مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 457

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 457 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135468 / تحميل: 5239
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الفتّال النيسابوري صاحب التفسير، ثقة وأيّ ثقة. أخبرنا جماعة من الثقات عنه بتفسيره. ويظهر منه أنّه غير الفتّال المعروف مؤلّف روضة الواعظين، حيث عنونه أيضاً وقال: الشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسي مصنّف « روضة الواعظين »١ ، ولم يذكر له التفسير، واحتمل المصحّح وحدتهما وأشار في التعليقة أنّه تقدّم، ولكنّه خلاف الظاهر، إذ لا وجه لعنوان شخص واحد مرّتين.

٣٩. محمد بن الحسن الفتّال النيسابوري: له كتاب « التنوير في معاني التفسير »، « روضة الواعظين وبصيرة المتعظين »٢ ويأتي هناك ما ذكرناه سابقاً من احتمال الوحدة، وانّ هناك فتّالاً واحداً باسم محمد بن الحسن بن علي بن أحمد، وقد أضافه ابن شهر آشوب إلى أبيه، وقال: محمد بن الحسن، وأضافه منتجب الدين إلى جدّه، وقال « محمد بن علي »، كما يحتمل تعدّدهما، وعلى كلّ حال فقد قتل شيخنا الفتّال عبد الرزاق رئيس نيسابور ابن أخي الخواجة نظام الملك الطوسي.٣

٤٠. فضل بن الحسن بن الفضل المعروف بالطبرسي والمقام يضيق عن نقل معشار ما ذكروا في حقّه، وهو من أكابر علماء الإماميّة في القرن السادس، وتفسيره المسمّى بـ‍ « مجمع البيان » يقع في عشرة أجزاء طبع في إيران وبيروت ومصر، ولد عام ( ٤٧١ ه‍ )، وتوفّي عام ( ٥٤٨ ه‍ )، وقد ترجمه أصحاب المعاجم بأبلغ الألفاظ، يقول الدكتور محمد موسى في مقالة حول « مجمع اليبان »:

ـ بعد نقل كلام الطبرسي في وصف كتابه - القارئ لهذا الكتاب، والباحث الذي يلجأ إليه فيما يعاني من تفسير كتاب الله العظيم ومعضلاته، والمتتبع لتطوّر

__________________

١. فهرست منتجب الدين: ١٦٦ برقم ٣٩٥، وص ١٩١ برقم ٥١١.

٢. معالم العلماء: ١١٨ برقم ٧٦٩.

٣. شهداء الفضيلة: ٣٨.

٤٠١

علم التفسير وما كتب فيه على مرّ القرون. كلّ من أُولئك يتبيّن كيف وفِّق المؤلّف رضوان الله عليه للوفاء بكلّ ما قال في المقدّمة من علوم القرآن المتعدّدة، وإلى أيّ مدى عال مرموق بلغ من ذلك كلّه، وبأيّ أُسلوب بليغ عالي المنزلة عالج النواحي التي عالجها، وبأيّ أمانة وصدر رحب نقل ما نقل من آراء مخالفيه في الرأي أو المذهب، على ندرة هذه الخطة الأخيرة بين غير قليل من العلماء الذين يتصدون للتأليف في العلوم والفنون التي يكثر فيها الاختلاف، ويشتدّ، كما ترى بوضوح في كثير من المؤلّفات في علم الكلام، وعلم الفقه.١

يقول الطبرسي في مقدمة مجمع البيان: ابتدأت بتأليف كتاب هو في غاية التلخيص والتهذيب وحسن النظم والترتيب، يجمع أنواع هذا العلم وفنونه، ويحوي فصوصه وعيونه، من علم قراءاته وإعرابه، ولغاته وغوامضه ومشكلاته، ومعانيه وجهاته، ونزوله وأخباره، وقصصه وآثاره، وحدوده وأحكامه، وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين، وذكر ما ينفرد به أصحابنا - رضي الله عنهم - من الاستدلالات بمواضع كثيرة منه على صحّة ما يعتقدونه من الأُصول والفروع والمعقول والمسموع على وجه الاعتدال والاختصار، فوق الإيجاز ودون الإكثار - إلى أن يقول: - إنّي قد جمعت في عربيته كلّ غرّة لائحة، وفي إعرابه كلّ حجّة واضحة، وفي معانيه كلّ قول متين، وفي مشكلاته كلّ برهان مبين، وهو بحمد الله للأديب عمدة، وللنحوي عدّة، وللمقرئ بصيرة، وللناسك ذخيرة، وللمتكلّم حجّة، وللمحدّث محجّة، وللفقيه دلالة، وللواعظ آلة .

__________________

١. الدكتور محمد يوسف موسى الأُستاذ بكلية أُصول الدين في القاهرة مجلة رسالة الإسلام، العدد الأوّل من السنة الثانية ص ٦٨.

٤٠٢

والشيخ الذهبي مؤلّف « التفسير والمفسّرون » مع عناده ولجاجه لعلماء الشيعة لم يستطع أن ينكر ما للطبرسي في كتابه « مجمع البيان » من مقدرة كبيرة في مجال التفسير. يقول: « والحقّ أنّ تفسير الطبرسي - بصرف النظر عمّا فيه من نزعات تشيّعيّة، وآراء اعتزالية ـ، كتاب عظيم في بابه، يدلّ على تبحّر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة، والكتاب يجري على الطريقة التي أوضحها لنا صاحبه في تناسق تام وترتيب جميل، وهو يجيد في كلّ ناحية من النواحي التي يتكلّم عنها، فإذا تكلّم عن القراءات ووجوهها أجاد، وإذا تكلّم عن المعاني اللغوية للمفردات أجاد، وإذا تكلّم عن أسباب النزول وشرح القصص استوفى الأقوال وأفاض، وإذا تكلّم عن الأحكام تعرّض لمذاهب الفقهاء وجهر بمذهبه ونصره إن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء، وإذا ربط بين الآيات آخى بين الجمل، وأوضح لنا عن حسن السبك وجمال النظم، وإذا عرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكال وأراح البال، وهو ينقل أقوال من تقدّمه من المفسّرين معزوّة لأصحابها، ويرجّح ويوجّه ما يختار منها - إلى أن قال ـ: والحقّ أن يقال: إنّه ليس مغالياً في تشيّعه ولا متطرّفاً في عقيدته ».١

ثمّ إنّ الذهبي يقول:

« وإذا كان لنا بعض المآخذ عليه، هو تشيّعه لمذهبه وانتصاره له، وحمله لكتاب الله على ما يتّفق وعقيدته، وتنزيله لآيات الأحكام على ما يتناسب مع الاجتهادات » .

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّت تلك الموآخذه فلا تختصّ بالطبرسي ومجمعه،

__________________

١. التفسير والمفسّرون: ٢ / ١٠٤.

٤٠٣

بل يعمّ كلّ من ورد في مجال التفسير وكتب تفسيراً علمياً، فانّ كلّ مفسّر يتشيّع لمذهبه وينتصر له، فالحنابلة والسلفيّون الذين يصرّون على إمكان رؤية الله سبحانه يوم القيامة ويسعون لأن يثبتوا له سبحانه أعضاء كأعضاء الإنسان، متدرّعين بلفظ « بلا كيف »، ينتصرون لمذهبهم ويتشيّعون له، ولكنّهم في نظر الذهبي موضوعيون واقعيّون ! وأمّا من حاول تنزيه الله سبحانه عن الرؤية والأعضاء البشرية فهو عنده طائفي متعصّب لمذهبه ! وممّا جعله الذهبي دليلاً لتعصّبه، أنّه يصرّ على عدم رؤية الله تبارك وتعالى، ويستدلّ على مذهبه بما يدلّ عليه. ولو كان ذلك دليلاً على تعصّبه لمذهبه، فليكن ذلك دليلاً على تعصّب مفسّري أهل السنّة من أهل الحديث والأشاعرة كالرازي والآلوسي، حيث يصرّون على إمكان رؤيته، ويستدلّون بما ظاهره إمكان رؤيته. فلماذا، « باؤك » تجرّ و « بائي » لا تجرّ ؟!

ثمّ إنّ لشيخنا الطبرسي تفاسير أُخرى منها « جوامع الجامع » الذي لخّص فيه كتاب الكشّاف وضمّن فيه نكات كتابه « مجمع البيان »، وهو تفسير بديع في بابه، طبع عدّة مرّات.

إنّ الشيخ الطبرسي بعد أن ألّف « مجمع البيان »، اطّلع على الكشّاف، فأراد أن يجمع بين فوائد الكتابين على وجه الاختصار، فألّف ذلك الكتاب المعروف بـ‍ « جوامع الجامع »، وقد ذكروا في ترجمته تفسيراً آخر له باسم الوسيط في أربعة مجلّدات، والظاهر أنّه هو ذلك الكتاب، وله تفسير آخر باسم الوجيز، فكأنّه ألّف تفاسير بألوان ثلاثة على وجه التبسيط وهو مجمع البيان، وعلى وجه الإيجاز والاختصار وهو « الوجيز »، وعلى نمط بين التبسيط والإيجاز وهو « جوامع الجامع »، وقد فرغ من الكتاب « مجمع البيان » عام ( ٥٣٦ ه‍ )، وفرغ من الجزء الأوّل من عشرة أجزاء عام ( ٥٣٠ ه‍ )، وكأنّه استغرق تأليف مجمع البيان سبع سنوات، وقد

٤٠٤

قام بهذا الجهد البليغ، وقد ذرف على الستين.

٤١. ضياء الدين، أبو الرضا فضل الله بن علي الراوندي الحسني، وهو مؤلّف الكافي في التفسير، صرّح به العلّامة في إجازته لبني زهرة والمؤلّف شيخ منتجب الدين الرازي، ( المتوفّى سنة ٦٠٠ ه‍ )، وشيخ ابن شهر آشوب، ( المتوفّى عام ٥٨٨ ه‍ )، وكان المؤلّف ( حيّاً عام ٥٤٨ ه‍ ).

قال الرازي: « علّامة زمانه، جمع مع علو النسب كمال الفضل والحسب، وكان أُستاذ أئمّة عصره »، ثمّ ذكر تصانيفه، منها التفسير، قال: شاهدته وقرأت بعضها عليه.١ .

٤٢. جمال الدين، أبو الفتوح الحسين بن علي الخزاعي، النيسابوري، الرازي. شيخ منتجب الدين، وابن شهر آشوب، وقد تعرّفت على سنة وفاتهما، والمدفون في جوار سيدنا عبد العظيم الحسني، له تفسيران أحدهما: عربي أشار إليه في مفتتح تفسيره الفارسي، والآخر: فارسي في عشرة أجزاء كبار، وهو المتداول الموسوم بـ « روض الجنان »، طبع مرّتين مرّة عام ( ١٣٢٣ ه‍ )، وثانياً عام ( ١٣٧٠ ه‍ ) بتصحيح العارف الشيخ مهدي الإلهي القمشئي، في عشرة أجزاء، وقد طبعت ترجمة المؤلّف في الطبعة الأُولى بقلم الكاتب الأديب محمد القزويني، والتفسير مشحون بالأبحاث الأدبية، وما يرجع إلى القراءة وحجّتها، وأسباب النزول، والاحتجاج على المذهب المختار، ولعلّ المؤلّف توفّي عام ( ٥٥٠ ه‍ )٢ ، وربّما

__________________

١. العلّامة الحلي: الإجازة الكبيرة لبني زهرة. لاحظ البحار: ١٠٤ / ١٣٥، ويروي عنه بواسطة أبيه عن السيد صفي الدين، عنه ؛ فهرست منتجب الدين: ١٤٤.

٢. وقد أجاز لبعض تلامذته عام ( ٥٤٧ ه‍ ). لاحظ مقدمة المحدّث الأرموي لجلاء الأذهان: ص (ل).

٤٠٥

يقال: إنّ الرازي وضع تفسيره على منوال هذا التفسير١ والمؤلّفان رازيّان غير أنّ الفخر متأخّر عنه قليلاً.

٤٣. رشيد الدين، أبو علي محمد بن علي بن شهر آشوب السروي، ( المتوفّى عام ٥٨٨ ه‍ ) عن مائة سنة إلّا أربعة أشهر، له كتاب في التفسير عبّر عنه في كتابه « معالم العلماء » بـ « متشابه القرآن »، وهو كتاب نفيس منبئ عن طول باعه. يقول في مقدمة الكتاب: سألتم - وفّقكم الله للخيرات - املأ كتاب في بيان المشكلات من الآيات المتشابهات، وما اختلف العلماء فيه من حكم الآيات، ولعمري أنّ لهذا التحقيق بحراً عميقاً فأسأل الله المعونة على إتمامه، وأن يوفّقني لإتمام ما شرعت فيه من كتاب أسباب نزول القرآن، فانّ بانضمامهما يحصل جلّ علوم التفسير.٢

وقد طبع الكتاب في طهران سنة ( ١٣٧٠ ه‍ )، وأمّا الكتاب الآخر الذي أشار إليه، فلم نقف على نسخته، وقد ترجم المؤلّف لفيف من أعلام الطائفة وغيرهم من أهل السنّة.

٤٤. قطب الدين، سعيد بن هبة الله بن حسن الراوندي، ( المتوفّى سنة ٥٧٣ )، المدفون بقم، في صحن السيدة معصومة سلام الله عليها، له « فقه القرآن

__________________

١. القائل هو الشيخ محمد علي السهوري في كتابه « عدّة الخلف في عدّة السلف » يقول:

وترجمان الذكر ذو الاعزاز

آس الهدى أبو الفتوح الرازي

فخر المشككين شيخ القالة

للأخذ من أفضاله أفضي

قد سرق الحقّ له لغير حقّ

له نعم ومن قبل له أخ سرق

     

٢. مقدمة تأويل متشابهات القرآن ؛ معالم العلماء: ١١٩ برقم ٧٩١.

٤٠٦

في بيان آيات الأحكام »، وربما يسمّى بأُمّ القرآن، والكتاب مرتّب على ترتيب كتب الفقه، ابتدأ فيه بكتاب الطهارة، ثمّ الصلاة، وهكذا إلى كتاب الديات، فرغ منه سنة ( ٥٦٣ ه‍ )، وله أسباب النزول، وهو من مصادر كتاب « بحار الأنوار »، صرّح به العلّامة المجلسي وينقل عنه فيه.١

٤٥. أبو عبد الله محمد بن هارون، المعروف والده بالكال أو الكيّال، ولد عام ( ٥١٥ ه‍ )، وتوفّي عام ( ٥٩٧ ه‍ )، ترجمه الجزري ( المتوفّى سنة ٨٣٣ ه‍ )، في طبقات القرّاء، وترجمه ابن العماد في « شذرات الذهب »، كما ترجمه الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل. ومن تصانيفه « مختصر التبيان في تفسير القرآن »، وكتاب « متشابه القرآن ».٢

٤٦. الشيخ أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي: مؤلّف السرائر في الفقه، الطائر الصيت، ( المتوفّى عام ٥٩٨ ه‍ ) له مختصر التبيان، طبع في جزءين، وقد فرغ منه عام ( ٥٨٢ ه‍ )، ونسخه متوفرة. عسى أن يبعث الله بعض ذوي الهمم العالية لنشره.

٤٧. برهان الدين محمد بن أبي الخير، علي بن أبي سليمان، ظفر الحمداني، مؤلّف « مفتاح التفسير » و « دلائل القرآن »، ترجمه منتجب الدين في فهرسته، وقال: عالم مفسّر، صالح واعظ، كما ترجم ولده محمد بن برهان الدين أيضاً، ولكن بقي ولده إلى المائة السابعة، فانّه كتب بخطه نسخة فهرست الشيخ منتجب الدين في ( ٦١٣ ه‍ )، كما ذكره الشيخ الشهيد الأوّل في آخر نسخته التي استنسخها عن تلك

__________________

١. روضات الجنات: ٤ / ٦ ؛ بحار الأنوار: ١ / ١٢.

٢. شذرات الذهب: ٤ / ٣٣٣ ؛ أمل الآمل: ٢ / ٣١١ برقم ٩٤٧. لاحظ الذريعة: ٤ / ٢٤٥ برقم ١١٩٠.

٤٠٧

النسخة.١

هذه عشرة كاملة من أعيان القرن السادس اكتفينا بهم وطوينا الكلام عن غيرهم، وما هذا إلّا لأنّ الغاية هي إراءة نماذج من مشاهير المفسّرين من الشيعة في كلّ قرن.

أعلام التفسير في القرن السابع والثامن

كانت نهاية القرن السادس ومجموع القرن السابع والثامن عصر البؤس والدمار وبالتالي شرّ القرون وأسوأها بالنسبة إلى المسلمين، فقد حلّت فيها بالمسلمين فجائع ونكبات لم يسجّل التاريخ لواحد من الأُمم مثلها، فبينما كانت الحروب الصليبية لا تزال طاحنة ومشتعلة في أواخر القرن السادس ينتصر فيها المسلمون على العدو الصليبي في فترة بعد فترة، إذ بدأت الحملات الأُخرى من جانب الشرق على يد التتار والمغول، فكان مختتم الحروب الصليبية مبدأ للحروب الوثنية على يد عبدة الشمس والكواكب، وكان هذا يعكس اتّفاق الصليب والصنم وبالتالي الصليبين والوثنيين على تدمير الحضارة الإسلامية.

وفي سنة ( ٦١٦ ه‍ ) قصد چنگيزخان البلاد الإسلامية ودمّرها هو وأولاده وأحفاده، عصراً بعد عصر، وقد هجم هولاكو على مركز الخلافة العباسي، بغداد عام ( ٦٥٦ ه‍ )، ففتحوا البلد، وقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والصبيان والمشايخ والكهول والشبّان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحوش وقنى الوسخ، فبلغ عدد القتلى في نفس بغداد فضلاً عن ضواحيها ٠٠٠، ٨٠٠ قتيل.

__________________

١. فهرست منتجب الدين: ١٦١ ؛ الذريعة: ٨ / ٢٥٢ برقم ١٠٣٨ و ٢١ / ٣٢٣ برقم ٥٢٨٧.

٤٠٨

وقد ارتكب مثل ذلك في خراسان والري وهمدان وبلد الجبل ثمّ آذربيجان إلى كثير من الأقطار والأصقاع، ولم يتوقّف هجومهم على فتح بغداد حتى وصل جيش العدو إلى عين جالوت وغزة في فلسطين، وكانت الأُمنية الكبرى للعدو هو الاستيلاء على الشامات ثمّ مصر، والزحف وإن توقّف بتدبير الملك الظاهر بيبرس، ولكنّ العدو بقى يهاجم الشام بين الحين والآخر، وهذا هو اليافعي يقول في تاريخه في حوادث سنة ( ٧٠٢ ه‍ ) :

« طرق غازان بالشام ولكن انهزم عند سور دمشق وتفرّقت جيوشه، ثمّ جهّز غازان جيوشه فساروا إلى مرج دمشق وتأخّر المسلمون وبات أهل دمشق في بكاء واستغاثة بالله وخطب شديد وقدم السلطان وانضمت إليه جيوشه ».١

وقد امتدّ الدمار إلى أواخر القرن الثامن، وقد أدّى ذلك إلى مجزرة للمسلمين عامّة والعلماء من بينهم خاصة، فأُحرقت مكتباتهم، ودمّرت آثارهم في ذينك القرنين، حيث ابتدأت الحروب التترية عام ( ٦١٦ ه‍ )، وانتهت عام ( ٨٠٧ ه‍ ) بموت تيمور لنگ الذي تظاهر هو بالإسلام وبعض من قبله، ولكن لم تزل القلوب مضطربة باستيلاء هؤلاء على المناطق الإسلامية.

وعلى ضوء هذا التحليل الإجمالي للوضع المأساوي في ذينك القرنين لا عجب من قلّة العثور على أعلام التفسير فيهما أو قلّة العناية به جرّاء القلاقل، حيث إنّ التأليف والتصنيف يتوقّف على توفّر الأمن والهدوء، فلا عتب علينا إذا لم نقف إلّا على فئة قليلة من أعلام التفسير في هذين القرنين، ولعلّ الداثر أكثر من الباقي.

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى لما استقرت السلطة التترية في المناطق

__________________

١. مرآة الجنان: ٤ / ٢٦٤ - ٢٣٥.

٤٠٩

المحتلّة وضربت بجرانها في البلاد الإسلامية أخذت تحرّك دفّة العلم باتجاه العلوم الطبيعية والرياضية وأخيراً العقلية، فصار الغور في هذه الموضوعات، الشغل الشاغل لأكثر العلماء المتواجدين في المناطق الشرقية من العالم الإسلامي، ولأجل ذلك أنجبت المدارس العلمية في ذينك القرنين ( السابع والثامن )، بل والقرن الذي يليهما مئات الكتب حول النجوم والفلكيّات والرياضيات، وصارت المسائل الكلاميّة مدار التفكير، فمن مختصرات إلى مطوّلات، ومن متون إلى شروح، نرى أعيانها في المكتبات والمتاحف أو نقرأ أسماءها في مختلف المعاجم، وصار ذلك هو السبب الثاني لقلّة التأليف حول التفسير إلى أواخر القرن العاشر، ومع ذلك فنأتي بأسماء أعلام التفسير في هذه القرون:

٤٨. رضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحسني الحلّي، المولود بالحلّة في (١٥) محرم من سنة ( ٥٨٩ ه‍ ). أقام ببغداد زمن العباسيين خمسة عشر سنة، ثمّ رجع إلى الحلّة، ثمّ جاور النجف، ثمّ رجع إلى بغداد في أوّل عصر المغول، وتولّى النقابة من قبل نصير الدين الطوسي عن هولاكو ثلاث سنين وأحد عشر شهراً. قال ابن الفوطي في « الحوادث الجامعة » أنَّه وليّ النقابة للطالبيين بالعراق سنة ( ٦٦١ ه‍ ) وتوفّي سنة ( ٦٦٤ ه‍ ).

له مشايخ وتلاميذ كثيرون، كما أنّ له تآليف قيّمة، ومنها « سعد السعود في تاريخ القرآن ».١

٤٩. السيد جمال الدين، أحمد بن موسى بن طاووس الحسني الحلي، من مشايخ العلّامة الحلّي وتقي الدين الحسن بن داود صاحب الرجال، له مؤلّفات كثيرة، ذكرها تلميذه ابن داود في رجاله، تبلغ إلى اثنين وثمانين مجلداً، له خطوات

__________________

١. الحوادث الجامعة: ١٠٧ ؛ الأنوار الساطعة: ١١٧.

٤١٠

مشكورة في تحقيق الرجال والدراية والتفسير، وله شواهد القرآن، توفي عام ( ٦٧٣ ه‍ )، بعد أخيه رضي الدين بتسع سنين.١

٥٠. بهاء الدين يوسف بن أبي الحسن بن أبي القاسم الديلمي الجيلاني، المعاصر لمحمد بن صالح بن مرتضى التيهاني الذي توفّي عام ( ٦٧٥ ه‍ )، له تفسير ذكره القاضي أحمد بن صالح بن أبي الرجال اليمني ( المتوفّى بصنعاء عام ١٠٩٢ ه‍ ) في كتابه « مطلع البدور »، وحكاه شيخنا المجيز في « الذريعة »، وهو جد أبي الفضل الديلمي صاحب التفسير الذي هو من علماء القرن الثامن كما سيوافيك.٢

٥١. مؤلّف نهج البيان عن كشف معاني القرآن، والمؤلّف من أعيان القرن السابع، ألّفه لخزانة المستنصر العباسي سنة ( ٦٤٠ ه‍ )، وذكر شيخنا المجيز مستهلّ الكتاب وهو الحمد لله ذي العزّة والجلال والقدرة والحكمة ...، ثمّ ذكر الصلوات على خاتم الأنبياء وعلى ابن عمّه أمير المؤمنين وولديه السيدين الإمامين الحسن والحسين، وينقل فيه عن الشيخ المفيد وعن « تبيان » الشيخ الطوسي، ويوجد نسخ منه في العراق.٣

٥٢. عبد الرشيد بن الحسين بن محمد الاسترآبادي مؤلّف تأويل الآيات، التي يتعلّق بها أهل الضلال، ينقل عنه السيد رضي الدين علي بن طاووس، المتوفّى سنة ( ٦٦٤ ه‍ )، في كتابه: « سعد السعود » في تفسير لفظ « يس » ولعلّ المؤلّف من أعيان أوائل القرن السابع.٤

__________________

١. فهرست منتجب الدين: ١٦١ ؛ الذريعة: ٨ / ٢٥٢ برقم ١٠٣٨ و ٢١ / ٣٢٣ برقم ٥٢٨٧.

٢. مطلع البدور كما في الذريعة: ٤ / ٣٢٢.

٣. الذريعة: ٢٤ / ٤١٤.

٤. الذريعة: ٤ / ٣٠٣ برقم ١١٢٨.

٤١١

٥٣. عبد الرزاق بن أحمد الكاشي، العارف، الحكيم، المعاصر للعلّامة الحلّي، له « السراج الوهّاج في تفسير القرآن » و « تأويلات القرآن »، وقد سرد تآليفه شيخنا في طبقات أعلام الشيعة.١

٥٤. العلّامة الحلّي، جمال الدين حسن بن يوسف بن مطهر، المولود عام ( ٦٤٨ ه‍ )، والمتوفّى عام ( ٧٢٦ ه‍ )، وهو آية من آيات الله الكبرى المشتهر بالعلّامة على الإطلاق، وهو أظهر من أن يعرف وأشهر من أن يذكر، وله جهود كبرى وخطوات واضحة في العلوم الإسلامية، وله في مجال التفسير تأليفات ثلاثة :

١. « السر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز »، كما ذكره في فهرس كتبه في كتابه « خلاصة الأقوال في علم الرجال ».

٢. « نهج الإيمان في تفسير القرآن » لخّص فيه « الكشّاف » و « التبيان » و « مجمع البيان ».

٣. « تلخيص الكشاف » حكى شيخنا المجيز في الذريعة أنّه رآه بعض المطّلعين عند بعض علماء العامّة ببغداد، ولكن يحتمل اتحاد الثالث مع الثاني.٢

٥٥. قطب الدين، محمد بن محمد الرازي البويهي، ( المتوفّى سنة ٧٦٦ ه‍ )، تلميذ العلّامة الحلّي، وأُستاذ الشهيد الأوّل ( المتوفّى عام ٧٨٦ )، له تفسيران:

١. « تحفة الأشراف »، وهو تفسير كبير أبسط من تفسيره الآخر، يوجد مجلّدان منه في المكتبة الخديوية بمصر من أوّله إلى آخر سورة طه، وهو كالحاشية على الكشّاف.

__________________

١. الحقائق الراهنة في أعيان المائة الثامنة: ١١٢ ؛ الذريعة: ٣ / ٣٠٣.

٢. خلاصة الأقوال: ٤٦، ط النجف ؛ الذريعة: ١٢ / ١٧٠ برقم ١١٣٨ و ٢٤ / ٤١٢ برقم ٢١٧ و ٤ / ٤٢٥ برقم ١٨٧٣.

٤١٢

٢. « بحر الأصداف »، يوجد منه نسخة في العراق في مكتبة الجوادين بالكاظمية، فرغ منه المؤلّف سنة ( ٧٣٣ ه‍ ).

٥٦. ركن الدين حيدر بن علي بن حيدر الحسيني الآملي له المحيط الأعظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم، فرغ من إتمامه سنة ( ٧٧٧ ه‍ )، وهي موجودة في الخزانة الغرويّة، قد ذكر شيخنا المجيز الطهراني ثلاثة تفاسير أُخرى له وهي: « التأويلات » و « جامع الأسرار » و « منتخب التأويل ».١

٥٧. جمال الدين أحمد بن متوّج البحراني، مؤلّف « منهاج الهداية في تفسير آيات الأحكام الخمسمائة » يقول الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي في رسالته في أحوال علماء البحرين: انّ الشيخ جمال الدين كان شيخ الإمامية في وقته، وكان من أعظم تلاميذ فخر المحقّقين، ( المتوفّى عام ٧٧١ ه‍ )، واتّفق اجتماعه مع الشهيد الأوّل بمكّة، فلمّا تناظرا غلب عليه الشهيد، وقد توفّي الشهيد عام ( ٧٨٦ ه‍ )، فالرجل من أعيان القرن الثامن وإن أدرك قليلاً من أوائل القرن التاسع، وينقل عنه الفاضل المقداد، ( المتوفّى عام ٨٢٨ ه‍ ) في كنز العرفان، والنسخة موجودة في العراق، كما حكاه شيخنا المجيز في الذريعة.٢

٥٨. الشيخ فخر الدين أحمد بن متوّج، مؤلّف « النهاية في تفسير الخمسمائة آية »، وهو أيضاً تلميذ فخر المحقّقين الذي توفّي عام ( ٧٧١ ه‍ )، وشيخ أبي العباس أحمد بن فهد الحلّي، ( المتوفّى عام ٨٤١ ه‍ )، وهو أيضاً من المكثرين، له

__________________

١. الذريعة: ٢٠ / ١٦١ برقم ٢٣٩٦ ؛ الحقائق الراهنة له أيضاً: ٦٩.

٢. الذريعة: ٢٣ / ١٠٨ برقم ٨٥٥٨ و ٤ / ٢٤٦ برقم ١١٩٢ ولاحظ: طبقات أعلام الشيعة في المائة الثامنة: ٨.

٤١٣

تفسيران: كبير مطوّل وصغير مختصر، وله أيضاً كتاب الناسخ والمنسوخ١ وهو أيضاً من أعيان القرن الثامن وإن أدرك أوائل القرن التاسع، ولأجل ذلك ذكرناه في مشاهير المفسرين في القرن الثامن.

٥٩. أبو الفضل، نجل الفقيه العالم بهاء الدين يوسف بن أبي الحسن الديلمي الجيلاني الذي مرّ عند ذكر مشاهير المفسّرين في القرن السابع، وقد ذكره القاضي أحمد بن صالح اليمني، المتوفّى بصنعاء عام (١٠٩٢) في حرف الفاء من كتابه « مطلع البدور » بعنوان المشهورين بأبي الفضل من علماء العراق، وذكر من تصانيفه تفسير القرآن ودلائل التوحيد في الكلام، وذكر شيخنا المجيز أنّ تفسيره كبير في مجلدين ضخمين على كيفية خاصّة، ثمّ ذكر كيفيته، ونسخته موجودة في النجف الأشرف، ويكثر النقل عن احتجاج الطبرسي وتفسير الشيخ الطبرسي والكشّاف وغيرها.٢

٦٠. فضل الله بن عماد الدولة، أبو الخير، هو الوزير العالم، مربي العلماء رشيد الدين فضل الله الهمداني الشهيد في ربيع الأوّل عام ( ٧١٨ ه‍ ). كان عالماً مهر في العلوم الطبيعية والفلسفة والرياضيات، تلمّذ في العلوم على رضي الدين الطوسي مع زميله ابن الفوطي، ترجم له ابن كثير في البداية والنهاية، وتعصّب عليه كما هو ديدنه ضدّ الشيعة، وقال: إنّه فسّر القرآن على طريقة الفلاسفة، فنسب إلى الإلحاد، ومن تآليفه مفتاح التفاسير، وقيل: إنّه قرّظه مائة رجل من العلماء وله « جامع التواريخ » في ثلاثة أجزاء، ومن آثاره « الربع الرشيدي » بتبريز.٣

__________________

١. روضات الجنات: ١ / ٦٨ ؛ الذريعة: ٤ / ٢٤٦ برقم ١١٩١. ولاحظ أيضاً: الضياء اللّامع في القرن التاسع: ٥.

٢. الذريعة: ٤ / ٢٥٦ برقم ١٢١٣.

٣. الحقائق الراهنة في أعيان المائة الثامنة: ١٦٠.

٤١٤

٦١. كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن العتايقي الحلّيّ، صاحب التصانيف، الموجود بعضها بخطّه في الخزانة الغروية منها « صفوة الصفوة »، الذي فرغ منه سنة ( ٧٨٧ ه‍ ). له « الناسخ والمنسوخ » ونسخه متوفّرة في النجف ويعبّر عن العلّامة الحلّي في كتابه « الإيضاح » بـ‍ « شيخنا المصنّف »، فالرجل من أعيان أواخر القرن الثامن، بسط شيخنا المجيز الكلام في ترجمته.١

أعلام التفسير في القرن التاسع

٦٢. أبو عبد الله مقداد بن جلال الدين عبد الله السيوري الحلّي، تلميذ الشهيد الأوّل وشارح الباب الحادي عشر، ( المتوفّى عام ٨٢٦ ه‍ )، رتّبه على مقدمة وكتب بترتيب كتب الفقه، وخاتمة، وقد طبع عدّة مرّات، منها ما طبع مستقلاً سنة ( ١٣١٣ ه‍ )، وله تفسير « مغمضات القرآن »، وقد رآه شيخنا المجيز في كربلاء المقدسة.٢

٦٣. طيفور بن سراج الدين جنيد، المفسّر الجليل له تفسير القرآن بالحديث والرواية، حكى شيخنا المجيز أنّه رآى تفسيره الكبير، وقد فرغ منه يوم الغدير سنة ( ٨٧٦ ه‍ ).٣

٦٤. كمال الدين الحسن بن محمد بن الحسن الاسترآبادي النجفي، شارح الفصول النصيريّة، له آيات الأحكام المستخرج من كتاب عيون التفاسير الذي فرغ من مجلّده الأوّل، سنة ( ٨٩١ ه‍ )، وأسماه « معارج السؤول ومدارج المأمول » في

__________________

١. الحقائق الراهنة في أعيان المائة الثامنة: ١٠٩ - ١١٢ ؛ الذريعة: ٢١ / ٣٢٣ برقم ٥٢٨٦.

٢. روضات الجنات: ٧ / ١٧٠. ولاحظ الذريعة: ٤ / ٣١٥.

٣. الذريعة: ٤ / ٢٨٠ برقم ١٢٨٦.

٤١٥

تفسير آيات الأحكام، واشتهر بكتاب اللباب وهو أبسط من كنز العرفان للفاضل المقداد. يقول في أوّله: إنّه لـمّا منّ الله عليه بتأليف عيون التفاسير، استخرج منه تفسير آيات الأحكام على نهج ما ألّفه شيخه المقداد، فهو ذو تأليفين في التفسير أحدهما: يعم جميع القرآن، والآخر: يختصّ بآيات الأحكام، وهو من تلاميذ الفاضل المقداد، ومن الكتاب نسخة في المكتبة الرضوية وغيرها.١

أعلام التفسير في القرن العاشر

٦٥. حسين بن علي الواعظ الكاشفي مؤلّف « جواهر التفسير لتحفة الأمير » ألّفه باسم الوزير الأمير نظام الدين علي شير، قدّم فيه أربعة أُصول فيها اثنان وعشرون عنواناً من الفنون المتعلّقة بتفسير القرآن وفضله وأنواعه، ثمّ شرع التفسير من سورة الفاتحة، وله تفسير آخر أسماه بـ‍ « المواهب العليّة »، وقد توفّي عام ( ٩١٠ ه‍ ).٢

٦٦. كمال الدين الحسين بن شرف الدين، عبد الحقّ الأردبيلي، المعروف بالإلهي، توفّي عام ( ٩٥٠ ه‍ )، وعبّر في كشف الظنون عنه بتفسير الأردبيلي، وفي رياض العلماء أنّ هذا التفسير كبير لتمام القرآن الشريف، وهو في مجلدين.٣

٦٧. عبد العلي ابن نظام الدين محمد بن الحسين البيرجندي، ( المتوفّى عام ٩٢٢ ه‍ )، له شرح تحرير المجسطي وجاء في خطبته: مسلماً على الأئمّة المنتجبين

__________________

١. الضياء اللامع: ٤١.

٢. إحياء الداثر: ٦٩، الذريعة: ٥ / ٢٦٥ برقم ١٢٦٨.

٣. كشف الظنون: مادة التفسير ؛ رياض العلماء: ٢ / ٩٨، الذريعة: ٤ / ٢٦١ برقم ١٢٢٢.

٤١٦

المكرمين المتشرقين بتشريف( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) و( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ) له « شرح الدر النظيم في خواص القرآن العظيم » ألّفه سنة ( ٩٠١ ه‍ )، وقد أتمّ بعض كتبه سنة ( ٩٣٢ ه‍ ).١

٦٨. علم النجفي ابن سيف بن منصور الحلّي، صاحب كنز الفوائد المنتخب من كتاب « تأويل الآيات الباهرة » انتخبه منه سنة ( ٩٣٧ ه‍ ) في المشهد الغروي.٢

٦٩. محمّد خواجه كي، شيخ ابن أحمد الشيرازي، مؤلّف شرح باب حادي عشر، ألّفه سنة ( ٩٥٢ ه‍ )، له مختصر مجمع البيان.٣

٧٠. أبو المحاسن، الحسين بن الحسن، يعرّفه عبد الله الأفندي بقوله: فاضل عالم متكلّم محدث مفسّر. كان من مشاهير الإمامية، ومن مؤلّفاته كتاب « جلاء الأذهان في تفسير القرآن » وهو تفسير حسن كثير الفوائد.٤

أقول: قد طبع الكتاب في عشرة أجزاء بتصحيح وتعليق المحقّق السيد جلال الدين الحسيني الارمويقدس‌سره ، والكتاب من حسنات الدهر، والمؤلّف من علماء القرن العاشر، كما حقّقه المصحح في المقدمة، فمن أراد فليرجع إليه، وفيه فوائد أُخرى لا غنى للباحث عنها.

٧١. عبد الجليل القارئ، ابن أحمد الحسيني، له شرح القصيدة الجزرية في التجويد، سمّاه في آخره « الفوائد »، وفرغ منه أوائل رجب عام ( ٩٧٢ ه‍ )، وله شرح الناسخ والمنسوخ تأليف ابن المتوج البحراني.٥

__________________

١. إحياء الداثر: ١٢٥.

٢. المصدر نفسه: ١٤٤.

٣. المصدر نفسه: ٢١٧.

٤. رياض العلماء، كما في الذريعة: ٥ / ١٢٣ برقم ٥٠٢.

٥. المصدر نفسه: ١١٨.

٤١٧

٧٢. المحقّق الأردبيلي، أحمد بن محمّد، المتوفّى في صفر ( ٩٩٣ ه‍ )، أُستاذ الفقهاء والمجتهدين، صاحب التصانيف الكثيرة، مثل « مجمع الفائدة » وهي دورة فقهية تشتمل على جميع أبواب الفقه إلّا النكاح و « زبدة البيان في تفسير آيات أحكام القرآن » تفسير مشحون بالتحقيق.١

٧٣. فتح الله بن شكر الله الكاشاني، ( المتوفّى عام ٩٨٨ ه‍ ) وقيل: ( ٩٩٧ ه‍ )، له « منهج الصادقين في تفسير القرآن المبين »، طبع مرّة في ثلاث مجلدات كبار، وأُخرى في عشرة أجزاء، وله « خلاصة المنهج »، فرغ من بعض أجزائه أعني سورة الأنفال سنة ( ٩٨٤ ه‍ ). وله شرح « نهج البلاغة » مطبوع.

٧٤. غياث الدين، المفسّر الزواري، المعاصر للمحقّق الكركي، أُستاذ أبي الحسن علي بن الحسن الزواري، المفسّر المشهور وينسب إليه « تفسير الگازر » المعروف.٢

٧٥. الأمير أبو الفتح بن الأمير مخدوم بن الأمير شمس الدين محمد بن الأمير السيد الشريف الحسيني الجرجاني، ( المتوفّى سنة ٩٨٦ ه‍ )، مؤلّف « تفسير شاهي » تفسير لآيات الأحكام، ألّفه باسم الملك طهماسب الصفوي، توجد منه نسخة خطّية في الخزانة الرضويّة، وقد طبع أخيراً في عدّة أجزاء في تبريز.٣

أعلام التفسير في القرن الحادي عشر

إنّ السابر في التفاسير المؤلّفة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر يرى -

__________________

١. روضات الجنات: ١ / ٧٩، وغيره.

٢. إحياء الداثر: ٤٣، الذريعة: ٤ / ٣٠٩.

٣. الذريعة: ٤ / ٢٧٧ برقم ١٢٧٨.

٤١٨

بوضوح - أنّه قد سادت على الأوساط الشيعيّة في هذه الظروف نزعتان مختلفتا المنحى ومتضادتا المنهج لا تجد لهما مثيلاً في العصور السابقة، وهاتان النزعتان هما:

١. النزعة العقليّة البحتة التي تدفع المفسّر إلى الاهتمام بالآيات الواردة في المبدأ والمعاد والأسماء والصفات وما يمت إليهما بصلة، ويضرب - في ظلّها - عمّا سواها صفحاً، ولا ينظر إليه إلّا نظرة خاطفة كأنّ القرآن كتاب عقليٌّ فلسفيٌّ لا يهتم إلّا بالمسائل العقليّة، ولا شأن له بمسائل المجتمع وما تدور عليه رحى الحياة.

٢. النزعة الأخباريّة التي لا تهتم إلّا بنقل الروايات وجمعها من مختلف الكتب من دون تحقيق في اسنادها ومتونها حتى ألّف في هذه الظروف أكبر المجاميع الروائية حول التفسير التي لا يشذ منها من أحاديث التفسير إلّا النزر اليسير.

وقد كان لهاتين النزعتين تأثير خاصّ في تطوّر التفسير في تلك العصور، ولما قضى الأُستاذ الأكبر المحقّق البهبهاني ( المتوفّى ١٢٠٦ ه‍ ) على النزعة الاخبارية التي تتسم بالقشرية والسطحية في أواخر القرن الثاني عشر ومستهلّ القرن الثالث عشر عزت العناية بالتفسير الروائي وتوفرت الدوافع نحو التفسير العلمي الذي يهتم بأكثر المسائل التي يتوقّف عليها فهم الآيات، فراج منهج الشيخ الطوسي في تبيانه، والطبرسي في مجمعه، خصوصاً في أواخر القرن الثالث عشر ومستهلّ الرابع عشر.

نعم حدثت رجّة عنيفة في أواسط القرن الرابع عشر ودفعت الضرورات الاجتماعية إلى تطوير المنهج التفسيري كما سيوافيك بيانه، وإليك أعلام التفسير في القرن الحادي عشر:

٤١٩

٧٦. محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي، المجاور لبيت الله الحرام، والمتوفّى فيه سنة ( ١٠٢٦ ه‍ )، صاحب الكتب الرجالية الثلاثة، له شرح آيات الأحكام.١

٧٧. بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي، الطائر الصيت ( المتوفّى ١٠٣٠ ه‍ ) له تفاسير ثلاثة: ١. العروة الوثقى طبع مع مشرق الشمسين في طهران ( ١٣٢١ ه‍ )، وقد صرّح في أوائله بحاشيته على تفسير البيضاوي، فيظهر أنّه كتبه بعده، ٢. عين الحياة، وهو تفسير مزجيّ نظير تفسير الصافي، ٣. ما قد عرفت من حاشيته على تفسير البيضاوي، وقد كثرت التحشية من أصحابنا على ذلك التفسير.

٧٨. الشيخ جواد بن سعد الله الكاظمي، تلميذ شيخنا البهائي له « مسالك الأفهام في آيات الأحكام »، طبع في جزءين، صنّفه عام ( ١٠٤٣ ه‍ )، وللشيخ عبد القاهر الحويزي المعاصر للشيخ المحدّث الحر العاملي تعلقيات على ذلك الكتاب.

٧٩. صدر المتألهين محمد بن إبراهيم الشيرازي ( المتوفّى ١٠٥٠ ه‍ )، فله من التفاسير تفسير « الاستعاذة » والفاتحة وسورة البقرة إلى قوله:( كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) ، ثمّ تفسير آية الكرسي، ثمّ آية النور، ثمّ سورة الم السجدة وياسين والواقعة والحديد والجمعة والطارق والأعلى والزلزال، ثمّ آية( وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) ، و( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ) وهو مقدّمة لتفسيره، طبع من تفاسيره عدّة أجزاء في قم المشرّفة.٢

__________________

١. الذريعة: ١ / ٤٣ برقم ٢١٩.

٢. الذريعة: ١٥ / ٢٥٢ برقم ١٦٢٦، و ١٢ / ٢٢٧ برقم ١٤٨٤.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457