إستقصاء الإعتبار الجزء ٣

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-175-3
الصفحات: 483

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-175-3
الصفحات: 483
المشاهدات: 36345
تحميل: 4566


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 483 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36345 / تحميل: 4566
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: 964-319-175-3
العربية

قال :

باب وجوب الطلب‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عن عليعليهم‌السلام أنّه قال : « يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة ، وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك ».

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ، قلت له : أتيمّم وأُصلّي ثم أجد الماء وقد بقي عليّ وقت ، فقال : « لا تعد الصلاة فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد » فقال له داود بن كثير الرقي : أفأطلب الماء يميناً وشمالاً؟ فقال : « لا تطلب لا يميناً ولا شمالاً ولا في بئر ، إن وجدته على الطريق فتوضّأ وإن لم تجده فامض ».

فالوجه في هذا الخبر حال الخوف والضرورة ، فأمّا مع ارتفاع الأعذار فلا بد من الطلب حسبما تضمنه الخبر الأوّل.

السند‌ :

في الأوّل : معلوم الحال في أنّه لا يصلح سنداً لإثبات حكم عند غير الشيخ.

أمّا الثاني : فكذلك ، إلاّ أن علي بن سالم مجهول الحال ؛ والحسن‌

٨١

ابن موسى الخشاب قدّمنا القول فيه(١) ، ولا يبعد ثبوت مدحه ؛ وداود بن كثير قال النجاشي : إنّه ضعيف جدّا(٢) ، والشيخ قال في رجال الكاظم من كتابه : إنّه ثقة(٣) ، والعلاّمة في الخلاصة اتفق له فيه اضطراب ، لأنّه بعد نقل قول الشيخ والنجاشي وابن الغضائري الدال كلامه صريحا على أنّه فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت إليه [ قال(٤) ] وعندي في أمره توقف ، والأقوى قبول روايته لقول الشيخ الطوسيرحمه‌الله وقول الكشي أيضا(٥) .

وأنت خبير بأن قول النجاشي مقدم على قول الشيخ كما قدّمنا فيه القول(٦) ، على أنّه قد انضم إلى قول النجاشي قول ابن الغضائري ، والظاهر من العلاّمة الاعتماد عليه كما قدّمناه في أوّل الكتاب ، وقول العلاّمة : وعندي في أمره توقف ، ثم قوله : والأقوى ، غريب ، واحتمال أن يكون القول بالتوقف من ابن الغضائري ، لا وجه له بعد قوله : لا يلتفت إليه.

نعم في طرق الفقيه ما صورته : وروى عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « أنزلوا داود الرقي مني بمنزلة المقداد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٧) وهذا ربما يدل على اعتماده عليه ، وأنّ الرواية مقبولة عنده إن كان ما ذكره في المشيخة داخلاً فيما قاله في أوّل الكتاب. والعلاّمة نقل عن الصدوق ذلك(٨) ، فربما كان دافعاً لبعض ما يرد عليه.

__________________

(١) في ص : ٢١٤.

(٢) رجال النجاشي : ١٥٦ / ٤١٠.

(٣) رجال الطوسي : ٣٤٩ / ١.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٦٧ / ١.

(٦) في ص ٤٣٧.

(٧) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٩٥.

(٨) خلاصة العلاّمة : ٦٨ / ١.

٨٢

أمّا رواية الكشي فهي مرسلة مع ضعف آخر في إحدى الروايتين(١) .

( وهذا البحث وإن كان قليل الفائدة في الحديث بحصول الضعف بغيره )(٢) إلاّ أنّ له نفعاً في غير هذا الموضع.

فإن قلت : قوله : فقال له داود بن كثير. من الرواية ، فيكون الحاكي عنه علي بن سالم ، أم لا بل هو من الشيخ فيكون رواية أُخرى مرسلة؟ أو هو من علي بن أسباط؟

قلت : قد روى الشيخ الرواية في التهذيب بنحو ما هنا في موضع(٣) ، وفي آخر روى عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن داود الرقي قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال إنّ الماء قريب فأطلب ، إلى آخر ما نقله الشيخ هنا(٤) .

وأنت خبير إذا تأمّلت الروايتين بقيام احتمال المغايرة لما قاله داود في هذه الرواية مع احتمال آخر فليتدبّر.

المتن :

ظاهره كما ترى طلب الماء في السفر القدر المذكور ولو في جهة من الجهات ، إلاّ أنّ الشيخ في التهذيب بعد قول المفيد : ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة ثم يطلبه أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كل جهة إن كانت الأرض سهلة ، وإن كانت حزنة‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٧٠٤ / ٧٥٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د ».

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٢ / ٥٨٧.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣٦.

٨٣

طلبه في كل جهة مقدار رمية سهم ، قال : قد مضى فيما تقدم ما يدل على وجوب الطلب للماء على قدر رمية سهمين مع زوال الخوف ، ويؤكّد ذلك ما رواه محمد بن الحسن الصفار وذكر رواية السكوني(١) .

والذي تقدم منه رواية رواها عن محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن يعقوب بن سالم قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال : « لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعترض له لصّ أو سبع »(٢) .

قال الشيخ في التهذيب : وهذا الخبر يدل على أنّه متى لم يخف من لصّ أو سبع وجب عليه الطلب وإن كان على مقدار غلوتين(٣) . ولا يخفى عليك حال هذه الدلالة.

ثم الظاهر من الرواية وجود الماء ، فعلى تقدير تسليم الدلالة نقول : مع وجود الماء يجب لا مع احتمال الماء ، وبتقدير التسليم ( من أين )(٤) اعتبار كل جانب؟.

وفي الشرائع قال المحقق : ويجب عنده الطلب فيضرب غلوة سهمين في كل جهة من جهات الأربع إن كانت الأرض سهلة وغلوة سهم إن كانت حزنة(٥) .

قال شيخناقدس‌سره في المدارك : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن من كان عذره عدم الماء لا يسوغ له التيمم إلاّ بعد الطلب إذا أمّل الإصابة‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٢ / ٥٨٦ ، الوسائل ٣ : ٣٤١ أبواب التيمم ب ١ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٨ ، الوسائل ٣ : ٣٤٢ أبواب التيمم ب ٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٤.

(٤) في « رض » بدل ما بين القوسين ما يمكن أن يقرأ : لا يفيد ، وفي « د » يحتمل.

(٥) الشرائع ١ : ٤٦.

٨٤

وكان في الوقت سعة ، حكى ذلك المصنف في المعتبر ، والعلاّمة في المنتهى ، ويدلُّ على ذلك ظاهر قوله تعالى( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (١) ، وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة ، وذكر الرواية ( الآتية ، وقد مضت أيضاً )(٢) وعن السكوني ، وذكر الرواية الاولى ، إلى أن قال ما حاصله : واختلف الأصحاب في كيفية الطلب وحدّه ، فقال في المبسوط : والطلب واجب قبل تضيق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه رمية سهم أو سهمين إذا لم يكن خوف ، وكذلك قال في النهاية ، ولم يفرّق بين السهولة والحزونة ، ثم حكى عبارة المفيد السابقة عنه.

وقال ابن إدريس : وحدّ ما وردت به الروايات ، وتواتر به النقل في طلبه إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين ، وإذا كانت حزنة فغلوة سهم. ولم يقدّره السيد المرتضى في الجمل ، ولا الشيخ في الخلاف.

قال شيخناقدس‌سره : ولم أقف في الروايات على ما يعطي هذا التحديد سوى رواية السكوني وهي ضعيفة كما اعترف به المصنف في المعتبر ، فإنّه قال : والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني وهي ضعيفة ، غير أنّ الجماعة عملوا بها ، والوجه أنّه يطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة ولا يكلف التباعد بما يشق ، ورواية زرارة تدل على أنّه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات(٣) . انتهى ملخصا.

وفي نظري القاصر أنّ في المقام أُموراً‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) تأتي في ص ٨٧ ، ومضت في ص ٣٦ ، وبدل ما بين القوسين في « فض » و « رض » : الثانية ، وتأتي أيضاً في الباب الآتي.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ١٧٨.

٨٥

الأوّل : ما ذكره من دعوى الإجماع قد قدّمنا(١) أنّه من قبيل الخبر المرسل ، ووجه ذلك أن تحقق الإجماع في مثل زمن المحقّق والعلاّمة ممّا يعدّ(٢) من المحالات العادية ، وكيف لا يكون كذلك والمحقق يتكلم على الشيخ في دعواه الإجماع ، وزمان الشيخ أقرب إلى تحقق الإجماع من زمان المحقق ، وإن كان الحق بُعد الإجماع في الموضعين ، وعلى هذا فالإجماع المدّعى من المحقّق والعلاّمة لا بد من حمله على كونه منقولاً عن المتقدّمين ، فلا يخرج عن الإرسال.

الثاني : ما استدل عليه من الآية شيخناقدس‌سره (٣) قد ذكره العلاّمة في المختلف(٤) ، وربما يشكل بأنّ الطلب يرجع فيه إلى العرف ، إذ الروايات المظنون دلالتها قد عرفت حالها ، وقول السيد المرتضى في الجمل(٥) لعله يرجع إلى هذا بنوع من الاعتبار ، وإذا رجع الأمر إلى العرف فهو غير مضبوط ، وإناطة التكليف به لا يخلو من إشكال.

والخبر الدال على أنّه يطلب ما دام في الوقت قد تكلمنا عليه سابقا(٦) ، وأنّ احتمال حمله على الاستحباب ممكن ، غير أنّ الشيخ قد يتوجه عليه أنّ الطلب في الخبر مطلق وخبر السكوني مقيد فليحمل عليه ، والحال لا يخلو من إشكال ، لتضمن رواية السكوني القدر المعين ، وتضمن رواية زرارة ما دام في الوقت ، وغير بعيد ما وجّهنا به رواية زرارة من أنّ المراد‌

__________________

(١) في ص ٥٦٦.

(٢) في « فض » : فما بعد.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ١٧٩.

(٤) المختلف ١ : ٢٥٥.

(٥) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٢٥.

(٦) راجع ص ٧٥٢.

٨٦

بقوله : ما دام في الوقت. بيان وقت الطلب ، لا أنّ الطلب دائما كما قاله المحقق ، غاية الأمر أنّ كيفية الطلب مجملة والعرف لا يخلو من اضطراب.

وبالجملة : فقرائن الاستحباب غير خفية في خبر زرارة على تقدير إرادة دوام الطلب ، إذ لا يدل دليل على ذلك من الأخبار المنقولة ، وحينئذ يكون الأمر بتأخير التيمم كذلك ، لبُعد التغاير بين أمرين في خبر واحد ، وإن أمكن فتح باب المقال في هذا.

الثالث : ما قاله شيخناقدس‌سره : من دلالة رواية السكوني(١) . غريب ، فإن دلالتها على ما ذكر غير واضحة كما قدمناه.

وقول المحقق : غير أنّ الجماعة عملوا عليها(٢) . أغرب ، فإن الجماعة إن أُريد بهم جميع القائلين بالتحديد ، فالأقوال كلها لا توافق الرواية ، وإن أُريد بالجماعة غير ذلك فلا يظهر له معنى ، على أنّ عمل الجماعة له تأييد عنده للعمل بالرواية الضعيفة كما يعلم من مواضع في المعتبر ، وما أجمله من الوجه أيضاً لا يخلو من غرابة.

إذا تمهّد هذا كلّه فاعلم أنّ ما ذكره الشيخ من الجمع لو ذكر ما يدل عليه من رواية داود الرقي المذكورة في التهذيب ، من قوله : « إنّي أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع »(٣) وكذلك رواية يعقوب بن سالم(٤) السابقة ، وإن كان في الظن عدم الدلالة على مطلوب الشيخ ، إلاّ أنّ الحكم بالنسبة إلى ما فهمه ربما يتم ذكر الحديثين للدلالة على الجمع.

__________________

(١) راجع ص ٧٩٠.

(٢) المعتبر ١ : ٣٩٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣٦ ، الوسائل ٣ : ٣٤٢ أبواب التيمم ب ٢ ح ١.

(٤) المتقدمة في ص ٧٩٠.

٨٧

فإن قلت : ما وجه التوقف في دلالة الروايتين؟.

قلت : الوجه في الاولى أنّ ظاهرها كون مجرد خوف التخلف عن الأصحاب فيضل أو يأكله السبُع يقتضي عدم لزوم الطلب ، وهذا الكلام من الإمامعليه‌السلام كما ترى يقتضي بإطلاقه أنّ مجرّد الاحتمال كاف في سقوط الطلب ، ولولاه لكان على الإمام أن يقول له : إن خفت فلا تطلب ، وإلاّ فاطلب ، والثانية كذلك ، بل هي أظهر دلالة على ما قلناه.

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخناقدس‌سره بعد ذكر روايتي داود ويعقوب : من أنّ الجواب عنهما أولاً بضعف السند ، وثانياً بالقول بالموجب ، لأنّ مقتضاهما سقوط الطلب مع الخوف على النفس والمال ونحن نقول به(١) . محل تأمّل يظهر وجهه ممّا قررناه.

اللغة‌ :

قال في القاموس : الحَزْن : ما غلظ من الأرض كالحَزْنة(٢) . وقال ابن الأثير في النهاية : الغلوة قدر رمية سهم(٣) .

ويبقى في المقام أُمور لا بأس بالتنبيه عليها :

الأوّل : ظاهر الأخبار أنّ الطلب مع فقدان الماء ، أمّا لو كان عذر المتيمم غير فقدان الماء فوجوب الطلب عليه منتف ، وحينئذ وجوب التأخير عليه على تقدير القول به لا يمكن استفادته من الأخبار السابقة ولا اللاحقة ، والآية الشريفة دالة بظاهرها على أنّ من كان على سفر ولم يجد ماءً تيمم ، أمّا المرض فلا وجه لاعتبار عدم الماء فيه ، إلاّ أنّ يراد بعدم‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ١٨٠.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٢١٥.

(٣) النهاية لابن الأثير ٣ : ٣٨٣.

٨٨

الوجدان عدم القدرة على الاستعمال فيراد باللفظ الحقيقة والمجاز أو عموم المجاز ، وفيه ما فيه ، ولا يبعد أن يخص القيد بالمسافر ويبقى المريض على الإطلاق ، ويتوقف وجوب التأخير عليه على الدليل.

ثم إنّ وجوب الطلب في الأخبار وظاهر الآية على المسافر ، أمّا غيره فوجوب الطلب عليه بالمعنى المذكور في كلام الأصحاب لم أقف على دليله الصالح للإثبات ، ولو لا ظن عدم القائل بهذا التفصيل لأمكن إبداؤه ، لكن لا أقل من ذكر الاحتمال ، فينبغي التأمّل فيما ذكرناه ، فإنّي لم أجده في كلام أحد الآن ، والله تعالى أعلم بحقائق الأُمور.

الثاني : قيل لو تيقن وجود الماء لزمه السعي إليه ما دام الوقت باقيا والمكنة حاصلة ، سواء كان قريباً أم بعيداً ، وسواء استلزم السعي فوات مطلوب إذا لم يكن مضراً بحاله أم لا ، لقدرته على الماء(١) . واختار هذا شيخناقدس‌سره (٢) .

وقال المحقق في المعتبر : من تكرر خروجه من مصره كالحطّاب والحشّاش لو حضرته الصلاة ولا ماء ، فإن أمكنه العود ولمّا يفت مطلوبه عاد ، ولو تيمم لم يجزئه ، ولو لم يمكنه إلاّ بفوات مطلوبه ففي التيمم تردد أشبهه الجواز دفعاً للضرر(٣) .

وربما يمكن المناقشة في الكلامين ، والاحتياط مطلوب.

أمّا ما قاله جماعة : من أنّ الطلب إنّما يجب مع احتمال الوجود ، فإن تيقن العدم انتفى الطلب لانتفاء الفائدة ، ولو غلب على ظنه لم يسقط لجواز‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٣٩.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ١٨٢.

(٣) المعتبر ١ : ٣٦٥.

٨٩

كذب الظن(١) ؛ فله وجه ، إنّما الكلام في ثبوت الأصل.

الثالث : قال المحقق في الشرائع : ولو أخلّ بالطلب حتى ضاق الوقت أخطأ وصح تيممه وصلاته على الأظهر(٢) .

وفي المختلف قال العلاّمة نقلاً عن الشيخ : لو تيمم قبل الطلب مع التمكن منه لم يعتد بذلك التيمم. وهذا الكلام على إطلاقه مشكل ، وتقرير البحث أن نقول : إنّ تيمم قبل آخر الوقت بطل ، لعدم الشرط وهو تضيق الوقت ، وإنّ تيمم في آخر الوقت ولم يكن قد طلب الماء ففي بطلان تيممه نظر ، والأقوى عندي صحته بل وجوبه ؛ لأنّه حينئذ مأمور بالصلاة ، إذ بدون فعلها لا يخرج عن العهدة ، ومأمور بالتيمم ؛ لتعذر الماء عليه حينئذ ، وسقوط الطلب عنه لتضيق الوقت ووجوب صرفه إلى الصلاة ، وإذا تقرر أنّه مأمور بالصلاة بالتيمم فإذا فعلهما وجب أن يخرج عن العهدة(٣) .

ثم اعترض بمنع الأمر بالتيمم مطلقا ، لأنّ الآية مشروطة بعدم الوجدان المشروط بالطلب ، والمشروط بالمشروط بالشي‌ء مشروط بذلك الشي‌ء ، والشرط وهو الطلب لم يوجد فينتفي المشروط.

وأجاب بمنع كون الطلب شرطاً مطلقاً ، بل مع السعة.

واعترض بأنّه يلزم على هذا أنّ من ترك المضي إلى الماء مع قربه منه والتمكن من استعماله إلى أن ضاق الوقت بحيث لو سارع فاته الوقت عامداً من غير ضرورة ، أن يجب عليه التيمم والصلاة ، ويسقط عنه القضاء ، لأنّ الدليل الذي ذكرتموه آت هنا ، فيقال : لا يجوز إسقاط الصلاة عن هذا المكلّف ، لوجود الشرائط ، وإذا كان مأموراً بفعلها مع الطهارة المائية لزم‌

__________________

(١) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٦٦ ، وصاحب المدارك ٢ : ١٨٢.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٤٦.

(٣) المختلف ١ : ٢٨٥.

٩٠

تكليف ما لا يطاق ، إذ التقدير تضيّق الوقت ، وإن كان مكلّفاً بالإتيان بها مع البدل لزم الإجزاء.

وأجاب بوجهين :

الأوّل : أنّه يلزم ذلك ويكون معاقبا على ترك الطهارة المائية مع قدرته وتزول عنه بالتوبة.

والثاني : المنع من كونه مكلفا بما لا يطاق لو قيل باستصحاب حكم التكليف السابق عليه في أوّل الوقت مع تمكنه(١) . انتهى ملخصا.

وفي نظري القاصر أنّه محل نظر :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الأمر بالتيمم مطلقا أوّل المدّعى ، وكون الطلب مشروطاً بالسعة كذلك ، والآية الشريفة قد ذكر في تفسيرها ما يدل على أنّ الطلب مراد فيها ، فلا يتحقق الشرط حينئذ.

نعم قد قدّمنا احتمالاً في خبر زرارة الدال على أنّه يطلب ما دام في الوقت فإن خاف أن يفوته فليتيمم ، وهو أن يكون قوله : « فإن خاف » راجعا إلى الطلب ، أي إنّما يطلب مع عدم خوف الفوت وبدونه لا يطلب ، وبهذا الاحتمال قد يندفع عن العلاّمة النظر ، لكن عدم تعرضه لذلك غريب.

فإن قلت : غير هذا الاحتمال في الخبر ليس بواضح ، بل الظاهر هو هذا الاحتمال.

قلت : الاحتمال الآخر المساوي لما ذكرناه هو أنّه يطلب إلى أن يخاف الفوت لا ترك الطلب من أوّل الأمر.

وأمّا ثانياً : فلأنّ الطلب مع تحقق دليله يتوقف سقوطه على الدليل.

وأمّا ثالثاً : فما قاله في جواب الاعتراض الأوّل من منع كون الطلب‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٨٥.

٩١

شرطاً مطلقاً. لا وجه له ، لأن المانع وإن كان يكفيه هذا في دفع الاستدلال إلاّ أنّ مقصود العلاّمة إثبات الحكم.

وأمّا رابعاً : فما ذكره في جواب الاعتراض الثاني ففيه :

أمّا في الوجه الأوّل : فلأنّ عقوبته على ترك الطهارة المائية لا تفيد عدم جواز التيمم مطلقا ، بل قبل الضيق على حد من أخلّ بالطلب فإنّه معاقب أيضا ، لكن بعد التضيق يحتمل عدم العقاب على أدائه فالجواب الجواب.

وأمّا الوجه الثاني : فالتكليف بما لا يطاق لا مخلص عنه ، واستصحاب حكم التكليف لا يسمن ولا يغني من جوع ، فإن قلت : ما مراده باستصحاب حكم التكليف؟ قلت : كان غرضه أنّه لما كان مأموراً بالوضوء قبل التضيق بقي الأمر مستصحبا.

وأنت خبير بأنّ هذا بعينه آت فيما تقدم ، فإنّ الوضوء مأمور به ولا ينتقل إلى التيمم إلاّ مع الطلب وعدم الوجدان على ما قرره ، نعم يمكن أن يقال : إنّ الأمر بالوضوء فرع الإمكان ، والإمكان موقوف على الطلب فلا يجب قبله. وجوابه أظهر من أن يخفى.

قال :

باب أنّ التيمم لا يجب إلاّ في آخر الوقت‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن‌

٩٢

صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم(١) قال : سمعته يقول : « إذا لم تجد ماءً وأردت التيمم أخّرِ التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلِّ في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضّأ لما يستقبل ».

ولا ينافي هذا الخبر ما أوردناه من الأخبار في باب إعادة الصلاة المتضمنة لمن صلّى ثم وجد الماء والوقت باق لا تجب عليه الإعادة ، بأن يقال : لو كان الوجوب متعلقا بآخر الوقت لكان عليه الإعادة ، لأنّا قد بينّا الوجه في(٢) الأخبار ، وقد قلنا إنّ الوجوب تعلّق بآخر الوقت ولا يجوز غيره ، وحملنا قوله : والوقت باق ، على أن يكون متعلقاً بحال الصلاة دون وجود الماء ، وعلى هذا لا تعارض بين هذه الأخبار وبينها على حال ، وما تضمنه خبر علي بن سالم في الباب الأوّل من قول السائل أتيمم وأُصلّي ثم أجد الماء وقد بقي عليّ وقت ، فقال : « لا تعد الصلاة » ويكون تقديره أتيمم وأُصلّي وقد بقي عليَّ وقت يعني مقدار ما ( يصلّي ) (٣) الصلاة ويخرج الوقت.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٦٥ / ٥٧٣ زيادة : عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٦٦ زيادة : تلك.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٦٦ : يصلّي فيه فيصلّي.

٩٣

السند‌ :

في الأوّل لا ارتياب فيه.

والثاني قد تقدم القول فيه مفصلاً.

المتن :

في الأوّل وإن دل بظاهره على وجوب التأخير إلاّ أنّ احتمال الاستحباب فيه قائم نظراً إلى ما أسلفناه.

والوالدقدس‌سره كان يقول : إنّ الخبر يعمل بمقتضاه من وجوب التأخير ، لكن مع رجاء وجود الماء كما يشعر به قوله : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » وحينئذ لا يدل على وجوب التأخير مطلقا(١) .

وكذلك شيخناقدس‌سره ذكر ذلك في فوائده على هذا الكتاب قائلاً : إنّ هاتين الروايتين إنّما تدلان على وجوب التأخير إذا كان العذر عدم الماء وكان وجوده ممكناً كما يدل عليه قوله في الأُولى : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » فإنّه يقتضي عدم الجزم بفوات الماء وفي الرواية الثانية « فليطلب الماء ما دام في الوقت » فإنّ الطلب يؤذن بإمكان الظفر. انتهى ملخصا.

وفي نظري القاصر أنّ الرواية الأُولى كما تحتمل ما قاله الوالد وشيخنا(٢) ٠ تحتمل أن يراد أنّ الماء إذا تحقق فواته فالتراب موجود ، ولا وجه للتقديم.

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ٣٥٥.

(٢) ليست في « رض ».

٩٤

وأمّا الرواية الثانية : فالطلب يؤذن بالإمكان إلاّ أنّ قرائن الاستحباب فيها ظاهرة بعد ملاحظة ما قدّمناه.

ثم قولهعليه‌السلام في الثانية : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب » يدل على أنّ عدم الوجدان يتحقق بعدم الطلب ، فلا يتم ما ذكروه في الآية من أنّ ظاهرها الدلالة على الطلب ، إلاّ أن يقال : إنّ عدم الوجدان له حالات ، فمع الإطلاق يراد به ما يتناول الطلب ، ومع ذكر الطلب بعده يراد به معنى آخر ، وهذا لا ينافي دلالة الآية كما تدل عليه الرواية الأُولى بعد تقييدها بغيرها ممّا دل على الطلب.

وينبغي أن يعلم أنّ العلاّمة في المختلف اختار التفصيل الذي ذهب إليه ابن الجنيد ، وهو على ما نقله العلاّمة عنه وجوب الطلب مع الطمع في وجوده ، والرجاء للسلامة على كل أحد إلى آخر الوقت ( مقدار رمية سهم في الحزنة ، وفي الأرض المستوية(١) رميتا سهم ، فإن وقع اليقين بفوته إلى آخر الوقت )(٢) أو ما غلب الظن كان تيممه وصلاته في أوّل الوقت أحب(٣) .

وهذا القول إذا تأمّله المتأمّل يفيد أمراً زائداً على التفصيل المذكور في كلام البعض ، واختاره ( الوالد(٤) قدس‌سره وشيخناقدس‌سره في غير فوائد الكتاب )(٥) (٦) والأمر سهل.

__________________

(١) في « فض » : المسنونة.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) المختلف ١ : ٢٥٣.

(٤) منتقى الجمان ١ : ٣٥٥.

(٥) بدل ما بين القوسين في « رض » : الوالد وشيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب.

(٦) مدارك الأحكام ٢ : ١٨١.

٩٥

غير أنّ العلاّمة استدل على وجوب التأخير مع إمكان وجود الماء أوّلاً بهاتين الروايتين.

وثانياً : بأنّه لو جاز التيمم في أوّل الوقت والصلاة به لما وجب عليه الإعادة بعد وجود الماء في الوقت ، ثم بيّن وجه الملازمة وبطلان التالي المستلزم لبطلان المقدم ، أمّا الأوّل : فإنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، وأمّا الثاني : فلخبر يعقوب بن يقطين السابق.

وثالثاً : إنّ طلب الماء إن كان واجباً وجب التيمم في آخر الوقت ، لكن المقدم حق فالتالي مثله ، وبيان الشرطية أنّ الطلب إنّما يجب بعد دخول الوقت ، وإذا وجب الطلب بعد الوقت سقط وجوب الصلاة في أوّل الوقت للتضادّ.

وبيان صدق المقدّم الإجماع ، وقوله تعالى( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (١) ولا يثبت عدم الوجدان إلاّ بعد الطلب.

ثم اعترض على نفسه بأنّ وجوب الطلب بعد الوقت لا يستلزم وجوب التأخير إلى آخر الوقت. وأجاب بأنّه لو لم يلزم ذلك لزم خرق الإجماع ، إذ الناس بين قائل بوجوب التأخير إلى آخر الوقت ، وبجواز الصلاة في أوّل الوقت.

ورابعاً : إنّ الله تعالى أوجب الطهارة المائية ، وجعل التيمم بدلاً عند الفقدان ، وإنّما يعلم الفقدان عند التضيق ، إذ قبله يجوز وجود الماء ، ومع الجهل بالشرط لا يثبت العلم بالمشروط يعني جواز التيمم.

ثم قالرحمه‌الله : وأمّا تسويغ التيمم في أوّل الوقت مع العلم بانتفاء‌

__________________

(١) المائدة : ٦.

٩٦

الماء في جميع الوقت فلأنّ المقتضي موجود ، وهو الأمر بإيقاع الصلاة في أوّل وقتها ، والمانع وهو إمكان وجود الماء مفقود ، فيثبت الحكم(١) . انتهى كلامه ملخصا.

وفي نظري القاصر أنّه محل تأمّل ، أمّا الأوّل : فلما قدّمناه في الروايتين من إمكان الحمل على الاستحباب وظهور أماراته.

وأمّا الثاني : فما قاله من وجوب الإعادة يتم لو كان الوجوب متحققا ، والحال أنّ احتمال الاستحباب في الإعادة قائم ، لوجود المعارض ، وقد قدّمنا ذلك أيضاً ، والعجب منهرحمه‌الله أنّه إذا كان يوافق على مضمون صحيح يعقوب الدال على عدم الإعادة بعد الوقت فكيف يحكم بوجوب الإعادة على تقدير عدم جواز التيمم ، ويخص ذلك بالوقت.

وأمّا الثالث : فما ذكره من الإجماع المركب لو تم لا يثبت مدّعاه ، إذ غايته عدم اجتماع الطلب والصلاة ، والقائل بوجوب الطلب مجموع الوقت منتف كما صرح به.

نعم احتمل كون الطلب المستمر خاصا ، وقول ابن الجنيد لا يدل عليه وقد اختاره ، فالدليل لا ينطبق على المدعى إلاّ بتقدير أن يوجد جواب الاعتراض في جملة الدليل ، ويخرج به عن ظاهر قول ابن الجنيد.

وأمّا الرابع : فما قاله من الأدلة على جواز التقديم مع اليأس يعارضه ، فإن الأمر بإيقاع الصلاة في أوّل الوقت موجود على وجه يتناول واجد الماء وفاقده في أوّل الوقت ، فقوله : إنما يعلم شرط الانتقال إلى البدل عند التضيق. محل البحث ، إذ هو في كل آن من آناء الزمان بعد‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٥٣.

٩٧

دخول الوقت مخاطب بالصلاة أمّا بالوضوء إن وجد الماء أو بالتيمم مع فقده ، وما دل على الطلب يجوز أن يحمل على ذلك ، سوى الخبر المتضمن لقوله : « ما دام في الوقت » وإذا رجعنا إلى الخبر لا حاجة إلى هذا الدليل ، والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.

إذا عرفت هذا فما قاله الشيخ في دفع التنافي قد تقدّم القول فيه بما يغني عن الإعادة.

قوله :

باب من دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء.

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : حدثني محمد بن سماعة ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ، قلت له : رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال : « يمضي في الصلاة ، واعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت ».

فأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الله بن عاصم ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء؟ فقال : « إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضّأ ، وإن كان ركع فليمض في صلاته ».

ورواه الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن أبان بن‌

٩٨

عثمان ، عن عبد الله بن عاصم مثله.

ورواه محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن الحسين(١) اللؤلؤي ، عن جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن عاصم مثله.

فالأصل في هذه الروايات الثلاثة واحد وهو عبد الله بن عاصم ، ويمكن أن يكون الوجه في هذا الخبر ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب ، ويمكن أيضا أن يكون الوجه فيه أنّه يجب عليه الانصراف إذا كان دخل في الصلاة في أوّل الوقت ، لأنا قد بيّنا أنّه لا يجوز التيمم إلاّ في آخر الوقت فلذلك وجب عليه الانصراف.

السند‌ :

في الأوّل : قد تكرر القول في رجاله سوى محمد بن سماعة ، والنجاشي ذكر ما هذا لفظه : محمد بن سماعة بن موسى ـ إلى أن قال ـ : والد الحسن وإبراهيم وجعفر ، وجدّ معلى بن الحسن ، وكان ثقة في أصحابنا وجها(٢) . وهذا وإن أوهم أنّ التوثيق لمعلّى إلاّ أنّ الاعتبار ينفيه كما ذكرناه في مواضع.

وقد اتفق للعلاّمة في الخلاصة أنّه ذكر الحسن بن محمد بن سماعة الكندي الواقفي ، ثم قال : وليس محمد بن سماعة أبوه من ولد سماعة بن مهران(٣) .

وأصل هذا الكلام من الكشي بهذه الصورة : حدثني حمدويه ، عن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٦٧ / ٥٧٨ : الحسين بن الحسن.

(٢) رجال النجاشي : ٣٢٩ / ٨٩٠.

(٣) خلاصة العلاّمة : ٢١٢ / ٢.

٩٩

الحسن بن موسى ، قال : كان ابن سماعة واقفيا ، وذكر أنّ محمد بن سماعة ليس من ولد سماعة بن مهران ، له ابن يقال له : الحسن بن سماعة واقفي(١) .

وأنت خبير بأنّ الكلام لا يخلو من إجمال ، إذ الظاهر منه أنّ الذاكر الحسن بن موسى الخشاب ، لكن قوله : له ابن يقال له الحسن بن سماعة ، محتمل لأن يعود ضمير « له » لسماعة بن مهران فيكون له ابن واقفي ، وهذا غير المذكور في النجاشي وأنّه واقفي(٢) ، ويحتمل أن يعود الضمير لمحمد ابن سماعة. غير أنّ ابن مهران(٣) وهو الواقفي يقال له الحسن بن سماعة ، لا الحسن بن محمد بن سماعة دائماً ، فأراد الحسن بن موسى التنبيه على ذلك ، وهذا هو الظاهر ، إلاّ أنّ نقل العلاّمة له ليس على ما ينبغي حينئذ ، بل المهم بيان أنّه يقال له الحسن بن سماعة والحسن بن محمد بن سماعة ، فالرجل واحد واقفي.

وفي السند أيضا محمد بن حمران ، وفي كتب الرجال اثنان ، أحدهما ثقة وهو النهدي ذكره النجاشي(٤) ، والآخر مهمل(٥) ، إلاّ أنّ الظاهر مع التعدد إرادة الأوّل ، لما يظهر من المحقق في المعتبر أنّه حكم بصحة رواية محمد بن حمران غير أنّه اتفق له ما يقتضي تعديل عبد الله بن عاصم(٦) ، ولم أقف على ذلك في الرجال لكن في كلامه نوع احتمال كما سنذكره إن‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٧٦٨ / ٨٩٤.

(٢) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٤.

(٣) المراد به هو ابن سماعة بن مهران.

(٤) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٥.

(٥) راجع منهج المقال : ٢٩٤.

(٦) المعتبر ١ : ٤٠٠.

١٠٠