مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 457

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 457 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135515 / تحميل: 5240
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وقام فضلاء الشيعة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام وسائر الأئمّة المعصومين بهذا النمط من التفسير، وقد أخذوا علوم القرآن وتبيين مفاهيمها عن أئمّتهم، فأوّل من دوّن أقواله في التفسير منهم هو عبد الله بن العباس ( المتوفّى سنة ٦٨ ه‍ )، وأوّل من كتب تفسيراً تلميذه سعيد بن جبير ( المتوفّى عام ٩٥ ه‍ )١ ، واستمرّ الأمر إلى عصرنا هذا، بل لم يكتف كثير منهم بتأليف تفسير واحد حتى ضمّ إليه آخر، بل كثير منهم عزّزهما بثالث ورابع، وقد استخرج أسماء هؤلاء المعزّزين شيخ الباحثين « آغا بزرگ الطهراني » في معجمه.٢

والغالب على التفاسير المدوّنة في القرون الأُولى هو تفسير القرآن بالأثر، ومن نماذجه تفسير « فرات بن إبراهيم الكوفي » الراوي عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي ( المتوفّى حوالي ٣٠٠ ه‍ )، والمعلّم لأبي غالب الزراي ( المولود ٢٨٥ ه‍ )، وتفسير « علي بن إبراهيم القمي » ( حياً عام ٣٠٧ ه‍ )، و« تفسير العياشي » محمد بن مسعود أُستاذ الشيخ الكليني ( المتوفّى عام ٣٢٩ ه‍ )، إلى غير ذلك من التفاسير المؤلّفة في العصور الأُولى، فانّ الجلّ لولا الكلّ تفاسير روائية، وكأنّهم كانوا يجتنبون تفسير القرآن تفسيراً فكرياً تحليليّاً علمياً تحرّزاً من وصمة التفسير بالرأي، وقد كان هذا النمط سائداً إلى أواخر القرن الرابع بين الشيعة، حتى أحسّ العلماء بالحاجة الشديدة إلى التفسير العلمي والتحليلي، منضمّاً إلى ما روي عن النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام ، وأوّل٣ من فتح هذا الباب الشريف الرضي ( المتوفّى ٤٠٦ ه‍ ) فألّف كتاب « حقائق التأويل »، في عشرين جزءاً، ثمّ أخوه الشريف المرتضى ( المتوفّى ٤٣٦ ه‍ ) في أماليه المسمّى بـ « الغرر والدرر »، ثمّ تلميذه

__________________

١. فهرست ابن النديم: ٥٧.

٢. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٤ / ٢٣٣ - ٣٤٦.

٣. نذكر ذلك على وجه التقريب، لأنّه لم يصل إلينا ممّن تقدّم عليه، تفسير عليه ذاك الطابع.

٣٨١

الأكبر الشيخ الطوسي مؤلف « التبيان » ( المتوفّى ٤٦٠ ه‍ ) إلى أن صار هذا المنهج هو المنهج المتّبع الشائع في جميع الأعصار إلى عصرنا هذا، وقلّت العناية بالمنهج الروائي المحض إلّا في بعض الأعصار ( القرنين الحادي عشر والثاني عشر )، كما سيوافيك تفصيله، وبذلك حصل التطوّر الواضح في تفسير القرآن الكريم، ولعلّ العناية بالأثر وصيانة تلك الكنوز عن الاندراس حملت المفسّرين في تلك الأعصار على تفسير القرآن بنمط واحد ولون فارد، وهو التفسير بالأثر من غير فرق بين السنّة والشيعة حتى أنّ أبا جعفر الطبري ( المتوفّى ٣١٠ ه‍ )، وضع تفسيره على ذلك المنهج، وقلّما يتّفق أن يستكشف أسرار الآيات ويبسط الكلام فيها.

غير أنّ احتكاك الثقافات والضرورات الاجتماعية فرضت على المفسّرين المنهج العلمي من التفسير حتى يكون ملبّياً لحاجاتهم، فانّ القرآن بحر لا ينزف. فأدخلوا في التفسير قراءة القرآن، وإعرابه، وغوامضه، ومشكلاته، ومعانيه، وجهاته، ونزوله، وأخباره، وقصصه، وآثاره، وحدوده، وأحكامه، وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين، والاستدلال على ما يتفرّد به المفسّر في المذهب الفقهي أو الاعتقادي، وقد ألّف في أواسط القرن الرابع علي بن عيسى الرماني تفسيره المعروف، وهو بمنهجه العلمي تفوّق على التفاسير المتقدّمة عليه.

وها نحن نذكر أسماء أعلام المفسّرين بالأثر المروي عن النبيّ والآل، ثمّ نبتعهم بسرد أسماء مشاهير المفسّرين بالتفسير العلمي، فالمنهج الأوّل يمتد إلى نهاية القرن الرابع، كما أنّ المنهج الثاني يبتدئ بطلوع القرن الخامس حسبما وصل إلينا من كتبهم، وبما أنّ أكثر ما أُلّف في العصور الأُولى غير واصلة إلينا، لا يمكن لأحد القضاء الباتّ في الموضوع، وأنّ جميع ما في تلك القرون تفاسير روائيّة، وإنّما نعتمد في ذلك على الحدس وما ذكره الشيخ في أوّل التبيان، والله العالم.

٣٨٢

مشاهير المفسّرين بالرواية والأثر

من الشيعة

إذا كان التفسير البياني أو اللغوي أمراً رائجاً بعد رحلة النبيّ الأكرم، كان التفسير بالرواية والأثر أيضاً رائجاً، ولا يمكن لنا أن نقضي قضاءً باتّاً بتقدّم إحدى المرحلتين على الأُخرى، وليس من البعيد أن يكون كلا النمطين رائجين في عصر واحد، وقد تعرّفت على مشاهير مفسّري الشيعة بالتفسير البياني فحان وقت ذكر مشاهير مفسّريهم بالحديث والأثر سواء أكان مرويّاً من النبيّ الأكرم، أو من أئمّة أهل البيت، وقد عرفت أنّ أسانيدهم في الرواية تنتهي إلى الرسول الأعظم، ونحن نقتصر في القائمة التالية بالمشاهير دون كلّ من ألّف تفسيراً حديثيّاً، وإلّا فيحوجنا الاستقصاء إلى تأليف مفرد، كما نذكر من روي منه التفسير بالأثر، سواء أكان له تأليف أو لا، وسيوافيك أنّ عصر التدوين متأخّر عن عصر بزوغ التفسير، وتداوله بين الصحابة والتابعين، وإليك أسماء الشخصيّات اللّامعة في أربعة قرون خدموا القرآن عن طريق الأثر عن النبيّ والآل:

أعلام التفسير في القرن الأوّل

١. عبد الله بن عباس: هو ترجمان القرآن، ابن عمّ النبيّ الأكرم، ولد قبل

٣٨٣

الهجرة بثلاث سنين، وتوفّي بالطائف سنة ( ٦٨ ه‍ )، ذكره ابن النديم في تسمية الكتب المصنّفة في التفسير بعد ما ذكر كتاب التفسير للإمام الباقر عليه‌السلام وقال: كتاب ابن عباس، رواه مجاهد وهو أبو الحجاج المقري، المفسّر المكّي مجاهد بن جبر، ( المتوفّى عام ١٠٢ ه‍ )، ورواه عن مجاهد حميد بن قيس الذي توفّي في زمن السفّاح ...، وسيوافيك أنّ عبد العزيز بن يحيى الجلودي ( المتوفّى عام ٣٣٢ ه‍ ) يروي تفسيراً عن ابن عباس. ١ وقد طبع تفسير موسوم بـ « تنوير المقباس من تفسير عبد الله بن عباس » في أربعة أجزاء، وطبع في بولاق مصر عام ( ١٢٩٠ ه‍ )، وأمّا من هو المؤلّف لهذا التفسير فقد نسبه الحافظ شمس الدين السخاوي في « الضوء اللامع » إلى محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، صاحب القاموس ( المتوفّى عام ٨١٨ ه‍ )، والكلام في هذا الكتاب ذو شجون، والتحقيق موكول إلى محله، وعلى أي تقدير فالرجل في الرعيل الأوّل من المفسّرين بين الصحابة والتابعين، وقد عرفت مأخذ تفسيره فلا نعيد، ولم يثبت له كتاب.

٢. ابن جبير: هو سعيد بن جبير ( الشهيد عام ٩٥ ه‍ ) بأمر الحجاج بن يوسف الثقفي، ذكره ابن النديم في « الفهرست »، وقد استشهد الرجل لولائه وتشيّعه، وقصته معروفة.٢

٣. عطيّة العوفي: هو المعروف بالجدلي، وهو غير عطيّة العوفي المعروف

__________________

١. فهرست ابن النديم: ٥٦. قال في فهرس كتبه: الكتب المتعلّقة بعبد الله بن العباس - رضي الله عنه ـ: مسنده، كتاب التنزيل عنه، كتاب التفسير عنه، كتاب تفسيره عن أصحابه، كتاب القراءات عنه، كتاب الناسخ والمنسوخ عنه. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ٤ / ٢٤٣ - ٢٤٤ برقم ١١٨٥.

٢. فهرست ابن النديم: ٥٧. وسعيد بن جبير أوّل مؤلّف من الشيعة في التفسير، كما سيوافيك، وعلى فرض ثبوت تأليف لابن عباس يكون هو المؤلّف الأوّل، وقد أثبت ابن النديم لهما كتاباً.

٣٨٤

بالبكالي، فانّ الثاني من أصحاب أمير المؤمنين، والأوّل من أصحاب الإمام الباقر الذي توفّي سنة ( ١١٤ ه‍ )، وقد أخذ عنه: أبان بن تغلب، وخالد بن طهمان، وزياد بن المنذر، كما ذكره النجاشي في تراجم هؤلاء، وقد جاءت ترجمته في كتب رجال العامّة كتهذيب الكمال وخلاصة التهذيب.١

أعلام التفسير في القرن الثاني

٤. السُدّي: أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي التابعي الكوفي ( المتوفّى سنة ١٢٧ ه‍ ) المعروف بالسدي الكبير، نسبة إلى سدة مسجد الكوفة، من أصحاب الأئمّة: عليّ بن الحسين ومحمد بن عليٍّ الباقر وجعفر الصادقعليهم‌السلام . قال السيوطي في « الإتقان »: إنّ تفسير إسماعيل السدّي من أمثل التفاسير، ونرى المرويّات عنه في كتب التفسير كثيراً.٢

٥. جابر بن يزيد الجعفي: قال النجاشي: عربي قديم، ثمّ سرد نسبه وقال: لقى أبا جعفر وأبا عبد اللهعليهما‌السلام ، مات سنة ( ١٢٨ ه‍ )، له كتب منها التفسير. عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقرعليه‌السلام .٣

٦. زيد بن أسلم العدوي: عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام السجّاد والإمام الصادقعليهما‌السلام .٤ وذكر ابن النديم له كتاب التفسير، وقال: كتاب التفسير عن زيد بن أسلم، وهو بخط السكري، وهو أبو سعيد الحسن بن حسين

__________________

١. الذريعة: ٤ / ٢٨٢ برقم ١٢٩٣.

٢. فهرست ابن النديم: ٥٧ ؛ الذريعة: ٤ / ٢٧٦ برقم ١٢٧٥.

٣. رجال النجاشي: ١ / ٣١٣ برقم ٣٣٠ ؛ رجال الطوسي: ١١١ برقم ٦.

٤. فهرست ابن النديم: ٥٧ ؛ رجال الطوسي: ٩٠ و ١٩٧ ؛ الذريعة: ٤ / ٢٧٥ برقم ١٢٧٣.

٣٨٥

ابن عبد الله السكري، النحوي، اللغوي، ( المتوفّى عام ٢٧٥ ه‍ ).

٧. أبان بن تغلب: وهو أبان بن تغلب بن رباح البكري الجريري، ( المتوفّى عام ١٤١ ه‍ )، قال ابن النديم: كتاب التفسير لابن تغلب، ثمّ ذكر في مكان آخر ما لفظه: كتاب معاني القرآن، لطيف وكتاب القراءات، والظاهر أنّ المراد من معاني القرآن هو تفسير غريبه، وقد مرّ ذكره.١

٨. محمّد بن السائب الكلبي: هو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، ( المتوفّى ١٤٦ ه‍ )، من أصحاب الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وهو والد أبي المنذر هشام الكلبي النسّابة ( المتوفّى ٢٠٦ ه‍ )، ترجمه ابن النديم وذكر تفسيره، وقال: وهو تفسير كبير، وقد عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام .٢

٩. أبو حمزة الثمالي: هو ثابت بن أبي صفيّة. قال النجاشي: كوفي ثقة، وكان آل المهلب يدّعون ولاءه، وليس من قبيلتهم، لأنّهم من العتيك ( والعتيك: بطن من الأزد )، لقي عليّ بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن ( الكاظم )عليهم‌السلام ، وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروى عن أبي عبد الله أنّه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه، ومات سنة ( ١٥٠ ه‍ )، وذكره ابن النديم في فهرسته، والكاتب الجلبي في كشف الظنون، ويروي عن هذا التفسير: الثعلبي ( المتوفّى ٤٢٧ ه‍ ) في الكشف والبيان، كما يروي عن هذا التفسير ابن شهر آشوب في كتابيه « الأسباب والنزول »، و « المناقب ». وقال ابن حجر في « التقريب » ( ١ / ١١٦ ): رافضي مات في خلافة أبي جعفر المنصور.٣

__________________

١. فهرست ابن النديم: ٥٠ و ص ٣٢٢.

٢. فهرست ابن النديم: ٥٧ ؛ رجال الطوسي: ٢٨٩ برقم ١٤٤.

٣. فهرست ابن النديم: ٥٧ ؛ رجال النجاشي: ١ / ٢٨٩ برقم ٢٩٤ ؛ الذريعة: ٤ / ٢٥٢ برقم ١٢٠٥.

٣٨٦

١٠. أبوالجارود: زياد بن المنذر، المعروف بأبي الجارود الهمداني. عرّفه النجاشي بقوله: كوفي من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد الله، له كتاب تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر، ومات في حياة الإمام الصادقعليه‌السلام، وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الباقر. وراجع ترجمته في تقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب.١

١١. حسن بن واقد: هو أخو عبد العزيز، عبد الله بن واقد الذي هو من أصحاب الإمام الصادق، وذكر ابن النديم في فهرسته كتاب التفسير له كما ذكر له الناسخ والمنسوخ.٢

١٢. أبو جنادة السلولي: هو الحصين بن المخارق بن عبد الرحمن السلولي، بن ورقاء بن حبشي بن جنادة ويعدّ جدّه الحبشي من الصحابة، وقد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وذكر له التفسير. قال النجاشي: الحبشي ( جدّه ) صاحب النبيّ، روى عنه ثلاثة أحاديث، أحدها: « عليٌّ منّي وأنا منه »، ثمّ قال: له كتاب التفسير والقراءات.٣

١٣. وهيب بن حفص: هو المعروف بأبي علي الحريري مولى بني أسد، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن ( الكاظم )، وكان ثقة وصنّف كتباً، منها: كتاب تفسير القرآن وكتاب في الشرائع.٤

١٤. علي بن أبي حمزة البطائني: عرّفه النجاشي بقوله: كوفي، روى عن أبي

__________________

١. رجال النجاشي: ١ / ٣٨٧ برقم ٤٤٦ ؛ رجال الطوسي: ١٢٢ برقم ٤ وتعليقته للعلّامة السيد صادق بحر العلوم.

٢. فهرست ابن النديم: ٥٧ ؛ الذريعة: ٤ / ٢٧١ برقم ١٢٦٠.

٣. رجال الطوسي: ١٧٨ برقم ٢٢٢ ؛ رجال النجاشي: ١ / ٣٤٢ برقم ٣٧٤.

٤. رجال النجاشي: ٢ / ٣٩٣ برقم ١١٦٠.

٣٨٧

الحسن موسى ( الكاظم )، وروى عن أبي عبد الله، وصنّف كتباً، منها: كتاب جامع في أبواب الفقه، وكتاب التفسير وأكثره مروي عن أبي بصير، وذكره الشيخ في أصحاب الصادقعليه‌السلام .١

أعلام التفسير في القرن الثالث

١٥. الإمام الحافظ الكبير عبد الرزاق بن همام اليماني، ( ١٢٦ - ٢١١ ه‍ )، ترجمه الذهبي في « تذكرة الحفّاظ » وعدّه الشيخ في عداد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام، وذكر النجاشي اسمه في ترجمة أبي علي محمد بن همام بن سهيل الاسكافي البغدادي، وتوجد نسخة من تفسيره في بعض مكتبات مصر، سنة كتابته ( ٧٢٤ ه‍ )، وقد أكثر فيه الرواية عن أبي عروة: معمر بن راشد الصنعاني البصري من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام .٢

١٦. ابن محبوب: هو الحسن بن محبوب ( ١٥٠ - ٢٢٤ ه‍ )، قال الشيخ: كوفي ثقة، روى عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله، وكان جليل القدر ويعدّ من الأركان الأربعة في عصره، ثمّ عدّ كتبه، وقال: وزاد ابن النديم كتاب التفسير.٣

١٧. ابن فضّال الكبير: وهو أبو محمد الحسن بن علي الفضّال الكوفي، ( المتوفي عام ٢٢٤ ه‍ )، ذكر تفسيره ابن النديم، وله أيضاً « الشواهد من كتاب الله »

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٦٩ برقم ٦٥٤ ؛ رجال الطوسي: ٢٤٢ برقم ٣١٢.

٢. رجال النجاشي: ٢ / ٢٩٥ برقم ١٠٣٣ ؛ الذريعة: ٤ / ٣٥٠ برقم ١٢٠٠.

٣. فهرست الطوسي: ٧١ برقم ١٦٢ ؛ الذريعة: ٤ / ٢٤٨ برقم ١١٩٣.

لاحظ فهرست ابن النديم: ٣٠٩. والعجب أنّ النجاشي لم يعقد لابن محبوب ترجمة مستقلة مع أنّه من أصحاب الإجماع.

٣٨٨

وذكر النجاشي له خصوص الناسخ والمنسوخ، وقال الشيخ: روى عن الرضاعليه‌السلام، وكان خصّيصاً به، وكان جليل القدر عظيم المنزلة زاهداً ورعاً ثقة في الحديث وفي رواياته، ثمّ ذكر كتبه، وقال: وزاد ابن النديم كتاب التفسير.١

١٨. الحسن بن سعيد الأهوازي: قال النجاشي: شارك أخاه الحسين في الكتب الثلاثين المصنّفة. خاله جعفر بن يحيى بن سعد الأحول من رجال أبي جعفر الثاني ( الجواد )، وكُتبُ ابني سعيد كتب حسنة معوّل عليها وهي ثلاثون كتاباً، ومنها: كتاب تفسير القرآن. وقد ذكرهما الشيخ من أصحاب الرضاعليه‌السلام وتوفّي الإمام الرضاعليه‌السلام عام ( ٢٠٣ ه‍ ).٢

١٩. محمد بن خالد بن عبد الرحمان الكوفي البرقي: قال النجاشي: وكان أديباً حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العرب، له كتب منها: كتاب التفسير، وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الجوادعليه‌السلام، كما عدّه أيضاً في موضع آخر من أصحاب الرضاعليه‌السلام .٣

٢٠. عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي: من أصحاب الإمام الجواد، وذكر النجاشي له كتباً كثيرة، وقال: كتاب التفسير عن علي، ثمّ قال: وكتاب تفسيره عن الصحابة، وهو من المكثرين في التفسير، وقد مرّ أنّ له كتب التفسير عن ابن عباس وغيره، وقد ذكر له ما يقرب من مائتي كتاب، وقال الشيخ: « عبد العزيز الجلودي من أهل البصرة، امامي المذهب، له كتب في السير والأخبار »، وقد ذكر المعلّق على فهرست الشيخ أنّه توفّي سنة ( ٢٣٢ ه‍ ).٤

__________________

١. رجال النجاشي: ١ / ١٢٧ برقم ٧١ ؛ فهرست الطوسي: ٧٣ برقم ١٦٤ ؛ فهرست ابن النديم: ٢٢٦.

٢. رجال النجاشي: ١ / ١٧١ برقم ١٣٥ ؛ رجال الطوسي: ٣٩٥.

٣. رجال النجاشي: ٢ / ٢٠٠، برقم ٨٩٩ ؛ رجال الطوسي: ٤٠٤ و ٣٨٦.

٤. رجال النجاشي: ٢ / ٥٤ برقم ٦٣٨ ؛ فهرست الطوسي: ١٤٥ ؛ فهرست ابن النديم: ١٧٢.

٣٨٩

٢١. محمد بن عباس بن عيسى: قال النجاشي: كان يسكن بني غاضرة، روى عن أبيه والحسن بن علي بن أبي حمزة وعبد الله بن جبلة، له كتب منها: كتاب التفسير.١

٢٢. علي بن الحسن بن فضّال: قال النجاشي: « كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث المسموع قوله فيه، سمع منه شيء كثير، ولم يعثر له على زلّة فيه ولا ما يشينه، وقلّما روى عن ضعيف، وصنّف كتباً كثيرة منها: كتاب التفسير، ومنها: كتاب التنزيل من القرآن والتحريف »، ولعلّ المراد أسباب النزول الصحيحة والمحرّفة. عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الهادي والعسكري، توفّي أبوه سنة ( ٢٢٤ ه‍ ). وقال الشيخ: ثقة كوفي كثير العلم، واسع الرواية والأخبار، جيد التصانيف، وعدّ كتبه ومنها: كتاب التفسير.٢

٢٣. أحمد بن محمد بن خالد البرقي: مؤلّف كتاب « المحاسن »، وهو مشتمل على عدّة كتب منها كتاب التفسير والتأويل، وله كتاب فضل القرآن أيضاً، توفي عام ( ٢٧٤ ه‍ )، وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الجواد والهاديعليهما‌السلام .٣

أعلام التفسير في القرن الرابع

٢٤. فرات بن إبراهيم الكوفي: وقد أكثر فيه الرواية عن الحسن بن سعيد

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٢٣٢ برقم ٩١٧.

٢. رجال النجاشي: ٢ / ٨٢ برقم ٦٧٤؛ فهرست الطوسي: ١١٨ برقم ٣٩٣؛ ورجال الطوسي: ٤١٩ و ٤٣٣.

٣. رجال النجاشي: ١ / ٢٠٤ برقم ١٨٠ ؛ رجال الطوسي: ٣٩٨ برقم ٨، و ٤١٠ برقم ١٦.

٣٩٠

الكوفي الأهوازي الذي أدرك الإمام الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام ، كما أكثر فيه من الرواية عن جعفر بن مالك البزاز الكوفي ( المتوفّى حدود ٣٠٠ ه‍ )، كما أكثر من الرواية عن عبيد بن كثير العامري الكوفي ( المتوفّى سنة ٢٩٤ ه‍ )، فالمؤلّف من أعيان الإماميّة، في أوائل القرن الرابع، ويروي عنه والد الشيخ الصدوق علي بن الحسين ابن بابويه القمي ( المتوفّى سنة ٣٢٩ ه‍ ). طبع مرّتين، المرّة الثانية طبعة محقّقة.١

٢٥. محمد بن أوْرَمة: أبو جعفر القمي، ترجمه النجاشي في رجاله، وذكره الشيخ في باب من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام ، وذكر النجاشي له كتباً كثيرة منها: كتاب تفسير القرآن.٢

٢٦. علي بن إبراهيم بن هاشم الكوفي القمي: أُستاذ الكليني، وكان في عصر أبي محمد العسكري وبقي حياً إلى سنة ( ٣٠٧ ه‍ )، وقد روى الصدوق في « عيون أخبار الرضا »، عن حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم سنة ( ٣٠٧ ه‍ )، وطبع تفسيره مرّات، ولنا بحث ضاف حول تفسيره. قال النجاشي: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر وصنّف كتباً، وله كتاب التفسير.٣

٢٧. ابن بابويه: أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، المتوفّى سنة تناثر النجوم ( ٣٢٩ ه‍ )، قال النجاشي: له كتب، منها: كتاب التفسير، ثمّ رواه عنه بواسطة أبي الحسن العباس، بن عمر بن العباس وقال المجيز: أخذت أجازة علي بن الحسين بن بابويه لـمـّا قدم بغداد سنة (٣٢٨) بجميع كتبه.

__________________

١. الذريعة: ٤ / ٢٩٨ برقم ١٣٠٩.

٢. رجال النجاشي: ٢ / ٢١١ برقم ٨٩٢ ؛ رجال الطوسي: ٥٠٢ برقم ١١٢.

٣. رجال النجاشي: ٢ / ٨٦ برقم ٦٧٨ ؛ كليات في علم الرجال: ٣١١ - ٣٢٠.

٣٩١

وقال الشيخ في « الفهرست »: كان فقيهاً جليلاً ثقة، وله كتب كثيرة، ثمّ عدّ كتبه، منها: كتاب التفسير، وذكره في الرجال في باب من لم يرو عن الأئمّة، وقال: روى عنه التلعكبري، قال: سمعت منه في السنة التي تهافتت فيها الكواكب، دخل بغداد فيها وذكر أنّ له منه إجازة بجميع مرويّاته. وذكره ابن النديم في الفهرست وهو والد الصدوق مؤلّف أحد الكتب الأربعة الفقهية المطبوعة. ١

٢٨. العياشي: أبو النضر محمد بن مسعود السمرقندي، المؤلّف لما يزيد على مائتي كتاب في عدة فنون: الحديث، الرجال، التفسير، النجوم، وهو في طبقة مشايخ الكليني، وشيخ الكشي.

قال النجاشي: ثقة، عين من عيون هذه الطائفة، وسمع من شيوخ الكوفيين والبغداديين والقميين، أنفق تركة أبيه على العلم والحديث، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلّق، مملوءة من الناس.

وقال الشيخ: جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات، مطّلع عليها. له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنّف، ذكر فهرس كتبه أبو إسحاق النديم، منها: كتاب التفسير، وقد طبع جزءان من هذا التفسير ينتهي إلى سورة الكهف، وقد جنى الناسخ على الكتاب وأسقط أسانيد الحديث.٢

النعماني: أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني الراوي عن ثقة الإسلام الكليني ( المتوفّى سنة ٣٢٩ ه‍ ). قال الشيخ الحرّ العاملي: رأيت

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٩ برقم ٦٨١ ؛ فهرست الطوسي: ١١٩ برقم ٣٩٤ ؛ الرجال له أيضاً: ٤٨٢ برقم ٣٤ ؛ فهرست ابن النديم: ٢٩١.

٢. رجال النجاشي: ٢ / ٢٤٧ برقم ٩٤٥ ؛ فهرست الطوسي: ١٦٣.

٣٩٢

قطعة من تفسيره١ ولعلّ ما رآه هو رسالة المحكم والمتشابه المطبوع باسم السيد المرتضى، وقد أدرجها القمي في أوّل تفسيره، والسيد هاشم البحراني في تفسير البرهان، ولأجل أنّه لم يتحقّق لنا أنّ له تفسيراً وراء هذا لم نذكر له رقماً خاصّاً.

٢٩. ابن الوليد: محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد. قال النجاشي: شيخ القميين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم ثقة ثقة أي مسكون إليه، له كتب منها: كتاب تفسير القرآن. وقال الشيخ: جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به، له كتب منها: كتاب الجامع وكتاب التفسير، وقال ابن النديم مثله.٢

٣٠. محمد بن أحمد بن إبراهيم الصابوني: مؤلّف تفسير « معاني القرآن » من قدماء أصحابنا، وأعلام فقهائنا ممّن أدرك الغيبتين: الصغرى والكبرى. ذكر النجاشي فهرس كتبه وعدّ منها: التفسير، كما عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي، وهو أُستاذ جعفر بن محمد بن قولويه ( المتوفّى عام ٣٦٩ ه‍ ).٣

٣١. أبو منصور الصرام: عرّفه الشيخ في فهرسته، وقال: وكان رئيساً مقدّماً، وله كتب كثيرة، منها: كتاب في الأُصول سمّاه بيان الدين، وقال: له كتاب تفسير القرآن كبير حسن، ورأيت ابنه أبا القاسم، وكان فقيهاً وسبطه أبا الحسن، وكان من أهل العلم.٤

٣٢. الصدوق: محمد بن علي بن بابويه، نزيل الري. قال النجاشي: شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة ( ٣٥٥ ه‍ )، وسمع منه

__________________

١. الذريعة: ٤ / ٣١٨ برقم ١٣٤٢.

٢. رجال النجاشي: ٢ / ٣٠١ برقم ١٠٤٣ ؛ فهرست ابن النديم: ٣٢٧.

٣. رجال النجاشي: ٢ / ٢٨٢ برقم ١٠٢٣ ؛ تنقيح المقال: ٣ / ٦٥ برقم ١٠٢٩١.

٤. تنقيح المقال: ٣ / ٣٦ ( فصل الكنى ).

٣٩٣

شيوخ الطائفة وهوحدث السن، ثمّ ذكر فهرس كتبه الكثيرة منها: كتاب مختصر تفسير القرآن.

وقال الشيخ: جليل القدر، يكنّى أبا جعفر، كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو ثلاثمائة مصنّف، وفهرس كتبه معروف١ وقد توفّي عام ( ٣٨١ ه‍ ).

هؤلاء اثنان وثلاثون شخصاً، وكلّ واحد منهم كوكب في سماء التفسير والحديث، وقد حافظوا بكتبهم على حديث رسول الله وأهل بيته المطهّرين، ضربوا آباط الإبل لتحصيل الحديث، وهاجروا من بلد إلى بلد وتشهد بذلك تراجمهم، ولو أردنا أن نستقصي أسماء من كتب تفسيراً للقرآن من الشيعة في هذه القرون الأربعة لضاق بنا المجال وتجاوز الرقم المائة ومن أراد التوسّع فعليه الرجوع إلى المعاجم.

وأنت ترى أنّ النمط السائد على كتب هؤلاء، هو التفسير بالأثر والرواية، ولكنّ الذين جاءوا من بعدهم أحسّوا أنّ هناك نمطاً آخر من التفسير أكمل من النمط السابق، وهو تفسير القرآن تفسيراً علمياً جامعاً، والبحث عمّا يتعلّق بلفظ القرآن ومعناه، فأدخلوا فيها علم القراءات، وإقامة الحجج عليها، وأسباب النزول، والمغازي، والقصص، والحكايات، والأبحاث الكلامية التي يستدلّ عليها المفسّر بالقرآن الكريم، وإليك أسماء من أتى بعدهم وهم بين مقتفين لأثر السابقين، ومبدعين نمطاً جديداً باسم التفسير العلمي.

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٢٢١ برقم ١٠٥٠ ؛ فهرست الطوسي: ١٨٤ برقم ٧٠٩.

٣٩٤

أعلام التفسير في القرن الخامس

لقد حل القرن الخامس، في حين استفحل أمر الفرق الإسلامية، وتشتّت المذاهب الكلامية فيما يرجع إلى المبدأ والمعاد خصوصاً في أسمائه وصفاته، وهم:

بين مشبّه لله سبحانه بمخلوقه « يثبت له يداً ورجلاً ووجهاً وحركةً » وانتقالاً كالإنسان، ويكفِّر من ينكر ذلك، ويباهي بعقيدته، ويرفع عقيرته: بأنّا نثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه في الكتاب والسنّة، وكأنّهم لم يسمعوا قوله سبحانه:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) أو قوله عزّ من قائل:( مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) .

وبين معطّل في فهم الأسماء والصفات فيفوض معانيها إلى الله سبحانه، ويرتدع عن تفسيرها على ضوء الكتاب والسنّة والعقل، وكأنّ القرآن لم ينزل إلّا للقراءة والكتابة، لا للفهم والدراية، وكأنّ الوحي لم ينقر أسماعهم( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) .

وبين مؤوّل للآيات حسب عقيدته وفكرته يُخضعون كلام الله لآرائهم، وكأنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحذّرهم عن تفسير القرآن بالرأي ولم يقل: « من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ».

ففي هذه الظروف القاسية قام علماء الشيعة بتفسير القرآن تفسيراً علمياً غير مائلين لا إلى اليمين ولا إلى الشمال، غير عاضدين لهذه الفرق، مقتفين أثر الكتاب العزيز، مستلهمين من أثر الرسول، ومتدبّرين في الآيات، فألّفوا في هذا المجال موسوعات تفسيريّة لم تزل تشعّ منذ تكوّنها إلى يومنا هذا، وإليك أسماءهم:

٣٣. أبو الحسن الشريف الرضي: نقيب العلويّين، محمّد بن الحسين بن

٣٩٥

موسى المعروف بالسيد الرضي، ولد عام ( ٣٥٩ ه‍ ) وتوفّي عام ( ٤٠٦ ه‍ )، وهو صاحب الأثر الخالد: نهج البلاغة، الذي قام فيه بجمع خطب الإمام ورسائله وكلمه من هنا وهناك، وله « حقائق التأويل في متشابه التنزيل » وهو تفسيره الكبير التي يعبّر عنه تارة « بحقائق التأويل »، وأُخرى بالكتاب الكبير في متشابه القرآن، وعبّر عنه النجاشي بحقائق التنزيل، وصاحب عمدة الطالب بكتاب المتشابه في القرآن. ذكره ابن شهر آشوب في معالم العلماء، وقال: يتعذّر وجود مثله. وقال النسابة العمري في المجدي: شاهدت له جزءاً مجلداً من تفسير منسوب إليه في القرآن، مليح حسن، يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر.

وقال ابن خلّكان: « يتعذّر وجود مثله، دلّ على توسّعه في علم النحو، واللغة، وصنّف كتاباً في مجازات القرآن فجاء نادراً في بابه »، وقد طبع منه الجزء الخامس، أوّله تفسير قوله:( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) .

ونقل الخطيب في تاريخ بغداد عن شيخه أحمد بن محمد ( المتوفّى ٤٤٥ ه‍ ) أنّ الرضي صنّف حول معاني القرآن ما يتعذّر وجود مثله، فيذكر الآيات المشكلة أو المتشابهة، فيزيل إشكالها وغموضها، وكتابه هذا غير مجازات القرآن المنتشرة.١

٣٤. محمد بن محمد بن النعمان المفيد ( ٣٣٦ - ٤١٣ ه‍ ).

يقول النجاشي: شيخنا وأُستاذنا - رضي الله عنه ـ. فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٣٢٦؛ الذريعة: ٧ / ٣٢ برقم ٢٦٠؛ وفيّات الأعيان: ٤ / ٤١٦، تحقيق الدكتور احسان عباس ؛ الغدير: ٤ / ١٩٨.

٣٩٦

يقول الشيخ الطوسي - تلميذه الآخر ـ: « يكنّى أبا عبد الله المعروف بابن المعلم، من جملة متكلّمي الإماميّة انتهت إليه رئاسة الإماميّة في وقته، وكان مقدّماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، توفّي لليلتين خلتا من شهر رمضان، سنة ( ٤١٣ ه‍ )، وكان يوم وفاته يوماً عظيماً لم ير أعظم منه، من كثرة الناس للصلاة عليه، وكثرة البكاء من المخالف والموافق ».

وقال ابن كثير: « توفّي في سنة ( ٤١٣ ه‍ )، عالم الشيعة، وإمام الرافضة، صاحب التصانيف الكثيرة المعروف بالمفيد، وبابن المعلم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة بالجلالة والعظمة في الدولة البهية البويهيّة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس، وكان عضد الدولة ربّما زار الشيخ المفيد، وكان شيخاً ربعاً نحيفاً أسمر، عاش ( ٧٦ سنة )، وله أكثر من مائتي مصنّف، وكان يوم وفاته مشهوداً وشيّعه ثمانون ألفاً من الرافضة والمعتزلة »، وقد سرد تلميذه النجاشي أسماء كتبه وفيها ما يمسّ بالموضوع ١. كلام في دلائل القرآن، ٢. البيان في تأليف القرآن، ٣. النصرة في فضل القرآن، ٤. الكلام في حدوث القرآن، ٥. البيان عن غلط قطرب في القرآن، ٦. الردّ على الجبائي في التفسير، ولأجل هذه الكتب الكثيرة حول القرآن فهو من أكبر المهتمين بالقرآن، وكيف لا يكون ذلك وقد تربّى في مدرسته العلمان الكبيران المفسران: المرتضى والطوسي بل والشريف الرضي.١

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٣٢٧ برقم ١٠٦٨؛ فهرست الطوسي: برقم ٧١٠؛ البداية والنهاية: ١٢ / ١٥ ؛ ولاحظ: تاريخ بغداد: ٣ / ٢٣١ برقم ١٢٩٩.

٣٩٧

٣٥. السيد المرتضى علم الهدى، أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى.

يصفه النجاشي بقوله: حاز من العلوم ما لم يحزه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، كان متكلّماً شاعراً أديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، وهو من المكثرين في التأليف حول القرآن، أهمّها « الدرر والغرر »، المطبوع عدّة مرّات.

ووصفه الشيخ في فهرسته بقوله: المرتضى متوحّد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدّم في العلوم، مثل علم الكلام والفقه وأُصول الفقه، والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر، واللغة، وغير ذلك، له من التصانيف ومسائل البلدان شيء كثير مشتمل على ذلك فهرسه المعروف.

وقال في رجاله: انّه أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً، متكلّم، فقيه، جامع العلوم كلّها، مدّ الله في عمره. إلى غير ذلك من كلمات الثناء من مشايخ العامّة والخاصّة التي يضيق بنا المجال لنقل معشارها، وقد ترجمه كثير من أصحاب المعاجم. راجع لفهرسها كتاب الغدير. يقول الذهبي: « كتاب غرر الفوائد ودرر القلائد » كتاب يشتمل على محاضرات أو أمالي أملاها الشريف المرتضى في ثمانين مجلساً، تشتمل على بحوث في التفسير والحديث، والأدب، وهو كتاب ممتع، يدل على فضل كثير، وتوسّع في الاطّلاع على العلوم، وهو لا يحيط بتفسير القرآن كلّه، بل ببعض من آياته التي يدور أغلبها حول العقيدة.

إنّ من الجناية على العلم وأهله رمي السيد المرتضى بأنّه يسعى في كتابه هذا للتوفيق بين آرائه الاعتزالية وآيات القرآن التي تتصادم معها ». وهذا ما يقوله الذهبي، وهو شنشنة أعرفها من كلّ من لم يفرق بين مبادئ التشيّع والاعتزال، فزعم أنّ اشتراكهما في بعض المبادئ كامتناع رؤية الله سبحانه، وحريّة الإنسان في حياته، وسعادته وشقائه، بمعنى اتحادهما في جميع الأُصول والمبادئ، ولم يقف على

٣٩٨

أنّ المعتزلة في بعض آرائهم وعقائدهم عيال على خطب الإمام أمير المؤمنين وكلماته، هذا والكتاب قد طبع مرّات محقّقة.١

٣٦. محمد بن الحسن الطوسي، أبو جعفر، جليل من أصحابنا.

قال النجاشي: ثقة، عين من تلامذة شيخنا أبي عبد الله.

وقال العلّامة في الخلاصة: شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأُصول والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنتسب إليه، صنّف في كلّ فنون الإسلام، وهو المهذِّب للعقائد في الأُصول والفروع، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل، وكان تلميذ الشيخ المفيد، ولد - قدّس الله روحه - في شهر رمضان سنة ( ٣٨٥ ه‍ )، وقدم العراق في شهور سنة ( ٤٠٨ ه‍ )، وتوفّى - رضي الله عنه - ليلة الاثنين، الثاني والعشرين من المحرّم سنة ( ٤٦٠ ه‍ ) بالمشهد المقدّس الغروي، ودفن بداره.

وقد ترجمه أصحاب المعاجم من العامّة والخاصّة، وكفانا عن مؤونة البحث، ما ألّفه حول حياته شيخ الباحثين شيخنا المجيز الطهراني الذي طبع في مقدمة كتاب التبيان، وأمّا كتاب « التبيان »، فيكفي فيه قول الطبرسي:

« إنّه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحقّ، ويلوح عليه رواء الصدق، قد تضمن من المعاني، الأسرار البديعة، واحتضن من الألفاظ اللغة الوسيعة، ولم يقنع بتدوينها دون تبيينها، ولا بتنميقها دون تحقيقها، وهو القدوة أستضيء بأنواره وأطأ

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ١٠٢ برقم ٧٠٦ ؛ فهرست الطوسي: ٩٩ ؛ الخلاصة: ٤٦ ؛ التفسير والمفسّرون : ٤٠٤. ولاحظ: رسالة الإسلام، العدد الثاني، من السنة الثانية عشرة، مقالة الشيخ محمد جواد مغنية، تحت عنوان: « الإمامية بين الأشاعرة والمعتزلة » تجد فيها حقّ المقال.

٣٩٩

مواقع آثاره ».١

وأمّا منهجه في التفسير فيظهر من قوله في مقدمته. يقول « سمعت جماعة من أصحابنا قديماً وحديثاً يرغبون في كتاب مقتصد، يجتمع على جميع فنون علم القرآن من القراءة والجواب عن مطاعن الملحدين فيه، وأنواع المبطلين كالمجبّرة والمشبّهة والمجسّمة وغيرهم، وذكر ما يختصّ أصحابنا به من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحّة مذاهبهم في أُصول الديانات وفروعها ».

ثمّ إنّ كتاب التبيان تداولته العلماء، وأخذوا في تحقيقه، فمنهم من اختصره كابن إدريس الحلي ( المتوفّى عام ٥٩٨ ه‍ )، وأبي عبد الله محمد بن هارون ( المتوفّى عام ٥٩٧ ه‍ )، كما أرّخه الجزري في طبقات القرّاء، وسيوافيك أسماؤهما في القرن السادس فانتظر.

٣٧. أبو سعيد، إسماعيل بن علي بن الحسين السمان، المعاصر للسيد المرتضى والشيخ الطوسي، حيث يروي عنه من يروي عنهما كإسماعيل وإسحاق ابني محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن موسى بن بابويه القمي. وذكره الشيخ منتجب الدين في فهرسته، وقال: ثقة وأيّ ثقة، حافظ، له « البستان في تفسير القرآن » في عشر مجلّدات.٢

أعلام التفسير في القرن السادس

٣٨. محمّد بن علي الفتّال، قال الشيخ منتجب الدين: الشيخ محمد بن علي

__________________

١. رجال النجاشي: ٢ / ٣٣٢ برقم ١٠٦٩، الخلاصة: ١٤٨ ؛ مجمع البيان: ١ / ١٠. وراجع لسان الميزان: ٥ / ١٣٥ برقم ٤٥٢.

٢. فهرست منتجب الدين: ٨ برقم ٨.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457