهام.

٢. الأحزاب: ٣٣.

٣. الشورى: ٢٣.

٤. الإسراء: ٢٦.

٣٧٢

إلى غير ذلك من الآيات، فلا عتب على المفسّر الواعي أن يخصّ أهل البيت بالتفسير الموضوعي ويفرد آياته بالتأليف، وكيف لا يكون كذلك وقد روى عكرمة عن ابن عباس، وقال: ما نزل من القرآن( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها، وقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان، وما ذكر عليّاً إلّا بخير.١

وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في عليٍّ.٢

وقال ابن عباس: نزلت في عليٍّ أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه.٣

ولأجل هذا وذاك قام لفيف من المفسّرين والمحدّثين من العامّة والخاصّة بتأليف رسائل مفردة في هذا المجال، وفي الحقيقة كلّها تفاسير موضوعيّة نذكر منها ما يلي:

١. ما نزل من القرآن في علىٍّ عليه‌السلام : تأليف هارون بن عمر بن عبد العزيز ابن محمد، أبو موسى المجاشعي، صحب الإمام الرضاعليه‌السلام وله هذا الكتاب.٤

٢. ما نزل من القرآن في عليّ عليه‌السلام : تأليف عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي الأزدي البصري من أصحاب الإمام الجوادعليه‌السلام فله تآليف كثيرة ذكرها النجاشي، وله كتاب التفسير كما سيوافيك في قائمة التفاسير الروائيّة.٥

٣. ذكرما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام : تأليف أحمد بن الحسن

__________________

١. مسند أحمد بن حنبل: ١ / ١٩٠ ؛ تاريخ الخلفاء: ١٧١.

٢. الصواعق المحرقة: ٧٦، الباب التاسع، الفصل الثالث.

٣. تاريخ الخلفاء: ١٧٢.

٤. رجال النجاشي: ٢ / ٤٠٦، برقم ١١٨٣.

٥. رجال النجاشي: ٢ / ٥٤ برقم ٦٣٧.

٣٧٣

الاسفرائيني، المفسّر الضرير، قال النجاشي: له كتاب المصابيح في ذكر ما نزل من القرآن في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو كتاب حسن كثير الفوائد، سمعت أبا العباس أحمد بن علي بن نوح يمدحه ويصفه.١

٤. ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه‌السلام : تأليف إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود الثقفي، أصله كوفي، وسعد بن مسعود أخو أبي عبيد بن مسعود عمُّ المختار، وانتقل إلى إصفهان وأقام بها، وقد وفد إليه أحمد بن خالد المتوفّى عام ( ٢٧٤ ه‍ ) وسألوه الانتقال إلى قم فأبىٰ، وله كتب ممتعة في التاريخ والسيرة، وهو مؤلف « الغارات » المعروفة.٢

٥. كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام : تأليف محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار المعروف بابن الحجام، قال النجاشي: ثقة ثقة، من أصحابنا عين، سديد، كثير الحديث، له كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت، وقال جماعة من أصحابنا: إنّه كتاب لم يصنّف في معناه مثله، قيل: إنّه ألف ورقة، وذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهمعليهم‌السلام برقم (٧١)، وقال: سمع منه التلعكبري سنة ( ٣٢٨ ه‍ )، وله منه إجازة، وذكره في الفهرست برقم ٦٤٩.٣

٦. كتاب ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه‌السلام : تأليف محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل الكاتب، أبو بكر يعرف بابن أبي الثلج، وأبو الثلج هو عبد الله بن إسماعيل، ثقة، عين، كثير الحديث، وذكر النجاشي فهرس كتبه، ومنها

__________________

١. رجال النجاشي: ١ / ٢٣٨ برقم ٢٢٩.

٢. رجال النجاشي: ١ / ٩٠ برقم ١٨ ؛ فهرست الطوسي: ٢٧ - ٢٩ برقم ٧.

٣. رجال النجاشي: ٢ / ٢٩٤ برقم ١٠٣١، ولاحظ الرجال والفهرست للشيخ الطوسي.

٣٧٤

تاريخ الأئمّةعليهم‌السلام ، وقد طبع أخيراً، وذكره الخطيب في تاريخه١ وذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم برقم (٦٤)، وقال: سمع منه التلعكبري سنة ( ٣٢٢ ه‍ )، وما بعدها إلى سنة ( ٣٢٥ ه‍ )، وفيها مات، وله منه إجازة.٢

٧. ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام : تأليف الحسين بن الحكم الجبري الكوفي، وطبع عام ( ١٣٧٥ ه‍ )، وقدّم له: العلّامة السيد أحمد الحسيني استقصى فيها ما ألّف من التفاسير في أهل البيت من القدماء فبلغ (٤٤) كتاباً٣ حيّاه الله وبياه.

هذه نماذج ممّا أُلّف حول أهل البيت من الكتب والرسائل بشكل التفسير الموضوعي نقتصر على ذلك، وإنّ التوسّع يخرجنا عمّا هو الهدف، وهو الإشادة بذكر المفسّرين من الشيعة في المجالات المختلفة، ومن سبر المعاجم، وكتب التراجم وقف على أنّ موضوع مناقب أهل البيت وفضائلهم - كتاباً وسنة - كان موضع اهتمام العلماء منذ الصدر الأوّل وفي القرون التالية إلى القرن الحاضر.

ولو جمعت تلك الكتب المطبوعة والمخطوطة الموجودة منها، لشكّلت مكتبة كبرى، والجدير بالذكر أنّ المحقّق السيد عبدالعزيز الطباطبائي - رحمه الله - قام مشكوراً بفهرسة كبيرة في خصوص مناقب آل البيت، وأسماه بـ‍ « أهل البيت في المكتبة العربية »، ولو ضمّ إليها ما أُلّف بسائر اللغات لضاق النطاق على المحصي والمؤلّف.

__________________

١. تاريخ الخطيب: ١ / ٢٤٩.

٢. رجال النجاشي: ٢ / ٢٩٩ برقم ١٠٣٨، وقد عرفت سائر المصادر في المتن.

٣. لاحظ المقدّمة للمصحّح: ١٢ - ١٧.

٣٧٥

ه‍: التأليف حول أمثال القرآن وأقسامه وقصصه

قد ورد في القرآن الكريم قرابة ستين مثلاً، والمثل بطبعه يقرب البعيد، ويصبّ المعقول في قالب المحسوس، وقد أفرد غير واحد من علماء الشيعة أمثال القرآن بالبحث والتأليف. هذا ابن النديم يعرف أبا علي بن أحمد بن الجنيد ( المتوفّى ٣٨١ ه‍ ) بأنّه قريب العهد، من أكابر الشيعة، ثمّ يذكر كتبه ويقول في موضع آخر منه عند تسمية الكتب المؤلّفة في معان شتّى من القرآن ما لفظه: « وكتاب الأمثال لابن الجنيد ».١

فلو قام ابن الجنيد وهو من قدماء علمائنا بهذا المجهود، فقد قام الشيخ أحمد بن عبد الله التبريزي النجفي ( المتوفّى عام ١٣٢٧ ه‍ ) بجمع الأمثال القرآنية وتفاسيرها وما يتعلّق بها وأسماه « روضة الأمثال » وطبع عام ( ١٣٢٥ ه‍ )٢ ، وقد تضافر التأليف حول أمثال القرآن في العصر الحاضر من أكابر الشيعة باللغتين العربية والفارسية، وطبع الأكثر باسم أمثال القرآن.٣

كما قد ورد في القرآن الكريم قرابة أربعين قسماً حلف فيه سبحانه بالشمس والقمر والليل والنهار إلى غير ذلك من عظائم الموجودات، المليئة بالأسرار، وما هذا إلّا ليتدبّر الإنسان فيها ويقف على ما فيها من العجائب والغرائب، حتى أنّه سبحانه حلف في سورة الشمس أحد عشر مرّة بأشياء كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض والنفس، ثمّ رتّب عليها جواباً، وقال:( قَدْ أَفْلَحَ مَن

__________________

١. فهرست ابن النديم: ٦٤ و ٢١٩.

٢. الذريعة: ١١ / ٢٨ برقم ١٧٥٠.

٣. كأمثال القرآن للدكتور إسماعيل، ط طهران / ١٣٦٨ هـ.ش ؛ وأمثال القرآن لعلي أصغر حكمت الشيرازي.

٣٧٦

زَكَّاهَا ) ، وقد بحث المفسرون عن هذه الأقسام وتركوا البحث عن أمر مهم، وهو ما هو الصلة بين المقسم به وجوابه، حتى أنّ ابن القيّم ( المتوفّى ٧٥١ ه‍ ) أفرد كتاباً في أقسام القرآن، طبع باسم أقسام القرآن، ولكنّه بحث عن المقسم به في جميع الآيات، وأهمل البحث عن الصلة بينه وبين جوابه في شتّى الآيات. نعم قام أخيراً ولدنا الفاضل الروحاني الشهيد أبو القاسم الرزاقي١ بتأليف كتاب حول أقسام القرآن، وسدّ هذا الفراغ الموجود في التفاسير، وقد أغرق نزعاً في التحقيق، وطبع حديثاً.

إنّ قصص القرآن من المواضيع الهامّة التي تحتاج إلى دراسات فنية، وفيها من العبر ما لا يحصى، وقد أفرد غير واحد من أصحابنا قصص القرآن قديماً وحديثاً٢ بالتأليف، أخيرهم ما ألّفه الدكتور محمود البستاني، فبحث عن القصص القرآنية حسب تسلسلها في السور الكريمة، وطبع عام ( ١٤٠٨ ه‍ ) وقد خصّصنا الجزء التاسع من هذه الموسوعة بالأمثال والأقسام.

و: معارف القرآن واحتجاجاته

معارف القرآن تشكّل قسماً هامّاً من مفاهيمه، خصوصاً فيما يرجع إلى المبدأ والمعاد، وقد ورد أكثر ما يرجع إلى المعارف الغيبية في السور المكيّة حيث كان النبي يحتج على المشركين، كما ورد فيما يرجع إلى الكتب والشرائع السماوية وديانات اليهود والنصارى في السور الطوال حيث نزلت أوائل الهجرة.

فقد أفرد غير واحد من أصحابنا كتباً ورسائل حول معارف القرآن أخيرها ـ

__________________

١. استشهدقدس‌سره في الحرب المفروضة على إيران الإسلامية في حادث إسقاط طائرتهم على يد العدوان البعثي العفلقي قرب مطار الأهواز، ومعه لفيف من العلماء والمسؤولين الكبار.

٢. لاحظ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ١٧ / ١٠٢ و ١٠٧.

٣٧٧

لا آخرها - معارف القرآن للشيخ محمد تقي المصباح، طرح فيه الآيات المتعلّقة بمعرفة العالم والملائكة والجنّ والشيطان، نقله إلى العربية عبد المنعم الخاقاني، وطبع في بيروت.

كما أنّ الحوار والاحتجاج في القرآن له أساليبه ومعطياته، فقد قام بالاحتجاج على الملحدين والمشركين وعلى أهل الكتاب، فقد أفرد غير واحد من أصحابنا بالتأليف أخيرها - لا آخرها - الحوار في القرآن للسيد محمد حسين فضل الله العاملي، طبع في بيروت.

ز: أسباب النزول

إنّ التعرّف على أسباب النزول يسلّط الضوء على مفاد الآية ومفهومها وهو غير خفي على من له إلمام بالتفاسير، فقد قام غير واحد من أصحابنا بالتأليف حوله، نذكر نموذجين:

١. أسباب النزول، للشيخ قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي، ( المتوفّى عام٥٧٣ ه‍ )، وهو من مصادر بحار الأنوار.١

٢. الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول، للشيخ رشيد الدين محمد بن علي شهر آشوب السروي ( المتوفّى عام ٥٨٨ ه‍ ).٢

هذه نماذج من التفسير الموضوعي أتينا بها إيقافاً للقارئ على جهود علماء الشيعة في العصور السابقة والعصر الحاضر، وقد تركنا كثيراً من الموضوعات القرآنيّة التي أفردت بالتأليف كالأخلاق والسياسة والمسائل العائلية وغير ذلك

__________________

١ و ٢. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٢ / ١٢ برقم ٣٥ و ٣٧.

٣٧٨

من الموضوعات الهامّة التي تداولتها أقلام المحقّقين في العصر الحاضر بالبحث والتحقيق، ومن راجع المكتبات العربية، أو استعرض فهارس مكتبات العالم يقف على مجموعة كبيرة من الكتب تبحث عن موضوعات قرآنيّة حسب التفسير الموضوعي، وبما أنّ الهدف هنا الإيجاز تركنا التفصيل في ذلك.

التفسير الموضوعي في العصر الحاضر

لقد استقطب « التفسير الموضوعي » للقرآن الكريم في العصر الحاضر قسطاً كبيراً من اهتمام العلماء نظراً لأهميّة هذا النهج من التفسير ومساعدته على درك المفاهيم القرآنيّة، والمعارف الإلهية الدقيقة العميقة، فانّ القرآن كما أسلفنا ذكر هذه المعارف بصورة متفرّقة تبعاً للمناسبات، ولو جمعت هذه المعارف في محل، ثمّ درس المفهوم القرآني المعيّن في ضوء كلّ ما يرتبط به من آيات، لأمكن الحصول على فكرة متكاملة وصورة شاملة لذلك المفهوم.

ولهذا اندفع العلماء المهتمون بالثقافة القرآنية في عصرنا هذا إلى خوض هذا الميدان الشريف الهام بمختلف الصور، وأتوا بنتائج طيّبة، وأثمرت جهودهم ثماراً يانعة، ومن وقف على الدراسات القرآنيّة في جامعة « قم » يرى أنّ لهذا القسم من الدراسات قسطاً كبيراً.

وقد اتّبعنا هذا المنهج منذ عام ( ١٣٨٩ ه‍ ) وكانت حصيلة هذه السنوات عشرة أجزاء من التفسير الموضوعي تحت عنوان « مفاهيم القرآن »، تناولت بالترتيب قضايا التوحيد والشرك، والحكومة الإسلامية، والأسماء والصفات، والنبوة العامّة والخاصّة، وما يرتبط بالسيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم.

ولقد لقيت هذه الدراسات إقبالاً واسعاً ممّا يكشف عن أهمية هذا المنهج

٣٧٩

من التفسير.

ومن الجدير بالذكر أنّ العلّامة المجلسي هو أوّل من فتح هذا الباب على مصراعيه في جمع موضوعات القرآن والبحث عنها بحثاً قرآنياً. فانّ ما وصل إلينا من القدماء هو تخصيص موضوع خاصّ بالتفسير، وأمّا غوّاص بحار درر الأحاديث الشيخ محمد باقر المجلسي، ( المتوفّى عام ١١١١ ه‍ )، اتّبع هذا المنهج في جميع أبواب كتابه وموسوعته النادرة، فجمع الآيات المربوطة بكلّ موضوع في أوّل الأبواب وفسّرها تفسيراً سريعاً، وهذه الخطوة وإن كانت قصيرة لكنّها جليلة في عالم التفسير، وقد قام بذلك مع عدم توفّر المعاجم القرآنية الرائجة في هذه الأعصار.

وتجدر الإشارة إلى أنّ جهاز الكمبيوتر الذي ثبتت له قدرة كبرى في عملية فرز المعلومات وتجميعها وتحضيرها وبالتالي تقديم تسهيلات هامّة في مجال التحقيق العلمي في شتّى حقول المعرفة لو أنّ هذا الجهاز الفعّال استخدم في مجال التفسير الموضوعي لحصل الباحث على نتائج باهرة.

وكلّ أملنا أن تهتمّ الشخصيّات والمؤسسات المهتمة بالمسائل القرآنيّة بهذا الاقتراح، أو توليه المزيد من العناية به لنستطيع مواكبة العصر الحديث في تقدّمه الصاعد وتلبية حاجاته الماسّة الملحّة.

الشيعة والتفسير الترتيبي

قد تعرّفت على منهج التفسير الموضوعي فهلمّ معي ندرس المنهج الرائج بين المفسّرين وهو المنهج الترتيبي، وأظنّ أنّ القارئ في غنى عن تعريفه لشيوعه. وقد قام المسلمون بهذا النمط من التفسير على اختلاف مشاربهم في تفسير القرآن،

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457