إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469
المشاهدات: 48426
تحميل: 4685


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48426 / تحميل: 4685
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: 964-319-174-5
العربية

المريض )(١) لضعفه وقلة حركته ، ولأجل ذلك فصّلعليه‌السلام في الخبر بين العليل والصحيح.

ويزيد ذلك بيانا :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن عنبسة بن مصعب قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : رجل احتلم فلما أصبح نظر إلى ثوبه فلم ير (٢) شيئاً ، قال : « يصلّي فيه » قلت : فرجل رأى في المنام أنّه احتلم فلمّا قام وجد بللاً قليلاً على طرف ذكره قال : « ليس عليه غسل ، إن عليّاً عليه‌السلام كان يقول : إنما الغسل من الماء الأكبر ».

السند‌

في الأول : ليس فيه ارتياب ، والعباس فيه قد قدمنا عن الوالدقدس‌سره أنه كان يقطع بأنه ابن معروف(٣) ، وله مؤيّدات من الأخبار السابقة واللاحقة ، وابن عامر أيضاً في حيّز الاحتمال ، وشيخنا المحقّق ميرزا محمد أيّده الله قال في فوائده على الكتاب : وعندي أن احتمال كونه ابن عامر مثله يعني مثل ابن معروف أو أظهر ، ولا يخفى عليك الحال بعد ما قلنا(٤) .

والثاني : فيه عنبسة بن مصعب وقد تقدم ، وحسين بن عثمان مشترك بين ثقتين(٥) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٠٩ / ٣٦٣ : من العليل قليلاً قليلاً.

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٠ / ٣٦٤ زيادة : به.

(٣) منتقى الجمان ١ : ١٧٢ ، وراجع ج ١ ص ٦٤.

(٤) في « رض » : قدمناه.

(٥) هداية المحدثين : ١٩٥.

١٨١

المتن :

لا يخلو من إشكال في الأول ، لأنّ قولهعليه‌السلام : « إلاّ أن يكون مريضاً » إلى آخره ، يقتضي بظاهره أنّ المريض إذا رأى البلل القليل يجب عليه الغسل ، وإن لم يكن الماء بصفة الماء الأكبر ، ومخالفته للقواعد ظاهرة ، إلاّ أن يقال : إنّ المراد مع تحقّق وصف الماء الأكبر ، وفيه : أنّ قوله : لضعفه ، محتمل في نظري القاصر لأن يراد به ضعف الماء بسبب المرض ، لا ما ظنّه الشيخ من أنّ المراد ضعف الإنسان وإن كان الضمير في ضعفه محتملاً للعود إلى الإنسان ، إلاّ أنّ عوده إليه يوجب الإشكال من حيث إن الضعف إنّما يغتفر فيه عدم الدفق ، كما تدل عليه بعض الأخبار ، والخبر المبحوث عنه تضمن الاحتلام ووجدان البلل القليل ، وليس فيه أنّ البلل القليل خرج بعد الانتباه ، ولو كان المراد ذلك لزم أن يكون قولهعليه‌السلام : « ليس بشي‌ء » غير موافق لما قاله بعض المتأخّرين : من أنّ اعتبار الدفق إنّما هو مع الاشتباه(١) ، أمّا مع التحقق فيجب الغسل كما حكيناه سابقا(٢) ، وإن كان في النظر القاصر أنّ كلام من ذكرناه لا يخلو من تأمّل كما أسلفناه(٣) .

وربّما كان هذا الخبر غير موافق لهم بتقدير ما احتملناه ، لأنّ الظاهر منه حينئذ أن البلل القليل ليس بصفة المني إلاّ إذا كان الإنسان ضعيفاً فإنّ المنيّ يضعف ، فدلّ على أنّ اعتبار الدفق إنّما هو على تقدير عدم النوم ، ومع النوم وعدم العلم بالدفق ينظر بالأوصاف.

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٨.

(٢) في ص ١٤٢.

(٣) في ص ١٤١ ١٤٣.

١٨٢

نعم قد يشكل الخبر بأن القلة لا تنافي تحقق الأوصاف. ويمكن الجواب بأن القلة غالباً خلاف الوصف.

وقد يشكل الحال في الرواية على تقدير اعتبار الأوصاف بأن المريض إذا ضعف منيّه أو ضعف هو عن الدفق كيف يحكم بمجرد وجود الماء أن الغسل عليه واجب مع احتمال أن لا يكون منيّاً.

ويمكن الجواب بأن النص إذا ثبت لا بعد فيه ، وغير بعيد أن يوجّه توجيه الشيخ بدلالة الأخبار الآتية وإن بعد عن ظاهر الخبر المذكور ، غير أن الإشكال قد يبقى من حيث إن مدلول الخبرين الآتيين لا تفصيل فيهما بالوصف ، ولعل المراد تحقق الوصف كما يدل عليه بعض الاعتبارات الآتية في الخبرين. وبالجملة فالمقام لا يخلو من إشكال ، والله تعالى أعلم بالحال.

قال :

ويدلّ على أن حكم العليل مفارق لحكم الصحيح أيضا : ما رواه محمد بن عليّ بن محبوب ، عن العباس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حريز ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ وينظر فلا يرى شيئاً ثم يمكث الهوينا (١) بعد فيخرج ، قال : « إن كان مريضاً فليغتسل وإن لم يكن مريضاً فلا شي‌ء عليه » قال : قلت له : فما الفرق (٢) بينهما قال : « لأن الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قوية ، وإن كان مريضاً لم يجي‌ء إلاّ بعد ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١٠ / ٣٦٥ : الهوين.

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٠ / ٣٦٥ : فما فرق ، وفي « رض » : ما الفرق.

١٨٣

عنه ، عن موسى بن جعفر بن وهب ، عن داود بن مهزيار ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجلٌ رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة ثمّ قام فلم يَرَ في ثوبه شيئاً ، قال ، فقال : « إن كان مريضاً فعليه الغسل ، وإن كان صحيحاً فلا شي‌ء عليه ».

السند‌

في الأوّل : واضح بعد ما قدّمناه.

والثاني : ضمير عنه فيه يرجع إلى محمد بن علي بن محبوب في الظاهر من عادة الشيخ ، إلاّ أن في رواية محمد بن علي بن محبوب عن موسى بن جعفر بن وهب نوع تأمّل ، لأن الراوي عنه في الرجال محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن قتادة ؛ وأحمد بن إدريس ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر(١) ، ومحمد بن عليّ بن محبوب في مرتبة محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس في الجملة ، إلاّ أن باب الإمكان واسع ، ويتفق ذلك كما يتفق في كثير من النظائر يعرفها الممارس.

ثم إنّ موسى بن جعفر غير ثقة ولا فيه مدح أيضا ؛ وداود بن مهزيار مذكور مهملاً في رجال الجوادعليه‌السلام من كتاب الشيخ(٢) ؛ وعليّ بن إسماعيل لا يخلو من جهالة ، وتوهم الاشتراك بين من هو ثقة وغيره يدفعه مراجعة كتاب شيخنا أيده الله في الرجال(٣) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠٦ / ١٠٧٦.

(٢) رجال الطوسي : ٤٠١ / ٢.

(٣) منهج المقال : ٢٢٦.

١٨٤

المتن :

في الأوّل : قد قدّمنا ما فيه كفاية عن الإعادة(١) ، والذي ينبغي بيانه هنا أن ظاهر الخبر أن المريض يفارق الصحيح بتأخّر نزول منيّه عن حصول الشهوة ، وربما يستفاد منه أن الماء يجي‌ء بغير دفق قويّ لا أنّه بغير دفق أصلاً ، وإنّما يستفاد ذلك منه لأنه جعل الدفقة القوية للصحيح ، والمريض لا يجي‌ء ماؤه إلاّ بعد ، وهذه المقابلة غير وافية كما لا يخفى ، بل الظاهر أن المراد بالتأخّر عدم الدفق المذكور للصحيح ، ولمّا كان وصف القوة في الصحيح أمكن أن يكون في المريض الدفق الضعيف(٢) وإن احتمل أن لا يكون في المريض دفق أصلاً.

ومن هنا يعلم أن ما قاله شيخناقدس‌سره بعد قول المحقق : وإن كان مريضاً كفت الشهوة وفتور الجسد من أنّه يدلّ على عدم اعتبار الدفق في المريض صحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، ثمّ قال : ونحوه روى معاوية بن عمار في الصحيح(٣) . وعنى بها ما تقدم من رواية معاوية المتقدمة. محل بحث قد سمعت كلامنا فيها(٤) .

وبالجملة : فاعتبار عدم الدفق لا صراحة للخبرين(٥) فيه ، نعم ربما يلوح منهما ذلك ، والله تعالى أعلم.

وأمّا الخبر الثاني : فالإشكال فيه أن ظاهره عدم وجدان شي‌ء في‌

__________________

(١) في ص ١٦٤ ، ١٦٥.

(٢) في « رض » زيادة : وعدمه.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٦٨.

(٤) راجع ص ١٦٣ ١٦٥.

(٥) في « رض » : لأحد الخبرين.

١٨٥

الثوب والحكم بوجوب الغسل ، إلاّ أن شيخنا أيّده الله في فوائد الكتاب قال : إنّه ينبغي حمل هذه الرواية على مفاد المتقدمة : من أنّه يرى بعد ما يمكث ، ثم قال : والكل على ما إذا كان فيه نوع اشتباه ، وإلاّ فيجب الغسل مع كونه منياً على كل حال. انتهى. وأنت خبير بما في المقام بعد ملاحظة ما قدمناه.

اللغة :

قال في النهاية : في صفتهعليه‌السلام : يمشي هوناً. الهون : الرفق واللين والتثبّت ، وفي رواية : كان يمشي الهُوَيْنا ، تصغير الهُونى تأنيث الأهون ، وهو من الأول(١) .

قال :

باب (٢) الرجل يرى في ثوبه المني ولم يذكر الاحتلام‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يرى في ثيابه المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم قال : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته ».

وروى أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنّه احتلم فوجد‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٨٤ ( هون ).

(٢) في « رض » : زيادة : أنّ.

١٨٦

في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال : « نعم ».

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب(١) ، عن علي بن السندي ، عن حماد بن عيسى ، عن شعيب ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يصيب ثوبه(٢) منياً ولم يعلم أنّه احتلم قال : « ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضّأ ».

فلا ينافي الخبرين الأوّلين ، لأن الوجه في الجمع بينهما أن الثوب الذي لا يشاركه في استعماله غيره متى وجد عليه منيّاً وجب عليه الغسل وإعادة الصلاة إن كان قد صلى ، لجواز أن يكون قد نسي الاحتلام ، فأمّا ما يشاركه فيه غيره فلا يوجب عليه الغسل إلاّ إذا تيقن الاحتلام.

السند‌

في الأوّل : موثق عند المتأخّرين ، والحسن فيه أخو الحسين.

وفي الثاني : عثمان بن عيسى ، وقد قدّمنا القول فيه(٣) .

والثالث : فيه جهالة عليّ بن السندي ، وما وقع في الكشي : من أنه علي بن إسماعيل وتوثيقه(٤) كما حكاه في الخلاصة(٥) . يدفعه ما حققه شيخنا أيّده الله في كتابه(٦) ؛ وأبو بصير قد قدّمنا حاله(٧) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١١ / ٣٦٩ زيادة : عن علي بن محبوب.

(٢) في الاستبصار ١ : ١١١ / ٣٦٩ : بثوبه.

(٣) راجع ج ١ ص ٧٠ ٧٢.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٦٠ / ١١١٩ ، والموجود فيه : علي بن السدي.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٩٦ / ٢٨. وفيه : علي بن السري الكرخي.

(٦) منهج المقال : ٢٣٣.

(٧) راجع ص ٩٠ ٩٤ وج ١ ص ٧٢ ، ٨٣.

١٨٧

المتن :

في الأولين ظاهر الدلالة على وجوب الغسل ، والخبر الأخير ما قاله الشيخ فيه لا يخلو من نظر ، لأن الحديث تضمّن أنّه يتوضّأ ، فإن أُريد بالوضوء : الشرعي ، لا يوافق قول الشيخ ، إلاّ أن يحمل الوضوء على ما بعد النوم ، والظاهر الإطلاق ، ولعلّ الخبر لا يمنع من الحمل المذكور وإن بَعُد ؛ وإن أُريد بالوضوء الاستنجاء كان أشكل ، إلاّ أن الظاهر من إطلاق الوضوء : الأوّل.

وما قاله الشيخ ، من أنّه إذا شاركه فيه غيره لا يجب عليه الغسل. محتمل لأن يريد بالمشاركة النوم فيه مع الغير مجتمعين كالكساء الذي يفرش أو يلتحف به ، أو يراد به ما يتناوب عليه مع غيره.

والعلاّمة في المختلف نقل عن الشيخ في النهاية أنّه قال : إذا انتبه فرأى على ثوبه أو فراشه منيّاً ولم يذكر الاحتلام وجب عليه الغسل ، فإن قام من موضعه ثم رأى بعد ذلك ، فإن كان ذلك الثوب أو الفراش مما يستعمله غيره لم يجب عليه الغسل ، وإن كان ممّا لا يستعمله غيره وجب عليه الغسل(١) . وهذا الكلام يعطي تحقق الاشتراك بالنوبة.

ووجه عدم وجوب الغسل مع الاشتراك ظاهر ، كما ذكره الشيخ ؛ لتعيّن براءة الذمة ، فلا يخرج عنه بالشك ، ويدلُّ عليه صحيح بعض الأخبار الدالة على أنّه لا ينقض اليقين بالشك(٢) .

وظاهر بعض الأصحاب القول بوجوب الغسل على ذي النوبة(٣) ،

__________________

(١) المختلف ١ : ١٧٠ ، وهو في النهاية : ٢٠.

(٢) التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

(٣) قال به الشهيد الأول في الدروس ١ : ٩٥.

١٨٨

وفيه ما فيه ، وقد ذكرت ما يتفرع على هذا في حواشي المختلف.

أمّا ما ذكره الشيخ : من أن الثوب المختص يجب على صاحبه الغسل. يشكل بما ذكره بعض المتأخّرين : من أنّه لو احتمل كون المني الموجود من غيره لم يجب عليه الغسل(١) . والحق أن هذا يندفع بأن يراد بالاختصاص ما يخرج هذا ، إلاّ أن يقال : إن مثل هذا لا يتوجه فيه صدق الاشتراك ، ولا واسطة ، والأمر سهل إذا علم المراد.

فإن قلت : كيف يتصور ما ذكرت؟

قلت : قد يتفق أن يرى على ثوبه منياً في جانب منه ويكون قد نام قريباً ممن يحتمل حصوله منه.

نعم : قد يحصل الإشكال في مشاركة من يحتمل بلوغه بالاحتلام ، كابن ثلاثة عشر وأربعة عشر ، فإن احتمال كون المني من المذكور يقتضي عدم وجوب الغسل على الرجل ، وعدم تحقق البلوغ يقتضي الانحصار في الرجل ، إلاّ أن هذا يمكن الجواب عنه ، كما لا يخفى.

ثم المشارك لو كان رجلاً وقلنا بأنه لا يجب الغسل على كل واحد لحصول الشك الذي لا يعارض اليقين فيجوز لهما أن يفعلا ما يفعله الطاهر ، وقد اختلف في جواز ائتمام أحدهما بالآخر ، وللكلام في المقام مجال واسع إلاّ أن المهم ما ذكرناه.

قال :

باب الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج فينزل هو دونها‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ،

__________________

(١) المدارك ١ : ٢٦٩.

١٨٩

عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، قال : سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إن هو انزل ولم تنزل هي؟ قال : « ليس عليها غسل وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل ».

أحمد بن محمد ، عن البرقي رفعه قال : « إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل(١) فلا غسل عليهما ، وإن انزل فعليه الغسل ولا غسل عليها ».

محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل ، ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها فيما (٢) دون الفرج في اليقظة فأمنت؟ قال : « لأنها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل ، والآخر إنّما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنه لم يدخله ، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل ، أمنت أو لم تمن ».

السند‌

في الأوّل : لا يخلو من خلل ، لأن محمد بن علي بن محبوب لا يروي عن محمد بن أبي عمير ( بغير واسطة ، وفي التهذيب رواه محمد بن علي‌

__________________

(١) في « فض » : لم تنزل.

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٢ لا يوجد : فيما.

١٩٠

ابن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير )(١) ، فهو تام ؛ والشك في رواية أحمد عن ابن أبي عمير تقدم دفعه ، والوجود كثير ، وعلى كل حال فالخبر لا ريب فيه.

والثاني : غني عن البيان ، مضافاً إلى الشك في البرقي.

والثالث : لا ريب فيه ، وقد تقدم سنداً ومتناً.

المتن :

في الخبر الأوّل : كما ترى يدلّ على الإصابة فيما دون الفرج ، فكأن الشيخ ظن تناوله للدبر ، وربما يشكل الحال ، بأن بعض الأصحاب ظن تناول الفرج للدبر ، وسيأتي القول فيه(٢) .

أمّا الخبر الثاني : فصريح من وجه إلاّ أن لفظة « فلم ينزل » لا يخلو من إجمال.

والخبر الثالث : كأن الشيخ ظنّ منه أن قوله : « لأنه لم يدخله. » يريد به الإدخال في القبل وقد تقدم منّا فيه القول ومن ثم أعاده الشيخ.

وما قد يتخيل أن الشيخ ناظر إلى قوله : ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها فيما دون الفرج. يدفعه أن هذا في حيّز الإجمال ، وإن كان محذور عدم مطابقة الجواب للسؤال لا محيد(٣) عنه ، كما أشرنا إليه سابقا.

إذا عرفت هذا : فاعلم أن العلاّمة في المختلف قال : إنّ ابن بابويه‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

(٢) في ص ١٧٤ ١٧٦.

(٣) المحيد هو المحيص ، النهاية لابن الأثير ١ : ٤٦٨ ( حيص ).

١٩١

روى في كتابه عدم إيجاب الغسل(١) ، وهو اختيار الشيخ في الاستبصار والنهاية ، وهو الظاهر من كلام سلاّر ، وقال في كتاب النكاح من المبسوط : الوطء في الدبر يتعلق به أحكام الوطء في الفرج ، وعدّ منها وجوب الغسل ، ثم اختار العلاّمة الوجوب ، وهو قول السيد المرتضى(٢) .

واحتج العلاّمة بوجوه : أحدها : قوله تعالى( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (٣) وثانيها : صحيح محمد بن مسلم السابق الدال على أنّه إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم ، قال : والإدخال صادق في الدبر كصدقه في القبل. وثالثها : الرواية الآتية عن حفص بن سوقة المرسلة. ورابعها : صحيح زرارة السابق نقله في قضية الأنصار والمهاجرين ، وقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون عليه الرجم والحد ولا توجبون عليه صاعاً من ماء؟ » قال : ووجه الاستدلال أنّهعليه‌السلام أنكر إيجاب الحد دون الغسل ، وهو يدل على متابعته في الوجوب ، والحد يجب هنا فيجب الغسل. وذكر خامساً لا يليق ذكره(٤) .

وفي نظري القاصر إمكان أن يقال عليه :

أمّا على الأوّل : فإنّ صحيح الحلبي المذكور في أول الباب يدل بظاهره على أنّ الإصابة فيما دون الفرج من دون إنزال لا يوجب الغسل ، فيقيّد مطلق القرآن أو يبيّن مجملة ، ويحتمل أن يقال : يخص عامّه ، بناءً على جواز تخصيص القرآن بالخبر ، كما هو مذهبه ، وكذلك تقييد مطلقه وإن لم أعلم الخلاف فيه الآن ، إلاّ أنّ الدليل نفياً وإثباتاً يأتي فيه كما يعلم‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٧ / ١٨٥ ، الوسائل ٢ : ١٩٩ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١.

(٢) المختلف ١ : ١٦٢ وهو في النهاية : ١٩ والمراسم : ٤١ والمبسوط ٤ : ٢٤٣ وحكاه عن المرتضى في المعتبر ١ : ١٨٠.

(٣) المائدة : ٦.

(٤) المختلف ١ : ١٦٣.

١٩٢

من الأُصول.

وما أجاب به العلاّمة عن الخبر المذكور من القول بالموجب ومنع دلالته على صورة النزاع ، فإنّ الدبر عندنا يسمى فرجاً لغةً وعرفا ، فأمّا لغة : فلأنّه مأخوذ من الانفراج ، وأمّا عرفاً : فكذلك ، لقوله تعالى( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) (١) وأشار بذلك إلى ذَكَر الرجل وسمّاه فرجاً ، للمعنى الذي هو الانفراج(٢) ففيه نظر :

لأنّ دعوى كون اللغة والعرف تدلان على أنّ الدبر يقال له فرج ، خلاف ما ذكره بعض أهل اللغة : أنّ الفرج عرفاً يقال للقبل من الرجل والمرأة ، كما نقلناه سابقاً عن ابن الأثير في أحكام الأحكام(٣) ، واستدلال العلاّمة على العرف بقوله تعالى( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) لا يخلو من تأمّل ، لأنّه إن أراد أنّ الآية تدل على إطلاق الفرج على الذكر فنحن نقول به ، وإن أراد الإطلاق على الدبر فهو أعلم بالمراد.

فإن قلت : لعل المراد أنّ الآية تنفي الاختصاص بقبل المرأة ، وإذا نفي الاختصاص شمل الدبر ، كما نبه عليه قوله : وأشار بذلك إلى ذكر الرجل.

قلت : أيّ ملازمة بين نفي الاختصاص وشمول الدبر؟ مع ما سمعته من الخلاف ، على أنّ للقائل بالاختصاص بقبل المرأة أن يقول : إنّ الآية يحتمل فيها المجاز ، والقرينة معه ، وإن كان فيه نظر.

نعم يتوجه على العلاّمة أنّ فهم الانفراج من إرادة الذَّكَر في الآية لو تم فهو انفراج القبل من المرأة بلا ريب ، ومن الرجل للآية ، على أنّا قدّمنا‌

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ، المعارج : ٢٩.

(٢) المختلف ١ : ١٦٥ بتفاوت يسير.

(٣) راجع ص : ١٦٩.

١٩٣

عن النهاية ما يدل على أن الفرج إنّما يسمى فرجاً لأنه بين الرِّجلين(١) ، إلاّ أن يتكلف ما لا يخفى.

ولو سلّم جميع ذلك من العلاّمة ، فالحديث الصحيح عن الحلبي تضمن إصابة ما دون الفرج(٢) ، وعلى تقدير إطلاق الفرج على الدبر كان حق السؤال ما دون الفرجين ، وإرادة الجنس هنا بعيدة عن مساق الخبر والمعنى ، إلاّ بتكلّف لا يليق ذكره.

ولئن سلّم جميع ذلك ، فما تضمنه الخبر الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل من قولهعليه‌السلام : « إذا التقى الختانان وجب الغسل »(٣) يدل بمفهومه على عدم إيجاب الغسل عند عدم الالتقاء ، والمفهوم حجة ، وحينئذ يخص العام ويقيد المطلق بالمفهوم.

وجواب العلاّمة عن الرواية المذكورة : بأن دلالة المفهوم ضعيفة(٤) . محل بحث ، لأنه قائل بحجّية مفهوم الشرط.

فإن قلت : لعل مراده بضعف المفهوم ، أن دلالة المنطوق أقوى منه ، فلا يصلح للتخصيص ، لا أنّ المفهوم ضعيف مطلقا.

قلت : إذا سلّم حجية المفهوم لا يتم ما ذكرت.

نعم يحتمل أن يريد بالضعف ، أن مفهوم الشرط إنّما يكون حجة إذا دل على النفي عما عداه ، ولمّا كان الإجماع واقعاً على وجوب الغسل بالإنزال ، علم أن الشرط ليس المقصود به النفي عما عداه ، وعلى هذا‌

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ٣ : ٤٢٣.

(٢) المتقدم في ص ١٧١ ١٧٢.

(٣) التهذيب ١ : ١١٨ / ٣١١ ، الوسائل ٢ : ١٨٣ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٢.

(٤) المختلف ١ : ١٦٥.

١٩٤

يكون قوله بعد ما حكيناه عنه ـ : ولأنه منفي بالإجماع فإن الإنزال إذا تحقق من غير التقاء وجب الغسل ـ. بياناً لما ذكرناه ، إلاّ أن الإتيان بالواو لا يلائم ذلك ، ولعلّه سهو.

يقال : إن مراده بضعف دلالة المفهوم أن قول السائل في الرواية بعد ما قدّمناه منها : قلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟. لا يخلو من تسامح ، لأن غيبوبة الحشفة ليس هي التقاء الختانين ، بل هي سبب التقاء الختانين ، ويحتمل أن يكون المراد بالتقاء الختانين الغيبوبة مطلقا ، فتكون العبارة كناية عن [ ذلك(١) ] أو علما عليه ، وحينئذ يضعف المفهوم.

وفيه : أنّ حمل(٢) السبب على المسبب سائغ شائع ، وحينئذ فقول السائل من هذا القبيل.

ثم ما ذكره من جهة الإجماع على الإنزال لا يضرّ بالمفهوم ، إذ غايته أن يخص المفهوم العام بالإجماع ، ولا بعد فيه.

فإن قلت : كما خصّ المفهوم بالإجماع ، كذلك يخص بما عدا الدبر ، للخبر الدال على أن مجرد الإدخال كاف ، وعموم الآية حينئذ يبقى من غير تخصيص.

قلت : الفرق بين تخصيص الإجماع لعموم المفهوم ، وبين غيره من الخبر والآية ، لأن كلا من الخبر والآية عام والمفهوم عام ، فإبقاء الكل على العموم لا يتم ، وتخصيص العام بالعام كذلك.

نعم يمكن أن يقال : إن كلًّا من الآية والخبر والمفهوم عام من وجه ،

__________________

(١) في النسخ : كذلك ، غيّرناها لاستقامة العبارة.

(٢) في « فض » : دلّ.

١٩٥

وخاص من وجه ، فيخص كل عام من الجانبين ، وفيه ما لا يخفى على المتأمّل في حقيقة الحال.

ومن هنا يعلم ما يتوجه على الثاني ، فإنّا قد ذكرنا ما يتعلق به.

وأمّا على الثالث : فبأنّ الرواية لا تصلح للاستدلال بعد تحقق الإرسال ، وما قد يتخيل من أنّ الإجماع على تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير يرفع وهن الإرسال ، ففيه : ما قدمناه في أول الكتاب ، وكلام الشيخ هنا أيضاً في ردّها يحقق ما قدمناه ، ويؤكّد ما قاله سابقاً ، فلا ينبغي الغفلة عنه.

وأمّا على الرابع : فلأنّ توجيه الاستدلال بتابعية الغسل للحد ، فيه : أنّ التابعية إن أُريد بها اللزوم فدفعه واضح ، إذ الغسل ليس بلازم للحد ؛ وإن أُريد بالتابعية مجرد اتفاق حصوله عنده فلا يتم المطلوب.

فإن قلت : لو أُريد اللزوم فلا مانع منه ، سوى ما يتخيل من أنّ وجوب الحدّ لو لزمه الغسل لزم أنّ كل من وجب عليه الحدّ وجب عليه الغسل ، وهو باطل بالاتفاق ؛ وهذا سهل الدفع ، لأنّا نقول : الحدّ المتعلق بالجماع ، وهو حاصل في القبل والدبر.

قلت : إن أردت بالحد ما ذكرت لا يتم الاستدلال بالحديث ، لأنّه تضمن أنّ الأنصار قالت : الماء من الماء ، والمهاجرين قالوا : إذا التقى الختانان ، وأين هذا من الجماع على الإطلاق؟!.

فإن قلت : وجه استدلال العلاّمة من حيث إنكار عليعليه‌السلام إيجاب الحدّ دون الغسل ، ولو لا الارتباط به لما كان للإنكار معنى.

قلت : بل المعنى حاصل من جهة أنّهم أوجبوا الحدّ في التقاء الختانين ولم يوجبوا الغسل ، فالإنكار على حد خاص ، فينبغي تأمّل هذا كلّه فإنّه حريّ بالتأمّل التامّ ، وبالله سبحانه الاعتصام.

١٩٦

قالرحمه‌الله :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن سوقة ، عمن أخبره ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام في(١) رجل أتى(٢) أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتيين ، فيه الغسل ».

فلا ينافي الأخبار الأوّلة ، لأن هذا الخبر مرسل مقطوع ، مع أنه خبر واحد ، وما هذا حكمه لا يعارض(٣) الأخبار المسندة ، على أنه يمكن أن يكون ورد مورد التقية ، لأنه موافق لمذهب العامة (٤) ، ولأن الذمة بريئة من وجوب الغسل ، فلا يعلق عليها وجوب الغسل إلاّ بدليل يوجب العلم ، وهذا الخبر من أخبار الآحاد التي لا يوجب العلم ولا العمل ، فلا يجب العمل به.

السند‌

ما ذكره الشيخ فيه واضح ، وكذلك تأييده لما قدمناه في أول الكتاب ، من أن الإجماع على تصحيح ما يصح عن الرجل لا يثمر عدم الالتفات إلى من بعده وإن كان ضعيفا(٥) .

وما قد يقال : إن ردّ الشيخ الخبر بالإرسال ليس على الإطلاق ، بل مع كونه خبر واحد ، يعني غير محفوف بالقرائن ، كما يظهر منه في مواضع.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ : عن.

(٢) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ : يأتي.

(٣) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ زيادة : به.

(٤) في الاستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧٣ : لمذاهب بعض العامة.

(٥) راجع ج ١ ص ٥٩ ٦٢.

١٩٧

ففيه : أن الإجماع على تصحيح ما يصح عن الرجل لو تم ما ظنّه بعض المتأخّرين لكان من أظهر القرائن.

واحتمال أن يقال : إن مراده هنا ليس على حد قوله في غيره من الأخبار من إرادة القرائن ، بل أنّه خبر واحد. فيه : أنه لا معنى له كما لا يخفى. وأمّا حفص بن سوقة فهو ثقة كما في النجاشي(١) .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه من الحمل على التقية لأنه موافق لمذهب العامة ، ظاهر في أن أصحابنا لا يقولون بمضمونه.

ثم قوله : إلاّ بدليل يوجب العلم. يدل على انتفاء الدليل المذكور ، وهذا ينافي ما نقله العلاّمة في المختلف عن السيد المرتضى ، حيث ذهب إلى وجوب الغسل ، إنّه قال :

لا أعلم خلافاً بين المسلمين في أن الوطء في الموضع المكروه من ذكر أو أنثى يجري مجرى الوطء في القبل مع الإيقاب وغيبوبة الحشفة في وجوب الغسل على الفاعل والمفعول به ، وإن لم يكن معه إنزال ، ولا وجدت في الكتب المصنفة لأصحابنا الإمامية إلاّ ذلك ، ولا سمعت من عاصرني منهم من شيوخهم نحواً من ستين سنة يفتي إلاّ بذلك ، فهذه مسألة إجماعية(٢) من الكل ، وإن(٣) شئت أن أقول : إنّه معلوم بالضرورة من دين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا خلاف بين الفرجين في هذا الحكم.

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٥ / ٣٤٨.

(٢) في النسخ : إجماع ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر : ولو.

١٩٨

إلى أن قال : واتصل بي في هذه الأيام عن بعض الشيعة الإمامية أن الوطء في الدبر لا يوجب الغسل ، تعويلاً على أن الأصل عدم الوجوب ، أو على خبر يذكر أنّه موجود في منتخبات سعد أو غيرها ، فهذا ممّا لا يلتفت إليه ، أمّا الأول : فباطل ، لأن الإجماع والقرآن وهو قوله تعالى( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) يزيل حكمه ، وأمّا الخبر فلا يعتمد عليه في معارضة الإجماع والقرآن(١) . انتهى المراد منه.

ولمتعجب أن يتعجّب ممّا وقع بين كلامي الشيخ والمرتضى ، والله سبحانه المستعان ، وعليه في الأُمور كلّها التكلان.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه اتفق للعلاّمة الاستدلال على وجوب الغسل بالوطء في دبر الغلام بالإجماع المركّب(٢) ، والمحقق في الشرائع نقله عن المرتضىرضي‌الله‌عنه وردّه بأنّه لم يثبت(٣) ، والمتأخّرون عن الفاضلين قد اضطربوا في قول المحقق : إنّ الإجماع لم يثبت(٤) . مع أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند الأكثر ، فكيف بنقل السيد.

وفي نظري القاصر : أن أصل ذكر الاستدلال بالإجماع المركّب لا يخلو من إجمال ، فضلاً عن تحقيق الحال بالنسبة إلى النقل المذكور في المقال ، وقد فصّلت المقام في حواشي المختلف ، غير أني أذكر هنا ما لا بدّ منه.

والحاصل : أن الإجماع المركب حقيقته في الأُصول : إطباق أهل الحلّ والعقد على قولين لا يتجاوزونهما إلى ثالث ، وفائدة هذا الإجماع‌

__________________

(١) المختلف ١ : ١٦٩.

(٢) المختلف ١ : ١٦٧.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٢٦.

(٤) انظر المسالك ١ : ٥٠ ، والمدارك ١ : ٢٧٥.

١٩٩

عدم جواز إحداث قول ثالث ، أمّا الاستدلال به على حكم من الأحكام فغير واضح ، لأنّا إذا أردنا في هذه المسألة المبحوث عنها أن نقول : كما يجب الغسل بوطء المرأة في دبرها يجب بالوطء في دبر الغلام ، للإجماع المركب ، وهو أنّ كل من أوجب ذلك أوجب هذا ، ومن نفاه نفى. لكان من قبيل اللغو ، فكيف يصدر من مثل السيّد؟! والعلاّمة قد صرّح به في المختلف ، فقال من جملة الوجوه : الثالث : الإجماع المركب ، فإنّ كل قائل بوجوبه في دبر المرأة قائل بوجوبه في دبر الغلام(١) . وأنت خبير بأنّ هذا لا يفيد المطلوب.

والذي يمكن أن يقال في التوجيه أنّ الأدلّة لمّا دلت على المرأة لزم القول بمقتضاها ، والاختصاص بالمرأة لا يمكن ، لأنّه خرق للإجماع المركب ، وذلك لا يجوز ، فلا بدّ من القول به في الغلام ، وحينئذ فالاستدلال بالإجماع المركب يراد به هذا المعنى لا غير ، ولما تقدم من السيد نقل الإجماع على وجوب الغسل بوطء المرأة في الدبر لزمه القول بالغلام ، لكن لا

يخفى أنّ لزوم القول ليس استدلالاً بالإجماع المركب ، وكأن المراد : خوفاً من خرق الإجماع المركب.

وأنت خبير بأنّ ظاهر كلام السيّد دعوى الإجماع على الذكر والأُنثى كما نقله العلاّمة(٢) ، فالإجماع بسيط ، وعلى تقدير الإجماع المركب وتمام التوجيه السابق : من أنّ الدليل لمّا دل على المرأة لزم الحكم في الغلام ، لا يكون المعصوم داخلاً يقيناً ، والعبرة في الإجماع بدخوله.

وفي نظري القاصر أنّ قول المحقق بعد النقل عن السيد الاستدلال‌

__________________

(١) المختلف ١ : ١٦٧.

(٢) المختلف ١ : ١٦٦.

٢٠٠