البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٢

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة3%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-371-766-6
الصفحات: 556

  • البداية
  • السابق
  • 556 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41562 / تحميل: 7721
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣٧١-٧٦٦-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

إذ على هذا التقدير إن رأى الأجزاء كلّها وجب أن يرى الجسم كما هو في الواقع سواء كان قريبا أو بعيدا ، وذلك لأنّ رؤية كلّ منها أو بعضها أصغر ممّا هو عليه توجب الانقسام فيما لا يتجزّأ ؛ لثبوت ما هو أصغر منه ، ورؤية كلّ من الأجزاء أكبر ممّا هو عليه بمثله أو أزيد منه توجب أن لا ترى(١) إلاّ ضعفا أو أكبر من ذلك وهو باطل قطعا ، ورؤيته أكبر بأقلّ من مثل توجب الانقسام ، ورؤية بعضها على ما هو عليه ، وبعضها أكبر بمثل توجب ترجيحا بلا مرجّح ، فوجب أن يرى الكلّ على حالها ، فلا تفاوت حينئذ في الصغر والكبر ، فتعيّن أن يكون التفاوت بحسب رؤية بعض دون بعض(٢) .

والنقليّة : منها : قوله تعالى :( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (٣)

والتمسّك به من وجهين :

الأوّل : أنّ إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر ؛ وإسنادا إلى الآلة(٤) ، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتّحاد المفهومين أو تلازمهما ؛ والجمع المعرّف باللام ـ عند عدم قرينة العهد والبعضيّة ـ للعموم والاستغراق بإجماع أهل العربيّة والأصول ، وأئمّة التفسير ، وبمشاهدة استعمال الفصحاء ، وصحّة الاستثناء ، فالله سبحانه قد أخبر بأنّه لا يراه أحد في المستقبل ، فلو رآه المؤمنون في الجنّة لزم كذبه ، وهو محال.

والجواب : أنّ اللام في الجمع لو كان للعموم والاستغراق ـ كما ذكرتم ـ كان قوله :( تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) موجبة كلّيّة ، فدخل عليها النفي ورفعها ، فرفعها رفع الإيجاب الكلّيّ ، ورفع الإيجاب الكلّيّ سلب جزئيّ.

__________________

(١) أي الأجزاء.

(٢) انظر « شرح المواقف » ٨ : ١٣٧.

(٣) الأنعام (٦) : ١٠٣.

(٤) في المصدر : « استنادا للفعل إلى الآلة ».

٣٢١

ولو لم يكن للعموم كان قوله :( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) سالبة مهملة في قوّة الجزئيّة ، وكان المعنى لا تدركه بعض الأبصار ، ونحن نقول بموجبة جزئيّة ، حيث لا يراه الكافرون ، بل نقول : تخصيص البعض بالنفي يدلّ على الإثبات للبعض الآخر ، فالآية حجّة لنا لا علينا.

سلّمنا عموم الأبصار ، وأنّ مدلول الكلام عموم السلب لا سلب العموم ، فلا نسلّم عمومه في الأحوال والأوقات ، فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا ؛ جمعا بين الأدلّة.

سلّمنا ولكن لا نسلّم أنّ الإدراك بالبصر هو الرؤية أو لازم لها ، بل رؤية مخصوصة ، وهو أن يكون على وجه الإحاطة بجوانب المرئيّ ؛ إذ حقيقته النيل والوصول مأخوذا من أدركت فلانا : إذا لحقته ، ولهذا يصحّ : رأيت القمر وما أدركه بصري ؛ لإحاطة الغيم به ، فلا يصحّ : أدركه بصري وما رأيته ، فيكون أخصّ من الرؤية ، ملزوما لها بمنزلة الإحاطة من العلم ، فلا يلزم من نفيه نفيها ، أو نقول(١) : الإدراك بالبصر هو الرؤية بالجارحة المخصوصة ، فلا يلزم من نفيه نفي الرؤية مطلقا ؛ إذ يمكن أن يرى لا بتلك الجارحة المخصوصة ، كما هو المدّعى ؛ فإنّ المثبتين لرؤية الله تعالى يدّعون أنّ الحالة المخصوصة التي تحصل لنا بالبصر في الدنيا ـ وتسمّى رؤية ـ تحصل لنا تلك الحالة بعينها بالنسبة إليه تعالى من غير توسّط تلك الجارحة.

وثانيهما : أنّه تعالى يمدح بكونه لا يرى فإنّه تعالى ذكره في أثناء المدائح ، وما كان ـ من الصفات ـ عدمه مدحا كان وجوده نقصا ، يجب تنزيه الله تعالى عنه ، فظهر أنّه تمتنع رؤيته ، وإنّما قلنا : من الصفات احترازا عن الأفعال كالعفو والانتقام ؛ فإنّ الأوّل فضل. والثاني عدل ، وكلاهما كمال.

والجواب : أنّ ما ذكرتم حجّة لنا على أنّ المنفيّ ليس هو الرؤية بالمعنى المتنازع

__________________

(١) قسيم لقوله : « بل رؤية مخصوصة ».

٣٢٢

فيه ، بل هو إدراك البصر بأحد المعنيين اللذين ذكرناهما ، أعني الإدراك على وجه الإحاطة بجوانب المرئيّ ، والإدراك بالجارحة المخصوصة ؛ لإشعارهما بسمات الحدوث والنقصان ، وذلك في الأوّل ظاهر. وأمّا في الثاني ، فلأنّ الإدراك بالجارحة المخصوصة إنّما يكون لما يقابلها كما علم بالضرورة من التجربة.

وأمّا رؤيته على الوجه المذكور ـ أعني من غير المقابلة ولا توسّط الآلة ، بل بمحض عناية من الله تعالى على عباده ـ فلا نسلّم أنّها نقص.

ومنها : أنّ الله تعالى حيثما ذكر في كتابه سؤال الرؤية استعظمه استعظاما شديدا واستكبره استكبارا بليغا حتّى سمّاه ظلما وعتوّا كبيرا ، كقوله تعالى :( وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً ) (١) .

وقوله تعالى :( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) (٢) .

وقوله تعالى :( يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) (٣) فلو جازت رؤيته لما كان كذلك.

والجواب : أنّ ذلك لتعنّتهم وعنادهم على ما يشعر به سياق الكلام ـ لا لطلبهم الرؤية ، ولهذا عوتبوا على طلب إنزال الملائكة عليهم والكتاب مع أنّهما من الممكنات وفاقا.

ولو سلّم ، فلطلبهم الرؤية في الدنيا وعلى طريق الجهة والمقابلة على ما عرفوا من حال الأجسام والأعراض.

__________________

(١) الفرقان (٢٥) : ٢١.

(٢) البقرة (٢) : ٥٥.

(٣) النساء (٤) : ١٥٣.

٣٢٣

وقوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام :( تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) معناه التوبة عن الجرأة والإقدام على السؤال بدون الإذن ، أو عن طلب الرؤية في الدنيا ، ومعنى الإيمان التصديق بأنّه لا يرى في الدنيا وإن كانت ممكنة.

وما قال بعض السلف ـ من وقوع الرؤية بالبصر ليلة المعراج(٢) ـ فالجمهور على خلافه. وقد روي أنّه سئل عليه الصلاة والسلام : هل رأيت ربّك؟ فقال : رأيته بفؤادي(٣) . وأمّا الرؤية في المنام ، فقد حكي القول بها عن كثير من السلف(٤) .

ومنها : قوله تعالى لموسىعليه‌السلام :( لَنْ تَرانِي ) (٥) ولن للتأبيد ، وإذا لم يره موسى أبدا ، لم يره غيره إجماعا.

والجواب : منع كون لن للتأبيد ، بل هو للنفي المؤكّد في المستقبل فقط ؛ لقوله تعالى :( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) (٦) أي الموت ، ولا شكّ أنّهم يتمنّوه في الآخرة للتخلّص عن العقوبة.

ومنها : قوله تعالى :( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) (٧) حصر تكليمه تعالى للبشر في الوحي إلى الرسل ، وتكليمه لهم من وراء الحجاب ، وإرساله إيّاهم إلى الأمم ليكلّمهم على ألسنتهم ، وإذا لم يره من يكلّمه في وقت الكلام ، لم يره في غيره إجماعا ، وإذا لم يره هو أصلا ، لم يره غيره أيضا ؛ إذ لا قائل بالفرق.

والجواب : أنّ التكليم وحيا قد يكون حال الرؤية ؛ فإنّ الوحي كلام يفهم بسرعة.

__________________

(١) الأعراف (٧) : ١٤٣.

(٢) « شرح المقاصد » ٤ : ٢١٠.

(٣) « الدرّ المنثور » ٧ : ٦٤٨ ؛ « أنوار التنزيل » ٣ : ٣٣٧ ، ذيل الآية ١١ من سورة النجم (٥٣).

(٤) « شرح المقاصد » ٤ : ٢١٠.

(٥) الأعراف (٧) : ١٤٣.

(٦) البقرة (٢) : ٩٥.

(٧) الشورى (٤٢) : ٥١.

٣٢٤

والمصنّف ـ غفر الله له ـ ذهب إلى أنّه تعالى لا يمكن أن يرى ، وجعل ذلك من فروع وجوب الوجود محتجّا بما ذكرنا في احتجاج المنكرين للرؤية.

وقوله :( وسؤال موسى لقومه ) إشارة إلى الثالث من الاعتراضات التي ذكرناها على الوجه الأوّل من وجهي احتجاج الأشاعرة بالآية الكريمة على إمكان الرؤية.

وقوله :( والنظر لا يدلّ على الرؤية ) إشارة إلى الأوّل من الاعتراضين اللذين ذكرناهما على دليل الأشاعرة على وقوع الرؤية ، وهو أنّا لا نسلّم أنّ النظر بمعنى الرؤية ، بل هو بمعنى الانتظار ، وإلى بمعنى النعمة ، وهو واحد الآلاء ، أو صلة النظر بمعنى الانتظار.

وقوله :( مع قبوله التأويل ) إشارة إلى الاعتراض الثاني ، وهو أنّ الكلام على حذف المضاف ، أي ناظرة إلى ثواب ربّها.

وقوله :( وتعليق الرؤية باستقرار المتحرّك لا يدلّ على الإمكان ) إشارة إلى الاعتراض على الوجه الثاني من وجهي احتجاج الأشاعرة على إمكان الرؤية بالآية.

وقوله :( واشتراك المعلولات لا يدلّ على اشتراك العلل ) إشارة إلى الثالث من الاعتراضات التي ذكرناها على الدليل العقليّ للأشاعرة على إمكان الرؤية.

وقوله :( مع منع التعليل ) إشارة إلى الأوّل منها ، وهو أنّا لا نسلّم أنّ الصحّة تفتقر إلى علّة موجودة.

وقوله :( والحصر ) ـ أي منع الحصر ـ إشارة إلى الثاني منها ، وهو أنّا لا نسلّم أنّ المشترك بين الجوهر والعرض منحصر في الحدوث والوجود ؛ فإنّ الإمكان أيضا مشترك بينهما »(١) .

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٢٣ ـ ٣٣٦.

٣٢٥

المطلب الرابع :

في أنّ الواجب بالذات ـ الذي هو صاحب الكمال ، ومنزّه عن صفات النقص ، وهو صاحب الجلال ـ صاحب صفات الجمال ، التي هي صفات الفعل والصفات الثبوتيّة الإضافيّة ، وهي كثيرة :

منها : الجود ، وهو عبارة عن إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي لا لغرض ولا لعوض(١) .

ووجه ثبوته : أنّ واجب الوجود لو أعطى غير من هو أهل للإعطاء يلزم القبح ، ولو كان متعوّضا لكان ناقصا مستكملا ومحتاجا إلى غيره ، ولو كان إعطاؤه لغرض عائد إليه يلزم ذلك أيضا ، وكلّ ذلك ينافي وجوب الوجود.

ومنها : الملك ؛ لأنّ الملك هو الغنيّ المفتقر إليه ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه لا يفتقر إلى غيره ؛ لوجوب وجوده وجميع أغياره محتاج إليه ؛ لأنّه منه أو ممّا هو منه.

ومنها : التمام ، وهو الذي حصل له جميع ما يمكن أن يحصل لغيره ، وواجب الوجود كذلك ؛ لامتناع كون كمالاته بالقوّة كما مرّ ، وإلاّ يلزم التغيّر والانتقال المنافي لوجوب الوجود.

ومنها : فوق التمام ، وهو أن يحصل منه جميع ما يمكن أن يحصل لغيره ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّ وجود جميع أغياره مستند إليه ، مستفاد منه ، وكذلك سائر الصفات.

ومنها : الحقّيّة ، وهي بمعنى الثبوت والدوام وعدم قبول العدم والفناء ، وهي من فروع السرمديّة.

ومنها : الخيريّة ؛ وذلك لأنّه وجود محض والوجود خير محض ، فذات البارئ هو الخير.

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٢٣ ـ ٣٣٦.

٣٢٦

ومنها : الحكمة ، وهي العلم بالأشياء على ما هي عليه ، والعمل على وفق الصواب ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه تعالى عالم كما مرّ ، وكلّ ما يصدر عنه فهو على وفق المصلحة كما مرّ أيضا.

ومنها : الجبّاريّة ؛ لأنّ الجبّار هو الذي يجبر الشيء على ما لا يقتضيه ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه يجبر الممكنات على الوجود الذي ليس من مقتضيات ذاتها.

ومنها : القهّاريّة ؛ لأنّه يغلب الممكنات بانتزاع الصور والأعراض من موادّها وإفاضة الوجود عليها.

ومنها : القيموميّة ؛ لأنّه القائم بذاته ، المقيم لغيره.

ومنها : الرازقيّة ، وهي مثل الجود.

ومنها : الخالقيّة ، وهي من آثار القدرة.

ومنها : اليد ، وهي عبارة عن القدرة أو النعمة.

ومنها : الوجه ، وهو عبارة عن الوجود أو الحياة.

ومنها : الرحمة والكرم والرضا ، وهي راجعة إلى الإرادة ؛ لأنّها إرادات مخصوصة مقتضية للإحسان بسبب كما في الرحمة ، أو بدونه كما في الكرم ، أو لبقاء الإحسان على ما كان كما في الرضا.

ومنها : الصنع والإبداع والتكوين والإحداث.

والأوّل : عبارة عن إيجاد شيء مسبوق بالمادّة والمدّة كإيجاد المواليد.

والثاني : عبارة عن إيجاد شيء غير مسبوق بالمادّة والمدّة كإيجاد الفلك الأعظم.

والثالث : عبارة عن إيجاد شيء مسبوق بمدّة غير مسبوق بمادّة كإيجاد العناصر.

والرابع : عكسه كإيجاد الزمان.

وكلّ ذلك راجع إلى القدرة أو الإرادة.

وبالجملة ، فالإبداع أعلى مرتبة من الإحداث والتكوين وهما من الصنع ، ولكلّ من الإحداث والتكوين جهة رجحان ومرجوحيّة من جهة الاحتياج والعدم الزمانيّ.

٣٢٧

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله :( وعلى ثبوت الجود ) « عطف على قوله : على سرمديّته(١) . يعني وجوب الوجود كما يدلّ على سرمديّته(٢) ، يدلّ على ثبوت هذه الأمور التي نذكرها الآن :

منها : الجود ، وهو إفادة ما ينبغي لا لعوض ؛ فإنّ واجب الوجود لو كان مستعوضا(٣) بإفادة ما ينبغي للممكنات ، لكان ناقصا بذاته ، مستكملا بغيره ، فكان محتاجا إلى غيره.

( و ) منها :( الملك ) ؛ لأنّ الملك هو الغنيّ الذي لا يستغني عنه شيء ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه لا يفتقر إلى غيره ، وكلّ ما هو غيره مفتقر إليه من أنّه منه أو ممّا هو منه.

( و ) منها :( التامّ (٤) ) ؛ لأنّ التامّ هو الذي حصل له جميع ما من شأنه أن يحصل له ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه يمتنع عليه التغيّر والانفعال.

( و ) منها :( فوقه ) أي فوق التمام ، وهو أن يحصل منه جميع ما من شأنه أن يحصل لغيره ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّ الوجود كلّه مستند إليه ، مستفاد منه.

( و ) منها :( الحقّيّة ) أي وجوب الوجود يدلّ على أنّه تعالى حقّ ، أي ثابت دائما ، غير قابل للعدم والفناء.

( و ) منها :( الخيريّة ) أي وجوب الوجود يدلّ على أنّه تعالى خير ؛ وذلك لما سبق من أنّ الوجود خير محض ، والعدم شرّ محض ، وقد سبق أيضا أنّ وجوب الوجود يقتضي أن يكون ذات الواجب نفس الوجود ، فذات البارئ تعالى هو الوجود ، والوجود هو الخير ، فذات البارئ تعالى هو الخير.

__________________

(١) في المصدر : « ونفي الزائد ».

(٢) في المصدر : « نفي الأمور المذكورة ».

(٣) كذا في النسخ والمصدر ، والأصحّ : « مستعينا ».

(٤) كذا في النسخ ، وفي المصدر و « تجريد الاعتقاد » : ١٩٥ و « كشف المراد » : ٣٠ : « التمام » بدل « التامّ ».

٣٢٨

( و ) منها :( الحكمة ) وهي العلم بالأشياء على ما هي عليه ؛ لأنّ وجوب الوجود يقتضي التجرّد ، وكلّ مجرّد عالم بالأشياء كما هي.

( و ) منها :( التجبّر ) ؛ لأنّ الجبّار هو الذي يجبر الشيء على ما لا يقتضيه ، ولا شكّ أنّ واجب الوجود كذلك ؛ لأنّ كلّ موجود سواه لا يقتضي الوجود وهو يوجده ويجبره على الوجود.

( و ) منها :( القهر ) لأنّه يقهر عدم الممكنات بإعطاء الوجود وإفاضته عليها.

( و ) منها :( القيّوميّة ) لأنّه هو القائم بذاته الذي يقيم به جميع الممكنات.

( وأمّا اليد والوجه والقدم والرحمة والكرم والرضا والتكوين ، فراجعة إلى ما تقدّم ) يعني أنّ اليد عبارة عن القدرة ، والوجه عن الوجود ، والقدم عن البقاء ، والرحمة والكرم والرضا كلّ واحدة منها إرادة مخصوصة ، والتكوين ليس أمرا وراء القدرة والإرادة.

وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعريّ إلى أنّ اليد صفة مغايرة للقدرة ، والوجه صفة مغايرة للوجود.(١)

[ وذهب عبد الله بن سعيد(٢) إلى أنّ القدم صفة مغايرة للبقاء ، وأنّ الرحمة والكرم والرضا صفات مغايرة للإرادة ](٣)

وذهب الحنفيّة(٤) إلى أنّ التكوين صفة أزليّة زائدة على السبع المشهورة ، أخذا من قوله تعالى :( كُنْ فَيَكُونُ ) (٥) فقد جعل قوله :( كُنْ ) مقدّما على كون الحادث ، أعني

__________________

(١) « المحصّل » : ٤٣٧ ؛ « كشف المراد » : ٣٠١ ؛ « مناهج اليقين » : ١٩٨ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٧٤.

(٢) « المحصّل » : ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ؛ « كشف المراد » : ٣٠١ ؛ « مناهج اليقين » : ١٩٨ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٠٩ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٧٤.

(٣) الزيادة أضفناها من المصدر.

(٤) نسبه إليهم في المواقف كما في « شرح المواقف » ٨ : ١١٣ ، وفي « المحصّل » : ٤٣٥ نسبه إلى بعض فقهاء الحنفيّة.

ونسبه العلاّمة في « كشف المراد » : ٣٠١ إلى جماعة منهم ، وفي « مناهج اليقين » : ١٩٧ إلى فقهاء ما وراء النهر ، وقال في « شرح المقاصد » ٤ : ١٦٩ : « اشتهر القول به عن الشيخ أبي منصور الماتريدي ».

(٥) البقرة (٢) : ١١٧ ؛ آل عمران (٣) : ٤٧ و ٥١ ؛ الأنعام (٦) : ٧٣ وغيرها.

٣٢٩

وجوده ، والمراد به التكوين والإيجاد والتخليق ، قالوا : وإنّه غير القدرة ؛ لأنّ القدرة أثرها الصحّة ، والصحّة لا تستلزم الكون ، فلا يكون الكون أثرا للقدرة ، وأثر التكوين هو الكون.

والجواب : أنّ الصحّة هي الإمكان ، وأنّه للممكن ذاتيّ ، فلا يصلح أثرا للقدرة ؛ لأنّ ما بالذات لا يعلّل بالغير ، بل بالإمكان يعلّل المقدوريّة ، فيقال : هذا مقدور ؛ لأنّه ممكن ، وذلك غير مقدور ؛ لأنّه واجب أو ممتنع ، فإذن أثر القدرة هو الكون ـ أعني كون المقدور ووجوده ـ لا صحّة إمكانه ، فاستغنى عن إثبات صفة أخرى يكون أثرها الكون.

فإن قيل : المراد بالصحّة ـ التي جعلناها أثرا للقدرة ـ هو صحّة الفعل بمعنى التأثير والإيجاد من الفاعل ، لا صحّة المفعول في نفسه ، وهذه الصحّة هي الإمكان الذّاتي الذي لا يمكن تعليله بغيره.

وأمّا الصحّة الأولى ، فهي بالقياس إلى الفاعل معلّلة بالقدرة ؛ فإنّ القدرة هي الصفة التي باعتبارها يصحّ من الفاعل طرفا الفعل والترك ، فلا يحصل بها منه أحدهما بعينه ، بل لا بدّ في حصوله من صفة أخرى تتعلّق به ، أي بذلك الطرف وحده ، فتلك الصفة هي التكوين.

قلنا : كلّ من ذينك الطرفين يصلح أثرا للقدرة ، وإنّما يحتاج صدور أحدهما بعينه عنه إلى مخصّص وهو الإرادة المتعلّقة بذلك الطرف ، وحينئذ لا حاجة إلى مبدأ للكون غير القدرة المؤثّرة فيه بواسطة الإرادة المتعلّقة به »(١) .

[ أنّه تعالى واحد من جميع الجهات ]

ثمّ اعلم : أنّ المكلّف بعد معرفة الله تعالى ـ بأنّه خالق العالم والممكنات ، وأنّه

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

٣٣٠

الواجب الوجود بالذات ، وأنّه صاحب صفات الكمال والجمال ، وأنّه منزّه عن صفات النقص ، وصاحب الجلال ، وأنّ صفاته الذاتية عين الذات ـ لا بدّ أن يعتقد بالجنان ، ويقرّ باللسان بأنّ ذلك الواجب الوجود بالذات ، المعروف بتلك الوجوه الخمسة واحد من جميع الجهات من التوحيد الذاتيّ والجزئيّاتيّ والصفاتيّ والأفعاليّ والعباداتيّ ، ردّا على المشركين كالثنويّة القائلين باليزدان وأهرمن ، أو النور والظلمة(١) ، ومن اتّخذ آلهة ثلاثة(٢) وأمثالهم. ولا بدّ أن يكون ذلك بالبراهين العقليّة والنقليّة من الكتاب والسّنّة.

أمّا البراهين العقليّة :

فمنها : أنّ التعدّد بوجود الشريك مفهوم من المفاهيم ، وكلّ مفهوم إمّا واجب ، أو ممكن ، أو ممتنع ، فالتعدّد إمّا واجب ، أو ممكن ، أو ممتنع.

لا سبيل إلى الأوّل ، وإلاّ يلزم عدم وجود الواجب أصلا ؛ لأنّ وجوب التعدّد لو كان لكان بمقتضى ذات الواجب ؛ لئلاّ تلزم المعلوليّة في الواجب ، فيكون وجود الواجب من غير تعدّد محالا ، وإلاّ يلزم عدم اللزوم ، أو انفكاك اللازم عن الملزوم فيلزم عدم تحقّقه في أفراده ؛ لأنّه في كلّ فرد واحد ، فيلزم ما ذكر ، وهو محال.

ولا سبيل إلى الثاني ، وإلاّ يلزم إمكان الواجب الذي يحصل به التعدّد ، وهو أيضا محال ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين ، فتعيّن الثالث ، وهو كون التعدّد ممتنعا ، وهو المطلوب.

ومنها : أنّ وجود الشريك لواجب الوجود بالذات ممتنع في الماهيّة والوجود.

أمّا امتناع وجود الشريك في الماهيّة ، فلأن الماهيّة المشتركة إن كانت تمام

__________________

(١) انظر « شرح الأصول الخمسة » : ٢٨٤ ـ ٢٩١ ؛ « الملل والنحل » ١ : ٢٣٠ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٢١ ـ ٢٢٢ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٤٣ ـ ٤٤ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٤٠.

(٢) هذا الكلام تعريض بالنصارى. انظر « الملل والنحل » ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢٨ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٢٩١ ـ ٢٩٨ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٤٢.

٣٣١

حقيقة كلّ ، فهما متماثلان. وإن كانت جزء حقيقته ، فهما متجانسان ؛ لأنّ بعض الحقيقة المشترك إمّا جنس أو فصل بعيد يلزمه جنس ما ، فيلزم أن يكون لواجب الوجود جنس ، وكلّ ماله جنس فله فصل مختصّ مميّز له عن غيره لئلاّ ترتفع الاثنينيّة ، فيلزم التركّب في الواجب ، وهو محال ؛ لاستلزامه الاحتياج إلى الأجزاء ، وهو مناف لوجوب الوجود.

[ و ] على تقدير كونها تمام الحقيقة يلزم احتياج كلّ منهما إلى ما به الامتياز عن العوارض المشخّصة ، والمحتاج إلى الغير في الوجود لا يمكن أن يكون واجب الوجود. ومن هنا يعلم أنّ تشخّص الواجب عين ذاته كوجوده.

وأمّا امتناع الشريك في وجوب الوجود ، فلأنّ الوجود في الواجب عين حقيقته ، فلو وجد واجبان ، لكان حقيقة الوجود مشتركة بينهما ، والحقيقة المشتركة إمّا جنسيّة أو نوعيّة ، وعلى التقديرين يلزم تركّب الواجب كما مرّ وهو محال كما تقدّم ، فوجود الشريك يستلزم التركّب وهو محال ، فهو محال وهو المطلوب.

ومنها : أنّ وجود الشريك يستلزم عجز الواجب ؛ لأنّ كلاّ من الشريك(١) إمّا أن يقدر على الإتيان بما شاء بالنسبة إلى الآخر ، أم لا وعلى الأوّل ، فإمّا أن يقدر الآخر مع منع الأوّل أم لا ، والأوّل يستلزم عجز الأوّل ، والثاني عجز الثاني. وعلى الثاني يلزم عجز كليهما.

لا يقال : يشترط في القدرة إمكان المقدور ، والتأثير في الواجب ممتنع.

لأنّا نقول : تأثير الواجب في الواجب ليس بممتنع ؛ لأنّ الفاعل ـ وهو الواجب ـ كامل عن جميع الجهات ، والقابل متحقّق لا نقص فيه أصلا على هذا التقدير ، مضافا إلى إمكان التمثيل بمثال واضح كإماتة زيد وإبقائه ، وتحريك الفلك وتسكينه في آن واحد.

__________________

(١) كذا ، والصحيح : « الشريكين ».

٣٣٢

وقد حكي عن « ابن كمونة » في هذا المقام شبهة(١) ، وهي أنّ معنى عينيّة الوجود ليس إلاّ أنّ نفس حقيقة الواجب منشأ لانتزاع وجوده من دون حاجة إلى أمر خارج ، لا أنّ في الخارج حقيقة ووجودا [ هو ] عين تلك الحقيقة.

فعلى هذا يمكن أن يوجد في الخارج حقيقتان مختلفتان كلّ واحدة منهما تمام الحقيقة ، ويكون كلّ واحد منشأ لانتزاع وجوده ، ولم يكن الوجود إلاّ لازما منتزعا من نفس حقيقة كلّ منهما ؛ لجواز أن يكون للحقائق المختلفة لازم واحد ، فلا تلزم حقيقة مشتركة في الخارج ليلزم تركّب الواجب.

وجوابها : أنّ ماهيّة الواجب لمّا كانت عين مفهوم الوجود في الذهن الذي هو معنى واحد ، فلو كان ذلك المعنى الواحد منتزعا من حقيقتين مختلفتين في تمام الماهيّة ، يلزم أن تكون الماهيّة الواحدة تمام ماهيّة حقيقتين مختلفتين في تمام الماهيّة ، وهو بديهيّ البطلان.

بيان ذلك : أنّ الوجود ـ كما أفيد ـ على أقسام ثلاثة :

الأوّل : الوجود الحقّ ، وهو الوجود الواجب المقدّس عن كلّ ما سواه ، بل لا تطلق العبارة أيضا عليه ؛ فإنّ العبارة إنّما تطلق على العنوان وآثار صنعه ، وهذا الوجود لا يدرك بعموم ولا خصوص ، ولا إطلاق ولا تقييد ، ولا كلّ ولا جزء ، ولا كلّيّ ولا جزئيّ ، ولا كمّ ولا كيف ، ولا أين ولا وضع ، ولا إضافة ولا نحو ذلك ، بل إنّما يعرف بالوجوه والآثار كالبناء والبنّاء ونحو ذلك ، وكذا يعرف بضدّ ما للممكن مثل أنّه ليس بمحتاج ، ولا حادث ، ولا مركّب ، ولا ذي كيف وشبه ، ونحو ذلك ، ويعبّر عنه بالذات البحت ، بمعنى أنّه ذات بسيط ليس له وجود غير ماهيّته ، ولا ماهيّة غير وجوده ، ولا ذات غير صفته ، ولا صفة غير صفته.

__________________

(١) حكاه في « المطارحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ؛ « الأسفار الأربعة » ١ : ١٣٢ ؛ « شرح الهداية الأثيريّة » للصدر الشيرازيّ : ٢٩١ ؛ « المبدأ والمعاد » : ٥٣.

٣٣٣

الثاني : الوجود المطلق.

الثالث : الوجود المقيّد وهو الوجود الخاصّ الممكن.

والوجود المنتزع هو الوجود المطلق لا الوجود الحقّ ، فلو تعدّد الواجب يلزم الاشتراك في الوجود الحقّ ، فيحتاج إلى ما به الامتياز ، فيلزم التركّب الموجب للاحتياج إلى الأجزاء والمركّب ، المنافي لوجوب الوجود ، وإلاّ يلزم أن يكون الماهيّة الواحدة تمام ماهيّة حقيقتين مختلفتين في تمام الماهيّة ، وهو بديهيّ البطلان ، مضافا إلى أنّ ما ذكرنا آنفا يحسم مادّة تلك الشبهة ، كما لا يخفى.

وأمّا البراهين النقليّة الواردة في الكتاب :

فمنها : قوله تعالى :( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (١) .

ومنها : قوله تعالى :( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) (٢) .

بيان :

يمكن أن يكون المراد أنّه لو تعدّد الإله لكان كلّ فرد من أفراد الواجب الوجود بالذات ، وكاملا في الصفات كالعلم والقدرة والحياة ، فيكون كلّ فرد علّة مستقلّة في أفعاله ، فلا يمكن أن يكون مخلوق واحد مخلوقا للاثنين ؛ لامتناع توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد شخصيّ ؛ حذرا عن عدم استقلال كلّ منهما ، أو تحصيل الحاصل ، فيكون كلّ مخلوق مخلوقا لخالق على حدة ، فيذهب كلّ إله بما خلق ، ولعلا بعض المخلوقين على بعض ، بناء على وحدة محدّد الجهات المحيط بالعالم ، فيلزم التفاوت في المخلوق مع التساوي في الخالق ، وهو محال.

أو المراد أنّه لو تعدّد الإله ، فإمّا أن يكون كلّ فرد علّة مستقلّة ، أم يكون بعض الأفراد علّة مستقلّة ، وبعضها غير مستقلّة ، مستندا إلى الآخر ، محتاجا إليه.

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٢٢.

(٢) المؤمنون (٢٣) : ٩١.

٣٣٤

فعلى الأوّل لذهب كلّ إله بما خلق ؛ حذرا عمّا ذكر.

وعلى الثاني لكان بعض الآلهة عاليا محتاجا إليه ، وبعضهم دانيا محتاجا ، وكلّ منهما فاسد ؛ إذ الأوّل ـ مع كونه خلاف الوجدان والعيان ـ خلاف اعتقاد المشركين القائلين بتعدّد الإله لكلّ مخلوق. والثاني يستلزم وحدة الإله المستقلّ ، بل عدم كون الشريك من أفراد الواجب بالذات الغنيّ بالذات ، وهو خلاف المفروض.

ومن هذا يمكن فهم المراد من الآية الأولى ؛ لاقتضاء استقلال كلّ فرد أن يتعلّق إرادة بعض ببقاء السماوات والأرض ، والآخر بإعدامهما ، فإذا تعارضا وتعادلا ، بقي المعلول بلا مبق ففسدتا ؛ الاحتياج الباقي إلى المؤثّر ، فلا يرد أنّ الغنيّ المطلق الكامل لا يعارض غنيّا آخر مثله ، وأنّه حال الممكن كالسلاطين الذين يدفع بعضهم بعضا. ويدلّ على ذلك أنّه قال :( لَفَسَدَتا ) ولم يقل : لأفسدوا.

ومنها : قوله تعالى :( اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) (١) .

ومنها : قوله تعالى :( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (٢) .

ومنها : قوله تعالى :( وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ ) (٣) .

ومنها : قوله تعالى :( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) الآية(٤) .

ومنها : قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) الآية(٥) .

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٥٥ ؛ آل عمران (٣) : ٢ ؛ النساء (٤) : ٨٧ ؛ طه (٢٠) : ٨٠ ؛ النحل (٢٧) : ٢٦ ؛ التغابن (٦٤) : ١٣.

(٢) البقرة (٢) : ١٦٣.

(٣) آل عمران (٣) : ٦٢.

(٤) آل عمران (٣) : ٦٤.

(٥) النساء (٤) : ٤٨ و ١١٦.

٣٣٥

ومنها : قوله تعالى :( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ) (١) .

ومنها : قوله تعالى :( لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ) (٢) .

ومنها : قوله تعالى :( لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً ) (٣) .

ومنها : قوله تعالى :( لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً ) (٤) .

ومنها : قوله تعالى :( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) (٥) .

ومنها : قوله تعالى حكاية عن لقمان :( يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٦) .

ومنها : قوله تعالى :( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (٧) وغير ذلك من الآيات الكثيرة الدالّة على نفي الشريك وهي ـ على ما عددتها ـ ثلاث وتسعون آية.

وأمّا الواردة في السّنّة :

فمنها : ما روي عن شريح بن هانئ ، قال : إنّ أعرابيّا مال يوم الجمل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين! أتقول : إنّ الله واحد؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنينعليه‌السلام من تقسّم القلب؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « دعوه ؛ فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ».

قال : « يا أعرابي! إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها

__________________

(١) النساء (٤) : ١١٦.

(٢) النحل (١٦) : ٥١.

(٣) الإسراء (١٧) : ٢٢.

(٤) الإسراء (١٧) : ٣٩.

(٥) الأنبياء (٢١) : ٩٨.

(٦) لقمان (٣١) : ١٣.

(٧) الإخلاص (١١٢) : ١ ـ ٤.

٣٣٦

لا يجوزان على الله عزّ وجلّ ، ووجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : إنّه ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّه تشبيه عزّ وجلّ ربّنا ، وتعالى عن ذلك.

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود : لا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ(١) ».

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفريّ ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني :( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (٢) ما معنى الأحد؟ قال : « المجمع عليه بالوحدانيّة أما سمعته يقول :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٣) بعد ذلك له شريك وصاحبة(٤) ؟ »

بيان :

كلامه الأخير استفهام إنكاريّ ، أي كيف يكون له شريك وصاحبة بعد إجماع العقول على خلافه وكون غرائز الخلق كلّها مجبولة على الإذعان بتوحيده إذا تركوا العناد؟!

ومنها : ما روي في جواب سؤال الزنديق رواية(٥) أبطل فيها مذاهب ثلاثة للثنويّة :

__________________

(١) « التوحيد » : ٨٣ ـ ٨٤ باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح ٣.

(٢) الإخلاص (١١٢) : ١.

(٣) العنكبوت (٢٩) : ٦١.

(٤) « التوحيد » : ٨٢ ـ ٨٣ باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح ١ ـ ٢ ؛ « الكافي » ١ : ١١٨ ، باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح ١٢.

(٥) « التوحيد » : ٢٤٣ ـ ٢٧٠ ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح ١ ، وأورد الكلينيّ قسما منه في « الكافي » ١ : ٨٣ ـ ٨٥ باب إطلاق بأنّه شيء ، ح ٦.

٣٣٧

الأوّل : مذهب الأيضائيّة(١) ، وهم أثبتوا أصلين : نورا وظلاما فالنور يفعل الخير قصدا واختيارا ، والظلام يفعل الشرّ طبعا(٢) .

الثاني : مذهب المانويّة أصحاب ماني الحكيم الذي ظهر بعد عيسىعليه‌السلام ، وأخذ دينا بين المجوسيّة والنصرانيّة ، وكان يقول بنبوّة المسيح دون الكليم ، وزعم أنّ العالم مصنوع مركّب من أصلين قديمين : أحدهما نور ، والآخر ظلمة ، وأنّهما أزليّان ، حسّاسان ، سميعان ، بصيران ، متضادّان في النفس والصورة ، والفعل والتدبير(٣) .

الثالث : مذهب المرقوبيّة أثبتوا أصلين متضادّين : أحدهما النور ، والثاني الظلمة ، وأثبتوا أصلا ثالثا وهو المعدّل الجامع وهو سبب المزاج ؛ فإنّ المتنافرين المتضادّين لا يمزجان إلاّ بجامع وهو دون النور وفوق الظلمة ، وحصل من الاجتماع والامتزاج هذا العالم ، كذا حكي عنهم(٤) .

ومنها : ما روي هشام [ بن ] الحكم أنّه قال : من سؤال الزنديق عن الصادقعليه‌السلام أن قال : لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟ قال أبو عبد الله ـعليه‌السلام ـ : « لا يخلو قولك : إنّهما اثنان من أن يكونا قديمين قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكون أحدهما قويّا والآخر ضعيفا ، فإن كانا قويّين فلم لا يدافع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟ وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، ثبت أنّه واحد ـ كما نقول ـ للعجز الظاهر في الثاني. وإن قلت : إنّهما اثنان لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظما ، والفلك حاويا ، واختلاف

__________________

(١) ما نسبه إلى الأيضائيّة هنا نسبه الشهرستانيّ في « الملل والنحل » ١ : ٢٥٠ إلى الديصانيّة ، فالأيضائيّة والديصانيّة إمّا مذهب واحد ، أو أنّ الأيضائيّة تحريف عن الديصانيّة.

(٢) انظر « الملل والنحل » ١ : ٢٢٠ ـ ٢٥٢ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٢٩١ ـ ٢٩٨ ؛ « مناهج اليقين » ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٤٠ ـ ٤٤.

(٣) نفس المصادر السابقة.

(٤) نفس المصادر السابقة.

٣٣٨

الليل والنهار ، والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير ، وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد(١) ».

وزيد في بعض الأخبار : « ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين ، فلا بدّ من فرجة بينهما حتّى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثا بينهما ، قديما معهما ، فيلزمك ثلاثة ، وإن ادّعيت ثلاثة ، لزمك ما قلنا في الاثنين حتّى يكون بينهما فرجتان ، فيكون خمسة ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة(٢) ».

ومنها : ما روي عن هشام بن الحكم ، قال : قال أبو شاكر الديصانيّ : إنّ في القرآن آية هي قوّة لنا. قلت : وما هي؟ فقال :( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) (٣) فلم أدر بما أجيبه ، فحججت ، فخبّرت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، فقال : « كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل : ما اسمك بالكوفة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل : ما اسمك بالبصرة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل : كذلك الله ربّنا إنّه في السماء إله ، وفي الأرض إله ، وفي البحار إله ، وفي كلّ مكان إله ».

قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر ، فأخبرته ، فقال : هذه نقلت من الحجاز(٤) . وغير ذلك من الأخبار التي لا تكاد تحصى ممّا دلّ على التوحيد ، ونفي الرؤية ونحو ذلك.

ومنها : ما روي في « الكافي » عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله ممّا هو مشتقّ؟ قال : فقال لي : « يا هشام! الله مشتقّ من أله ، والإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المسمّى فقد كفر ولم يعبد شيئا ؛ ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ؛ ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام!؟ ».

__________________

(١) « التوحيد » : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح ١.

(٢) نفس المصدر.

(٣) الزخرف (٤٣) : ٨٤.

(٤) « الكافي » ١ : ١٢٨ ـ ١٢٩ ، ذيل باب الحركة والانتقال ، ح ١٠ ؛ « التوحيد » : ١٣٣ ، باب القدرة ، ح ١٦.

٣٣٩

قال : فقلت : زدني ، فقال : « إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان لكلّ اسم منها إلها ، ولكنّ الله معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره ، يا هشام! الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام! فهما تدفع به أعداءنا والملحدين مع الله جلّ وعزّ غيره؟ » قلت : نعم ، فقال : « نفعك الله به وثبّتك يا هشام ».

فقال هشام : فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا(١) .

ومنها : ما روي فيه أيضا عن أبي بصير ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفرعليه‌السلام فقال له : أخبرني عن ربّك متى كان؟ فقال : « ويلك ، إنّما يقال لشيء [ لم يكن فكان ] : متى كان ، إنّ ربّي ـ تبارك وتعالى ـ كان ولم يزل حيّا بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون ، كيف(٢) لم يكن؟ ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا كان ضعيفا قبل أن يكوّن شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مذكورا ، ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيّا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشئ ، وملكا جبّارا بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حدّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها ، كان حيّا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا حدّ محدود ، ولا أين موقوف عليه ، ولا مكان جاور شيئا ، بل حيّ يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحدّ ، ولا يبعّض ، ولا يفنى ، كان

__________________

(١) « الكافي » ١ : ١١٤ باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح ٢ ؛ « التوحيد » : ٢٢٠ ـ ٢٢١ باب أسماء الله تعالى ح ١٣.

(٢) في « أ » و « ب » : « ولا كان لكونه كون ، كيف لم يكن ولا كان له أين ». وفي « ز » : « ولا كان لكونه كيف لم يكن ولا كان له أين ». وفي المصدر : « ولا كان لكونه كون كيف ولا كان له أين ». وفي « التوحيد » للصدوق : « ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ».

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556