فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ١

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة0%

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
ISBN: 964-6406-18-1
الصفحات: 463

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-6406-18-1
الصفحات: 463
المشاهدات: 118904
تحميل: 5062


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 463 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118904 / تحميل: 5062
الحجم الحجم الحجم
فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-6406-18-1
العربية

باب

في نزول العذاب على الحارث بن النعمان

لما أنكر نصب النبي علياًعليه‌السلام يوم غدير خم

[نور الأبصار للشبلنجي ص ٧١ ] قال : ونقل الإمام أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره إن سفيان بن عيينة سئل عن قوله تعالى :( سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ ) ، فيمن نزلت فقال للسائل : لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه رضي اللّه عنهم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم لما كان بغدير خم نادى الناس فأجتمعوا فأخذ بيد عليعليه‌السلام وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فشاع ذلك فطار في البلاد وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم على ناقة له فأناخ راحلته ونزل عنها وقال : يا محمد أمرتنا عن اللّه عز وجل أن نشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه فقبلنا منك وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك وأمرتنا بالزكاة فقبلنا وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلنا وأمرتنا بالحج فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من اللّه عز وجل فقال النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : والذي لا إله إلا هو إن هذا من اللّه عز وجل ، فولي الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما

٤٤١

يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إلى راحلته حتى رماه اللّه عز وجل بحجر سقط على هامته فخرج من دبره فقتله فأنزل اللّه عز وجل :سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ لِلْكٰافِرينَ لَيْسَ لَهُ دٰافِعٌ مِنَ اَللّٰهِ ذِي اَلْمَعٰارِجِ (أقول) وذكره المناوي ايضاً في فيض القدير (ج ٦ ص ٢١٧ ) ولم يقل فيه سفيان : حدثني أبي عن جعفر بن محمدعليه‌السلام .

٤٤٢

بابٌ

في الاستدلال بحديث غدير خم على خلافة

عليعليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل

(أقول) إن حديث الغدير ـ الذي قد ذكرنا جملة من طرقه في باب قول النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم لعليعليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه ـ هو من أقوى أدلة الشيعة وأظهرها على خلافة عليعليه‌السلام وامامته من بعد النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بلا فصل ، والاستدلال به يحتاج إلى ذكر أمرين السند والدلالة.

(أما السند) فهو في أعلى مرتبة الصحة والقوة ، فإنه حديث متواتر قد رواه أعاظم الصحابة وأجلاؤهم ، منهم عليعليه‌السلام وعمار وعمر وسعد وطلحة وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو أيوب وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك وحذيفة بن أسيد وجابر بن عبد اللّه وجابر ابن سمرة وابن عباس وابن عمر وعامر بن ليلي وحبشي بن جنادة وجرير البجلي وقيس بن ثابت وسهل بن حنيف وخزيمة بن ثابت وعبيد اللّه بن ثابت الأنصاري وثابت بن وديعة الأنصاري وأبو فضالة الأنصاري وعبيد بن عازب الأنصاري والنعمان بن عجلان الأنصاري وحبيب بن بديل وهاشم بن عتبة وحبة بن جوين ويعلي بن مرة ويزيد بن شراحيل الأنصاري وناجية بن عمرو

٤٤٣

الخزاعي وعامر بن عمير وأيمن بن نابل وأبو زينب وعبد الرحمن بن عبد رب وعبد الرحمن بن مدلج وأبو قدامة الأنصاري وأبو جنيدة جندع بن عمرو بن مازن ، وأبو عمرة بن محصن ومالك بن الحويرث وعمارة وعمرو ذي مر وغيرهم خلق كثير ممن روى حديث الغدير ، ولم أظفر على العجالة على أسمائهم وقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٧ ص ٣٣٧ ) اسامي جملة من الصحابة ممن روى حديث الغدير (ثم قال في ص ٣٢٩ ) وقد جمع ابن جرير الطبري حديث الموالاة في مؤلف فيه أضعاف من ذكر وصححه (ثم قال) واعتنى بجمع طرقه أبو العباس بن عقدة فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر

(وقال) في فتح الباري ج ٨ ص ٧٦ وأما حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه فقد اخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد وكثير من اسانيدها صحاح وحسان. (انتهى) ، وذكر القندوزي في ينابيعه في الباب الرابع (قال) وفي المناقب أخرج محمد بن جرير الطبري ـ صاحب التاريخ ـ خبر غدير خم من خمسة وسبعين طريقاً وأفرد له كتاباً سماه كتاب الولاية ، ثم قال ايضاً : أخرج خبر غدير خم أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة وأفرد له كتاباً وسماه الموالاة وطرقه من مائة وخمسة طرق ، ثم قال : وحكى العلامة علي بن موسى ابن علي بن محمد أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين ـ أستاذ أبي حامد الغزالي ـ يتعجب ويقول : رأيت مجلداً في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوباً عليه المجلدة الثامنة والعشرون ، من طرق قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم. من كنت مولاه فعليّ مولاه ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون (انتهى) هذا كله سند الحديث.

(وأما الدلالة) فهي ايضاً في أعلى مرتبة الظهور بعد ملاحظة القرائن المحفوفة به الحالية والمقالية ، وتوضيحه : إن للفظ المولي في اللغة معانٍ متعددة كالمالك والعبد والمعتق والعتيق والمحب والجار والحليف والعصبة ومنه قوله تعالى :( وإِنِّي خِفْتُ اَلْمَوٰالِيَ مِنْ وَرٰائِي ) . قيل : سموا بذلك لأنهم يلونه في

٤٤٤

النسب من الولي وهو القرب ، ومن معانيه ايضاً الناصر ، قيل : ومنه قوله تعالى :( ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ مولى اَلَّذِينَ آمَنُوا وأَنَّ اَلْكٰافِرِينَ لاٰ مَوْليٰ لَهُمْ ) ، والصديق قيل : ومنه قوله تعالى : (يَوْمَ لاٰ يُغْنِي مولى عَنْ مولى شَيْئاً ) ، أي صديق عن صديق ، قيل : والوارث ، ومنه قوله تعالى :( ولِكُلٍّ جَعَلْنٰا مَوٰالِيَ مِمّٰا تَرَكَ اَلْوٰالِدٰانِ واَلْأَقْرَبُونَ ) أي ورثة ، إلى غير ذلك ، ومن أكمل معانيه وأتمها بل ومن أشهرها وأظهرها هو الأولى بالإنسان من نفسه ، فالمولى بهذا المعنى يطلق على كل عال ذي مقام شامخ مطاع أمره نافذ حكمه ، فتقول له : أنت مولاي أي أولى بي من نفسي ، بل وبهذا المعنى يطلق ايضاً على مالك الرقبة فانه أولى بعبده من نفسه ، إذ هو المتصرف في أموره وشؤونه والعبد كلّ عليه لا يقدر على شيء ، ومن هنا صح أن يقال : إن مالك الرقبة ليس معنى آخر مستقلاً للفظ المولى في قبال الأولى بالإنسان من نفسه بل هو من مصاديقه وأفراده والجامع بينهما كما أشرنا هو كل عالٍ ذي مقام منيع شامخ مطاع أمره نافذ حكمه ، فكل من كان كذلك فهو بالنسبة إلى من دونه مولاه أي أولى به من نفسه ، سواء كان ذلك ممن يملك رقبته بحيث إن شاء باعه كما في موالي العبيد أم لا.

[وبالجملة] إن المولي الواقع في قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ليس المراد منه إلا الأولى بهم من أنفسهم الذي هو عبارة أخري عن الإمام والأمير وذلك بشهادة قرائن قطعية.

(منها) قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم :ألست أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فبعدما قال أصحابه : بلي قال : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه فتفريعه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قول : من كنت مولاه علي قوله : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم دليل واضح على كون المولى هنا بمعنى الأولى بهم من أنفسهم وإلا لكان قوله : ألست أولى لغواً جداً ، هذا مع أن في كثير من طرق الحديث التفريع بالفاء صريحاً مثل قوله : فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، وهذا أظهر وأصرح في التفريع كما لا يخفى.

٤٤٥

(ومنها) قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم في بعض طرقه ـ كما تقدم ـ إن اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين أولي بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياًعليه‌السلام ـ فجعل صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كلمة أولى بهم من أنفسهم بياناً لقوله : وأنا مولى المؤمنين ومفسراً لمعناه ، فهذا ايضاً دليل واضح على كون المراد من مولى هنا هو أولى بهم من أنفسهم.

(ومنها) تصريحه في بعض طرقه بلفظ أولي به من نفسه ـ كما تقدم ـ في حديث كنز العمال والهيثمي الذي كان أوله إني لا أجد لنبي (إلى ان قال) ثم اخذ بيد عليعليه‌السلام فقال : من كنت أولى به من نفسه فعلى وليه فان ذلك ايضاً دليل واضح على أن المراد من المولي في بقية طرق الحديث هو الأولى به من نفسه ، فإن الأخبار يفسر بعضها بعضاً.

(ومنها) قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم في بعض طرقه الممزوج بحديث الثقلين : إنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله ، أو إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي كان قبله وإني يوشك أن أدعى فأُجيب أو إني قد يوشك أن أُدعى فأجيب ، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ، فإن هذا كله من أقوى الأدلة على أنه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم لم يكن إلا في مقام الوصية والاستخلاف وتعيين الإمام من بعده كي يأثم به الناس ويهتدوا بهداه ويقفوا أثره ولا يتركهم سدى أتباع كل ناعق ، لا بصدد بيان أن من كنت محبه أو ناصره أو نحو ذلك من المعاني فعلى محبه أو ناصره فان إرادة مثل هذه المعاني مما لا يحتاج إلى ذكر قرب موته ودنو أجله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وأنه يوشك أن يدعى فيجيب وغير ذلك.

(ومنها) إن فعل النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ومجموع ما صدر منه في ذلك اليوم ـ أي يوم غدير خم ، مع قطع النظر عن كل قرينة لفظية ـ هو من أقوى دليل وأعظم شاهد على أنه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كان بصدد نصب الإمام والخليفة من بعده وأن المراد من المولى هو الأولى بهم من أنفسهم لا بمعنى آخر ، وتوضيحه إنا إذا تأملنا نزوله في ذلك الموضع بعد منصرفه من آخر

٤٤٦

حجة له في يوم ما أتي عليه ولا على أصحابه أشد حراً منه ـ كما سبق في بعض روايات الحاكم عن زيد بن أرقم ـ ووقوفه للناس حتى رد من سبقه ولحقه من تخلف ـ كما سبق في بعض روايات النسائي عن سعد ـ حتى اجتمع اليه الناس جميعاً ، وأمر بدوحات عظام فكنس تحتهن ، ورش وظلل له بثوب ـ كما في أغلب روايات زيد ـ ثم عمم علياًعليه‌السلام بما يعتم به الملائكة ـ كما مر عليك آنفا أخباره في باب مستقل ـ ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام ـ بعدما خطب الناس ونبههم بقرب موته ودنو أجله ـ حتى رفع علياًعليه‌السلام ونظر الراوي إلى آباطهما ـ كما سبق في بعض روايات ابن حجر في الاصابة عن حبة بن جوين ـ ثم نزل :( اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية ، بل ونزل قبله :( يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) ـ كما عرفتهما في بابهما آنفاً ـ لرأينا أن ذلك كله ليس إلا وصية واستخلافاً من النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وأنه كان بصدد تعيين الإمام من بعده وتفهيم الناس أن المقتدى لهم عليعليه‌السلام لا أن من كنت محبه أو ناصره فعليٌ محبه وناصره.

(ومما) يؤكد ذلك ايضاً قول أبي بكر وعمر لعليعليه‌السلام ـ بعدما سمعا قول النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ، أو قول عمر : بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كل مسلم ، أو هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن ومؤمنة ـ فإن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم لو لم يكن قد انشأ وأوجد بفعله وقوله ذلك لعليعليه‌السلام منصباً جديداً لم يكن ثابتاً له من قبل لما قالا له أمسيت ـ أو أصبحت ـ مولى كل مؤمن ومؤمنة ونحو ذلك ، فان مثل هذا التعبير لا يقال إلا عند حصول منصب جديد حادث ، وإلا فعليعليه‌السلام كان محباً لمن كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم محباً له ، أو ناصراً لمن كان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ناصرا له من قبل هذا ، وهذا كله واضح لا يحتاج الى مزيد بيان ، (كما) أن إنكار الحارث بن النعمان الفهري على النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بقوله : «إنك أمرتنا بكذا وكذا فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا» ايضاً مما يؤكد أن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قد استخلف علياً بفعله وقوله ذلك ، وعيّنه إماما للناس من بعده فضاق بذلك

٤٤٧

صدق الحارث بن النعمان فاعترض على النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فأجابه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بأنه من اللّه ، فلم ير الحارث بداً إلا ان يدعو على نفسه فدعا ونزل العذاب عليه حتى أهلكه اللّه ، فلو كان مقصود النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم هو تبليغ الناس ان من كنت محبه أو ناصره أو نحو ذلك فعلي كذلك لم يكن الأمر ذا أهمية بهذه المثابة حتى يضيق صدر الحارث بذلك ويدعو على نفسه ويهلكه اللّه.

وقد أورد علماء السنة على الاستدلال بحديث الغدير لخلافة عليعليه‌السلام بعد النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بلا فصل بأمور ضعيفة.

(منها) إن احداً من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلاً يأتي بمعني أفعل أي المولى بمعنى الأولى ؛ (والجواب عنه) : كأنهم لم يسمعوا ما قاله المفسرون في قوله تعالى في سورة الحديد :( مَأْوٰاكُمُ اَلنّٰارُ هِيَ مَوْلاٰكُمْ ) من السنة والشيعة كالكشاف والجلالين والبيضاوي وأبي السعود والطبري والتبيان وغيرهم فأنهم قد ذكروا تفسيره بالأولى ، أي هي أولى بكم ، ويقول الأخطل في عبد الملك ابن مروان مادحاً له :

فما وجدت فيها قريش لأمرها

أعف وأوفى من أبيك وأمجدا

وأورى بزنديه ولو كان غيره

غداة اختلاف الناس ألوى وأصلدا

فأصبحت مولاها من الناس كلهم

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

فخاطبه بلفظ مولى ـ وهو خليفة مطاع الأمر ـ من حيث اختص بالمعنى الذي احتمله ، والأخطل هو أحد شعراء العرب وممن لا يطعن عليه في معرفة ، ولا ميل له إلى مذهب الاسلام ، بل هو من المبرزين في علم اللغة وكذلك أبو عبيدة معمر بن المثني الذي هو مقدم في علم العربية غير مطعون عليه في معرفتها قد ذكر في كتابه المتضمن تفسير غريب القرآن المعروف بالمجاز (ج ٢ ص ٢٥٤ ) في تفسير الآية المذكورة ما لفظه :( هي مولاكم ) أولى بكم ، واستشهد بقول لبيد ، في معلقته المشهورة :

٤٤٨

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

معناه أولى بالمخافة ، يريد أن هذه المطية تحيرت فلم تدر أخلفها أم أمامها وليس أبو عبيدة معمر بن المثني المذكور متهماً في التقصير في علم اللغة ولا مظنوناً به الميل الى امير المؤمنين عليعليه‌السلام بل هو معدود من الخوارج ويقول ابن قتيبة الدينوري في غريب القرآن ومشكله (ج ٢ ص ١٦٤ ) ما نصه :( مأواكم النار هي مولاكم ) أي هي أولى بكم ، ثم استشهد بقول لبيد المذكور ، وجاء في شرح معلقة لبيد للزوزني (ص ١٠٦ ) ط بيروت سنة ١٣٧٧ ه‍. سنة ١٩٥٨ م في شرح هذا البيت ما نصه حرفياً. قال ثعلب : إن المولى في هذا البيت بمعني الاولى بالشيء كقوله تعالى :( مَأْوٰاكُمُ اَلنّٰارُ هِيَ مَوْلاٰكُمْ ) اي اولى بكم.

وكذلك جاء في البخاري تفسير (هي مولاكم) أولى بكم كما ذكره ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح البخاري (ج ٨ ص ٤٨٢ ) وقال : وكذا قال أبو عبيدة : وفي بعض نسخ البخاري (هو أولي بكم) وكذا هو كلام أبي عبيدة أيضاً.

وكذلك يروي عن أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه المعروف بتفسير المشكل في القرآن في ذكر أقسام مولى ، قال : إن المولى الولي ، والمولى الأول بالشيء ؛ واستشهد على ذلك بالآية المذكورة وببيت لبيد ايضاً :

كانوا موالي حق يطلبون به

فأدركوه وما ملوا ولا تعبوا

وقد ذكر الفخر الرازي عن الكلبي والزجاج والفراء وأبي عبيدة أنهم ايضاً فسروا الآية بالأولي ، مضافاً الى انه لو لم يكن هناك آية ولا رواية ولا لغوي قد صرح بأن المولي قد جاء بمعني الأولى سوى قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلي قال : فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، أو قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : إن اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ؛ لكفي ذلك

٤٤٩

دليلاً علي مجيء المولي بمعنى الأولى فإن المراد فيهما ليس ذلك بقرينة قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : ألست أولى ، وقوله : أولى بهم.

(ومنها) إن المولى لو كان بمعني الأولى لجاز استعمال كل منهما مكان الآخر فكان يصح قول القائل : هذا مولى يزيد بدل قوله : أولى يزيد ، أو أولى زيد بدل قوله : مولى زيد ، ومن المعلوم عدم صحة ذلك (والجواب عنه) إن المراد من كون المولى بمعنى الأولى هو كونه بمعنى الأولى به بانضمام حرف الجر ، ومن المعلوم جواز استعمال كل منهما مكان الآخر فتقول : هذا مولى زيد أي أولى بزيد ، أو نقول : هذا أولى بزيد أي مولى زيد ، نعم كلمة الأولى به تارة تستعمل ويراد منها الأولى به من نفسه كما تقدم في قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأخرى تستعمل ويراد منها الأولى به من غيره ، كما في قوله تعالى :( أَوْلَي اَلنّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ ) أي أحق الناس وأحراهم به للذين اتبعوه ، أو في قوله أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه ، أي أحقهم وأحراهم به أحقهم وأحراهم بميراثه ، ففي الأول يعتبر العلو والمقام الشامخ ، وفي الثاني لا يعتبر ذلك بل يطلق على المساوي والأدنى أيضاً.

(ومنها) أنه لو حملنا المولى في قوله صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه على الأولي بهم من أنفسهم ولم نحمله على الناصر أو المحب أو نحو ذلك فيستلزم ذلك المفسدة العظيمة والوصمة الفظيعة والثلمة المتفاقمة في جل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم من المهاجرين والأنصار (والجواب عنه) إن خطأ الأصحاب جلهم في أمر مخصوص ليس أمراً غير معقول. ودعوى إجماع الأمة على بيعة أبي بكر وأنه قال النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : إن أمتي لا تجتمع على الخطأ ممنوعة صغرى وكبرى ، أما الصغرى فلعدم تحقق الإجماع كما ستعرف في الجملة من كلام ابن قتيبة ، وتفصيله موكول إلى مراجعة التواريخ المفصلة ، وأما الكبرى فلأنه ليس هو حديثاً متسالماً عليه عند الفريقين جميعاً أي السنة والشيعة كي يصح الاستدلال به عند المناظرة ، بل هو حديث موضوع قد وضعه الواضع لتصحيح ما ارتكبه

٤٥٠

جل الصحابة بعد النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وقد وقع في أمة موسىعليه‌السلام في زمان حياته قبل مماته ما هو أعظم مما وقع في أمتنا بعد وفاة نبينا صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، فان موسىعليه‌السلام بعد ما دعا قومه إلى التوحيد زمناً طويلاً بيد بيضاء وعصا تفلق البحر وتلقف ما صنعه الساحرون ، وبنحو ذلك من الآيات والبينات وآمنوا باللّه وعبدوه ووحدوه غاب عنهم زمناً يسيراً للمناجاة مع ربه وخلف فيهم هارون وهو أخو موسىعليه‌السلام وشريكه في النبوة بمقتضى قوله تعالى :( ووَهَبْنٰا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنٰا أَخٰاهُ هٰارُونَ نَبِيًّا ) وقد أمرهم بطاعته وملازمته ، فلما غاب عنهم أجمعوا ـ إلا القليل منهم ـ على مخافة هارون وكادوا يقتلوه فتركوه واتخذوا العجل وعبدوه وأشركوا باللّه عز وجل وأضلهم السامري ، فاذا جاز أن تجتمع أمة موسى على اتخاذ العجل والشرك باللّه عز وجل وترك هارون بعدما كادوا يقتلونه جاز ايضاً خطأ جل الصحابة في اتخاذهم أبا بكر خليفة وتركهم علياعليه‌السلام وصي النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بعد ما كادوا يقتلونه على ما ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في قصة بيعة عليعليه‌السلام ، قال : وإن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند عليعليه‌السلام فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم ـ وهم في دار عليعليه‌السلام ـ فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة (فقال : وإن) فخرجوا فبايعوا إلا علياً (إلى أن قال) فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ (إلى أن قال) ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة سلام اللّه عليها فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبة يا رسول اللّه ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تتصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً ، فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع فقال : إن لم أفعل فمه؟ قالوا : إذاً واللّه الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك ، قال : إذاً تقتلون عبد اللّه وأخا رسوله ، قال عمر : أما عبد اللّه فنعم ، وأما أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلم ، فقال له

٤٥١

عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال : لا أكرهه بشيء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق عليعليه‌السلام بقبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم يصيح ويبكي وينادي : يا بْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وكٰادُوا يَقْتُلُونَنِي (الخ).

(أقول) وكأن عمر بن الخطاب قد نسي مواخاه النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بين أصحابه وأنه آخي بين نفسه وبين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما عرفت تفصيلها في باب : علي أخو النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ، فأنكر ذلك بعد موت النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم والعهد قريب وقال : أما عبد اللّه فنعم وأما أخو رسوله فلا ، وعلى كل حال إذا جاز أن تجتمع أمة موسىعليه‌السلام على اتخاذ العجل والشرك باللّه بعدما رأوا الآيات والبينات ، وعلى ترك هارون بعدما كادوا يقتلونه جاز خطأ جل الصحابة في اتخاذهم أبا بكر وتركهم علياًعليه‌السلام بعدما كادوا يقتلونه بطريق أولى ، ووجه الأولوية أن من عدلوا عنه وهو عليعليه‌السلام بالنسبة إلى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كان دون هارون في القرب النسبي بالنسبة الى موسىعليه‌السلام ، كيف لا وهارون كان أخاً لموسيعليه‌السلام في نسبه وشريكاً في أمره ونبوته كما ذكرنا ، وعليعليه‌السلام كان ابن عم النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم في نسبه وكان خليفته في أمته لا شريكاً في نبوته ، كما أن من عدلوا اليه وهو ابو بكر كان فوق العجل الذي اتخذه قوم موسىعليه‌السلام كيف لا والعجل كان جسداً له خوار كما في القرآن الكريم ، وأبو بكر كان بشراً له روح يتكلم ويخطب ، هذا مضافاً إلى أن أمة موسىعليه‌السلام قد اتخذوا العجل إلهاً يعبد ، وجُل الصحابة قد اتخذوا أبا بكر خليفة يطاع لا شريكاً مع اللّه عز وجل وإن لم يكن ذلك أقل من الشرك بكثير ، فهذه وجوه متعددة لجواز خطأ جل الصحابة في اتخاذهم أبا بكر وتركهم علياًعليه‌السلام بطريق أولي.

(وبالجملة) إن المتأمل في المقام لا يرى أن ما ارتكبه جل الصحابة بعد النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم ـ بعدما نص على إمامة عليعليه‌السلام ـ أمراً غريباً بعيداً عن الذهن بعدما وقع نظيره في قوم موسىعليه‌السلام من تركهم هارون مع أنه قد نص عليه ، لا سيما إذا لوحظ ما ورد من النصوص

٤٥٢

الكثيرة من النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم المشيرة كلها إلى ما ارتكبه اصحابه من بعده إشارة واضحة جلية كادت تكون نصاً لا إشارة ، حيث أخبرهم بإرتداد أناس من أصحابه على أعقابهم بعد أن يفارقهم ، وأنهم يحدثون من بعده ما يحدثون ، إذ من المعلوم أنه لم يصدر من أصحابه من بعده شيء سوى أنهم قد تركوا النص وراء ظهورهم وفارقوا علياًعليه‌السلام لدواعي شتي ، مثل حداثة سنه كما صرح به أبو عبيدة بن الجراح لعليعليه‌السلام ـ علي ما ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في إباء عليعليه‌السلام بيعة أبي بكر ـ أو لاجتماع فضائل كثيرة فيه ومناقب جمة فحسده الناس عليها ، مثل كونه أول من أسلم وصلي ، أو كونه ممن باهل به النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بل جعله اللّه في كتابه نفس النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال : وأنفسنا ، أو كونه ممن نزلت فيه آية التطهير ، أو من ورد فيه حديث المنزلة ، أو حديث الراية يوم خيبر ، أو حديث الطير المشوي ، أو حديث المواخاة ، أو سد أبواب المسجد إلا بابه ، إلى غير ذلك مما يوجب صيرورته محسوداً للناس إلا القليل ممن هداه اللّه وثبته ، أو لكونه خشناً في دين اللّه شجاعاً في الحروب قد قتل صناديد العرب وأبطالهم فلم يقم الدين إلا بسيفه. فعاداه العرب ففي زمان النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم لم يمكنهم أن ينالوه بسوء ، فلما توفي النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم اغتنموا الفرصة وأعانوا في انتزاع الأمر من يده إلى غير ذلك من الدواعي.

(وأما) نصوص ارتداد أناس من الصحابة من بعد النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فهذه بعض طرقها نقتصر على ذكر ما رواه أرباب الصحاح دون غيرهم ، فروى البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق في باب قول اللّه تعالى :( واِتَّخَذَ اَللّٰهُ إِبْرٰاهِيمَ خَلِيلاً ) بسنده عن ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال : إنكم محشورون حفاة عراة عزلاً ثم قرأ :( كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنٰا إِنّٰا كُنّٰا فٰاعِلِينَ ) وأول من يكسى يوم القيامة ابراهيم ، وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي

٤٥٣

أصحابي فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ـ إلى قوله ـ الحكيم) ورواه ايضاً باسناد آخر وبألفاظ متقاربة في كتاب بدء الخلق في باب واُذْكُرْ فِي اَلْكِتٰابِ مَرْيَمَ ، وفي كتاب التفسير في باب : وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ، وقال فيه : فأقول يا رب أصحابي فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم (الخ) وفي كتاب التفسير ايضاً في باب كما بدأنا أول خلق نعيده ، وفي الرقاق في باب كيف الحشر ، وفي الرقاق ايضاً في باب الحوض بطرق متعددة ، وفي كتاب الفتن الحديث الثاني.

[ورواه مسلم ايضاً] في صحيحه في كتاب الطهارة في باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء ، وفي كتاب الفضائل في باب إثبات حوض نبينابطرق متعددة ، وفي كتاب الجنة في باب فناء الدنيا.

[ورواه الترمذي ايضاً في صحيحه ج ٢ ص ٦٨ ] بطريقين (وفي ج ٢ ايضاً ص ١٩٩ ) بطريقين آخرين ، ورواه النسائي ايضاً في صحيحه (ج ١ ص ٢٩٥ ) وابن ماجة في صحيحه في أبواب المناسك (ص ٢٢٦ )

(هذا) مع ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم من الاشارة الجلية ايضاً في خصوص أبي بكر من أنه يحدث من بعده ما أحدث ، إذ روى الإمام مالك بن أنس في صحيحه المسمى بالموطأ في كتاب الجهاد (ص ١٩٧ ) بسنده عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد اللّه أنه بلغه إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم قال لشهداء أُحد : هؤلاء اشهد عليهم ، فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول اللّه إخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي ، فبكى أبو بكر ثم بكي ، ثم قال : أئنا لكائنون بعدك؟

(اقول) ومن الغريب ان علماء السنة ـ بعد ان لم يمكنهم المناقشة في سند هذه النصوص الواردة في ارتداد أناس من الصحابة قد حملوها على امتناع قوم من الأعراب من أداء الزكاة مثل مالك بن نويرة وغيره

٤٥٤

ممن سكن خارج المدينة ولم ير النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم طول عمره إلا مرة أو مرتين أو ما يقرب من ذلك ، وهذا تأويل بعيد في كلمتين (الأولى) في لفظة الارتداد فإن النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم إذا نص ـ بمقتضي ما عرفته من الأخبار المتواترة ـ وصرح بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم واعترف به اصحابه ثم قال : فمن كنت مولاه أي أولى به من نفسه بقرينة كلامه المتقدم فعليٌّ مولاه ، بعد التنبيه على دنو أجله وقرب موته كما تقدم ، فهو قرينة قطعية على كونه في مقام الإيصاء والاستخلاف ، ثم توفى ومضى إلى ربه وعصوه أصحابه ونبذوا النص وراء ظهورهم واتخذوا أبا بكر خليفة وبدلوا شخصاً غير الذي قيل لهم وهجموا على دار فاطمةعليها‌السلام وكادوا يحرقونها على من فيها. وفيها فاطمة سيدة النساء التي من آذاها فقد آذى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم كما ستسمع في محله ، وأخرجوا علياًعليه‌السلام وكادوا يقتلونه كما سمعت وهو أخو النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم وصهره ، وابن عمه وأبو سبطيه ، وممن أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، وهو من النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم بمنزلة هارون من موسى ، فحمل لفظة الارتداد الواقعة في تلك النصوص المتقدمة على هذا الفعل الشنيع أولى وأولى من حملها علي امتناع قوم من الأعراب من اداء الزكاة (الثانية) في لفظة الأصحاب فان حمل هذه اللفظة علي من صاحب النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم في سفره وحضره وغزواته وحروبه وخلواته وجلواته ، وكان يحضر معه الصلوات الخمس والجمعة والجماعة ولا يفارقه في أي مجلس من مجالسه مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ونظرائهم ، أقرب وأقرب من حمله علي قوم لم يسكنوا إلا في خارج المدينة ولم يروا النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم طول عمرهم إلا مرة أو مرتين أوما يقرب من ذلك ، ولعمري إن هذا كله واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام ومزيد النقض والإبرام ، غير أن مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اَللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ ومن أعمي اللّه قلبه فلا دواء له إلا النار ، قال اللّه تعالى :( ولَقَدْ ذَرَأْنٰا لِجَهَنَّمَ كثيراً مِنَ اَلْجِنِّ واَلْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاٰ يَفْقَهُونَ بِهٰا ولَهُمْ أَعْيُنٌ لاٰ يُبْصِرُونَ بِهٰا ولَهُمْ آذٰانٌ لاٰ

٤٥٥

يَسْمَعُونَ بِهٰا أُولٰئِكَ كَالْأَنْعٰامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْغٰافِلُونَ) .

ونختم الكلام بأبيات حسان بن ثابت الأنصاري في قصة الغدير فانه جاء الى النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم فقال له : يا رسول اللّه أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه اللّه؟ فقال له : قل يا حسان على اسم اللّه ، فوقف على نشز من الأرض وتطاول المسلمون لسماع كلامه فأنشأ يقول :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالرسول مناديا

وقال فمن مولاكم ووليكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا

ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا عليٌّ فإنني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادي علياً معاديا

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم : لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.

ذكر ذلك أكثر المؤرخين من الفريقين المنصفين.

قد تم بحمد اللّه ومنّه الجزء الأول من كتابنا الموسوم

(بفضائل الخمسة من الصحاح الستة) وصلى اللّه

على محمد وآله الذين أذهب اللّه عنهم

الرجس وطهرهم تطهيرا

ويليه الجزء الثاني ، وأوله : بابٌ

في قول النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم عليّ وليكم من بعدي

٤٥٦

الفهرس

المقصد الأول ٧

في فضائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٧

في نسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانه٩

لم يخرج من سفاح من لدن آدم عليه‌السلام ٩

في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير ١١

الناس فرقة وقبيلة وبيتاً ونسباً وحسباً١١

في ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٤

وجبت له النبوة وآدم بين الروح والجسد ١٤

في تولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٥

في صفة خلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٧

في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٩

في التوراة والانجيل ١٩

في ان هدى النبي صلّى اللّه عليه وآله٢١

وسلّم أحسن الهدى ٢١

في اسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٣

في نقش خاتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ٢٥

في حسن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٦

ونور وجهه٢٦

في طيب رائحة النبي (ص) ولين مسه والتكفؤ في ٢٩

مشيته وطيب عرقه واخفاء الأرض ما يدفع منه ٢٩

في تبرك الناس بوضوء النبي (ص)٣٢

وببصاقه وبشعر رأسه٣٢

٤٥٧

في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٣٤

هو الذي وضع الركن في موضعه قبل البعثة٣٤

في دلائل نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة وبعدها٣٦

باب في شهادة الرهبان والأحبار وغيرهم٤٣

بنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل البعثة وبعدها٤٣

باب في ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث من خير قرون ولما بعث ٥٤

دحر الجن ٥٤

باب في ايمان النجاشي حين بعث اليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثاً٥٥

باب في ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد ولد آدم وحبيب اللّه ٥٧

باب في أن النبي أُعطي خمساً لم يعطهن أحد ٦٠

باب في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد الانبياء وامامهم٦٢

بابٌ في ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكثر الانبياء تبعاً٦٤

باب في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ختم به النبيون ٦٥

باب في ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى من وراء ظهره٦٦

بابٌ في ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتمثل الشيطان بصورته٦٨

بابٌ في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطعمه ربه ويسقيه٦٩

بابٌ في اعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ماء الوضوء٧١

باب في اعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السقي ٧٣

باب في اعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الاطعام٧٨

بابٌ في اعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجذع الذي ٨٦

باب في اعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شق القمر٨٨

باب في اعجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في امور متفرقة٩٠

باب في شهادة عتبة بن ربيعة ان القرآن ١٠٣

باب في استسقاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٠٥

بابٌ في شيء من دعوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستجابة١٠٨

باب في علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١١٠

٤٥٨

بابٌ في شيء من اخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغيب ١١٢

بابٌ في فلق صدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٢٠

باب في بدء نزول الوحي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيفيته١٢٦

باب في معراج النبي صلّى اللّه عليه و (آله) وسلم١٢٨

باب في حب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٣٣

باب في جود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٣٥

بابٌ في شجاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبه للشهادة١٣٨

باب في اخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٤١

باب في حياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٥١

باب في شهادة ابي سفيان وهو يومئذٍ كافر عند هرقل عظيم١٥٢

باب في معرفة ابن سلام ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٥٦

باب في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب المساكين ١٥٧

باب في مزاح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبسمه١٥٩

باب في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبعد الناس ١٦١

باب في مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٦٣

باب في فضل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٦٤

باب في صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٦٦

باب في بكاء النبي في الصلاة وحين يتلى عليه القرآن ١٧٠

باب في حمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللبنة لبناء المسجد ١٧١

باب في توكل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اللّه ١٧٣

باب في مشورة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاصحابه وهو أعقل الناس ١٧٥

في عيش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزهده١٧٦

في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضعّف له البلاء١٨٥

ملك الموت يستأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٨٧

في أن أول من صلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٩٠

في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيب حيا وميتا١٩٢

٤٥٩

في نزول الملائكة الى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل يوم١٩٤

في كوثر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقامه المحمود١٩٦

في كثرة فضائل علي عليه‌السلام ٢٠٠

في سبق نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ٢٠٣

في أن آدم عليه‌السلام سأل اللّه بحق محمد وعلي ٢٠٥

في أن النبي وعليا عليهما‌السلام ٢٠٧

في أن اللّه اختار النبي وعليا عليهما‌السلام ٢٠٩

في أن اللّه أيد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلي عليه‌السلام ٢١٢

في أن علياً عليه‌السلام ولد في الكعبة٢١٤

في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ علياً عليه‌السلام من أبي طالب ٢١٥

في أن علياً عليه‌السلام أول من أسلم٢١٧

في أن علياً عليه‌السلام أول من آمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٢٦

في رجحان ايمان علي عليه‌السلام ٢٣١

في أن علياً عليه‌السلام أول من صلّى ٢٣٢

في أن عليا عليه‌السلام يصلي كرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٤١

في حسن وجه علي عليه‌السلام ونقوش خواتيمه٢٤٣

في كنى علي عليه‌السلام وبعض ألقابه الشريفة٢٤٥

في أن الدعاء محجوب حتى يصلى على محمد ٢٤٩

لا تقبل الصلاة حتى يصلى فيها على محمد ٢٥١

في كيفية الصلاة على محمد وآل محمد ٢٥٣

في أن علياً وفاطمة والحسن والحسين ٢٦٤

في النهي عن الصلاة البتراء٢٦٨

في أن آية التطهير نزلت في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢٧٠

في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باهل بعلي وفاطمة٢٩٠

في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي وفاطمة والحسن ٢٩٧

في ان من احب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً وفاطمة٣٠٠

٤٦٠