جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ١

جامع الافكار وناقد الانظار16%

جامع الافكار وناقد الانظار مؤلف:
المحقق: مجيد هاديزاده
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: 482

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36039 / تحميل: 5258
الحجم الحجم الحجم
جامع الافكار وناقد الانظار

جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
ISBN: ٩٦٤-٥٦١٦-٧٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

العقل والمشاهدة. وأكثرهم يقولون : انّه يعلم بطور وراء طور العقل ، مع أنّ عظمائهم ـ كعين القضاة الهمداني في الزبدة(١) والغزالي في فصل الخطاب(٢) وغيرهما ـ صرّحوا بأنّ العقل حاكم لا يعزل ، وهو ميزان عدل احكامه قطعية يقينية لا كذب فيها ، وهو حاكم لا يجوز في طور الولاية ما يقضي باستحالته ، وعادل لا يتصوّر منه جور في قضاياه واحكامه.

__________________

(١) لم اعثر على هذا الكتاب.

(٢) لم اعثر على هذا الكتاب. ولتصحيح العبارة المنقولة في السطرين الآتين راجع إلى ما نقله العارف الجامي في بعض حواشيه على كتابه نقد النصوص ص ٢٤.

١٤١
١٤٢

المقالة الثانية

في صفاته الثبوتية والسلبية

١٤٣

وفيه مقدّمة وبابان.

المقدّمة

في الإشارة إلى أصناف صفاته وتعديدها على الإجمال

اعلم(١) ! أنّ صفاته ـ تعالى ـ ينقسم أوّلا إلى قسمين : الثبوتية ؛ والسلبية.

والثبوتية : هى الّتي مفهوماتها ثبوتية محضة لا طريق للسلب إليها بوجه ـ كالعلم والقدرة وامثالهما ـ ؛

والسلبية : هى التى مفهوماتها / ٣١ DB / محض السلب والنفي ـ كعدم كونه جسما وصورة وجوهرا وعرضا ـ.

والقسم الأوّل صنفان :

الأوّل : الصفات الحقيقية ؛ وهى الصفات الّتي لها مفهومات حقيقته مستقلّة ليست مجرّد الاضافة إلى الغير وإن كان بعضها قد يعرضها اضافة ما ، فبعض أفراد هذا الصنف ممّا لا يعرضه الاضافة اصلا ـ كالحياة ـ ، وبعضها قد يعرض له اضافة ما ـ كالعلم والقدرة والبصر ، لأنّ أصل مفهوم البصر هو صحّة الرؤية والتمكّن منها وإن

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ، ص ٣١٠.

١٤٤

لم يشاهد شيئا بالفعل ، ولذا يطلق البصير على النائم ومغضوض البصر من غير تجوّز ، ولكنّه إذا أبصر شيئا بالفعل لا بدّ من لحوق اضافة بين البصر والمبصر ؛ وليست هي عين كونه بصيرا ، بل هي عارضة له ـ وقس عليه العلم والقدرة وغيرهما ـ.

والصنف الثانى : الصفات الاضافية ؛ وهي الّتي مفهوماتها محض الاضافة إلى الغير وليس لها حقيقة مستقلّة كالخالقية والرازقية وأمثالهما(١) ـ ؛ هذا.

وفي احاديث ائمتنا الراشدين قد قسّمت صفاته الثبوتية إلى صفات الذات ، وإلى صفات الأفعال(٢) . والمراد بالأولى هي الصفات الثبوتية الّتي يمتنع انفكاكها عن الذات ـ كالوجود والحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر ونحوها ـ. وهي صفات كمالية ثابتة له ما دام الذات ازلا وابدا. ومن خواصّها أنّه يمتنع اتصافه ـ تعالى ـ باضدادها ـ كالعدم والموت والجهل والعجز والصمم والعمى ونحوها ـ ؛

والمراد بالثاني الصفات الثبوتية الّتي لا يمتنع انفكاكها عن الذات ـ كالايجاد والادراك والإرادة والرؤية والسمع ونحوها ـ. والمنقسمان متقاربان ، فانّ حاصلهما انّ صفاته لعدم كونها موجودة في نفسها وزائدة على ذاته مفهومات اعتبارية منتزعة إمّا من ذاته ـ تعالى ـ مع قطع النظر عن جميع ما سواه ـ وهي الصفات الكمالية الّتي عبّر عنها أهل البيتعليهم‌السلام بصفات الذات ، والحكماء والمتكلّمون بالصفات الحقيقية ـ ، وإمّا من ذاته باعتبار بعض افعاله ـ تعالى ـ ، وهي الّتي عبّر عنها الائمّة ـعليهم‌السلام ـ بصفات الأفعال ، والحكماء بالصفات الاضافية. نعم! بعض أفراد القسم الأوّل على التقسيم الأوّل ـ وهو الحقيقة ذات الاضافة ـ يدخل في القسم الثاني من القسم الثاني.

ثمّ الصفات الحقيقية سواء كانت ذات اضافة أم لا إن لم تكن عين ذات الموصوف ـ

__________________

(١) وهناك تقسيم آخر في صفاته ـ تعالى ـ عند أبي هاشم وعند قاضي عبد الجبّار. راجع : مناهج اليقين ، ص ١٥٩. وانظر : نفس المصدر ، ص ٢٢٧.

(٢) ما وجدت فيما بأيدينا من الأحاديث نصّا وجد فيه هذا التقسيم. نعم ، في بعضها توجد « صفات الافعال » ، راجع : بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ١٤٥. وقال الصدوق ـ رضى الله عنه ـ معلّقا على ما رواه عن الصادق ـ عليه وعلى آبائه وأولاده آلاف التحيّة والثناء ـ : إذا وصفنا الله تبارك وتعالى بصفات الذات وما يشبه ذلك من صفات الأفعال بمثابة صفات الذات ؛ راجع : التوحيد ، ص ١٤٨.

١٤٥

كما في غير الواجب ـ كانت هيئات زائدة على الذات قائمة بها يصير منشئا لآثارها ، وإن كانت عين ذات الموصوف ـ كما في الواجب ـ كانت هي نفس الذات ولم تتحقّق بإزائها هيئات قائمة ، فالحقيقة الّتي بإزائها في الخارج هي الذات لا غير ، فالمبدأ لتلك الصفات في الأوّل هو الهيئات والكيفيات وفي الثاني هو نفس الذات.

وأمّا الصفات الاضافية فمفهومات اعتبارية محضة في الواجب وغيره ، ولا يتفاوت فيهما. نعم! يتحقّق التفاوت في مبدئها ، فانّ مبدأها وما ينتزع هذه الصفات عنه في ما صفاته عين الذات هو نفس الذات وفي غيره هو الهيئات والكيفيات القائمة به ، فالواجب ـ تعالى ـ مع اتصافه بجميع الصفات الكمالية وتقدّسه عن النقائص الامكانية لا تتحقّق كثرة في ذاته ولا في جهاته ، لا أنّ شيئا أو جهة منه علم وشيئا وجهة منه قدرة أو إرادة أو غير ذلك حتّى يلزم التركيب المقتضي للاحتياج المنافي لوجوب الوجود ، ولا أنّ شيئا فيه علم وشيئا فيه قدرة أو إرادة حتّى تكون محلاّ للاعراض ممكن الاتصاف بها(١) ، بل حيثية ذاته وهويته البسيطة الّتي لا تكثّر ولا امكان فيها بوجه هي بعينها حيثية صفاته الذاتية الحقيقية. نعم! في التعبير عنها تغاير بمجرد اعتبار الذهني وملاحظة العقل لا بحسب الواقع والخارج ، فكما أنّه من حيث هو منشأ للآثار وجود كلّه كذلك من حيث هو منشئا لانكشاف الأشياء علم كلّه ومن حيث هو منشئا لصحة الفعل والترك قدرة كلّه ومن حيث هو مبدأ لرجحان فعل العالم ـ أعني : النظام الأكمل والأصلح بحال العالم ، بل وجوب صدوره كذلك عنه ـ إرادة كلّه ، وكذلك في غيرها.

فجميع صفاته الحقيقية راجعة إلى حيثية وجوده الّتي هي عين حيثية ذاته.

وأيضا جميع صفاته الاضافية راجعة إلى اضافة واحدة هي المبدئية وهي المصحّحة لجميع الاضافات ـ كالرازقية والمصورية وغير ذلك ـ ، وتغايرها بتغاير الأشياء المضاف إليها.

__________________

(١) راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٦ ، ص ١٢١.

١٤٦

وكذلك جميع صفاته السلبية يرجع إلى سلب واحد هو سلب الامكان(١) الّذي يدخل تحته سلب الجوهرية والعرضية وغيرهما.

ثمّ لا يخفى انّه لا يلزم من صدق المشتقّ حقيقة / ٣٢ MB / على شيء قيام مبدأ الاشتقاق به حقيقة ، بل لو كان مبدأ الاشتقاق ـ كالعلم مثلا ـ قائما بنفسه بحيث يترتّب عليه / ٣٢ DA / آثار المشتقّ كان احقّ باسم المشتقّ ممّا قام به المبدأ ، فالله ـ سبحانه ـ عالم حقيقة لا بعلم قائم به قادر لا بقدرة تقوم به مريد لا بإرادة معرضة ، بل هو نفس العلم والقدرة والإرادة ؛ وكذلك في سائر الصفات الحقيقية.

قيل : يلزم على ما ذكر أن تكون حقيقته المقدّسة مشاركة للاعراض في ماهياتها الداخلة تحت المقولات ، أو القول بالاشتراك اللفظي ؛

واجاب عنه بعض الفضلاء : بانّه كما أنّ مفهوم الوجود المطلق معنى واحد أحد افراده قائم بذاته هو حقيقة الواجب والباقى عارضة لماهيات الممكنات ـ وهو أمر اعتباري عارض للجميع ـ كذلك يمكن أن يكون لكلّ من هذه المفهومات فرد واحد بسيط هو عين حقيقة الواجب ـ تعالى ـ غير داخلة تحت مقولة وسائر أفرادها أعراض داخلة تحت المقولات ولها اجناس وفصول ، ويكون المطلق من كلّ منها اعتباريا عارضا للجميع.

وأنت تعلم انّ هذا الجواب لا يكاد يتمّ.

والمشهور في الجواب : انّ ذاته ـ تعالى ـ ثابت بثبات هذه الصفات ؛ ويرد عليه أيضا اشكال.

وسيأتي تحقيق القول في العينية وما يتعلق به ايرادا وجوابا ، وانّما أشرنا إشارة اجمالية إلى عينية الصفات هنا لشدّة احتياج بعض المباحث الآتية إلى تصوّرها.

ثمّ لا يخفى انّ الواجب ـ تعالى شأنه ـ متّصف بجميع صفات الكمال ونعوت الجلال والجمال ومنزّه عن جميع صفات النقائص والاحتياج على ما يومى إليه اسمائه الكثيرة الّتي وردت في الشريعة المقدّسة ، إلاّ أنّ ما تعارف عنها البحث في الكتب

__________________

(١) راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٦ ، ص ١١٨ ؛ علم اليقين ، ج ١ ، ص ٩٠.

١٤٧

الحكمية والكلامية من الصفات الكمالية والتنزيهيّة هى الأقسام المعيّنة المتعارفة المعهودة ، لاندراج البواقي تحتها ؛ فنحن أيضا نذكرها كما ذكروه ونشرحها كما شرحوه.

١٤٨

الباب الأوّل

في صفاته الثبوتية الكماليّة

وفيه فصول.

١٤٩
١٥٠

الفصل الأوّل

في قدرته ـ تعالى ـ

١٥١

الفصل الأوّل

( في قدرته ـ تعالى ـ )

اعلم! أنّ للقدرة عند الحكماء تفسيرين :

أحدهما : صحّة صدور الفعل ولا صدوره(١) ؛

وثانيهما : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل(٢) . والتفسيران متلازمان ، فانّ حاصلهما واحد وهو القوّة على الشيء والتمكّن من أن يفعله ومن أن لا يفعله جميعا ؛ فانّه لا ريب في انّ الفاعل إذا كان بحيث إن شاء فعل وان لم يشاء لم يفعل ، كان في ذاته مع قطع النظر عن المشية واللامشية بحيث يصح منه الفعل والترك وإن وجب الفعل بسبب المشية والترك بسبب عدمها. وإذا كان بحيث يصحّ منه الفعل والترك من حيث ذاته كان بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل ، فان المراد به أنّه إن شاء فعل إذا فرض عدم مانع خارجىّ ، وكذا إن لم يشاء لم يفعل إذا لم يكن سبب من خارج ؛ ولا ريب في أنّه إذا كان من حيث ذاته يصحّ منه الفعل والترك ولم يوجد مانع ولا سبب من خارج كان بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل.

ومن ظنّ انّ تفسير الأوّل للمتكلّمين والثاني للحكماء واثبت النزاع بينهما في تفسير القدرة فقد أخطأ ، فانّ الفريقين متفقان في تحديد القدرة الكمالية وتفسيرها ، و

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ، ص ٣١٠.

(٢) راجع : الشرح الجديد ، ص ٣١١.

١٥٢

لذا قد يفسّرها كلّ واحد منهما بكلّ واحد منهما نعم! المقصود من التفسيرين عند الحكماء هو أن يكون صدور الفعل منه بالعلم والمشية والإرادة ، والايجاب ـ المقابل للقدرة بهذا المعنى ـ هو أن يكون اصل الذات منشئا وسببا لصدور الفعل بلا علم وإرادة ـ كافعال الطبائع ـ ؛ وهذا قد يكون أصل الذات كافيا في صدور الفعل ـ كالضوء للشمس مثلا ـ وقد يتوقّف على بعض الشرائط ـ كالاحراق للنار مثلا ـ.

ولا نزاع بين الحكماء والمليين في ثبوت القدرة للواجب بهذا المعنى ، وقد صرّح المحقّق الطوسي ـرحمه‌الله ـ وغيره من أهل التحقيق بأنّ الفلاسفة متّفقون على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ.

ويمكن أن يكون مقصودهم من التفسيرين ـ على ما ذكره جماعة ـ امكان صدور الفعل والترك بالنظر إلى ذات الواجب ـ تعالى شأنه ـ ، وإن وجب الفعل بالنظر إلى الداعى واستحال انفكاكه ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم. فلذلك بعض المحصلين قد ادّعى اتفاق الفلاسفة على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ.

ولكن الحقّ أنّ هذه الدعوى غير مطابقة للواقع. وسيأتي تفصيل القول وتحقيق الحقّ في ذلك.

وأمّا المتكلّمون فيقولون : انّ المراد من التفسيرين انّه ليس شيء من الفعل والترك لازما بالنظر إلى ذاته ولا بالنظر إلى الداعي ، فلا يستحيل انفكاكه ـ تعالى ـ عن شيء منهما ؛

إلاّ أنّ الأشاعرة من المتكلّمين قالوا : انّه لا يستحيل الانفكاك / ٣٢ DB / في أيّ وقت فرض ولو وجد الداعي ؛

والمعتزلة منهم قالوا : انّه لا يستحيل الانفكاك في الأزل ، لأنّهم قالوا : يمتنع انفكاك ذاته عن ايجاد العالم في الوقت الّذي أراد وأوجد ، وانّما لا يمتنع انفكاكه في الأزل ـ ويأتي بيان ذلك مفصّلا ـ. فعلى المذهبين يصدق أنّ شيئا من الفعل والترك ليس لازما لا بالنظر إلى ذاته ـ مطلقا ـ ولا بالنظر إلى الداعي ـ في الجملة ـ وإن اختلفا في عدم اللزوم بالنظر إلى الداعي في استغراق الاوقات وعدمه. والايجاب المقابل لهذا

١٥٣

المعنى هو وجوب الفعل واستحالة الترك ـ أي : امتناع انفكاك ذاته تعالى عن ايجاد العالم في الجملة ـ

فالمقابل للقدرة عند الأشاعرة هو امتناع الانفكاك ولو في وقت الايجاد ووجود الداعى ، والمقابل للقدرة عند المعتزلة هو امتناع الانفكاك في الأزل لا عند وجود الداعي ـ أعني : وقت الايجاد ـ.

ثمّ القدرة بهذا المعنى تفرّد باثباتها المتكلّمون ؛ ونفاها الحكماء ، وقالوا بالايجاب المقابل لها(١) . وعلى هذا ثبت النزاع بين الحكماء والمتكلّمين في مقامين : الأوّل ما وقع بين الحكماء والأشاعرة من المتكلّمين ، وهو : انّ الحكماء ذهبوا إلى أنّ معنى صحّة صدور الفعل ولا صدوره هو مجرّد الامكان الذاتي ـ أي : امكان صدور الفعل ولا صدوره بالنظر إلى ذات الفاعل من حيث هي هي ـ. وليس معنى الصحّة بمعنى الامكان الوقوعي المستلزم لوقوع الانفكاك بين الواجب وبين الفعل حتّى يمكن وقوع الصدور ، واللاصدور ، لأنّهم يوجبون صدور الفعل مع الإرادة ، والإرادة عندهم عين الذات ، فلا يتخلّف الفعل عنه ـ تعالى ـ.

فان قيل : الإرادة وغيرها من الصفات الكمالية إن كانت عندهم عين الذات لكان اعتبار ذاته ـ تعالى ـ عندهم اعتبار ارادته وساير صفاته الكمالية وبالعكس ، وكذا عدم اعتبار ذاته هو بعينه عدم اعتبار ارادته وساير صفاته الكمالية وبالعكس ، فلا يمكن تصوّر الانفكاك بينهما وجودا وعدما وإلاّ يلزم(٢) الانفكاك بين الشيء ونفسه ، وهو يستلزم عدم امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات أيضا عند الحكماء ؛

قلت : هذه شبهة نتعرّض لها بعد ذلك ونبحث عنها. فهم ـ أي : الحكماء ـ يجعلون مقدّم الشرطية الأولى في التفسير الثاني واقعا ، بل واجبا ، ومقدّم الشرطية الثانية فيه غير واقع ، بل ممتنعا ؛ ويقولون : لكنّه شاء وفعل. والأشاعرة يقولون : معنى الصحّة هو الامكان الوقوعى الموجب لانفكاك الفعل عنه ـ تعالى ـ في أيّ وقت فرض ولو في

__________________

(١) راجع : الدرّة الفاخرة ، ص ٢٦.

(٢) الاصل : لزم.

١٥٤

آن الحدوث ، / ٣٣ MA / فيجوز الصدور واللاصدور في الواقع. ولا يمتنع عدم الصدور لا من جهة الذات ولا من جهة الإرادة ، لأنّ الفعل لا يجب عندهم مع الإرادة أيضا باعتبار انّ تعلّق الإرادة غير واجبة. ولا نزاع بين الحكماء وأكثر المعتزلة في وجوب الصدور ، إلاّ أنّهم يقولون بالوجوب في آن الحدوث لا في الأزل ، فانهم قائلون بوجوب صدور الفعل مع الإرادة ومعتقدون بأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وانّ بالإرادة يجب صدور العالم عن الله ـ تعالى ـ في الوقت الّذي يقتضيه الداعي ـ كالعلم بالاصلح أو المصلحة أو ذات الوقت ـ ، ويمتنع في غير ذلك. فهم ليسوا قائلين بامكان صدور الفعل والترك بالامكان الوقوعي مطلقا ـ أي : ولو في آن الحدوث ـ ، لانّهم موافقون للفلاسفة في أنّ الايجاد وعدم الايجاد ممكن بالنسبة إلى الذات بدون اعتبار الإرادة وواجب مع اعتبار الإرادة الّتي هي عين الذات ، فهم لا يقولون بالامكان الوقوعى في آن الحدوث.

فان قيل : الامكان الوقوعى يتصوّر هنا على وجهين : أحدهما : الامكان الوقوعى بالنظر إلى ذات الفاعل فقط بدون اعتبار الإرادة وغيرها ؛ وثانيهما : الامكان الوقوعي بالنظر إلى ذات الفاعل مع الإرادة ، والامكان الوقوعي بالوجه الثانى وان لم يقل به الحكماء اصلا والمعتزلة في آن الحدوث ويختصّ الاشاعرة باثباته له ـ تعالى ـ ، إلاّ أنّ الحكماء والمعتزلة قالوا بالامكان الوقوعى بالوجه الأوّل ، لأنّهم قالوا بامكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذات الفاعل ؛

قلت : الامكان الوقوعي هو صحّة الصدور واللاصدور بالنظر إلى الواقع نفسه ، لا بالنظر إلى الذات والصفة واعتبار مرتبة من مراتب تحليل العقل. ولا ريب أنّ امكان الصدور بالنظر إلى الذات مع كون الإرادة مانعة من اللاصدور لا يصحّح الامكان بالنظر إلى الواقع نفسه ، لأنّ الإرادة يوجب الصدور في الواقع ، فلا يتحقّق الامكان فيه ، فالامكان الوقوعى لا يثبت على مذاق الحكمة والاعتزال.

الثاني : ما وقع بين الحكماء والمعتزلة من المتكلّمين ، وهو : انّ الحكماء لمّا اوجبوا الصدور وأحالوا اللاصدور لزمهم القول بقدم العالم ، ولذا قالوا به ؛ والمعتزلة خالفوهم ولم يقولوا بالقدم / ٣٣ DA / بل قالوا بحدوث العالم.

١٥٥

فان قلت : الاشعرية أيضا قائلون بحدوث العالم ، فما وجه تخصيص هذا النزاع بالفلاسفة والمعتزلة؟ ؛

قلت : المراد انّ أثر النزاع في القدرة والايجاب بين الحكماء والمعتزلة ليس إلاّ في قدم العالم وحدوثه ـ لأنّ الايجاب يستلزم القدم والاختيار يستلزم الحدوث ـ ، بل التحقيق ـ كما قيل ـ : انّ امتناع انفكاك العالم عن ذاته ـ تعالى ـ وامكان انفكاكه عنه معنى رابطي بين الفاعل ـ الّذي هو الله تعالى ـ وبين العالم ـ هو الفعل ـ. وهذا المعنى إن اعتبر من طرف الفاعل ويجعل صفة له سمّى بالايجاب والاختيار ، وان اعتبر من طرف الفعل سمّى بالقدم والحدوث ، فانّ المعتزلة لمّا وافقوا الحكماء في وجوب الفعل مع الإرادة وامكانه بدونها لا تبقى معهم مخالفة للحكماء في القدرة والايجاب إلاّ فيما يترتّب عليهما من القدم والحدوث ؛ وأمّا الاشاعرة لمّا قالوا بصحّة الفعل والترك بالامكان الوقوعي وعدم وجوب صدور الفعل مع الإرادة أيضا فلم يقولوا بالايجاب مطلقا ، والفاعل في ايجاد العالم عندهم قادر مختار ، ولو فرض قدم العالم. فالمراد انّ أثر النزاع بينهم وبين الحكماء في القدرة والايجاب ليس في القدم والحدوث ، لا أنّهم ليسوا قائلين بالحدوث.

فحاصل كلام الأشعرية انّ تأثير الواجب ـ تعالى ـ في ايجاد العالم ليس بايجاب أصلا ، بل بالقدرة والاختيار ؛ بل جوّزوا تأثير الفاعل المختار بلا مرجّح بدون الوجوب واللزوم بأن يكون المرجّح نفس إرادة الفاعل المختار. فالنزاع حقيقة بين الأشعرية والحكماء في مقامين : أحدهما : في أنّ ايجاد الفاعل المختار يجوز بلا مرجّح يوجب الفعل أم لا ؛ وثانيهما : في حدوث العالم وقدمه. فهم ـ أي : الأشعرية ـ قالوا : انّ الله ـ تعالى ـ احدث العالم في الوقت الّذي أراد في الأزل أن يحدثه بدون مرجّح غير تعلّق الإرادة ، وبالإرادة والاختيار يمكن الترجيح بدون المرجّح ، ولا يصير الفعل مع الإرادة واجبا. فحاصل النزاع بين الحكماء والمعتزلة هو أنّ الحكماء لمّا ذهبوا إلى وجوب الفعل عليه ـ تعالى ـ دائما وقالوا لا يمكن أن يتصوّر خلوه ـ تعالى ـ عن الفعل ولو في وقت موهوم أو في عدم بحت وليس محض لو وجد فيه موجود لكان ممتدّا ، ألجئوا إلى القول بالقدم ، فهم قائلون بالايجاب المطلق. والمعتزلة لمّا ذهبوا إلى أنّه

١٥٦

لا يجب عليه الفعل دائما ـ بل قالوا بوجوبه في وقت خاصّ ـ فهم قائلون بالحدوث وبالايجاب الخاصّ ، وهو ايجاب وجود الحادث بالنظر إلى علم الفاعل بنظام الخير ومصالح الغير.

وعلى ما ذكر يتحقّق نزاعان : أحدهما بين الاشعرية وبين ساير المتكلمين والحكماء ، وهو : أنّه هل يحب عنه ـ تعالى ـ فعل أم لا ؛ فباقي المتكلّمين والحكماء على الأوّل والأشعرية على الثاني ؛ والثاني بين المعتزلة والحكماء ، وهو : أنّه هل يحب عنه ـ تعالى ـ الفعل دائما أو في وقت ما ؛ والأوّل مذهب الحكماء والثاني مذهب المعتزلة.

وعلى هذا فصحّة الفعل والترك عند الحكماء مجرّد الامكان الذاتي لا غير مطلقا ، وعند الأشاعرة الامكان الوقوعي مطلقا ، وعند المعتزلة مجرّد الامكان الذاتي في آن الحدوث وما يعمّ الوقوعي في الأزل.

ولقائل أن يقول : الإرادة عند المعتزلة عين الذات وهي قد تعلّقت في الأزل بايجاد العالم في الوقت / ٣٣ MB / الّذي احدثه الله ـ تعالى ـ فيه ، وهذا كما يستلزم ايجابا خاصّا هو وجوب صدور الفعل في آن الحدوث وعدم انفكاك ذاته ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم في ذلك الوقت يستلزم ايجابا خاصّا آخر وهو وجوب عدم صدور العالم عنه ـ تعالى ـ قبل ذلك ولزوم انفكاك ذاته ـ تعالى ـ عن ايجاد العالم فى الأزل ، فيلزم على طريقة المعتزلة أن يكون معنى صحّة الفعل والترك في الأزل أيضا مجرّد الامكان الذاتي دون الوقوعي ـ لوجوب عدم صدور الفعل ولزوم الانفكاك بينه وبين الفعل في الأزل ـ ، فهم قائلون بوجوب عدم الفعل في وقت وبوجوب الفعل في آخر ؛ والحكماء قائلون بوجوب الفعل دائما ؛ والاشعرية قائلون بعدم وجوب الفعل والترك في أيّ وقت فرض ، وعلى هذا فلا يمكن أن يتحقّق عندهم الامكان الوقوعي الّذي هو بمعنى وقوع كلّ من الفعل والترك بدلا عن الآخر في وقت. نعم! لمّا وقع كلّ منهما في وقت ـ لأنّ الترك وقع في الأزل والفعل في آن الحدوث ـ فيمكن أن يقال بتحقّق الامكان الوقوعي لهما عندهم ، / ٣٣ BD / فانّ الامكان الوقوعي للشيء يتصوّر على وجهين :

١٥٧

أحدهما : جواز وقوعه ولا وقوعه في كلّ وقت ؛ وثانيهما : تحقّق وقوعه في وقت ولا وقوعه في وقت آخر ، فيثبت الامكان الوقوعي للفعل وتركه بمعنى كون أحدهما في وقت والآخر في وقت آخر ، لا بمعنى كون كلّ منهما بدلا عن الآخر ؛ فتأمّل!.

ثمّ الظاهر انّ القول بصدور الفعل في الوقت الخاصّ على سبيل الوجوب إنّما هو من بعض المعتزلة ، لأنّ اكثر قدمائهم صرّحوا بأنّ الصدور في الوقت الخاصّ إنّما هو على سبيل الأولوية دون الوجوب. قال المحقّق الطوسي ـرحمه‌الله ـ في شرح الاشارات : والقائلون بحدوث العالم افترقوا إلى ثلاث فرق : فرقة اعترفوا بتخصيص آن أوّل الايجاد بالحدوث لوجود علّة لذلك التخصيص غير الفاعل ، وهم جمهور قدماء المعتزلة من المتكلّمين ومن يجري مجراهم. وهؤلاء يقولون بتخصيصه على سبيل الاولوية دون الوجوب ، ويجعلون علّة التخصيص مصلحة تعود إلى العالم ؛

وفرقة قالوا بتخصيصه بذات الوقت على سبيل الوجوب ، وجعلوا حدوث العالم في غير ذلك الوقت ممتنعا ، لأنّه لا وقت قبل ذلك الوقت. وهو قول أبي القاسم البلخي المعروف بالكعبي ومن تبعه ؛

وفرقة لم يعترفوا بالتخصيص خوفا عن(١) التعليل ، بل ذهبوا إلى أنّ وجود العالم لا يتعلّق بوقت ولا بشيء آخر غير الفاعل وهو( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) (٢) . أو اعترفوا بالتخصيص وانكروا وجوب استناده إلى علّة غير الفاعل ، بل ذهبوا إلى أنّ للفاعل المختار أن يختار أحد مقدوريه على الآخر من غير تخصيص ، وهم أصحاب أبي الحسن الأشعري ومن يحذوا حذوه ، وغيرهم من المتكلّمين المتأخّرين(٣) ؛ انتهى.

ومذهب المحقّق الطوسى ـرحمه‌الله ـ من المذاهب الثلاثة الّتي نقلها ـ على ما نسب إليه في المشهور ـ هو المذهب الأوّل ، إلاّ أنّه قال : انّ التخصيص بالوقت الخاصّ إنّما هو على سبيل الوجوب ؛ ويأتي ما فيه.

__________________

(١) الاصل : + العجز عن.

(٢) كريمة ٢٣ ، الأنبياء.

(٣) راجع : شرح الاشارات ـ المطبوع مع المحاكمات ـ ، ج ٣ ، ص ١٣١ ؛ شرحي الاشارات ، ج ١ ، ص ٢٣٨.

١٥٨

ثمّ الظاهر من كلام بعض الأفاضل انّ المعتزلة مع اتفاقهم على الحدوث افترقوا أوّلا إلى فرقتين : فرقة قالوا بعدم زيادة الإرادة على الذات بل قالوا بعينيتها ووجوب الأصلح كالمحقّق الطوسي ـرحمه‌الله ـ وواصل بن عطاء والنظام ؛

وفرقة قالوا بزيادة الإرادة وحدوثها كالجبائية وعبد الجبار. وهؤلاء افترقوا فرقتين : وفرقة قالوا بوجوب الصدور في وقت الحدوث ؛

وفرقة قالوا بأولويته فيه. وعلى هذا يكون النزاع بين الأشعرية وبين الفرقة الاولى من المعتزلة في حدوث الإرادة وعينيتها وفي عدم وجوب الفعل ووجوبه ؛ وبينهم وبين الفرقة الثانية في مجرّد عدم وجوب الفعل ووجوبه ؛ وبينهم وبين الفرقة الثالثة في مطلق الجواز والأولوية.

وقد ظهر ممّا ذكر أنّ القدرة والايجاب يطلقان على أربعة معان :

الأوّل : كون القدرة عبارة عن صدور الفعل من الفاعل بالمشيئة والإرادة والعلم ، وإن استحال انفكاكه عنه ولو بالنظر إلى الذات. والايجاب المقابل لها هو كون الذات منشئا وسببا له بلا علم وإرادة ـ كافعال الطبائع ـ ، ويقال له : الايجاب الطباعي. واتفق الحكماء والمليون على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ ونفى الايجاب المقابل لها عنه ؛

الثّاني : كون القدرة عبارة عن امكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذات الفاعل من حيث هو فاعل بالامكان الذاتي وإن وجب صدور الفعل بالنظر إلى شيء آخر من الداعي أو غيره ، / ٣٤ MA / والايجاب المقابل لها هو امتناع الترك من الفاعل لذاته لا لأجل شيء آخر من الإرادة الداعية أو غيرها. وقد صرّح الأكثرون باتفاق الفلاسفة والمليين على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ونفي الايجاب المقابل لها عنه ـ تعالى ـ.

وفيه : انّ الفلاسفة مصرّحون بامتناع ترك الصدور عن الواجب بالنظر إلى الإرادة الّتي هي عين الذات ، فعدم الصدور عندهم ممتنع بالنظر إلى الذات ، فكيف

١٥٩

يكون الصدور واللاصدور بالنظر إلى ذات الفاعل ممكنا عندهم بالامكان الذاتي؟!.

فان قيل : المراد من القدرة بهذا المعنى هو الامكان بالنظر إلى ذات الفاعل مع قطع النظر عن الإرادة ، لا معها ؛

قلنا : لمّا كانت الإرادة في الواجب عين الذات فقطع النظر عنها هو بعينه قطع النظر عن الذات. اللهم إلاّ أن يقال : الإرادة عندهم هو العلم بالأصلح وهذا العلم وإن كان عين الذات من حيث المبدأ إلاّ أنّه لمّا كان من حيث اعتبار الغير من غير ملاحظة نظام الخير فالموجب بالحقيقة هو غير الذات من الدواعي ، ـ وسيجيء لذلك زيادة بيان ـ.

الثالث : كون القدرة عبارة / ٣٤ DA / عن امكان الفعل والترك امكانا وقوعيا في وقت من الأوقات وإن كان وقتا موهوما ـ اي : امكانهما بالنظر إلى الداعي ونحوه من شرائط التأثير المجوّزة لكل منهما في وقت ما وإن وجب في وقت آخر ـ ، فلا ينافيه الوجوب في وقت آخر ، بل المنافي له هو الوجوب في جميع الأوقات. والايجاب المقابل لها هو امتناع الترك بالنظر إلى الداعى ونحوه من الشرائط المقتضية لعدم انفكاك الفاعل عن الفعل ؛ وبالجملة امتناع انفكاك ذاته عن ايجاد العالم في الأزل لأجل الدواعى والشرائط الموجبة. والقدرة بهذا المعنى ممّا نفاه الفلاسفة وقالوا بايجاب المقابل لها. والمعتزلة متّفقون على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ ونفي الايجاب المقابل لها عنه ـ سبحانه ـ.

الرابع : كون القدرة عبارة عن امكان الفعل والترك بالامكان الوقوعي في جميع الأوقات ـ أي : امكانهما بالنظر إلى الداعى وغيره من شرائط التأثير المجوّزة لكلّ منهما في جميع الأوقات ـ. والقدرة بهذا المعنى ينافيها الوجوب مطلقا ، والايجاب المقابل لها هو امتناع الترك من جهة لزوم الداعي ونحوه من شرائط التأثير في وقت من الأوقات ، ويعبّر عنه بالايجاب الخاصّ. والاختيار بهذا المعنى اثبته الأشاعرة له ـ تعالى ـ ونفاه الفلاسفة. والمعتزلة قالوا بالايجاب المقابل له ـ أعني : الايجاب الخاصّ ـ وهو الاختيار الّذي قالوا به. والفلاسفة قالوا بالايجاب المطلق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482