مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مفاهيم القرآن13%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-148-3
الصفحات: 457

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 457 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135442 / تحميل: 5237
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-١٤٨-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

على أساس صحيح، فتصرف القوىٰ في العمران والزراعة وسائر مجالات المصالح الاقتصادية العامّة، كما أنّ العمل على خلاف هذه السنّة، وهو رجوع المجتمع عن الله وعن الطهارة في القلب والعمل، ينتج خلاف ذلك.

وللمجتمع الخيار في التمسّك بأهداب أيّ من السُّنَّتين، فالكلّ قضاء الله وتقديره.

٢. قال سبحانه:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .١

٣. قال سبحانه:( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) .٢

٤. قال سبحانه:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) .٣

والتقرير في مورد هذه الآيات الثلاث مثله في الآية السابقة عليها.

٥. وقال سبحانه:( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) .٤

ترى أنّ الآية تتكفّل ببيان كلا طرفي السنّة الإلهية إيجاباً وسلباً، وتُبيّن النتيجة المترتبة على كلّ واحد منهما. والكلّ قضاؤه وتقديره، والخيار في سلوكهما للمجتمع.

٦. وقال سبحانه:( وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .٥

__________________

١. الأعراف: ٩٦.

٢. الرعد: ١١.

٣. الأنفال: ٥٣.

٤. إبراهيم: ٧.

٥. الطلاق: ٢. ٣.

٦١

٧. وقال سبحانه:( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ ) .١

فالمجتمع المؤمن بالله وكتابه وسنّة رسوله إيماناً راسخاً يثبِّته الله سبحانه في الحياة الدنيا وفي الآخرة، كما أنّ الكافر بالله سبحانه يُخذله الله سبحانه ولا يوفقه إلى شيء من مراتب معرفته وهدايته. ولأجل ذلك يُرتِّب على تلك الآية، قوله:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) .٢

٨. وقال سبحانه:( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) .٣

فالصالحون لأجل تحلِّيهم بالصلاح في العقيدة والعمل، يغلبون الظالمين وتكون السيادة لهم، والذلّة والخذلان لمخالفيهم.

٩. وقال سبحانه:( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) .٤

فالاستخلاف في الأرض نتيجة الإيمان بالله، والعمل الصالح، وإقامة دينه على وجه التمام، ويترتب عليه - وراء الاستخلاف - ما ذكر في الآية من التمكين وتبديل الخوف بالأمن.

__________________

١. إبراهيم: ٢٧.

٢. إبراهيم: ٢٨ - ٢٩.

٣. الأنبياء: ١٠٥.

٤. النور: ٥٥.

٦٢

١٠. وقال سبحانه:( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ) .١

والآيات الواردة حول الأمر بالسير في الأرض والاعتبار بما جرى على الأُمم السالفة لأجل عتوّهم وتكذيبهم رسل الله سبحانه، كثيرة في القرآن الكريم تبيَّن سنّته السائدة في الأُمم جمعاء.

١١. وقال سبحانه:( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ ) .٢

١٢. وقال سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .٣

١٣. وقال سبحانه:( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إلّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ *كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِم وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ *وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) .٤

والآية من أثبت الآيات لسنَّته تعالى في الذين كفروا، فلا يصلح للمؤمن أن يُغرّه تقلّبهم في البلاد، وعليه أن ينظر في عاقبة أمرهم كقوم نوح والأحزاب من بعدهم، حتى يقف على أنّ للباطل جولة وللحقّ دولة، وأنّ مردّ الكافرين إلى الهلاك والدمار.

١٤. وقال سبحانه:( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ

__________________

١. محمد: ١٠.

٢. آل عمران: ١٣٧.

٣. الأنفال: ٢٩.

٤. غافر: ٤ - ٥.

٦٣

أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلّا نُفُورًا *اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلّا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً ) .١

هذه نبذة من السنن الإلهيّة السائدة في الفرد والمجتمع. وفي وسع الباحث أن يتدبر في آيات الكتاب العزيز حتى يقف على المزيد من سننه تعالى وقوانينه، ثمّ يرجع إلى تاريخ الأُمم وأحوالها فيُصدِّق قوله سبحانه:( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً ) .

هذا كلّه حول القضاء والقدر بمعنى السنن الكونية، وإليك البحث في المعنى الثاني.

ب: القضاء والقدر التكوينيّان

قد علمت أنّ وجود كلّ شيء رهن تقديره وتحديده أوّلاً، ثمّ وصول الشيء حسب اجتماع أجزاء علته إلى حد، يكون وجوده ضرورياً وعدمه ممتنعاً بحيث إذا نسب إلى علته يوصف بأنّه ضروري الوجود، ولأجل ذلك ترى أنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام يفسرون القدر بالهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء بالإبرام وإقامة العين.٢

وعلى ذلك فلا يوجد في صفحة الوجود الإمكاني إلّا في ظل هذين الأمرين، ومن المعلوم أنّ التقدير والقضاء بالمعنى السابق لا يتخذ ذريعة إلّا في مورد فعل الإنسان حيث يتصور أنّ وجوب وجوده ينافي الاختيار وبالتالي ينافي

__________________

١. فاطر: ٤٢ - ٤٣.

٢. الكافي: ١ / ١٥٨.

٦٤

العدل.

لكن الإجابة عنه واضحة وهي أنّ المقضيّ وجوده من أفعاله على قسمين:

قسم فرض عليه صدوره عنه اضطراراً كالأعمال التي يقوم بها جهاز الهضم، وهذا النوع من الفعل وإن كان ضروري الوجود خارجاً عن الاختيار، لكنّه ليس ملاكاً للثواب والعقاب.

وقسم منه قضي عليه أن يصدر عنه بالاختيار، فالله سبحانه قدّر فعله وقضى عليه بالوجود لكن مسبوقاً باختياره.

وبذلك يصبح القضاء والقدر مؤكداً للاختيار لا ذريعة للجبر.

ج: القضاء والقدر علمه السابق ومشيئته النافذة

القضاء والقدر بهذا المعنى ليس شيئاً إلّا تعلق علمه سبحانه بأفعال الإنسان ووقوعها في إطار مشيئته فربما يتخذ علمه السابق ومشيئته النافذة ذريعة للجبر، وبالتالي نفياً للعدل، وبما أنّا أشبعنا الكلام في ذلك عند البحث في علمه السابق ومشيئته النافذة فلا نرجع إليه.

٦٥

الفصل السادس

العدل الإلهي

و

المصائب والبلايا

المصائب والبلايا في حياة الإنسان من المسائل الشائكة التي شغلت بال المتكلمين والحكماء، فراحوا يبحثون عنها في الأبواب الأربعة التالية:

١. التوحيد في الخالقية.

٢. النظام الأحسن.

٣. حكمته سبحانه.

٤. عدله سبحانه.

زعموا أنَّ وجود البلايا والمصائب تخلُّ بالتوحيد في الخالقيَّة لأنَّه خير محض فكيف صار مصدراً للشر المطلق ؟!، ربما زلّت أقدام بعضهم إلى الثنوية، وزعموا أنّ خالق الخير غير خالق الشر وأنّ هناك خالقين مختلفين.

كما زعموا أنّ المصائب والبلايا تخل بالنظام الأحسن الذي يجب أن يخلو عن كلّ شر.

كما انّها أيضاً لا تلائم حكمته سبحانه فإذا كان حكيماً فما معنى قتل

٦٦

النفوس بالنوازل والحوادث.

وأخيراً انّها تضاد عدله سبحانه.

وعلى كلّ تقدير فبما أنّ هذه المسألة من المسائل العويصة لها صلة بالأبواب الأربعة المذكورة سالفاً، ووقعت محطَّ اهتمام الحكماء الإسلاميين، وبما أنّ البحوث المذكورة في هذا القسم من الكتاب تتمحور حول عدله سبحانه فنحن نتناول هذه المسألة من تلك الزاوية فقط. ولأجل إيضاح الإشكال نأتي بما يلي:

إنّ البحث في المقام يدور حول محاور ثلاثة:

الأوّل: البلايا والمصائب كالزلازل والسيول والأعاصير.

الثاني: اختلاف الناس في المواهب العقلية والاستعدادات.

الثالث: الفواصل الطبقية الهائلة بين الناس.

هذه الأُمور وأمثالها وقعت ذريعة لنفي عدله سبحانه، فلنتناول كلّ واحد من هذه المحاور بالبحث.

الأوّل: البلايا والمصائب والعدل الإلهي

إنّ من يظن أنّ البلايا والمصائب تخالف عدله فإنّما ينظر إليها من منظار ضيّق محدود، فلو نظر إليها في إطار النظام الكوني العام، لأذعن انّها خير برمّتها، أو انّها خير يلازم شراً قليلاً، وتكون المسألة كما يصفه الشاعر في البيت التالي:

ما ليس موزوناً لبعض من نغم

ففي نظام الكلِّ كل منتظم

إنّ من ينظر إلى هذه الظواهر من منظار خاص ويتجاهل غير نفسه في العالم، ففي نظره تتجلىٰ هذه الحوادث أمامه شرّاً وبليّة، وأمّا إذا نظر إليها من منظار خارج عن إطار الأنانيّة والمصالح الشخصية الضيِّقة، تنقلب هذه الحوادث

٦٧

عنده إلى الخير والصلاح، وتكتسي ثوبَ العدل، ولبيان ذلك نضرب مثالاً:

إنّ الإنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته والسيل العارم يهدم منزله، والزلزلة الشديدة تقتلع بنيانه، ولأجل ذلك يصفها بالبلاء، دون أن يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث والظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.

وما أشبه حال هذا الإنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر يرى جرَّافة تحفر الأرض وتهدم بناءً وتثير الغبار والتراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنّه ضارّ وسيّء، ولكن المسكين لا يدري بأنّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى ويعالج المصابين ويهيّئ للمحتاجين للعلاج، وسائل المعالجة والتمريض ولو وقف على تلك الأهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى، ولوصف ذلك التهديم بأنّه خير.

إذا علمت ذلك، فنحن نذكر مثالاً من نفس ما نحن بصدده.

إذا هبّت عاصفة هوجاء على السواحل، فبما أنها تقطع الأشجار وتدمّر المنازل القريبة من الساحل، حينها توصف بالشرِّ والبلية، ولكنّها من جهة أُخرى خير محض حيث توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الرياح وبذلك تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من النجاة.

إنّ هذه العاصفة وإن كان يُكمن فيها الشر لكنها في نفس الوقت وسيلة فعّالة في عملية تلقيح الأزهار، وإثارة السحب للمطر، وتبيد الأدخنة الضارة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل، إلى غير ذلك من الآثار المفيدة لهبوب الرياح التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة.

إنّ السبب لوصف بعض الحوادث بالشرور والبلايا هو ضيق علم الإنسان

٦٨

وضآلته ولو وقف على أسرارها التي ربما تظهر بعد سنين لرجع عن قضائه، ويُرتّل قوله سبحانه:( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ) .١ ولأذعن بقوله سبحانه:( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إلّا قَلِيلاً ) .٢

الآثار التربوية للبلايا والمصائب

إنّ للبلايا والمصائب آثاراً تربوية تُضفي على العمل وصفَ الخير الكثير في مقابل الشر القليل، وهذه الآثار عبارة عمّا يلي:

أ: تفجير الطاقات:

إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وتقدم العلوم ورقي الحياة، فانّ الحضارات لم تزدهر إلّا في أجواء الحروب والصراعات والمنافسات، ففي مثل هذه الظروف تتفتح القابليات إلى جبران ما فات وتتميم ما نقص. فإذا لم يتعرض الإنسان إلى ضروب من المحن فانّ طاقاته تبقى كامنة، وإنّما تتفتح في خضمِّ المصائب والشدائد. وإلى هذه الحقيقة يشير قوله سبحانه:( فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) ٣ .

ب: المصائب والبلايا جرس إنذار

كلّ ما ازداد الإنسان توغّلاً في اللذائذ والنعم ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية، وهذه حقيقة يلمسها كلّ إنسان في حياته فلابدّ من انتباه الإنسان من

__________________

١. آل عمران: ١٩١.

٢. الإسراء: ٨٥.

٣. النساء: ١٩.

٦٩

الغفلة، من خلال جرس إنذار يذكّر ويوقظ فطرته وينبّهه من غفلته، وليس هو إلاّ بعض الحوادث التي تقطع وتيرة الحياة الرغيدة، حتى يتخلّى عن غروره ويخفّف من حدّة طغيانه، وإلى هذا الجانب يشير قوله سبحانه:( إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ *أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ) .١

وبذلك يعلّل قوله سبحانه نزول الحوادث، ويقول:( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إلّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) .٢

إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى أن الهدف من وراء نزول البلايا هو تخلّي الإنسان عن غروره.

ج: تقاعس الإنسان عن تحمل مسؤوليته

إنّ ما يسمّيه الإنسان بالبلايا والشرور لم يكتب عليها الشرُّ على وجه الإطلاق بل تتَّبع الظروف، فالسيل الجارف يُعد شراً في البلاد المتخلِّفة عن ركب الحضارة، وأمّا في البلاد المتقدمة فيعد خيراً، لأنّها تقوم بمشاريع بناء السدود بغية جمع مياه تلك السيول واستثمارها في انتاج الطاقة الكهربائية، ولذلك قلنا إنّه لم يكتب على السيل أنَّه شرٌّ أو خير وانّما هو يتَّبع همة الإنسان وقيامه بمسؤوليته في إعمار البلاد.

وهكذا الزلازل الأرضية فقد تُسبّب أضراراً فادحة في البلاد النائية المتخلّفة وتؤدّي إلى إزهاق أرواح كثيرة، وهذا بخلاف البلاد المتطورة فقد اتخذت التدابير اللازمة للوقاية من دمار الزلازل من خلال تشييد المدن والقرى على دعائم متينة

__________________

١. العلق: ٦ - ٧.

٢. الأعراف: ٩٤.

٧٠

لا تتأثر بالزلازل إلّا القليل.

وبذلك تبيَّن أنّ ما يسميه البشر بالبلايا والمصائب ليس على إطلاقها بلاءً بل لها فوائد وآثار اجتماعية وأخلاقية مهمة.

وإليك الكلام في المحور الثاني.

الثاني: اختلاف الناس في المواهب العقلية والاستعدادت

إنّ الاختلاف في الاستعدادات أساس النظام وبقاء الحضارة، فلو خلق الناس على استعداد واحد لانفصم النظام وتقوّضت أركانه.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليٌّعليه‌السلام: « لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا استووا هلكوا ».١

فالمجتمع الإنساني يزهو باستعدادات مختلفة كلّ يتحمل مسؤولية في المجتمع، فمقتضى الحكمة خلق الناس بمواهب مختلفة كي يقوم كلّ حسب استعداده، ومثل هذا يؤكد الحكمة ولا ينافي العدل.

وإنّما يلزم الجور إذا كانت هناك طوائف متنعمة بكافة المواهب، وطوائف أُخرى محرومة منها، ولكن الواقع خلاف ذلك.

الثالث: الفواصل الطبقية بين الناس

لا شكّ أنّ المجتمع الإنساني يضمّ في طياته طبقات اجتماعية مختلفه من حيث الفقر والغنى، فهناك طبقة تهلكها التخمة، وطبقة أُخرى تموت جوعاً، وقد

__________________

١. أمالي الصدوق: ٢٦٧.

٧١

عدّ ذلك مظهراً لخلاف عدله. ولكن الحقّ غير ذلك، فالإنسان الجاهل ينسب تلك المحنة إلى خالق الكون، مع أنّ الصواب أن ينسبه إلى نفسه ونتيجة عمله، فانّ الأنظمة الجائرة هي التي سبَّبت تلك المحن وأوجدت تلك الكوارث، ولو كانت هناك أنظمة قائمة على أُسس إلهية لما تعرض البشر لها.

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث: « إنّ الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم إنّهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عزّ وجلّ١ ولكن أوتوا مِن منع مَن مَنعهم حقّهم لا ممّا فرض الله لهم، ولو أنّ النّاس أدّوا حقوقهم لكانوا عايشين بخير ».٢

إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة أنّ الظواهر غير المتزنة حسب النظرة السطحية متزنة بالقياس إلى مجموع النظام ولها آثار اجتماعية وتربوية هامة قد بسطنا الكلام فيها في بعض مسفوراتنا.

__________________

١. اي لم يؤتوا عدم السعة من قبل فريضة الله بل مِن منع مَن منعهم.

٢. الوسائل: ٦، الباب ١ من أبواب ماتجب فيه الزكاة، الحديث ١.

٧٢

الفصل السابع

العدل الإلهي

والعقوبة الأُخروية

لقد وقعت العقوبات الأُخروية ذريعة لإنكار عدله، حيث يقولون ما هو الغرض من العقوبة، فهل هو التشفّي الذي جاء في قوله سبحانه:( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ) ١ والله سبحانه منزّه من هذا الغرض لاستلزامه طروء الانفعال على ذاته.

أو الغرض من العقوبة الأُخروية هو اعتبار الآخرين، الذي يشير إليه سبحانه في قوله:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ ) .٢

ومن المعلوم أنّ تلك الغاية تختص بالدنيا التي هي دار التكليف ولا توجد في دار الجزاء، أعني: الآخرة.

والجواب: انّ السؤال عن الغاية وانّها هل هي التشفِّي أو اعتبار غيره، إنّما

__________________

١. الإسراء: ٣٣.

٢. النور: ٢.

٧٣

يتوجه إلى العقوبات المفروضة عن طريق التقنين والتشريع، فالتعذيب في ذلك المجال رهن إحدى الغايتين: التشفّي أو الاعتبار.

وأمّا إذا كانت العقوبة أثراً وضعيّاً للعمل فيسقط السؤال، لأنّ هناك ضرورة وجودية بين وجود المجرم والعقوبة التي تلابس وجودَه في الحياة الأُخروية، فعند ذلك لا يصحّ السؤال عن حكمة التعذيب، وإنّما هي تتوجه إلى التعذيب الذي يمكن التفكيك بينه وبين المجرم كالعقوبات الوضعية.

وأمّا إذا كانت العقوبة من لوازم وجود الإنسان الأُخروي، فالسؤال عن التعذيب، ساقط جداً.

توضيح ذلك: انّ الإنسان إنّما يحشر بذاته وعمله، وعمله لازم وجوده وكلّ ما اقترف من الأفعال فله وجود دنيوي، يتجلّىٰ باسم الكذب والنميمة، وله وجود أُخروي يتجلّىٰ بالوجود المناسب له، فهكذا أعماله الصالحة فلها صورة دنيوية، باسم الأذكار، وصورة أُخروية تناسب وجود الإنسان في هذا الظرف.

فالصوم هنا إمساك، وفي الحياة الأُخروية جُنَّة من النار، وهكذا سائر الأعمال من صالحها وطالحها، فلها وجودان: دنيوي وأُخروي، وإليك ما يدلُّ على ذلك في القرآن الكريم.

يقول سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ) .١

ويقول سبحانه:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .٢

__________________

١. النساء: ١٠.

٢. آل عمران: ١٨٠.

٧٤

وقال سبحانه:( يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) .١

علىٰ أنّ تعذيب المجرم وإثابة المحسن مظهر من مظاهر عدله، فلو لم يعاقب المجرم تلزم تسوية المؤمن والكافر، يقول سبحانه:( أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ *مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .٢

ويقول أيضاً:( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) .٣

شبهة عدم التعادل بين الجريمة والعقوبة

وربما يقال كيف يصحّ الخلود الدائم مع كون الذنب منقطعاً، وهل هذا إلّا نقض للمساواة المفروضة بين الجريمة والعقوبة ؟!

والجواب عن الشبهة بوجهين:

الأوّل: انّه لم يدل دليل على وجوب المساواة بين الجرم والعقوبة من حيث الكمِّية، بل المراد المساواة في الكيفية أي عظمة الجرم، فربما يكون الجرم آناً واحداً وتتبعه عقوبة دائمة، كما إذا قتل إنساناً وحكم عليه بالحبس المؤبد.

فالإنسان المقترف للذنوب وإن خالف ربّه في زمن محدّد، لكن آثار تلك الذنوب ربما تنتشر في العالم.

الثاني: قد عرفت أنّ العذاب الأُخروي تجسيد للعمل الدنيوي وهو المسؤول عمّا اقترفه.

وقد عرّفه سبحانه نتيجة عمله في الآخرة وانّ أعماله المقطعيّة سوف تورث

__________________

١. التوبة: ٣٥.

٢. القلم: ٣٥ - ٣٦.

٣. المؤمنون: ١١٥.

٧٥

حسرة طويلة أو دائمة، وأنّ عمله هنا سيتجسَّد له في الآخرة، أشواكاً تؤاذيه أو وروداً تطيبه، وقد أقدم على العمل عن علم واختيار، فلو كان هناك لوم فاللوم متوجه إليه، قال سبحانه حاكياً عن الشيطان:( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إلّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .١

وفيما مرّ من الآيات التي تعد الجزاء الأُخروي حرثاً للإنسان تأييد لهذا النظر، على أنّ من المحتمل أنّ الخلود في العذاب مختص بما إذا بطل استعداد الرحمة وإمكان الإفاضة، قال تعالى:( بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .٢

ولعلّ المراد من قوله:( وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) إحاطتها به إحاطة توجب زوال أيَّة قابلية واستعداد لنزول الرحمة، والخروج عن النقمة.

وكيف كان فتظهر صحّة ما ذكرنا إذا أمعنت النظر فيما تقدم في الجواب عن السؤال الأوّل وهو أنّ الجزاء إمّا مخلوق للنفس أو يلازم وجود الإنسان وفي مثله لا تجري شبهة التعادل بين الجريمة والعقوبة كما هو واضح.

تمّ الكلام في الأصل الأوّل من أُصول المذهب، أعني: العدل الإلهي وركّزنا البحث فيه على الموضوعات التي تطرقت إليها الآيات القرآنية. ومن أراد التبسيط فليرجع إلى الكتب المفصَّلة في هذا الصدد.

ويليه البحث في الأصل الثاني وهو الإمامة والخلافة في الكتاب العزيز.

__________________

١. إبراهيم: ٢٢.

٢. البقره: ٨١.

٧٦

٧٧
٧٨

الإمامة والخلافة

قد تقدّم في صدر الكتاب انّ هناك أصلين انفرد بهما مذهب الشيعة الإمامية، ولذلك يُعدّان من أُصول المذهب، دون أُصول الدين، لأنّ الثاني عبارة عن الأُصول التي يشترك فيها جميع المسلمين بخلاف أُصول المذهب، فانّها من خصوصيات مذهب دون مذهب آخر، وقد تقدّم أنّ التوحيد والمعاد والنبوّة العامّة والخاصّة ممّا اتفقت عليه عامّة المسلمين دون العدل والإمامة، فالأوّل قالت به المعتزلة والشيعة، والثاني انفردت به الشيعة وبالأخص الإماميّة منهم، وقد فرغنا عن بيان العدل ودلائله وشبهاته وحلولها، فحان البحث في الأصل الثاني وهو الإمامة والخلافة.

وليُعلم أنّ أصل الإمامة ممّا اتّفقت عليه كلمة المسلمين إلّا بعض الفرق الشاذة، فالجميع على لزوم وجود إمام يقود الأُمّة إلى الصلاح والفلاح، ويقوم بإدارة البلاد على أفضل وجه، ويُطبّق الشريعة على صعيد الحياة إلى غير ذلك ممّا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم به. وهذا ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين.

إنّما الكلام في أنّ تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصبه لهذا المنصب، هل هو بيد الله سبحانه وبذلك يُعَدُّ منصب الإمامة كالنبوّة، منصباً إلهياً ؟ أو بيد الأُمَّة أو بعضهم فتصير الإمامة منصباً اجتماعياً كسائر المناصب الاجتماعية أو السياسية التي يقوم

٧٩

به آحاد الأُمَّة أو طبقة منهم ؟

فالإمامية عن بكرة أبيهم على القول الأوّل، حيث يرون أنّ نصب الإمام بيد الله تبارك وتعالى ويسوقون على ذلك دلائل عقلية وتاريخية، كما أنّ أهل السنة على القول الثاني، وبذلك تجاذب تيّاران مختلفان الأُمَّة الإسلامية.

بما أنّ أهل السنّة يرون الإمامة منصباً اجتماعياً أو سياسياً، قالوا بأنّ الإمامة من فروع الدين لا من أُصوله، وهي من أغصان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأنّ تحقيق ذلك الأصل في المجتمع، أي إشاعة المعروف وتحجيم دور المنكر يتوقف على وجود إمام عادل مبسوط اليد يتمتع بنفوذ على نطاق واسع، ولذلك يجب على الأُمّة نصب إمام بغية تحقّق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإليك سرد كلماتهم في هذا المجال:

١. يقول الإيجي ( المتوفّى عام ٧٥٧ ه‍ ) في كتاب « المواقف »: وهي عندنا من الفروع، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسّياً بمن قبلنا.١

٢. يقول سعد الدين التفتازاني ( المتوفّى عام ٧٩١ ه‍ ): لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات، ولا خفاء أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية.٢

وعلى هذا فالإمامة أمر لا يناط به الإيمان والكفر، بل موقفه كسائر الأحكام الشرعية الفرعية التي لا يكفر المنكر إلّا إذا استلزم إنكارهُ إنكارَ الرسالة والنبوة لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلا فرق بين مسألة الإمامة، ومسألة المسح على الخفين حيث أصبحت

__________________

١. المواقف: ٣٩٥.

٢. شرح المقاصد: ٢ / ٢٧١.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وبعد أشهر من القراءة والبحث عن الحقيقة والحوارات الطويلة حدث أمر أعتبره العامل المفصلي في اعتناقي للإسلام. كنت واقفة في غرفة ابني أحاول أن أصلي. وكان أمامي كتاب عن الإسلام مفتوح على فصل «كيفية الصلاة». وقفت هناك أصارع نفسي. لم أكن قد اعتدت الصلاة مباشرة؟. طيلة حياتي علموني أن أصلي ليسوع وهو سيوصل صلاتي إلى الله... لذا خشيت أنني أقوم بأمر خطأ، ولم أشأ أن يغضب يسوع عليّ! وفي تلك اللحظة، خطرت لي فكرة كموجة عاتية. هل يعقل أن الله سيغضب إذا أردت أن أكون أكثر قرباً منه؟ وهل يعقل أن يسوع سيستاء مني إذا حاولت أن أكون أكثر قرباً من الله..؟ أليس ذلك ما يريدني أن أفعله؟ إن الله.. أعلم بنيتي. حتى هذا اليوم، لا زلت أعتقد أن الله.... كان يتحدث إليّ - بهذه القوة كان الشعور والصوت الذي شعرت به في داخلي. ممَّ كنت أخشى؟ كيف يمكنني أن لا أعتنق الإسلام؟ في تلك اللحظة بكيت طويلاً.

كان ذلك ما احتجت سماعه. وعلمت حينها أنه يجب أن أدخل في الإسلام. شعرت بأن ذلك هو الأمر الصائب وما خلا ذلك أمور غير مهمة.

وبعد أن نطقت بالشهادتين أمام المدرسة كلها أصبحت إنسانة أخرى. لم يعد لديَّ ذلك الشعور بعدم الانتماء وبماذا أؤمن، فقد تحرّرت من القلق الذي كان لديَّ من قبل وولىَّ إلى غير رجعة. وعلمت أنني قد اتخذت القرار الصائب.

لم أكن قط على هذا القدر من القرب من الله.. كما أصبحت بعد أن اعتنقت الإسلام. الحمد لله.. أنا إنسانة محظوظة. وأشكركم على السماح لي بمشاطرتكم تجربتي.

٢٢١

بعد رحلة طويلة من البحث والإبحار في عالم الأفكار والأديان:

سفينة المسلم الهندي نيرڤان تحطّ بأمان على شاطئ الإِسلام

· قصة أخرى مشوّقة من قصص المهتدين للإِسلام، ذات دلالات وإيحاءات غنية بالتجارب الإنسانية والمشاعر الإيمانية الفياضة، يسردها بإيجاز للقرّاء المعتنق الجديد للإِسلام، الأخ الهندي نيرفان، بعدما غمرته أنوار الهداية الإلهية وأنقذته من مهاوي التيه والشك والضلال.

متى وكيف بدأت القصة كلها؟ وهل بدأت فعلاً أم كانت مجرد يقظة روحية؟ إنه إدراك للحقيقة التي طالما كانت كامنة في داخلي؟

إسمي نيرڤان، من التابعية الهندية. لقد وُلدت لعائلة مختلطة، فأبي هندوسي وأمي مسلمة. منذ طفولتي أذكر بوضوح أنني لم أتلقَّ أي تربية دينية من أي نوع كانت. فأبي لم يكن هندوسياً متديناً، فيما تخلت أمي عن الإِسلام، لذا فقد تربيتُ في ما يمكن وصفه بالـ «خواء» الديني والروحي، بيد أنني سأظل ممتناً لأبويَّ لزرعهما فيّ القيم الأخلاقية التي ستظل ترشدني طيلة حياتي. فمع أن عائلتي لم تكن متدينة، إلا أنها ربتني على مبادئ أخلاقية جيّدة تتمثّل في طاعة الأبوين، والصدق، والامتناع عن السرقة، وخدمة الناس كان حجر الزاوية لحياتنا اليومية.

أدركت مؤخراً خلال فترة المراهقة أنه كانت تجول في خلدي ألغاز الوجود: ما هي الغاية من الحياة على الأرض؟ هل الموت هو نهاية كل شيء؟ هل هناك إله؟ وقد تحرك شيء ما في أعماقي موجِّهاً عقلي نحو سعي دؤوب طلباً للحقيقة. كنت بحاجة إلى أجوبة منطقية واضحة وشاملة عن كل تلك الأسئلة التي أرّقت حياتي وحيّرت لُبّي. وعزمتُ على خوض المغامرة، مع أنها متاهة معقدة حول اللاهوت، وطقوس الغابرين، والفلسفة.

٢٢٢

إنطلاقاً من الإلحاد، شققت طريقي إلى البوذية، والمسيحية، والهندوسية، إلا أنني لم أجد أي طمأنينة في أي منها. تملّكني شعور بأن الحقيقة موجودة في مكان ما، ربما أمام عينيّ، إلا أنها لا تزال تراوغني. وفي مرحلة معينة، تخليت عن البحث وتملّكني اليأس. فَلُذت بنيتشه، وسارتر، وكانط، وهاديجر، وماركس، وفرويد، وأندريه جيد، وكريشنامورتي... ولَكَم بدا الإلحاد أكثر إغراءً لي! أقوال مثل «الله قد مات»، «الدين أفيون الجماهير»، «الأديان تنبع من الخوف الفطري من الأب في المجتمعات البدائية». كنت أحيا وأموت بكتب نيتشه وموسيقى مارلين مانسون. حتى أنني أخذتُ أقرأ «الكتاب الشيطاني المقدس» وأصبحتُ مهتماً بالويكا أو الوثنية. وقد قادني هذا الأمر إلى اكتشاف الميثولوجيا الإسكندناڤية، وآلهة الرومان والإغريق... بَيْدَ أن ظمأي للروحانية والحقيقة النهائية لم يتوقف.

عندئذٍ حصلت المعجزة! فذات يوم جمعة، قرّرت أن أذهب مع صديق مسلم إلى صلاة الجمعة لمجرد التسلية. لم يكن في نيتي أن أصلّي هناك، فقد كنت مجرد فضولي فيما يتعلق بالممارسات الدينية في الإِسلام. الدين الوحيد الذي لم أبحث فيه - لقد استمعنا إلى خطبة الإمام وأديتُ حركات الصلاة من خلال تقليدي لصديقي (القيام، والركوع والسجود). عند هذه النقطة، عشتُ تجربة سماوية روحية غريبة. لم أسمع أي صوت، ولم أرَ أي نور... شعرتُ فقط بعاطفة سماوية وكأنها تجذبني. وكلما لامست جبهتي الأرض، كنت أشعر وكأنها لا تريد أن تفارقها. لقد أرسل الله هدايته إليّ. ولن أعود لحالي السابق بعد الآن أبداً.

وبعد الصلاة، سألني صديقي عن شعوري، فلم أجبه، لأن لغة البشر لا يمكن أن تعبّر عن تلك العاطفة بشكلٍ كافٍ. ذلك الإحساس بالحبور تملّك عقلي لأيام، وكان يشير إلى اتجاه واضح جداً: «الإِسلام»، فتساءلت «هل أنخرط في البحث من جديد؟» كانت قوة خفية ما تدفعني إلى الأمام وترشدني للقيام بذلك. وبعد فترة قصيرة، ألفيت نفسي غارقاً في مطالعة الكتب الإِسلامية ومعجباً بأركان الإيمان الخمسة، والعقائد، والمعجزات العلمية في القرآن، والكمال الرياضي. وشرعتُ في الصلاة بحماسة والدراسة الجادة للقرآن، ولكن القصة لم تنته هنا.

٢٢٣

لقد سقطتُ مرات عديدة في بحور الشك، والشيطان يطاردني بإغراءاته. أمضيت ليالٍ طويلة أرقاً متسائلاً إذا ما كنت على الصراط المستقيم، وهل كنت أتصرف بتهور أم لا؟ حتى أنني بلغتُ حافة الارتداد وتملّكتني رغبة بالتخلي عن كل شيء. وتزامن ذلك مع مشاكل واجهتها في المنزل لكون عائلتي غير مسلمة، مما جعل ترك الإِسلام يروق لي، فتركتُ الصلاة، المعراج الشريف، وأصبحتُ أناظر المسلمين حول معتقداتهم وأساعد المواقع المعادية للإِسلام على شبكة الإنترنت. إلا أن شيئاً ما في قلبي ما كان ليتركني أتخلى عن الله. وأدركت أن تلك الأوقات العصيبة كانت فترة ابتلاء لي، فهل أنجح أم أفشل؟ أخذت أصلّي ليل نهار، وأتوسل إلى الله طالباً العون. شعرت بالخجل لأنني شككت في كلمة الله وتركتُ نفسي تتأثر بالحملات المعادية للإِسلام. شعرتُ بالغثيان لأنني كنت ضحية الشك في كل مرة، وتوسلت إلى الله طالباً الغفران. ولكن في النهاية غمرني النور.

شيئاً فشيئاً، قوّى الله تعالى إيماني وجعلني أصمد. واجهتُ النقد والقسوة من الآخرين بالصبر والسكينة، فلم أجادل أو أغتاظ قط. وإذا ما غمرتني الكآبة، توجهت إلى الله للهداية والعون. لقد عدت إلى دين الفطرة، فماذا هناك لأخافه، وأدركت أن المغامرة لم تنته... بل هي قد بدأت. رحلة فاتنة في أرجاء معجزات وأطايب الإِسلام.

لم أبلغ نهاية الطريق بعد، ولكنني الآن في حالة سلام مع نفسي ومع الله تعالى.

٢٢٤

الهداية إلى الصراط المستقيم

بقلم الأخت زهراء (جويس سلوتر) سابقاً

· الأخت الأميركية جويس سلوتر (زهراء) لاح لها شعاع الإِسلام في مراحل عديدة مرّت بها خلال حياتها وتجاربها الدينية السابقة، وظل يلاحقها حتى عمّها أخيراً سنا بريقه الساطع. فاهتدت إلى الصراط المستقيم، كما تقول في قصَّتها التالية التي بعثت بها إلى المجلة، وهي تعمل حالياً على إرساء دعائم الإِسلام ونشره في منطقتها في ولاية ميشغان إلى جانب أخواتها في منظمة المسلمات الأميركيات.

لقد وُلدت في تشرين الثاني/نوڤمبر 1947م من أبوين أميركيين، وقد رباني أهلي تربية كاثوليكية وكانت أمي قد اعتنقت الكاثوليكية قبل زواجها بأبي. وهي تنحدر من سلالة من البروتستانت المحافظين جداً وقد درس العديد من أفراد عائلتها في معهد مودي للكتاب المقدس، كما كان بعض أفراد عائلتها من اليهود، وقد شرحت لي أمي بعض الشرائع اليهودية.

ولطالما كنت مهتمة منذ الصغر بثقافات الآخرين. حيث كنت شغوفة بدراسة المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة.

وقد أقنعتني عناصر التشابه في العديد من الممارسات والمعتقدات الدينية بأن هناك معتقداً أصلياً تم نسيانه وتغييره عبر الزمن.

لقد تعلمتُ في مدرسة كاثوليكية حتى المرحلة الثانوية. وقد فكرتُ بدايةً في أن أصبح ملتزمة دينياً، غير أنني لم أوفق لذلك مع أنني كنت أواظب على حضور الصلاة في الكنيسة بقلب مؤمن وأتلقى التعاليم الكنسية في الوقت المحدد.

في ذلك الوقت، تعرّفت لأول مرة على الإِسلام، حيث كنت قد بدأتُ بدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الثانوية. وكما هو معلوم فإن شبه الجزيرة الإيبيرية تأثرت إلى حد بعيد بالثقافة الإِسلامية منذ التواجد الإِسلامي في الأندلس.

وللأسف فإنني لدى شروعي في دراستي الجامعية تركتُ ممارساتي الدينية. حتى خلال العديد من المشاكل أثناء زواجي الأول، لم أذهب للصلاة في الكنيسة. كنت أتلو صلاتي بمفردي وأقرأ في الوقت عينه عن الأديان المختلفة.

٢٢٥

وبعدما مررتُ بمرحلة مليئة بالقلق. بدأتُ بالذهاب مجدداً إلى الكنيسة ومررتُ بتجربة «الولادة الجديدة». وهذه هي مرحلة قرب خاص من الله تعالى.

بَيْدَ أن الله تعالى كان قد رسم لي خطة أخرى ليقرّبني منه أكثر، أو هكذا يبدو الأمر لي عندما أعود بالذاكرة. لقد تصادقت ابنتي مع فتاة إيرانية في المدرسة. وقد التقيتُ بأهل تلك الفتاة وتعرفتُ على ثقافتهم. عندها اشتريتُ لأول مرة ترجمة للقرآن الكريم. وبعد حوالى عام انتقلنا إلى سكن آخر، حيث التقيت بإحدى صديقاتي التي كانت متزوجة من إيراني. ومجدداً تعرّفت أكثر على الثقافة الإيرانية وكيفية طهو بعض الأطباق الإيرانية. ومع أن صديقتي لم تكن مسلمة، إلا أنها حدثتني عن الإِسلام، ومجدداً شدّ ذلك اهتمامي. في العام 1997م بدأ يساورني شعور بأن الله تعالى يريدني أن أقوم بأمر ما، شيء أكثر من مجرد إطاعة تعاليم الكنيسة وقوانين البلاد. شعرتُ بأن عليّ أن أبدأ بتعلم قيادة سيارتي بمفردي إلى أماكن بعيدة، لذا كنت أذهب إلى أوماها في نبراسكا للعمل هناك طيلة أسبوع. وذهبتُ للاعتراف في فترة عيد الميلاد وأخبرتُ الكاهن بشعوري بأن لديَّ مهمة خاصة. أعتقد أنه ظن أنني إنسانة «غريبة الأطوار». ثم في كانون الثاني/يناير 1998م، توفي زوجي الثاني إثر ذبحة قلبية. كان عمره 46 عاماً فقط. وعندئذٍ أصبحت قريبة جداً من الله تعالى وقد منحني ذلك قدراً كبيراً من الراحة.

أمضيتُ قسماً كبيراً من وقتي باحثة عما عليّ القيام به لنفسي في ذلك الحين. أصبحتُ نشطة جداً في الكنيسة كالمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة، وقد تم انتخابي عضواً في مجلس الرعية. وعبر كنيستي التقيتُ أشخاصاً من سائر أنحاء العالم. وقد تمكنتُ من السفر إلى الهند وإسبانيا.

وفي الهند رأيتُ الناس من جميع الأديان يعيشون معاً منسجمين.

٢٢٦

وفي أيار/مايو 2001م قررت أخيراً الإصغاء لنداء الله وركزت على الصلاة من أجل السلام في العالم. وقد شعرتُ على امتداد السنوات أن لديَّ حافزاً قوياً للعمل من أجل السلام في العالم. وقد بدت تلك مهمة مستحيلة.

في الأعوام القليلة التالية واصلت حياتي كما في السابق، كنت أقرأ عن الأديان الأخرى واستمريت في الأنشطة التطوعية. في العام 2003م بدأتُ بحضور سلسلة من المحاضرات عن الإِسلام في مسجد في بلومنغتون. وبعد أن انتهت السلسلة بدأتُ بحضور جلسات في منزل إحدى الأخوات إلا أنني انتقلت بعد ذلك، لذا توقفتُ عن حضورها. عرفت بأنني سأصبح مسلمة إلا أنني لم أرد أن أستسلم وأتغير. لقد اشتريتُ نسخة من القرآن الكريم ترجمها يوسف علي وقرأتها كلها. وقد قرأتُ سيرة النبي محمد (ص) وكتباً عن الإِسلام. وعندما نفق كلبي، لم أحضر كلباً آخر بل قطة لأنني عرفتُ أن معظم المسلمين يعتقدون أن الكلاب نجسة.

حلّ العام 2006م وتلقيتُ المزيد من الإشارات من الله تعالى ذات مرة كنت وصديقة لي نتحدّث عن المشاكل في العالم الإِسلامي، فقالت لي إننا من غير المسلمين ولا يمكن لنا أن نكون ممن يحمل السلام للعالم الإِسلامي. واتفقنا أن ذلك يحدث فقط من خلال المسلمين أنفسهم. وأدركتُ أنني إذا ما أردت العمل من أجل السلام في العالم فإنه عليّ أن أصبح مسلمة، إلا أن نفسي الضعيفة لم ترغب بالتغيير. وقد تجاهلتُ المزيد من الإلهامات الإلهية التي وصلت إليّ عبر أشخاص في مجموعة دراسة الكتاب المقدس التي كنت أنتمي إليها. إحدى السيدات كانت تقول للجميع باستمرار إن علينا أن نستسلم لمشيئة الله أليس ذلك ما يتضمنه الإِسلام؟ سيدة أخرى قالت اختاروا طريقاً والتزموا به. أليس الإِسلام هو الصراط المستقيم؟ لقد حاولت خلال أعوام أن أحصل على شيء يربطني أكثر بالكنيسة الكاثوليكية، وتقدمت بطلبات لعدة وظائف في أبرشيتنا، إلا أنهم لم يجدوني ملائمة للوظيفة. أعرف أن الله تعالى بمشيئته قد حال دون توظيفي كي أكون حرة أكثر من أجل الإِسلام. ومع ذلك، لم أكن أخال نفسي عنيدة إلا أنني كنت كذلك فعلاً، لم أشأ التخلّي في هذا الوقت عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير ومن ثَمَّ المواظبة على الصلاة اليومية، والالتزام باللباس الشرعي الإِسلامي.

٢٢٧

أخيراً، وخلال حضوري دروساً جامعية، قررت التوقف عن شرب الكحول. وعندما تمكّنتُ من القيام بذلك، عرفتُ أنني قادرة على القيام بأي شيءٍ آخر. ورغم ذلك استمر خوفي من تلك الخطوة. إلى أن دعوت الله تعالى أن يهيء لي معلماً إذا أرادني أن أعتنق الإِسلام. وبما أنني كنت أدرس في جامعة كاثوليكية كنت متأكدة أن معلماً كهذا لن يظهر أبداً.

ولكن الله تعالى يقول في (سورة يس آية 82):﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ﴿82﴾ ﴾ . فقد جاءني المعلم المسلم إلى صف اللاهوت المسيحي الذي كنت أتابع فيه، عندها، أدركتُ أنه لا مكان للتردد بعد الآن، فأدّيت الشهادة لله ولرسوله بعد فترة قصيرة. أعرف الآن أن عليّ الاستمرار في كفاحي كي أكون مسلمة صالحة عاملة ولكني أعرف أني بعون الله وبمساعدة إخواني وأخواتي المسلمين سأظل على الصراط المستقيم.

٢٢٨

(سيريل سفراك)

الشاب الفرنسي المهتدي للإِسلام

هكذا استنار قلبي بنور الإِسلام المتجلّي بالنبي الأكرم (ص) والمتجسّد بنهج أهل البيت (عليهم السلام)

«سيريل سفراك» شاب أخلص قلبه لله منذ طفولته، فأكرمه تعالى بنعمة الإِسلام في شبابه، وبرحمته أصبح شاباً مسلماً فخوراً بانتمائه الجديد رغم انتقادات الكثيرين من حوله لكونه فرنسياً اعتنق الإِسلام.

لكن قلب «سيريل» مطمئن بالإيمان مستنير بكلمة الحق التي تجلت في دين محمد (ص) وتجسدت في نهج آل البيت (عليهم السلام) ، وهو هنا يروي عبر مجلة (نور الإِسلام) قصة هذا التحول نحو الإِسلام الذي يراه: الحب الخالص لله.

يقول «سيريل»: وُلدت عام 1975م في أُسرة لا يؤمن أفرادها حقاً بوجوده تعالى. لم يلق تناولي للقربانة الأولى التي تمثل دخولي إلى الديانة المسيحية أي اعتراض بينهم ولا أي تشجيع. التحقتُ صغيراً بصفوف التعليم الديني. كنت متحمساً جداً فرحاً بما أتلقاه من تعاليم؛ خاصة عندما يتعلق الموضوع بالمسيح (ع) ، كانت معلومات سطحية بعض الشيء، لكنها كانت كافية لتغذي حلم كاهن صغير لا زال في سن الثانية عشر... صرتُ أقرأ التوراة والإنجيل بارتياح كبير حتى تعمّقتُ في قراءتهما، فبدا لي وقتذاك شرخاً كبيراً بين تعاليم الكتب المقدسة والدروس الكنسية، وبدأتُ أطرح على نفسي أسئلة جمة كتحريم زواج رجل الدين، مع أن الزواج خطوة مباركة يحثُّ عليها الدين، أو انتشار الأيقونات والمنحوتات كرموز دينية. حتى في الكنائس. مع أن ذلك لا يتناسب مع ما نص عليه الكتاب المقدس... كثرة الأسئلة، وكثرة التناقضات، دفعت بي إلى التمسك بإيماني (بديني) في حين أسقطت من اهتماماتي تعاليم الكنيسة، فكانت علاقتي بالله مباشرة لا تمر عبر كنيسة ولا تحدها سلطة دينية، هذا الخط الذي رسمته في سن الخامسة عشر، أخلصت له سنين طويلة.

٢٢٩

أذكر أني حين تعرفتُ إلى أصدقاء من «شهود يهوه» كنت أحاججهم بإيماني بالإنجيل، كانت أسئلتهم تحثني على البحث لاستخلاص الأجوبة، ولكن ما تعلمته من خصمي أن العقل هو السبيل لمعرفة الله «وهذا لا زال منهجاً في حياتي الدينية».

خلال أعوام دراستي الجامعية (كنت قد اخترت دراسة علم النفس) تعرفت على صديق سرعان ما صار بمثابة أخ لي، كان يجمعنا، عدا السكن الجامعي، سهرات قضيناها معاً تبادلنا فيها الآراء وأخرى ناقشنا فيها أفكاراً فلسفية لا حدود لها.

كان صديقي مسلماً، يصوم شهر رمضان لا أكثر، لكن إيمانه الداخلي كان يحاكي قناعاتي التي كونتها عن الله، ولما كنت أفتقر إلى كثير من المعلومات حول ديانته (الإِسلام) قدم لي مرة كتاب «القرآن» وعلمني كيفية الوضوء شارحاً لي ضرورة القيام به عند قراءة القرآن. ظل الكتاب على طاولتي شهوراً لم أفتحه، كنت أشعر أني لست جديراً بفتحه، وغاب صديقي عني فجأة.. واختفى! صدفة أخرى جمعتني بسيدة مغربية دعتني لحضور حلقات دينية كانت تعقد في شهر رمضان، بدا لي الحديث عن الإِسلام جلياً، فبادرتُ أطرح أسئلتي وأتعرف أكثر فأكثر على الإِسلام، ولا أنسى أني سمعتُ لأول مرة في حياتي عن الصهيونية العالمية وكان عمري قد تجاوز السابعة والعشرين.... وبدأتُ رحلة البحث عن الحقيقة: صرتُ أنهل من هذا العلم الواسع لأجد الأجوبة الشافية لأسئلتي، وأستغرقُ في البحث والتفكير فتمضي ليالٍ تلو أخرى والتساؤلات تكبر في داخلي، فأرويها بالمعرفة والتزود، ويقيني بوجود دين يجيب على أسئلتي (تطلعاتي وأفكاري) يتأكد يوماً بعد يوم، فعرفت أن الدين الإِسلامي هو آخر الديانات السماوية، وأن الله هو الرب الأوحد لكل هذه الديانات، فاعتقدتُ بذلك، وصرتُ أرى الإِسلام مُكمّلاً لها. ذات يوم تجرأت وفتحت القرآن، ومن قراءتي لأول آياته، تعلقت بكتابي، وصرت أقرأ وأزداد تعلقاً وأتمنى أن أصل إلى آخر صفحاته. فهمتُ أن المسلم يؤمن بوجود المسيح كرسول كريم وهذه الحقيقة لعيسى (ع) لاقت صورة رسمتها سابقاً في داخلي للمسيح الذي آمنت بوجوده على طريقتي (على فطرتي)، وتوضحت أكثر. اعتقدت ببعثة محمد (ص) خاتماً للرسل، صرتُ أراني مسلماً بشكلٍ عفوي وتلقائي؛ فكيف أتعبد؟ تودّدتُ لجار لي، سوري علوي، كنا نتحاور وحين يصعب سؤالي عليه، كان يتصل بأستاذه في سوريا ويجيبني، حدثني كثيراً عن الإمام علي (ع) ، شخصية جذبتني بعفوية، لكن مبالغات جاري وصديقي لم تخفَ عليّ.

٢٣٠

نهج أهل البيت(عليهم السلام) :

واصلت البحث وتعمقت أكثر، وكان طريق أهل البيت بالنسبة لي هو المنهج السليم والنيّر، فخيانة يهوذا في الدين المسيحي حادثة تعيد نفسها بعد وفاة النبي (ص) وانقلاب بعض الأصحاب عليه، وهذه الخيانات يحذرنا منها القرآن الكريم في مواضع عدة، والنبي محمد (ص) الذي تأذى أكثر من كل الأنبياء في حياته، لم يرحمه أتباعه من بعده، فالتيار جرف كثيراً من المسلمين وقلة منهم تمسك بوصاياه. هنا، يرشدنا العقل إلى السبيل القويم، إلى نهج آل محمد (ص) ، ولمَ كان أتباعه الخلّص قلة تفانوا لأجله وما زالوا.

أصداء:

كان لاعتناقي الإِسلام صدى كبيراً لدى مَن حولي: أصدقائي وزملائي في الجامعة على وجه الخصوص. أحدهم (والذي جمعتني به صلة قرابة لاحقاً: صار أخ زوجتي) كان يأتي إليّ يحدثني عن الإِسلام، ونصلي معاً، ويصحح لي ما تعلمته، ويوضح لي الأحكام الشرعية، فصرت أتبع المدرسة الجعفرية. (مدرسة الإمام الصادق (ع) ):

وصارت تعقد في غرفتي حلقات الحوار والنقاشات الفلسفية والتي غالباً ما جمعت الكثير من الشبان والشابات، فكانت فرصتي للتعرف على زوجتي التي كانت وما زالت بالنسبة لي لطفاً إلهياً مباركاً أنار دربي؛ إذ كان لها الفضل أولاً في تعليمي حفظ بعض السور، وكذلك أداء الصلاة باللغة العربية. وفجأة ظهر صديقي وأخي الذي افتقدته طويلاً، أطل هذه المرة بحلة جديدة، فقد التزم دينياً واصطحبني إلى المسجد لأول مرة وشرح لي أحكام صلاة الجماعة، وتزوج هو أيضاً، وكلانا رزق بطفلة، فكبرت عائلتانا في نور الإِسلام.

إلهي وسيدي الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسري... الحمد لك والشكر لك على ما خلقتني وسوّيتني، وربّيتني وأعطيتني حمداً دائماً لا ينقطع أبداً.. اللّهمّ املأ قلبي حباً لك وخشية منك وتصديقاً لك وإيماناً بك.

٢٣١

قصة إسلام الشاب الأرجنتيني

«محمد عيسى غارسيا»

من آثار السمعة الحسنة التي حققها مسلمو الأرجنتين هي ظاهرة إسلام العديد من المواطنين من أصل أرجنتيني نظراً للقِيَم النبيلة التي لمسوها في الدين الإِسلامي والطابع الأخلاقي السليم لسلوك المهاجرين المسلمين.

في هذا الإطار تلقينا من الأخ الكاتب مجاهد شرارة المقيم في الأرجنتين قصة شيقة عن (محمد عيسى غارسيا) وهو شاب أرجنتيني وجد سعادته كما يقول في الإِسلام بعد بحث طويل عن الحقيقة مقتفياً آثار الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)

حكاية محمد عيسى أنه ولد لأبوين نصرانيين وقد أمضى طفولته في التردد على الكنيسة، ولمّا بلغ العاشرة من عمره أنهضته نفسه البريئة إلى بداية رحلة جديدة للتأمل في الكون الذي حوله، ورغم صغر سنّه وقصور ذهنه على الاستدلال إلّا أن فطرته لم تكن لتتقبّل عقيدة التثليث فقد كان يميل ببراءته إلى أن عيسى بن مريم (ع) شخصية عظيمة وليس إلهاً، وهذه المسألة هي التي فتحت باب المناقشات والتساؤلات بينه وبين أهله في البيت ومع قساوسة الكنيسة التي يتردد إليها.

لم يجد محمد عيسى غارسيا وهو الطفل البريء جواباً شافياً على تساؤلاته المبكّرة وما يجيش في نفسه، وازدادت حيرته وقلقه عندما لم يعر أهله والكنيسة اهتماماً بسؤاله نظراً لصغر سنّه.

مرّت الأعوام بمحمد عيسى حتى بلغ الخامسة عشر وهو يحمل في نفسه تلك الأسئلة، ودخل الثانوية العامة، وتلقى في أثناء دراسته كلاماً سطحياً عن الإِسلام ومغلوطاً في الكثير من الأحيان، فالكتاب المدرسي يذكر أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود ويسجدون للكعبة مصحوباً بصور للمسلمين وهم يصلون ويسجدون ويطوفون حول الكعبة.

٢٣٢

كبر محمد عيسى وكبرت معه حيرته فهو الآن شاب بإمكانه أن يحلّل ويستدل فقد قوِيَ تمسّكه وولعه بالبحث عن الحقيقة. وفي ليلة من ليالي شهر أكتوبر عام 1989 ضاقت به نفسه فالسؤال ما زال يتردد داخله، من هو خالق الكون؟! ووقف في جنح الليل ينظر إلى السماء هاتفاً: «يا أنت الذي خلقتني اهدني للحق وإلّا خذ روحي فإني أعيش حياة ضالة» وانهمرت من عينيه دموع الحيرة ثم استسلم للنوم. وفي الصباح استيقظ على طرق الباب فوجد محمد رجلاً مشرق الوجه يطلب منه أن يحدِّثه لبعض الوقت، وبدأ حديثه بقوله: أنا «ماشوركا»، مسلم جئت لأحدثك عن الإِسلام. وأخذ ماشوركا يحدّثه عن الله ووحدانيته وعظمته وكيف أنه يستحق العبادة ومنزّه عن كل نقص.

انشرح قلب محمد عيسى غارسيا لهذه الكلمات، ونظر إلى السماء متذكراً ما دعا به في الليلة الماضية، وشعر برحمة الله تحفه ونفحات الإيمان تتدافع في قلبه. دام حديث ماشوركا معه ثلاث ساعات بعدها استأذن لصلاة الجمعة. وقبل أن ينصرف طلب غارسيا أن يرافقه إلى المسجد، فقد وجد ضالته ولن يتركها تضيع من بين يديه، واستمع للخطبة التي تحدثت عن الإِسلام. وما إن فرغ المصلّون من الصلاة حتى توجه محمد غارسيا إلى ماشوركا مخاطباً: أريد أن أسلم، ماذا أفعل؟ فقال له: عليك بنطق الشهادتين ثم الاغتسال. ففعل محمد غارسيا ما طلب منه فكبّر المصلّون فرحاً بإسلامه.

طريق الأهل الشائك والهجرة إلى الحقيقة:

تعلّم محمد عيسى غارسيا في المدرسة والبيت الحرية في أن يعتقد ما يريد دون أن يؤثر ذلك في حياة الأسرة، لكن ما حدث بعد إسلامه كان خلاف ذلك، فقد واجهته المصاعب من جميع الجهات؛ فوالدته غضبت منه غضباً شديداً وتوعدته رغم حبها الجمّ له، وقام والده بطرده من المنزل وهو ما زال طالباً لم يتعدَّ 18 عاماً، فخرج حزيناً من بيته مصدوماً من أهله الذين طالما تغنوا بالحرية في المعتقد والسلوك.

٢٣٣

ليس لمحمد عيسى غارسيا أحد يلجأ إليه سوى «ماشوركا» الذي احتضنه ووفر له عملاً بسيطاً في شركة لتصنيع البلاستيك، ومأوى في بيته كي يعيش فيه. ظل محمد عيسى يعمل ويتردد إلى المسجد كي يتعلم العربية وتعاليم الإِسلام، كان جلّ همّه أن يستزيد من المعرفة وينهل من نهج نبي الإِسلام (ص)

رغب محمد عيسى أن يتعلم سيرة النبي (ص) فأقبل على كتاب السيرة النبوية «لمارتن لينكس»، وكلما قرأ عن الاضطهاد الذي تعرض له النبي وكيف صبر عليه، ازداد صلابة في مواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها، وبعد فترة اجتهد محمد عيسى في حفظ القرآن والأحاديث النبوية حتى حفظ جزء «عم» و«الأربعون النووية».

ظلّت نفس محمد عيسى تهفو لزيارة البيت الحرام والوقوف أمام مقام الرسول (ص) حتى أتت فرصة الحج عام 1993 ووقف أمام الكعبة يصلّي معلناً أنه لا يسجد لها ولا يعبد الحجر الأسود بل يسجد ويعبد الله وحده.

بعد الحج عزم محمد عيسى على التخصص في علم الحديث بعدما تعلّم اللغة العربية، وكانت ترافقه أمنية في أن يهدي الله أُمه للإِسلام فأخذ يراسلها ويكتب إليها ويتصل بها بين الحين والحين، وفي إحدى المرات فاجأته أُمه بقولها: «لقد أسلمتُ يا محمد» حينها طار قلب محمد فرحاً لإِسلام أُمه.

عاد محمد عيسى عام 2004 إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت إحدى عشر عاماً، حفظ خلالها عشرة أجزاء من القرآن الكريم وأتقن اللغة العربية، آنذاك حمل محمد عيسى لواء الدعو إلى الله وتبصير الناس بالله وبالإِسلام لكنه واجه ظروفاً صعبة، ولكن من براثن الظلام يتولد الضوء، فكثير من الأرجنتينيين بدأوا يسألونه عن الإِسلام وهو يشرح لهم حقيقة الافتراءات التي ألصقت بهذا الدين الحنيف، حتى أسلم على يديه 70 رجلاً وامرأة خصصوا لهم مكاناً للصلاة في حيّهم، ويقوم محمد عيسى بتدريس العربية للمسلمين الجدد وتعليمهم قراءة القرآن وتعاليم الإِسلام.

٢٣٤

أصبحت الدعوة إلى الإِسلام هي الشغل الشاغل لمحمد عيسى وتطورت أساليبه في التبليغ، فنظراً إلى أنه يجيد اللغة العربية والإسبانية اتجه إلى الترجمة عندما وجد ندرة في الكتب الإِسلامية باللغة الإسبانية، فعمل مديراً لقسم اللغة الإسبانية في الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، وقد ترجم حتى الآن أكثر من سبعين كتاباً إسلامياً من العربية إلى الإسبانية، ويناشد محمد عيسى الجميع الحكومات والمؤسسات الإسلامية أن يدعموا الدعوة والتبليغ في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية، وأن تزيد حركة الترجمة وتتسع حتى تشمل جميع الكتب التي تحتضن العلوم الشرعية.

وليس غريباً أن يلوم المسلم الأرجنتيني محمد عيسى المسلمين على تقصيرهم في تبليغ رسالة الإِسلام في أمريكا اللاتينية، بعدما اطلع على عظمة الإِسلام ونجاعته في سعادة الإنسان في هذا العصر، فالمسلمون بنظره لا يقدّرون إسلامهم حق قدره. ويضيف محمد عيسى غارسياً قائلاً: «كثير من الدعاة يسافرون إلى أماكن أخرى من العالم مقابل عدد قليل جداً يأتي إلينا للدعوة إلى الله، وهذا يحزنني كثيراً، فالناس هنا في الأرجنتين، متقبلون للإِسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يرشدهم إليه».

نداء إلى المسلمين:

وفي نهاية حديثه معنا قال: «60% من الأرجنتينيين الذين أسلموا تعرفوا على الإِسلام من خلال مواقع الإنترنت، وهناك مواقع إسبانية عن الإِسلام وكذلك منتديات للحوار باللغة الإسبانية، لذلك أناشد الشباب المسلم العربي أن يتعلم اللغة الإسبانية يدخل إلى هذه المواقع ليدعوا إلى الله، أرجو أن تهتموا بأمور المسلمين الجدد في أمريكا اللاتينية ونحن نرحب بكم جميعاً ونود أن نستقبلكم في بيوتنا».

٢٣٥

قصّة قسيس روسي

اعتنق الإسلام بعد صراع ضد الإلحاد :

من هو القسيس المسيحي الروسي الذي اعتنق الإسلام وما هي قصة الشيخ الذي دخل عليه إلى قلب الكنيسة وكان كلامه بمثابة دعوة للهدى، وماذا يفعل بولوسين ورفاقه لنصرة الإسلام في روسيا؟

قال الدكتور في الفلسفة والعلوم السياسية علي فيتشسلاف بولوسين: «لقد تربيت في عائلة غير مؤمنة ولكنني كنت أدرك بإحساسي وجود الله الذي أتوجه إليه في كل ضائقة وسرعان ما تنفرج».

وأضاف بولوسين الذي وضع عدداً من المؤلفات حول علوم الدنيا والآخرة أبرزها كتابه «الخرافات والدين والدولة» الذي صدر في موسكو في عام 9991م إنه التحق بكلية الفلسفة في جامعة موسكو من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة الله (سبحانه وتعالى) حيث تخرَّج بعد أن أمعن في دراسة المسيحية الأرثوذكسية وقال «اكتشفت الكثير من التناقضات فيها».

وإبان العهد السوفياتي حيث كانت الشيوعية تمثل الإيديولوجية الرسمية للدولة وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تمثل البديل الوحيد الموجود التحق بولوسين بمدرسة الرهبان وأصبح قسيساً في عام 3891م. وأقر بولوسين بأن وضعه كراهب كان يشكِّل رمزاً للصراع ضد الإلحاد وفي الوقت نفسه فإن مقامه كراهب كان يفرض عليه ممارسة طقوس تلبية لاحتياجات الناس المؤمنين التي يقول إنه «لم يقتنع بها مما خلق لديه ازدواجية بين الإيمان الشخصي والواجب الديني الاجتماعي ويعتقد بولوسين أن شكوكه ومواقفه التي لم يكن قادراً على إخفائها كانت السبب وراء إبعاده إلى آسيا الوسطى للخدمة في إحدى الكنائس في طاجكستان «حيث تعرفت لأول مرة وبصورة مباشرة على المسلمين والإسلام الذي بدأت أشعر بانشداد إليه».

وروى بولوسين أن شيخاً وقوراً دخل عليه إلى قلب الكنيسة التي كان يرعى أمورها وبدون أن يقدِّم نفسه «سألني عدة أسئلة أجبته عليها وبعدها قال لي إنك تنظر إلى الأمور بعيون مسلم وستكون إن شاء الله من المسلمين».

٢٣٦

وقال بولوسين: «بدا هذا الأمر عجيباً وغريباً إذ دخل الشيخ إلى قلب الكنيسة بكل احترام ولكنه غير آبه بأي مكروه قد يتعرض إليه ليدعو راعي الكنيسة إلى الإسلام، والعجيب في الأمر أن هذه الدعوة دخلت إلى روحي ولم تلقَ مني أي مقاومة».

وأضاف: إن الأمر الأكثر عجباً أنني لم أرَ هذا الشيخ قبل هذه الحادثة ولا بعدها وبعد وقت أدركت أن مجيئه إليّ كان مثابة «دعوة للهدى».

وبعد آسيا الوسطى تولى بولوسين رعاية كنيسة مهجورة أعيد ترميمها في مدينة كالوغا حيث يعترف بأنه بدأ فيها ممارسة قناعته بالإيمان بعيداً عن الطقوس التي لم يكن يؤمن بها.

وبفضل العلاقة الطيبة التي ارتسمت بينه وبين رواد الكنيسة سارع الناس في سنوات الانفتاح والانعتاق الديني التي دشنتها البيرسترويكا إلى ترشيحه لعضوية البرلمان الروسي في عام 0991م حيث أصبح نائباً في البرلمان وترأس لجنة برلمانية لحرية العقيدة وتفرغ للعمل النيابي بعد أن تقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة حرره من التزاماته الشكلية الدينية.

وأضاف أن فترة عمله في البرلمان تُوِّجت بإقرار قانون حول الأديان منح الكثير من التسهيلات للمسلمين وظل العمل به مستمراً حتى عام 7991م.

ويعترف بولوسين أنه انكب في بداية التسعينيات على دراسة المصادر التاريخية القديمة للمسيحية في محاولة للوقوف على تفسيرات للشكوك التي انطوت عليها نفسه ولكن هذه الدراسة المتعمقة زادت شكوكه وعمقتها «حسب قوله».

واستطرد بأن عام 5991م كان عام التحول في قناعاته الدينية حيث توقف تماماً عن ممارسة عمله في الكنيسة وانتقل لدراسة الإسلام وقال: «لكن قراءة القرآن بالترجمة الروسية التي أعدها أغناتي كراتشكوفسكي شوهت المعاني السامية للقرآن التي لم تتضح بأبعادها العظيمة إلّا بعد مراجعة ترجمة عصرية للمعاني القرآنية والمؤلفات الإسلامية حول المسيح واستماعي إلى سلسلة محاضرات حول الدين الإسلامي حيث لم يبقَ لديّ أي شك في اعتناق الإسلام.

٢٣٧

وقال بولوسين «أعلنت إسلامي سراً ولم يكن يعلم به أحد سوى شخصين، وانطوى هذا القرار على خطر يتهدد حياتي وحياة زوجتي التي سبقتني إلى الإسلام وظللت على هذا الحال حتى العام الماضي حيث نطقت علناً بالشهادتين في حديث أدليت به لصحيفة «المسلمون» واتخذت لنفسي اسم علي وزوجتي علية».

ورداً على النظريات الغربية التي ترى أن الصراع بين الأديان والحضارات يبدو حتمياً أعرب بولوسين عن قناعته بأن روسيا تشكل نموذجاً يحتذى للتعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية بالرغم من بعض الفترات التاريخية التي ألحقت فيها الدولة أذى بالمسلمين كما حدث في العهد القيصري إبان حكم إيفان الرهيب وغيرها.

وحذر بولوسين من وجود أطراف خارجية تسعى لإثارة النعرات الدينية في روسيا من أجل تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الدولة الروسية.

ويتهم بولوسين الصهيونية بأنها صاحبة المصلحة الأولى في الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين في روسيا.

ودحض بولوسين بقوة محاولة إضفاء صفة الإرهاب على الإسلام قائلاً إن الأصولية اليهودية تشكل قمة التطرف لأنها تندرج في الإطار الإيديولوجي للصهيونية وتقوم على الخرافات التي كانت قائمة قبل ثلاثة آلاف عام.

وتساءل «كيف يتحدثون عن الأصولية الإسلامية وكلنا نعرف إن الأصولية اليهودية هي التي أقامت دولة على حساب شعب آخر استناداً إلى روايات خرافية وما زالت تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب الأمة العربية جمعاء».

وعن المهام الملحَّة التي يقوم بها بولوسين لنصرة الإسلام في روسيا قال إن المهمة الملحة تتمثل في «تقديم صورة صحيحة عن الإسلام للمواطنين الروس على جميع الأصعدة بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».

وأضاف أننا نقوم بنشر صورة الإسلام المشرقة بصفته ديناً قائماً على المحبة والتعايش السلمي وسط المثقفين الروس وبدأنا بإصدار نشرة الصراط المستقيم التي تتضمن مقالات تطرح نظرة عصرية وحديثة للإسلام في روسيا وموقف المسلمين إزاء معضلات ومشكلات المجتمع الروسي.

٢٣٨

وذكر بولوسين الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً لدى رئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا أنه يعمل مع فريق من المسلمين الروس على وضع أسس لبرنامج اجتماعي للمسلمين الروس من أجل طرحه في الأوساط الروسية الرسمية والاجتماعية.

٢٣٩

الأخ الإسباني يوسف فرنانديز

يقول:

· أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة، فهو نهج حياة واضح لا يكتنفه غموض أو أسرار.

· قبل الإسلام كنت شخصاً عصبياً متشائماً لا يرى معنى لوجوده.. وقد أصبحت بعده إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً.

· في إسبانيا آفاق الدعوة إلى الإسلام جيّدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً.

يوسف فرنانديز.. أخ مسلم غربي آخر يروي قصّة تحوّله المشوّقة إلى جمال أنوار الإسلام، بعد رحلة طالت مع العقائد والأفكار السائدة في عالم الغرب، التي لم تشفِ غليله، ولم توفّر له قناعة بسلامتها وطمأنينة بصلاحيتها.. وقد تفضّل مشكوراً بالكتابة عن قصّة اعتناقه للإسلام، ليطّلع عليها قرّاء المجلة وكل من هو متيقِّن بعظمة هذا الدين الحنيف.

لقد وُلدت في العام 5691 في أستورياس، وهي منطقة في شمال إسبانيا زُعم أنها مهد الكاثوليكية الوطنية، أي العقيدة السياسية والدينية التي سادت في إسبانيا طيلة خمسة قرون. تقول أساطير الفكر الرسمي القديم إن المسلمين الذين جاؤوا في العام 711 ميلادي إلى إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق واستولوا على معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات فقط، قد هُزموا من قبل الملك بيلايو وبعض أتباع المسيحية في كوفادونغا، وهي معقل جبلي في أستورياس. وقد قيل إن ذلك آذن ببدء الـatsiuqnoceR (الاسترداد) أي الحرب المسيحية المقدسة التي استمرت ثمانية قرون لفتح شبه الجزيرة بأكملها والقضاء على الدول الإسلامية فيها. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير 2941، سقطت غرناطة؛ وقد مثل هذا التاريخ نهاية العصر الإسلامي المشرق في الأندلس.

بعد ذلك، أصبحت إسبانيا دولة كاثوليكية رسمية وذلك حتى وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو في العام 5791. وفي عام 8791، تمت المصادقة على أول دستور ديمقراطي، وبعد ذلك بعامين صدر أول قانون للحرية الدينية.

نظراً لهذه الحقائق التاريخية، كان من المفترض أن تكون أستورياس مكاناً من الصعب أن يكتشف المرء الإسلام فيه، لا سيما وأن الهويتين الأستورية والإسبانية قد تم ربطهما بالكاثوليكية الوطنية لفترة طويلة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457