البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٢

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة7%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-371-766-6
الصفحات: 556

  • البداية
  • السابق
  • 556 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41552 / تحميل: 7717
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣٧١-٧٦٦-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولا كفو ولا شبه له في الصفات ، بمعنى أنّ المكلّف لا بدّ أن يعتقد أنّ الله تعالى موجود بوجود هو عين ذاته ؛ لأنّه موجد للعالم وللآثار الممكنة التي لا تحدث بنفسها ، بل تحتاج إلى مؤثّر غير متأثّر ولو بواسطة ، فيكون وجوده ضروريّا بالذات ؛ لضرورة ثبوت الشيء لنفسه ، وعدمه ممتنعا بالذات ؛ لامتناع اجتماع الضدّين.

وأنّه تعالى قديم بذاته بمقتضى وجوب وجوده ؛ إذ لولاه لكان حادثا محتاجا إلى محدث.

وأنّه تعالى أبديّ يمتنع عليه العدم كما يقتضيه القدم وعينيّة الوجود المعلومة من وجوب الوجود وعدم جواز الاحتياج إلى الغير.

وأنّه تعالى حيّ بشهادة حياة المصنوعات بالحياة القديمة التي هي عين الذات ؛ لئلاّ يلزم الاحتياج وتعدّد القدماء.(١)

وأنّه تعالى عالم بالعلم القديم الذاتي ؛ لمثل ما مرّ.

وأنّه تعالى قادر ، مختار ، غنيّ مطلق يحتاج إليه ما سواه ؛ لأنّه خلق الاختيار وأخّر بعض المختار ، مع أنّ العجز مستلزم للاحتياج المستلزم للحدوث.

وأنّه تعالى سميع ، بصير ، مريد ، متكلّم ، صادق ؛ لمثل ما مرّ.

وأنّه تعالى ليس بجسم ولا مركّب ولا مرئيّ ولا محلّ ولا حالّ ولا صاحب نحو ذلك من الأحوال.

وبالجملة ، فلا بدّ أوّلا من معرفة الله بخمس صفات :

الأولى : أنّه خالق العالم والممكنات ؛ لشهادة السماوات والأرض وما فيهما من البسائط والمركّبات.

الثانية : أنّه واجب الوجود بالذات ، بمعنى أنّ الوجود ـ بمعنى منشأ الأثر ـ لكونه عين ذاته تعالى لازم وضرور لذاته ؛ للزوم ثبوت الشيء لنفسه وكون نفس الذات

__________________

(١) هذا تعريض بمذهب الأشاعرة ، وسيأتي بيان مذهبهم ومناقشته.

٢١

علّة لإثبات الوجود له ، لا علّة للثبوت ليلزم معلوليّة الذات ، فيلزمه ضرورة الوجود بمعنى الكون والتحقّق ـ المعبّر عنه في الفارسيّة بـ « بودن » و « هستى » ـ لذاته واستحالة العدم عليه ؛ لاستحالة سلب الشيء عن نفسه.

الثالثة : أنّه صاحب صفات الكمال والجمال.

الرابعة : أنّه تعالى منزّه عن صفات النقص وله الجلال.

الخامسة : أنّ صفاته الذاتيّة عين ذاته.

وثانيا من معرفة جهات التوحيد ، أعني التوحيد الذاتي والصفاتي وغيرهما ، فهذا الأصل مشتمل على خمسة اعتقادات :

الأوّل : أنّ العالم له صانع واجب الوجود بالذات ، فهو من أصول الدين ، ومنكره كالدهري من الكافرين.

الثاني : أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات ، وهو من أصول المذهب أو كماله ، ومنكره ـ كبعض(١) أرباب المعقول أو المنقول ـ ناقص المذهب.

الثالث : أنّ الصانع الواجب بالذات ـ الذي هو صاحب جميع صفات الكمال والجمال ـ منزّه عن صفات النقص كالتجسّم والحلول ؛ لكونه صاحب الجلال ، وهو أيضا من أصول الدين من وجه ، والمذهب من وجه آخر ، ومنكره ـ كالمجسّمة والحلوليّة وأمثالهم ـ خارج عن الدين أو المذهب.

ومن جملة النقائص ما يحكى عن النصارى أنّ الله والد ومولود وروح القدس وشفيع ، وهو يتجلّى ودخل في رحم مريم وخرج إلى الدنيا وصلب وقتل ودفن ، ثمّ رجع إلى الدنيا بعد ثلاثة أيّام وغاص في جهنّم لنجاة أرواح الأنبياء والمؤمنين ، ثمّ صعد إلى السماء ، ثمّ ينزل إلى الدنيا لإيصال الثواب إلى الأخيار والعقاب

__________________

(١) هم المعتزلة ، وسيأتي بيان مذهبهم ومناقشة.

٢٢

إلى الفجّار.

الرابع : أنّ الصفات الذاتيّة ـ كالحياة والعلم والقدرة ـ عين الذات ، وهو أيضا من أصول المذهب ، ومنكره كالأشاعرة خارج عن المذهب.

الخامس : أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات ـ الذي هو صاحب صفات الكمال والجمال ، والمنزّه عن صفات النقص وهو صاحب الجلال ، وتكون صفاته الذاتيّة عين ذاته تعالى ـ واحد من جميع الجهات ، لا تكثّر في ذاته ، لا شريك له في الذات ، ولا كفو ولا شبيه له في الصفات.

وهو أيضا من أصول الدين ، ومنكره كالمشركين من الكافرين ، فليكن الكلام في هذا الأصل ـ بل في كلّ أصل من الأصول ـ في خمسة فصول ، وبعد كلّ فصل وصل لبيان ما يترتّب على الاعتقاد المذكور في ذلك الفصل وجودا وعدما.

وليكن الكلام قبل الشروع في إثبات التوحيد( في إثبات الصانع ) أي صانع العالم ، على أنّ اللام عوض عن المضاف إليه ، أو مغن عن الإضافة ، أو على أنّه الفرد الكامل المنصرف إليه اللفظ المطلق.

والظاهر أنّ وجه اختياره هو الإشارة إلى أنّ البرهان الممكن ـ إقامته عليه إنّما هو البرهان الإنّي ـ الذي ينتقل فيه من المعلول إلى العلّة ـ ؛ لأنّه يستدلّ من المصنوع الذي هو المعلول على الصانع الذي هو العلّة بملاحظة الصنع والإبداع والتكوين. ولا يمكن إقامة البرهان اللمّي الذي ينتقل فيه من العلّة إلى المعلول ولو بملاحظة إمكان العالم أو طبيعة الوجود كما عن الحكماء(١) ـ إذ لا علّة له ؛ لأنّه علّة لكلّ علل.

__________________

(١) انظر « الشفاء » الإلهيات : ٣٢٧ ـ ٣٣١ ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ٢٢ ؛ « النجاة » : ٢٣٥ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ ؛ « المطالب العالية » ١ : ٧٢ ـ ٧٣ ؛ « المحصّل » ٣٤٢ وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٠ ـ ٢٨ ؛ « مناهج اليقين » : ١٥٨ ؛ « النافع يوم الحشر » : ٨ ـ ٩ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٧٦ ـ ١٧٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٥ ؛ « شرح المقاصد » ٦ : ١٥ ـ ١٦ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٦ ؛ « شرح الهداية الأثيرية » لملاّ صدرا : ١٥ ـ ١٧ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٤.

٢٣

وما يقال ـ [ من ](١) أنّ كون العالم مصنوعا علّة لكون الواجب صانعا أي لهذا الوجود الرابطي لا الأصل ـ فاسد ؛ لكون الأمر بالعكس ، كما لا يخفى.

نعم ، هو علّة في الإثبات لا الثبوت(٢) وليس الوجه دفع ورود الاعتراض على ذكر « الواجب » بأنّ ما هو واجب فهو موجود بالضرورة ، فلا حاجة إلى إثباته ؛(٣) إذ(٤) ليس المراد من الواجب ما هو كذلك في نفس الأمر ، بل ما فرض كونه كذلك ، فيكون المقصود إثبات أنّ لهذا المفهوم فردا في الخارج ، وليس كالمفهومات الفرضيّة التي لا تحقّق لها فيه. ولا شكّ أنّ هذا ليس بديهيّا ، بل يحتاج إلى البرهان في إثباته.

( و ) في إثبات( صفاته ) الثبوتيّة الحقيقيّة التي هي عين الذات( وآثاره ) المترتّبة عليه في مقام الفعل كالصفات الإضافيّة ( وفيه فصول ) :

__________________

(١) انظر « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٩.

(٢) أي وجه اختيار كلمة « الصانع » دون « واجب الوجود » مثلا.

(٣) انظر « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٤.

(٤) هذا تعليل لقوله : « وليس الوجه ».

٢٤

( الفصل الأوّل : في وجوده )

أي في بيان أنّ الواجب الوجود بالذات ، الصانع للممكنات له فرد موجود في الخارج ، بمعنى أنّ للعالم صانعا واجب الوجود بالذات ؛ ردّا على من قال :(١) إنّ موجده الدهر أو الطبيعة من جهة توهّم كفاية الأولويّة الذاتيّة.

وذلك بأن يقال : لا شكّ في وجود فرد من أفراد الموجود المعلوم وجودها بديهة ، فذلك الفرد( الموجود إن كان واجبا فهو المطلوب ) وهو أنّ واجب الوجود موجود( وإلاّ ) يكن ذلك الموجود واجبا ، بل كان ممكنا( استلزمه ) أي استلزم وجود ذلك الممكن وجود واجب الوجود ؛ لأنّ له حينئذ مؤثّرا لا محالة ؛ لأنّ الإمكان يوجب افتقار الممكن إلى العلّة ؛ لأنّ الممكن ما يتساوى طرفاه ، وتحقّق أحد المتساويين لا بدّ له أن يرجّح بمرجّح ، وذلك المرجّح هو المراد بالعلّة.

لا يقال : (٢) لعلّ أحد طرفي الممكن كان له أولويّة ذاتيّة توجب تحقّقه من غير

__________________

(١) هم الدهرية. انظر « أصول الدين » للبغدادي : ٦٩ ؛ « الملل والنحل » للشهرستاني ٢ : ٢٣٥ ؛ « شرح المقاصد » ٥ : ٢٢٧ ؛ « الفصل في الملل والأهواء والنحل » ١ : ٤٧ ـ ٥٥ ؛ « كشاف اصطلاحات الفنون » ١ : ٨٠٠ ؛ « الحكمة المتعالية » ٧ : ١١١.

(٢) لمزيد الاطّلاع انظر « الأربعين في أصول الدين » ١ : ١٠٣ وما بعدها ؛ « المحصّل » : ٣٤٤ وما بعدها ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : ٨٤ ـ ٨٥.

٢٥

احتياج إلى العلّة ، فيكون العالم مستغنيا عن المؤثّر.

لأنّا نقول : لو فرضنا أنّ للممكن أولويّة ذاتيّة ، بمعنى كون الذات كافية فيها ، وفرضنا كون تلك الأولويّة كافية في وقوع أحد طرفيه ، يلزم إمّا أن لا تكون الأولويّة أولويّة بل وجوبا فيلزم الانقلاب ، وإمّا أن لا تكون ذاتيّة وحينئذ فكون الأولويّة أولويّة ذاتية غير متصوّر.

بيان الملازمة : أنّه لو تحقّق أحد الطرفين لتلك الأولويّة ، فإن لم يمكن تحقّق الآخر ، كان ذلك الآخر ممتنعا والطرف الراجح واجبا ، فيلزم الأمر الأوّل. وإن أمكن تحقّقه ، فإمّا أن يكون ذلك الإمكان بلا سبب ، فيلزم ترجيح المرجوح بلا سبب ، وهو أقبح من ترجّح أحد المتساويين بلا سبب ، أو بسبب فإمّا أن لا يقتضي أولويّة ذلك الآخر ، فلم يكن السبب سببا ، أو يقتضيها ، فيلزم مرجوحيّة الطرف الأوّل لذاته ، فلم تكن الأولويّة أولويّة ذاتيّة ؛ لامتناع زوال ما بالذات ، فيلزم الأمر الثاني.

على أنّه لو أمكن تحقّق ذلك الآخر ، لكان تحقّق غيره مع إمكان تحقّقه ترجيحا بلا مرجّح.

وأيضا كون الأولويّة ذاتيّة ومستندة إليها ومنسوبة إليها قبلها غير متصوّر ؛ إذ لا معنى لنسبة الشيء إلى شيء وكونه مقتضاه قبله ، وكونها بعده يستلزم استناده إلى علّة واجبة والاستغناء عن غيرها ولو كان « أولى » من الأولويّة ، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة.

ولا فرق فيما ذكرنا بين تفسير الأولويّة الذاتيّة باقتضاء ذات الممكن رجحان أحد الطرفين اقتضاء غير بالغ حدّ الوجوب ، أو كون أحد طرفي الممكن أليق بالنسبة إلى الذات لياقة غير بالغة حدّ الوجوب ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، فتلك العلّة إن كانت ممكنة تكون محتاجة إلى علّة أخرى ، وتلك الأخرى إن كانت عين الأولى يلزم الدور المصرّح ، وإن كانت غيرها وكانت ممكنة تكون محتاجة إلى أخرى وهكذا ، فإمّا أن تنتهي السلسلة إلى الواجب ، أو ترجع ، أو

٢٦

تذهب إلى غير النهاية على وجه الدور والتسلسل ؛ ولا سبيل إلى الثاني ؛( لاستحالة الدور والتسلسل ) ببرهان التطبيق ونحوه كما تقدّم ، فيلزم الانتهاء إلى الواجب ، فيثبت وجود الواجب الوجود وهو المطلوب.

قال المحقّق الخفري في تعليقاته على شرح الفاضل القوشجي على إلهيّات التجريد : « اختار المصنّفقدس‌سره في إثبات الواجب منهج الحكماء الإلهيّين ، وهو الذي يستدلّ فيه بالنظر إلى الوجود ؛ لأنّه أخصر وأوثق وأشرف من المنهج الذي اعتبر فيه حدوث الخلق ، أو إمكانه بشرط الحدوث ـ كما هو طريقة بعض(١) المتكلّمين ـ أو الحركة ، كما هو طريقة الطبيعيّين.

بيان ذلك : أنّ لأرباب العقول في إثبات الواجب مناهج ،(٢)

كما أشرنا إليه :الأوّل : منهج الحكماء الإلهيّين ، وهو الذي يستدلّ فيه بالنظر إلى الوجود بملاحظة طبيعة الوجود بما هو وجود من غير نظر إلى الخصوصيّات ، فالاستدلال باللوازم المنتزعة عن حاقّ الملزوم.

الثاني : منهج جماعة من المتكلّمين ، وهو الذي اعتبر فيه حدوث الخلق المتوقّف على إثبات حدوث العالم ، بأن يقال : إنّ العالم حادث ؛ للدلائل الدالّة عليه ، فلا بدّ من محدث ، ويجب الانتهاء إلى محدث غير حادث ؛ دفعا للدور والتسلسل ، وهو الواجب تعالى ، فيثبت المطلوب.

الثالث : منهج طائفة أخرى منهم ، وهو الذي اعتبر فيه الإمكان بشرط الحدوث.

__________________

(١) مراده طائفة من المتكلّمين ، كما سيذكر ذلك في المنهج الثالث.

(٢) المعروف أنّ أرسطو سلك منهج الحكماء الطبيعيّين وابن سينا سلك منهج الحكماء الإلهيّين. ولمزيد المعرفة عن المناهج الأربعة انظر « الشفاء » الإلهيات : ٣٢٧ ـ ٣٣١ ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ٢٢ و ٣٤ ـ ٣٨ ؛ « النجاة » : ٢٣٥ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٣ : ٢٢ ـ ٢٧ ؛ « المطالب العالية » ١ : ٧٢ ؛ « المحصل » : ٣٤٢ وما بعدها ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٤٦٧ ـ ٤٧١ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٠ ـ ٢٨ ؛ « مناهج اليقين » : ١٥٨ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٥ ـ ٢٤ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٢ ـ ٤٨ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٤ ـ ٥٠٠.

٢٧

وتقريره مثل ما مرّ.

الرابع : منهج الحكماء الطبيعيّين ، وهو الذي يكون النظر فيه إلى طبيعة الحركة ، بأن يقال : لا شكّ في وجود متحرّك ، ولا بدّ له من محرّك غير ذاته ؛ إذ حركته أمر ممكن لا بدّ له من علّة لا محالة ، فيجب الانتهاء إلى محرّك غير متحرّك أصلا ؛ دفعا للدور أو التسلسل ، وهو الواجب.

أو يقال : إنّ النفس الناطقة خارجة في كمالاتها من القوّة إلى الفعل ، فلا بدّ لها من مخرج ، ويجب الانتهاء إلى مخرج غير مخرج ؛ دفعا للدور أو التسلسل ، وهو الواجب تعالى.

والمنهج الأوّل أخصر ؛ لكونه أقلّ مقدّمة وأوثق ؛ لكونه أشبه بالبرهان اللمّي ، بل قيل :(١) إنّه برهان لمّي ؛ إذ هو استدلال بحال مفهوم « الموجود »(٢) على أنّ بعض الموجود(٣) واجب ، لا على ذات الواجب في نفسه ، وكون طبيعة الوجود مشتملة على فرد وهو الواجب لذاته ، وهي حال من أحوال تلك الطبيعة ، فالاستدلال بحال تلك الطبيعة على حال أخرى لها معلولة للأولى ، وأشرف المناهج ؛ إذ الوجود منبع كلّ شرافة ، وموجب كلّ إنافة ».(٤)

ثمّ قال : « ويمكن تقرير هذا الدليل بوجوه أربعة :

أحدها : أنّ للموجود أفرادا بالبديهة ، فإن كان واحد منها واجب الوجود بالذات ثبت المطلوب. وإن كان كلّها ممكنا فله مؤثّر موجود بالضرورة ، ولزم الانتهاء إلى الواجب ؛ لاستحالة الدور والتسلسل.

__________________

(١) قال به العلاّمة الحلّيقدس‌سره في « كشف المراد » : ٢٨٠ والفاضل السيوري في « إرشاد الطالبين » : ١٧٧ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ٧١ ، ونسبه اللاهيجي إلى القيل في « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٨.

(٢) في « أ » : « الوجود » بدل « الموجود ».

(٣) في « أ » : « الوجود » بدل « الموجود ».

(٤) الإنافة من نوف : الارتفاع.

٢٨

وثانيها : أن يقال في الشقّ الثاني : إن لم يتحقّق في أفراد الموجود واجب الوجود لزم الدور أو التسلسل.

وثالثها : أن يقال فيه : إن لم يتحقّق واجب الوجود في أفراد الموجود لزم أن يتحقّق فيها ؛ لاستحالة الدور والتسلسل.

ويمكن حمل كلام المصنّف على هذا.

ورابعها : ما قرّر الشارح ،(١) وهو أحد احتمالي عبارة المصنّف ».(٢) انتهى.

والفرق بين الوجوه يظهر بالتأمّل.

ويمكن الاستدلال بوجه آخر ، وهو أن يقال : مجموع الموجودات في حال وجوده واجب ؛ لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ؛ وذلك لأنّ الأولويّة الذاتيّة غير متصوّرة كما سبق ، فلا تكون سببا للوجود ، والأولويّة الناشئة من العلّة الخارجة عن ذات الممكن وإن كانت متصوّرة ؛ لعدم لزوم شيء ممّا لزم على الأولويّة الذاتيّة لكنّها غير كافية في الوجود ؛ لأنّها إن جعلت الطرف المقابل للأولى محالا ممتنع الوقوع لم تكن أولويّة خارجيّة بل وجوبا بالغير ، وإلاّ فيمكن مع تلك الأولويّة وقوع الطرف المقابل كما يمكن وقوع الطرف الأوّل ، فالوقوع مع تلك الأولويّة واللاوقوع معها متساويان ، فلو فرض وقوع أحدهما يلزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجّح وهو باطل ، فيلزم وجوبه.

ولأنّ الموجود في حال وجوده لو لم يكن واجبا فإمّا أن يكون ممتنعا أو ممكنا ، والامتناع ممتنع ؛ لوجوده ، وكذا الإمكان غير ممكن ؛ لأنّ معناه صلاحية وجوده مع عدمه وقد فرضناه موجودا ، وهذا خلف ، فتعيّن وجوبه.

ولأنّ الموجود لا يوجد إلاّ بعد تحقّق جميع الدواعي ، وارتفاع جميع الموانع ،

__________________

(١) مراده الفاضل القوشجي. انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٢) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط.

٢٩

كما لا يخفى ، وحينئذ يكون وجوده واجبا ، فذلك الوجوب إمّا في جميعها بالذات ، أو في جميعها بالغير ، أو في بعضها بالذات وفي بعض آخر بالغير.

لا سبيل إلى الأوّل ؛ لأنّه ـ مع استلزامه لمطلوبنا ، وهو وجود الواجب بالذات ـ مستلزم لتعدّد الواجب بالذات أيضا وهو باطل ؛ لما سيأتي ، ولا إلى الثاني ؛ للزوم الدور أو التسلسل ؛ فتعيّن الثالث ، فثبت أنّ واجب الوجود موجود.

وقد استدلّ عليه ببراهين أخر(١) أيضا :

منها : أنّ الموجودات لو كانت منحصرة في الممكنات الصرفة لزم الدور ؛ لأنّها في حكم ممكن واحد في إمكان انعدامها بدلا عن وجودها ؛ وذلك لأنّه وإن امتنع عدم كلّ منها بسبب علّة لكن لا شكّ في إمكان عدمه مع عدم علّته ؛ لكونها أيضا من الممكنات على هذا التقدير ، فتحقّق موجود ما يتوقّف على إيجاد ما ؛ لأنّ وجود الممكنات إنّما يتحقّق بالإيجاد ، وتحقّق إيجاد ما أيضا يتوقّف على تحقّق موجود ما ؛ إذ الشيء ما لم يوجد لم يوجد ، وليس موجود على هذا التقدير غير ما توقّف على ذلك الإيجاد ، فيلزم الدور ، فلا بدّ من موجود غير ممكن لا يحتاج في وجوده إلى إيجاد ، فيصدر منه إيجاد الممكنات وهو واجب الوجود ، فثبت وجود الواجب. كذا ذكره المحقّق الخفري في التعليقات المشار إليها.(٢)

ومنها : أنّه لو لم يكن واجب الوجود بالذات موجودا ، لم يكن شيء من الممكنات موجودا ولو لم يستحل الدور والتسلسل ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ مجموع الممكنات إمّا موجود حقيقي بكونه معروضا لجهة

__________________

(١) انظر « المطالب العالية » ١ : ٢٤٩ ـ ٢٧٨ ؛ « المحصّل » : ٣٤٢ ـ ٣٥٢ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٤٦٨ ـ ٤٧١ ؛ « مجموعة مصنفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٣ ـ ٣٩ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٧٧ ـ ١٧٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٢ ـ ١٢ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٧ ـ ٢٤ ؛ « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ١٦٥ ـ ١٨٦ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.

(٢) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط.

٣٠

الوحدة حقيقة كالبيت والسرير ، أو موجود اعتباري معروض لجهة الوحدة الاعتبارية كالعسكر.

وعلى الأوّل يكون المجموع أيضا ممكنا آخر بحسب الخارج لا واجبا سيّما على تقدير عدم الواجب كما هو المفروض ، فيحتاج إلى علّة مرجّحة للوجود على العدم ، والمفروض عدم الواجب ، فلا يكون الواجب علّته مع امتناع كون نفس المجموع أو بعضه علّة ؛ لامتناع كون الشيء علّة لنفسه بديهة ، فيكون المجموع بلا علّة ، ويمتنع وجود الممكن بلا علّة ، فيلزم عدم المجموع.

وعلى الثاني فإن أمكن عدم المجموع لزم إمكان عدم آحاده ، فوجوبها ـ الذي لا يمكن وجودها إلاّ به ـ محتاج إلى علّة منتفية وإن لم يمكن لزم وجود واحد يكون علّة للكلّ حتّى لنفسه وهو الواجب ، والمفروض عدمه ، فيلزم عدم الممكنات بأسرها ، وهو خلاف البديهة.

ومنها : برهان التضايف :

وتقريره : أنّه إذا تسلسلت العلل ولم يكن في الوجود واجب الوجود ، فكلّ واحد واحد ممّا هو فوق المعلول الأخير متّصف بالعلّيّة بالقياس إلى ما تحته ، وبالمعلوليّة بالقياس إلى ما فوقه ، فجميع ما فوق المعلول الأخير متّصف بالعلّيّة والمعلوليّة معا ، والمعلول الأخير متّصف بالمعلوليّة فقط ، فيلزم زيادة عدد المعلوليّة على عدد العلّيّة بواحد وهو محال ؛ لأنّ المتضايفين الحقيقيّين يجب تكافؤهما في الوجود ، فيلزم أن يكون في الوجود موجود متّصف بالعلّيّة فقط ليستقيم التكافؤ الواجب بين عدد العلّيّات والمعلوليّات ، والأمر المتّصف بالعلّيّة دون المعلوليّة باعتبار وجوده في نفسه هو الواجب بالذات ؛ بناء على أنّ العقل يحكم بأنّه يمتنع زيادة عدد أحد المتضايفين على عدد الآخر ، كما يحكم بأنّه يمتنع تحقّق أحد المتضايفين بدون الآخر ولو كان بملاحظة إجماليّة.

ومنها : أنّه ليس للموجود المطلق ـ من حيث هو موجود ـ مبدأ يكون مبدأ

٣١

لجميع أفراده ، وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ؛ لأنّه لكونه من جملة الموجودات التي هو مبدأ لها يكون مبدأ لنفسه أيضا ، والممكن من حيث هو لا بدّ له من مبدأ يكون مبدأ لجميع أفراده ؛ لكونها في حكم ممكن واحد محتاج إلى العلّة كما سبق ، فلا يمكن إيجاد أفراد الموجود المطلق وأفراد الممكن ، فلا بدّ من وجود فرد للموجود المطلق غير الممكن وهو الواجب ، فيثبت وجود الواجب بالذات. كذا ذكره المحقّق الخفري. وقال : « وهذا حقيق بأن يكون طريقة الصدّيقين الذين يستشهدون بالحقّ لا عليه ».(١)

ومنها : أنّ كلّ عاقل يحكم بملاحظة ما سبق أنّ جميع الممكنات لا بدّ لها من علّة بالذات ، أي علّة يكون جميع أجزائها متأخّرا عنها ، محتاجا إليها ، وظاهر أنّه إذا كان جزء من أجزاء الممكنات علّة لها بهذا المعنى يلزم تقدّمه على نفسه وعلى علله ، فيجب أن يكون لها علّة خارجة عنها ، وهو الواجب بالذات.

ومنها : أنّه لو لم يتحقّق الواجب ، لم يتحقّق شيء من الممكنات ؛ إذ لا شيء من الممكنات مستقلّ بنفسه لا في الوجود ـ كما هو الظاهر ـ ولا في الإيجاد ؛ إذ المستقلّ بإيجاد شيء هو ما يمتنع بسببه جميع أنحاء عدم ذلك الشيء ، ولا شيء من الممكنات كذلك ؛ لأنّها لجواز عدمها لا يتصوّر كون شيء منها سببا لامتناع عدم شيء آخر ؛ إذ لا وجود ولا إيجاد ، فلا موجود لا بذاته ولا بغيره ، كما لا يخفى.

ومنها : أنّ الممكن الكلّي الموجود في ضمن مصداقه(٢) بالبديهة ـ بناء على بداهة وجود الكلّي الطبيعي بمشاهدة انتزاع العقل من المصاديق شيئا مشتركا فيه بالعيان وكون الممكن الكلّي كلّيا طبيعيّا بالنسبة إلى مصاديقه مع كفاية الجوهر الممكن

__________________

(١) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط.

(٢) المراد أنّ الممكن ما لا يجب لذاته ، وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود لذاته ، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود ، فلا بدّ من واجب لذاته ، فقد ثبت واجب الوجود لذاته. وهذه طريقة حسنة مستقيمة خفيفة المئونة مبنيّة على أنّ الشيء ما لم يجب ولم تمتنع جميع أنحاء عدمه لم يوجد. ( منهرحمه‌الله ).

٣٢

الذي هو جنس الأجناس ـ لا بدّ له من موجد موجود خارج ؛ حذرا عن الترجيح بلا مرجّح ونحوه وهو الواجب ؛ لانحصار المفهوم في الواجب والممكن والممتنع ، وحيث امتنع كون الممتنع موجدا ؛ لعدم وجوده ، وامتنع كون نفس الممكن علّة ؛ لئلاّ يلزم تقدّم الشيء على نفسه ، أو تحصيل الحاصل ، أو كونه بلا علّة ؛ لما مرّ ، مضافا إلى [ أنّ ] الممكن ما تساوى نسبة الوجود والعدم إلى ذاته ، بمعنى عدم اقتضاء ذات الممكن شيئا منهما حتّى لا يرد عدم تصوّر نسبة شيء إلى المعدوم ، وعدم تصوّر ترجّح أحدهما مع اقتضاء الذات التساوي تعيّن(١) كون موجده هو الواجب بالذات ، فثبت وجوده وهو المطلوب. هذا ما يتعلّق ببيان البراهين العقليّة.

الأدلّة النقليّة

وأمّا ذكر الأدلّة النقليّة ليجتمع البحران ، ويطابق العقل مع النقل سيّما القرآن ، فيتوقّف على ملاحظة الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب ففيه آيات كثيرة :

منها : قوله تعالى :( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) (٢) الآية.

ومنها : قوله تعالى :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .(٣)

ومنها : قوله تعالى :( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) .(٤)

ومنها : قوله تعالى :( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) .(٥)

ومنها : قوله تعالى :( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ

__________________

(١) جواب لقوله آنفا : « وحيث امتنع ».

(٢) إبراهيم (١٤) : ٣٢.

(٣) لقمان (٣١) : ٢٥ ؛ الزمر (٣٩) : ٣٨.

(٤) النحل (١٦) : ٤.

(٥) النحل (١٦) : ٥.

٣٣

أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .(١)

بيان :

قال الطبرسي في جوامع الجامع : « والمعنى أنّ الموعود ـ من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم ـ سيرونه ويشاهدونه ، فيتبيّنون عند ذلك أنّ القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كلّ شيء شهيد ، أي مطّلع مهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنّه حقّ ، وأنّه من عنده ».(٢)

والظاهر أنّ المراد الاستدلال بالحقّ ـ الشاهد على كلّ شيء ـ على وجوده ، بمعنى أنّ آثار وجوده تعالى متحقّقة في الأنفس والآفاق من جهة ملاحظة أصل الوجود واختلاف الألسنة والألوان والحجم والاستحكام وأمثال ذلك من الآثار الممكنة المحتاجة إلى المدبّر القادر العالم الحكيم ، فبعد ملاحظتها يظهر أنّ الواجب الوجود بالذات موجود حقّ ، فبمشاهدة الأثر يحكم بوجود المؤثّر ، وبملاحظة أنّ وجود الأثر مستند إلى وجود المؤثّر يدرك وجود الحقّ في كلّ شيء حتّى كأنّه مشاهد ، فيكفي مشاهدته في الحكم بوجوده تعالى على وجه أجلى وأحلى وأعلى وأغلى وأولى ؛ لأنّه برهان إنّيّ كالبرهان اللمّيّ.

وتوهّم(٣) أنّ المراد أنّه استدلال بالحقّ على الحقّ على وجه الحقيقة فاسد ؛ لأنّه يتمّ على مذهب من يقول بوحدة الوجود ، كما لا يخفى ، وهو كفر وزندقة.

__________________

(١) فصلت (٤١) : ٥٣.

(٢) « جوامع الجامع » : ٤٢٦.

(٣) هذا تعريض من الأسترآباديّ ; بطريقة العرفاء ، وليس مرادهم ما فهمه هو ، بل طريقتهم معضدة بعدّة من الروايات. انظر في ذلك « التوحيد » باب التوحيد ونفي التشبيه : ٥٧ ـ ٥٨ / ١٥ وباب صفات الذات : ١٤٣ / ٧ حول هذا المبحث راجع « الفتوحات المكّيّة » ١١ : ٣٤٣ ؛ ٤ : ٣٧ ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ : ٣٨٨ و ٥٠٥ ؛ « التأويلات » للكاشانيّ ٢ : ٤٢٢ ؛ « جامع الأسرار » : ١٠٥ وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة » ١ : ١٣٥ ؛ ٣ : ٣٩٦ ؛ ٥ : ٢٧ ؛ ٦ : ١٣ ـ ٢٦ ؛ ٩ : ٣٧٤ ـ ٣٧٦ ؛ « شرح المشاعر » : ٣٦٩ وما بعدها ؛ « شرح الأسماء الحسنى » للسبزواريّ : ٤٣٦ ـ ٤٣٩ ؛ « روح البيان » ٨ : ٤٨٤.

٣٤

إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على وجود الصانع من باب البرهان الإنّي ، البالغة إلى أربع وسبعين آية على ما عددتها.

وأمّا السنّة :

فمنها : ما روي عن هشام بن الحكم أنّه قال : كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد اللهعليه‌السلام أن قال : ما الدليل على صانع العالم؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعها صنعها ، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبنيّ ، علمت أنّ له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟ ».

قال : وما هو؟ قال : « شيء بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي : « شيء » إلى إثباته ، وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة غير أنّه لا جسم ولا صورة ، ولا يجسّ ولا يحسّ ، ولا يدرك بالحواسّ الخمس ، ولا تدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا يغيّره الزمان ».

قال السائل : فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد منّا مرتفعا ؛ فإنّا لم نكلّف أن(١) نعتقد غير موهوم ، لكنّا نقول : كلّ موهوم بالحواسّ مدرك بما تحدّه الحواسّ ممثّلا ، فهو مخلوق ، ولا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين ، إحداهما : النفي ؛ إذ كان النفي هو الإبطال والعدم. والجهة الثانية : التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه أنّهم مصنوعون وأنّ صانعهم غيرهم وليس مثلهم ؛ إذ لو كان مثلهم لكان شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف ، وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا ، وتقلّبهم من صغر إلى كبر ، وسواد إلى بياض ، وقوّة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها ».

قال السائل : فأنت قد حدّدته إذا أثبتّ وجوده. قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « لم أحدّده

__________________

(١) في « د » : « لم نكلّف إلاّ أن نعتقد غير موهوم ».

٣٥

ولكن أثبتّه ؛ إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة ».

قال السائل : فقوله :( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (١) ؟ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ، ولا أنّ العرش حاو له ، ولا أنّ العرش محلّ له ، لكنّا نقول : هو حامل للعرش وممسك للعرش ، ونقول في ذلك ما قال :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (٢) فثبّتنا من العرش والكرسيّ ما ثبّته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسيّ حاويا له ، وأن يكون ـ جلّ وعزّ ـ محتاجا إلى مكان أو إلى شيء ممّا خلق ، بل خلقه محتاجون إليه ».

قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنّه عزّ وجلّ أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ؛ لأنّه جعله معدن الرزق ، فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال : ارفعوا أيديكم إلى الله عزّ وجلّ ».(٣) وهذا تجمع عليه فرق الأمّة كلّها.

بيان :

المراد بالشيئيّة ما يساوق الوجود ، أو نفسه ، والمراد بيان عينيّة الوجود ، أو قطع لطمع السائل عن تعقّل كنهه ، بل لا يعقل إلاّ بأنّه شيء ، وأنّه بخلاف الأشياء.

و « الجسّ » كما قيل بالجيم : المسّ.

قوله : « فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا » أي يلزم ممّا ذكرت أنّه لا تدركه

__________________

(١) طه (٢٠) : ٥.

(٢) البقرة (٢) : ٢٥٥.

(٣) « التوحيد » : ٢٤٣ ـ ٣٥٠ ، الباب ٢٦ في الردّ على الثنويّة والزنادقة ؛ « الاحتجاج » ٢ : ١٩٧ ، احتجاجات الإمام الصادقعليه‌السلام ، ح ٢١٣ ، وقد أخذ المؤلّف موضع الحاجة منه.

٣٦

الأوهام ؛ إذ كلّ ما يحصل في الوهم فهو مخلوق ، فأجابعليه‌السلام بأنّه تعالى لا تدرك كنه حقيقته العقول والأوهام ، ولا يتمثّل أيضا في الحواسّ ؛ إذ هو مستلزم للتشبيه بالمخلوقين ، ولو كان كما توهّمت ـ من أنّه لا يمكن تصوّره بوجه من الوجوه ـ لكان تكليفنا بالتصديق بوجوده وتوحيده وسائر صفاته تكليفا بالمحال ؛ إذ لا يمكن التصديق بثبوت شيء لشيء بدون تصوّر ذلك الشيء ، فهذا القول مستلزم لنفي وجوده وسائر صفاته عنه تعالى ، ولا بدّ في التوحيد من إخراجه عن حدّ النفي والتعطيل ، وعن حدّ التشبيه بالمخلوقين.

ثمّ استدلّعليه‌السلام بتركيبهم وحدوثهم وتغيّر أحوالهم وتبدّل أحوالهم وأوضاعهم على احتياجهم إلى صانع منزّه عن جميع ذلك غير مشابه لهم في الصفات الإمكانيّة ، وإلاّ لكان هو أيضا مفتقرا إلى صانع ؛ لاشتراك علّة الافتقار.

قوله : « فقد حدّدته إذا أثبتّ وجوده » أي إثبات الوجود له يوجب التحديد ، إمّا بناء على توهّم أنّ كلّ موجود لا بدّ أن يكون محدودا بحدود جسمانيّة أو عقلانيّة ، أو باعتبار التحديد بوصف أنّه موجود ، أو باعتبار كونه محكوما عليه ، فيكون موجودا في الذهن محاطا به ، فأجابعليه‌السلام بأنّه لا يلزم أن يكون كلّ موجود جسما أو جسمانيّا حتّى يكون محدودا بحدود جسمانيّة ، ولا أن يكون مركّبا حتّى يكون محدودا بحدود عقلانيّة ، ولا يلزم كون حقيقته حاصلة في الذهن أو محدودة بصفة ؛ فإنّ الحكم لا يستدعي حصول الحقيقة في الذهن ، بل يكفيه التصوّر بوجه ما ، والوجود ليس من الصفات الموجودة المغايرة التي تحدّ بها الأشياء ، بل شيء يعتبر له بملاحظة آثاره.

ومنها : ما روي عن يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّدعليهم‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فقال : « الله هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من دونه وتقطّع الأسباب من جميع من سواه ، تقول : بسم الله ،

٣٧

أي أستعين على أموري كلّها بالله الذي لا تحقّ العبادة إلاّ له ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي ، وهو ما قال رجل للصادقعليه‌السلام : يا ابن رسول الله! دلّني على الله ما هو ، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني؟ فقال له : يا عبد الله! هل ركبت سفينة قطّ؟ قال : نعم ، قال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال : نعم ، قال : فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال : نعم ، قال الصادقعليه‌السلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ».(١)

ومنها : ما روي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « سمعت أبي يحدّث عن أبيهعليهما‌السلام أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال له : يا أمير المؤمنين! بما عرفت ربّك؟ قال : بفسخ العزائم ونقض الهمم لمّا أن هممت حال بيني وبين همّي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، فعلمت أنّ المدبّر غيري. قال : فبما ذا شكرت نعماءه؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرف عنّي وابتلى به غيري ، فعلمت أنّه قد أنعم عليّ ، فشكرته. قال : فبما ذا أحببت لقاءه؟ قال : لمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت أنّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني ، فأحببت لقاءه ».(٢)

ومثله عنه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .(٣)

ومنها : ما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال للمفضّل : « يا مفضّل أوّل العبر والأدلّة على البارئ ـ جلّ قدسه ـ هيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه ؛ فإنّك إذا تأمّلت العالم بفكرك وميّزته بعقلك ، وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ،

__________________

(١) « التوحيد » : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، الباب ٢١ ، ح ٥ ؛ « معاني الأخبار » : ٤ باب معنى الله عزّ وجلّ ، ح ١.

(٢) « الخصال » : ٣٣ باب الاثنين معرفة التوحيد بخصلتين ، ح ١ ، ورواها عن زياد بن منذر عن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّهعليهم‌السلام في « التوحيد » : ٢٨٨ ، الباب ٤١ ، ح ٦.

(٣) « التوحيد » : ٢٨٩ ، الباب ٤١ ، ح ٨.

٣٨

والنجوم منضودة كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكلّ شيء فيها لشأنه معدّ ، والإنسان كالمملّك ذلك البيت والمحوّل جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيّأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ، ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة ، وأنّ الخالق له واحد ، وهو الذي ألّفه ونظمه بعضا إلى بعض جلّ قدسه ، وتعالى جدّه ، وكرم وجهه ، ولا إله غيره ، تعالى عمّا يقول الجاحدون ، وجلّ وعظم عمّا ينتحله الملحدون ».(١)

ومنها : ما روي عن الاحتجاج أنّه دخل أبو شاكر الديصاني ـ وهو زنديق ـ على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال : يا جعفر بن محمّد! دلّني على معبودي ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « اجلس » فإذا غلام صغير في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا ديصاني! هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها ، لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى ، تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّرا؟ ». قال : فأطرق مليّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّك إمام وحجّة من الله على خلقه ، وأنا تائب ممّا كنت فيه.(٢)

بيان :

تقرير استدلالهعليه‌السلام : أنّ ما في البيضة ـ من الإحكام والإتقان والاشتمال على ما به صلاحها ، وعدم اختلاط ما فيها من الجسمين السيّالين والحال أنّه ليس فيها

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٣ : ٦١ ، كتاب التوحيد ، الباب ٤.

(٢) « الاحتجاج » ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، احتجاجات الإمام الصادقعليه‌السلام ، ح ٢١٥ ، ورواها الكلينيّ في « الكافي » ١ : ٨٠ ، كتاب التوحيد ، باب حدوث العالم ، ح ٤ وكذا الصدوق في « التوحيد » : ١٢٤ الباب ٩ ، ح ١.

٣٩

مصلح حافظ لها من الأجسام ، فيخرج مخبرا عن إصلاحها ، ولا يدخلها جسماني من خارج ، فيفسدها كما هو شأن أهل الحصن الحافظين له وحال الداخل فيه بالقهر والغلبة ـ دليل على وجود الصانع.

قوله : « وهي تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس » يدلّ على أنّ الأمر المذكور يدلّ على أنّ له مبدأ غير جسم ولا جسمانيّ.

والطواويس جمع الطاوس ، وهو طائر معروف.

ومنها : ما روي عنه ، عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء ـ بعد الاعتراض على أبي عبد اللهعليه‌السلام من جهة طواف بيت الله على وجه التهاون وجوابهعليه‌السلام بأنّه بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلّ أنبيائه وقبلة للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ـ : ذكرت الله فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم؟! ».

فقال ابن أبي العوجاء : فهو في كلّ مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟! وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟! فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان شغل به [ مكان ](١) وخلا به مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا الله العظيم الشأن الملك الديّان ، فلا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان ».(٢)

__________________

(١) الزيادة أضفناها من « الاحتجاج » ٢ : ٢٠٨.

(٢) « الاحتجاج » ٢ : ٢٠٦ ـ ٢٠٨ احتجاجات الإمام الصادقعليه‌السلام ، ح ٢١٨ ، ورواها في « التوحيد » : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

٤٠

بيان :

قوله : « أقرب إليه من حبل الوريد » مشعر بأنّ قربه قرب بالعلّيّة والتأثير ؛ إذ الوريد عرق في صفحة العنق بقطعه تزول الحياة. وفيما بعده إشارة إلى قربه من جهة الإحاطة العلميّة.

ومنها : ما روي عن محمّد بن عبد الله الخراساني خادم الرضاعليه‌السلام قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضاعليه‌السلام وعنده جماعة ، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : « أرأيت إن كان القول قولكم ـ وليس هو كما تقولون ـ ألسنا وإيّاكم شرعا سواء ، ولا يضرّنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا؟ » فسكت ، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : « إن يكن القول قولنا ـ وهو قولنا وكما نقول ـ ألستم قد هلكتم ونجونا؟ ».

قال : رحمك الله فأوجد لي كيف هو؟ وأين هو؟ قال : « ويلك إنّ الذي ذهبت إليه غلط ، وهو أيّن الأين ، وكان ولا أين ، هو كيّف الكيف ، وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفيّة ولا بأينونيّة ، ولا يدرك بحاسّة ، ولا يقاس بشيء ».

قال الرجل : فإذا إنّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسّة من الحواسّ ، فقال أبو الحسنعليه‌السلام : « ويلك لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه أنكرت ربوبيّته ، ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنّا أنّه ربّنا ، وأنّه شيء بخلاف الأشياء ».(١)

فساق الحديث على وجه يدلّ على أنّه لا يخلو عنه فرش ولا عرش ولا برّ ولا بحر ، فلا أرض ولا ماء ولا نار ولا هواء ولا كرسيّ ولا سماء ولا غير من الأشياء ، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء ، خارج من الأشياء لا كشيء من شيء خارج.

__________________

٤ ؛ « أمالي الصدوق » : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ / ٤ ؛ « علل الشرائع » ٢ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ / ٤ ؛ « الفقيه » ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ / ٣٢ ؛ « الإرشاد » ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠١ ؛ « كنز الفوائد » ٢ : ٧٥ ـ ٧٦.

(١) « الكافي » ١ : ٧٨ ـ ٨٠ باب حدوث العالم ح ٣ ؛ « التوحيد » : ٢٥٠ ـ ٢٥٢ ، الباب ٣٦ ، ح ٣ ؛ « عيون أخبار الرضا » ١ : ١٣١ ـ ١٣٢ ، الباب ١١ ، ح ٢٨ ؛ « الاحتجاج » ٢ : ٣٥٤ ـ ٣٥٦ ، احتجاجات الإمام الرضا ، ح ٢٨١.

٤١

ووردت أخبار أخر دالّة على وجود صانع موصوف بصفات الكمال. وذكرها يوجب التطويل والكلال.

وبالجملة ، فثبت بالدليل العقليّ والنقليّ في هذا الفصل ـ الذي هو الفصل الأوّل من الأصل الأوّل ـ أنّ للعالم صانعا واجب الوجود بالذات.

وصل :

هذا الاعتقاد من أصول الدين ، فمن أنكره كان من الكافرين ، ومن عرفه وأقرّ به كان في الجملة من المؤمنين ، ومن اعترف به عند الآخرين وأنكره عند الأوّلين كان من المنافقين والمذبذبين ، ومن لا يعرفه ولا يعانده كان من المستضعفين ، ومن أنكر بعض لوازمه ممّا سيأتي كان من المخالفين ، ويترتّب على كلّ فرقة حكمهم ممّا شطر في فروع الدين من الطهارة والنجاسة وقبول الشهادة ونحو ذلك من أحكام الدين.

٤٢

( الفصل الثاني ) في الاعتقاد الثاني :

[ في صفاته تعالى ]

وهو أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات ، فلا بدّ أوّلا من بيان( في صفاته تعالى ).

اعلم أنّ صفات واجب الوجود بالذات على قسمين : ثبوتيّة لا يعتبر في مفهومها السلب ، وسلبيّة يعتبر في مفهومها السلب ، ويقال لها : صفات النقص والجلال.

والثبوتيّة على قسمين : حقيقيّة لا يعتبر في مفهومها السلب والإضافة إلى الغير وإن أمكن عروض الإضافة لبعضها ، ويقال لها : صفات الذات والكمال ، وإضافيّة يقال لها : صفات الفعل والجمال.

والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل ـ التي تكون ثابتة لله في مقام الفعل لا في مقام الذات ، بمعنى كون الفعل جهة تعليليّة للثبوت لا تقييديّة كما في التميز ليلزم أن يكون الفعل موصوفا بحسب الواقع كما في الصفات التي تكون بحسب متعلّق الموصوف والمسند السببيّ ـ أنّ صفات الذات ما يكون ثابتا للذات ، ولا يمكن إثباته وإثبات نقيضه له ولو بالاعتبارين كالقدرة والعلم ؛ إذ لا يمكن أن يقال : إنّه قادر ليس بقادر ، وعالم وليس بعالم. وتوهّم إمكان النفي بالنسبة إلى الممتنع من باب كون السالبة بانتفاء الموضوع فاسد ؛ لعدم كون الممتنع قابلا لأن يكون متعلّق القدرة وهو على حاله معلوم ، وصفات الفعل ما يكون ثابتا للذات ، ويمكن إثباته مع نقيضه لها بالاعتبارين كالخالقيّة المثبتة بالنسبة إلى الموجود ، المنفيّة بالنسبة إلى المعدوم.

٤٣

وتوهّم لزوم(١) كون العدل من صفات الذات ؛ لامتناع إثبات نقيضه لله تعالى مع أنّهم حكموا بأنّه كمال الواجب بالذات في الأفعال كما أنّ التوحيد كماله في الذات فاسد ؛ لإمكان نفي العدل بإثبات الفضل لا الجور بالمنع في صورة الاستحقاق ، أو الإعطاء مع عدم الاستعداد في حقّه تعالى ؛ ولهذا يقال : ربّنا عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك.

والإيراد بأنّ سياق الكلام يقتضي إثبات الصفات السلبيّة مع أنّها منفيّة مدفوع بأنّ المراد بيانها لا إثباتها ، أو المراد بالنسبة إلى السلبيّة إثبات سلبها أو إثباتها على طريق المعدولة بأن يقال : إنّه تعالى لا مركّب ولا جسم ولا نحوهما ، أو بحمل الصفات على الثبوتيّة وكون ذكر السلبيّة بالتبع.

وكيف كان ، فأشرف الصفات الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة ـ التي هي عين الذات وكمالها ، بمعنى أنّها ثابتة للذات على وجه العينيّة من غير أن تكون الذات نائبة عنها ؛ لما سيأتي ، أو تكون زائدة عنها كما سنبيّن إن شاء الله تعالى ـ وهي ثمان صفات بعدد أبواب الجنان وإن كان أصولها ثلاثة : القدرة ، والعلم ، والحياة بكون ما عداها راجعة إليها ، وكونها من شعبها ككون الإرادة ـ بمعنى العلم بالمصلحة المقتضية لمشيئة الفعل ، وبالمفسدة المقتضية لمشيئة الترك ـ من شعب مطلق العلم ، وكذا السمع والبصر ، وكون الكلام ـ بمعنى القدرة على إيجاد ما يدلّ على المراد لا نفس الإيجاد أو ما يدل على المراد ـ من شعب القدرة ، وكذا الصدق ، وكون القدم والأزليّة والأبديّة والسرمديّة من شعب الحياة التي ، هي عين الذات.

وتوهّم (٢) لزوم التكثّر في ذات الله ؛ لتعدّد الصفات العينيّةمدفوع : بأنّ التعدّد باعتبار الآثار ، لا باعتبار نفس الذات التي تنسب إليها الوحدة من جميع الجهات ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) يظهر هذا اللزوم من كلام الصدوقرحمه‌الله حيث عدّ العدل من صفات الذات. انظر « التوحيد » : ١٤٨ باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ذيل ح ١٩.

(٢) انظر « المطالب العالية » ٣ : ٢٢٦.

٤٤

وبالجملة ، ففي هذا الفصل مطالب :

المطلب الأوّل :

في بيان الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة التي تسمّى صفات الذات وصفات الكمال. وفي هذا المطلب مسائل :

المسألة الأولى : في القدرة

ولا بدّ قبل الشروع في إثباتها له تعالى على وجه العينيّة ونفي القول بعدمها أو كون الذات نائبة عنها أو كونها زائدة عنها من رسم مقدّمتين :

[ المقدّمة ] الأولى : في تعريف القدرة والإيجاب ، وتقسيمهما ، وبيان محلّ الكلام.

اعلم أنّ القدرة قد تفسّر(١) بأمر يؤثّر على وفق الإرادة والقصد والشعور. وقد تفسّر بصفة تكون مبدأ لأفعال مختلفة على خلاف المزاج والطبيعة. وبينهما عموم من وجه ؛ لتصادقهما في القوّة الحيوانيّة ، وتحقّق الأوّل بدون الثاني في النفس الفلكيّة ، والعكس في النباتيّة. وقد تفسّر بأنّها ما يصحّ به من الفاعل الفعل وتركه.

وقال الخفري : « للفلاسفة في تفسير القدرة عبارتان : إحداهما : صحّة صدور

__________________

(١) لمزيد المعرفة حول أقوال الفلاسفة والمتكلّمين في تعريف القدرة انظر « الشفاء » الإلهيّات : ١٧٢ ـ ١٧٣ ؛ « التحصيل » ٤٧٢ ـ ٤٧٣ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « الأربعين » ١ : ١٧٤ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٩ ـ ١٢ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٥٠٢ ـ ٥٠٥ ؛ « نقد المحصّل » : ٢٦٩ ؛ « مناهج اليقين » : ٧٥ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٢٣٨ ـ ٢٤٠ ؛ « التعريفات » للجرجانيّ : ٢٢١ ، الرقم ١١٢٥ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ٥٣ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٢٧٣ ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » ٢ : ١٣٠٢ ـ ١٣٠٣.

٤٥

الفعل ولا صدوره ، وأرادوا منها إمكان الصدور واللاصدور بالنسبة إلى الفاعل من حيث هو فاعل. والثانية : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل. والتلازم بين معنييهما ظاهر ، فمعناهما متّفق عليه بين الفريقين »(١) .

أقول : والأولى أن يقال : إنّ القدرة تطلق على معنيين :

الأوّل : التمكّن على الفعل والترك وكون الشيء بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك.

الثاني : منشأ التمكّن المذكور سواء كان ذاتا كما في الواجب أو عرضا كما في الممكن.

والإيجاب يمكن كونه مصدرا مبنيّا للفاعل بمعنى الموجبيّة وكون الفاعل موجبا بصيغة الفاعل ، ويمكن كونه مبنيّا للمفعول بمعنى الموجبيّة وكون الفاعل موجبا بصيغة المفعول بكونه مصدرا للفعل من غير قدرة واختيار ، كإضاءة النور وإحراق النار ونحوهما ممّا يكون على وجه الاضطرار ، فيكون كلفظ « المضطرّ » بخلاف الأوّل ؛ فإنّه يطلق على فاعل يجب فعله بقدرته واختياره ، فلا يلزم الاضطرار ؛ فإنّ الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار كما في الأفعال التوليديّة للمختار.

فالقدرةقد تكون مؤثّرة بالنسبة إلى طرفي الفعل والترك ، بمعنى أنّ الفاعل شاء الترك فترك وشاء الفعل ففعل ، حتّى بالنسبة إلى قدرة الله تعالى إمّا باعتبار كونها زائدة على الذات ومنفكّة عنها وقتا ما ، كما يقول الأشاعرة ،(٢) أو باعتبار تأثيرها في المشيّة الزائدة على الذات الموجبة لوجود الممكنات على وجه التأخّر بالإرادة ليتحقّق طرفا القدرة ، كما يقول المحقّقون من المتكلّمين.(٣)

وقد تكون مؤثّرة بالنسبة إلى الفعل خاصّة ، كما في قدرة الله عند الحكماء ،(٤)

__________________

(١) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ـ ٤ ، مخطوط.

(٢) « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٣٨٢ ـ ٣٨٤ ؛ « نقد المحصّل » :

(٣) « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٣٨٢ ـ ٣٨٤ ؛ « نقد المحصّل » :

(٤) « الشفاء » الإلهيات : ١٧٠ ـ ١٨٥ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « التحصيل » : ٣٨٢ ـ ٣٨٤ ؛ « نقد المحصّل » :

٤٦

بمعنى وجوب صدور الفعل عنه دائما مع صحّة صدور الفعل والترك عنه بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة.

والإيجاب أيضا على قسمين : إيجاب بمعنى الاضطرار ، وإيجاب على وجه الاختيار.

ويتصوّر النزاع بالنسبة إلى القدرة والإيجاب المذكورين في مقامات :

الأوّل : أنّ صدور الفعل عن الله تعالى هل هو على وجه الإيجاب بمعنى الموجبيّة ـ بالفتح ـ أم لا ، بل على وجه القدرة بمعنى صحّة صدور الفعل ولا صدوره بالنظر إلى ذاته تعالى؟

فالأوّل محكيّ عن بعض الحكماء(١) على ما هو بخيالي ، بل ظاهر كلام الشارح القوشجي كونه مذهب الفلاسفة قاطبة.(٢) ولكن قال الفاضل اللاهيجي : لا نزاع لأحد في صحّة صدور الفعل والترك عنه بالنظر إلى ذاته تعالى مع قطع النظر عن الإرادة.(٣) واحتمل حمل كلام الشارح على الإيجاب للقابل للصحّة بمعنى الإمكان الوقوعي. والثاني مذهب المحقّقين من الحكماء والمتكلّمين.(٤)

__________________

٢٦٩ ـ ٢٧٧ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٨٩ ـ ٩٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٣ ؛ « الأسفار الأربعة » ٤ : ١١١ ـ ١١٣ ؛ « المبدأ والمعاد » لملاّ صدرا : ١٣٠ ـ ١٣٥ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٣٩ ـ ٤٤٣.

(١) قال الفاضل المقداد بانتشار انتساب هذا القول إلى الفلاسفة بين المتكلّمين ، ثمّ ذكر أنّ « المحقّقين ينفون صحّة هذا النقل عنهم ». انظر « إرشاد الطالبين » : ١٨٣.

(٢) ذكر الشارح القوشجي كلمة « الإيجاب » واحتمل أن تكون كلمة « الموجب » بالفتح والكسر كليهما. انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٣) « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠.

(٤) للاطّلاع على محلّ النزاع في المسألة انظر « الشفاء » الإلهيات : ١٧٢ ـ ١٧٣ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٧٧ ـ ١٠٠ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ؛ « نقد المحصّل » : ١٦٣ ـ ١٦٥ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ « أنوار الملكوت » : ٦١ ـ ٦٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥١ ؛ « اللوامع الإلهية » : ١١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٠ ـ ١٥ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠٣.

٤٧

الثاني : أنّه هل يجب عليه تعالى فعل في الجملة أم لا؟(١) قولان : الأوّل : مذهب الحكماء والمحقّقين من المتكلّمين. والثاني : مذهب الأشاعرة.

والثالث : أنّه هل يجب عليه تعالى الفعل دائما بسبب كونه مستندا إلى قدرته وإرادته التي هي عين الذات الموجب لكونه تعالى بالنظر إلى الإرادة المذكورة علّة تامّة يمتنع تخلّف المعلول عنها ، أو يجب في وقت متأخّر مقارن للمشيئة؟ قولان : الأوّل : مذهب الحكماء. والثاني : مذهب غيرهم.

[ المقدّمة ] الثانية : في بيان القدم والحدوث

اعلم أنّ الحدوث عبارة عن مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق. والقدم عبارة عن عدم مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق.

والقديم ـ الذي هو عبارة عن الموجود غير المسبوق بالعدم المطلق ـ منحصر في الواجب تعالى ، وجميع الممكنات حادثة مسبوقة بالعدم المطلق ، وإلاّ لكانت موجودة مع قطع النظر عن الغير ؛ إذ لو لم تكن كذلك لم تكن موجودة على الإطلاق ؛ لأنّ الموجود المطلق ما كان موجودا على جميع التقادير ، فلو لم تكن مع قطع النظر عن الغير موجودة لكانت معدومة ، فحينئذ يكون وجودها من الغير لا محالة ؛ إذ الذاتي لا يختلف ولا يتخلّف ، فذلك الوجود مسبوق بالعدم ، وإلاّ لم يكن قبوله من الغير ممكنا ؛ لامتناع تحصيل الحاصل ، وقد بيّنّا أنّ قبوله من الغير ممكن ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم المطلق ، وهو معنى الحدوث كما مرّ ، فجميع الممكنات حادثة بالحدوث الذاتي ، وهو المطلوب مع أنّه لا نزاع في ثبوته للممكنات ؛ فإنّ

__________________

(١) للاطّلاع على محلّ النزاع في المسألة انظر « الشفاء » الإلهيات : ١٧٢ ـ ١٧٣ ؛ « التعليقات » : ١٩ ـ ٢٠ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٧٧ ـ ١٠٠ ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ؛ « نقد المحصّل » : ١٦٣ ـ ١٦٥ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٣٢ ـ ١٣٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ « أنوار الملكوت » : ٦١ ـ ٦٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥١ ؛ « اللوامع الإلهية » : ١١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٠ ـ ١٥ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠٣.

٤٨

الحكماء(١) أيضا قائلون به ، فإنّهم أيضا يقولون(٢) بصحّة صدور الفعل والترك عن الواجب بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة وإن قالوا بوجوب الفعل عنه بالنظر إلى إرادته القديمة التي هي عين ذاته ، فيكون موجبا ـ بكسر الجيم ـ لا موجبا ـ بفتح الجيم ـ كما نسب إلى الفلاسفة ،(٣) فإنّي لم أقف على قائل به ، وليس الأوّل منافيا لقدرته تعالى ؛ إذ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهم يقولون بدوام الفعل وقدم الأثر بسبب الإرادة القديمة ومسبوقيّة الوجود بالعدم بالنظر إلى ذات الممكنات ؛ فإنّ العلّة التي تحتاج إليها الممكنات متقدّمة عليها بالذات وهي متأخّرة عنها بالذات وإن لم تتأخّر عنها بالزمان ، فلها بالنسبة إلى ذات العلّة عدم ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم الذاتي وهو المعنيّ من الحدوث الذاتي.

ولكن يرد عليهم أنّ ما ذكر عين القول بكونه موجبا بفتح الجيم لأنّهم يقولون بامتناع تخلّف المعلولات عن الواجب تعالى بعد انضمام الإرادة ، والإرادة عين الذات ، فيلزم امتناع التخلّف عن الذات ، وملاحظة الذات بدون الإرادة من قبيل سلب الشيء عن نفسه ، وليس ذلك أمرا واقعيّا ، بل هو أمر اعتباريّ محض ، فيلزم كونه تعالى مختارا فرضيّا اعتباريّا لا حقيقيّا ، فيلزم النقص اللازم على القائل بكونه تعالى موجبا بفتح الجيم.

فالتحقيق أنّ الإرادة التي هي عين ذاته تعالى عبارة عن العلم بالمصلحة الذاتيّة أو

__________________

(١) « الجمع بين رأيي الحكيمين » : ١٠٠ ـ ١٠٤ ؛ « الشفاء » الإلهيات : ٢٦٤ ـ ٢٦٨ ؛ « النجاة » : ٢٢٣ ؛ « التعليقات » : ٨٥ ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٣١٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٢١ ـ ١٣٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٦٠ ـ ١٦٢ ؛ « شوارق الإلهام » : ٩٦.

(٢) انظر التعليقة ٤ في الصفحة ٤٧.

(٣) هذه النسبة مشهورة بين المتكلّمين وإن لم يصرّح بها بعضهم. انظر « شرح الأصول الخمسة » : ١٥١ ـ ١٥٦ ؛ « المحصّل » : ٣٧٢ ـ ٣٨٢ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٧٧ ؛ « الأربعين » ١ : ١٧٤ ـ ١٨٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٦٠ ـ ١٦٢ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٩ ـ ٥٩ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٨٩ ـ ١٠٠ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ١١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٢ ـ ١٨٧ ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : ٩٩ ـ ١٠٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٥٠٠ ـ ٥٠٣.

٤٩

العرضيّة ، أو المفسدة كذلك المقتضي لمشيئة الفعل أو الترك ، بمعنى كونه منشأ لصدور الفعل أو الترك بعد المشيئة مع القصد والشعور بسبب العلم المذكور ، وأنّه ممّا تنشأ منه المشيئة بمقتضى المصلحة أو المفسدة فإذا حصلت المشيئة ، حصل الفعل أو الترك ، فالمشيئة حادثة خارجة عن الذات تحدث بحدوثها على وفقها الممكنات ، فلا يكون حدوث الممكنات ـ ولو بعد انضمام الإرادة بالمعنى المذكور ـ لازما.

ولعلّهم جعلوا الإرادة بمعنى المشيئة ، ولكن لا يخفى أنّها بهذا المعنى أمر معنويّ لا يمكن أن تكون عين الذات للممكن ، فكيف الواجب تعالى.

وبالجملة ، فالكلام في أمرين آخرين :

[ الأمر ] الأوّل : أنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم ذاتيّ كتقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض كما عن المتكلّمين ،(١) أم ليس كذلك كما عن الحكماء(٢) بناء على أنّ تقدّم أجزاء الزمان أيضا زمانيّ والتقدّم الزمانيّ مطلقا مستلزم للزمان ، فيلزم أن يكون قبل وجود العالم زمان ، بل وحركة أيضا ؛ إذ منشأ عدم اجتماع المتأخّر مع المتقدّم في الوجود ، المعتبر في التقدّم الزماني عدم كونهما ممّا هو قارّ الذات وهو مخصوص بالزمان والحركة ، فيلزم تقدّم الحركة والزمان على العالم ، وهو بديهيّ البطلان.

والقول(٣) بأنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم بالذات فاسد ؛ لأنّ التقدّم بالذات عندهم عبارة عن التقدّم بالعلّيّة ، وكيف يمكن كون عدمها علّة تامّة لوجودها!؟ فمرادهم أنّ العدم المقدّم على الوجود عدم ذاتيّ لا أنّ تقدّم ذلك العدم

__________________

(١) « الأربعين » ١ : ٢٥ ـ ٢٧ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٢٢٧ ـ ٢٣٠ ؛ « المحصّل » : ٢١٥ ؛ « المطالب العالية » ٤ : ١٣ ـ ١٨ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٢١٧ ـ ٢٢٤ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ١٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٤١ ـ ٤٥ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ١٠٠.

(٢) انظر « الشفاء » الإلهيّات : ٢٦٦ ؛ « النجاة » : ٢٢٢ ؛ « التحصيل » : ٥٢٤ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٨٢ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ٢٤٤.

(٣) تعريض بالحكماء. انظر « الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : ١٠٠.

٥٠

تقدّم ذاتيّ.

وعن ظاهر كلام بعضهم(١) أنّ تقدّم العدم على الوجود تقدّم بالطبع ، لتوقّف الوجود الغيري على العدم كما مرّ من غير أن يكون العدم علّة للوجود كما تقدّم.

وفي الكلّ نظر سيظهر.

[ الأمر ] الثاني : أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد عن الذاتي أيضا ، أم لا؟ فإنّ القدم على قسمين : حقيقيّ ، وإضافيّ. والحدوث أيضا على قسمين : ذاتيّ ، وزمانيّ حقيقيّ أو حكميّ كحدوث الزمان والزمانيّ. وقد وقع الخلاف فيما هو فوق الحدوث الذاتيّ وزائد عنه ، فأنكره الفلاسفة(٢) وأثبته المتكلّمون ،(٣) بل قاطبة الملّيّين على وفق قولهعليه‌السلام : « كان الله ولم يكن معه شيء »(٤) واختلف المتكلّمون في التعبير عنه ، فقيل :(٥) إنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان الموهوم ، بمعنى أنّ وجود الممكنات ـ حتّى الزمان ـ مسبوق بالعدم الزماني ، ومحلّه الجواهر العقليّة ونحوها ، ولكن يكفي في كون عدم الزمان ونحوه في زمان الزمان الموهوم ، وهو ما ينتزع من استمرار وجود الواجب من أمر ممتدّ على سبيل التجدّد والتقضّي كانتزاع الحركة التوسّطيّة من القطعيّة ، والزمان من الآن السيّال ، وهو مختار مولانا جمال الدين الخوانساري.(٦)

وعن الميرزا إبراهيم بن صدر الدين الشيرازيّ(٧) أنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان المنتزع ، بمعنى أنّه إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة

__________________

(١) « شوارق الإلهام » ١ : ١٠٠ ؛ « الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢) « الأسفار الأربعة » ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٥٥ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ٩٦ وما بعدها.

(٣) « الأسفار الأربعة » ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٥٥ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ٩٦ وما بعدها.

(٤) انظر « التوحيد » : ٥٩ / ١٧ باب التوحيد ونفي التشبيه ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ١٦٨ / ١١٠ ؛ « صحيح البخاري » ٣ : ١١٦٦ / ٣٠١٩ من كتاب بدء الخلق ؛ « المعجم الكبير » ١٨ : ٢٠٣ / ٤١٧.

(٥) انظر الهامش الأوّل من الصفحة المتقدّمة.

(٦) انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » للخوانساريّ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٧) نقل عنه الخوانساريّ ذلك ، انظر الهامش المتقدّم.

٥١

ـ كما هو مذهب الملّيّين(١) ـ كان للعدم تقدّم عليه سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته الفلاسفة(٢) لعدم الممكن على وجوده المعبّر عنه بالحدوث الذاتي كتقدّم الحوادث الزمانيّة وأجزاء الزمان بعضها على بعض في عدم اجتماع السابق مع المسبوق ، ولكن هذا التقدّم ، له تقدير وتعيين ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب الملّيّين ؛ فإنّه لا يكون فيه قرب وبعد وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.

ونظير ذلك ما قالوا :(٣) إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة به ، وكما أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدم صرف ونفي محض ، وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك يعلم من تناهي الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدم صرف ونفي محض ، ويحكم بأنّ لهذا العدم الصرف قبليّة ما على وجود العالم والزمان شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان بعضها على بعض ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف لانتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة.

قيل :(٤) قال : وهذا هو الحدوث الزمانيّ المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، وليس هذا إثبات الزمان الموهوم كما أنّه ليس ذلك إثبات المكان الموهوم وإن أورد عليه(٥) بأنّ هذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب

__________________

(١) انظر الهامش ٢ من الصفحة المتقدّمة.

(٢) انظر الهامش ٢ من الصفحة المتقدّمة.

(٣) أي الحكماء في الطبيعيّات. انظر « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ٢٤٦ ـ ٢٥٨ ؛ « النجاة » : ١٣٠ ـ ١٣١ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ١٧٠ وما بعدها ؛ « التحصيل » : ٦٠٦ ـ ٦١٢.

(٤) القائل هو ابن ملاّ صدرا الشيرازيّ على ما نقل عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠١.

(٥) هذا الإيراد للمحقّق الخوانساري. انظر المصدر السابق.

٥٢

تعالى وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : كان الواجب ولم يكن العالم ، يكون العالم قديما البتّة.

وعن السيّد الداماد أنّه قال : إنّ العالم حادث بالحدوث الدهري لا الذاتي ولا الزماني ، بمعنى أنّ الوجود مسبوق بالعدم الصريح المحض مسبوقيّة انسلاخيّة انفكاكيّة غير زمانيّة ولا سيّالة ولا متقدّرة ولا متكمّمة كما في الحدوث الزمانيّ ، ولمّا كان وعاء الوجود الصريح المسبوق بالعدم الصريح المرتفع عن أفق التقدير واللاتقدير هو الدهر لا الزمان ؛ لأنّه وعاء الأمور المتقدّرة المتغيّرة السيّالة ، ولا السرمد ؛ لأنّه وعاء بحت الوجود الثابت الحقّ المنزّه عن التغيّر وسبق العدم المطلق ، كان حريّا باسم الحدوث الدهري.(١)

وأورد(٢) عليه : بأنّ اتّصاف العدم بالسابقيّة على الوجود سبقا غير ذاتي إن كان في نفس الأمر ، يكون محتاجا إلى وعاء وظرف يكون فيه ، ويتّصف هو لا محالة بالتقدّر والتكمّم وغيرهما ؛ إذ لا يتصوّر السابقيّة بدون ذلك ، وإلاّ يلزم القدم كما مرّ.

أقول : يرد عليه أيضا أنّ الدهر إن كان أمرا واقعيّا ، فلا يخلو إمّا أن يكون واجبا أو ممكنا ، ولا سبيل إلى الأوّل ؛ لاستحالة تعدّد الواجب تعالى كما سيأتي. وعلى الثاني ننقل الكلام إليه ، فنقول : إنّه إمّا متّصل الوجود بواجب الوجود أو منفصل الوجود ، وعلى الأوّل يلزم القدم ، وعلى الثاني نقول مثل ما سبق ، فيلزم القدم بالأخرة ؛ لاستحالة التسلسل.

وإن لم يكن أمرا واقعيّا ، فلا يكون الانفصال واقعيّا ، فيلزم القدم.

ومن هذا يظهر أنّ القولين الأوّلين أيضا مخدوشان.

فالأولى أن يقال : إنّ حدوث العالم ـ الذي يقول به الملّيّون على وفق ما روي من

__________________

(١) انظر « القبسات » القبس الأوّل ، وعنه نقل الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠٣ ـ ١٠٦ والسبزواريّ في « شرح المنظومة » قسم الحكمة : ٨٠ ـ ٨٢.

(٢) الإيراد هنا للخوانساريّ. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠٣ ـ ١٠٤.

٥٣

قولهعليه‌السلام : « كان الله ولم يكن معه شيء »(١) ونحو ذلك ـ حدوث سرمدي مراتبيّ.

وبعبارة أخرى : حدوث زمانيّ بالزمان التقديريّ ، بمعنى أنّ وجود العالم مسبوق بالعدم المراتبيّ كما أنّه مسبوق بالعدم الذاتيّ ، وأنّ الواجب تعالى كان ثابتا في مراتب من مراتب وجوده الواقعيّ ولم يكن العالم ثابتا فيها كما أنّه تعالى كان في مرتبة ذاته ـ من حيث إنّها علّة له ـ ثابتا ولم يكن العالم في تلك المرتبة ثابتا ، وتلك المراتب منتزعة من وجوده المستمرّ الثابت المنزّه عن سبق العدم ، بمعنى أنّه ينتزع من وجوده المستمرّ مراتب عديدة بعد مرتبة ذاته من حيث إنّها علّة يتّصف ذات الواجب بالكون بالنسبة إلى تلك المراتب ولم يكن فيها إلاّ واجب الوجود وعدم العالم ، فيكون وجود العالم مسبوقا بالعدم سوى العدم الذاتي أيضا ، ويكون العدم سابقا على الوجود سبقا ذاتيّا كسبق أجزاء الزمان بعضها على بعض على ما هو مختار المتكلّمين ،(٢) أو شبيها به أو بغيره كما سيأتي ، وذلك العدم مستند إلى مشيئة الترك ، فباعتبار كون مستنده وجوديّا يصلح أن يكون موصوفا بوصف كالسابقيّة ، فلا يرد(٣) أنّ ثبوت الشيء لشيء فرع لثبوت المثبت له ، فلا بدّ من وعاء يكون فيه ، وذلك الوعاء إمّا واجب أو ممكن ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لامتناع تعدّد الواجب ، فيتعيّن الثاني ، فيلزم اتّصال العالم بالواجب وهو معنى القدم.

وبالجملة ، فقد ظهر ممّا قرّرنا سابقا أنّ ترك الفعل بالنسبة إلى الواجب يكون مستندا إلى مشيئته ؛ ولهذا عدلنا عن العبارة المشهورة في بيان معنى الإرادة ، وهي قولهم : إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل ، إلى قولنا : إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، فليتأمّل.

__________________

(١) تقدّم في ص ٥١ هامش ٤.

(٢) « الأربعين » ١ : ٢٥ ـ ٢٧ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٢٢٧ ؛ « المحصل » ٤ : ١٣ ـ ١٨ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٢١٧ ؛ « شوارق الإلهام » ١ : ١٠٠.

(٣) الإيراد لملاّ شمسا الجيلانيّ ، على ما نقله عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : ١٠٥.

٥٤

وكيف كان ، فالعمدة في الاستدلال على حدوث العالم هو النقل اللبّيّ(١) المطابق للنقل اللفظيّ المذكور الكاشف عن قول الصانع : بأنّي أوجدت العالم حادثا بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ المبطل للاجتهاد في مقابل ذلك النصّ الجليّ ، لا ما يقال من أنّ العالم لا يخلو من حركة وسكون وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة بالعدم ؛ لأنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، والسكون عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل ، وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة والثانويّة ؛ فإنّ ذلك لا يخلو من مناقشة من جهة عدم تماميّته في نفس الزمان والمكان ونحو ذلك.

فإن قلت : يلزم من توقّف الحدوث المتنازع فيه على الشرع الدور المحال كما توهّمه بعض الفضلاء.

قلت : إثبات الشرع غير موقوف على الاختيار والحدوث الذي قلنا به ؛ لكفاية الحدوث والاختيار بالمعنى المتّفق عليه بيننا وبين الحكماء فيه كما لا يخفى.

وكيف كان ، فالعقل أيضا يوافق النقل المذكور من جهة أنّ وقوع جزأي القدرة والإخبار به أدخل في صحّة الاعتقاد ، فهو راجح يجب على الصانع اختياره.

والظاهر أنّ ما ذكرنا هو مراد الطبرسيّ ممّا ذكره في مجمع البيان(٢) ـ على ما حكي عنه ـ من الزمان التقديريّ ، بمعنى أنّا لو فرضنا وقدّرنا قبل حدوث العالم زمانا آخر ، لم يكن العالم ثابتا فيه ، وكان الواجب تعالى كائنا فيه بالمعنى الذي يقال الآن : إنّه تعالى موجود ، فيتصحّح معنى حدوث العالم ، ومعنى « كان الله ولم يكن معه شيء »(٣) بمعنى أنّه حادث بالحدوث الزمانيّ بالزمان التقديريّ من دون حاجة

__________________

(١) انظر « التوحيد » للصدوق : ٣٠٠ ذيل ح ٧ من باب إثبات حدوث العالم ؛ « المطالب العالية » ٤ : ٣٠٩ ؛ « نهاية المرام » ٣ : ١٥ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٢٢ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ١١١ ـ ١١٤.

(٢) « مجمع البيان » ٩ : ٣٨٢ ذيل الآية ٣ من سورة الحديد (٥٧).

(٣) مرّ تخريجه في ص ٥١ هامش ٤.

٥٥

إلى التمسّك بالزمان الموهوم أو المنتزع أو الدهر ، فلا بأس علينا أن نبدّل الحدوث المراتبيّ بالحدوث الزماني بالزمان التقديريّ بالمعنى الذي ذكرنا في الحدوث المراتبيّ ؛ لعدم لزوم الإيراد الوارد على غير هذا الوجه.

والأولى أن يعبّر عن ذلك الحدوث بالحدوث السرمديّ كما لا يخفى.

والقول(١) بأنّ أقسام الحدوث منحصرة في معان ثلاثة : ذاتيّ ، وهو عبارة عن وجود الماهيّة بعد عدمها في لحاظ العقل دون الواقع ، ودهريّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد نفي صريح واقعيّ غير كمّي ، وزمانيّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد عدم واقعيّ كمّيّ ، فإذا لم يكن الزمان التقديريّ بمعنى الحدوث الذاتيّ ، ولا الزمانيّ ؛ لأنّه زمان واقعيّ نفس أمريّ لا تفاوت بينه وبين هذا الزمان إلاّ بالليل والنهار ، لا زمان فرضيّ تقديريّ ، فلا بدّ أن يكون بمعنى الحدوث الدهريّ ؛ إذ لم يعهد اصطلاح غير ما ذكرنا [ و ] على تقدير تسليمه لا يوجب بطلان ما ذكرنا ؛ إذ لا مشاحّة في الاصطلاح ، والعمدة تصحيح العقيدة على وجه يطابق النقل المشهور بل المتواتر ـ على ما قيل(٢) ـ الذي يكون ـ على ما قيل(٣) ـ من ضروريّات الدين.

وعن العلاّمة(٤) دعوى الإجماع على أنّ من اعتقد قدم العالم فهو كافر حكمه في الآخرة حكم باقي الكفّار وإن تنظّر بعض في التخصيص بالآخرة وذلك حاصل بما ذكرناه مع خلوّه عن المناقشة الواردة على غير المختار ، فيلزم الاعتقاد بما ذكرنا ؛ حذرا عن إنكار ضروريّ الدين ، مع أنّ العقل لا يمنع من تعلّق مشيئة الفاعل المختار

__________________

(١) القائل هو السيد محمد باقر الداماد. انظر : « القبسات » : ٣ ـ ٥ ، القبس الأوّل.

(٢) يمكن استفادة الشهرة أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » : ٢٨ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ٣ : ٤ ؛ « القبسات » : ٢٥ ـ ٢٦ ؛ القبس الأوّل ؛ « التوحيد » : ٢٢٣ باب أسماء الله تعالى ، ذيل ح ١٤ ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٧ و ٢٥٢ و ٢٥٨ باب حدوث العالم.

(٣) يمكن استفادة الشهرة أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » : ٢٨ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ٣ : ٤ ؛ « القبسات » : ٢٥ ـ ٢٦ ؛ القبس الأوّل ؛ « التوحيد » : ٢٢٣ باب أسماء الله تعالى ، ذيل ح ١٤ ؛ « بحار الأنوار » ٥٤ : ٢٣٨ و ٢٤٠ و ٢٤٧ و ٢٥٢ و ٢٥٨ باب حدوث العالم.

(٤) انظر : « أجوبة المسائل المهنّائية » : ٨٩ ، المسألة ١٣٨.

٥٦

بإيجاد العالم على وجه التأخير بالنسبة إلى أوّل مرتبة من مراتب الوجود بفصل مراتب عديدة ولو لمصلحة خفيّة تكشفها الشريعة إن لم نقل بأنّه يقتضيه كما أشرنا ، مضافا إلى أنّ الدهر ليس زمانا تقديريّا كما لا يخفى.

وممّا يدلّ على هذا المطلب ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطب نهج البلاغة من قولهعليه‌السلام : « فإنّه يعود سبحانه بعد فناء العالم وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان. عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء إلاّ الله ».(١)

وهذا ظاهر في نفي ما عدا ما ذكرنا كما لا يخفى ، ومبطل لما حكي عن بعض المتصوّفة أنّه لمّا سمع الحديث المشهور ، قال : « الآن كما كان »(٢) كما لا يخفى أيضا ، ودالّ على إنّيّة الزمان كما هو المعلوم بالوجدان وإن اختلف في ماهيّته(٣) أنّه جوهر ليس بجسم ولا جسمانيّ ، واجب بذاته كما عن بعض ، أو هو المعدّل كما عن آخر ، أو الحركة كما عن آخر ، أو مقدار الوجود كما عن أبي البركات ،(٤) أو مقدار الحركة كما عن أرسطو والمتأخّرين. والظاهر أحد الأخيرين.

__________________

(١) « نهج البلاغة » : ١٣٧ ، الخطبة ١٨٦.

(٢) هو أبو القاسم الجنيد البغداديّ على ما في « شرح فصوص الحكم » للخوارزميّ : ١٤٢ و « نصوص الخصوص في شرح الفصوص » : ١١٩.

ونسبه المولى علي النوري إلى أبي إبراهيم موسى الكاظم عليه‌السلام في هامش « شرح فصوص الحكم » لابن التركة ١ : ٧٠١.

(٣) للاطّلاع على الأقوال حول ماهية الزمان انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ١٤٨ ؛ « النجاة » : ١١٥ ـ ١١٨ ؛ « التحصيل » : ٤٥٣ ـ ٤٦٣ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٢ : ٦٩ ؛ « المباحث المشرقية » ١ : ٧٥٥ ـ ٧٦٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٩٤ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٣٢٩ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١١٥ ـ ١١٨.

(٤) « المعتبر في الحكمة » ٢ : ٦٩ ـ ٧٠ ، وعنه في « المطالب العالية » ٥ : ٥١ و « نقد المحصّل » : ١٣٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٣ : ١٤٤.

٥٧

وكيف كان ، فالحقّ أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ أيضا بشهادة النقل ، بل والعقل ، وأنّ ماهيّة الممكنات موجودة حقيقة بوجود أفرادها ، بمعنى أنّهما ـ كليهما ـ موجودان بوجود واحد ، وليس الماهيّة اعتباريّة محضة ، وإلاّ يلزم جواز صدق الحماريّة على أفراد الإنسان وبالعكس.

ويشهد على ذلك العقل مضافا إلى ظاهر النقل ، كقوله تعالى :( خُلِقَ الْإِنْسانُ ) (١) ونحوه ، فيكون الجعل مركّبا ، بمعنى أنّ الماهيّة أيضا مجعولة كالوجود بجعل واحد ، وأنّه تعالى جعل الماهيّة ماهيّة كما جعلها موجودة ، فهما مجعولان بجعل واحد ، كما أنّ الماهيّة والأفراد موجودتان بوجود واحد كالهيولى والصورة ونحوهما ، وليس في ذلك شبهة لمن جعل مرجعه العقل والنقل ، وأعرض عن جنود الجهل ، فلنرجع عنان الكلام إلى بيان أصل المرام ، فنقول :

[ في أنّه تعالى صاحب الصفات ]

إنّ العلماء اختلفوا في أنّ صانع العالم ـ الذي هو الواجب الوجود بالذات ـ صاحب الصفات ، أو نائب الصفات على قولين :

الأوّل : أنّه تعالى صاحب الصفات. وهو المشهور(٢) المنصور.

الثاني : أنّه تعالى نائب الصفات ، بمعنى أنّ ذاته تعالى يصدر منها أثر القدرة من غير قدرة ، وأثر العلم من غير علم ، وهكذا سائر الصفات ، كما أنّ التيمّم يحصل منه أثر الوضوء أو الغسل من استباحة الدخول في نحو الصلاة من غير طهارة وارتفاع

__________________

(١) النساء (٤) : ٢٨ ؛ النحل (١٦) : ٤ ؛ الأنبياء (٢١) : ٣٧ ؛ الرحمن (٥٥) : ٣ و ١٤.

(٢) انظر : « الشفاء » الإلهيّات : ٣٤٣ ـ ٣٤٩ ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ١٩ ـ ٢١ ؛ « التعليقات » : ٦ ـ ٦٧ ؛ « التحصيل » : ٥٦٠ ـ ٥٨١ ؛ « التلويحات » ضمن « مصنفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٩ ـ ٤١ ؛ « التوحيد » للنيسابوريّ : ٤٥٧ ؛ « مناهج اليقين » : ١٨٠ ـ ١٨٨ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٥ ـ ٤٩.

٥٨

الحدث كما هو ظاهر شارح المواقف(١) والمحكيّ عن بعض.(٢)

لنا عقلا : أنّ كلّ واحد من الصفات الكماليّة كالعلم والحياة والقدرة صفة كمال لا يقتضي ثبوتها على وجه العينيّة نقص صاحبها ، وكلّ ما هو كذلك فهو ممكن وثابت له تعالى على وجه الوجوب.

أمّا الصغرى : فبالوجدان.

وأمّا الكبرى : فلعدم المانع عقلا ونقلا ؛ لعدم الاستحالة فيه ، واقتضاء عدم الثبوت نقص الذات في مرتبة الذات والصفات وإن ترتّب عليها آثارها في مقام الفعل ، وذلك مناف لوجوب الوجود ، كما لا يخفى.

ونقلا : قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) و( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٤) و( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (٥) و( هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (٦) إلى غير ذلك من الآيات.

وما روي عن الرضاعليه‌السلام أنّه قال بعد السؤال عن علمه تعالى قبل الأشياء : « إنّ الله هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ».(٧)

وما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال ـ بعد سؤال الزنديق ـ : « هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ، بل يسمع ويبصر بنفسه ، وليس قولي : إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي ؛ إذ كنت مسئولا ، وإفهاما لك ؛ إذ كنت سائلا ، فأقول : يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض لأنّ الكلّ لنا [ له ]

__________________

(١) « شرح المواقف » ٨ : ٤٤ ـ ٤٩.

(٢) حكي عن طائفة من المعتزلة. انظر « الفرق بين الفرق » : ٩٣ ـ ٩٤ ؛ « كشف المراد » : ٢٩٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٢٧.

(٣) البقرة (٢) : ٢٠ ؛ آل عمران (٣) : ١٦٥ ؛ النحل (١٦) : ٧٧ ؛ النور (٢٤) : ٤٥.

(٤) البقرة (٢) : ٢٨٢ ؛ النساء (٤) : ١٨٦ ؛ النور (٢٤) : ٣٥ ؛ الحجرات (٤٩) : ١٦.

(٥) الأعلى (٨٧) : ٧.

(٦) البقرة (٢) ٢٥٥ ؛ آل عمران (٣) : ٢.

(٧) « التوحيد » : ١٣٦ باب العلم ، ح ٨ ؛ « عيون أخبار الرضا » : ١١٨ ، الباب ١١ ، ح ٨.

٥٩

بعض ، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك كلّه إلاّ أنّه السميع البصير ، العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى »(١) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ ذاته تعالى صاحب الصفات لا نائبها.(٢)

وما ورد(٣) ـ من أنّ كمال التوحيد نفي الصفات ـ معناه نفي الصفات الزائدة كما يقول الأشاعرة ،(٤) بمعنى أن يقال : له ذات وصفات على وجه التعدّد والاثنينيّة ؛ فإنّ ذلك خلاف الحقّ ، بل الحقّ أنّ ذاته تعالى صفاته ، وصفاته ذاته. مع أنّ ما ذكرنا من العقل والنقل مقدّم على الخبر الواحد ولو سلّم دلالته على خلافه بعد اعتباره في الجملة في المسألة العلميّة الاعتقاديّة الأصوليّة.

وبالجملة ، فالقول بالنيابة ناش من توهّم لزوم عرضيّة الذات ، أو التكثّر ، أو الزيادة. وهو غفلة عن ملاحظة كون العلم ـ مثلا ـ بمعنى سبب ظهور المعلوم ومنشأ انكشاف الأشياء عين الذات ، لا بالمعنى المصدري ـ وهو الاطّلاع على الأشياء ـ ونحوه ، وكذا القدرة بمعنى منشأ التمكّن على الفعل والترك عين الذات ، لا نفس التمكّن ، وكذا الحياة بمعنى منشأ صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة ـ لا نفسها ـ عين الذات.

وكيف كان ، فتفصيل ذلك يقع في مسائل :

المسألة الأولى : في القدرة ، بمعنى أنّه تعالى صاحب القدرة ، وأنّه يصحّ منه فعل العالم وإيجاده وتركه ، وأنّه ليس شيء منهما لازما لذاته بحيث يستحيل انفكاكه عنه في أيّ وقت فرض وإن كان وقتا موهوما كما أفاد الخفري.(٥)

__________________

(١) « الكافي » ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٢ ؛ « التوحيد » : ١٤٤ ـ ١٤٥ باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح ١٠.

(٢) انظر : « التوحيد » : ١٣٤ ـ ١٤٨ باب العلم وباب صفات الذات وصفات الأفعال.

(٣) « نهج البلاغة » : ١٤ ، الخطبة الأولى.

(٤) « المحصّل » : ٤٢١ ـ ٤٢٧ ؛ « المطالب العالية » : ٣ : ٢٢٣ ؛ « الأربعين » ١ : ٢١٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٤ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٦٩.

(٥) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ـ ٤ ، مخطوط.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556