المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية الجزء ٢

المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية15%

المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 367

  • البداية
  • السابق
  • 367 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24334 / تحميل: 7396
الحجم الحجم الحجم
المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية

المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام المهدي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

قال:

(هلاكُ بني العبَّاس عند نجمٍ يظهرُ في الجوف.... والواهية ما بين العشرين إلى أربع وعشرين، ونجمٌ يُرمى به يُضيء كما يُضيء القمر، ثمَّ يلتوي كما تلتوي الحيَّة، حتَّى يكادُ رأساها يلتقيان، والرجفتان في ليلة الفسحين، والنجمـُ الذي يُرمى به شهابٌ ينقضُّ من السماء، معه صوتٌ شديدٌ، حتَّى يقع في المشرق، ثمَّ يُصيب الناس منه بلاءٌ شديدٌ).

٩٦- وفي الملاحم والفتن، ج٢، ص٩٧، باب (٥٩)، من فتن السليلي قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة فقال - بعد التحميد والتعظيم والثناء على الرسول الكريم -:

( سلوني، سلوني - في العشر الأواخر من شهر رمضان - قبل أن تفقدوني ، ثمَّ ذكر الحوادث بعده، وقتل الحسين صلوات الله عليه، وقتل زيد بن علي (رضوان الله عليه)، وإحراقه وتَذْرِيته في الرياح، ثمَّ بكى (عليه السلام) وذكر زوال مـُلك بني أُميَّة ومـُلك بني العباس، ثمَّ ذكر ما يحدث بعدهم من الفتن، وقال: أوَّلها السفياني وآخرها السفياني، فقيل له: وما السفياني والسفياني؟ فقال: السفياني: صاحب هَجَر، والسفياني: صاحب الشام - وذكر السليلي أنَّ السفياني الأوَّل: أبو طاهر سليمان بن الحسن القرمطي - ثمَّ ذكر ملوك بني العباس، وذكر أنَّ الذي يُخبِر به عن النبي (صلوات الله عليه وآله)، وذكر شيعته ومـُحِبَّهُ ومـَدَحهم، وقال: هم عند الناس كفَّار، وعند الله أبرار، وعند الناس كاذبون، وعند الله صادقون، وعند الناس أرجاس، وعند الله نِظَاف، وعند الناس ملاعين، وعند الله بارُّون، وعند الناس ظالمون، وعند الله عادلون، فازوا بالإيمان وخسر المنافقون).

المؤلِّف:

مـُراد الأمير (عليه السلام) من الناس: غير الإماميِّة، وهم

٣٢١

أهل السنُّة فإنَّهم ذكروا في كُتبهم المؤلَّفة في الفِرق والمذاهب - وفي غيرها - عند ذكرهم الشيعة والروافض أنَّهم كافرون كاذبون أرجاس ملاعين ظالمون، راجع تاريخ حياة الإماميِّة ترى فيها ما أخبر به إمامهم وسيِّدهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمقام لا يناسب ذكر هذه الأمور.

ولنرجع إلى ذِكر ما يُناسب المقام وهو أنَّ السيوطي الشافعي في كتابه العرف الوردي، ج٢، ص٨٤ أخرج حديثاً مفصَّلاً وذكر فيه أنَّ السفياني ثلاثة، وبعد السفياني الثالث خروج الإمام المهدي (عليه السلام)، وإليك نصُّ ألفاظه في رقم (٩٧).

٩٧- وفي العرف الوردي في أخبار الإمام المهدي، ج٢، ص٨٤، قال: أخرج ابن المنادي وقال - في كتاب دانيال -:

(إنَّ السفيانيِّين ثلاثةٌ، وأنَّ المهديِّين ثلاثةٌ، فيخرج السفياني الأوَّل، فإذا خرج وفشا ذكره خرج عليه المهدي الأوّل، ثمَّ يخرج السفياني الثاني، فيخرج عليه المهدي الثاني، ثمَّ يخرج السفياني الثالث، فيخرج عليه المهدي الثالث؛ فيُصلح الله به كلَّ ما أُفسِد قَبْله، ويَستنقِذُ الله به أهل الإيمان، ويحيي به السنُّة، ويطفئ به نيران البدعة، ويكون الناس في زمانه أعزَّاء ظاهرين على من خالفهم، ويعيشون أطيب عيش، ويرسل السماء عليهم مِدراراً، وتُخرِج الأرضُ زهرتها ونباتها، فلا تدَّخر من نباتها شيئاً، فيَمكُث على ذلك سبع سنين ثمَّ يموت).

المؤلِّف:

إنَّ بعض ما في هذا الحديث يُطابق بعض ما مرَّ من الأحاديث المرويَّة من النبي وأهل البيت (عليهم السلام) في الأمور التي تقع قبل خروج الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن جملتها خروج السفياني، راجع باب (٢٥).

٩٨- وفي كنز العمَّال، ج٧، ص٢٦١، في المهدي من كتاب القيامة قال: ذكر ابن المنادي في الملاحم بسنده عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ بن نُباتة، قال: خطب علي بن أبي طالب (عليهما السلام) فحمد

٣٢٢

الله وأثنى عليه، ثمَّ قال:

(أيُّها الناس! إنَّ قريشاً أئمَّةُ العرب، أبرارُها لإبرارِها، وفجَّارُها لفجَّارِها، ألا! ولابدَّ من رحىً تطحنُ على ضلالةٍ وتدور، فإذا قامت على قلبها طحنت بحدِّتها، ألا! إنَّ لطحنيها رَوقاً، وروقُها حدَّتها، وفلُّها على الله، ألا! وإنِّي وأبرار عترتي وأهل بيتي أعلمـُ الناس صغاراً، وأحلمـُ الناس كباراً، معنا رايةُ الحقِّ، مـَن تقدَّمها مـَرَقَ، ومن تخلَّف عنها محق، ومن لزمها لَحِق، إنَّا أهلُ الرحمة، وبنا فتِحت أبوابُ الحكمة، وبحكم الله حُكمنا، وبعلمِ الله عِلمـُنا، ومن صادق سمعنا، فان تتَّبعونا تنجوا، وإن تتولُّوا يعذبكم الله بأيدينا، بنا فكَّ الله ريق الذلِّ من أعناقكم، وبنا يُختم لا بكم، وبنا يلحق التَّالي، وإلينا يَفئُ الغالي، فلو لا تستعجلوا وتستأخروا القدر لأمرٍ قد سبق في البشر لحدَّثتُكم بشبابٍ من الموالي وأبناء العرب، ونُبذٍ من الشيوخ كالملح في الزاد - وأقلُّ الزادِ الملح - فينا مـُعتَبرٌ ولشيعتنا مـُنتَظرٌ، إنَّا وشيعُنا تمضى إلى الله بالبطن والحمى والسيف، إنَّ عدوَّنا يهلك بالداء والدبيلة، وبما شاء الله من البلية والنقمة، وأيمـُ الله الأعز الأكرم: أنْ لو حدَّثتُكم بكلِّ ما أعلم لقالت طائفة: ما أكذبَ وأرحم! ولو انتقيِتُ منكم مئةٌ قلوبهم كالذهب ثمَّ انتخبتُ من المئة عشرة، ثمَّ حدَّثتُهم فينا أهل البيت حديثا ليِّناً - لا أقولُ فيه إلاَّ حقّاً، ولا أعتمد فيه إلاَّ صدقاً - لخرجوا وهم يقولون: عليٌّ من أكذب الناس، ولو اخترتُ من غيركم عشرة فحدَّثتُهم في عدوِّنا وأهلِ البغي علينا أحاديث كثيرة لخرجوا وهم يقولون: عليٌّ من أصدق الناس، هلك حاطِبُ الحطب، وحاصر صاحبُ القصب، وبقيت القلوب منها تَقلَّب، فمنها: مـُشغب، ومنها: مـُجدب، ومنها: مـُخصب، ومنها: مـُسيب، يا بنيَّ : لِيَبِرْ صِغاركم كباركم، وليرأف كباركم بصغاركم، ولا تكونوا كالغُواة الجُفاة الذين لم يتفقَّهوا في الدين، ولم يُعطوا في الله محضَ اليقين، كبيضٍ بِيْضَ في أداحي، ويحٌ لفراخِ فراخ آلِ محمَّد من خليفة جبَّار عِتريفٍ مـُترفٍ، مـُستخفٍّ بِخَلفي

٣٢٣

وخلف الخلف، وبالله: لقد علِمتُ تأويلَ الرسالات، وإنجاز العدات، وتمام الكلمات، وليكوننَّ من يخلفني في أهل بيتي رجلٌ يأمرُ بالله قويٌ، يحكم بحكم الله، وذلك بعد زمان مـُكْلِح [ أي: موجب للغمِّ ] مـُفضحٍ [ أي: يكشف العورات ] يشتدُّ فيه البلاء، وينقطع فيه الرجاء، ويقبل فيه الرشاء، فعند ذلك يَبعثُ الله رجلاً من شاطئ دجلة لأمرِ حِزبِه، يحمله الحقدُ على سفكِ الدِّماء، قد كان في سِترٍ وغطاءٍ، فيَقتُل قوماً وهو عليهم غضبان، شديدُ الحقدِ حرَّان [ أي: لا ينقاد ] في سنة بَخْتِنَصْر، يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً، مصيره سوط عذابٍ وسيف دمار، ثمَّ يكونُ بعده هنات وأُمورٌ مـُشتبهات، إلاَّ من شطِّ الفُرات إلى النجفات باباً إلى القطقطانيات [ موضع قُرب الكوفة كان فيه سجن النُّعمان بن المـُنذر ] في آياتٍ وآفاتٍ متوالياتٍ، يُحدِثْنَ شكاً بعد يقين، يقوم بعد حين، يبني المدائن ويفتح الخزائن، ويجمع الأُمم، ينفذها شخصَ البصر، وطَمحَ النظر، وعنت الوجوه، وكشفت البال، حتَّى يُرى مـُقبلاً مـُدبراً، فيا لهفي على ما أعلم! رجب شهرُ ذِكْرٍ، رمضان تمام السنين، شوالُ يُشال فيه أمرُ القوم، ذي القعدة يقتعدون فيه، ذو الحِجَّة الفتحُ من أوَّل العشر، ألا! إنَّ العجب كلَّ العجب بعد جُمادي ورجب، جَمعُ أشتاتٍ، وبَعثُ أمواتٍ وحديثات هونات هونات، بينهنَّ موتات، رافعةٌ ذيلها، دايةٌ عولها، مـُعلنةٌ قولها، بدجلة أو حولها، ألا! إنَّ منَّا قائِماً عفيفةً أحسابُه، سادةً أصحابُه، يُنادى - عند اصطلام أعداء الله - باسمه واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثاً بعد هَرجٍ وقِتالٍ، وضَنكٍ وخَبَالٍ، وقيام من البلاء، على وإنَّي لأعلم إلى من تُخرِج الأرض ودائعها، وتُسلِّم إليه خزائنها، ولو شئتُ أن أضرب برجلي فأقول: أخرِجي من ها هنا بِيضاً ودروعاً! كيف أنتم يا ابن هنات، إذا كانت سيوفكم بأيْمانِكم مـُصلَتاتٍ، ثمَّ رمـَلتم رَملاتٍ، ليلةَ البيات! ليستخلفنَّ الله خليفة يَثبُتُ على الهدى ولا

٣٢٤

يأخذُ على حُكمِه الرُّشى، إذا دعا دعواتٍ بعيداتِ المدى، دامغاتٍ للمنافقين، فارجاتٍ على المؤمنين، ألا! إنَّ ذلك كائنٌ على رغم الراغمين، والحمد لله ربِّ العالمين ، وصلاتُه على سيِّدنا محمَّد خاتمِ النبيِّين، وآله وأصحابه [ الغرُّ ] أجمعين).

٩٩- وفي العرف الوردي، ج٢، ص٧٢، قال: أخرج نعيم بن حمَّاد، عن ابن مسعود قال:

(إذا انقطعت التجارات والطرق، وكثرت الفتن، خرج سبعةُ نفرٍ علماء من أُفقٍ شتَّى على غير ميعاد، يُبايِع لكلِّ رجلٍ منهم ثلاثمئة وبضعة عشرَ رجلاً، حتَّى يجتمعوا بمكَّة، فيلتقي السبعة، فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أنْ تهدأ على يديه هذه الفتن، وتُفتح له القسطنطينيَّة، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأُمِّه وجيشه، فيتَّفق السبعة على ذلك، فيطلبونه فيُصيبونه بمكَّة، فيقولون له: أنت فلان بن فلان؟ فيقول: لا، بل أنا رجلٌ من الأنصار، حتَّى يَفلِت منهم، فيصفونه لأهل الخبر منه والمعرفة به، فيقال [ لهم ]: هو صاحبكم الذي تطلبونه، وقد لحق بالمدينة، فيطلبونه بالمدينة، فيُخالفهم إلى مكَّة، فيطلبونه بمكَّة فيُصيبونه، فيقولون: أنت فلان بن فلان؟ وأمّك فلانة ابنة فلان؟ وفيك آية كذا وكذا؟ وقد أفلتَّ منَّا مرَّة فمـُدَّ يدكَ نُبايعك، فيقول: لستُ بصاحبكم، حتَّى يَفلِت منهم، فيطلبُونه بالمدينة فيُخالفهم إلى مكَّة، فيُصيبونه بمكَّة عند الركن، ويقولون له: إثمـُنا عليك ودمائُنا في عنقك إن لم تَمـُدَّ يدك نبايعك، هذا عسكر السفياني قد توجَّه في طلبنا، عليهم رجل من حرام، فيجلُس بين الركن والمقام، فيَمـُدَّ يده، فيُبايع له، فيلقي الله محبَّته في صدور الناس، فيصير مع قومٍ أُسدٍ بالنهار رهبان بالليل).

المؤلِّف:

أخرج جلال الدين السيوطي الشافعي الحديث بلفظ آخر مختصر في العرف الوردي، ج٢، ص٧٤، وقال: أخرج نعيم بن حمَّاد، عن ابن مسعود، وقال:

(يُبايع المهدي سبعةُ رجالٍ علماء، توجَّهوا إلى مكَّة، من

٣٢٥

أُفقٍ شتَّى على غيرِ ميعادٍ، قد بايعَ لكلِّ رجلٍ منهم ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، فيجتمعون بمكَّة فيُبايعونَه، ويقذف الله محبَّته في صدور الناس، فيسيرُ بهم، وقد توجَّه إلى الذين بايعوا السفياني بمكَّة، عليهم رجلٌ من جرم، فإذا خرج بين مكَّة خلَّف أصحابه ومشى في إزار ورداء، حتَّى يأتي الحرم فيُبايَعُ له، فيُندمـُه كَلْبٌ على بيعته، فيأتيه فيستقيله البيعة، فيقتُله، ثمَّ يَغير جيوشه لقتالِه فيَهزِمهم، ويَهزِم على يديه الرُّوم، ويُذهِب الله على يديه الفقر، ويَنزلُ الشَّام ) .

المؤلِّف:

هذه الأحاديث الثلاثة تُشارك بعضها مع البعض في المضمون، وإنْ كان في الحديث الثالث زياداتٌ لا توجد في غيره، فلو قلنا: إنَّ الرواة نقلوا الحديث بالمعنى واختصروا الحديث، لا يبعُد عن الصواب؛ وإنَّ فعلهم سَببٌ لعدم فهم الحديث؛ وسببُ إجماله، وقد تقدَّم الحديث في رقم (٤٧) من الباب، نقلاً من عقد الدُّرر، وراوي الحديث رجلٌ واحدٌ وهو ابن مسعود، وهو صحابي معروف بعيدٌ منه أن يحدِّث مختلفاً هذا الاختلاف، والله أعلم.

١٠٠- وفي الفصول المهمَّة في الفصل الثاني عشر، ص٢٨٢، طبع سنة ١٣٦٩هـ في النجف الأشرف، [ قال ]:

علاماتُ قيامِ القائم ومدَّة أيَّام ظهوره .

قد جاءت الآثار بذِكر علامات زمان قيام القائم المهدي، وحوادث تكون أيَّام قيامه، وأماراتٍ، ودلالات، منها:

(١) خروج السفياني. (٢) وقتل الحسني. (٣) واختلاف بني العباس في الملك. (٤) وكسوف الشمس في النصف من شعبان. (٥) وخسوف القمر في آخر الشهر، على خلاف ما جرت به العادة [ السماويَّة ] وعلى خلاف حساب أهل النجوم من أنَّ خسوف القمر لا يكون إلاَّ في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر لا غير، وذلك عند تقابل الشمس والقمر على هيئة مخصوصة، وأنَّ كسوف الشمس لا يكون إلاَّ في السابع والعشرين من الشهر، أو الثامن والعشرين، أو التاسع

٣٢٦

والعشرين، وذلك عند اقترانها على هيئةٍ مخصوصة. (٦) ومن ذلك طلوع الشمس من مغرِبها. (٧) وقتل النفس الزكيَّة، تظهر في سبعين ألفاً من الصالحين. (٨) وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام. (٩) وهدم حائط مسجد الكوفة. (١٠) وإقبالُ راياتٍ سودٍ من قِبَل خُراسان. (١١) وخروج اليماني. (١٢) وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات. (١٣) ونزول الترك الجزيرة. (١٤) ونزول الروم الرملة. (١٥) وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر، ثمَّ ينعطف حتَّى يكاد أن يلتقي طرفاه [ لأنَّ له ذنب ]. (١٦) وحُمرةٌ تظهر في السماء وتلبث في آفاقها. (١٧) ونارٌ تظهر بالمشرق طولاً وتبقى في الجوِّ ثلاثة أيَّام أو سبعة أيَّام. (١٨) وخلعُ العرب أعنَّتها وتملُّكها البلاد وخروجها عن سلطانهم. (١٩) وقتل أهل مصر أميرهم. (٢٠) وخراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه. (٢١) ودخولُ راياتِ قيسٍ والعرب إلى مصر. (٢٢) و [ دخول ] راياتِ كِندة إلى خُراسان. (٢٤) وورود خيل من العرب حتَّى تربط بفناء الحيرة. (٢٥) وإقبال راياتٍ سودٍ من المشرق ونحوها. (٢٦) وفتقٌ في الفرات حتَّى يدخل الماء أزقَّة الكوفة. (٢٧) وخروج ستِّين كذَّاباً كلُّهم يدَّعي النبوَّة. (٢٨) وخروج اثني عشر من آل أبي طالب [ من بني أبي طالب ] كلُّهم يدَّعي الإمامة لنفسه. (٢٩) وإغراق رجلٍ عظيمِ القَدَر من شيعة بني العبَّاس عند الجسر ممَّا يلي الكرخ بمدينة بغداد. (٣٠) وارتفاع ريحٍ سوداء بها في أوَّل النهار. (٣١) وزلزلة حتَّى ينخسف كثير منها. (٣٢) وخوف يشمل أهل العراق. (٣٣) وموتٌ ذريع. (٣٤) ونقصٌ من الأنفُس والأموال والثمرات. (٣٥) وجرادٌ يظهر في أوانه وفي غير أوانه، حتَّى يأتي على الزرع والغلاَّت. (٣٦) وقلت ربع ما يزرع الناس. (٣٧) واختلافٌ بين العجم، وسفك دماءٍ كثيرة فيما بينهم. (٣٨) وخروجُ العبيد عن طاعة ساداتهم. (٣٩) وقتلهم

٣٢٧

مواليهم. (٤٠) ثمَّ يُختم بعد ذلك بأربعة وعشرون مـَطْرة متَّصلة، فيُحيي الأرض بعد موتها، وتُظهر بركاتها، وتزول بعد ذلك كلُّ عاهَةٍ عن مـُعتقدي الحقِّ من أتباع المهدي، فيَعرِفون عند ذلك ظهوره [ وينتظرون بعد ذلك ظهوره ] بمكَّة فيتوجَّهون إليه قاصدين لنُصرته كما جاءت بذلك الأخبار، [ قال ]: ومن جملة هذه الحوادث [ من جملة هذه الأحاديث ] ما هو محتوم، ومنها ما هو مـُشتَرَط، والله أعلم.

المؤلِّف:

إلى هنا انتهى ما في الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ المالكي، وجميع هذه الأربعين علامة تقدَّمت الإشارة إليها في الباب، في الأحاديث السابقة المرويَّة عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) برواية أهل البيت، أو رواية الصحابة الكرام، أو التابعين لهم، وقد تقدَّم أنَّ ابن حجر الهيتمي ذكر في كتابه القول المختصر في المهدي المنتظر جميع هذه العلامات، وتقدَّم نقله في رقم (١٢) من الباب، وأشرنا فيه إلى بعض الأحاديث المرويَّة في عقد الدُّرر وفي غيره، وفيها ذكر تلك العلامات راجع.

١٠١- وفي العرف الوردي، ج٢، ص٦٨، قال: أخرج نعيم بن حمَّاد، عن كعب [ الأحبار ] قال:

(إذا مـَلك رجلٌ الشام، وآخر مصر، فاقتتل الشامي والمصري، وسَبى أهلُ الشامِ قبائلَ من مصر، وأقبل رجلٌ من المشرق براياتٍ سودٍ صغارٍ قَتَل صاحبَ الشام [ وهو السفياني ] فهو الذي يؤدِّي الطاعة إلى المهدي [ عليه السلام ]) .

المؤلِّف:

تقدَّمت أحاديثُ عديدة بمضمون هذا الحديث راجع واغتنم.

١٠٢- وفي العرف الوردي، ج٢، ص٦٨، أخرج بسنده عن نعيم بن حمَّاد، عن أبي قبيل قال:

(يكون بأفريقية أمير اثنتي عشر سنة، ويكون بعده فتنة، ثمَّ يملك رجل أسمر يملؤها عدلاً، ثمَّ يسير إلى المهدي، فيؤدِّي إليه الطاعة ويقاتل عنه).

٣٢٨

١٠٣- وفي العرف الوردي، ج٢، ص٦٩، أخرج بسنده عن سعيد بن المسيَّب، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(تخرجُ من المشرق راياتٌ سودٌ لبني العباس، ثمَّ يمكثون ما شاء الله، ثمَّ تخرجُ راياتٌ سودٌ صغارٌ تُقاتِل رجلاً من وُلد أبي سفيان أصحابه، من قِبَل المشرق، يؤدُّون الطاعة للمهدي [ عليه السلام ]) .

المؤلِّف:

تقدَّمت أحاديثُ عديدة فيها مضامين هذا الحديث الشريف، والرايات السود الأُولى لأبي مـُسلم الخراساني، والرايات السود الأخيرة لشعيب بن صالح التميمي.

المؤلِّف:

يأتي في رقم (١٠٧) حديث مفصَّل يُعرف به إجمالُ هذا الحديث.

١٠٤- وفي العرف الوردي، ج٢، ص٧٠، قال: أخرج نعيم بن حمَّاد، عن ضمرة بن حبيب ومشايخهم، قالوا:

يبعث السفياني خيله وجنوده، فيبلغ عامَّة المشرق من أرض خُراسان وأرض فارس، فيثور بهم أهل المشرق فيقاتلونهم، ويكون بينهم وقعات في غير موضع، فإذا طال عليهم قتالهم إيَّاه بايعوا رجلاً من بني هاشم، وهم يومئذٍ في آخر المشرق، فيخرج بأهل خُراسان على مقدَّمته رجل من بني تميم - مولىً لهم - يقال له: شعيب بن صالح، أصفر، قليل اللحية، يخرج إليه في خمسةِ آلاف، فإذا بلغه خروجه شايعه، فيُصيِّره على مقدِّمته، لو استقبل بهم الجبال الرواسي لهدَّها، فيلتقي هو وخيل السفياني فيهزمهم، فيَقتُل منهم مـَقتلةً عظيمةً، ثمَّ تكون الغالِبةُ للسفياني، ويهرب الهاشمي، ويخرج شعيب بن صالح مختفياً إلى البيت المقدس، يوطِّئ للمهدي منزله إذا بلغه خروجه [ أي: خروج المهدي ] إلى الشام [ ثمَّ قال ]: قال الوليد: بلغني أنَّ هذا الهاشمي [ أي: المشار إليه في الحديث ] أخو المهدي لأبيه، وقال بعضهم: هو ابن عمِّه، وقال بعضهم: إنَّه لا يموت، ولكنَّه بعد الهزيمة يخرج إلى مكَّة، فإذا ظهر المهدي (عليه السلام) خرج [ أي: الهاشمي ].

٣٢٩

المؤلِّف:

ذُكِر في كتب الإماميِّة أنَّ المهدي (عليه السلام) كان له أخ يسمَّى موسى؛ فعليه يمكن أن يُقال: إنَّ ما ذكره الوليد صحيح، ويظهر من بعض الأحاديث أنَّه السيِّد الحسني الذي يطلب من الإمام العلامة والدليل على أنَّه هو الإمام الذي تجب طاعته، فيُشير الإمام إلى الطير فينزِل من السماء إليه، ويزرع في الأرض العود اليابس فيخضرّ ويُورق؛ فيُسلِّم السيِّد الحسني إليه أصحابه ويبايعه، ويكون من أتباعه ورؤساء عسكره وجيشه، وقد تقدَّم في باب (٢٨) من الكتاب.

١٠٥- وفي عقد الدُّرر، الحديث ()، من الفصل الثالث من الباب (٤)، أخرج بسنده عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) أنَّه قال:

(إذا رأيتم ناراً من المشرق ثلاثة أيَّام - أو سبعة أيَّام - [ الترديد من الراوي ] فتوقَّعوا فرجَ آل محمَّد إن شاء الله تعالى، ثمَّ قال: ثمَّ يُنادي من السماء منادٍ باسم المهدي، فيسمع مـَن بالمشرق ومـَن المغرب، حتَّى لا يبقى راقدٌ إلاَّ استيقظ، ولا قائمٌ إلاَّ قعد، وقاعد إلاَّ قام على رجليه فزعاً من ذلك، فرحِم الله مـَن سمع ذلك الصوت فأجاب؛ فإنَّه صوتُ جبرئيل الروح الأمين (عليه السلام)).

المؤلِّف:

أخرج السيِّد في الملاحم والفتن، ج١، ص٢٤، باب (٦٩) من فتن نعيم، في النار التي تَطلُع من قِبل المشرق قال: وعن خالد بن معدان، قال:

ستبدو آيةٌ - عمودٌ من نارٍ - تطلُع من قِبَل المشرق، يراها أهلُ الأرض كلُّهم، فمن أدرك ذلك فليُعِد لأهله طعام سنة.

١٠٦- وفي ينابيع المودَّة، ص٤١٤، باب (٦٨)، قال: ومن علاماتِ ظهور المهدي (عليه السلام): خروج السفياني، وهو يرسل ثلاثين ألفاً إلى مكَّة، وفي البيداء تَخسِفهم الأرض فلا ينجو منهم إلاَّ رجلان، وتكون مدَّة حُكمِه ثمانية أشهر، وظهور المهدي (عليه السلام) في هذه السنُّة.

المؤلِّف:

ورد في أحاديث عديدة أنَّ مدَّة مـُلك السفياني حَملُ امرأة، ويمكنُ الجمعُ بينها.

٣٣٠

١٠٧- وفي العرف الوردي، ج٢، ص٦٨، أخرج بسنده وقال: روى نعيم بن حمَّاد عن أبي هريرة [ أنَّه ] قال:

(يخرج السفياني والمهدي كفرسي رهان، فيغلب السفياني على ما يليه [ في أوَّل خروجه ] والمهدي على ما يليه [ في أوَّل ظهوره ] ثمَّ تكون الغلبة للإمام المهدي (عليه السلام)، فيقتل السفياني وأصحابه، ولا يبقى على وجه الأرض عدوٌّ لآلِ محمَّد، ولا يبقى على وجه الأرض يهودي ولا نصراني ولا غيرهما من مِللِ الكُفْر، بل تكون المِلَّة ملَّةٌ واحدةٌ، ملِّة الإسلام في جميع أقطار الأرض).

١٠٨- وفي الملاحم والفتن لابن طاووس، ج٢، ص٥٩، باب (٦٠)، أخرج بسنده من فتن السليلي وقال: روى بسنده عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، في فتنة الزوراء والكوفة والمدينة، وعن قضيَّة شعيب بن صالح والمهدي، وقال: روى مـُعاذ بن جبل، وقال: بينما أنا وعبيدة الجرَّاح وسلمان جلوس ننتظر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إذ خرج علينا في الهَجِيرة مرعوباً متغيِّر اللون! فقال:

(من ذا؟ أبو عبيدة، مـُعاذ، سلمان؟ قلنا: نعم يا رسول الله، فذكر الفتن، ثمَّ قال: تدخل مدينة الزوراء [ أي: الفتن تدخل مدينة الزوراء ] فكم من قتيلٍ وقتيلة، ومال منتهب، وفرجٍ مستحل، رحم الله من آوى نساء بني هاشم يومئذٍ وهن حرمتي، ثمَّ تنتهي إلى وكر الشيطان بذي العرس، فيخرج إليهم فتيان من مجالسهم، عليهم رجل يقال له [ شعيب بن ] صالح، فتكون الدابرة على أهل الكوفة، ثمَّ تنتهي إلى المدينة، فتقتل الرجال، وتبقر بطون النساء من بني هاشم، فإذا حضر ذلك، فعليكم بالشواهق، أو خلف الدروب، وإنَّما ذلك حمل امرأة، ثمَّ يُقبل الرجل التميمي شعيب بن صالح - سقى الله بلاد شعيب - [ يُقبل ] بالراية السوداء المهدية بنصر الله وكلمته حتَّى يبايع المهدي بين الركن والمقام).

١٠٩- وفي كنز العمَّال، ج٦، ص٦٧، من فتن نعيم، بسنده عن عمَّار بن ياسر، قال:

(إنَّ لأهل البيت بينكم أماراتٍ، فالزموا الأرض، يَنسابُ

٣٣١

التُّرك في خلافة رجلٍ ضعيف! فيُخلعُ بعد سنتين من بيعته، ويُخالف التُّرك بالروم، ويُخسَف بغربي مسجد دمشق، ويَخرجُ ثلاثةُ نفرٍ بالشام، ويأتي هلاكُ مـُلكِهم من حيثُ بدأ، ويكونُ بدءُ التُّرك بالجزيرة والروم وقسطنطين، فيَتبعُ عبدُ الله عبدَ الله، فيلتقي جُنودهما بقرقيسياء على النهر، فيكونُ قتالٌ عظيمٌ، ويسير صاحبُ المغربِ فيَقتُل الرِّجال ويسبي النساء، ثمَّ يَرجِعُ في قيسٍ حتَّى ينزِلَ الجزيرة إلى السفياني، فيَتبعُ اليماني؛ فيَقتُل قيساً بأريحا [ أريخ ] [ وهي مدينة من أرض الأُردن بالشام، بينها وبين بيت المقدس مسيرة يومٍ للفارس ] ويحوز السفياني ما جمعوا، ثمَّ يسيرُ إلى الكوفةِ فيَقتلَ أعوانَ آلِ محمَّد (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، ثمَّ يظهر السفياني بالشام على الراياتِ الثلاث، ثمَّ يكونُ كلُّهم وقعةٌ بقرقيسياء عظيمة، ثمَّ ينفتق عليهم فتق من خلفهم؛ فيقتل طائفة منهم حتَّى يدخلوا أرض خُراسان (١)، وتُقبِل خيلُ السفياني كالليل والسيل، فلا تمرُّ بشئٍ إلاَّ أهلكته وهدمته، حتَّى يدخلوا الكوفة، فيَقتُلون شيعةَ آلِ محمَّد (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، ثمَّ يطلبون أهل خُراسان في كلِّ وجه، ويخرُجُ أهلُ خُراسان في طلب المهدي فيدعون له وينصرونه).

المؤلِّف:

بهذا الحديث الشريف وما فيه من التفصيل يفهم أحاديث كثيرة تقدَّمت جميعها بالإجمال، وقد تقدَّم حديثٌ بهذا المضمون عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وفيه ذِكر وقعةِ قرقيسا (٢) وغيرهما، وقد تقدَّم أيضاً أحاديث عديدة فيها إشارة إلى ما يعمله السفياني

____________________

(١) أرض خُراسان: أرضٌ واسعةٌ أوَّل حدودها ممَّا يلي العراق، وآخر حدودها ممَّا يلي الهند، فُتحت أكثرُ بلادها في إمارة عثمان سنة ٣١ هـ، فتحها الأمير عبد الله بن عامر بن كريز، وسمِّيت خُراسان باسم أحد أولاد سام بن نوح على نبيِّنا وآله وعليه الصلاة والسلام. كما ذكره ياقوت في معجم البلدان، ج٣، ص٤٠٧.

(٢) قرقيسا - الصحيح: قرقيسيا -: وهي بلدةٌ على نهر الخابور قُرب رُحبة مالك بن طوق، على ستَّة فراسخ، وعندها مصبُّ الخابور في الفرات، فهي مثلث بين الخابور والفرات. كما في معجم البلدان، ج٧، ص٦٠.

٣٣٢

بأهل الكوفة من القتل والأسر والنهب، وبما يفعله بأهل المدينة المنوَّرة وعلى الأخصِّ بالهاشميين الساكنين في المدينة المنورة.

وقد أخرج علي المتَّقي الحنفي في كنز العمَّال، ج٧، ص٧٠ حديثاً آخر بسنده عن [ أمير المؤمنين ] علي (عليه السلام)، وفيه بعض مضامين هذا الحديث واليك نصُّه:

١١٠- وفي كنز العمَّال، ج٧، ص٧٠، نقلاً من فتن نعيم، عن علي (عليه السلام) قال:

(يظهرُ السفياني على الشام، ثمَّ يكونُ بينهم وقعةٌ بقرقيسياء، حتَّى يشبع طيرُ السماء وسباعُ الأرض من جِيفِهم، ثمَّ يُفتَق عليهم فتقٌ من خلفهم؛ فتُقتلُ طائفةٌ منهم حتَّى يدخلوا أرضَ خُراسان، وتُقبِلُ خيلُ السفياني في طلبِ أهلِ خُراسان في طلب المهدي [ عليه السلام ]) .

المؤلِّف:

أخرج في كنز العمَّال، ج٥، ص٦٧ في كتاب الفتن من فتن نعيم، عن عمَّار بن ياسر قال:

(إذا رأيتم الشام اجتمع أمرُها على ابن أبي سفيان فالحقوا بمكَّة).

المؤلِّف:

تقدَّم في رقم (٢١)، وفي رقم (٢٥)، حديث عمَّار بن ياسر مفصَّلاً، وفيه ما في الحديث المروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وقد أخرج حديث عمَّار في عقد الدُّرر في الفصل الأوَّل من الباب الرابع، في الحديث (٦٩)، وقد ذكرناه في باب أحوال السفياني في رقم (٣٦) فلا نعيده، فمـَن أحبَّ الاطِّلاع عليه فليراجع هناك.

١١١- وفي كنز العمَّال، ج٧، ص٧٠، من فتن نعيم، أخرج بسنده عن علي (عليه السلام) قال:

(إذا اختلفَ أصحابُ الراياتِ السود؛ خُسِف بقريةٍ من قُرى إرم (١)، ويَسقطُ جانبُ مسجدها الغربي، ثمَّ يخرُجُ بالشام ثلاثُ راياتٍ: الأصهب، والأبقع، والسفياني، فيخرُج السفياني من الشام، والأبقع من مِصر، فيظهرُ السفياني عليهم).

____________________

(١) قيل: إرم: هي الإسكندرية، وقيل: دمشق، وأمَّا أُرْم: بالضمِّ ثمَّ السكون، صِقع بأذربيجان، وأُرَم: بالضمِّ ثمَّ الفتح، بلدة من نواحي طبرستان قرب سارية، وأهلها شيعة. معجم البلدان، ج١، ص١٩٧.

٣٣٣

١١٢- وفي الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ المالكي في الفصل الثاني عشر، ص٢٨٣، طبع النجف الأشرف، قال: وعن جابر الجعفي (رحمه الله)، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال لي:

(إلزم الأرض، ولا تتحرك يداً ولا رجلاً، حتَّى ترى علامات، أذكرها، وما أراك تدرك ذلك [ ولكن اذكرها لغيرك ]:

(١) اختلاف بني العبَّاس.

(٢) ومنادٍ يُنادي من السماء.

(٣) وخَسفُ قريةٍ من قُرى الشام تسمَّى: الجابية.

(٤) ونزولُ التُّرك الجزيرة.

(٥) ونزولُ الروم الرملة.

(٦) واختلافٌ كثيرٌ عند ذلك في كلِّ الأرض، حتَّى تَخرَبَ الشام، ويكونُ خرابُها اجتماعُ ثلاثُ راياتٍ فيها، (أ) رايةُ الأصهب (ب) ورايةُ الأبقع (ج) ورايةُ السفياني...). الحديث.

المؤلِّف:

وأخرج ابن الصبَّاغ قبل هذا الحديث حديثاً آخر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ذكر فيه بعض ما يقع قبل ظهور الإمام (عليه السلام) وهذا نصُّه.

١١٣- وفي الفصول المهمَّة - في المصدر السابق - قال: رويَ عن علي بن يزيد الأزدي، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام):

(بين يدي القائم [ أي: قبل ظهوره يقع ] موتٌ أحمر، [ ويقع ] وموتٌ أبيض، [ ويقع ] وجرادٌ في حينه [ أي: في وقت الجراد ] وفي غير حينه [ أي: في غير وقت الجراد ] [ جراد ] كألوان الدم [ أي: أحمر ] [ ثمَّ قال ]: فأمَّا الموت الأحمر فالسيف، وأمَّا الموت الأبيض فالطاعون).

المؤلِّف:

ثمَّ ذكر ابن الصبَّاغ سنة خروج الإمام، وشهره، ويومه، وما يقع بعد ظهوره، وقد أخرجنا هذه المطالب في الأبواب السابقة بحسب المناسبة.

١١٤- وفي الفصول المهمَّة لابن الصبَّاغ المالكي، ص٢٤٨ من الفصل الثاني عشر، طبع النجف الأشرف، قال: رويَ عن أبي جعفر (عليه السلام) [ أنَّه ] قال:

(المهدي منَّا، منصور بالرعب، مؤيَّد بالظفر، تطوى له الأرض،

٣٣٤

وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله دينه على الدّين كلّه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلاَّ عمَّره، ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلاَّ أخرجته، ويتنعَّم النَّاس في زمانه نعمةً لم يتنعَّموا مثلها قطُّ ، قال الراوي: فقلتُ يا بن رسول الله: فمتى يخرجُ قائِمـُكم؟ قال:

(١) إذا تشبَّه الرجال بالنساء. (٢) والنساء بالرجال. (٣) وركبت ذوات الفروج السروج. (٤) وأماتَ النَّاس الصّلوات. (٥) واتَّبعوا الشهوات. (٦) وأكلوا الرِّبا. (٧) واستخفُّوا بالدماء. (٨) وتعاملوا بالرِّبا. (٩) وتظاهروا بالزِّنا. (١٠) وشيَّدوا البناء. (١١) واستحلُّوا الكذب. (١٢) وأخذوا الرُّشا. (١٣) واتَّبعوا الهوى. (١٤) وباعوا الدِّين بالدُّنيا. (١٥) وقطعوا الأرحام. (١٦) ومنُّوا بالطَّعام (وظنُّوا بالطَّعام - نسخة -). (١٧) وكان الحِلمـُ ضِعاً. (١٨) والظلم فخراً. (١٩) والأُمراء فَجَرةٌ. (٢٠) والوزراءُ كَذَبة. (٢١) والأُمناء خَونة. (٢٢) والأعوان ظلمة. (٢٣) والقُرَّاء فَسَقة. (٢٤) وظَهرَ الْجَوْر. (٢٥) وكثر الطَّلاق. (٢٦) وبدأ الفجور. (٢٧) وقُبِلت شهادةُ الزور. (٢٨) وشُرِبت الخمور. (٢٩) ورُكبَت الذكور الذكور. (٣٠) واستغنت النِّساء بالنِّساء. (٣١) واتَّخذوا الفيءَ مغنماً. (٣٢) والصَّدقة مـَغرماً (٣٣) واتُّقي الأشرار مخافةَ ألسنتهم. (٣٤) وخرجَ السفياني من الشَّام. (٣٥) واليماني من اليمن. (٣٦) وخُسِف خَسفٌ بالبيداء بين مكَّة والمدينة. (٣٧) وقَتْلُ غلامٍ من آلِ محمَّد بين الركن والمقام. (٣٨) وصاحَ صايحٌ من السماء: بأنَّ الحقَّ معه ومع أتباعه. (٣٩) فعند ذلك خروجُ قائمنا، فإذا خرجَ أسندَ ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أتباعه، فأوَّل ما ينطق به هذه الآية: ( بقيَّة اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ، ثمَّ يقول: أنا بقيَّة الله وخليفته وحُجَّتُه عليكم، فلا يُسَلِّمـُ مـُسَلِّمٌ عليه إلاَّ قال: السلام عليك يا بقيَّة الله في الأرض، فإذا اجتمع عند العقد، وعشرة ألف رجل، فلا يبقى

٣٣٥

يهودي ولا نصراني ولا أحدٌ ممَّن يعبدُ غير الله إلاَّ آمن به وصدَّقه، وتكون المِلَّة واحدة مِلَّة الإسلام، وكلمَّا كان في الأرض من معبود سوى الله فيُنزِلُ عليه ناراً من السَّماء فتُحرِقه).

[ ثمَّ قال في آخر كلامه ] : قال بعض [ العلماء و ] أهل الأثر: المهدي هو القائم المنتظر [ قال ]: وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره، وتظاهرت الروايات على إشراق نوره، وستُسفِر ظلمة الأيَّام والليالي بسفوره، وتنجلَّى برؤيته الظُّلَمـُ انجلاء الصبح من ديجوره، ويخرج من سِرَارِ الغيبة فيملأ القلب بسروره، ويسري عدله في الآفاق فيكون أضوأ من البدر المنير في مسيره.

المؤلِّف:

إلى هنا انتهى حديث ابن الصبَّاغ، ومن راجع هذا الحديث والحديث الذي أخرجه الشبلنجي في نور الأبصار عَرَفَ الفَرْق بينهما؛ فإنَّ في هذا الحديث ذَكر أموراً لم تُذكر في نور الأبصار؛ وذلك سبَبُ إخراجِنا للحديث ثانياً، ونشكر الله على هذا التوفيق.

١١٥- وفي فرائد السمطين لإبراهيم بن محمَّد الحمويني الشافعي، أخرج بسنده المتَّصِل عن أُبيْ بن كعب أنَّه قال: لمَّا بيَّن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أحوال المهدي (عليه السلام)، سأله أُبي و [ قال ]: وما علامته ودلالته؟ فقال له النبي (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم):

(... له عَلَمٌ إذا حانَ وقتُ خروجه، انتشر ذلك العَلَمـُ من نفسه، وأنطقه الله عزَّ وجلَّ، فناداه العَلَم: أخرج يا وليَّ الله، أقتُل أعداء الله، قال: وهما: رايتان وعلامتان، وله سيف مـُغْمـَد، فإذا حان وقت خروجه اقتُلِع ذلك السيف من غَمدِه وأنطقه الله عزَّ وجلَّ فناداه السيف: أخرج يا وليَّ الله، فلا يحلُّ لك أن تَقعُد عن أعداء الله، فيخرج فيقتل أعداء الله حيث ثَقِفهم، ويُقيم الحدود، ويحكم بحكم الله...). الحديث. وله بقيَّة تقدَّم بعضه في باب (٢٨).

المؤلِّف:

ورد في كُتب علماء أهل السنُّة، وكُتب علماء الإماميِّة أوصاف عَلَمِ الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن جملتها ما أخرجه السيوطي

٣٣٦

في كتابه العرف الوردي، وهذا نصُّه - في العرف الوردي، ج٢، ص٧٥ - قال: أخرج نعيم بن حمَّاد، عن عبد الله بن شريك [ أنَّه قال ]:

(مع المهدي رايةُ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم) المـُعلَّمـَة).

وفيه أيضاً قال: وعن ابن سيرين قال: (على رايةِ المهدي مكتوب: البيعة لله).

وفي القول المختصر - لابن حجر - قال:

الثالثة والعشرون: يخرج [ أي: الإمام المهدي (عليه السلام) ] براية النبي (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، من مـَرطٍ، مـُعلَّمة سوداء مـُربعة، لم تُنشر مـُنذُ توفِّيَ رسول الله (صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم)، ولا تُنشر حتَّى يخرج المهدي.

٣٣٧

الخَاتِمة

خاتمةٌ لازِمةٌ، نذكر فيها بحول الله وقوَّته بعض أولاد آدم (عليه السلام) المـُعمِّرين من الأنبياء والملوك وغيرهم؛ لدفع الاستبعاد لبقاء خاتم الأوصياء المهدي الموعود المنتظر (عليه السلام) عند جمهور أهل السنُّة.

فنقول أوَّلاً: العِلمـُ الجديد في هذا العصر يُثبت أنَّ البشر قابلٌ للبقاء إلى ألف السنين، وذكروا لذلك أدلَّة، وذكروا بعض المعمِّرين، ونحن نذكُر أدلَّتهم وما ذكروا من المعمِّرين، بعد أن نذكر ما في كُتب علماء أهل السنُّة والإماميَّة.

أقوى الأدلَّة: كلام الله المجيد في نوح (عليه السلام)، ففي سورة العنكبوت آية (١٣ - ١٥) قال تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ ألف سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمـُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمـُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .

المؤلِّف:

ورد في القرآن الكريم مئة واثنين وعشرين آية في نوح (عليه السلام)، في سورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة الأنعام، وسورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة هود، وسورة الأنبياء، وسورة المؤمنون،

٣٣٨

وسورة الفرقان، وسورة الشعراء، وسورة العنكبوت، وسورة الصافات، وسورة المؤمن، وسورة القمر، وسورة نوح، فإنَّ تمام السورة في أحواله (عليه السلام)، وهي السورة (٧١) من سور القرآن التي هي (١١٤) سورة.

المؤلِّف:

الأحاديث المرويَّة عن أهل البيت (عليهم السلام) في عمر نوح (عليه السلام) كثيرة وإليك بعضها: ففي كتاب البرهان، ج٢، ص٨٠٤، أخرج بسنده عن ابن بابويه حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدَّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمَّد (عليهما السلام) قال:

(عاشَ نوحٌ (عليه السلام) ألفي سنةٍ وخمسمئة سنة، منها ثمانمئة سنة وخمسونَ سنة قَبل أن يُبعث، وألفَ سنةٍ إلاَّ خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم، ومئتا سنةٍ في عمل السفينة، وخمسمئة عام بعد ما نزل من السفينة ونَضَب الماء، فمصَّر الأمصار، وأسكن ولده البلدان).

وفي حديث آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(عاش نوح (عليه السلام) بعد الطوفان خمسمئة سنة، ثمَّ أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا نوح: إنَّه قد انقضت نبوَّتك، واستكملت أيَّامك، فانظر الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوَّة التّي معك فادفعها إلى ابنك سام؛ فإنِّي لا أترك الأرض إلاَّ وفيها عالم تُعرف طاعتي به، وتُعرف به هداي، ويكون نجاة فيما بين مـَقبَض النَّبي ومبعث النَّبي الآخر، ولم أكن أترُك الناس بغير حُجَّةٍ لي، وداعٍ إليَّ، وهادٍ إلى سبيلي، وعارف بأمري، فإنِّي قد قضيت أن أجعل لكلِّ قومٍ هادياً أهدي به السعداء، ويكون حجَّةً لي على الأشقياء، قال: فدفع نوح (عليه السلام) الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوَّة إلى سام، وأمَّا حام ويافث لم يكن عندهما عِلمٌ ينتفعان به، قال: وبشَّرهم نوحٌ (عليه السلام) بهودٍ (عليه السلام) وأمرهم باتِّباعه، وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كلِّ عامٍ وينظروا فيها ويكون عيداً لهم).

٣٣٩

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:

(عاش نوح ألفي سنة وثلاثمئة سنة...). الحديث .

المؤلِّف:

لعلَّ الراوي اشتبه في المـُدَّة أو إنَّ حديثه غير كامل في تعيين سنين عمر نوح (عليه السلام).

وقال الخازن في تفسيره، ج٣، ص٤١٨، المطبوع سنة (١٣١٧ هـ): إنَّ نوحاً (عليه السلام) عاش ألفاً وخمسين عاماً، ثمَّ قال: وقيل غير ذلك في عمره.

وقال النسفي في تفسيره، ج٣ المطبوع بهامش تفسير الخازن، ج٣، ص٤١٨: كان عمر نوح (عليه السلام) ألفاً وخمسين سنة، بُعِث على رأس أربعين سنة، ولبث في قومه تسعمئة وخمسون سنة، وعاش بعد الطوفان ستِّين سنة، قال: وعن وهب: إنَّه عاش ألفاً وأربعمئة سنة، وفيه قال: إنَّ أصحاب السفينة من أولاده وغيرهم كانوا ثمان وسبعين نفساً، نصفهم ذكور ونصفهم إناث: منهم أولاد نوح: سام، وحام، ويافث ونسائهم.

المؤلِّف:

اشتبه النسفي - في تفسيره - في تعيين عمر نوح (عليه السلام) بعشر سنين.

وفي تفسير القرطبي، ج١٣، ص٣٣٢ – ٣٣٣، عند تفسير سورة العنكبوت قال:

اختلفوا في عمر نوح (عليه السلام)، فقال عون بن شدَّاد والحسن البصري: إنَّ عمره (عليه السلام) بلغ ألفاً وستمائة وخمسون سنة (١٦٥٠)، وقال وهب: إنَّ عمر نوح (عليه السلام) بلغ ألفاً وأربعمئة سنة (١٤٠٠)، وقال كعب الأحبار: إنَّ عمر نوح (عليه السلام) بلغ تسعمئة وخمسون سنة (٩٥٠) قال: ووُلِد نوح (عليه السلام) بعد أن مضى من عمر آدم (عليه السلام) تسعمئة وأربعون سنة (٩٤٠).

ثمَّ ذكر القرطبي نسب نوح هكذا فقال: كان نوح بن لامك بن

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367