إستقصاء الإعتبار الجزء ٢

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-174-5
الصفحات: 469
المشاهدات: 48424
تحميل: 4685


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 469 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48424 / تحميل: 4685
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: 964-319-174-5
العربية

نعم في صحيح معاوية بن عمار : « المستحاضة تنتظر أيّامها فلا تصلّ فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيّامها ورأت دماً يثقب الكرسف اغتسلت » إلى آخره(١) . وهذا له نوع دلالة على عدم الوجوب ، واحتمال القول فيه واسع المجال(٢) .

وممّا يؤيّد الوجوب النهي عن الاغتسال في خبر محمد بن مسلم السابق نقله(٣) .

غير أنّ الحقّ رجحان الاستحباب ، لثبوت التعارض ، وقد ذكرت ما لا بد منه في حاشية التهذيب أيضا.

وما يوجد في كلام بعض الأصحاب من أنّا إذا قلنا باستحباب الاستظهار ، واختارت فعل العبادة ، ففي وصفها بالوجوب إشكال ، لجواز تركها لا إلى بدل ، ولا شي‌ء من الواجب كذلك(٤) . فقد قدمنا في هذا الكتاب كلاماً يصلح أن يكون جوابا ( عن هذا )(٥) وهو أنّ المستحب في الاختيار ، فلو اختارت الطهر كانت العبادة(٦) واجبة ، ولا بعد فيه ، هذا.

ولا يخفى أنّ مفاد الأخبار المبحوث عنها كون الاستظهار بيوم أو يومين كما في الأوّل ، وبيوم أو يومين أو ثلاثة كما في الثاني والثالث ، وبثلاثة كما في الرابع ، والمنقول عن الشيخ في النهاية الاستظهار بيوم أو‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٤ ، وسائل الشيعة ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٢) ليست في « رض ».

(٣) في ص ٤٠٢.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٤.

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٦) في « رض » و « د » : الصلاة.

٤٤١

يومين(١) ، وكذلك عن ابن بابويه(٢) والمفيد(٣) . وعن الجمل : أنّ القطنة إذا خرجت فهي بعد حائض تصبر حتى تنقى(٤) . وعن المرتضى في المصباح إلى عشرة أيام(٥) . وقد عرفت دلالة الأخبار وصحة بعضها لا يخفى بعد الاعتبار ، وسيأتي ما يصلح دليلاً لبعض الأقوال. وعلى الله سبحانه الاتكال.

اللغة :

الاستظهار قال في المعتبر : هو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضاً أو طهراً(٦) .

قال :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد ابن عمرو بن سعيد الزيات ، عن يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّي؟ قال : « تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في كل وقت صلاة ».

فالوجه في قولهعليه‌السلام : « تستظهر بعشرة أيّام » أن نحمله على أنّ المعنى إلى عشرة أيّام ، لأنّ ذلك أكثر أيّام الحيض ، وإنّما يجب‌

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ ، وهو في النهاية : ٢٤.

(٢) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤.

(٣) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤.

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) ١٦٣.

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢١٤.

(٦) في « فض » : زيادة : وعلى الله سبحانه الاتكال.

٤٤٢

الاستظهار بيوم أو يومين إذا كانت العادة دون ذلك.

والذي يدل على ذلك :

ما أخبرني به الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن موسى بن الحسين(١) ، عن أحمد ابن هلال ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المرأة ترى الدم فقال : « إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة ، وإن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن داود مولى أبي المغراء ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترى الدم ، فقال : « تستظهر بيوم إن كان حيضها دون عشرة ] (٢) أيّام ، وإن استمرّ الدم [ بعد العشرة (٣) فهي مستحاضة ، فإن (٤) انقطع الدم اغتسلت وصلّت ».

السند‌

في الأوّل : موثق بيونس بن يعقوب(٥) .

والثاني : فيه موسى بن الحسين كما ترى ، وفي التهذيب موسى بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٧ : الحسن.

(٢) في النسخ : العشرة ، وما أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨.

(٣) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨.

(٤) في النسخ : وإن ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨.

(٥) فإنه فطحي ثقة ، انظر رجال الكشي ٢ : ٦٨٢ / ٧٢٠ ، ورجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧.

٤٤٣

الحسن(١) وهو الظاهر ، لأنّ موسى بن الحسين غير موجود في الرجال ، وإن كان هذا لا يضرّ بالحال كما لا يخفى.

ثم إنّ موسى بن الحسن مشترك بين رجلين ، أحدهما ثقة والراوي عنه الحميري ، وهو في مرتبة سعد بن عبد الله ، والآخر لم أعلم زمانه وليس بثقة(٢) .

وأحمد بن هلال قد تقدم القول فيه(٣) ، وأنّ الشيخ ضعّفه(٤) وفيه مع ما ذكر الإرسال.

والثالث : فيه مع الإرسال داود مولى أبي المغراء ، ولم أره الآن في الرجال.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة على ما يقوله المرتضىرضي‌الله‌عنه بعد إرادة الاستظهار إلى عشرة(٥) كما ذكره الشيخ ، وإن كان في كلام الشيخ نظر ، لأنّ الأخبار السابقة قد عرفت مفادها ، وعلى تقدير حمل هذا الخبر كما ذكره لا تزول المعارضة للأخبار السابقة ، من حيث إنّ الاستظهار إلى العشرة قد يزيد على الثلاثة فيما إذا كانت العادة ستّة أيّام ، فلا بد من البيان في دفع هذا التنافي ، وعدمه من الشيخ غريب.

ولا يبعد أن يقال : إنّ الغالب في عادة النساء لمّا كان السبعة والثمانية‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٣.

(٢) هداية المحدثين : ٢٦٢.

(٣) راجع ج ١ ص ٢٠٤.

(٤) في الفهرست : ٣٦ / ٩٧. وفي أصحاب الهاديعليه‌السلام من كتاب الرجال : ٤١٠ / ٢٠.

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢١٤.

٤٤٤

اقتضى الإطلاق في الخبر الانصراف إلى الغالب ، وإن كان الحق إمكان المناقشة في هذا ، ولو صحّ الخبر أمكن القول بمضمونه.

فإن قلت : حديث يونس بن يعقوب ما وجه التوقف فيه؟ مع أنّه ليس الارتياب إلاّ من جهة يونس ، حيث قيل : إنه كان فطحيا(١) ، والحال أنّه رجع عن ذلك(٢) .

قلت : التوقف ممّا ذكرت ، إذ لم يعلم الرواية قبل الرجوع أم بعده ، وقد ذكر شيخناقدس‌سره رواية يونس من غير وصف بالموثق(٣) ، مع أنّ الظاهر كونها من الموثق فلا أدري الوجه في ذلك.

والخبر الثاني : كلامنا فيه كالأول.

وكذلك الثالث ، غير أنّ قوله فيه : « وإن استمر الدم فهي مستحاضة » لا يخلو من إجمال ، ولعلّ المراد أن الدم إذا استمر بعد الاستظهار فهي مستحاضة كما يفيده غيره من الأخبار ، وقد قدّمنا ما فيه من الإشكال.

واحتمال أن يراد أنّها تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة وإن استمرّ الدم بعد الاستظهار ، فيكون قوله : « وإن » وصلياً ، وقوله : « فهي مستحاضة » كلام مستأنف لبيان أنّ المستمرّ بها الدم مستحاضة لا أنّها حائض ، بعيد عن ظاهر الرواية ، بل لا وجه له عند التأمّل.

وممّا يؤيّد الأوّل قوله : « وإن انقطع الدم اغتسلت » غاية الأمر أنّ هذا القول لا يخلو من إجمال أيضاً ، إذ يحتمل أن يراد به إن انقطع الدم من أوّل الأمر فلا استظهار ، ويحتمل أن يراد به أنّ الدم إذا انقطع بعد الاستمرار‌

__________________

(١) كما في رجال الكشي ٢ : ٦٨٢ / ٧٢٠.

(٢) راجع رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٥.

٤٤٥

وتجاوز العادة اغتسلت وصلّت بعد الاستظهار ، ولا يخفى قرب هذا المعنى.

ولا يتوجه على ما قلناه من التأييد أنّه لا يتمّ على الاحتمالين ، بل على واحد منهما. لإمكان الجواب بجريانه على الاحتمالين ، كما يعرف بأدنى ملاحظة.

قال :

باب أكثر أيّام النفاس‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن الفضيل بن يسار وزرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : « النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها ، ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن محمد ابن أبي حمزة ، عن يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « النفساء تجلس أيّام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلّي ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد ابن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « تقعد النفساء أيّامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن‌

٤٤٦

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عمرو ، عن(١) يونس قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : « فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس ، ثم تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كل صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضّأ ثم لتصلّ ».

قولهعليه‌السلام : « تستظهر بعشرة أيّام » معناه إلى عشرة أيّام ، لأنّ حروف الصفات تقوم بعضها مقام بعض على ما بيّنا القول فيه.

وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ومحمد ابن خالد البرقي والعباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن موسىعليه‌السلام عن امرأة نفست وبقيت ثلاثين ليلة أو أكثر وطهرت وصلّت ثم رأت دماً أو صفرة؟ فقال : « إن كان صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصلاة ، وإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ثم لتغتسل وتصلّي ».

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة والفضيل ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : « النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها(٢) ثم تغتسل وتصلّي كما تغتسل المستحاضة ».

وبهذا الاسناد عن علي بن الحسن ، عن عمرو بن عثمان ، عن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢ : بن ، وما هنا موافق للتهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٢.

(٢) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٤.

٤٤٧

الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم؟ قال : « نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها يأمرها (١) فتغتسل ثم يغشاها إن أحبّ ».

السند‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : فيه محمد بن أبي حمزة ، والظاهر أنّه الثقة ، واحتمال المهمل المذكور في رجال الصادقعليه‌السلام من كتاب الشيخ(٢) بعيد ، ويونس ابن يعقوب قد تقدم القول(٣) فيه.

والثالث : موثق.

والرابع : محمد بن عمرو فيه هو الزيّات ، ويونس هو ابن يعقوب لتقدّم هذا عن قريب مفسَّراً ، وذكرنا الحال فيما تقدم(٤) .

والخامس : صحيح كما قدمناه.

والسادس : تكرر بيان رجاله.

والسابع : فيه عمرو بن عثمان وهو الخزّاز الثقة ، لأنّ الراوي عنه في النجاشي علي بن الحسن بن فضال(٥) . ومالك بن أعين مذكور في رجال‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ زيادة : بالغسل.

(٢) رجال الطوسي : ٣٠٦ / ٤١٧.

(٣) راجع ص : ٤٤٥ وج ١ : ٢١٣.

(٤) راجع ص : ٤٤٥ وج ١ : ٢١٣.

(٥) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٦.

٤٤٨

الباقر والصادق مهملاً ، وباقي الرجال قد ذكرناه مكرّراً.

المتن :

في الجميع دالّ على أنّ النفساء ترجع إلى عادتها في الحيض ، غاية الأمر أنّ العادة تارةً تكون مستقيمة عدداً ووقتاً ، وتارة لا تكون كذلك ، فالأخبار من هذه الجهة مجملة ، كما أنّها غير دالّة على حكم المبتدأة التي لم يتقرّر لها حيض في زمن معيّن ، وربما يظن أيضاً عدم تناولها للمضطربّة ، إلاّ أنّ للقول في ذلك مجالاً من حيث إن الاضطراب له أوجه ، ولو أُريد بها من لم تعلم الوقت والعدد أمكن أن يقال بخروجها عن الأخبار.

والعجب من العلاّمة في المختلف أنّه اختار أنّها ترجع إلى عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة ، وإن كانت مبتدأة صبرت ثمانية عشر يوما.

ثم استدل على الأوّل ببعض الأخبار المبحوث عنها ، ثم قال : ولأنّها مأمورة بالعبادة وإنّما تخرج عن العهدة بفعلها ، أو بما ثبت أنّه مسقط ، ولم يتحقق في الزائد على ما قلناه ، فيبقى في عهدة التكليف بالمقتضي السالم عن معارضة المسقط القطعي.

ثم ذكر احتجاج غيره بالأخبار الدال بعضها على قعود النفساء تسع عشرة ، وبعضها على الثماني عشرة ، وأجاب بأنها محمولة على المبتدأة(١) .

وأنت خبير بما في الكلام أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار قد سمعت القول فيها مجملا.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢١٦.

٤٤٩

وأما ثانياً : فما قاله : من أنّها مأمورة بالعبادة ، إن أراد به الأمر في حال وجود الدم فمشكل بعد اقتضاء الأخبار سقوط العبادة عنها المقتضي لعدم يقين شغل الذمّة.

واحتمال أن يقال : إنّ الذمّة مشغولة بيقين قبل الدم ، فإذا خرج منه ما تيقن عدم الاشتغال فيه ، بقي ما شك في كونه مشتغلا.

فيه ما كرّرنا القول فيه في الكتاب وغيره : من أنّ اليقين يرتفع بالظن الحاصل من الأخبار فلا يحتاج إلى ثبوت المسقط القطعي ، كما يقتضيه كلام العلاّمة.

إلاّ أن يقال : إنّ الأخبار مع التعارض توجب الشك فلا يحصل الظن المخرج.

وفيه : أنّ الشك أيضاً يقتضي عدم يقين اشتغال الذمّة ، إلاّ أن يقال : بأنّ اليقين لا يزيله الشك كما هو مفاد الأخبار.

والحق أنّ يقين اشتغال الذمّة غير حاصل ، إذ الحاصل بالاستصحاب ليس إلاّ الظن ، فإذا حصل الشك بتعارض الأخبار أمكن أن يوجّه بقاء الظن بأنّ الشك لا يعارضه ، وقد يتوجّه عليه أنّ الشك هنا تساوي الظنون ، وفي الحقيقة ليس هو الشك المقابل للظن ، بل إنّما هو في قوة تعدّد الظنون مع عدم المرجّح ، وقد اتفق للشيخ كلام في المقام في التهذيب ذكرنا ما فيه في حاشيته.

وبالجملة : فمرجع الكلام إلى أنّ التكليف بالعبادة محقّق إلاّ ما أخرجه الدليل ، ونحن نقول : التكليف موقوف على الدليل بعد زواله ، ويقين التكليف سابقاً لا يفيد لاحقاً بعد وجود الخلاف ، فليتأمّل.

وأما ثالثاً : فما قاله العلاّمة من أنّ الأخبار محمولة على المبتدأة. فيه‌

٤٥٠

أنّ الأخبار تضمّنت ثمانية عشر وتسعة عشر ، فالمطلوب غير حاصل من الأخبار ، وستسمع أيضاً القول فيها إن شاء الله تعالى.

ثم إنّ الأخبار المبحوث عنها تضمّنت الاستظهار على الإطلاق ، فلا يبعد أن يكون كاستظهار الحائض والاعتماد على بيانه فيها ، نعم ما بعد الاستظهار على تقدير عدم وصول الدم إلى العشرة فقط لا يخلو من إشكال في النفاس ، لأنّ الحيض على تقدير القول فيه بما ذكروه فلزوم مثله في النفاس موقوف على اتفاق كلام القوم فيهما.

وفي المنتهى قال العلاّمة في بحث النفاس : لو انقطع الدم بدون العشرة أدخلت قطنة فإذا خرجت نقيّة اغتسلت وصلّت ، إلى أن قال : وإن خرجت ملوّثة صبرت إلى النقاء ، أو يمضي مدّة الأكثر وهي عشرة أيّام إن كانت عادتها ، وإلاّ صبرت لو استمرّ بها الدم.

وبعض المتأخّرين غلط هنا فتوهم أنّ مع الاستمرار تصبر عشرة ، ولا نعرف عليه دليلاً سوى ما رواه يونس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله : « تستظهر بعشرة أيّام » وذلك غير دالّ على النزاع ، إذ من المحتمل أن تكون عادتها ثمانية أيام أو تسعة أيّام ، ويدلُّ على ما اخترناه الأحاديث التي قدّمناها ، فإنها دالّة على إحالة النفساء على الحائض في الأيّام والاستظهار(١) . انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ إفادة الأخبار كون النفاس كالحيض من كلّ وجه لا يخلو من خفاء.

ثم ما أورده على بعض المتأخّرين في غير محلّه على ما أظنّ ، لأنّا‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٢٥.

٤٥١

قدّمنا الأخبار الدالّة على أيّام الاستظهار ، وذكرنا أن ما يدلّ على العشرة يحتمل لإرادة الغالب من العادة.

وقول العلاّمة في المنتهى : إذ من المحتمل ، إلى آخره ، غير تامّ ، لأنّ الاعتبار بظاهر اللفظ ، نعم إذا لوحظت جهة أُخرى أمكن ، فليتأمّل.

وفي شرح الإرشاد قال جدّيقدس‌سره : واعلم أنّ الأخبار الصحيحة لم تصرح برجوع المبتدأة والمضطربة إلى عشرة ، بل إنّما صرح فيها بأنّه أي النفاس لذات العادة عادتها في الحيض ، ولكن فيها إشعار بذلك ، لأنّه ورد في بعضها الاستظهار إلى العشرة كالحائض ، ولو كان أكثره أقل منها لم يستظهر إليها(١) . انتهى.

ولا يخلو من تأمّل ، وقد ذكرت ذلك كلّه مفصلاً في حاشية الروضة ، ومجمل الأمر ما ذكرناه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمّنته رواية عبد الرحمن بن الحجاج المعتبرة الإسناد ، من أنّ النفساء التي مضى لها ثلاثون ليلة وأكثر ثم رأت دماً أو صفرة كان حكمها مع الصفرة أن تغتسل وتصلّي ، وإن كان دماً ليس بصفرة تمسك عن الصلاة ثم تغتسل.

لا يخلو من إجمال ، لأنّ ظاهر السؤال وإن كان عن النفساء ، إلاّ أنّ مضيّ الثلاثين قد صيّر لها حكماً آخر ، فيحتمل أن يكون كلام الإمامعليه‌السلام عن حالها فيما بعد ، فإن رأت صفرة اغتسلت وصلّت ، وإن رأت دماً تمسك عن الصلاة أيّام أقرائها لكونه حيضا.

ويحتمل أن يعود إلى الزمان الماضي وهو الثلاثون كما ظنّه الشيخ ،

__________________

(١) روض الجنان : ٨٩.

٤٥٢

حيث جعلها من الأدلة على حكم النفساء ، لكن لا يخفى أنّه لا يتمّ في قوله : « إن كانت صفرة فلتغتسل » وإن أمكن من جهة قوله : « وإن كان دما » إلى آخره.

وفي الظن أنّه لا مجال لغير الاحتمال الأوّل.

ولا يخفى دلالة الخبر الأخير على عدم جواز الوطء في يوم الاستظهار ، لكنه لا يصلح لإثبات الحكم ، مضافاً إلى نوع قصور في الدلالة ، وفي بعض الأخبار المعتبرة ما يدل على اختصاص المنع بأيّام الحيض ، وقد ذكرت ذلك في محل آخر.

أمّا ما تضمنه الخبر الأخير من قوله : « منذ يوم وضعت » فالتسديد فيه سهل الأمر.

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي : قال : « النفساء تقعد أربعين يوماً ، فإن طهرت وإلاّ اغتسلت وصلّت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلّي ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن محمد بن يحيى الخثعمي قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن النفساء (١) ، فقال : « كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جرّبت (٢) » ‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧ لا يوجد : عن النفساء.

(٢) في النسخ : وما حرمت ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧.

٤٥٣

قلت : فلم تلد فيما مضى؟ قال : « بين الأربعين إلى الخمسين(١) ».

أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : كم تقعد النفساء حتى تصلّي؟ قال : « ثماني عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلّي ».

علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « تقعد النفساء إذا لم ينقطع منها الدم الثلاثين أو أربعين يوماً إلى الخمسين(٢) ».

الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن ابن سنان قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « تقعد النفساء تسع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة ».

وقد روينا عن ابن سنان ما ينافي هذا الخبر وأنّ أيّام النفاس مثل أيّام الحيض فتعارض الخبران.

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن النفساء كم تقعد؟ فقال : « إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تغتسل لثمان عشرة ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين ».

فلا تنافي بين هذه الأخبار وبين الأخبار الأوّلة التي قدمناها ، لأنّ لنا في الكلام على هذه الأخبار طرقاً : أحدها(٣) : أنّ هذه الأخبار أخبار آحاد مختلفة الألفاظ متضادّة المعاني لا يمكن العمل على جميعها‌

__________________

(١) في « فض » : خمسين.

(٢) في « فض » : خمسين.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١ : فأحدها.

٤٥٤

لتضادّها ، ولا على بعضها لأنّه ليس بعضها بالعمل عليه أولى من بعض ، والأخبار المتقدّمة مجمع على متضمنها ، لأنّه لا خلاف [ في ](١) أنّ أيّام الحيض في النفاس معتبرة ، وإنّما الخلاف فيما زاد على ذلك ، وإذا تعارضت وجب ترك العمل بها والعمل بالمجمع عليه بما قد بُيّن في غير موضع.

والوجه الثاني : أن نحمل هذه الأخبار على ضرب من التقية ، لأنّها موافقة لمذهب العامة ، ولأجل ذلك اختلفت كاختلاف العامة في أكثر أيّام النفاس فكأنّهم أفتوا كلا منهم بمذهبه الذي يعتقده.

والثالث : أن يكون الأخبار خرجت على سبب ، وهو أنّهم سئلوا عن امرأة أتت عليها هذه الأيّام لم تصلّ فيها فقالوا : عند ذلك ينبغي أن تغتسل وتصلّي ولم يقولوا في شي‌ء منها أنّ ذلك حدّ لا يجوز اعتبار ما نقص منه.

السند‌

في الأوّل : فيه محمد بن عيسى الأشعري ، لأنّ المراد بأبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى ، وقد تقدم القول فيه(٢) ؛ وفيه حفص بن غياث ، وهو عاميّ على ما ذكره الشيخ في الفهرست(٣) والكشي(٤) ، وما قاله الشيخ : من أن كتابه معتمد(٥) . لا نفع له إلاّ بتقدير العلم بأخذ الحديث من كتابه.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١.

(٢) راجع ص ٢٣١ ٢٣٢ وج ١ ص ١٩٦.

(٣) الفهرست : ٦١ / ٢٣٢.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٨٨ ، ذيل رقم ٧٣٣.

(٥) الفهرست : ٦١ / ٢٣٢.

٤٥٥

والثاني : فيه القاسم بن محمد ، وهو الجوهري ( على الظاهر من ممارسة الأسانيد )(١) وقد تكرر ذكره(٢) ؛ ومحمد بن يحيى الخثعمي تقدم أنّ الشيخ في هذا الكتاب قال : إنّه عامي. والنجاشي لم يذكر ذلك ، بل فيه : محمد بن يحيى بن سليمان الخثعمي كوفي ثقة(٣) . ولفظ ابن سليمان لم يذكره الشيخ ، فاحتمال المغايرة بين الرجلين ممكن ، إلاّ أنّه بعيد ، ولا يبعد ترجيح قول النجاشي على تقدير الاتحاد. وفي الخلاصة محمد بن يحيى ابن سليم في نسخة ، وفي اخرى ابن سليمان(٤) . وابن داود حكم بالتعدد فذكر الرجلين(٥) ، ولا يخفى عليك الحال.

والثالث : لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه.

والرابع : فيه أن الطريق إلى علي بن الحكم غير مذكور في المشيخة ، واحتمال البناء على الاسناد السابق كما هي عادة الكليني لا يخلو من إشكال ، لعدم سلوك الشيخ هذا الطريق ، بل حكم الوالدقدس‌سره بأن الشيخ لم يتنبّه لعادة الكليني ، فوقع له في التهذيب والاستبصار ما يوهم قطع كثير من الأخبار بسبب الغفلة ، كما يعلم من ممارسة الكتابين.

وربما ينظّر في هذا باحتمال كون الشيخ اعتمد على المعلوميّة ، إلاّ أنّ المعلوم من عادة الشيخ عدم اتباع ما فعله الكلينيرحمه‌الله وفي الظن أنّ الحديث من الكافي ، وأتى به الشيخ على نهج ما فيه ، إلاّ أنّه لم يحضرني الآن لأعلم حقيقة الحال.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) راجع ص ١١٧ ١١٦ وج ١ ص ١٧٣ ، ٢٧٠.

(٣) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٣.

(٤) خلاصة العلاّمة : ١٥٨ / ١١٩.

(٥) رجال ابن داود : ١٨٦ / ١٥٢٩ ، ١٥٣١.

٤٥٦

[والخامس ](١) لا ارتياب فيه ، والنضر هو ابن سويد ؛ وابن سنان عبد الله لما قدّمناه غير مرة.

[والسادس ](٢) أيضاً لا شبهة فيه.

المتن :

في الأوّل : موافق لما يقوله بعض أهل الخلاف ، فقد وجدت في عبارة بعضهم ما هذه صورته : وأكثر النفاس ستّون يوماً وأغلبه أربعون يوماً(٣) . ويؤيّد ذلك أنّ الراوي منهم ، وحينئذ لا سبيل إلى احتمال ما ذكره الشيخ غير التقية.

وأما الثاني : فلا يبعد فيه الحمل على التقيّة لكن فيه معها نكتة ، وهو أنّه يتمشّى(٤) على مذهبنا ، لأنّ ما بين الأربعين والخمسين يصدق على العشرة والعادة ، وقوله : « كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها » كأنه إغماض عن الجواب تفصيلاً بالإجمال ، فلمّا أراد السائل البيان أتى الجواب ثانياً بما ذكر.

وقوله : « وما حرمت » هو في النسخة التي رأيتها ، لكن في التهذيب : « وما جرّبت » ولعلّه الصواب ، وإن كان فيه أيضا نوع حزازة.

والثالث : واضح الدلالة لكن حمله على غير ذات العادة أو على المبتدأة ممكن ، وحمل الشيخ على التقية ممكن إن ثبت قولهم بذلك ، وهو‌

__________________

(١) في النسخ : والرابع ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) في النسخ : والخامس ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) المغني لابن قدّامة ، نقله عن الشافعي ١ : ٣٩٢ ، ٣٩٣.

(٤) في « رض » يمشي ، وفي « د » : لا يتمشى.

٤٥٧

أعلم به. أمّا الوجه الثالث من الحمل ففي غاية البعد.

والرابع : تقرب فيه التقية كما ذكره الشيخ.

والخامس : كالثالث لكن المغايرة في العدد لا يخلو من إشكال ، ولعل اليوم الزائد يحمل على رجحان الاستظهار.

والسادس : يؤيّد الثالث ، ويدلُّ صريحا على أنّ استظهار النفساء بيوم أو يومين ، وربما يؤيّد ما قلناه في الخامس من احتمال كون اليوم للاستظهار ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما قاله الشيخ ( في الجمع لا يخلو من )(١) نظر.

أمّا أوّلاً : فلأنّه قد تقدّم منه ما يقتضي عدم ردّ الخبر مع المعارضة إذا أمكن حمله على وجه من الوجوه ، وهنا ذكر وجهين للحمل.

وأما ثانياً : فما ذكره : من أن الأخبار المتقدّمة مجمع على متضمنها ، لأنه لا خلاف في أن أيّام الحيض في النفاس معتبرة ، وإنّما الخلاف فيما زاد ، إلى آخره ، محل بحث.

أما أوّلاً : فلأن الإجماع إن أُريد به حصول الاتفاق من الجميع عليها حتى من قال بالثمانية عشر ، ففيه : أنّ القائل بالثمانية لا يوافق على أيّام الحيض مطلقاً ، بل في ضمن الثمانية عشر ؛ وإن أُريد بالإجماع ما يتناول الدخول في الضمن فلا نسلّم أنّ ما بُيّن في غير موضع : من ترجيح المجمع عليه ( على غيره. يتناوله ، فإنّ المتبادر من ترجيح المجمع عليه )(٢) ما انعقد الإجماع على خصوصه ، ولو تمحّل قائل إنّ ما دخل في الضمن لا يخرج‌

__________________

(١) في « رض » : من الجمع محلّ.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٤٥٨

عن القاعدة ، للمشاركة في العلّة ، توجه المنع إلى دليله كما لا يخفى.

والعجب من الشيخ أنّه في التهذيب قال : المعتمد في هذا أنّه قد ثبت أن ذمّة المرأة مرتهنة بالصلاة والصيام قبل نفاسها بلا خلاف ، فإذا طرأ عليها النفاس يجب أن لا يسقط عنها ما لزمها إلاّ بدلالة ، ولا خلاف بين المسلمين أن عشرة أيّام إذا رأت المرأة الدم من النفاس ، وما زاد على ذلك مختلف فيه ، فيجب(١) أن لا تصير إليه إلاّ بما يقطع العذر ، وكلّما ورد من الأخبار المتضمنة لما زاد على عشرة أيّام فهي أخبار آحاد لا تقطع العذر ، أو خبر خرج ( على سبب التقيّة(٢) )(٣) .

وفي هذا الكتاب كما ترى جعل الإجماع على الرجوع إلى عادة الحيض.

وقد تكلّمنا في حاشية التهذيب على ما ذكره فيه بما حاصله : إنّ ثبوت الصلاة في الذمّة بعد دلالة الأخبار محلّ تأمّل ، إلاّ أن يقال : إنّ اختلاف الأخبار يقتضي عدم الخروج عن شغل الذمة ، وفيه : أن يقين شغل الذمّة قبل النفاس لا ريب فيه ، أمّا بعد حصول النفاس فلا يقين.

فإن قلت : بعد النفاس المحقّق وهو عادة الحيض والعشرة لا ريب في الخروج عن اليقين ، أمّا بعد ذلك فلا.

قلت : إذا اعترفت بخروج اليقين يحتاج عوده إلى دليل ، والإجماع على العشرة كما في التهذيب وعلى الرجوع إلى عادة الحيض كما هنا ليس على الاختصاص ، وإذا كان كذلك لا يتمّ المطلوب ، إلاّ أن يقال : إنّ‌

__________________

(١) في المصدر : فينبغي.

(٢) في « رض » : على سبيل التقيّة ، وفي المصدر : عن سبب أو للتقيّة.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٤ ، ١٧٥.

٤٥٩

الأصل يجب العمل به دائماً ، إلاّ ما خرج بالدليل. وفيه كلام.

وبالجملة : فللقول مجال واسع في مثل هذا المقام.

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من أنّ الأخبار خرجت على سبب ، إلى آخره ، فيه : أنّ ظاهر الأخبار أكثرها خلاف ذلك ، فإنّ خبر محمد بن مسلم المتضمّن أنّ النفساء تقعد ثلاثين [ أو ] أربعين يوماً إلى خمسين ، بمعزل عن توجيه الشيخ ، وكذلك غيره.

نعم قضية أسماء بنت عميس ربما يمكن الاحتمال في الخبر الدال عليها ، وإن كان للكلام فيه مجال أيضاً.

وقد ذكر بعض الأصحاب وجوهاً للحمل ، أحدها : ما ذكرناه أوّلاً من حمل أخبار الثماني عشرة على غير المعتادة وإبقاء الأخبار المتضمنة للرجوع إلى العادة على ظاهرها.

وثانيها : الحمل على التخيير بين الأعداد.

وثالثها : حمل أخبار الثماني عشرة على ما إذا بقي الدم بصفة دم النفاس إلى تلك الغاية ، وأخبار الرجوع إلى العادة على ما إذا تغير عن تلك الصفة(١) .

والأوّل له نوع وجه.

وما يقال : من أن الأوّل مستلزم لحمل أخبار الثمانية عشر على الفرد النادر ، ولا يخلو من إشكال.

ففيه : أنّ مثل هذا لا يصلح لردّ وجه الجمع.

وما يقال أيضاً على الثاني : من أنّه يستلزم التخيير بين فعل الصلاة‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٦٩.

٤٦٠