إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469
المشاهدات: 48394
تحميل: 4674


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48394 / تحميل: 4674
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: 964-319-174-5
العربية

بسبب السبب الخاص ، وغيره لا يقصد فيه ذلك ، فليتأمّل.

وممّا يؤيّد التداخل مرسلة جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهماعليهما‌السلام أنّه قال : « إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه ذلك اليوم »(١) ولا يبعد أن يكون المراد باللزوم في الخبر ما يتناول المندوب ، بل ربما يدّعى اختصاصه بالمندوب ، كما يعرف من تأمّل الرواية.

أمّا الاستدلال على التداخل بما دل من الأخبار على أنّ غسل الجنابة والحيض واحد فلا وجه له ، لأنّ الظاهر من الأخبار الاتحاد في الكيفية.

وما يوجد في كلام بعض : من أنّ الأغسال على تقدير الاجتماع لا تصير من قبيل تعدّد الأسباب بل هو سبب واحد ، فالظاهر أنّ المراد به على تقدير العمل بالرواية الدالة على التداخل ، وحاصل التوجيه أنّ ما يظن من تعدّد الأسباب يندفع باحتمال كون السبب واحداً ، وأثر هذا هيّن ، إلاّ أن يقال : إنّ مراد القائل كون التداخل يجعل ثواب فعلين في فعل واحد.

وأنت خبير بأنّ غاية ما تدل عليه الرواية حصول الامتثال بغسل واحد ، أمّا حصول ثواب فعلين بفعل واحد فإثباته مشكل.

نعم على تقدير اجتماع الواجب ( والندب كما هو مفاد الرواية صريحا في صدرها ، يمكن أن يوجّه ما قيل ، ولا يبعد أن يتكلّف التوجيه مع تعدد الواجب )(٢) إلاّ أنّ الفائدة قليلة.

وبالجملة : فالظاهر من الرواية إجزاء غسل واحد عن المأمور به ، وإثبات ما عدا ذلك لا يخرج عن ربقة التكلّف.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٢٦٣ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٤٢١

ومن هنا يعلم أن ما قاله شيخناقدس‌سره من أنّ معنى تداخل الواجب والمستحب تأدّي إحدى الوظيفتين بفعل الأُخرى ، كما تتأدّى صلاة التحية بقضاء الفريضة ، وصوم الأيّام المسنون صومها بقضاء الواجب(١) . محل بحث ، لأنّ مفاد الكلام يعطي فهم إرادة الغسل الواحد من أحد الأغسال ، وقد عرفت إجمال الرواية عن إفادة هذا ، بل فيها احتمال ظهور إرادة الإتيان بكيفيّة الغسل متقرّباً من دون التفات إلى إحدى الوظيفتين ، فليتأمّل.

والعجب أنّهقدس‌سره قال بعد ما قدمناه : لظهور تعلّق الغرض بمجرّد إيجاد الماهيّة على أيّ وجه اتفق(٢) . فإنّ هذا الكلام لا يوافق أوّل الكلام من تأدّي إحدى الوظيفتين بالأُخرى.

وفي المقام أبحاث سيأتي بعضها إن شاء الله في باب تغسيل الميت ، حيث إنّ في أخبار الباب ما يتضمن التداخل في الجملة ، فمن ثَم كان الأولى التأخير إلى بابه ، والله تعالى أعلم بحقائق الأُمور.

قال :

فاما ما رواه على بن الحسن ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ( وأبي الحسن )(٣) عليهما‌السلام قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة قال : « غسل الجنابة عليها واجب ».

فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين ، أحدهما : أن نحمله على‌

__________________

(١) المدارك ١ : ١٩٦.

(٢) المدارك ١ : ١٩٦ الهامش رقم ٦.

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٤٢٢

ضرب من الاستحباب. والثاني : أن يكون ذلك إخباراً عن كيفيّة الغسل ، لأنّ غسل الحائض مثل غسل الجنابة على السواء ، فكأنّه قال : الذي يجب عليها أن تغتسل مثل غسل الجنابة ، ولم يقل : إنّ غسل الجنابة واجب ويلزمها مع ذلك غسل الحيض ، والذي يكشف عمّا ذكرناه أوّلاً من الاستحباب :

ما رواه علي بن الحسن ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن تغتسل ، قال : « إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً للحيض والجنابة ».

السند‌

في الأوّل : فيه عثمان بن عيسى وقد قدّمنا حاله(١) ، وأنّه لا وجه لعدّ حديثه من الموثّق إذا سلم غيره من رجال السند من منافيات الوصف بالموثق.

والثاني : تكرّر القول فيه أيضا.

المتن :

لا يخفى أنّ الظاهر من الأوّل كون الغسل من الجنابة واجب على الحائض ، وهذا لا ينافي الاكتفاء بغسل واحد عن الجنابة والحيض ، إذ مفاد‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٧٠ ٧٢.

٤٢٣

الأخبار الأوّلة الاكتفاء بغسل واحد لا عدم وجوب الأغسال جميعها ، وحينئذ لا مانع من وجوب الجميع وسقوط الواجب بفعل غسل واحد.

فما قاله الشيخ من الجمع ، محل بحث :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الاستحباب لا وجه له بعد التصريح بالوجوب ، وإمكان حمله على ظاهره بما قلناه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ(١) الاستحباب على ما يأتي من الرواية المستدلّ بها يراد به استحباب غسل الجنابة حال الحيض ، وكلام الشيخ أوّلاً يفيد استحباب غسل الجنابة مع غسل الحيض.

وما عساه يقال : إنّ الرواية الأخيرة لا تأبى ( إرادة ما يفيده )(٢) أوّل الكلام ، إذ يجوز أن يكون المقصود بقوله : « إن شاءت أن تغتسل فعلت » بعد الطهر ، وفعل غسل الحيض.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الظاهر من قولهعليه‌السلام في الرواية : « فإذا طهرت » خلاف ما ذكر.

والحق أنّ كلام الشيخ أوّلاً مجمل ، وإرادة مفاد الرواية غير بعيدة ، فلا إشكال من هذا الوجه.

إنّما الإشكال بأنّ مفاد الأخبار السابقة الاجتزاء بغسل واحد ، فعلى تقدير أن يراد أحد الأغسال أو غيرها بأن يوقع لا بقصد أحدها بل(٣) لمجرّد الامتثال يحتمل الاستحباب في فعل غسل الحيض على تقدير قصد الجنابة بالغسل أوّلاً ، ويحتمل الاستحباب في الجنابة على تقدير قصد غسل‌

__________________

(١) في « رض » زيادة : الحمل على.

(٢) في « رض » : إفادة ما يريده.

(٣) ليست في « رض ».

٤٢٤

الحيض ، إذ احتمال إرادة قصد غسل الحيض أوّلاً بخصوصه لا دليل عليه في المقام ، والرواية المستدل بها إنّما يقتضي ظاهرها ما قدّمناه ، والقول به استحبابا لم أعلم مشارك الشيخ فيه الآن.

وأمّا الوجه الثاني من توجيه الشيخ فهو من الغرابة بمكان.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ مفاد الخبر الأوّل بظاهره أنّ غسل الجنابة واجب مع الحيض وقد عرفت ما ذكرناه ، لكن إذا قلنا : بأنّ غسل الجنابة واجب لنفسه ، فالمانع من إيقاعه حال الحيض غير معلوم إلاّ من جهة عدم الصلاحية للرفع أو الاستباحة ، والمطلوب منه الرفع.

وأنت خبير بأنّ ملاحظة الأمرين تقتضي الخروج عن الوجوب لنفسه ، إلاّ أن يقال : بأنّ معنى الوجوب لنفسه عدم اختصاصه بحالة وجوب المشروط بالطهارة ، وهذا لا ينافي اعتبار الصلاحية للدخول به في العبادة ، ولم أقف على شي‌ء شافٍ في تحقيق الحال بالنسبة إلى تفسير الوجوب لنفسه.

وعلى الاحتمال الذي ذكرناه فالخبر ( الأخير )(١) لا يخلو من دلالة على أن الغسل من الجنابة بتقدير الوجوب لنفسه موسّع حيث قال فيهعليه‌السلام : « إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شي‌ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحداً » فإنّ هذا يعطي لمن تأمّله أن غسل الجنابة لو قدّمته حال الحيض كفاها ويكون الغسل بعد الطهر للحيض ، ولو لم تغتسل كفاها الغسل الواحد عن الأمرين ، فينبغي تأمّل جميع ذلك ، وإن كانت الثمرة بالنسبة إلى عدم صحّة الروايتين قليلة ، إلاّ أن كلامنا على تقدير العمل.

__________________

(١) في « رض » : الأوّل.

٤٢٥

وقد نقل العلاّمة في المختلف عن الشيخ أنّه قال : إذا اغتسل ونوى به غسل الجنابة دون غسل الجمعة أجزأه عنهما ، ولو لم ينوِ غسل الجنابة ولا الجمعة لم يجز عن واحد منهما ، ولو نوى غسل الجمعة دون الجنابة لم يجز عن واحد منهما.

ثم قال العلاّمة : والوجه عندي أن نقول : إن كانت نيّة السبب شرطاً في الغسل لم يجزه غسل الجنابة عن الجمعة ، لأنّه نوى الجنابة خاصّة فلا يقع عن غيره فيبقى في العهدة ، وإن لم تكن شرطاً فإذا نوى غسلاً مطلقاً ونوى الوجوب أو الندب أجزأ عن الجنابة إن نوى الوجوب ، وعن الجمعة إن نوى الندب ، قال : وقوله ـ يعني الشيخ ـ : إنّه لا يجزيه عن الجمعة. غير معتمد ، بل الوجه أنّه يقع عن الجمعة ، لنا أنّه نوى غسلاً مندوباً ويصح منه إيقاعه ، فيكون صحيحا كغيره من العبادات الواقعة على الوجه المطلوب.

وحكى العلامة احتجاج الشيخ لما قاله بأنّ غسل [ الجمعة(١) ] إنّما يراد للتنظيف وزيادة التطهير ، ومن حيث هو جنب لا يصح منه ذلك ، وأجاب بالمنع من الغاية التي ذكرها وهي زيادة التطهير إن عنى به رفع الحدث ، وإن أراد به النظافة فهو مسلّم ، لكنه يصحّ من الجنب كما يصحّ غسل الإحرام من الحائض(٢) . انتهى.

ولقائل أن يقول : إنّ الكلام من الشيخ والعلاّمة بعد ورود خبر زرارة لا يخلو من غرابة ، وكذلك(٣) عدم التفات العلاّمة إلى نقله في المسألة ،

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ ، الجنابة ، والصحيح ما أثبتاه من المصدر.

(٢) المختلف ١ : ١٥٦ و ١٥٧ وهو في الخلاف ١ : ٢٢١ و ٢٢٢.

(٣) في « فض » : ولذلك.

٤٢٦

وقوله : إن كانت نيّة السبب شرطاً ، إلى آخره ، فيه : أنّ نيّة السبب(١) قد دلّ الدليل وهو الخبر الدال على التداخل بإطلاقه على عدم ضرورتها بالحال لو وقعت.

وما قاله من جهة غسل الجمعة في الاستدلال : من أنّه نوى غسلاً مندوباً ، إلى آخره ، ليس على ما ينبغي ، فإنّ ثبوت الندبيّة في حال الحيض مصادرة ، بل الأولى الاستدلال بالعمومات الدالّة على استحباب غسل الجمعة المتناولة لحالة الحيض وغيره.

أمّا ما أجاب به عن حجة الشيخ فهو موجّه.

قال :

باب مقدار الماء الذي تغتسل به الحائض‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن المثنى الحناط(٢) ، عن الحسن الصيقل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « الطامث تغتسل بتسعة أرطال من ماء ».

وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « الحائض ما بلغ من(٣) بلل الماء من شعرها أجزأها ».

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ،

__________________

(١) في « فض » زيادة : بها.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٤٧ / ٥٠٧ : الخيّاط.

(٣) ليست في الاستبصار ١ : ١٤٨ / ٥٠٨.

٤٢٧

عن محمد بن الفضيل ، قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الحائض كم يكفيها من الماء؟ فقال : « فرق ».

فهذا الخبر والخبر الأوّل محمولان على الإسباغ والفضل ، والخبر الثاني على الإجزاء دون الفضل.

السند‌

في الأوّل : فيه المثنى الحنّاط ، والموجود في الرجال المثنى(١) بن عبد السلام ، وقد نقل الكشي عن محمد بن مسعود عن علي بن الحسن أنّه قال : إن المثنى بن عبد السلام حنّاط لا بأس به(٢) . وفي الرجال أيضا المثنى ابن الوليد الحنّاط ذكره النجاشي(٣) ، والشيخ في الفهرست من غير توثيق ولا مدح(٤) . والعلاّمة في الخلاصة ذكر المثنى بن الوليد ، وقال عن الكشي ما نقلناه في ابن عبد السلام(٥) ، ولا يخلو من غرابة.

ولعلّ العلاّمة ظن الاتحاد في ابن عبد السلام وابن الوليد(٦) ، والحال أنّ النجاشي ذكرهما(٧) ، واعتماد العلاّمة على النجاشي في الخلاصة كما يظهر من الملاحظة ، وعلى كل حال فالمثنّى قد عرفت حقيقته.

__________________

(١) كما في رجال النجاشي : ٤١٥ / ١١٠٧ ، ورجال بن داود : ١٥٨ / ١٢٥٩ ، وخلاصة العلاّمة : ١٦٨ / ١.

(٢) رجال الكشي ٣ : ٦٢٩ / ٦٢٣.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٤ / ١١٠٦.

(٤) الفهرست : ١٦٧ / ٧٣٦.

(٥) خلاصة العلاّمة : ١٦٨ / ٢.

(٦) خلاصة العلاّمة : ١٦٨ / ١ ، ٢.

(٧) رجال النجاشي : ٤١٤ / ١١٠٦ ، ٤١٥ / ١١٠٧.

٤٢٨

وأمّا الحسن الصيقل فالموجود في الرجال الحسن بن زياد الصيقل ذكره الشيخ في أصحاب الباقرعليه‌السلام ، وكذلك ذكره في أصحاب الصادقعليه‌السلام (١) ، وهو مهمل في الموضعين.

وما يوجد في كلام المتأخّرين : من أنّ الحسن بن زياد العطار الثقة هو الصيقل. لا أعلم وجهه ، وفي بعض الأسانيد أبو القاسم الصيقل ، وفي بعضها أبو إسماعيل.

وذكر شيخنا المحقق أيّده الله في كتاب الرجال أنّ هذا يؤيّد عدم الاتحاد مع العطّار(٢) . ولم يظهر لي وجه ذلك.

نعم ذكر الشيخ في كتابه : أنّ كنية الحسن بن زياد الصيقل أبو الوليد(٣) . وهذا ربما يقتضي المغايرة للموجود في الأسانيد.

والثاني : ليس فيه ارتياب.

والثالث : كذلك ، إلاّ من جهة محمد بن الفضيل ، فإنّه مشترك بين الثقة وغيره(٤) ، وربما يظن عدم الاشتراك ، بل هو من المهملين أو ضعيف ، لأنّ الثقة من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، ويعقوب بن يزيد من أصحاب الرضا والجواد(٥) عليهما‌السلام والأمر سهل. ولا يخفى تأييد السند لما قدّمناه : من أنّ يعقوب بن يزيد يروي عنه محمد بن علي بن محبوب ، فالإطلاق في الاسم ينصرف إليه في الظاهر.

__________________

(١) رجال الطوسي : ١١٥ / ٢٠ ، ١٦٦ / ١٣.

(٢) منهج المقال : ٩٩.

(٣) رجال الطوسي : ١٨٣ / ٢٩٩.

(٤) هداية المحدثين : ٢٤٩.

(٥) ليست في « رض ».

٤٢٩

المتن :

ما ذكره الشيخ من أنّ الخبر الثاني محمول على الإجزاء كأنّه لظنّ المنافاة.

وقد يقال : إنّه لا ينافي مضمون الخبرين ، لأنّ مورده بيان الاكتفاء في غَسل الشعر بوصول البلل من الماء إليه ، وهذا يجامع كثرة الماء وقلّته.

ولا يخفى أنّ الظاهر من الخبر ما ظنّه الشيخ ، غير أنّه كان عليه أن يبيّن الوجه في مدلول الأوّل والأخير لما تسمعه من تفسير الفرق ، ولعلّ التفسير لو تحقق لحمل على الأكمل.

وقد يشكل بأنّ الظاهر من قوله : كم يكفيها؟ أنّه لبيان أقلّ المجزي ، ومقام الاستحباب واسع الباب.

اللغة :

قال في القاموس : الفرق مكيال المدينة يسع ثلاثة آصُعٍ ، ويحرّك وهو أفصح ، أو يسع ستّة عشر رطلاً أو أربعة أرباع ، والجمع فُرقان(١) . وفي النهاية : الفَرَق بالتحريك مكيال يسع ستّة عشر رطلاً ، وهي اثنى عشر مدّاً ، أو ثلاثة آصُع عند أهل الحجاز ، وقيل : الفَرَق خمسة أقساط ، والقسط نصف صاع ، فأمّا الفَرْق بالسكون فمائة وعشرون رطلاً(٢) . ولا يخفى أن التفسير بالنصف صاع أقرب إلى مدلول الخبر ، نظراً إلى ما قدّمناه من لفظ : يكفيها ، وعلى هذا لا يتمّ إطلاق الشيخ إلاّ على أنّ النصف صاع زائد على‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٨٣ ، ٢٨٤.

(٢) النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٣٧.

٤٣٠

ما يجزئ في الغسل ، وحينئذ يكون الصاع أكمل ، بعكس التفسير الآخر للفرق.

قال :

باب في أنّ (١) الحيض والعدّة إلى النساء‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « العدّة والحيض إلى النساء ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال : « كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت ، فإن شهدن فصدّقت وإلاّ فهي كاذبة ».

فالوجه في الجمع بينهما أنّ المرأة إذا كانت مأمونة قُبِل قولها في الحيض والعدّة ، وإذا كانت متّهمة كلّف نسوة غيرها على ما تضمنه الخبر.

السند‌

في الأوّل : واضح بعد ما قدّمناه.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٤٨ لا يوجد : أنّ.

٤٣١

والثاني : فيه إسماعيل بن أبي زياد ، وهو مشترك بين العامي المشهور وبين ثقة(١) ، ولا يبعد أن يكون هو العامي ، لظاهر الرواية عن علي بهذا النحو ، وقد يوجد رواية الثقة بهذا النحو أيضاً ، لكنه نادر.

المتن :

في الأوّل : يدل بظاهره على قبول قول المرأة في العدّة سواء في ذلك الحيض والأشهر ، وكذلك في الحيض فيحرم على الزوج وطؤها بمجرّد قولها ، وكذلك سائر ما يتوقف على الطهر ، وقد استدل بعض الأصحاب على ما قلناه بالرواية.

ثم إنّ متنها المذكور هو الموجود في التهذيب والكتاب ، وفي التهذيب أسنادها عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن جميل ابن دراج ، عن زرارة(٢) .

وروى الشيخ في كتاب الطلاق من التهذيب عن محمد بن يعقوب ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « العدة والحيض للنساء إذا ادّعت صدّقت »(٣) ولا يبعد أن يكون الرواية واحدة ، ولفظ : « إذا ادّعت صدّقت » ساقط منها ، ولا ريب في وضوح الدلالة مع الزيادة على قبول قول المرأة في الحيض والعدّة.

وأمّا الثاني : فالذي يظهر منه أنّ الوجه في عدم قبول قولها بمجرّد ادّعاء خلاف الغالب من النساء ، وحينئذ يقيّد إطلاق الأُولى على تقدير‌

__________________

(١) هداية المحدثين : ١٨٠.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٨ / ١٢٤٣ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ب ٤٧ ح ٢ ذ. ح.

(٣) التهذيب ٨ : ١٦٥ / ٥٧٥ ، الوسائل ٢ : ٣٥٨ أبواب الحيض ب ٤٧ ح ١.

٤٣٢

العمل بالثانية بما لا ينافي الغالب من عادات النساء ، فما ذكره الشيخ من التهمة وكونها مأمونة لا يخلو من نظر بعد احتمال ما ذكرناه وإن أمكن إرجاعه إلى ما قلناه بتقريبٍ ما.

وذكر بعض الأصحاب أنّ قبول قول المرأة في العدّة والحيض إنّما يقبل في الزمان المحتمل وإن بعد(١) . وكأنّ الوجه فيه ما ذكرناه ، إلاّ أنّ قوله : وإن بعد. لا يلائمه ، وسيأتي إن شاء الله القول في ذلك في بابه.

وينبغي أن يعلم أن بعض الأصحاب استدل على قبول قول المرأة في الحيض بقوله تعالى( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) (٢) ووجّه الاستدلال بأنّه لولا وجوب القبول لما حرم الكتمان ؛ واعترض عليه بالمنع من الملازمة ، ولعلّ لتكليفها بإظهار ذلك ثمرة لا نعلمها ، كما يجب على الشاهد عدم كتمان الشهادة وإن علم عدم قبول الحاكم لها(٣) .

وفي نظري القاصر أنّ الآية تحتمل احتمالاً ظاهراً أن يراد بما خلق الله في أرحامهنّ من الولد.

قال :

باب الاستظهار للمستحاضة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « المستحاضة تقعد أيّام‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٥٢.

٤٣٣

قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهراً اغتسلت ، وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا(١) ظهر(٢) أعادت الغسل وأعادت الكرسف ».

عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سعيد بن يسار قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة تحيض ثم تطهر وربما رأت بعد ذلك الشي‌ء(٣) من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال : « تستظهر بعد أيّامها بيوم أو يومين أو ثلاثة ثم تصلّي ».

سعد بن عبد الله ( عن أحمد بن محمد بن عيسى )(٤) عن أبي جعفر ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : سألته عن الحائض كم تستظهر؟ فقال : « تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن عمرو بن سعيد ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : سألته عن الطامث كم حدّ جلوسها؟ فقال : « تنتظر عدّة ما كانت تحيض ثم تستظهر بثلاثة أيّام ثم هي مستحاضة ».

السند‌

في الأوّل : القاسم ، وهو على الظاهر أنّه ابن محمد الجوهري ، وقد تكرر القول فيه(٥) .

__________________

(١) في « رض » : فإن.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٢ زيادة : الدم.

(٣) ليست في « فض ».

(٤) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ١٤٩ / ٥١٤.

(٥) راجع ص ١١٧ ١١٦ وج ١ ص ١٧٣ ، ٢٧٠.

٤٣٤

وإسماعيل الجعفي يحتمل أن يكون ابن جابر ، وفي رجال الصادقعليه‌السلام من كتاب الشيخ : إسماعيل بن حازم(١) الجعفي(٢) . لكن الرواية كما ترى عن أبي جعفرعليه‌السلام فاحتماله منتف ، نعم في رجال الباقرعليه‌السلام من كتاب الشيخ : إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي(٣) . وليس بثقة ، واحتماله قائم.

ثم إنّ إسماعيل بن جابر وثّقه الشيخ في كتاب الرجال(٤) ، والنجاشي ذكره من غير توثيق(٥) ، والكشي ذكر فيه ما يقتضي الذم(٦) . إلاّ أنّها مدفوعة بما ذكره شيخنا أيّده الله في كتاب الرجال(٧) ، أما ما في بعض نسخ كتاب الشيخ من الخثعمي بدل الجعفي(٨) ، وكذلك نقله ابن داود عن كتاب الشيخ(٩) فالاعتبار يقتضي أنّ الصحيح الجعفي ، والخثعمي تصحيف.

والثاني : فيه عثمان بن عيسى ، وضمير « عنه » راجع إلى الحسين بن سعيد ، كما صرح به في التهذيب(١٠) (١١) ، وسعيد بن يسار ثقة(١٢) .

وأمّا الثالث : فلا يخلو من تشويش على ما رأيناه من النسخ ، ولا يبعد أن يكون لفظ « عن » في قوله : عن ابن أبي نصر. زائدة ،

__________________

(١) في « رض » : جابر.

(٢) رجال الطوسي : ١٤٧ / ٩٧.

(٣) رجال الطوسي : ١٠٤ / ١٥ ، وكذا في أصحاب الصادقعليه‌السلام : ١٤٧ / ٨٤.

(٤) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨.

(٥) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٤٥٠ / ٣٤٩ و ٣٥٠.

(٧) منهج المقال : ٥٦.

(٨) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨ ، ١٤٧ / ٩٣.

(٩) رجال ابن داود : ٥٠ / ١٧٩.

(١٠) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٠.

(١١) في « فض » زيادة : وغيره.

(١٢) وثّقه النجاشي في رجاله : ١٨١ / ٤٧٨.

٤٣٥

والصحيح عن أبي جعفر ابن أبي نصر ، أو أنّ الأصل عن أحمد بن محمد ابن عيسى أبي جعفر ، ويحتمل أن يكون المراد بأبي جعفر الجوادعليه‌السلام ، والواو ساقطة قبل عن ابن أبي نصر ، ولا يخلو من بُعدٍ بَعد التأمّل في مساق الرواية.

والرابع : فيه محمد بن خالد وأظنه البرقي ، وفيه كلام(١) ، واحتمال غيره بعيد ؛ ومحمد بن عمرو بن سعيد هو ابن الزيّات الثقة.

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ المراد بقوله : « فإن هي رأت طهراً اغتسلت » أن يراد بالطهر النقاء من الدم بالكلية ، كما يدل عليه قوله : « وإن لم تر طهراً اغتسلت » إلى آخره ، فإنّ هذا يقتضي وجود الدم ، ويحتمل أن يراد بالطهر عدم دم الحيض إلاّ أنّ التأمّل فيما ذكرناه يدفعه.

أما قوله : « وإن هي لم تر طهراً اغتسلت » فالظاهر أنّ المراد بالغسل غسل الحيض ، كما يدل عليه قوله : « فلا تزال تصلّي حتى يظهر الدم على الكرسف » إلى آخره.

وهذا يدل أيضاً على أنّ مجرّد الظهور على الكرسف يوجب الغسل ، لكنه مجمل بالنسبة إلى أنّ إعادة الغسل محتملة لما يقوله القائلون بالمتوسطة ، ولما يقوله النافون لها وجعل هذا النوع من الكثيرة ، إلاّ أنّه لا يخفى عدم الانطباق على القولين في ظاهر الحال ، لأنّ المتوسطة في كلام القائلين وقع التعبير بغسل الغداة لها ، والكثيرة وقع التعبير بثلاثة أغسال.

__________________

(١) ينشأ من قول النجاشي فيه : وكان ضعيفاً في الحديث. رجال النجاشي : ٣٣٥ / ٨٨٩.

٤٣٦

والحق ما قدّمناه من جهة المتوسطة ، وأمّا الكثيرة فعلى تقدير إرادة وقت الصلاة كما قدّمنا إليه الإشارة ، فالحديث لا يأبى الرجوع إلى ذلك ، غاية الأمر أنّه مطلق بالنسبة إلى عدم ذكر أوقات الصلاة ، ولو لا ضعف الحديث لأمكن زيادة القول فيه ، والمهمّ ما ذكرناه.

والثاني : دالّ بتقدير العمل به على أن وجود الدم الرقيق بعد الاغتسال يقتضي الاستظهار ، لكنّه من كلام السائل ، فلا يفيد حكماً ، وتوهّم تقرير الإمامعليه‌السلام واضح الردّ.

وفي صحيح الأخبار في التهذيب ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة فإن خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ ولتصلّ »(١) .

وقد ذكرت في حاشية التهذيب كلاماً في الحديث ، والملخّص منه أنّ الظاهر من قوله : « وإن لم تر شيئاً » إرادة الدم بقرينة قوله أوّلاً : « شي‌ء من الدم » وكذلك قوله بعد : « وإن رأت بعد ذلك صفرة » وعلى هذا لا حاجة إلى تكلّف الجمع بينه وبين ما دل على الاستظهار.

فإن قلت : حاصل ما ذكرت أن المرأة إذا رأت دم الحيض فلا تغتسل ، وإن لم تر دم الحيض اغتسلت ، وهذا ينافي ما دل على الاستظهار ، فإنّه لا يشترط فيه عدم دم الحيض ، كما يستفاد من خبر ابن نعيم السابق وغيره من الأخبار ، كما يعلم من مراجعة التهذيب.

قلت : ليس الأمر كما ذكرت ، بل(٢) المقصود هنا إمكان حمل‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٦١ / ٤٦٠ ، الوسائل ٢ : ٣٠٨ أبواب الحيض ب ١٧ ح ١.

(٢) ليست في « فض ».

٤٣٧

الحديث على ما لا ينافي جواز الاستظهار ، فإنّ الأمر بالغسل في الحديث يقتضي عدمه ، وإذا حمل على عدم الدم تم الحديث في عدم المنافاة للاستظهار ، لا أنّ عدم الدم يوجب الغسل من غير استظهار ، وما قلته من أنّ المراد دم الحيض هو الموجب للإشكال.

نعم قد حكى العلاّمة في المختلف عن الشيخ أنّه قال : إذا انقطع الدم عن ذات العادة وكانت عادتها دون عشرة أيّام أدخلت قطنة ، فإن خرجت نقيّة فقد طهرت ووجب عليها الغسل ، وإن خرجت ملوّثة بالدم استظهرت بيوم أو يومين في ترك العبادة ، ونقل عن ابن إدريس أنّه لا استظهار مع الانقطاع ، بل إنّما يكون مع وجود الصفرة والكدرة.

ثم إنّ العلاّمة استدل على مختاره وهو قول الشيخ برواية محمد ابن مسلم المنقولة هنا من التهذيب ، ورواية ابن أبي نصر المذكورة في الكتاب ، وحكى عن ابن إدريس الاحتجاج لقوله بأن الأصل وجوب العبادة ، وأجاب العلاّمة بأنّ الأصل براءة الذمة(١) .

وفي نظري القاصر أنّ الكلام أوّلاً وآخراً لا يخلو من نظر ،أما الأوّل : فلأنّ الظاهر من كلام الشيخ المنقول أنّ خروج القطنة ملوّثة بالدم يقتضي الاستظهار ، وكلام ابن إدريس مفاده أنّه لا استظهار مع الانقطاع ، بل مع وجود الصفرة والكدرة ، وهذا كما ترى لا يقتضي المخالفة بين الكلامين إلاّ من حيث ذكر ابن إدريس الصفرة ، فكأن العلاّمة ظنّ أن قول الشيخ يفيد كون الاستظهار مع الدم ، وبدونه لا استظهار ، ومع الصفرة لا دم فلا استظهار.

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٩.

٤٣٨

وأنت خبير بأنّ الصفرة لا تنافي الدم ، بل الدم ينقسم إلى الأصفر وغيره ، إلاّ أن يقال : مع إطلاق الدم إنّما يراد غير الأصفر ، وفيه ما لا يخفى.

وأما الثاني : فلأن استدلال العلاّمة بالرواية إن كان المراد إثبات الاستظهار مع وجود الدم فالرواية غير مقيّدة بالدم ، بل الظاهر من قوله : « وإن لم تر شيئاً » نفي الدم بجميع صفاته ، ولو حملت الرواية على أنّ الدم إذا وجد اقتضى الاستظهار ، وإن لم يوجد انتفى ، سواء كانت الصفرة أو لا زاد الإشكال بأنّ الظاهر من الدم دم الحيض ، واللازم حينئذ أنّه مع وجود دم الحيض تحقق الاستظهار ، ومع عدم دم الحيض لا استظهار ، والحال أنّ القائل بهذا غير معلوم ، والأخبار المعتبرة لا تساعد عليه ، بل تدل على نفيه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ احتجاج ابن إدريس لا أدري موافقته لدعواه ، فإن الظاهر منها أنّه لا استظهار مع انقطاع الدم أصلاً ، بل هو مع الصفرة والكدرة ، والاستدلال حينئذ بأنّ الأصل وجوب العبادة إن أراد به مع عدم الصفرة والكدرة كما هو ظاهر دعواه فالجواب من العلاّمة بأنّ الأصل براءة الذمّة غير تامّ ، لأن العلاّمة قائل بعدم الاستظهار ، فكيف يقول بالأصل المذكور؟ وإن أراد ابن إدريس غير ما ذكرناه فلا وجه له.

وبالجملة : فكلام العلاّمة مجمل المرام على ما أظنّه ، ولا يبعد أن يكون التفات العلاّمة إلى ما تضمنه الرواية من قوله : « وإن رأت بعد ذلك صفرة » فإنّ ظاهر هذا أنّ ما سبق إنّما كان دماً ولا يكون الصفرة دماً ، وأنت خبير بما في هذا من التأمّل ، على أنه يبقى الإشكال في الاستدلال منه ومن ابن إدريس ، فليتأمّل.

وينبغي أن يعلم أنّ الخبر الأخير دال على أنّ المرأة بعد الاستظهار‌

٤٣٩

مستحاضة ، والخبر وإن لم يكن صالحاً للاعتماد عند بعض ، إلاّ أنّ له مؤيّدات دالّة على مدلوله ، متطابقة الدلالة على أنّ ما بعد أيّام الاستظهار استحاضة ، وما يوجد في كلام المتأخّرين : من أنّ الدم إن انقطع على العشرة فالجميع حيض ، وإن تجاوز فالعادة حيض فقط(١) . لم أقف الآن على خبر صحيح يتضمنه.

والوالدقدس‌سره كثيراً ما كان يقول ذلك ، ويبني عليه إشكالات في مواضع أهمّها : الحج ، وسيأتي إن شاء الله ذكر ما لا بدّ منه فيه.

وإذا تمهّد جميع ما ذكرناه ، فليعلم أنّ للأصحاب اختلافاً في أن الاستظهار هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ فالموجبون(٢) استدلوا بظواهر الأخبار الوارد فيها الأمر كصحيح محمد بن مسلم(٣) ، والقائلون بالاستحباب جمعوا بين الأخبار المشار إليها وغيرها مثل قولهعليه‌السلام : « تحيّضي أيّام أقرائك » بالحمل على الاستحباب(٤) .

وقد يقال : إنّ ما دلّ على أنّ التحيّض لا يكون إلاّ أيّام الأقراء غير موجود ، والأمر بالتحيّض أيّام الأقراء لا ينافي التحيّض في غيرها بدليل.

أو يقال : إنّ التحيّض أيّام الأقراء على الإطلاق ، وأمّا غيرها فله شروط ، ومثل هذا يصلح وجهاً للجمع.

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٧٤.

(٢) منهم الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٤ ، وفي الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٣ ومنهم ابن إدريس الحلّي في السرائر ١ : ١٤٩.

(٣) المتقدم في ص ٤٠٢.

(٤) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٢١٥ ، وجامع المقاصد ١ : ٣٣٢ ، روض الجنان : ٧٣. وسائل الشيعة ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣ ، الفروع من الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣.

٤٤٠