البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٢

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة10%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-371-766-6
الصفحات: 556

  • البداية
  • السابق
  • 556 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41553 / تحميل: 7717
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣٧١-٧٦٦-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولا كفو ولا شبه له في الصفات ، بمعنى أنّ المكلّف لا بدّ أن يعتقد أنّ الله تعالى موجود بوجود هو عين ذاته ؛ لأنّه موجد للعالم وللآثار الممكنة التي لا تحدث بنفسها ، بل تحتاج إلى مؤثّر غير متأثّر ولو بواسطة ، فيكون وجوده ضروريّا بالذات ؛ لضرورة ثبوت الشيء لنفسه ، وعدمه ممتنعا بالذات ؛ لامتناع اجتماع الضدّين.

وأنّه تعالى قديم بذاته بمقتضى وجوب وجوده ؛ إذ لولاه لكان حادثا محتاجا إلى محدث.

وأنّه تعالى أبديّ يمتنع عليه العدم كما يقتضيه القدم وعينيّة الوجود المعلومة من وجوب الوجود وعدم جواز الاحتياج إلى الغير.

وأنّه تعالى حيّ بشهادة حياة المصنوعات بالحياة القديمة التي هي عين الذات ؛ لئلاّ يلزم الاحتياج وتعدّد القدماء.(١)

وأنّه تعالى عالم بالعلم القديم الذاتي ؛ لمثل ما مرّ.

وأنّه تعالى قادر ، مختار ، غنيّ مطلق يحتاج إليه ما سواه ؛ لأنّه خلق الاختيار وأخّر بعض المختار ، مع أنّ العجز مستلزم للاحتياج المستلزم للحدوث.

وأنّه تعالى سميع ، بصير ، مريد ، متكلّم ، صادق ؛ لمثل ما مرّ.

وأنّه تعالى ليس بجسم ولا مركّب ولا مرئيّ ولا محلّ ولا حالّ ولا صاحب نحو ذلك من الأحوال.

وبالجملة ، فلا بدّ أوّلا من معرفة الله بخمس صفات :

الأولى : أنّه خالق العالم والممكنات ؛ لشهادة السماوات والأرض وما فيهما من البسائط والمركّبات.

الثانية : أنّه واجب الوجود بالذات ، بمعنى أنّ الوجود ـ بمعنى منشأ الأثر ـ لكونه عين ذاته تعالى لازم وضرور لذاته ؛ للزوم ثبوت الشيء لنفسه وكون نفس الذات

__________________

(١) هذا تعريض بمذهب الأشاعرة ، وسيأتي بيان مذهبهم ومناقشته.

٢١

علّة لإثبات الوجود له ، لا علّة للثبوت ليلزم معلوليّة الذات ، فيلزمه ضرورة الوجود بمعنى الكون والتحقّق ـ المعبّر عنه في الفارسيّة بـ « بودن » و « هستى » ـ لذاته واستحالة العدم عليه ؛ لاستحالة سلب الشيء عن نفسه.

الثالثة : أنّه صاحب صفات الكمال والجمال.

الرابعة : أنّه تعالى منزّه عن صفات النقص وله الجلال.

الخامسة : أنّ صفاته الذاتيّة عين ذاته.

وثانيا من معرفة جهات التوحيد ، أعني التوحيد الذاتي والصفاتي وغيرهما ، فهذا الأصل مشتمل على خمسة اعتقادات :

الأوّل : أنّ العالم له صانع واجب الوجود بالذات ، فهو من أصول الدين ، ومنكره كالدهري من الكافرين.

الثاني : أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات ، وهو من أصول المذهب أو كماله ، ومنكره ـ كبعض(١) أرباب المعقول أو المنقول ـ ناقص المذهب.

الثالث : أنّ الصانع الواجب بالذات ـ الذي هو صاحب جميع صفات الكمال والجمال ـ منزّه عن صفات النقص كالتجسّم والحلول ؛ لكونه صاحب الجلال ، وهو أيضا من أصول الدين من وجه ، والمذهب من وجه آخر ، ومنكره ـ كالمجسّمة والحلوليّة وأمثالهم ـ خارج عن الدين أو المذهب.

ومن جملة النقائص ما يحكى عن النصارى أنّ الله والد ومولود وروح القدس وشفيع ، وهو يتجلّى ودخل في رحم مريم وخرج إلى الدنيا وصلب وقتل ودفن ، ثمّ رجع إلى الدنيا بعد ثلاثة أيّام وغاص في جهنّم لنجاة أرواح الأنبياء والمؤمنين ، ثمّ صعد إلى السماء ، ثمّ ينزل إلى الدنيا لإيصال الثواب إلى الأخيار والعقاب

__________________

(١) هم المعتزلة ، وسيأتي بيان مذهبهم ومناقشة.

٢٢

إلى الفجّار.

الرابع : أنّ الصفات الذاتيّة ـ كالحياة والعلم والقدرة ـ عين الذات ، وهو أيضا من أصول المذهب ، ومنكره كالأشاعرة خارج عن المذهب.

الخامس : أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات ـ الذي هو صاحب صفات الكمال والجمال ، والمنزّه عن صفات النقص وهو صاحب الجلال ، وتكون صفاته الذاتيّة عين ذاته تعالى ـ واحد من جميع الجهات ، لا تكثّر في ذاته ، لا شريك له في الذات ، ولا كفو ولا شبيه له في الصفات.

وهو أيضا من أصول الدين ، ومنكره كالمشركين من الكافرين ، فليكن الكلام في هذا الأصل ـ بل في كلّ أصل من الأصول ـ في خمسة فصول ، وبعد كلّ فصل وصل لبيان ما يترتّب على الاعتقاد المذكور في ذلك الفصل وجودا وعدما.

وليكن الكلام قبل الشروع في إثبات التوحيد( في إثبات الصانع ) أي صانع العالم ، على أنّ اللام عوض عن المضاف إليه ، أو مغن عن الإضافة ، أو على أنّه الفرد الكامل المنصرف إليه اللفظ المطلق.

والظاهر أنّ وجه اختياره هو الإشارة إلى أنّ البرهان الممكن ـ إقامته عليه إنّما هو البرهان الإنّي ـ الذي ينتقل فيه من المعلول إلى العلّة ـ ؛ لأنّه يستدلّ من المصنوع الذي هو المعلول على الصانع الذي هو العلّة بملاحظة الصنع والإبداع والتكوين. ولا يمكن إقامة البرهان اللمّي الذي ينتقل فيه من العلّة إلى المعلول ولو بملاحظة إمكان العالم أو طبيعة الوجود كما عن الحكماء(١) ـ إذ لا علّة له ؛ لأنّه علّة لكلّ علل.

__________________

(١) انظر « الشفاء » الإلهيات : ٣٢٧ ـ ٣٣١ ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ٢٢ ؛ « النجاة » : ٢٣٥ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ ؛ « المطالب العالية » ١ : ٧٢ ـ ٧٣ ؛ « المحصّل » ٣٤٢ وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٠ ـ ٢٨ ؛ « مناهج اليقين » : ١٥٨ ؛ « النافع يوم الحشر » : ٨ ـ ٩ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٧٦ ـ ١٧٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٥ ؛ « شرح المقاصد » ٦ : ١٥ ـ ١٦ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٦ ؛ « شرح الهداية الأثيرية » لملاّ صدرا : ١٥ ـ ١٧ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٤.

٢٣

وما يقال ـ [ من ](١) أنّ كون العالم مصنوعا علّة لكون الواجب صانعا أي لهذا الوجود الرابطي لا الأصل ـ فاسد ؛ لكون الأمر بالعكس ، كما لا يخفى.

نعم ، هو علّة في الإثبات لا الثبوت(٢) وليس الوجه دفع ورود الاعتراض على ذكر « الواجب » بأنّ ما هو واجب فهو موجود بالضرورة ، فلا حاجة إلى إثباته ؛(٣) إذ(٤) ليس المراد من الواجب ما هو كذلك في نفس الأمر ، بل ما فرض كونه كذلك ، فيكون المقصود إثبات أنّ لهذا المفهوم فردا في الخارج ، وليس كالمفهومات الفرضيّة التي لا تحقّق لها فيه. ولا شكّ أنّ هذا ليس بديهيّا ، بل يحتاج إلى البرهان في إثباته.

( و ) في إثبات( صفاته ) الثبوتيّة الحقيقيّة التي هي عين الذات( وآثاره ) المترتّبة عليه في مقام الفعل كالصفات الإضافيّة ( وفيه فصول ) :

__________________

(١) انظر « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٩.

(٢) أي وجه اختيار كلمة « الصانع » دون « واجب الوجود » مثلا.

(٣) انظر « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٤.

(٤) هذا تعليل لقوله : « وليس الوجه ».

٢٤

( الفصل الأوّل : في وجوده )

أي في بيان أنّ الواجب الوجود بالذات ، الصانع للممكنات له فرد موجود في الخارج ، بمعنى أنّ للعالم صانعا واجب الوجود بالذات ؛ ردّا على من قال :(١) إنّ موجده الدهر أو الطبيعة من جهة توهّم كفاية الأولويّة الذاتيّة.

وذلك بأن يقال : لا شكّ في وجود فرد من أفراد الموجود المعلوم وجودها بديهة ، فذلك الفرد( الموجود إن كان واجبا فهو المطلوب ) وهو أنّ واجب الوجود موجود( وإلاّ ) يكن ذلك الموجود واجبا ، بل كان ممكنا( استلزمه ) أي استلزم وجود ذلك الممكن وجود واجب الوجود ؛ لأنّ له حينئذ مؤثّرا لا محالة ؛ لأنّ الإمكان يوجب افتقار الممكن إلى العلّة ؛ لأنّ الممكن ما يتساوى طرفاه ، وتحقّق أحد المتساويين لا بدّ له أن يرجّح بمرجّح ، وذلك المرجّح هو المراد بالعلّة.

لا يقال : (٢) لعلّ أحد طرفي الممكن كان له أولويّة ذاتيّة توجب تحقّقه من غير

__________________

(١) هم الدهرية. انظر « أصول الدين » للبغدادي : ٦٩ ؛ « الملل والنحل » للشهرستاني ٢ : ٢٣٥ ؛ « شرح المقاصد » ٥ : ٢٢٧ ؛ « الفصل في الملل والأهواء والنحل » ١ : ٤٧ ـ ٥٥ ؛ « كشاف اصطلاحات الفنون » ١ : ٨٠٠ ؛ « الحكمة المتعالية » ٧ : ١١١.

(٢) لمزيد الاطّلاع انظر « الأربعين في أصول الدين » ١ : ١٠٣ وما بعدها ؛ « المحصّل » : ٣٤٤ وما بعدها ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : ٨٤ ـ ٨٥.

٢٥

احتياج إلى العلّة ، فيكون العالم مستغنيا عن المؤثّر.

لأنّا نقول : لو فرضنا أنّ للممكن أولويّة ذاتيّة ، بمعنى كون الذات كافية فيها ، وفرضنا كون تلك الأولويّة كافية في وقوع أحد طرفيه ، يلزم إمّا أن لا تكون الأولويّة أولويّة بل وجوبا فيلزم الانقلاب ، وإمّا أن لا تكون ذاتيّة وحينئذ فكون الأولويّة أولويّة ذاتية غير متصوّر.

بيان الملازمة : أنّه لو تحقّق أحد الطرفين لتلك الأولويّة ، فإن لم يمكن تحقّق الآخر ، كان ذلك الآخر ممتنعا والطرف الراجح واجبا ، فيلزم الأمر الأوّل. وإن أمكن تحقّقه ، فإمّا أن يكون ذلك الإمكان بلا سبب ، فيلزم ترجيح المرجوح بلا سبب ، وهو أقبح من ترجّح أحد المتساويين بلا سبب ، أو بسبب فإمّا أن لا يقتضي أولويّة ذلك الآخر ، فلم يكن السبب سببا ، أو يقتضيها ، فيلزم مرجوحيّة الطرف الأوّل لذاته ، فلم تكن الأولويّة أولويّة ذاتيّة ؛ لامتناع زوال ما بالذات ، فيلزم الأمر الثاني.

على أنّه لو أمكن تحقّق ذلك الآخر ، لكان تحقّق غيره مع إمكان تحقّقه ترجيحا بلا مرجّح.

وأيضا كون الأولويّة ذاتيّة ومستندة إليها ومنسوبة إليها قبلها غير متصوّر ؛ إذ لا معنى لنسبة الشيء إلى شيء وكونه مقتضاه قبله ، وكونها بعده يستلزم استناده إلى علّة واجبة والاستغناء عن غيرها ولو كان « أولى » من الأولويّة ، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة.

ولا فرق فيما ذكرنا بين تفسير الأولويّة الذاتيّة باقتضاء ذات الممكن رجحان أحد الطرفين اقتضاء غير بالغ حدّ الوجوب ، أو كون أحد طرفي الممكن أليق بالنسبة إلى الذات لياقة غير بالغة حدّ الوجوب ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، فتلك العلّة إن كانت ممكنة تكون محتاجة إلى علّة أخرى ، وتلك الأخرى إن كانت عين الأولى يلزم الدور المصرّح ، وإن كانت غيرها وكانت ممكنة تكون محتاجة إلى أخرى وهكذا ، فإمّا أن تنتهي السلسلة إلى الواجب ، أو ترجع ، أو

٢٦

تذهب إلى غير النهاية على وجه الدور والتسلسل ؛ ولا سبيل إلى الثاني ؛( لاستحالة الدور والتسلسل ) ببرهان التطبيق ونحوه كما تقدّم ، فيلزم الانتهاء إلى الواجب ، فيثبت وجود الواجب الوجود وهو المطلوب.

قال المحقّق الخفري في تعليقاته على شرح الفاضل القوشجي على إلهيّات التجريد : « اختار المصنّفقدس‌سره في إثبات الواجب منهج الحكماء الإلهيّين ، وهو الذي يستدلّ فيه بالنظر إلى الوجود ؛ لأنّه أخصر وأوثق وأشرف من المنهج الذي اعتبر فيه حدوث الخلق ، أو إمكانه بشرط الحدوث ـ كما هو طريقة بعض(١) المتكلّمين ـ أو الحركة ، كما هو طريقة الطبيعيّين.

بيان ذلك : أنّ لأرباب العقول في إثبات الواجب مناهج ،(٢)

كما أشرنا إليه :الأوّل : منهج الحكماء الإلهيّين ، وهو الذي يستدلّ فيه بالنظر إلى الوجود بملاحظة طبيعة الوجود بما هو وجود من غير نظر إلى الخصوصيّات ، فالاستدلال باللوازم المنتزعة عن حاقّ الملزوم.

الثاني : منهج جماعة من المتكلّمين ، وهو الذي اعتبر فيه حدوث الخلق المتوقّف على إثبات حدوث العالم ، بأن يقال : إنّ العالم حادث ؛ للدلائل الدالّة عليه ، فلا بدّ من محدث ، ويجب الانتهاء إلى محدث غير حادث ؛ دفعا للدور والتسلسل ، وهو الواجب تعالى ، فيثبت المطلوب.

الثالث : منهج طائفة أخرى منهم ، وهو الذي اعتبر فيه الإمكان بشرط الحدوث.

__________________

(١) مراده طائفة من المتكلّمين ، كما سيذكر ذلك في المنهج الثالث.

(٢) المعروف أنّ أرسطو سلك منهج الحكماء الطبيعيّين وابن سينا سلك منهج الحكماء الإلهيّين. ولمزيد المعرفة عن المناهج الأربعة انظر « الشفاء » الإلهيات : ٣٢٧ ـ ٣٣١ ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : ٢٢ و ٣٤ ـ ٣٨ ؛ « النجاة » : ٢٣٥ ؛ « المعتبر في الحكمة » ٣ : ٢٢ ـ ٢٧ ؛ « المطالب العالية » ١ : ٧٢ ؛ « المحصل » : ٣٤٢ وما بعدها ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٤٦٧ ـ ٤٧١ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٠ ـ ٢٨ ؛ « مناهج اليقين » : ١٥٨ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٥ ـ ٢٤ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٢ ـ ٤٨ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٤ ـ ٥٠٠.

٢٧

وتقريره مثل ما مرّ.

الرابع : منهج الحكماء الطبيعيّين ، وهو الذي يكون النظر فيه إلى طبيعة الحركة ، بأن يقال : لا شكّ في وجود متحرّك ، ولا بدّ له من محرّك غير ذاته ؛ إذ حركته أمر ممكن لا بدّ له من علّة لا محالة ، فيجب الانتهاء إلى محرّك غير متحرّك أصلا ؛ دفعا للدور أو التسلسل ، وهو الواجب.

أو يقال : إنّ النفس الناطقة خارجة في كمالاتها من القوّة إلى الفعل ، فلا بدّ لها من مخرج ، ويجب الانتهاء إلى مخرج غير مخرج ؛ دفعا للدور أو التسلسل ، وهو الواجب تعالى.

والمنهج الأوّل أخصر ؛ لكونه أقلّ مقدّمة وأوثق ؛ لكونه أشبه بالبرهان اللمّي ، بل قيل :(١) إنّه برهان لمّي ؛ إذ هو استدلال بحال مفهوم « الموجود »(٢) على أنّ بعض الموجود(٣) واجب ، لا على ذات الواجب في نفسه ، وكون طبيعة الوجود مشتملة على فرد وهو الواجب لذاته ، وهي حال من أحوال تلك الطبيعة ، فالاستدلال بحال تلك الطبيعة على حال أخرى لها معلولة للأولى ، وأشرف المناهج ؛ إذ الوجود منبع كلّ شرافة ، وموجب كلّ إنافة ».(٤)

ثمّ قال : « ويمكن تقرير هذا الدليل بوجوه أربعة :

أحدها : أنّ للموجود أفرادا بالبديهة ، فإن كان واحد منها واجب الوجود بالذات ثبت المطلوب. وإن كان كلّها ممكنا فله مؤثّر موجود بالضرورة ، ولزم الانتهاء إلى الواجب ؛ لاستحالة الدور والتسلسل.

__________________

(١) قال به العلاّمة الحلّيقدس‌سره في « كشف المراد » : ٢٨٠ والفاضل السيوري في « إرشاد الطالبين » : ١٧٧ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ٧١ ، ونسبه اللاهيجي إلى القيل في « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٨.

(٢) في « أ » : « الوجود » بدل « الموجود ».

(٣) في « أ » : « الوجود » بدل « الموجود ».

(٤) الإنافة من نوف : الارتفاع.

٢٨

وثانيها : أن يقال في الشقّ الثاني : إن لم يتحقّق في أفراد الموجود واجب الوجود لزم الدور أو التسلسل.

وثالثها : أن يقال فيه : إن لم يتحقّق واجب الوجود في أفراد الموجود لزم أن يتحقّق فيها ؛ لاستحالة الدور والتسلسل.

ويمكن حمل كلام المصنّف على هذا.

ورابعها : ما قرّر الشارح ،(١) وهو أحد احتمالي عبارة المصنّف ».(٢) انتهى.

والفرق بين الوجوه يظهر بالتأمّل.

ويمكن الاستدلال بوجه آخر ، وهو أن يقال : مجموع الموجودات في حال وجوده واجب ؛ لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ؛ وذلك لأنّ الأولويّة الذاتيّة غير متصوّرة كما سبق ، فلا تكون سببا للوجود ، والأولويّة الناشئة من العلّة الخارجة عن ذات الممكن وإن كانت متصوّرة ؛ لعدم لزوم شيء ممّا لزم على الأولويّة الذاتيّة لكنّها غير كافية في الوجود ؛ لأنّها إن جعلت الطرف المقابل للأولى محالا ممتنع الوقوع لم تكن أولويّة خارجيّة بل وجوبا بالغير ، وإلاّ فيمكن مع تلك الأولويّة وقوع الطرف المقابل كما يمكن وقوع الطرف الأوّل ، فالوقوع مع تلك الأولويّة واللاوقوع معها متساويان ، فلو فرض وقوع أحدهما يلزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجّح وهو باطل ، فيلزم وجوبه.

ولأنّ الموجود في حال وجوده لو لم يكن واجبا فإمّا أن يكون ممتنعا أو ممكنا ، والامتناع ممتنع ؛ لوجوده ، وكذا الإمكان غير ممكن ؛ لأنّ معناه صلاحية وجوده مع عدمه وقد فرضناه موجودا ، وهذا خلف ، فتعيّن وجوبه.

ولأنّ الموجود لا يوجد إلاّ بعد تحقّق جميع الدواعي ، وارتفاع جميع الموانع ،

__________________

(١) مراده الفاضل القوشجي. انظر « شرح تجريد العقائد » : ٣١٠.

(٢) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط.

٢٩

كما لا يخفى ، وحينئذ يكون وجوده واجبا ، فذلك الوجوب إمّا في جميعها بالذات ، أو في جميعها بالغير ، أو في بعضها بالذات وفي بعض آخر بالغير.

لا سبيل إلى الأوّل ؛ لأنّه ـ مع استلزامه لمطلوبنا ، وهو وجود الواجب بالذات ـ مستلزم لتعدّد الواجب بالذات أيضا وهو باطل ؛ لما سيأتي ، ولا إلى الثاني ؛ للزوم الدور أو التسلسل ؛ فتعيّن الثالث ، فثبت أنّ واجب الوجود موجود.

وقد استدلّ عليه ببراهين أخر(١) أيضا :

منها : أنّ الموجودات لو كانت منحصرة في الممكنات الصرفة لزم الدور ؛ لأنّها في حكم ممكن واحد في إمكان انعدامها بدلا عن وجودها ؛ وذلك لأنّه وإن امتنع عدم كلّ منها بسبب علّة لكن لا شكّ في إمكان عدمه مع عدم علّته ؛ لكونها أيضا من الممكنات على هذا التقدير ، فتحقّق موجود ما يتوقّف على إيجاد ما ؛ لأنّ وجود الممكنات إنّما يتحقّق بالإيجاد ، وتحقّق إيجاد ما أيضا يتوقّف على تحقّق موجود ما ؛ إذ الشيء ما لم يوجد لم يوجد ، وليس موجود على هذا التقدير غير ما توقّف على ذلك الإيجاد ، فيلزم الدور ، فلا بدّ من موجود غير ممكن لا يحتاج في وجوده إلى إيجاد ، فيصدر منه إيجاد الممكنات وهو واجب الوجود ، فثبت وجود الواجب. كذا ذكره المحقّق الخفري في التعليقات المشار إليها.(٢)

ومنها : أنّه لو لم يكن واجب الوجود بالذات موجودا ، لم يكن شيء من الممكنات موجودا ولو لم يستحل الدور والتسلسل ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ مجموع الممكنات إمّا موجود حقيقي بكونه معروضا لجهة

__________________

(١) انظر « المطالب العالية » ١ : ٢٤٩ ـ ٢٧٨ ؛ « المحصّل » : ٣٤٢ ـ ٣٥٢ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٤٦٨ ـ ٤٧١ ؛ « مجموعة مصنفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٣ ـ ٣٩ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٧٧ ـ ١٧٩ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٢ ـ ١٢ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٧ ـ ٢٤ ؛ « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ١٦٥ ـ ١٨٦ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.

(٢) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط.

٣٠

الوحدة حقيقة كالبيت والسرير ، أو موجود اعتباري معروض لجهة الوحدة الاعتبارية كالعسكر.

وعلى الأوّل يكون المجموع أيضا ممكنا آخر بحسب الخارج لا واجبا سيّما على تقدير عدم الواجب كما هو المفروض ، فيحتاج إلى علّة مرجّحة للوجود على العدم ، والمفروض عدم الواجب ، فلا يكون الواجب علّته مع امتناع كون نفس المجموع أو بعضه علّة ؛ لامتناع كون الشيء علّة لنفسه بديهة ، فيكون المجموع بلا علّة ، ويمتنع وجود الممكن بلا علّة ، فيلزم عدم المجموع.

وعلى الثاني فإن أمكن عدم المجموع لزم إمكان عدم آحاده ، فوجوبها ـ الذي لا يمكن وجودها إلاّ به ـ محتاج إلى علّة منتفية وإن لم يمكن لزم وجود واحد يكون علّة للكلّ حتّى لنفسه وهو الواجب ، والمفروض عدمه ، فيلزم عدم الممكنات بأسرها ، وهو خلاف البديهة.

ومنها : برهان التضايف :

وتقريره : أنّه إذا تسلسلت العلل ولم يكن في الوجود واجب الوجود ، فكلّ واحد واحد ممّا هو فوق المعلول الأخير متّصف بالعلّيّة بالقياس إلى ما تحته ، وبالمعلوليّة بالقياس إلى ما فوقه ، فجميع ما فوق المعلول الأخير متّصف بالعلّيّة والمعلوليّة معا ، والمعلول الأخير متّصف بالمعلوليّة فقط ، فيلزم زيادة عدد المعلوليّة على عدد العلّيّة بواحد وهو محال ؛ لأنّ المتضايفين الحقيقيّين يجب تكافؤهما في الوجود ، فيلزم أن يكون في الوجود موجود متّصف بالعلّيّة فقط ليستقيم التكافؤ الواجب بين عدد العلّيّات والمعلوليّات ، والأمر المتّصف بالعلّيّة دون المعلوليّة باعتبار وجوده في نفسه هو الواجب بالذات ؛ بناء على أنّ العقل يحكم بأنّه يمتنع زيادة عدد أحد المتضايفين على عدد الآخر ، كما يحكم بأنّه يمتنع تحقّق أحد المتضايفين بدون الآخر ولو كان بملاحظة إجماليّة.

ومنها : أنّه ليس للموجود المطلق ـ من حيث هو موجود ـ مبدأ يكون مبدأ

٣١

لجميع أفراده ، وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ؛ لأنّه لكونه من جملة الموجودات التي هو مبدأ لها يكون مبدأ لنفسه أيضا ، والممكن من حيث هو لا بدّ له من مبدأ يكون مبدأ لجميع أفراده ؛ لكونها في حكم ممكن واحد محتاج إلى العلّة كما سبق ، فلا يمكن إيجاد أفراد الموجود المطلق وأفراد الممكن ، فلا بدّ من وجود فرد للموجود المطلق غير الممكن وهو الواجب ، فيثبت وجود الواجب بالذات. كذا ذكره المحقّق الخفري. وقال : « وهذا حقيق بأن يكون طريقة الصدّيقين الذين يستشهدون بالحقّ لا عليه ».(١)

ومنها : أنّ كلّ عاقل يحكم بملاحظة ما سبق أنّ جميع الممكنات لا بدّ لها من علّة بالذات ، أي علّة يكون جميع أجزائها متأخّرا عنها ، محتاجا إليها ، وظاهر أنّه إذا كان جزء من أجزاء الممكنات علّة لها بهذا المعنى يلزم تقدّمه على نفسه وعلى علله ، فيجب أن يكون لها علّة خارجة عنها ، وهو الواجب بالذات.

ومنها : أنّه لو لم يتحقّق الواجب ، لم يتحقّق شيء من الممكنات ؛ إذ لا شيء من الممكنات مستقلّ بنفسه لا في الوجود ـ كما هو الظاهر ـ ولا في الإيجاد ؛ إذ المستقلّ بإيجاد شيء هو ما يمتنع بسببه جميع أنحاء عدم ذلك الشيء ، ولا شيء من الممكنات كذلك ؛ لأنّها لجواز عدمها لا يتصوّر كون شيء منها سببا لامتناع عدم شيء آخر ؛ إذ لا وجود ولا إيجاد ، فلا موجود لا بذاته ولا بغيره ، كما لا يخفى.

ومنها : أنّ الممكن الكلّي الموجود في ضمن مصداقه(٢) بالبديهة ـ بناء على بداهة وجود الكلّي الطبيعي بمشاهدة انتزاع العقل من المصاديق شيئا مشتركا فيه بالعيان وكون الممكن الكلّي كلّيا طبيعيّا بالنسبة إلى مصاديقه مع كفاية الجوهر الممكن

__________________

(١) « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة ٣ ، مخطوط.

(٢) المراد أنّ الممكن ما لا يجب لذاته ، وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود لذاته ، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود ، فلا بدّ من واجب لذاته ، فقد ثبت واجب الوجود لذاته. وهذه طريقة حسنة مستقيمة خفيفة المئونة مبنيّة على أنّ الشيء ما لم يجب ولم تمتنع جميع أنحاء عدمه لم يوجد. ( منهرحمه‌الله ).

٣٢

الذي هو جنس الأجناس ـ لا بدّ له من موجد موجود خارج ؛ حذرا عن الترجيح بلا مرجّح ونحوه وهو الواجب ؛ لانحصار المفهوم في الواجب والممكن والممتنع ، وحيث امتنع كون الممتنع موجدا ؛ لعدم وجوده ، وامتنع كون نفس الممكن علّة ؛ لئلاّ يلزم تقدّم الشيء على نفسه ، أو تحصيل الحاصل ، أو كونه بلا علّة ؛ لما مرّ ، مضافا إلى [ أنّ ] الممكن ما تساوى نسبة الوجود والعدم إلى ذاته ، بمعنى عدم اقتضاء ذات الممكن شيئا منهما حتّى لا يرد عدم تصوّر نسبة شيء إلى المعدوم ، وعدم تصوّر ترجّح أحدهما مع اقتضاء الذات التساوي تعيّن(١) كون موجده هو الواجب بالذات ، فثبت وجوده وهو المطلوب. هذا ما يتعلّق ببيان البراهين العقليّة.

الأدلّة النقليّة

وأمّا ذكر الأدلّة النقليّة ليجتمع البحران ، ويطابق العقل مع النقل سيّما القرآن ، فيتوقّف على ملاحظة الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب ففيه آيات كثيرة :

منها : قوله تعالى :( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) (٢) الآية.

ومنها : قوله تعالى :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .(٣)

ومنها : قوله تعالى :( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) .(٤)

ومنها : قوله تعالى :( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) .(٥)

ومنها : قوله تعالى :( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ

__________________

(١) جواب لقوله آنفا : « وحيث امتنع ».

(٢) إبراهيم (١٤) : ٣٢.

(٣) لقمان (٣١) : ٢٥ ؛ الزمر (٣٩) : ٣٨.

(٤) النحل (١٦) : ٤.

(٥) النحل (١٦) : ٥.

٣٣

أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .(١)

بيان :

قال الطبرسي في جوامع الجامع : « والمعنى أنّ الموعود ـ من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم ـ سيرونه ويشاهدونه ، فيتبيّنون عند ذلك أنّ القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كلّ شيء شهيد ، أي مطّلع مهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنّه حقّ ، وأنّه من عنده ».(٢)

والظاهر أنّ المراد الاستدلال بالحقّ ـ الشاهد على كلّ شيء ـ على وجوده ، بمعنى أنّ آثار وجوده تعالى متحقّقة في الأنفس والآفاق من جهة ملاحظة أصل الوجود واختلاف الألسنة والألوان والحجم والاستحكام وأمثال ذلك من الآثار الممكنة المحتاجة إلى المدبّر القادر العالم الحكيم ، فبعد ملاحظتها يظهر أنّ الواجب الوجود بالذات موجود حقّ ، فبمشاهدة الأثر يحكم بوجود المؤثّر ، وبملاحظة أنّ وجود الأثر مستند إلى وجود المؤثّر يدرك وجود الحقّ في كلّ شيء حتّى كأنّه مشاهد ، فيكفي مشاهدته في الحكم بوجوده تعالى على وجه أجلى وأحلى وأعلى وأغلى وأولى ؛ لأنّه برهان إنّيّ كالبرهان اللمّيّ.

وتوهّم(٣) أنّ المراد أنّه استدلال بالحقّ على الحقّ على وجه الحقيقة فاسد ؛ لأنّه يتمّ على مذهب من يقول بوحدة الوجود ، كما لا يخفى ، وهو كفر وزندقة.

__________________

(١) فصلت (٤١) : ٥٣.

(٢) « جوامع الجامع » : ٤٢٦.

(٣) هذا تعريض من الأسترآباديّ ; بطريقة العرفاء ، وليس مرادهم ما فهمه هو ، بل طريقتهم معضدة بعدّة من الروايات. انظر في ذلك « التوحيد » باب التوحيد ونفي التشبيه : ٥٧ ـ ٥٨ / ١٥ وباب صفات الذات : ١٤٣ / ٧ حول هذا المبحث راجع « الفتوحات المكّيّة » ١١ : ٣٤٣ ؛ ٤ : ٣٧ ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ : ٣٨٨ و ٥٠٥ ؛ « التأويلات » للكاشانيّ ٢ : ٤٢٢ ؛ « جامع الأسرار » : ١٠٥ وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة » ١ : ١٣٥ ؛ ٣ : ٣٩٦ ؛ ٥ : ٢٧ ؛ ٦ : ١٣ ـ ٢٦ ؛ ٩ : ٣٧٤ ـ ٣٧٦ ؛ « شرح المشاعر » : ٣٦٩ وما بعدها ؛ « شرح الأسماء الحسنى » للسبزواريّ : ٤٣٦ ـ ٤٣٩ ؛ « روح البيان » ٨ : ٤٨٤.

٣٤

إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على وجود الصانع من باب البرهان الإنّي ، البالغة إلى أربع وسبعين آية على ما عددتها.

وأمّا السنّة :

فمنها : ما روي عن هشام بن الحكم أنّه قال : كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد اللهعليه‌السلام أن قال : ما الدليل على صانع العالم؟ فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعها صنعها ، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبنيّ ، علمت أنّ له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟ ».

قال : وما هو؟ قال : « شيء بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي : « شيء » إلى إثباته ، وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة غير أنّه لا جسم ولا صورة ، ولا يجسّ ولا يحسّ ، ولا يدرك بالحواسّ الخمس ، ولا تدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا يغيّره الزمان ».

قال السائل : فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد منّا مرتفعا ؛ فإنّا لم نكلّف أن(١) نعتقد غير موهوم ، لكنّا نقول : كلّ موهوم بالحواسّ مدرك بما تحدّه الحواسّ ممثّلا ، فهو مخلوق ، ولا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين ، إحداهما : النفي ؛ إذ كان النفي هو الإبطال والعدم. والجهة الثانية : التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه أنّهم مصنوعون وأنّ صانعهم غيرهم وليس مثلهم ؛ إذ لو كان مثلهم لكان شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف ، وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا ، وتقلّبهم من صغر إلى كبر ، وسواد إلى بياض ، وقوّة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها ».

قال السائل : فأنت قد حدّدته إذا أثبتّ وجوده. قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « لم أحدّده

__________________

(١) في « د » : « لم نكلّف إلاّ أن نعتقد غير موهوم ».

٣٥

ولكن أثبتّه ؛ إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة ».

قال السائل : فقوله :( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (١) ؟ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ، ولا أنّ العرش حاو له ، ولا أنّ العرش محلّ له ، لكنّا نقول : هو حامل للعرش وممسك للعرش ، ونقول في ذلك ما قال :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (٢) فثبّتنا من العرش والكرسيّ ما ثبّته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسيّ حاويا له ، وأن يكون ـ جلّ وعزّ ـ محتاجا إلى مكان أو إلى شيء ممّا خلق ، بل خلقه محتاجون إليه ».

قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنّه عزّ وجلّ أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ؛ لأنّه جعله معدن الرزق ، فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال : ارفعوا أيديكم إلى الله عزّ وجلّ ».(٣) وهذا تجمع عليه فرق الأمّة كلّها.

بيان :

المراد بالشيئيّة ما يساوق الوجود ، أو نفسه ، والمراد بيان عينيّة الوجود ، أو قطع لطمع السائل عن تعقّل كنهه ، بل لا يعقل إلاّ بأنّه شيء ، وأنّه بخلاف الأشياء.

و « الجسّ » كما قيل بالجيم : المسّ.

قوله : « فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا » أي يلزم ممّا ذكرت أنّه لا تدركه

__________________

(١) طه (٢٠) : ٥.

(٢) البقرة (٢) : ٢٥٥.

(٣) « التوحيد » : ٢٤٣ ـ ٣٥٠ ، الباب ٢٦ في الردّ على الثنويّة والزنادقة ؛ « الاحتجاج » ٢ : ١٩٧ ، احتجاجات الإمام الصادقعليه‌السلام ، ح ٢١٣ ، وقد أخذ المؤلّف موضع الحاجة منه.

٣٦

الأوهام ؛ إذ كلّ ما يحصل في الوهم فهو مخلوق ، فأجابعليه‌السلام بأنّه تعالى لا تدرك كنه حقيقته العقول والأوهام ، ولا يتمثّل أيضا في الحواسّ ؛ إذ هو مستلزم للتشبيه بالمخلوقين ، ولو كان كما توهّمت ـ من أنّه لا يمكن تصوّره بوجه من الوجوه ـ لكان تكليفنا بالتصديق بوجوده وتوحيده وسائر صفاته تكليفا بالمحال ؛ إذ لا يمكن التصديق بثبوت شيء لشيء بدون تصوّر ذلك الشيء ، فهذا القول مستلزم لنفي وجوده وسائر صفاته عنه تعالى ، ولا بدّ في التوحيد من إخراجه عن حدّ النفي والتعطيل ، وعن حدّ التشبيه بالمخلوقين.

ثمّ استدلّعليه‌السلام بتركيبهم وحدوثهم وتغيّر أحوالهم وتبدّل أحوالهم وأوضاعهم على احتياجهم إلى صانع منزّه عن جميع ذلك غير مشابه لهم في الصفات الإمكانيّة ، وإلاّ لكان هو أيضا مفتقرا إلى صانع ؛ لاشتراك علّة الافتقار.

قوله : « فقد حدّدته إذا أثبتّ وجوده » أي إثبات الوجود له يوجب التحديد ، إمّا بناء على توهّم أنّ كلّ موجود لا بدّ أن يكون محدودا بحدود جسمانيّة أو عقلانيّة ، أو باعتبار التحديد بوصف أنّه موجود ، أو باعتبار كونه محكوما عليه ، فيكون موجودا في الذهن محاطا به ، فأجابعليه‌السلام بأنّه لا يلزم أن يكون كلّ موجود جسما أو جسمانيّا حتّى يكون محدودا بحدود جسمانيّة ، ولا أن يكون مركّبا حتّى يكون محدودا بحدود عقلانيّة ، ولا يلزم كون حقيقته حاصلة في الذهن أو محدودة بصفة ؛ فإنّ الحكم لا يستدعي حصول الحقيقة في الذهن ، بل يكفيه التصوّر بوجه ما ، والوجود ليس من الصفات الموجودة المغايرة التي تحدّ بها الأشياء ، بل شيء يعتبر له بملاحظة آثاره.

ومنها : ما روي عن يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّدعليهم‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فقال : « الله هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من دونه وتقطّع الأسباب من جميع من سواه ، تقول : بسم الله ،

٣٧

أي أستعين على أموري كلّها بالله الذي لا تحقّ العبادة إلاّ له ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي ، وهو ما قال رجل للصادقعليه‌السلام : يا ابن رسول الله! دلّني على الله ما هو ، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني؟ فقال له : يا عبد الله! هل ركبت سفينة قطّ؟ قال : نعم ، قال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال : نعم ، قال : فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال : نعم ، قال الصادقعليه‌السلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ».(١)

ومنها : ما روي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « سمعت أبي يحدّث عن أبيهعليهما‌السلام أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال له : يا أمير المؤمنين! بما عرفت ربّك؟ قال : بفسخ العزائم ونقض الهمم لمّا أن هممت حال بيني وبين همّي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، فعلمت أنّ المدبّر غيري. قال : فبما ذا شكرت نعماءه؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرف عنّي وابتلى به غيري ، فعلمت أنّه قد أنعم عليّ ، فشكرته. قال : فبما ذا أحببت لقاءه؟ قال : لمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت أنّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني ، فأحببت لقاءه ».(٢)

ومثله عنه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .(٣)

ومنها : ما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال للمفضّل : « يا مفضّل أوّل العبر والأدلّة على البارئ ـ جلّ قدسه ـ هيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه ؛ فإنّك إذا تأمّلت العالم بفكرك وميّزته بعقلك ، وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ،

__________________

(١) « التوحيد » : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، الباب ٢١ ، ح ٥ ؛ « معاني الأخبار » : ٤ باب معنى الله عزّ وجلّ ، ح ١.

(٢) « الخصال » : ٣٣ باب الاثنين معرفة التوحيد بخصلتين ، ح ١ ، ورواها عن زياد بن منذر عن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّهعليهم‌السلام في « التوحيد » : ٢٨٨ ، الباب ٤١ ، ح ٦.

(٣) « التوحيد » : ٢٨٩ ، الباب ٤١ ، ح ٨.

٣٨

والنجوم منضودة كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكلّ شيء فيها لشأنه معدّ ، والإنسان كالمملّك ذلك البيت والمحوّل جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيّأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ، ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة ، وأنّ الخالق له واحد ، وهو الذي ألّفه ونظمه بعضا إلى بعض جلّ قدسه ، وتعالى جدّه ، وكرم وجهه ، ولا إله غيره ، تعالى عمّا يقول الجاحدون ، وجلّ وعظم عمّا ينتحله الملحدون ».(١)

ومنها : ما روي عن الاحتجاج أنّه دخل أبو شاكر الديصاني ـ وهو زنديق ـ على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال : يا جعفر بن محمّد! دلّني على معبودي ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « اجلس » فإذا غلام صغير في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا ديصاني! هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها ، لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى ، تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّرا؟ ». قال : فأطرق مليّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّك إمام وحجّة من الله على خلقه ، وأنا تائب ممّا كنت فيه.(٢)

بيان :

تقرير استدلالهعليه‌السلام : أنّ ما في البيضة ـ من الإحكام والإتقان والاشتمال على ما به صلاحها ، وعدم اختلاط ما فيها من الجسمين السيّالين والحال أنّه ليس فيها

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٣ : ٦١ ، كتاب التوحيد ، الباب ٤.

(٢) « الاحتجاج » ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، احتجاجات الإمام الصادقعليه‌السلام ، ح ٢١٥ ، ورواها الكلينيّ في « الكافي » ١ : ٨٠ ، كتاب التوحيد ، باب حدوث العالم ، ح ٤ وكذا الصدوق في « التوحيد » : ١٢٤ الباب ٩ ، ح ١.

٣٩

مصلح حافظ لها من الأجسام ، فيخرج مخبرا عن إصلاحها ، ولا يدخلها جسماني من خارج ، فيفسدها كما هو شأن أهل الحصن الحافظين له وحال الداخل فيه بالقهر والغلبة ـ دليل على وجود الصانع.

قوله : « وهي تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس » يدلّ على أنّ الأمر المذكور يدلّ على أنّ له مبدأ غير جسم ولا جسمانيّ.

والطواويس جمع الطاوس ، وهو طائر معروف.

ومنها : ما روي عنه ، عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء ـ بعد الاعتراض على أبي عبد اللهعليه‌السلام من جهة طواف بيت الله على وجه التهاون وجوابهعليه‌السلام بأنّه بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلّ أنبيائه وقبلة للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ـ : ذكرت الله فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم؟! ».

فقال ابن أبي العوجاء : فهو في كلّ مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟! وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟! فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان شغل به [ مكان ](١) وخلا به مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا الله العظيم الشأن الملك الديّان ، فلا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان ».(٢)

__________________

(١) الزيادة أضفناها من « الاحتجاج » ٢ : ٢٠٨.

(٢) « الاحتجاج » ٢ : ٢٠٦ ـ ٢٠٨ احتجاجات الإمام الصادقعليه‌السلام ، ح ٢١٨ ، ورواها في « التوحيد » : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

فقالت: يا رسول الله، ليتني مت قبل أن يكون ما تعدني!

فقال لها: هيهات هيهات، والذي نفسي بيده، ليكونن ما قلت، حتى كأني أراه.

ثم قال لي: قم يا علي، فقد وجبت صلاة الظهر، حتى آمر بلالاً بالأذان، فأذن بلال، وأقام الصلاة، وصلى، وصليت معه، ولم نزل في المسجد(1) .

2 ـ عن أنس بن مالك قال: دخلت على محمد بن الحجاج، فقال: يا أبا حمزة، حدثنا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حديثاً ليس بينك وبينه فيه أحد.

فقلت: تحدثوا، فإن الحديث شجون يجر بعضه بعضاً.

فذكر أنس حديثاً عن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فقال له محمد بن الحجاج: عن أبي تراب تحدثنا؟! دعنا من أبي تراب!

فغضب أنس، وقال: لعلي تقول هذا؟! أما والله، إذ قلت هذا، فلأحدثنك بحديث فيه سمعته من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

أهديت له (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعاقيب، فأكل منها، وفضلت فضلة، وشيء من خبز، فلما أصبح أتيته به، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطائر.

____________

1- بحار الأنوار ج38 ص348 ـ 350 وج32 ص277 ـ 278 والإحتجاج ج1 ص292 ـ 294 ومدينة المعاجز ج1 ص388 ـ 392

٢٠١

فجاء رجل، فضرب الباب، فرجوت أن يكون من الأنصار، فإذا أنا بعلي (عليه‌السلام )، فقلت: أليس إنما جئت الساعة فرجعت؟!

ثم قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر.

فجاء رجل، فضرب الباب، فإذا به علي (عليه‌السلام )، فسمعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال: اللهم وإلي، اللهم وإلي(1) .

3 ـ عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن أبي هدبة، قال: رأيت أنس بن مالك معصوباً بعصابة، فسألته عنها، فقال: هذه دعوة علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ).

فقلت له: وكيف كان ذاك؟!

فقال: كنت خادماً لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأهدي إليه طائر مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلي، يأكل معي من هذا الطائر.

فجاء علي (عليه‌السلام )، فقلت له: رسول الله عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________

1- بحار الأنوار ج38 ص356 ـ 357 والعمدة لابن البطريق ص244 ونهج الإيمان ص332 وغاية المرام ج5 ص70 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص352 و 357 وج16 ص197 عن مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي (ط طهران ) ص157.

٢٠٢

يديه الثانية، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلي، يأكل معي من هذا الطائر.

فجاء علي (عليه‌السلام )، فقلت له: رسول الله عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يديه الثالثة، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلي، يأكل معي من هذا الطائر.

فجاء علي (عليه‌السلام )، فقلت له: رسول الله عنك مشغول، وأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

فرفع علي (عليه‌السلام ) صوته، فقال: وما يشغل رسول الله عني؟!

فسمعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال: يا أنس، من هذا؟!

فقلت: علي بن أبي طالب.

قال: ائذن له.

فلما دخل قال له: يا علي، إني قد دعوت الله عز وجل ثلاث مرات أن يأتيني بأحب خلقه إليه وإلي يأكل معي من هذا الطائر ، ولو لم تجئني في الثالثة لدعوت الله باسمك أن يأتيني بك.

فقال علي (عليه‌السلام ): يا رسول الله، إني قد جئت ثلاث مرات، كل ذلك يردني أنس ويقول: رسول الله عنك مشغول.

فقال لي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): يا أنس ما حملك على هذا؟!

فقلت: يا رسول الله، سمعت الدعوة، فأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

٢٠٣

فلما كان يوم الدار استشهدني علي (عليه‌السلام ) فكتمته، فقلت: إني نسيته، فرفع علي (عليه‌السلام ) يده إلى السماء، فقال: اللهم ارم أنساً بوضح لا يستره من الناس، ثم كشف العصابة عن رأسه، فقال: هذه دعوة علي، هذه دعوة علي، هذه دعوة علي(1) .

4 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صنعت امرأة من الأنصار لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أربعة أرغفة، وذبحت له دجاجة، فطبختها، فقدمته بين يدي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فبعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى أبي بكر وعمر، فأتياه. ثم رفع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم سق إلينا رجلاً رابعاً محباً لك ولرسولك، تحبه اللهم أنت ورسولك، فيشركنا في طعامنا، وبارك لنا فيه. ثم قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اللهم اجعله علي بن أبي طالب.

قال: فوالله، ما كان بأوشك أن طلع علي بن أبي طالب.

فكبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال: الحمد لله الذي سرى بكم جميعاً، وجمعه وأياكم. ثم قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): انظروا، هل ترون بالباب أحداً.

قال جابر: وكنت أنا وابن مسعود، فأمر بنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ،

____________

1- الأمالي للصدوق (ط مؤسسة البعثة سنة 1417هـ) ص753 وراجع: روضة الواعظين ص130 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص115 وبحار الأنوار ج38 ص352 وج57 ص301

٢٠٤

فأدخلنا عليه، فجلسنا معه. ثم دعا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بتلك الأرغفة، فكسرها بيده، ثم غرف عليها من تلك الدجاجة، ودعا بالبركة، فأكلنا جميعاً حتى تملأنا شبعاً وبقيت فضلة لأهل البيت(1) .

5 ـ وفي نص آخر: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لعلي (عليه‌السلام ): ما أبطأك؟!

قال: هذه ثالثة، ويردني أنس.

قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟!

قال: رجوت أن يكون رجلاً من الأنصار!

فقال لي: يا أنس، أوفي الأنصار خير من علي؟! أوفي الأنصار أفضل من علي؟!(2) .

ونقول:

____________

1- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص105 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص245 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص204 وج16 ص215 وج30 ص254 وعن مختصر تاريخ دمشق (ط دار الفكر) ج17 ص361 والمناقب للخوارزمي ص77.

2- بحار الأنوار ج38 ص356 عن ابن المغازلي، والطرائف ص18 و (ط الخيام ـ قم) ص73 وإحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص232 عن التبر الذاب، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص166 وحياة الحيوان ج2 ص297 ونزهة المجالس ج2 ص212 والصراط المستقيم ج1 ص193 وكتاب الأربعين للماحوزي ص449.

٢٠٥

في هذا الحديث وقفات عديدة، نذكرمنها ما يلي:

رواة حديث الطير:

إن رواة حديث الطير كثيرون ونحن نذكر أقوال بعض أهل العلم، الذين أشاروا إلى هذا الأمر، فنقول:

1 ـ قال ابن شهرآشوب: روى حديث الطير جماعة منهم: الترمذي في جامعه، وأبو نعيم في حلية الأولياء، والبلاذري في تاريخه، والخركوشي في شرف المصطفى، والسمعاني في فضائل الصحابة، والطبري في الولاية، وابن البيع في الصحيح، وأبو يعلى في المسند، وأحمد في الفضائل، والنطنزي في الإختصاص.

وقد رواه محمد بن إسحاق، ومحمد بن يحيى الأزدي، وسعيد، والمازني، وابن شاهين، والسدي، وأبو بكر البيهقي، ومالك، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وعبد الملك بن عمير، ومسعر بن كدام، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس، وأبو حاتم الرازي، بأسانيدهم عن: أنس، وابن عباس، وأم أيمن.

ورواه ابن بطة في الإبانة من طريقين، والخطيب وأبو بكر في تاريخ بغداد من سبعة طرق.

وقد صنف أحمد بن محمد بن سعيد كتاب الطير.

وقال القاضي أحمد: قد صح عندي حديث الطير.

وقال أبو عبد الله البصري: إن طريقة أبي عبد الله الجبائي في تصحيح

٢٠٦

الأخبار يقتضي القول بصحة هذا الخبر، لإيراده يوم الشورى، فلم ينكر.

قال الشيخ: قد استدل به أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) على فضله في قصة الشورى بمحضر من أهلها، فما كان فيهم إلا من عرفه وأقر به، والعلم بذلك كالعلم بالشورى نفسها، فصار متواتراً.

وليس في الأمة على اختلافها من دفع هذا الخبر.

وحدثني أبو العزيز كادش العكبري، عن أبي طالب الحربي العشاري، عن ابن شاهين الواعظ في كتابه (ما قرب سنده) قال: حدثني نصر بن أبي القاسم الفرائضي، قال: محمد بن عيسى الجوهري، قال: قال نعيم بن سالم بن قنبر، قال: قال أنس بن مالك، الخبر.

وقد أخرجه علي بن إبراهيم في كتاب قرب الإسناد، وقد رواه خمسة وثلاثون رجلاً من الصحابة عن أنس، وعشرة عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقد صح: أن الله تعالى والنبي يحبانه، وما صح ذلك لغيره، فيجب الإقتداء به، ومن عزى خبر الطائر إليه قصر الإمامة عليه(1) .

ورواه أحمد بن حنبل في مسنده عن سفينة مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

____________

1- مناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص114 و 115 وبحار الأنوار ج38 ص351 و 352.

2- بحار الأنوار ج38 ص355 والطرائف ص18 و (ط الخيام ـ قم) ص73 وكتاب الأربعين للماحوزي ص448.

٢٠٧

واحتج به علي (عليه‌السلام ) يوم الشورى، وأقروا له به، وإقرارهم به بمثابة رواية له..

وقال المجلسي (رضوان الله تعالى عليه): (ورواه الشافعي ابن المغازلي في كتابه من نحو أكثر من ثلاثين طريقاً، فمنها ما يدل على أن ذلك قد وقع من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في طائر آخر)(1) .

قال أسلم: روى هذا الحديث عن أنس بن مالك: يوسف بن إبراهيم الواسطي، وإسماعيل بن سليمان الأزرق، وإسماعيل السدي، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ويمامة بن عبد الله بن أنس، وسعيد بن زربى.

قال ابن سمعان: سعيد بن زربى. إنما حدث به عن أنس، وقد روى جماعة عن أنس، منهم: سعيد بن المسيب، وعبد الملك بن عمير، ومسلم الملائي، وسليمان بن الحجاج الطائفي، وابن أبي الرجاء الكوفي، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، ونعيم بن سالم، وغيرهم

أقول: روى ابن بطريق هذا الخبر بعبارات قريبة المضامين من مسند أحمد بسند، ومن مناقب ابن المغازلي بأربعة وعشرين سنداً، ومن سنن أبي داود بسندين.

وقال الشيخ المفيد (قدس الله روحه) في كتاب الفصول، عند اعتراض السائل: بأن هذا الخبر من أخبار الآحاد، لأنه إنما رواه أنس بن مالك وحده، فأجاب: بأن الأمة بأجمعها قد تلقته بالقبول، ولم يروا أن أحداً رده

____________

1- بحار الأنوار ج38 ص355.

٢٠٨

على أنس، ولا أنكر صحته عند روايته، فصار الإجماع عليه هو الحجة في صوابه.

مع أن التواتر قد ورد بأن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) احتج به في مناقبه يوم الدار، فقال: أنشدكم الله، هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر، فجاء أحد غيري؟!

قالوا: اللهم لا.

قال: اللهم اشهد.

فاعترف الجميع بصحته، ولم يكن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ليحتج بباطل، لا سيما وهو في مقام المنازعة، والتوصل بفضائله إلى أعلى الرتب التي هي الإمامة والخلافة للرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وإحاطة علمه بأن الحاضرين معه في الشورى يريدون الأمر دونه، مع قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار(1) .

ما ذكره صاحب العبقات:

وذكر العلامة المتبحر السيد حامد حسين الموسوي الهندي في كتابه عقبات الأنوار، الجزء الرابع: طائفة من أسماء رواة حديث الطير، بلغوا

____________

1- الفصول المختارة ص97 وبحار الأنوار ج10 ص431 و 432 وج38 ص357 و 358.

٢٠٩

(91) شخصاً منهم: أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل، وعباد بن يعقوب الرواحبي، وغيرهم. وعد (250) كتاباً من مؤلفات أهل السنة نقلت هذا الحديث.

وقال الخوارزمي: (أخرج الحافظ ابن مردويه هذا الحديث بمئة وعشرين إسناداً)(1) .

وقال الذهبي في ترجمة الحاكم النيسابوري: وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً، قد أفردتها بمصنف، ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل(2) .

المؤلفات في طرق حديث الطير:

وذكر صاحب عقبات الأنوار ثمانية كتب ألفت في طرق حديث الطير، وهي:

1 ـ طرق حديث الطير وألفاظه، لمحمد بن جرير الطبري المفسر، وصاحب التاريخ، والمتوفي سنة 310هـ

____________

1- مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص46 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص329

2- تذكرة الحفاظ ج3 ص1042 والطبقات الشافعية ج4 ص165 الطبقة الثانية. وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص179 والغدير ج1 ص156 وتحفة الأحوذي ج10 ص154 وفتح الملك العلى للمغربي ص13.

٢١٠

2 ـ كتاب حديث الطير، لأحمد بن محمد بن سعيد، المعروف بإبن عقدة المتوفى سنة 333هـ

3 ـ كتاب طرق حديث الطائر، لأبي عبيد الله بن أحمد الأنباري المتوفى سنة 356هـ

4 ـ كتاب جمع طرق حديث الطير، لأبي عبد الله الحاكم النيشابوري، المعروف بـ (ابن البيع) صاحب المستدرك على الصحيحين، المتوفى سنة 407هـ

5 ـ كتاب طرق حديث الطير، لأحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني، المتوفى سنة 410.

6 ـ كتاب الطير لأبي نعيم، أحمد بن عبد الله الأصفهاني، المتوفى سنة 430.

7 ـ كتاب طرق حديث الطير، لأبي طاهر محمد بن أحمد بن علي، المعروف بابن حمدان، المتوفى سنة 441هـ

8 ـ كتاب طرق حديث الطير لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748هـ(1) .

بين الحاكم والذهبي:

تقدم: أن الحاكم النيشابوري روى حديث الطير في مستدركه، وصححه

____________

1- عبقات الأنوار ج4 (المقدمة).

٢١١

على شرط الشيخين. وقال: رواه عن أنس جماعة من أصحابه، زيادة علي ثلاثين نفساً. ثم صحت الرواية عن علي، وأبي سعيد الخدري وسفينة.

وبعدما تقدم نقول:

ذكر العلامة الحجة الشيخ محمد حسن المظفر ما مؤداه: أن الحاكم رواه من طريقين: عن إبراهيم بن ثابت البصري القصار، عن ثابت البناني، عن أنس. فتعقبه الذهبي: بأن إبراهيم بن ثابت ساقط.

ويرد عليه: أنه ذكر في ميزان الإعتدال: أنه لا يعرف حاله جيداً. فعدم معرفة الذهبي بحال الراوي جيداً لا يعني سقوط ذلك الراوي عند من عرفه جيداً. كما أن عدم معرفة الذهبي، لا يعني أن لا يعرفه غيره، وقد عرفه الحاكم وصحح حديثه على شرط الشيخين..

كما أن الذهبي تعقب الحديث الأول: بأن في سنده محمد بن أحمد بن عياض، عن أبيه.

فقال: ابن عياض لا أعرفه.

ولكنه قال في ميزان الإعتدال، في ترجمة محمد بن أحمد بن عياض، بعد ما ذكر روايته لحديث الطير بالسند الذي ذكره الحاكم:

(قال الحاكم: هذا على شرط البخاري ومسلم، ثم قال الذهبي: الكل ثقات إلا هذا. يعني محمداً، فأنا أتهمه به. ثم ظهر لي أنه صدوق)..

إلى أن قال: (فأما أبوه فلا أعرفه).

ونعود فنكرر: إن عدم معرفة الذهبي له لا تضر بعد ما عرفه الحاكم،

٢١٢

وصحح حديثه على شرط الشيخين(1) .

وكيفما كان، فإن الذهبي نفسه قد ألف في حديث الطير كتاباً، وقال عن طرق الحديث الكثيرة: إنها توجب أن له أصلاً.. فما معنى أن يتهم به هذا وذاك؟!

كما أنه هو نفسه قد روى حديث الطير في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي بسند صحيح، لأنه روا، عن قطن بن نسير، عن جعفر بن سليمان الضبعي، (وهما من رجال مسلم) عن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس (وهو من رجال البخاري) عن أنس..

وعلى كل حال، فإن طرق حديث الطير كثيرة وغزيرة.. والمصادر التي أوردته أكثر وأغزر(2) .

____________

1- دلائل الصدق ج2 ص281.

2- إننا نحيل هنا على بعض المصادر التي ذكرت حديث الطير، ونترك سائرها لمن أراد التتبع والإستقصاء، فنقول:

سنحاول أن نذكر شطراً مما ذكره في إحقاق الحق (قسم الملحقات) ج5 ص318 ـ 368 وج16 ص169 ـ 219 وج21 ص222 ـ 242 وغير ذلك. فلاحظ:

صحيح الترمذي (ط الصاوي بمصر) ج5 ص300 والخصائص للنسائي ص29 ح10 والمناقب لابن المغازلي من ص156 إلى ص177 وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص105 ـ 134. والمعجم الكبير للطبراني ج7 ص95 وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص560 وعن

٢١٣

____________

طبقات المحدثين بأصبهان، وعن الرسالة القوامية، ومناقب الصحابة للسمعاني، والجمع بين الصحاح للعبدري الأندلسي، وشرح الأرجوزة للآبي، ومفتاح النجا، وتجهيز الجيش والأربعون حديثاً لعطاء الله الشيرازي، ومناقب العشرة.

وراجع: مصابيح السنة ص202 والمناقب للخوارزمي (ط مركز النشر الإسلامي) ص108 و 115 وفرائد السمطين ج1 ص209 ـ 214. وجامع الأصول (ط السنة المحمدية بمصر) ج9 ص471 وأسد الغابة ج4 ص30 وتذكرة الخواص ص44 وعن شرح نهج البلاغة للمعتزلي (ط القاهرة) ج4 ص221 وكفاية الطالب ص144 ـ 156 وذخائر العقبى ص61 و 62 وتاريخ الإسلام للذهبي (الخلفاء الراشدون) ص633 والبداية والنهاية ج7 ص305 و 351 و 350 و 353 ومشكاة المصابيح (ط دلهي ـ الهند) ص564 وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبدي (مخطوط) ص190 وكنوز الحقائق ص24 وذخائر المواريث ج1 ص18 وينابيع المودة ص56 و 203 عن الترمذي، وأبي داود، والجزلي والبغوي. وسعد الشموس والأقمار (ط التقدم العلمية بالقاهرة سنة 1330) ص209 وتاريخ آل محمد ص52 ومستدرك الحاكم ج3 ص130 و 131 وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه ج3 ص130 و 131 ومجمع الزوائد ج9 ص125 و 126) ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص46 والمواقف للأيحجي (ط الأستانة مع شرح الجرجاني) ج2 ص615 وتاريخ بغداد ج11 ص376 وج3 ص171 وج8 ص382 وج9 ص369 والإتحــاف ص8 وتــاريـخ

٢١٤

____________

جرجان ص134 وميزان الإعتدال ج1 ص329 و 321 وج3 ص380 والعثمانية للجاحظ ص134 و 139 وحياة الحيوان (ط القاهرة) ج2 ص340 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص232 ـ 205 وحلية الأولياء ج6 ص339 ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج5 ص53 وموضح أوهام الجمع والتفريق ج2 ص398 و 304 ونزهة المجالس ج2 ص212 وشرح المقاصد ج2 ص219 ولسان الميزان ج5 ص199 وج1 ص37 ونظم درر السمطين ص100 وأرجح المطالب (ط لاهور) ص502 و 501 ومناقب سيدنا علي، للحيدرآبادي ص17 وأشعة اللمعات (ط نول كشور) ج4 ص677 وشرح وصايا أبي حنيفة (ط إسلامبول) ص176 والنكت الظراف على الأطراف (مطبوع مع تحفة الأشراف) ص94 وجمع الفوائد (ط بلدة ميرية في الهند) ج2 ص211 والرصف ص369 وكنز العمال ( ط حيدر آباد ـ الدكن) ج15 ص147 ووسيلة النجاة (ط كلشن فيض ـ لكنهو) ص114 وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (ط بمبئ) ص94 وقرة العينين (ط بشاور) ص119 و 166 وتقريب المرام للسنندجي (ط بولاق) ص332 وإتحاف السادة المتقين (ط الميمنية بمصر) ج7 ص120 ومرقاة المفاتيح (ط ملتان) ج11 ص343 ومودة القربى (ط لاهور) ص87 وتفريح الآل والأحباب في مناقب الآل والأصحاب (ط الهند) ص308 والإدراك للواسطي (ط كانبور) ص46 والبريقة المحمودية (ط مصطفى الحلبي بالقاهرة) ج1 ص211 ومرآة المؤمنين ص34 والمعيار والمـوازنـة ص224 والكامـل لابن عـدي (ط بيروت) ج6 = = ص2309 و 2449 وج2 ص793 و 773 وج7 ص2738 والجوهرة (ط دمشق) ص63 وعن مختصر تاريخ دمشق (مخطوط) ج17 ص144 و 145.

وراجع: بحار الأنوار ج38 ص348 ـ 358 والأمالي للصدوق المجلس94 حديث3 ص389 والفصول المختارة ص60 فما بعدها، والطرائف ص18 وتذكرة الحفاظ ج3 ص1042 وعبقات الأنوار ج4 ودلائل الصدق ج2 ص280 فما بعدها، والعلل المتناهية ج1 ص227 و 228 وتاريخ دمشق الكبير (ط دار إحياء التراث العربي سنة1421هـ) ج45 ص185 ـ 196 والأمالي للطوسي ص159 وعن الإحتجاج ج1 ص104 ـ 105 واليقين ص113 وبشارة المصطفى ص202 ـ 204.

٢١٥

لا قيمة لهملجات ابن تيمية:

وذلك كله يدلنا: على أنه لا قيمة لقول ابن تيمية: إنه لم يرو حديث الطير أحد من أصحاب الصحاح، ولا صححه أئمة الحديث.

والحال: أنه رواه الترمذي، والنسائي، وصححه الحاكم، ورواه الذهبي بسند لا شبهة في صحته عندهم.

كما لا قيمة لقول ابن تيمية: إن الحديث عند أهل المعرفة والعلم من المكذوبات والموضوعات..

فإن كثرة طرق الحديث تمنع من تكذيبه، والحكم عليه بالوضع، كما أن الحاكم قد صححه على شرط الشيخين، والذهبي حكم بأن له أصلاً..

وليس في أهل العلم والمعرفة من حكم بكذب ووضع هذا الحديث،

٢١٦

إلا إن كان ابن تيمية نفسه، ومن هم على شاكلته ممن يتعصب على علي (عليه‌السلام )، ويجهد لإبطال فضائله، وردها(1) .

حدث واحد أم أحداث؟!:

هناك اختلافات بين عدد من نصوص حديث الطير.. وربما يجعل البعض هذا الإختلاف منشأ للقول بتعدد الوقائع التي تشابهت في بعض عناصرها. ولا مانع من ذلك، إذا كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه أراد أن يكرر تأكيده على مضمون بعينه، فيعيد نفس الموقف كلما حضرت المناسبة التي تصلح له.

فتعدد الوقائع، واختلافها في بعض الخصوصيات الجانبية، أو اختلاف بعض الأشخاص فيها، لا يضر فيما يرمي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى التأكيد عليه، ونشره في الناس.

ولذلك نلاحظ:

1 ـ أن هناك رواية تقول: إن عائشة هي التي منعت علياً (عليه‌السلام ) من الدخول.

وأخرى تقول: إن أنساً هو الذي منعه من ذلك.

وثمة رواية يظهر منها: أنه لم يمنع أصلاً(2) .

____________

1- دلائل الصدق ج2 ص283.

2- ترجمة الإمام علي من تاريـخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص105 وتاريخ = = مدينة دمشق ج42 ص245 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص204 وج16 ص215 وج30 ص254 وعن مختصر تاريخ دمشق (ط دار الفكر) ج17 ص361 والمناقب للخوارزمي ص77.

٢١٧

أما الروايات الساكتة عن ذكر رده، فلعلها أرادت اختصار ما جرى، أو أنها سعت لحفظ ماء وجه أنس.

2 ـ رواية الإحتجاج، التي تنص على منع عائشة لعلي (عليه‌السلام ) تقول: إن جبرئيل هو الذي جاء بالطير من الجنة(1) .

وأخرى تقول: إن امرأة من الأنصار جاءت بها(2) .

وثالثة تقول: جاءت بها أم سليم(3) .

____________

1- راجع: الإحتجاج للطبرسي ج1 ص292 وبحار الأنوار ج38 ص348 ومدينة المعاجز ج1 ص388.

2- فرائد السمطين ج1 ص214 وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص133 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص258 والمطالب العالية ج4 ص62 وتذكرة الخواص ص44 وعن مسند أحمد، وعن مناقب العشرة للنقشبندي ص10 والعمدة لابن البطريق ص242 والطرائف لابن طاووس ص71 وبحار الأنوار ج38 ص355 وكتاب الأربعين للماحوزي ص448 ونهج الإيمان ص331 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص360 وج21 ص239 و 242.

3- حلية الأولياء ج6 ص339 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص166 = = وتاريخ مدينة دمشق ج37 ص406 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج22 ص181 و 183.

٢١٨

ولعل هذه الرواية لا تنافي سابقتها.

ورابعة تقول: جاءت بها أم أيمن(1) .

3 ـ هل الهدية كانت دجاجة طبختها امرأة من الأنصار؟!(2) .

أم كانت من الحبارى؟!(3) .

____________

1- المستدرك للحاكم ج3 ص131 وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص114 و 131 وموضح أوهام الجمع والتفريق (ط حيدرآباد) ج2 ص304 والبداية والنهاية ج7 ص351 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص170 وأمالي المحاملي ص443 والمعجم الأوسط ج2 ص206 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص334 و 361 وج16 ص171.

2- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص105 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص245 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص204 وج16 ص215 وج30 ص254 وعن مختصر تاريخ دمشق (ط دار الفكر) ج17 ص361 والمناقب للخوارزمي ص77.

3- تاريخ بغداد ج1 ص376 والبداية والنهاية ج7 ص353 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص390 وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص107 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص245 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص344 وج5 ص359 وج16 ص173 وج30 ص242 = = عن كفاية الطالب (ط الغري) ص62 وعن مختصر تاريخ دمشق (ط دار الفكر) ج17 ص62.

٢١٩

أم كانت نحامة مشوية، أم نحامات؟!(1) .

أم حجل مشوي، أم حجلات؟!(2) .

أم قطاتان؟!(3) .

____________

1- مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 156 وكفاية الطالب ص155 وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص119 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص250 و 251 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص310 وغاية المرام ج5 ص69 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج16 ص204 و30 ص244.

2- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج2 ص112 والبداية والنهاية ج7 ص350 وشرح الأخبار ج1 ص137 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص310 ونظم درر السمطين ص100 وحلية الأولياء ج6 ص339 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص166 وتاريخ مدينة دمشق ج37 ص406 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج22 ص181 و 183 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص207.

3- مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص161 ونهج الإيمان ص333 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص310 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص337 وج16 ص201 وغاية المرام ج5 ص71

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556