فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ٢

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة16%

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
الصفحات: 465

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 465 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132976 / تحميل: 6208
الحجم الحجم الحجم
فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وابن أخي عيينة ، قال : فيأتون فيقرءون القرآن ويتدارسونه ، فإذا كانت القائلة أنصرف قال : فمّروا بهذه الآية :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (1) ، قال ابن زيد : وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله ، فقال ابن عباس : لبعض من كان إلى جنبه أقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال ، فقال : وأي شيء قلت؟ قال : لا شيء يا أمير المؤمنين ، قال : ماذا قلت؟ اقتتل الرجلان؟ قال : فلمّا رأى ذلك ابن عباس ، قال : أرى ههنا من إذا أُمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم ، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم ، قال هذا : وأنا أشتري نفسي فقاتله ، فاقتتل الرجلان. فقال عمر : لله تلادك (2) يا ابن عباس » (3).

5 ـ أخرج الطبري في تفسيره قوله تعالى :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (4) ، بسنده : « عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) ، ونحو ذلك قال : أخبر الله المؤمنين إنّ الدنيا دار بلاء وأنّه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر وبشّرهم ،

____________

(1) البقرة / 207.

(2) التلاد : المال القديم الذي ولد عندك وهو نقيض الطارف ( النهاية ، الصحاح / تلد ).

(3) تفسير الطبري 2 / 319 ط البابي الحلبي.

(4) البقرة / 155.

١٤١

فقال :( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) ، ثم أخبرهم أنّه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم ، فقال :( مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ) (1) » (2).

6 ـ أخرج الطبري في تفسيره في قوله تعالى :( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) (3) :

« عن الضحاك يقول في قوله :( فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ) : كان ابن عباس يقول : الورد في القرآن أربعة أوراد : في هود قوله :( وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ) ، وفي مريم :( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ) (4) ، وورد في الأنبياء :( حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) (5) ، وورد في مريم أيضاً :( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً ) (6) .

كان ابن عباس يقول : كلّ هذا الدخول ، والله يردنّ جهنم كلّ بَرّ وفاجر ،( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) (7) .

7 ـ أخرج ابن جرير في تفسيره ، في قوله تعالى :( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) (8) :

« عن ابن عباس ، قال : لمّا أوحى الله تعالى ذكره إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم

____________

(1) البقرة / 214.

(2) تفسير الطبري 2 / 56.

(3) هود / 98.

(4) مريم / 71.

(5) الأنبياء / 98.

(6) مريم / 68.

(7) تفسير الطبري 12 / 143.

(8) سبأ / 23.

١٤٢

دعا الرسول من الملائكة فبعث بالوحي ، سمعت الملائكة صوت الجبّار يتكلم بالوحي ، فلمّا كشف عن قلوبهم سألوا الله عما قال الله ، فقالوا الحق ، وعلموا أنّ الله لا يقول إلاّ حقاً وأنه منجز ما وعد.

قال ابن عباس : وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا ، فلمّا سمعوه خرّوا سجداً ، فلمّا رفعوا رؤوسهم :( قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) ، ثم أمر الله نبيه أن يسأل الناس :( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (1) »(2) .

8 ـ أخرج ابن جرير في تفسيره ، في قوله تعالى :( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) (3) :

« عن ابن عباس يقول : من أراد الله أن يضلّه يضيّق عليه صدره حتى يجعل الإسلام عليه ضيّقاً ، والإسلام واسع ، وذلك حين يقول :( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (4) ، يقول : ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق »(5) .

9 ـ أخرج ابن جرير في تفسيره :( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (6) :

____________

(1) سبأ / 24.

(2) تفسير ابن جرير 22 / 111.

(3) الأنعام / 125.

(4) الحج / 78.

(5) تفسير ابن جرير 8 / 28 ، ط البابي الحلبي.

(6) الأعراف / 32.

١٤٣

« قال ابن عباس : إنّ الجاهلية كانوا يحرمّون أشياء أحلّها الله من الثياب وغيرها ، وهو قول الله :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً ) (1) ، وهو هذا ، فأنزل الله :( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (2) .

10 ـ أخرج ابن جرير في تفسيره قوله تعالى :( وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (3) :

« عن ابن عباس ، قال : وذلك انّ الله وعد أهل الجنّة النعيم والكرامة ، وكلّ خير علمه الناس ، أو لم يعلموه ، ووعد أهل النار كلّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه ، فذلك قوله :( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) (4) ، قال :( وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ ) ، يقول : من الخزي والهوان والعذاب ، قال أهل الجنّة : فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً من النعيم والكرامة ،( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (5) »(6) .

____________

(1) يونس / 59.

(2) تفسير ابن جرير 8 / 187.

(3) الأعراف / 44.

(4) ص / 58.

(5) الأعراف / 44.

(6) تفسير الطبري 8 / 187.

١٤٤

11 ـ روى الآلوسي في تفسيره « روح البيان » ، عن الفريابي وابن أبي حاتم عن عكرمة ، قال : « جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل منهم : أرأيت قوله تعالى :( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) (1) ؟

فقال ابن عباس : لم تصل المسألة ، أقرأ ما قبلها :( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الأِنْسَانُ كَفُوراً * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً * وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (2) ، ثم قال : من كان أعمى عن هذه النعم التي قد رأى وعاين ، فهو في أمر الآخرة التي لم ير ولم يعاين أعمى وأضل سبيلاً »(3) .

12 ـ ذكر ابن شهر آشوب في كتابه « متشابهات القرآن ومختلفه » ، في قوله تعالى :( لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ) (4) :

« قال ابن عباس : ولم يقل : من فوقهم ، لأنّ رحمة الله تنزل عليهم من

____________

(1) الإسراء / 72.

(2) الإسراء / (66) ـ 70.

(3) روح البيان 15 / 115 ط الخيرية.

(4) الأعراف / 17.

١٤٥

فوقهم ، ولم يقل : من تحت أرجلهم ، لأنّ الإتيان منه يوحش » (1).

13 ـ أخرج أحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه البيهقي في « الدلائل » عن ابن عباس رضي الله عنه أنّه قال : « ما نصر الله تعالى نبيّه في موطن كما نصره يوم أحد ، فأنكروا ذلك.

فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تعالى ، أنّ الله تعالى يقول يوم أحد :( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم ـ أي تقتلونهم ـحَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (2) » وساق بقية الحديث(3) .

14 ـ وأخيراً ما أخرجه السيوطي في « الدر المنثور » ، قال :

« وأخرج الطبراني ، والحاكم ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في سننه ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لمّا اعتزلت الحرورية فكانوا في واد على حدتهم ، قلت لعليّ : يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ، فأتيتهم ولبست أحسن ما يكون الحلل ، فقالوا : مرحباً بك يا ابن عباس ، فما هذه الحلة؟

قال : ما تعيبون عليّ؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن الحلل ، ونزل :( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (4) .

____________

(1) متشابهات القرآن ومختلفه 1 / 19.

(2) آل عمران / 152.

(3) ذكره السيوطي في الدر المنثور2 / 84. وسيأتي في تفسيره في الحلقة الثالثة.

(4) الأعراف / 32.

١٤٦

قالوا : فما جاء بك؟

قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وختنه ، وأوّل من آمن به ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه؟

قالوا : ننقم عليه ثلاثاً.

قلت : ما هنّ؟

قالوا : أولهنّ أنّه حكّم الرجال في دين الله ، وقد قال الله تعالى :( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ) (1) .

قلت : وماذا؟

قالوا : وقاتل ولم يسب ، ولم يغنم ، لئن كانوا كفاراً لقد حلّت له أموالهم ، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم.

قلت : وماذا؟

قالوا : ومحا اسمه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدّثتكم من سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما لا تشكّون ، أترجعون؟

قالوا : نعم.

قلت : أمّا قولكم أنّه حكّم الرجال في دين الله ، فإنّ الله تعالى يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً

____________

(1) الأنعام / 57.

١٤٧

فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (1) ، وقال في المرأة وزوجها :( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا ) (2) ، أنشدكم بالله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب فيها ربع درهم؟

قالوا : اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم.

قال : أخرجتُ من هذه؟

قالوا : اللهم نعم.

وأمّا قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم. أتسبون أمكم؟ إن تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فقد كفرتم ، وإن زعمتم أنّها ليست بأمكم فقد خرجتم من الإسلام ، إنّ الله تعالى يقول :( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (3) ، وأنتم ترددون بين ضلالتين ، فأختاروا أيتهما شئتم. أخرجت من هذه؟

قالوا : اللهم نعم.

وأمّا قولكم : محا اسمه من أمير المؤمنين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتاباً ، فقال : اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنكَ رسول ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن أكتب محمد بن عبد الله ، فقال والله إني رسول الله وإن

____________

(1) المائدة / 95.

(2) النساء / 35.

(3) الأحزاب / 6.

١٤٨

كذبتموني ، أكتب يا عليّ : محمد بن عبد الله ، ورسول الله كان أفضل من عليّ.

أخرجت من هذه؟

قالوا : اللهم نعم.

فرجع منهم عشرون ألفاً وبقيت أربعة آلاف فقتلوا »(1) .

أقول : لقد مرّ في الجزء الرابع من الحلقة الأولى « ص168 » ، توثيق هذه المحاورة ثم نصّها وما تبعه(2) ، فليراجع فإنّه نافع.

ويبقى ابن عباس رضي الله عنه مفسراً عميداً ، ومتكلّماً فريداً يستلهم الكتاب والسنة في معارفه القرآنية.

والآن إلى نموذج سابع من مظاهر ألمعيته ولوذعيته في تفسيره القرآن بالسنة :

تفسيره القرآن بالسنة ونماذج من ذلك

لقد مرّت بنا كلمة ابن عباس رضي الله عنه في القرآن وما أشتمل عليه من المعارف ، وذكرنا شواهد لمنهجه في تفسيره القرآن بالقرآن ، والآن إلى نماذج تفسيرية عنه في تفسيره القرآن بالسنة :

1 ـ أخرج ابن جرير في تفسيره ، عن ابن عباس ، قال في قوله تعالى :( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) (3) :

____________

(1) الدر المنثور 2 / 157 ، ط إسلامية ( أفست ) ، حلية الأولياء 1 / (318) ـ 320.

(2) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى 4 / 168.

(3) البقرة / 284.

١٤٩

« فذلك سر عملكم وعلانيته يحاسبكم به الله ، فليس من عبد مؤمن يُسّر في نفسه خيراً ليعمل به ، فإن عمل به كُتبَ له به عشر حسنات ، وإن هو لم يقدر له أن يعمله به كتبت له به حسنة ، من أجل أنّه مؤمن ، والله يرضى سرّ المؤمنين وعلانيتهم ، وإن كان سوءاً حدّث به نفسه أطلّع الله عليه ، وأخبره به يوم تبلى السرائر ، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به ، فإن عمل به تجاوز الله عنه كما قال :( أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ) (1) » (2).

فتفسيره في هذا المقام هو من نموذج تفسير القرآن بالقرآن ، وقد عرفنا أنّ ابن عباس أخذ هذا التفسير من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى في الآية المذكورة :( وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ) ، فقد روى جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الروح الأمين ، قال : « يؤتى بحسنات العبد فيقتص بعضها ببعض ، فإن بقيت حسنة وسّع الله له في الجنّة »(3) .

2 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس قال : « لمّا نزلت هذه الآية :( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) (4) ، قال : دخل

____________

(1) الاحقاف / 16.

(2) تفسير ابن جرير 3 / 147 ط البابي الحلبي.

(3) نفس المصدر 26 / 18.

(4) البقرة / 284.

١٥٠

قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم مثلها من شيء.

قال فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : قولوا : « سمعنا وأطعنا وسلّمنا » ، فألقى الله الإيمان في قلوبهم ، فأنزل الله عزوجل :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (1) »(2) .

3 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموعظته فقال : « إنّكم محشورون إلى الله تعالى حُفاة عراة غرلا :( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) (3) ، فأوّل الخلائق يكسى إبراهيم خليل الرحمن عزوجل ، قال : ثم يؤخذ بقوم منكم ذات الشمال.

ـ قال أبو جعفر « أحد شيوخ أحمد » : ـ وأنّه سيُجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، قال : فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم مذ فارقتهم ،

____________

(1) البقرة / (285) ـ 286.

(2) مسند أحمد 3 / 341 / 2070.

(3) الأنبياء / 104.

١٥١

فأقول كما قال العبد الصالح :( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (1) » (2).

4 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « لمّا نزلت :( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) (3) ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « نُعيت إلي نفسي ، بأنّه مقبوض في تلك السنة »(4) .

5 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوار بمكة :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ) (5) ، قال : وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فلمّا سمع ذلك المشركون سبوّا القرآن وسبوّا مَن أنزله ومَن جاء به ، قال : فقال الله عزوجل لنبيّه :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ) ، أي بقرآءتك فيسمع المشركون فيسبّوا القرآن( وَلا تُخَافِتْ بِهَا ) عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك( وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ) »(6) .

6 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس : « إنّ رجلاً أتى عمر ،

____________

(1) المائدة / (117) ـ 118.

(2) مسند أحمد 3 / 350 / 2096.

(3) النصر / 1.

(4) مسند أحمد 3 / 265 / 1873.

(5) الإسراء / 110.

(6) مسند أحمد 3 / 257 / 1853.

١٥٢

فقال : امرأة جاءت تبايعه؟ فأدخلتها الدولج (1) فأصبتُ منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك لعلّها مِغيّبٌ في سبيل الله؟ قال : أجل ، قال : فأتِ أبا بكر فأسأله ، قال : فأتاه فسأله؟ فقال لعلّها مِغَيبٌ في سبيل الله؟ قال : فقال مثل قول عمر ، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال له مثل ذلك ، قال : لعلّها مغيّب في سبيل الله؟ ونزل القرآن :( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) (2) ، فقال : يا رسول الله ألي خاصة أم للناس عامّة؟ فضرب عمر صدره بيده فقال : لا ولا نعمة عين ، بل للناس عامّة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : صدق عمر » (3).

7 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس : « إنّ رجلاً من الأنصار أرتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين ، فأنزل الله تعالى :( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (4) ، فبعث بها قومه ، فرجع تائباً ، فقبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك منه وخلّى عنه »(5) .

____________

(1) الدولج : المخدع ، البيت الصغير داخل البيت الكبير ، نهاية ابن الأثير.

(2) هود / 114.

(3) مسند أحمد 4 / 41 / 2206.

(4) آل عمران / (86) ـ 89.

(5) مسند أحمد 4 / 47 / 2218.

١٥٣

8 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « مرّ يهودي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس ، قال : كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه ، وأشار بالسبابة ، والأرض على ذه ، والماء على ذه ، والجبال على ذه ، وسائرالخلق على ذه؟ كلّ ذلك يشير بأصبعه ، قال : فأنزل الله عزوجل :( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (1) »(2) .

9 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، وأن ينحي الجبال عنهم ، فيزدرعوا ، فقيل له : إن شئت أن تستأني بهم ، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت مَن قَبلهم ، قال : لا ، بل أستأني بهم ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية :( وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً ) (3) »(4) .

10 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « لمّا حرّمت الخمر ، قالوا : يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا يشربونها ، فأنزل الله عزوجل :( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

____________

(1) الزمر / 67.

(2) مسند أحمد 4 / 69 / 2267.

(3) الإسراء / 59.

(4) مسند أحمد 4 / 151 / 2452.

١٥٤

ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (1) » (2).

11 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمَان يعني عرفة ، فأخرج من صلبه كلّ ذريته ذرأها فنثرهم بين يديه كالذرّ ثم كلمّهم قِبَلاً ، قال :( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (3) »(4) .

12 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « مرّ رجل من بني سُليم على نفر من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسوق غنماً له فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم عليكم إلّا ليتعوّذ منكم ، فعمدوا إليه فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأتوا بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله عزوجل :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) (5) »(6) .

13 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله :( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ ) (7) ، قال : « غُلبتْ وغَلبت ، قال : كان

____________

(1) المائدة / 93.

(2) مسند أحمد 4 / 151 / 2455.

(3) الأعراف / (172) ـ 173.

(4) مسند أحمد 4 / 151 / 2455.

(5) النساء / 94.

(6) مسند أحمد 4 / 153 / 2462.

(7) الروم / (1) ـ 2.

١٥٥

المشركون يُحبّونَ أن تظهر فارس على الروم ، لأنّهم أهل أوثان ، وكان المسلمون يحبّون أن تظهر الروم على فارس لأنّهم أهل كتاب ، فذكروه لأبي بكر ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أما إنّهم سيغلَبون » ، قال : فذكره أبو بكر لهم ، فقالوا : إجعل بيننا وبينك أجل ، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا ، فجعل أجلاً خمس سنين فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل : ألا جعلتها إلى دون؟ قال : أراه قال العَشر ـ قال سعيد ابن جبير : البضع ما دون العشر ـ ثم ظهرت الروم بعدُ ، قال : فذلك قوله :( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) (1) ، قال : يفرحون بنصر الله » (2).

14 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « لمّا حرّمت الخمر ، قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها ، فأنزلت :( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ) (3) ، قال : ولمّا حوّلت القبلة ، قال أناس : يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ، فأنزلت :( وَمَا كَانَ اللَّهُ

____________

(1) الروم / (1) ـ 4.

(2) مسند أحمد 4 / 186 / 2459.

(3) المائدة / 93.

١٥٦

لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) (1) » (2).

15 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن مجاهد : « أنّ الناس كانوا يطوفون بالبيت وابن عباس جالس معه محجن ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (3) ، ولو أنّ قطرةً من الزقوم قطرت لأمرّت على أهل الأرض عيشهم ، فكيف من ليس له طعام إلاّ الزقوم »(4) .

16 ـ أخرج أحمد في مسنده : « إنّ مروان قال : اذهب يا رافع ـ لبوّابه ـ إلى ابن عباس فقل : لئن كان كلّ امرئ منا فرح بما أوتي وأحبّ أن يحمَد بما لم يفعل لنعذّّبن أجمعين.

فقال ابن عباس : وما لكم وهذه؟ إنّما نزلت هذه في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس :( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ) (5) ، هذه الآية ، وتلا ابن عباس :( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ) (6) .

وقال ابن عباس : سألهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا

____________

(1) البقرة / 143.

(2) مسند أحمد 4 / 241 / 2691.

(3) آل عمران / 102.

(4) مسند أحمد 4 / 259 / 2705.

(5) آل عمران / 187.

(6) آل عمران / 188.

١٥٧

بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه » (1).

17 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أصناف النساء إلاّ ما كان من المؤمنات المهاجرات ، قال :( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) (2) ، وأحلّ الله عزوجل فتياتكم المؤمنات :( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ ) (3) ، وحرّم كلّ ذات دين غير دين الإسلام ، قال :( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (4) ، وقال :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (5) ، وحرّم سوى ذلك من أصناف النساء »(6) .

18 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « جاء أبو جهل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي فنهاه ، فتهددّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : أتتهددني؟ أما والله إنّي

____________

(1) مسند أحمد 4 / 251 / 2712.

(2) الأحزاب / 52.

(3) الأحزاب / 50.

(4) المائدة / 5.

(5) الأحزاب / 50.

(6) مسند أحمد 4 / 332 / 2925.

١٥٨

لأّكثركم أهل الوادي نادياً ، فأنزل الله :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) (1).

قال ابن عباس : والذي نفسي بيده لو دعا ناديه لأخذته الزبانية »(2) .

19 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس : « انّه بات عند نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة ، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم من الليل فخرج فنظر إلى السماء ، ثم تلا هذه الآية التي في آل عمران :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (3) حتى بلغ :( سبحانك فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (4) ، ثم رجع إلى البيت فتسوّك وتوضأ ، ثم قام فصلى ، ثم اضطجع ، ثم قام فخرج فنظر في السماء ، ثم تلا هذه الآية ، ثم رجع فتسوّك وتوضأ ، ثم قام فصلى »(5) .

20 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً في ظل حجرته ـ قد كاد يقلص عنه ـ فقال لأصحابه : يجيئكم رجل ينظر إليكم بعين شيطان ، فإذا رأيتموه فلا تكلموه ، فجاء رجل أزرق ، فلمّا رآه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دعاه ، فقال : علام تشتمني أنت وأصحابك؟ قال : كما أنت حتى آتيك بهم ، قال : فذهب فجاء بهم ، فجعلوا يحلفون بالله ما

____________

(1) العلق / (9) ـ 13.

(2) مسند أحمد 5 / 18 / 3045.

(3) آل عمران / 190.

(4) آل عمران / 191.

(5) مسند أحمد 5 / 95 / 3276.

١٥٩

قالوا وما فعلوا ، وأنزل الله عزوجل :( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) (1) » (2).

21 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس ، في قوله عزوجل :( فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (3) ، قال : « كان بنو النضير إذا قتلوا قتيلاً من بني قريظة أدوّا إليهم نصف الدية ، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير قتيلاً أدوا إليهم الدية كاملة ، فسوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهم الدية كاملة »(4) .

22 ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ـ وفي الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه ـ عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله عزوجل :( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) (5) ، قال : « كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يعالج من التنزيل شدّة ، وكان ممّا يحرّك شفتيه ـ قال : فقال لي ابن عباس : أنا أحركهّما كما كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم يحركهّما ، وقال سعيد : أنا أحرّكهما كما كان ابن عباس يحرّكهما ، فحرّك شفتيه ـ

____________

(1) المجادلة / 18.

(2) مسند أحمد 5 / 95 / 3277.

(3) المائدة / 42.

(4) مسند أحمد 5 / 144 / 3434.

(5) القيامة / 16.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

مجلس الحكم فأتى هذا الرجل فذكر أن رجلاً أودعه امرأتين حرة مهيرة وأم ولد فقال له : أنفق عليهما حتى أقدم ، فلما كان في هذه الليلة وضعتا جميعاً إحداهما إبناً والأخرى بنتاً وكلتاهما تدعى الإبن وتنفي البنت من أجل الميراث فقال له : بم قضيت بينهما؟ فقال شريح : لو كان عندي ما أقضي به بينهما لم آتكم بهما ، فأخذ علي عليه السلام نبتة من الأرض فرفعها فقال : إن القضاء في هذا أيسر من هذه ثم دعا بقدح فقال لإحدى المرأتين : أحلبي فحلبت فوزنه ثم قال للأخرى : أحلبي فحلبت فوزنه فوجده على النصف من لبن الأولى فقال لها : خذي أنت ابنتك ، وقال للأخرى : خذى أنت ابنك ، ثم قال لشريح : أما علمت أن لبن الجارية على النصف من لبن الغلام ، وأن ميراثها نصف ميراثه ، وأن عقلها نصف عقله ، وأن شهادتها نصف شهادته ، وأن ديتها نصف ديته ، وهي على النصف في كل شيء ، فأعجب به عمر إعجاباً شديداً ثم قال : أبا حسن لا أبقاني اللّه لشدة لست لها ولا في بلد لست فيه (قال) أخرجه أبو طالب علي بن أحمد الكاتب في جزء من حديثه.

[كنز العمال أيضاً ج ٣ ص ١٧٩] قال : عن سعيد بن جبير قال : أتي عمر بن الخطاب بامرأة وقد ولدت ولداً له خلقتان بدنان وبطنان وأربع أيد ورأسان وفرجان ، هذا في النصف الأعلى ، وأما في الأسفل فله فخذان وساقان ورجلان مثل سائر الناس ، فطلبت المرأة ميراثهما من زوجها وهو أبو ذلك الخلق العجيب ، فدعا عمر بأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فشاورهم فلم يجيبوا فيه بشيء ، فدعا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال علي عليه السلام : إن هذا أمر يكون له نبأ فأحبسها وأحبس ولدها وأقبض ما لهم وأقم لهم من يخدمهم وأنفق عليهم بالمعروف ، ففعل عمر ذلك ثم ماتت المرأة وشب الخلق وطلب الميراث فحكم له علي عليه السلام بأن يقام له خادم خصي يخدم فرجيه ويتولى منه ما تتولى الأمهات مما لا يحل لأحد سوى الخادم ، ثم إن أحد البدنين طلب النكاح فبعث عمر إلى علي عليه السلام فقال له : يا أبا الحسن ما تجد في أمر هذين ، إن اشتهى أحدهما شهوة خالفه الآخر

٣٢١

وإن طلب الآخر حالة طلب الذي يليه ضدها ، حتى أنه في ساعتنا هذه طلب أحدهما الجماع ، فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر إن اللّه أحلم وأكرم من أن يري عبداً أخاه وهو يجامع أهله ولكن عللوه ثلاثاً فان اللّه سيقضي قضاء فيه ما طلب هذا إلا عند الموت ، فعاش بعدها ثلاثة أيام ومات ، فجمع عمر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فشاورهم فيه ، قال بعضهم : إقطعه حتى يبين الحي من الميت وتكفنه وتدفنه. فقال عمر : إن هذا الذي أشرتم لعجيب أنقتل حياً لحال ميت وضج الجسد الحي فقال : اللّه حسبكم تقتلوني وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه وأقرأ القرآن فبعث إلى علي عليه السلام فقال : يا أبا الحسن احكم بين هذين الخلقين ، فقال علي عليه السلام : الأمر فيه أوضح من ذلك وأسهل وأيسر ، الحكم أن تغسلوه وتكفنوه وتدعوه مع ابن أمه يحمله الخادم إذا مشى فيعاون عليه أخاه فاذا كان بعد ثلاث جف فأقطعوه جافاً ويكون مرضعه حياً لا يألم فإنى أعلم أن اللّه لا يبقي الحي بعده أكثر من ثلاث يتأذى برائحة نتنه وجيفته ، ففعلوا ذلك فعاش الآخر ثلاثة أيام ومات ، فقال عمر : يابن أبي طالب فما زلت كاشف كل شبهة ، وموضح كل حكم (قال) أخرجه أبو طالب علي بن أحمد الكاتب وقال أيضاً : رجاله ثقات.

[كنز العمال أيضاً ج ٤ ص ٢٢٣] قال : عن القاسم بن أبي إمامة قال : صلى عمر بالناس وهو جنب فأعاد ولم يعد الناس فقال له علي عليه السلام : قد كان ينبغي لمن صلى معك أن يعيدوا ، فرجعوا إلى قول علي عليه السلام قال القاسم : وقال ابن مسعود مثل قول علي عليه السلام ، قال : أخرجه عبد الرزاق والبيهقي.

[كنز العمال أيضاً ج ٦ ص ٤٠٦] قال : عن ابن عمر قال : قال عمر بن الخطاب لعلى بن أبي طالب عليه السلام : يا أبا الحسن ربما شهدت وغبنا ، ثلاث أسألك عنهن هل عندك منهن علم؟ قال علي عليه السلام : وما هن؟ قال : الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيراً ، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه

٣٢٢

شراً ، قال علي عليه السلام : نعم ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : إن الأرواح في الهواء جنود مجندة تلتف حسام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، قال : واحدة ، والرجل يتحدث بالحديث نسيه وذكره ، قال علي عليه السلام : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم يقول : ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر بينا القمر يضيء إذ علته سحابة فأظلم إذ تجلت ، قال عمر : اثنتان ، والرجل يرى الرؤيا فمنها ما تصدق ، ومنها ما تكذب ، قال : نعم سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم يقول : ما من عبد ولا أمة ينام فيستثقل نوماً إلا يعرج بروحه في العرش فالتي لا تستيقظ إلا عند العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والتى تستيقظ دون العرش فهي الرؤيا التي تكذب ، فقال عمر : ثلاث كنت في طلبهن فالحمد للّه الذي أصبتهن قبل الموت (قال) أخرجه الطبراني في الأوسط والديلمي.

[الرياض النضرة ج ٢ ص ١٧٠] قال : وعن عمر وقد نازعه رجل في مسألة فقال : بينى وبينك هذا الجالس ـ وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام ـ فقال الرجل : هذا الأبطن ، فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتى شاله من الأرض ثم قال : أتدرى من صغرت؟ مولاي ومولى كل مسلم ، قال : خرجه ابن السمان.

[الرياض النضرة أيضاً ج ٢ ص ١٩٥] قال : وعن زيد بن على عن أبيه عن جده قال : أتي عمر بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها فتلقاها علي عليه السلام فقال : ما بال هذه؟ فقالوا : أمر عمر برجمها فردها علي عليه السلام وقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها ، قال : قد كان ذلك قال : أو ما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم قال : لاحد على معترف بعد بلاء؟ إنه من قيد أو حبس أو تهدد فلا إقرار له فخلى سبيلها ، قال : أخرجه ابن السمان في الموافقة

٣٢٣

[الرياض النضرة أيضاً ج ٢ ص ١٩٦] قال : وعن عبد الرحمن السلمي قال : أتى عمر بامرأة أجهدها العطش فمرت على راعٍ فاستسقته فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت ، فشاور الناس في رجمها فقال له علي عليه السلام : هذه مضطرة إلى ذلك فخل سبيلها ففعل ، قال : أخرجه ابن السمان في الموافقة.

[الرياض النضرة أيضاً ج ٢ ص ١٩٧] قال : وعن حنش بن المعتمر إن رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا : لا تدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع ، فلبثا حولاً ثم جاء أحدهما اليها وقال : إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فأبت فثقل عليها باهلها فلم يزالوا بها حتى دفعتها اليه ، ثم لبثت حولاً آخر فجاء الآخر فقال : أدفعي إليَّ الدنانير فقالت : إن صاحبك جاءنى وزعم أنك قد مت فدفعتها اليه ، فاختصما إلى عمر فأراد أن يقضي عليها (وروى) أنه قال لها : ما أراك إلا ضامنة ، فقالت : أنشدك اللّه أن تقضى بيننا وارفعنا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فرفعها إلى على (عليه السلام) وعرف أنهما قد مكرا بها فقال : أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه؟ قال : بلى ، قال : فان مالك عندنا إذهب فجىء بصاحبك حتى ندفعها اليكما (قال) أخرجه ابن السمان في الموافقة.

[الرياض النضرة أيضاً ج ٢ ص ١٩٧] قال : وعن موسى بن طلحة إن عمر اجتمع عنده مال فقسمه ففضلت منه فضلة فاستشار أصحابه في ذلك الفضل فقالوا : نرى أن تمسكه فان احتجت إلى شيء كان عندك ، وعلي عليه السلام في القوم لا يتكلم فقال عمر : مالك لا تتكلم يا علىّ؟ قال : قد أشار عليك القوم قال : وأنت فأشر قال : فانى أرى أن تقسمه ففعل (قال) أخرجه ابن السمان في الموافقة.

[الرياض النضرة أيضاً ج ٢ ص ١٩٧] قال : وعن أبي سعيد الخدري

٣٢٤

سمع عمر يقول لعلي عليه السلام ـ وقد سأله عن شيء فأجابه ـ أعوذ باللّه أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن ، قال : أخرجه ابن السمان في الموافقة (أقول) وذكره المناوي أيضاً في فيض القدير (ج ٤ ص ٣٥٦) في الشرح وقال : أخرجه الدار قطني (ثم قال) وفي رواية : لا أبقاني اللّه بعدك يا عليٌ (انتهى) وذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه (ص ١٠٧) وقال أيضاً : أخرجه الدار قطني.

[الرياض النضرة أيضاً ج ٢ ص ١٩٧] قال : وعن يحيى بن عقيل قال : كان عمر يقول لعلي عليه السلام ـ إذا سأله ففرج عنه ـ لا أبقاني اللّه بعدك يا علي ، قال : أخرجه ابن السمان في الموافقة.

[نور الأبصار للشبلنجى ص ١٧١] قال : وروي أن رجلاً إني به إلى عمر بن الخطاب وكان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس ـ وقد سألوه كيف أصبحت ـ قال : أصبحت أحب الفتنة ، وأكره الحق ، وأصدق اليهود والنصارى ، وأؤمن بما لم أره ، وأقر بما لم يخلق ، فأرسل عمر إلى علي عليه السلام فلما جاءه أخبره بمقالة الرجل فقال : صدق يحب الفتنة قال اللّه تعالى :( إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَأَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ ) ويكره الحق يعني الموت ، قال اللّه تعالى :( وَجٰاءَتْ سَكْرَةُ اَلْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) ويصدق اليهود والنصارى ، قال اللّه تعالى :( وَقٰالَتِ اَلْيَهُودُ لَيْسَتِ اَلنَّصٰارىٰ عَلىٰ شَيْءٍ وَقٰالَتِ اَلنَّصٰارىٰ لَيْسَتِ اَلْيَهُودُ عَلىٰ شَيْءٍ ) ويؤمن بما لم يره ، يؤمن باللّه عز وجل ويقر بما لم يخلق ، يعني الساعة فقال عمر : أعوذ باللّه من معضلة لا علي بها «فتح الباري» في شرح البخاري ج ١٧ ص ١٠٥ (قال) وفي كتاب النوادر للحميدى والطبقات لمحمد بن سعد من رواية سعيد بن المسيب قال كان عمر يتعوذ باللّه من معضلة ليس لها ابو الحسن يعني علي بن ابي طالب (عليه السلام).

[الثعلبي في قصص الأنبياء ص ٥٦٦] في تفسير قوله تعالى :( إِذْ أَوَى اَلْفِتْيَةُ إِلَى اَلْكَهْفِ فَقٰالُوا رَبَّنٰا آتِنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) قال : وأما قصتهم

٣٢٥

فيقال : لما ولي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود فقالوا له : يا عمر أنت ولىّ الأمر بعد محمد وصاحبه وإنا نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أن الإسلام حق وأن محمداً كان نبياً ، وإن لم تخبرنا بها علمنا أن الإسلام باطل ، وأن محمداً لم يكن نبياً ، فقال عمر : سلوا عما بدا لكم ، قالوا : أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي ، وأخبرنا عن مفاتيح السماوات ما هى؟ وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو؟ وأخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا هو من الإنس؟ وأخبرنا عن خمسة أشياء مشوا على وجه الأرض ولم يخلقوا في الأرحام؟ وأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه؟ وما يقول الديك في صراخه؟ وما يقول الفرس في صهيله؟ وما يقول الضفدع في نقيقه؟ وما يقول الحمار في نهيقه؟ وما يقول القبر في صفيره؟ قال : فنكس عمر رأسه في الأرض ثم قال : لا عيب بعمر إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم وأن يَسأل عما لا يعلم ، فوثب اليهود وقالوا : نشهد أن محمداً لم يكن نبياً وأن الإسلام باطل ، فوثب سلمان الفارسى وقال لليهود : قفوا قليلاً ثم توجه نحو علي عليه السلام حتى دخل عليه فقال : يا أبا الحسن أغث الإسلام ، فقال : وما ذاك؟ فأخبره الخبر ، فأقبل يرفل في بردة رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ، فلما نظر اليه عمر وثب قائما فاعتنقه وقال : يا أبا الحسن أنت لكل معضلة وشدة تدعى ، فدعا علي عليه السلام اليهود فقال : سلوا عما بدا لكم فإن النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم علمني ألف باب من العلم فتشعب لي من كل باب الف باب ، فسألوه عنها فقال علي عليه السلام : إن لي عليكم شريطة إذا أخبرتكم كما في توراتكم دخلتم في ديننا وآمنتم ، فقالوا : نعم ، فقال : سلوا عن خصلة خصلة ، (قالوا) أخبرنا عن أقفال السماوات ما هي؟ قال : أقفال السماوات الشرك باللّه لأن العبد والأمة إذا كانا مشركين لم يرتفع لهما عمل ، (قالوا) فأخبرنا عن مفاتيح السماوات ما هي؟ قال : شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله ، قال : فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويقول : صدق الفتى ، (قالوا) فأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ، فقال : ذلك الحوت الذي التقم يونس بن متى فسار به

٣٢٦

في البحار السبعة ، (فقالوا) أخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا من الإنس ، قال : هي نملة سليمان بن داود( قٰالَتْ يٰا أَيُّهَا اَلنَّمْلُ اُدْخُلُوا مَسٰاكِنَكُمْ لاٰ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمٰانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاٰ يَشْعُرُونَ ) ، (قالوا) فأخبرنا عن خمسة مشوا على الأرض ، ولم يخلقوا في الأرحام؟ قال : ذلكم آدم وحواء وناقة صالح وكبش ابراهيم وعصا موسى (قالوا) فأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه؟ قال : يقول : الرحمن على العرش استوى ، (قالوا) فأخبرنا ما يقول الديك في صراخه؟ قال : يقول : اذكروا اللّه يا غافلين ، (قالوا) أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله؟ قال : يقول ـ إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين ـ اللهم انصر عبادك المؤمنين على الكافرين (قالوا) فأخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه؟ قال : يقول : لعن اللّه العشار وينهق في أعين الشياطين ، (قالوا) فأخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه؟ قال : يقول : سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار ، (قالوا) فأخبرنا ما يقول القبر في صفيره؟ قال : يقول : اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد ، وكان اليهود ثلاثة نفر قال اثنان منهم : نشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ، ووثب الحبر الثالث فقال : يا علي لقد وقع في قلوب أصحابى ما وقع من الإيمان والتصديق وقد بقى خصلة واحدة أسألك عنها ، فقال : سل عما بدا لك ، فقال : أخبرنى عن قوم في أول الزمان ماتوا ثلاثمائة وتسع سنين ثم أحياهم اللّه فما كان قصتهم؟ قال علي عليه السلام : يا يهودي هؤلاء أصحاب الكهف وقد أنزل اللّه على نبينا قرآناً فيه قصتهم وإن شئت قرأت عليك قصتهم ، فقال اليهودي : ما أكثر ما قد سمعنا من قرآنكم ، إن كنت عالماً فأخبرنى بأسمائهم وأسماء آبائهم واسم مدينتهم واسم ملكهم واسم كلبهم واسم جبلهم واسم كهفهم وقصتهم من أولها إلى آخرها فاحتبى علي عليه السلام ببردة رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم (ثم قال) يا أخا اليهود حدثني حبيبي محمد صلى اللّه عليه (وآله) وسلم أنه كان بأرض رومية مدينة يقال لها : افسوس ويقال هي طرسوس وكان اسمها في الجاهلية أفسوس ، فلما جاء الإسلام سموها طرسوس ، قال : وكان لهم ملك صالح فمات ملكهم وانتشر

٣٢٧

أمرهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له دقيانوس ، وكان جباراً كافراً فأقبل في عساكره حتى دخل أفسوس فاتخذها دار ملكه وبني فيها قصراً فوثب اليهودي وقال : إن كنت عالماً فصف لي ذلك القصر ومجالسه فقال : يا أخا اليهود ابتني فيها قصراً من الرخام طوله فرسخ في عرض فرسخ ، واتخذ فيه أربعة آلاف اسطوانة من الذهب وألف قنديل من الذهب ، لها سلاسل من اللجين تسرج في كل ليلة بالأدهان الطيبة ، واتخذ لشرقى المجلس مائة وثمانين كوة ولغربيه كذلك ، وكانت الشمس من حين تطلع إلى حين تغيب تدور في المجلس كيفما دارت ، واتخذ فيه سريراً من الذهب طوله ثمانون ذراعاً في عرض أربعين ذراعاً مرصعاً بالجواهر ، ونصب على يمين السرير ثمانين كرسياً من الذهب فأجلس عليها بطارقته ، واتخذ أيضاً ثمانين كرسياً من الذهب عن يساره فأجلس عليها هراقلته ، ثم جلس هو على السرير ووضع التاج على رأسه ، فوثب اليهودي وقال : يا علي إن كنت عالماً فأخبرني مم كان تاجه؟ فقال : يا أخا اليهود كان تاجه من الذهب السبيك له تسعة أركان على كل ركن لؤلؤة تضىء كما يضىء المصباح في الليلة الظلماء ، واتخذ خمسين غلاماً من أبناء البطارقة فمنطقهم بمناطق الديباج الأحمر ، وسرولهم بسراويل القز الأخضر وتوجهم ودملجهم وخلخلهم ، وأعطاهم عمد الذهب ، وأقامهم على رأسه واصطنع ستة غلمة من أولاد العلماء وجعلهم وزراء فما يقطع أمراً دونهم وأقام منهم ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره ، فوثب اليهودي وقال : يا علي إن كنت صادقاً فأخبرنى ما كانت أسماء الستة؟ فقال علي عليه السلام : حدثني حبيبي محمد صلى اللّه عليه (وآله) وسلم أن الذين كانوا عن يمينه أسماؤهم تمليخا ومكسلمينا ومحسلمينا ، وأما الذين كانوا عن يساره فمر طليوس وكشطوس وسادنيوس ، وكان يستشيرهم في جميع أموره ، وكان إذا جلس كل يوم في صحن داره واجتمع الناس عنده دخل من باب الدار ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من الذهب مملوء من المسك وفي يد الثاني جام من فضة مملوء من ماء الورد ، وعلى يد الثالث طائر فيصيح به فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه فينشف ما فيه بريشه وجناحيه ، ثم يصيح به الثاني فيطير فيقع

٣٢٨

في جام المسك فيتمرغ فيه فينشف ما فيه بريشه وجناحيه ، ثم يصيح به الثالث فيطير فيقع

على تاج الملك فينفض ريشه وجناحيه على رأس الملك بما فيه من المسك وماء الورد ، فمكث الملك في ملكه ثلاثين سنة من غير أن يصيبه صداع ولا وجع ولا حمى ولا لعاب ولا بصاق ولا مخاط ، فلما رأى ذلك من نفسه عتا وطغى وتجبر واستعصى ، وأدعى الربوبية من دون اللّه تعالى ودعا اليه وجوه قومه فكل من أجابه أعطاه وحباه وكساه وخلع عليه ومن لم يجبه ويتابعه قتله ، فأجابوه بأجمعهم ، فأقاموا في ملكه زماناً يعبدونه من دون اللّه تعالى ، فبينما هو ذات يوم جالس في عيد له على سريره والتاج على رأسه إذ أتى بعض بطارقته فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيته يريدون قتاله ، فاغتم لذلك غماً شديداً حتى سقط التاج عن رأسه وسقط هو عن سريره فنظر أحد فتيته الثلاثة الذين كانوا عن يمينه إلى ذلك ـ وكان عاقلاً يقال له تمليخا ـ فتفكر وتذكر في نفسه وقال : لو كان دقيانوس هذا إلهاً كما يزعم لما حزن ولما كان ينام ولما كان يبول ويتغوط ، وليست هذه الأفعال من صفات الإله ، وكانت الفتية الستة يكونون كل يوم عند واحد منهم وكان ذلك اليوم نوبة تمليخا فاجتمعوا عنده فأكلوا وشربوا ولم يأكل تمليخا ولم يشرب فقالوا : يا تمليخا ما لك لا تأكل ولا تشرب؟ فقال : يا إخوتى وقع في قلبي شيء منعني عن الطعام والشراب والمنام ، فقالوا : وما هو يا تمليخا؟ فقال : أطلت فكري في هذه السماء فقلت : من رفعها سقفاً محفوظاً بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها؟ ومن أجرى فيها شمسها وقمرها؟ ومن زيّنها بالنجوم؟ ثم أطلت فكري في هذه الأرض من سطحها على ظهر اليم الزاخر ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسى لئلا تميد؟ ثم أطلت فكرى في نفسي فقلت : من أخرجنى جنينا من بطن أمى؟ ومن غذانى وربانى؟ إن لهذا صانعاً ومدبراً سوى دقيانوس الملك ، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونهما وقالوا : يا تمليخا لقد وقع في قلوبنا ما وقع في قلبك فأشر علينا ، فقال : يا إخوتى ما أجد لي ولكم حيلة إلا الهرب من هذا الجبار إلى ملك السماوات والأرض فقالوا : الرأى ما رأيت ، فوثب تمليخا فابتاع تمراً بثلاثة دراهم وصرها في ردائه وركبوا خيولهم وخرجوا ، فلما ساروا قدر ثلاثة

٣٢٩

أميال من المدينة قال لهم تمليخا : يا إخوتاه قد ذهب عنا ملك الدنيا وزال عنا أمره فانزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم لعل اللّه يجعل لكم من أمركم فرجاً ومخرجاً فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ حتى صارت أرجلهم تقطر دماً لأنهم لم يعتادوا المشى على أقدامهم ، فاستقبلهم رجل راع فقالوا : أيها الراعي أعندك شربة ماء أو لبن؟ فقال : عندي ما تحبون ولكني أرى وجوهكم وجوه الملوك وما أظنكم إلا هراباً فأخبروني بقصتكم ، فقالوا : يا هذا إنا دخلنا في دين لا يحل لنا الكذب أفينجينا الصدق؟ قال : نعم فأخبروه بقصتهم فانكب على أرجلهم يقبلها ويقول : قد وقع في قلبى ما وقع في قلوبكم فقفوا لي هاهنا حتى أرد الأغنام إلى أربابها وأعود اليكم فوقفوا له فردها وأقبل يسعى فتبعه كلب له ، فوثب اليهودي قائماً فقال : يا علي إن كنت عالماً فاخبرني ما كان لون الكلب واسمه؟ فقال : يا أخا اليهود حدثني حبيبي محمد صلى اللّه عليه (وآله) وسلم أن الكلب كان أبلق بسواد وكان اسمه قطمير قال : فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض : إنا نخاف أن يفضحنا الكلب بنبيحه فألحوا عليه طرداً بالحجارة فلما نظر اليهم الكلب وقد ألحوا عليه بالحجارة والطرد أقعى على رجليه وتمطى وقال بلسان طلق ذاق : يا قوم لم تطردوننى وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، دعوني أحرسكم من عدوكم وأتقرب بذلك إلى اللّه سبحانه وتعالى ، فتركوه ومضوا ، فصعد بهم الراعى جبلا وانحط بهم على كهف ، فوثب اليهودي وقال : يا علي ما اسم ذلك الجبل وما اسم الكهف؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا أخا اليهود اسم الجبل ناجوس واسم الكهف الوصيد ، وقيل : خيرم ، قال : وإذا بفناء الكهف أشجار مثمرة وعين غزيرة ، فأكلوا من الثمار وشربوا من الماء وجنهم الليل فأووا إلى الكهف وربض الكلب على باب الكهف ومد يديه عليه وأمر اللّه ملك الموت بقبض أرواحهم ، ووكل اللّه تعالى بكل رجل منهم ملكين يقلبانه من ذات اليمين إلى ذات الشمال ومن ذات الشمال إلى ذات اليمين ، قال : وأوحى اللّه تعالى إلى الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين إذا طلعت وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ، فلما رجع الملك دقيانوس من عيده سأل

٣٣٠

عن الفتية فقيل له : إنهم اتخذوا إلهاً غيرك وخرجوا هاربين منك ، فركب في ثمانين الف فارس وجعلوا يقفون آثارهم حتى صعد الجبل وشارف الكهف فنظر اليهم مضطجعين فظن أنهم نيام ، فقال لأصحابه : لو أردت أن أعاقبهم بشيء ما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم فأتوني بالبنائين فأتى بهم فردموا عليهم باب الكهف بالجص والحجارة ، ثم قال لأصحابه : قولوا لهم يقولوا لإلههم الذي في السماء إن كانوا صادقين يخرجهم من هذا الموضع ، فمكثوا ثلاثمائة وتسع سنين ، فنفخ اللّه فيهم الروح وهبوا عن رقدتهم لما بزغت الشمس ، فقال بعضهم لبعض : لقد غفلنا هذه الليلة عن عبادة اللّه تعالى قوموا بنا إلى العين ، فإذا بالعين قد غارت والأشجار قد جفت ، فقال بعضهم لبعض : إنا من أمرنا هذا لفي عجب ، مثل هذه العين قد غارت في ليلة واحدة ، ومثل هذه الأشجار قد جفت في ليلة واحدة ، فألقى اللّه عليهم الجوع ، فقالوا : أيكم يذهب بورقكم هذه إلى المدينة فليأتنا بطعام منها ، ولينظر أن لا يكون من الطعام الذي يعجن بشحم الخنازير ، وذلك قوله تعالى :( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هٰذِهِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهٰا أَزْكىٰ طَعٰاماً ) أي أحل وأجود وأطيب فقال لهم تمليخا : يا إخوتى لا يأتكم أحد بالطعام غيري ولكن أيها الراعي إدفع إليّ ثيابك وخذ ثيابي فلبس ثياب الراعى ومر وكان يمر بمواضع لا يعرفها وطريق ينكرها حتى أتى باب المدينة فاذا عليه علم أخضر مكتوب عليه لا إله إلا اللّه عيسى روح اللّه ، فطفق الفتى ينظر اليه ويمسح عينيه ويقول : أراني نائماً فلما طال عليه ذلك دخل المدينة فمر بأقوام يقرأون الإنجيل ، واستقبله أقوام لا يعرفهم حتى انتهى إلى السوق فاذا هو بخباز فقال له : يا خباز ما اسم مدينتك هذه؟ قال : أفسوس ، قال : وما اسم ملككم؟ قال : عبد الرحمن قال تمليخا : إن كنت صادقاً فان أمرى عجيب إدفع لي بهذه الدراهم طعاماً ـ وكانت دراهم ذلك الزمان الأول ثقالاً كباراً ـ فتعجب الخباز من تلك الدراهم ، فوثب اليهودي وقال : يا علي إن كنت عالماً فاخبرني كم كان وزن الدرهم منها؟ فقال : يا أخا اليهود أخبرني حبيبي محمد صلى اللّه عليه (وآله) وسلم أن وزن كل درهم منها عشرة دراهم

٣٣١

وثلثا درهم ، فقال له الخباز : يا هذا قد أصبت كنزاً فأعطني بعضه وإلا ذهبت بك إلى الملك ، فقال تمليخا : ما أصبت كنزاً وإنما هذا من ثمن تمر بعته بثلاثة دراهم منذ ثلاثة أيام وقد خرجت من هذه المدينة وهم يعبدون دقيانوس الملك فغضب الخباز وقال : ألا ترضى أن أصبت كنزاً أن تعطبني بعضه حتى تذكر رجلاً جباراً كان يدعى الربوبية قد مات منذ ثلاثمائة سنة وتسخر بى وأمسكه واجتمع الناس ثم أنهم أتوا به إلى الملك ـ وكان عاقلاً عادلاً ـ فقال لهم : ما قصة هذا الفتى؟ قالوا : أصاب كنزاً ، فقال له الملك : لا تخف فان نبينا عيسى عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلا خمسها فادفع إلي خمس هذا الكنز وامض سالما ، فقال : أيها الملك تثبت في أمرى ما أصبت كنزا وإنما أنا من أهل هذه المدينة فقال له : أنت من أهلها؟ قال : نعم ، قال : أفتعرف فيها أحداً؟ قال : نعم ، قال : فسم لنا فسمى له نحواً من ألف رجل فلم يعرفوا منه رجلاً واحداً ، قالوا : يا هذا ما نعرف هذه الأسماء وليست هي من أسماء أهل زماننا ولكن هل لك في هذه المدينة دار؟ فقال : نعم أيها الملك فابعث معي أحداً فبعث معه الملك جماعة حتى أتى بهم داراً أرفع دار في المدينة وقال : هذه داري ، ثم قرع الباب فخرج لهم شيخ كبير قد استرخى حاجباه من الكبر على عينيه وهو فزع مرعوب مذعور ، فقال : أيها الناس ما بالكم؟ فقال له رسول الملك : إن هذا الغلام يزعم أن هذه الدار داره فغضب الشيخ والتفت إلى تمليخا وتبينه وقال له : ما اسمك؟ قال : تمليخا بن فلسطين ، فقال له الشيخ : أعد عليّ فأعاد عليه فانكب الشيخ على يديه ورجليه وقال : هذا جدي ورب الكعبة وهو أحد الفتية الذين هربوا من دقيانوس الملك الجبار إلى جبار السماوات والأرض ولقد كان عيسى عليه السلام أخبرنا بقصتهم وأنهم سيحيون ، فأنهى ذلك إلى الملك فركب الملك وأتى اليهم وحضرهم ، فلما رأى الملك تمليخا نزل عن فرسه وحمل تمليخا على عاتقه فجعل الناس يقبلون يديه ورجليه ويقولون له : تمليخا ما فُعل بأصحابك؟ فأخبرهم أنهم في الكهف ، وكانت المدينة قد وليها رجلان ملك مسلم وملك نصراني ، فركبا في أصحابهما وأخذا تمليخا فلما صاروا قريباً من الكهف ، قال لهم تمليخا : يا قوم

٣٣٢

إنى أخاف أن إخوتي يحسون بوقع حوافر الخيل والدواب وصلصلة اللجم والسلاح فيظنون أن دقيانوس غشيهم فيموتون جميعاً فقفوا قليلاً حتى أدخل عليهم فأخبرهم فوقف الناس ودخل تمليخا فوثب اليه الفتية واعتنقوه وقالوا : الحمد للّه الذي نجاك من دقيانوس ، فقال : دعوني منكم ومن دقيانوس كم لبثتم؟ (قالوا : لبثنا يوماً أو بعض يوم) قال : بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين وقد مات دقيانوس وأنقرض قرن بعد قرن وآمن أهل المدينة باللّه العظيم وقد جاؤكم ، فقالوا له : يا تمليخا تريد أن تصيرنا فتنة للعالمين ، قال : فماذا تريدون؟ قالوا : إرفع يديك ونرفع أيدينا ، فرفعوا أيديهم وقالوا : اللهم بحق ما أريتنا من العجائب في أنفسنا إلا قبضت أرواحنا ولم يطلع علينا أحد فأمر اللّه ملك الموت فقبض أرواحهم وطمس اللّه باب الكهف وأقبل الملكان يطوفان حول الكهف سبعة أيام فلا يجدون له باباً ولا منفذاً ولا مسلكاً فأيقنا حينئذ بلطيف صنع اللّه الكريم وأن أحوالهم كانت عبرة أراهم اللّه إياها ، فقال المسلم : على دينى ماتوا أنا أبني على باب الكهف مسجداً ، وقال النصرانى : بل ماتوا على ديني فأنا أبني على باب الكهف ديراً ، فاقتتل الملكان فغلب المسلم النصرانى فبني على باب الكهف مسجداً فذلك قوله تعالى :( قٰالَ اَلَّذِينَ غَلَبُوا عَلىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ) وذلك يا يهودي ما كان من قصتهم (ثم قال علي عليه السلام) لليهودي : سألتك باللّه يا يهودي أوافق هذا ما في توراتكم؟ فقال اليهودي : ما زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً يا أبا الحسن ، لا تسمني يهوديا فأشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً عبده ورسوله وأنك أعلم هذه الأمة.

(أقول) والظاهر أن رجوع تمليخا إلى المدينة بعد ما لبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين كان بعد ظهور عيسى وقبل الإسلام ، فقوله في الحديث الشريف : وكانت المدينة قد وليها رجلان ملك مسلم وملك نصراني أو فقال المسلم : على ديني ماتوا أنا أبني على باب الكهف مسجداً ، وقال النصراني :

٣٣٣

بل ماتوا على ديني (إلى أن قال) فغلب المسلم النصراني مما لا يخلو عن إجمال ولعل المراد من المسلم هنا من كان على دين ابراهيم ، قال اللّه تعالى :( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ ) ، واللّه العالم.

٣٣٤

بابٌ

في رجوع عثمان الى علي (ع)

لا يخفى على المطلعين على الوقائع التاريخية أن الخليفة عثمان بن عفان رجع إلى علي عليه السلام في كثير منها ، وأنا ذاكر لك فيما يأتي جملة منها :

[موطأ الإمام مالك بن أنس في طلاق المريض ص ٣٦] روى بسنده عن محمد بن يحيى بن حبان قال : كانت عند جدي حبان امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع ، فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض فقالت : أنا أرثه لم أحض فاختصمتا إلى عثمان بن عفان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال : هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا ـ يعني علي بن أبي طالب عليه السلام ـ

[أقول] ورواه البيهقي أيضاً في سننه (ج ٧ ص ٤١٩) ، والشافعي أيضاً في مسنده في كتاب العدد (ص ١٧١) ، وذكره ابن حجر أيضاً في إصابته (ج ٨ القسم ١ ص ٢٠٤) ، وابن عبد البر أيضاً في استيعابه (ج ٢ ص ٧٦٤) والمحب الطبري أيضاً في الرياض النضرة (ج ٢ ص ١٩٧) وقال فيه : فارتفعوا إلى عثمان فقال : هذا ليس لي به علم فارتفعوا إلى علي عليه

٣٣٥

السلام فقال علي عليه السلام : تحلفين عند منبر النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم أنك لم تحيضي ثلاث حيضات ولك الميراث فحلفت فأشركت في الإرث ، قال : أخرجه ابن حرب الطائي.

[موطأ الإمام مالك بن أنس في كتاب الحدود ص ١٧٦] قال : إن عثمان بن عفان أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أن ترجم فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام : ليس ذلك عليها إن اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه :( وَحَمْلُهُ وَفِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً ) وقال :( وَاَلْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ اَلرَّضٰاعَةَ ) فالحمل يكون ستة أشهر فلا رجم عليها ، فبعث عثمان في أثرها فوجدها قد رجمت ، (أقول) ورواه البيهقي أيضاً في سننه (ج ٧ ص ٤٤٢) عن مالك.

[السيوطي في الدر المنثور] في ذيل تفسير قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً ) في سورة الأحقاف ، قال : وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن بعجة بن عبد اللّه الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماماً لستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان فأمر برجمها ، فبلغ ذلك علياً عليه السلام فأتاه فقال : ما تصنع؟ قال : ولدت تماماً لستة أشهر وهل يكون ذلك؟ قال علي عليه السلام : أما سمعت اللّه يقول :( وَحَمْلُهُ وَفِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً ) وقال :( وَاَلْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ ) فكم تجده بقي إلا ستة أشهر ، فقال عثمان : واللّه ما فطنت لهذا عليّ بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها ، وكان من قولها لأختها : يا أخية لا تحزني فو اللّه ما كشف فرجى أحد قط غيره ، قال : فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به.

[تفسير ابن جرير ج ٢٥ ص ٦١] روى بسنده عن بعجة بن زيد الجهني إن امرأة منهم دخلت على زوجها وهو رجل منهم أيضاً فولدت له في ستة أشهر فذكر ذلك لعثمان بن عفان فأمر بها أن ترجم فدخل عليه علي ابن أبي طالب عليه السلام فقال : إن اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه :( وَحَمْلُهُ وَفِصٰالُهُ

٣٣٦

ثَلاٰثُونَ شَهْراً ) وقال :( وَفِصٰالُهُ فِي عٰامَيْنِ ) قال : فو اللّه ما عَبَدَ عثمان أن بعث اليها ترد ، قال : قال يونس : قال ابن وهب : عَبَدَ استنكف ، (أقول) فيكون المعنى هكذا : فو اللّه ما استنكف عثمان أن بعث إلى المرأة التي أمر برجمها ترد.

[مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ١ ص ١٠٠] روى بسنده عن عبد اللّه ابن الحارث بن نوفل الهاشمي قال : كان أبي الحارث على أمر من أمر مكة في زمن عثمان فأقبل عثمان إلى مكة فقال عبد اللّه بن الحارث : فأستقبلت عثمان بالنُزل بقديد فاصطاد أهل الماء حجلاً فطبخناه بماء وملح فجعلناه عُراقاً للثريد فقدّمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا ، فقال عثمان : صيد لم أصطده ولم نأمر بصيده ، إصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس ، فقال عثمان : من يقول في هذا؟ فقالوا : على (عليه السلام) فبعث إلى على (عليه السلام) فجاء ، قال عبد اللّه بن الحارث : فكأني أنظر إلى على (عليه السلام) حين جاء وهو يحت الخبط عن كفيه ، فقال له عثمان : صيد لم نصطده ولم نأمر بصيده اصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس ، قال : فغضب على (عليه السلام) وقال : أنشد اللّه رجلاً شهد رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم حين أتى بقائمة حمار وحش فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : إنا قومٌ حرُمٌ فاطعموه أهل الحل ، قال : فشهد إثنا عشر رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ثم قال على (عليه السلام) : أشهد اللّه رجلاً شهد رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم حين أتى بيض النعام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : إنا قوم حُرُمٌ أطعموه أهل الحل قال : فشهد دونهم من العدة من الاثني عشر ، قال : فثنى عثمان وركه عن الطعام فدخل رحله وأكل ذلك الطعام أهل الماء ، (أقول) ورواه بعد هذا بطريقين آخرين مختصراً(١) ، ورواه الطحاوي أيضاً في شرح معاني الآثار في كتاب الحج (ص

_______________

(١) شرح بعض ألفاظ الحديث : المنزل ـ بضمتين ـ المنزل وهو أيضاً قرى الضيف ، والظاهر أن المراد به هنا مكان أعد لنزول الضيوف ، وقديد ـ بصيغة التصغير ـ موضع قرب مكة ، =

٣٣٧

٣٨٦) مختصراً ، وذكره المتقي أيضاً في كنز العمال (ج ٣ ص ٥٣) وقال : أخرجه ابن جرير وصححه ، وأخرجه الطحاوي وأبو يعلى ، وذكره. الهيثمي أيضاً في مجمعه (ج ٣ ص ٢٢٩) وقال : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه ، والبزار (ثم قال) وفيه علي بن زيد وفيه كلام كثير وقد وثق.

[مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ١ ص ١٠٤] روى بسنده عن الحسن ابن سعد عن أبيه أن يحنس وصفية كانا من سبي الخمس ، فزنت صفية برجل من الخمس فولدت غلاماً فادعاه الزانى ويحنس فاختصما إلى عثمان فرفعهما إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال على (عليه السلام) أقضي فيهما بقضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وجلدهما خمسين خمسين ، (أقول) وذكره المتقي أيضاً في كنز العمال (ج ٣ ص ٢٢٧) وقال : أخرجه الدورقي.

_______________

= والحجل ـ بفتحتين ـ طائر معروف ، والعراق ـ بضم العين وتخفيف الراء ـ جمع عرق ـ بفتح فسكون ـ وهو العظم إذا أخذ منه معظم اللحم وبقي عليه لحوم رقيقة طيبة فتكسر وتطبخ ، وهو جمع نادر ، وأراد به هنا أنهم جعلوا الحجل موضع العراق فطبخوا عليه مرقاً أو أراد به المرق نفسه ، والخبط ـ بفتحتين ـ ورق العضاه من الطلح ونحوه يخبط بالعصا فيتناثر ثم يعلف الإبل.

٣٣٨

بابٌ

في رجوع معاوية الى علي (ع)

لا ينكر أحد أن معاوية كان كثيراً ما يرجع في مهماته ومسائله إلى علي عليه السلام ، يشهد لذلك التاريخ الصحيح ، ومن أنكره فهو معاند ومنكر للمتواتر وناصب له العداوة ، وإني ذاكر لك فيما يأتي بعض المصادر ، وفيه الكفاية لمن أنصف.

[موطأ الامام مالك بن أنس في كتاب الأفضية ص ١٢٦] روى بسنده عن سعيد بن المسيب أن رجلاً من أهل الشام يقال له ابن خيبرى وجد مع امرأته رجلاً فقتله أو قتلهما معاً فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه فكتب إلى أبي موسى الأشعرى يسأل له علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن ذلك ، فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال له على (عليه السلام) : إن هذا لشىء ما هو بأرضى عزمت عليك لتخبرنى فقال له أبو موسى : كتب إلى معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك فقال على (عليه السلام) : أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليُعط برُمته(١)

_______________

(١) قال ابن الأثير الجزري في (نهاية غريب الحديث) بمادة (رمم) «ومنه حديث علي : (إن جاء بأربعة يشهدون وإلا دفع اليه برمته : الرمة بالضم قطعة حبل يشد بها الأسير أو =

٣٣٩

[أقول] ورواه البيهقي أيضاً في سننه (ج ٨ ص ٢٣٠) وبطريق آخر في (ص ٢٣٧) وبطريق ثالث (في ج ١٠ ص ١٤٧) ورواه الشافعي أيضاً في مسنده في كتاب الجنائز والحدود (ص ٢٠٤) ، وذكره المتقي أيضاً في كنز العمال (ج ٧ ص ٣٠٠) وقال : أخرجه الشافعي وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقى.

[الاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٦٣] قال : وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عليه السلام عن ذلك فلما بلغه قتله قال : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب ، فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام فقال له : دعني عنك.

[كنز العمال ج ٦ ص ٢١] قال : عن الشعبي عن علي عليه السلام أنه قال : الحمد للّه الذي جعل عدونا يسألنا عما نزل به من أمر دينه ، إن معاوية كتب إليّ يسألني عن الخنثى فكتبت اليه أن ورثه من قبل مباله ، قال : أخرجه سعيد بن منصور ، (أقول) وقال المناوي في فيض القدير (ج ٤ ص ٣٥٦) في الشرح ما هذا لفظه : وفي شرح الهمزية إن معاوية كان يرسل يسأل علياً عليه السلام عن المشكلات فيحيبه ، فقال أحد بنيه : تجيب عدوك ، قال : أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا.

[كنز العمال أيضاً ج ٣ ص ١٨٠] قال : عن أبي الوضين إن رجلاً تزوج إلى رجل من أهل الشام ابنة له ابنة مهيرة فزوجه وزف اليه ابنة له أخرى بنت فتاة فسألها الرجل بعد ما دخل بها ابنة من أنت؟ فقالت : ابنة فلانة ـ تعنى الفتاة ـ فقال : إنما تزوجت إلى أبيك ابنته المهيرة ، فارتفعوا إلى معاوية بن أبي سفيان فقال : امرأة بامرأة وسأل من حوله من أهل الشام فقالوا له : امرأة ، فقال الرجل لمعاوية : إرفعنا إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)

_______________

القاتل إذا قيد إلى القصاص أي يسلم اليهم الحبل الذي شد به تمكيناً لهم منه لئلا يهرب ثم اتسعوا فيه حتى قالوا : أخذ الشيء برمته أي كله».

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465