جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ١

جامع الافكار وناقد الانظار0%

جامع الافكار وناقد الانظار مؤلف:
المحقق: مجيد هاديزاده
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: 482

جامع الافكار وناقد الانظار

مؤلف: محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]
المحقق: مجيد هاديزاده
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
تصنيف:

ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: 482
المشاهدات: 33831
تحميل: 4328


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33831 / تحميل: 4328
الحجم الحجم الحجم
جامع الافكار وناقد الانظار

جامع الافكار وناقد الانظار الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
ISBN: 964-5616-70-7
العربية

ففيه : انّ القدم بالنوع على هذا التقدير ـ أي : على تقدير التوقّف ـ وإن كان لازما إلاّ انّ لزوم التوقّف لما كان على فرض الحدوث شخصا ونوعا. وعلى هذا الفرض يلزم التخلّف البتة ، سواء توقّف على الشروط أم لا ، لان المفروض انّ الفاعل موجب تامّ يمتنع انفكاك فعله عنه ، فاذا انفكّ عنه الحادث المذكور ولو بالتوقّف على الشروط يصدق التخلّف.

وأمّا ما ذكره بقوله : « أيضا ـ إلى آخره ـ » ، ففساده ظاهر ؛ لأنّ بناء الاستدلال على فرض الايجاب في الأزل ـ أعني : الايجاب بمعنى استحالة الانفكاك ـ ، وهو ظاهر.

وقد علم ممّا ذكر انّ ما يرد عند التحقيق على الاستدلال المذكور من وجوه الاختلال انّما هو لزوم المعارضة وعدم الاحتياج إليه في ترتّب القدم على الايجاب المذكور ، لأنّ لزومه ضروريّ ولزوم التخلّف وان توقّف الحادث على الشرط الحادث. وباقي الوجوه ـ أعني : لزوم تقدّم الشيء على نفسه وامكان استلزام المحال المحال ـ ليست قدحا فيه ، بل هي تقوية له!.

وقيل : يتقوّى الاستدلال المذكور بأمرين آخرين أيضا ؛

أحدهما : انّه في صورة توقّف الحادث على الشروط المتعاقبة يلزم قدم الفعل المطلوب من حدوثه ، فلنشير أوّلا إلى معنى تعاقب الشروط والاجتماع وإلى معنى الشرط ثمّ نرجع إلى المطلوب.

فنقول : المراد من الشروط المتعاقبة هو أن يحدث شرط عقيب شرط آخر إلى غير النهاية ولم تكن مجتمعة في آن اصلا ، فتكون متعاقبة في الحدوث والوجود معا ، بمعنى انّ كلّ سابق يحدث قبل اللاحق وينعدم بعد وجوده ولا يجتمع معه في الوجود.

فعلى هذا فالمراد بالشروط المجتمعة أن تكون مجتمعة في الحدوث والوجود معا بأن يوجد جميعا من دون تقدّم وتأخّر وكان الجميع باقيا ، أو تكون مجتمعة في الوجود فقط وان كانت متعاقبة في الحدوث ، بأن يحدث شرط عقيب حدوث شرط ، لكن يبقى السابق مع اللاحق وهكذا حتّى يجتمع وجود تلك الآحاد.

ومن الأفاضل من أدخل الشقّ الثاني من المجتمعة في المتعاقبة باعتبار تعاقبه

٢٨١

في الحدوث.

والظاهر انّه غفلة ، لأنّ القوم انّما قسّموا التسلسل إلى هذين القسمين ـ أعني : التسلسل في الامور المتعاقبة والتسلسل في الأمور المجتمعة ـ ، ليعيّنوا التسلسل الّذي جوّزه الفلاسفة دون المتكلّمين ، وقد سمّوا ذلك التسلسل بالتسلسل في الأمور المتعاقبة. ومعلوم بالضرورة انّ محل النزاع بين الطائفتين هو التسلسل في الأمور المتعاقبة في الحدوث والوجود معا ـ كالعلل المعدّة ـ. وليس محلّ النزاع التسلسل في الأمور المجتمعة في الوجود إذا كانت متعاقبة في الحدوث فقط أيضا ، لأنّ الفريقين متفقان على بطلانه ، كيف ولو جوّزه الفلاسفة لم يكن عندهم عذر في جريان التطبيق فيها! ، لانّ عذرهم في تجويز التسلسل في المتعاقبات انّ الآحاد إذا لم تكن موجودة في الخارج معا لم يتأتّ وقوع آحاد إحدى الجملتين بإزاء آحاد الجملة الأخرى. فاذا كانت متعاقبة في الحدوث مجتمعة في الوجود يجري فيها التطبيق لكونها مجتمعة في الوجود مترتبة. نعم! لو كانت مجتمعة في الوجود غير مترتبة بأن لا يكون لها تقدّم وتأخّر ـ بل كان من الشقّ الأوّل من المجتمعة ـ أمكن القول بعدم جريان التطبيق فيها نظرا إلى عدم الترتيب ـ كما ذهب إليه بعضهم ـ. والظاهر انّ نظر من أدخل الشق الثاني من الشروط المجتمعة في المتعاقبة إلى انّ الشرط يطلق حقيقة على ما يكون باقيا مع المشروط ، وانّما يطلق على المعدّ مجازا ، فاذا اطلق الشروط وان وصفت بالتعاقب لا يجوز اخراج المعنى الحقيقي منه وإرادة المعنى المجازي فقط ، وهو غفلة من معنى التعاقب ومن انّ المراد بالشرط معناه الأعمّ ؛ فانّ للشرط اطلاقين : أحدهما : الشرط بالمعنى الأخصّ ، وهو ما يكون وجوده مرجّحا لوجود الشرط ـ أي : ما يكون له مدخلية في وجود الشيء من حيث عدمه ـ ، وثانيهما : الشرط بالمعنى الأعمّ ، وهو مطلق المحتاج إليه سواء كان شرطا بالمعنى الأخصّ أو علّة ناقصة أو معدّا أو رفعا للمانع.

والعلّة الناقصة كالشرط بالمعنى الأخص في أنّ له مدخلية في وجود المعلول من حيث وجوده فقط ، وكذا الفاعل والمعدّ للشيء هو أن يكون تقدّمه مرجّحا لوجود هذا الشيء ويكون معدوما عند وجوده ، فهو ما يكون له مدخلية في وجود الشيء

٢٨٢

من حيث وجوده وعدمه معا.

والمانع ما له مدخلية في وجود الشيء من حيث عدمه. فالمراد بمطلق الشروط المذكور في الاستدلال هو الشروط بالمعنى الاعمّ ؛ والمراد بالشروط المتعاقبة / ٦٠ DA / هي المعدّات ؛ والمراد بالشروط المجتمعة بالمعنى الأوّل هي الشروط بالمعنى الأخصّ.

وأمّا الشروط المجتمعة بالمعنى الثاني فلا يجوز أن تكون معدّات ولا أن تكون شروطا بالمعنى الأخصّ ، لأنّ الحادث انّما يحتاج إلى معدّ حادث قبله وإلى شرط حادث معه ، والمحتاج إليه السابق ـ أي : المعدّ ـ لا يجوز أن يكون باقيا معه ، بل يجب أن ينعدم بعد وجوده مرجّحا ؛ والمحتاج إليه الباقي ـ أعني : الشرط بالمعنى الأخصّ ـ لا يجوز أن يكون سابقا عليه بالزمان. والسرّ في ذلك انّ المحتاج إليه السابق ـ أعني : المعدّ ـ ما يكون مقدّما مرجّحا ، والمحتاج إليه الباقي ما يكون وجوده مرجّحا ، والمحتاج إليه السابق بالزمان يجب أن يتقدّم عليه عند حدوث المعلول ليكون بانعدامه مرجّحا ، ولو كان باقيا معه لكان بوجوده مرجّحا. فمع كونه سابقا عليه بالزمان ـ كما هو الفرض ـ يلزم التخلّف ، لأنّ المفروض كون الوجود مرجّحا وهو كان متحقّقا قبل تقدّم حدوث الحادث مع ذلك تخلّف عن العلّة التامة. وقد ظهر بذلك انّه لا يتصوّر توقّف الحادث على الشروط المجتمعة بالمعنى الثاني / ٦٣ MB / ـ أعني : ما كان سابقا عليه بالزمان وباقيا معه بعد الحدوث ـ.

وإذا علمت ذلك فاعلم : انّه يلزم على تقدير كون الشروط متعاقبة أو مجتمعة بالمعنى الثاني قدم الفعل المطلق من حدوثه ، لأنّ تعاقب الشروط وتسلسلها في الحدوث ـ سواء كانت غير مجتمعة في الوجود أو مجتمعة فيه ـ مستلزم لتحقّق القدم بالنوع فيها ، وهو ناش من فرض الحدوث ، فكما يلزم من فرض الحدوث بالنوع على تقدير الايجاب المذكور التسلسل في الشروط يلزم خلف الفرض ـ أعني : القدم بالنوع ـ أيضا ؛ بل إذا كانت الشروط مجتمعة بالمعنى الثانى ـ أعني : كانت متعاقبة في الحدوث مجتمعة في البقاء ـ لزم القدم ببعض الاشخاص أيضا ، ووجهه ظاهر. بل يلزم حينئذ التخلّف أيضا ، إلاّ أن يكون هناك موجود متجدد متصرّم كالحركة تكون تلك الشروط الغير المتناهية اجزاء فرضية له أو مستندة إليها ، فيلزم القدم بالشخص أيضا.

٢٨٣

قال بعض الأفاضل(١) في بيان لزوم قدم الفعل المطلق من فرض حدوثه : انّ الشروط إذ كانت متعاقبة غير متناهية يكون طبيعة الفعل المطلق محفوظة بتعاقب تلك الشروط الغير المتناهية ، لأنّ تلك الشروط من افراد طبيعة الفعل المطلق ، فتكون طبيعة الفعل المطلق قديمة وافرادها حادثة.

ثمّ أورد عليه : بانّ هذا ليس موافقا للتحقيق ، لأنّ الحدوث والقدم المستعملين هاهنا هما الحدوث والقدم الواقعيان ـ أعني : الدهريين ـ ، والطبيعة إذا كانت قديمة لا بالقدم الزماني بل بالقدم الدهري فلا يتصوّر ذلك إلاّ بأن يكون جزئي من جزئياته الحقيقية قديما ، فتلك الشروط الغير المتناهية لمّا فرضت حادثة بهذا الحدوث ـ أي : بالحدوث الدهري ـ يلزم أن تكون الطبيعة المتحقّقة في ضمن تلك الشروط حادثة كذلك ، وإلاّ يلزم تحقّق الطبيعة مجرّدة عن الفرد.

وقال في توضيح المقام : اعلم! أنّ القدم والازلية قسمان : أحدهما القدم الزماني والأزلية الزمانية ؛ وثانيهما : القدم الغير الزماني والأزلية الغير الزمانية. فالشيء الّذي يكون ازليا زمانيا انّما يكون باعتبار أن ليس جزء من أجزاء الزمان في زمان الماضي ولا يكون ذلك الشيء موجودا فيه ، بل كلّ جزء يفرض من الزمان يكون موجودا فيه وإن تقدّم الزمان عليه بالذات ؛ والحادث الزماني ما يقابله. والشيء الّذي يكون قديما غير زماني ـ أي : يكون قديما دهريا ـ هو أن لا يكون وجوده مسبوقا بالعدم في الخارج اصلا ؛ والحادث الدهري ما يقابله ـ أي : ما يكون وجوده مسبوقا بالعدم الواقعي الخارجي ـ.

وإذا علمت ذلك فنقول : يجوز أن تكون الطبيعة قديمة بالزمان وأفرادها حادثة ، ولا يجوز أن تكون الطبيعة قديمة بالدهر مع كون جميع أفرادها حادثة بالدهر. أمّا الأوّل فلأنّ الزمان لمّا كان قابلا للقسمة إلى غير النهاية فيمكن أن يكون في جزء من أجزاء ذلك الزمان فرد من طبيعة ويكون في جزء آخر فرد آخر من تلك الطبيعة وهكذا ، ولا يكون فرد منها في جزءين من الزمان ، بل كان كلّ فرد منها في جزء منه فقط.

__________________

(١) هامش « د » : هو ملاّ شمسا الجيلاني.

٢٨٤

فيصدق كون الطبيعة موجودة في جميع أجزاء الزمان ولا يصدق كون فرد منها موجودا في جميعها ؛ فيكون افرادها حادثة بالزمان وهي قديمة بالزمان. وهذا مثل ما يقال : انّ الورد يكون في شهر أو شهرين ، والحال انّ فردا منه لا يكون في شهر أو شهرين. فالمراد انّ طبيعة الورد يكون في شهر أو شهرين. ولو فرضنا بدل الشهر والشهرين الفا والفين بل كلّ الزمان لم يتفاوت الحكم ، لأنّ اطولية الزمان لا يصير منشئا لاختلاف هذا الحكم. وأمّا الثاني ـ أعني : عدم جواز كون الطبيعة قديمة بالدهر مع كون افرادها حادثة كذلك ـ ، فلأنّ القديم الدهري ما لا يكون وجوده مسبوقا بالعدم في الخارج اصلا ؛ والحادث الدهري ما يكون وجوده مسبوقا بالعدم في الخارج. / ٦٠ DB / وإذا كان جميع أفراد طبيعة واحدة مسبوقة بالعدم في الخارج يلزم أن تكون تلك الطبيعة أيضا مسبوقة بالعدم ، وإلاّ يلزم تحقّق الطبيعة مجرّدة عن الفرد ، وهو باطل لأنّ الطبيعة المجرّدة عن الفرد في الخارج والواقع لا وجود لها. ولمّا فرض أنّ تلك الشروط الغير المتناهية حادثة بالحدوث الدهري الواقعي يلزم أن تكون الطبيعة المتحقّقة في ضمن تلك الشروط حادثة حدوثا واقعيا ، وإلاّ يلزم تحقّق الطبيعة مجرّدة عن الافراد ، ولا تفاوت في ذلك الحكم بين كون تلك الشروط متعاقبة أو مجتمعة. وبالجملة إذا كانت طبيعة ما من الطبائع قديمة بالعدم الواقعي الدهري بل بالقدم الغير الزماني مطلقا فلا يتصوّر ذلك إلاّ بأن يكون جزئي من جزئياته الحقيقية قديما ؛ انتهى حاصل ما ذكره الفاضل المذكور.

وهذا الفاضل قد أخذ هذا التفصيل أوّلا من بعض كتب السيد المحقّق الداماد ، ثمّ رجع وحكم بانّ القديم الزماني أيضا حكمه حكم القديم الدهري في عدم جواز قدمه زمانا مع كون افراده حادثة بالزمان ، فقال : المفروض انّ كلّ فرد فرد من أفراد الحوادث الزمانيّة مسبوق بالعدم الزماني والطبيعة قديمة زمانية بمعنى أنّها ليست مسبوقة بعدم زماني أصلا.

فلقائل أن يقول : على ذلك التقدير يكون كلّ فرد من تلك الطبيعة مسبوقا بعدم زماني ولا يوجد فرد يكون قديما زمانيا أصلا ـ كما هو المفروض ـ. وهذا الحكم ثابت لكلّ فرد فرد سواء وجد معه فرد آخر أو لا ، فيكون هذا الحكم ـ أعني : سبق العدم الزماني ـ ثابتا / ٦٤ MA / لكلّ فرد على جميع تقادير وجوده ـ أي : سواء وجد معه فرد

٢٨٥

آخر أو لا ـ. وقد تقرّر بين القوم انّ كلّ حكم ثبت لكلّ واحد من أشياء على جميع تقادير وجوده لا يختلف هذا الحكم في تلك الصورة بين الكلّ الافرادي والكلّ المجموعي. كما في احتياج الممكن ، فانّه لمّا كان كلّ واحد من افراد الممكن محتاجا إلى العلّة على جميع تقادير وجوده ـ أي : سواء كان معه ممكن آخر أو لا ـ حكموا بعدم التفاوت بين الكلّ الافرادي والمجموعي في الاحتياج إلى العلّة. فعلى المشاكلة يكون الحكم المذكور ـ أعني : سبق العدم الزماني ـ ثابتا لمجموع الأفراد بحيث لا يشذّ عنه فرد.

ولكون العدم السابق على مجموع الأفراد عدما زمانيا يكون ذلك الزمان الّذي عدم فيه مجموع الأفراد مشغولا بعدم جميع الأفراد بحيث لا يشذّ فرد ، فلا يوجد فرد من افراد تلك الطبيعة في ذلك الزمان البتة. فحينئذ إمّا أن تكون تلك الطبيعة موجودة في ذلك الزمان أو معدومة فيه ، فعلى الأوّل يلزم وجود الطبيعة مجرّدة عن الفرد وهو باطل ، وعلى الثاني يلزم أن يكون حادثا بالحدوث الزماني كأفرادها ، فظهر انّ حدوث جميع افراد الطبيعة بالحدوث الزماني يستلزم حدوث الطبيعة أيضا كذلك ؛ انتهى.

اقول : الحقّ في هذا المقام انّ قدم الطبيعة مع حدوث جميع أفرادها غير معقول ، بل إن كانت جميع افراد طبيعة حادثة لكانت تلك الطبيعة أيضا حادثة ، ولا يعقل قدمها إلاّ إذا كان بعض افرادها قديما. والتحقيق ـ كما أفاده الفاضل المذكور ـ عدم الفرق في ذلك بين القدم والحدوث الدهريين وبين القدم والحدوث الزمانيين. والدليل على الكلّ : انّه لا شكّ انّ الطبيعة ليست موجودة بوجود على حدة منفكّة عن افرادها. ومحلّ الخلاف المشهور في وجود الكلّي الطبيعي ـ كما حرّره العلاّمة الرازي في رسالة الكلّيات(١) وغيره من أهل التحقيق ـ هو : انّ الطبيعة هل هي موجودة في الخارج بوجود افرادها حتّى تكون الطبيعة موجودة ويكون الفرد موجودا آخر ووجودهما واحد ، أو هي غير موجودة في الخارج اصلا ، بل الموجود فيه افرادها فقط وهي موجودة في الذهن ، لا غير فعلى هذا لو كانت موجودة ـ كما هو التحقيق ـ فلا محالة يكون وجودها بوجود افرادها ؛ فهي موجودة بوجود كلّ فرد. فلها وجودات متعدّدة بحسب

__________________

(١) لم أعثر على هذه الرسالة ، والظاهر أنّها لم تطبع بعد.

٢٨٦

تعدّد الافراد. وإذا كان وجودها بوجود الأفراد فيكون الحيثية المعتبرة لوجود افرادها معتبرة لوجودها أيضا ، فاذا كان جميع أفرادها حادثة بالحدوث الدهري أو الزماني كانت الطبيعة أيضا كذلك. والفرق بين الحدوثين غير معقول ، لأنّه كما إذا كانت جميع الأفراد مسبوقة بالعدم الواقعي فلا يعقل كون الطبيعة غير مسبوقة به ، والاّ لزم وجودها متقدّمة على جميع الافراد في ظرف الواقع ونفس الأمر منفكّة عنها فيه ، كذلك إذا كانت جميع الأفراد مسبوقة بالعدم الزماني. فلا يتصوّر كون الطبيعة غير مسبوقة به وإلاّ لزم وجودها سابقة على جميع الأفراد في ظرف الزمان منفكّة عنها فيه ، وإذا كان بعض أفرادها قديما بالقدم الدهري أو الزماني كانت الطبيعة المتحقّقة في ضمنه أيضا كذلك ؛ والفرق بين القدمين باطل ـ كما مرّ ـ.

فان قيل : كيف يتصوّر كون الطبيعة حادثة مع كون افرادها غير متناهية؟! ، لأنّ المفروض توقّف كلّ شرط حادث على شرط حادث آخر إلى / ٦١ DA / غير النهاية ، فعلى تقدير عدم تناهي الأفراد لو كانت الطبيعة حادثة لما تصوّر أن يكون فرد منها متحقّقا فيها ، فيلزم أن يكون الافراد متناهية ؛ وهو خلاف الفرض ، فيجب أن يكون قديمة ؛

قلنا : كما يتصوّر كون جميع افرادها بحيث لا يشذّ عنها شيء حادثة مع عدم تناهي تلك الأفراد فانّ اجتماع حدوث الطبيعة مع عدم تناهي افرادها على سبيل التعاقب(١) ليس باعجب من اجتماع حدوث الأفراد باسرها وعدم تناهيها ، والمفروض جواز اجتماع حدوث الأفراد مع عدم تناهيها ، فلا بأس بجواز اجتماع حدوث الطبيعة مع عدم تناهي افرادها أيضا.

ثمّ الحقّ انّه لا يجوز شيء منها ـ أي : لا يجوز اجتماع حدوث الطبيعة مع عدم تناهي افرادها على سبيل التعاقب ولا اجتماع حدوث جميع افرادها مع عدم تناهيها كذلك ، أي : على سبيل التعاقب ـ وان امكن اجتماع حدوثها مع كونها غير متناهية على سبيل الاجتماع بدون الترتيب ؛ أمّا الأوّل فظاهر وأمّا الأخير فلأنّ معنى حدوث جميع

__________________

(١) الاصل : ـ على سبيل التعاقب.

٢٨٧

افرادها أن يكون العدم الدهري أو الزماني سابقا على جميعها بحيث لا يشذّ عنه شيء ، ومعنى عدم تناهيها أن لا يوجد واقع أو زمان لم يوجد فيه فرد من تلك الافراد ؛ فلا يمكن أن يسبق عدم دهري واقعي أو زمان عدم على جميع تلك الأفراد على هذا التقدير ـ أي : على تقدير عدم تناهيها ـ. فهذان الفرضان امر الحدوث(١) جميعها ووقوع التسلسل التعاقبي فيها متنافيان.

وأيضا لا ريب في انّ تلك الشروط إذا كانت غير متناهية كان واحد منها في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر مستندا إلى موجود قديم واجب أو غير واجب ، فان كان هذا الواحد قديما بطل ما فرض من كون جميعها حادثة ، وان كان حادثا انقطع عند التسلسل. وحينئذ فالصحيح أن يقال في تقوية الاستدلال المذكور : انّه في صورة توقّف الحادث على شرط حادث يلزم عدم تناهي الشروط على سبيل التعاقب مع حدوثها ، أو يلزم اجتماع حدوث الطبيعة نظرا إلى حدوث افرادها مع عدم تناهي افرادها ؛ والكلّ باطل لوقوع التناهي المستحيل. وهذا المحال انّما نشأ من فرض الحدوث في صورة الايجاب المذكور.

ثمّ بعض الأفاضل بعد أن جزم بلزوم قدم الطبيعة من حدوث افرادها على الفرض المذكور / ٦٤ MB / قال : فان قيل : كيف يتصوّر قدم الطبيعة بحدوث جميع الأفراد مع أنّ وجود الكلّي الطبيعي في الخارج ليس إلاّ في ضمن الفرد متحدا بوجوده وبانتفاء الفرد ينتفي الطبيعة المتحدة معه في الوجود ، فاذا كان جميع الأفراد حادثة لم يكن لها وجود ازلي غير مسبوق بالعدم حتّى تكون قديمة؟! ؛

قلنا : الطبيعة الابهامية الموجودة في الخارج لها وحدة ابهامية لا تنافي تعدّد الوجود بحسب تكثّر الأفراد وبانعدام فرد واحد وبانتفاء وجود واحد لا تنعدم هي من حيث هي ـ أي : مطلقا ـ وان انعدمت من حيث هي في ضمن تلك الفرد. ومتى لم تنعدم جميع افرادها لم تنعدم هي مطلقا ؛ ولهذا اشتهر : انّ وجود الطبيعة بوجود فرد ما وانتفائها بانتفاء جميع الأفراد. ولا يستلزم مسبوقية وجود كلّ فرد منها بعدمه الخاصّ به

__________________

(١) كذا في النسختين.

٢٨٨

مسبوقية زمانية مسبوقية وجودها من حيث هي هي بعدمها ، والمطلوب كذلك ؛ بل لو كانت لها افراد متعاقبة غير متناهية كلّ منها مختصّ بزمان يكون لا محالة زمان وجود الطبيعة غير متناه ؛ لكن لا وجودا واحدا بالعدد مستمرّا من الأزل إلى الأبد ، بل وجودا مبهما ، وذلك كاف في قدمها بل نقول. على ذلك التقدير لا يكون شيء من وجوداتها الخاصّة مسبوقا بعدمها المطلق بالزمان ، إذ ليس لذلك العدم زمان يتحقّق فيه لا بحسب الخارج ولا بحسب التوهّم ، فلا يكون حادثة البتة.

فان قيل : قد تقرّر انّه إذا كان حكم ثابتا لأفراد شيء على جميع تقادير وجود الفرد ـ أي : سواء كان معه وجود سائر الأفراد أم لا ، كاحتياج الممكن إلى الموجب ـ فلا يختلف الكلّ الافرادي والمجموعي في ذلك الحكم ، والمسبوقية الزمانية بالعدم هناك كذلك ـ أي : ثبت لأفراد الفعل المطلق على جميع تقادير وجود الفرد ـ ، فيكون مجموع الأفراد أيضا مسبوقا بالعدم ، فالطبيعة تكون إمّا حادثة أيضا وإمّا موجودة بدون فرد ، هذا خلف! ؛

قلنا : ليس كذلك ، إذ لو قدر وجود فرد من تلك الأفراد مقرونا بوجود سائر الافراد الغير المتناهية المختصّة كلّ منها بقطعة من الزمان لم يكن مسبوقا بالعدم البتة ، كما لو فرض جوع شخص واحد مقرونا بجوع ساير الاشخاص لا يمكن شبعه برغيف واحد ، بخلاف الممكن الواحد ، إذ لو فرض كونه مقرونا بسائر أفراد الممكن لا يرتفع عنه الاحتياج إلى الموجب ؛ انتهى.

وأنت تعلم انّ هذا الكلام بطوله لا يفيد شيئا! ، ودفعه ظاهر ممّا ذكرناه. ويكفى في دفعه انّ تلك الافراد الغير المتناهية إن كان مجموعها بحيث لا يشذّ عنها شيء مسبوق بالعدم لكانت الطبيعة أيضا كذلك ، فثبت حدوثها ، وإن لم يكن مجموعها مسبوقا بالعدم لم تكن حادثة ، هذا خلف!.

وما ذكره من انّ المجموع هنا ليس مسبوقا بالعدم ولا يلزم منه نفي حدوث كلّ واحد ـ لأنّ حكم / ٦١ DB / المجموع هنا يخالف حكم الآحاد قياسا على كلّ واحد والمجموع في الشبع وعدمه رغيف واحد ـ فمردود بانّ حكم المجموع والآحاد هنا حكم

٢٨٩

المجموع والآحاد الممكنات في الاحتياج ، فانّه كما لو فرض كلّ ممكن مقرونا بسائر افراد الممكن لا يرتفع عنه الاحتياج كذلك لو فرض كلّ واحد من افراد السلسلة الغير المتناهية مقرونا بوجود سائر الافراد لم يرتفع عنه المسبوقية بالعدم. وقياس ذلك على المجموع والآحاد في الاشباع برغيف وعدمه قياس مع الفارق ، لأنّ السرّ في شبع كلّ واحد برغيف واحد وعدم شبع المجموع به انّه إذا أكل كل واحد من حيث هو واحد رغيفا واحدا لم يأكل غيره شيئا من هذا الرغيف ، بل مجموعه صار مأكولا له ، فيشبعه ؛ وإذا أكل مجموع الناس رغيفا واحدا لا يصير مجموع هذا الرغيف مأكولا لكلّ واحد ، بل كلّ واحد لم يأكل إلاّ جزء منه ، فالرغيف صار موزعا على الكلّ فلا يحصل الشبع. فالمعيار في معرفة عدم مخالفة حكم المجموع لحكم الآحاد ومخالفته انّ ما ثبت لكلّ واحد في صورة الانفراد ان ثبت له أيضا في صورة الاجتماع لم تحصل حينئذ مخالفة بين حكم الآحاد وحكم المجموع. كمثال الممكن ، فانّ ما ثبت لكلّ واحد من الممكنات بشرط الانفراد كذلك يثبت له مع الاجتماع أيضا. وإن لم يثبت له في صورة الاجتماع حصل المخالفة بين حكم الآحاد وحكم المجموع. كمثال الرغيف ، فانّ كلّ واحد في صورة الانفراد ثبت له أكل مجموع الرغيف وفى صورة الاجتماع ثبت له أكل جزء منه.

ولا ريب انّ ما نحن فيه من قبيل الأوّل ، لأنّ كلّ ما ثبت لكلّ واحد في صورة الانفراد ثبت له في صورة الاجتماع أيضا من دون تفاوت.

وثانيهما ـ أي : ثاني الأمرين اللذين قيل يتقوّى بهما الاستدلال المذكور ـ. في صورة توقّف الحادث علي الشروط المجتمعة بالمعنى الأوّل ـ أي : كونها مجتمعة في الحدوث والوجود معا ـ يلزم تخلّف المعلول عن الموجب التامّ أيضا ، لأنّ تلك الشروط إن كانت متحقّقة في الأزل يلزم تخلّف العالم عنها ، وإن كانت حادثة فيما لا يزال يلزم تخلّف تلك الشروط عن علّتها ، لأنّ علّتها ليست إلاّ الواجب وهو متحقّق في الأزل بدونها ، وهو التخلّف.

وغير خفيّ انّ المراد بالاجتماع هو الشقّ الثاني ، إذ على الأوّل تكون الشروط المطلقة قديمة والكلام في الشروط الحادثة ، فذكر الشقّ الأوّل انّما هو للاستظهار. فعلى

٢٩٠

الشقّ الأوّل يلزم القدم لا التخلّف المطلق هنا ـ أي : التخلّف مع كون الشروط حادثة ـ ، فانّ تخلّف الفعل ـ أعني : العالم ـ عن الشروط وان كان لازما إلاّ انّ الشروط المجتمعة في الأزل لمّا كانت / ٦٥ MA / قديمة فلا تكون ممّا نحن فيه ، لأنّ ما نحن فيه انّما هو على فرض حدوث الشروط وهو انّما يتحقّق على الشقّ الثاني ـ أي : إذا كان مجتمعة في الحدوث والوجود فيما لا يزال ـ. وحينئذ وإن لم يلزم تخلّف الفعل عن الشروط إلاّ انّه يلزم تخلّف تلك الشروط عن علّتها التامّة. فيجب أن يكون المراد انّه على تقدير الاجتماع يلزم التخلّف عن الموجب التامّ سواء كان المتخلّف هو الفعل المفروض أو الشروط المذكورة ، إذ لو فرض الاجتماع في الأزل ـ مع انّه خلاف ما فرض من حدوث الشروط ـ يلزم تخلّف الفعل المفروض ؛ وإذا فرض الاجتماع فيما لا يزال ـ على ما هو مقتضى الفرض ـ يلزم تخلّف الشروط البتّة ، فيكون تخلف المعلول الشامل لهما عن الموجب التامّ لازما البتّة.

فان قلت : على فرض اجتماع الشروط فيما لا يزال يلزم تخلّف الفعل أيضا لكونه حادثا والموجب ـ أعني : الواجب ـ قديما! ؛

قلت : نعم ، ولكن التخلّف الّذي هو المطلوب ـ وهو التخلّف عن الموجب التامّ ـ غير لازم ، لأنّ الموجب حينئذ انّما يتمّ بالشروط الّتي فرضت محقّقة فيما لا يزال ، لا في الأزل. فلا يكون تامّا إلاّ عند حدوث تلك الشروط ، وحينئذ يحدث الفعل أيضا ، فلم يحصل التخلّف عن الموجب التامّ.

فان قيل : فيمكن أن لا يكون الموجب المذكور بالنسبة إلى الشروط الحادثة المجتمعة فيما لا يزال أيضا موجبا تامّا ، فتخلّف تلك الشروط الحادثة المجتمعة في آن حدوث الفعل لا يكون تخلّفا عن الموجب التامّ ، لأنّه كما أنّ هذا الموجب لم يكن بالنسبة إلى الفعل المفروض تامّا بل انّما يتمّ بالشروط الحادثة فيما لا يزال ، فيجوز أن لا تكون بالنسبة إلى تلك الشروط الحادثة فيما لا يزال أيضا تامّا ؛ بل يكون تماميته موقوفة على أمر خارج عن ذاته وعن تلك الشروط ؛

قلنا : لو سلّم جواز التوقّف على أمور خارجة عن تلك الشروط وعن ذات الموجب لم يحصل به نقص في الاستدلال ، لأنّا نأخذ حينئذ مجموع ما يتوقّف عليه الفعل

٢٩١

من السلسلة المفروضة ـ أعني : الشروط الحادثة المجتمعة فيما لا يزال والأمور الخارجة عنها الّتي فرض توقّف الشروط عليها ـ ، فتحصل سلسلة كبرى تكون سلسلة الشروط الحادثة الّتي كان الفعل موقوفا عليها جزء منها ـ أي : من تلك السلسلة الكبرى ـ.

ثمّ نقول : هذه / ٦٢ DA / السلسلة الكبرى إن كانت غير متناهية ـ على ما هو المفروض ـ إمّا أن تكون آحادها متعاقبة أو مجتمعة ، فيلزم قدم الفعل على تقدير التعاقب وأحد شقّي الاجتماع والتخلّف على الشقّ الآخر للاجتماع ـ كما مرّ بعينه من دون تفاوت ـ.

فان قلت : يمكن أن تكون السلسلة ملتئمة من الشروط المتعاقبة والمجتمعة بأن تكون طائفة منها متعاقبة وطائفة اخرى مجتمعة ، فكيف يكون حكمها حينئذ؟ ؛

قلت : حكمها حينئذ حكم إحداهما ـ أي : المتعاقبة أو المجتمعة ـ ، لأنّ تلك السلسلة الملتئمة إن اثبت افرادها الطوليّة على اجزاء الزمان وإن لم يخلوا جزء من الزمان عن آحادها فهي في حكم المتعاقبة في لزوم القدم ، ولا فرق بينها وبين المتعاقبة إلاّ بأنّ تلك السلسلة الملتئمة بعض اجزائها الطولية مشتمل على الآحاد الغير المتناهية عرضا ، وإلاّ ـ أي : وإن كان بعض اجزاء الزمان خاليا عن افرادها ـ فهي في حكم المجتمعة في لزوم التخلّف.

ثمّ انّ بعض الأفاضل قال : انّ الحكم بلزوم القدم في صورة التعاقب وبلزوم التخلّف في صورة الاجتماع مدافع بما تقدّم من أنّ أثر الموجب بالمعنى المذكور إن كان حادثا يلزم التخلّف البتّه مطلقا من غير تفضيل.

وجوابه : انّ المحال الّذي هو الحدوث على تقدير الايجاب المذكور يجوز أن يستلزم المتعاقبين ، فلا بأس بلزومهما جميعا ؛ هذا.

وقد بقي هنا شيء لا بدّ أن يشار إليه ؛ وهو : انّكم حملتم القدم اللازم على فرض الايجاب المذكور على القدم بالنوع ، ولذلك اوردتم على الاستدلال المذكور ما اوردتم من ضرورة لزوم القدم بهذا المعنى للايجاب المذكور وصيرورة لزوم التخلّف للحدوث

٢٩٢

المقابل له ـ أعني : الحدوث بالنوع ـ ، وكون فرض هذا الحدوث على تقدير الايجاب المذكور من قبيل فرض المتنافيين ، فيمكن حينئذ منع لزوم التوقّف وابطاله مستندا بمحالية ذلك الحدوث ومنع استحالة التخلّف مستندا بلزومه لاجتماع المتنافيين.

وللحمل المذكور أيضا ارتكبتم ما ارتكبتم من تقوية الاستدلال المذكور بلزوم تقدّم الشيء على نفسه من توقّف ذلك الحدوث على شرط وبلزوم قدم ما فرض حدوثه. ولم لا يجوز أن يكون المراد من استلزام الايجاب المذكور للقدم استلزامه لقدم شخص العالم أو قدم جزئه أو قدم جميع اجزائه من الجواهر والاعراض ـ وبالجملة قدم كلّ ممكن ـ حتّى لا يكون لزوم القدم ضروريا بالايجاب المذكور؟! ، لأنّ قدم العالم ليس لازما ضروريا للايجاب بالمعنى المذكور بالشخص ـ أي : كون شخصه قديما ـ وان كان بعض اجزائه ـ فرضية كانت أو غير فرضية ـ حادثة أو بجزئه أو بجميع الاجزاء لامكان أن يكون المراد بامتناع الانفكاك عن العالم امتناع الانفكاك عن فعل ما ، ولا يلزم منه إلاّ القدم بالنوع لا القدم بالشخص أو بالجزء أو بجميع الاجزاء. فلا بدّ في اثبات لزوم القدم بأحد الوجوه المذكورة من الاستدلال المذكور بأن يقال : لو كان الواجب موجبا بالمعنى المذكور لزم قدم العالم بالشخص أو بالجزء أو بجميع الاشخاص ، إذ لو لم يكن قديما بالشخص أو بالجزء أو بجميع الاشخاص وكان حادثا بالشخص أو بجميع الاشخاص أو ببعض الأشخاص لتوقّف على شرط حادث لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التامّ ، وهذا الشرط الحادث يتوقّف على شرط حادث آخر وهكذا ؛ فيلزم التسلسل في الشروط. والحاصل : انّ لزوم القدم أو بالجزء أو بجميع الأجزاء على تقدير الايجاب المذكور ليس ضروريا ، بل لا بدّ من التمسّك بلزوم التسلسل في الشروط. وكذا إذا حمل القدم على القدم بالشخص أو بجميع الأجزاء ولم يرد سائر وجوه الاختلال أيضا وإن لم يتمشّ التقوية بلزوم تقدّم الشيء على نفسه وقدم ما فرض حدوثه أيضا. نعم! ، يتمشّى التقوية / ٦٥ MB / الأخرى ـ أعني : لزوم التخلف عن الموجب التامّ ـ على فرض توقّف الحادث على الشروط المجتمعة ؛ كما لا يخفى.

قلنا : حمل القدم في الاستدلال المذكور على القدم بالشخص أو بالجزء أو بجميع

٢٩٣

الاجزاء وإن لم يرد عليه حديث لزوم ضرورة القدم ولا سائر وجوه الاختلال المتقدّمة ، إلاّ أنّه يرد عليه وجوه آخر من الايراد :

الأوّل : انّ الايجاب بهذا المعنى لا يستلزم قدم الفعل إلاّ إذا كان موجبا تامّا ، والقائلون بالايجاب لا يقولون بكون الفاعل موجبا بذاته بالنسبة إلى كلّ جزء من أجزاء العالم ، فانّه ليس موجبا بذاته بالنسبة إلى الحوادث الزمانية عندهم ، بل جميع الموجودات الزمانية الحادثة عندهم مستندة إليه ـ تعالى ـ بشروط ومعدّات مخصّصة لوجود كلّ منها بزمانه المختصّ به ، فالمراد من الايجاب المقصود هنا امتناع انفكاك ذاته ـ تعالى ـ من ايجاد شيء من العالم لا جميع اجزائه ، إذ لا نزاع فيه لكونه منقضيا بالضرورة والاتفاق ، فمن فرض الايجاب بهذا المعنى لا يلزم إلاّ قدم الفعل المطلوب. وقدم كلّ فرد فرد من الجواهر والأعراض انّما يلزم لو لزم من كون الفاعل موجبا كونه موجبا بالنسبة إلى كلّ فرد من الأفراد ، / ٦٢ DB / ومن أين يلزم ذلك؟!.

قيل : لو حمل الايجاب على الايجاب الطباعي ـ أعني : اقتضاء الفعل من دون علم وإرادة ـ لزم منه قدم جميع اجزائه لعدم الفرق بين تلك الاجزاء في جريان الدليل. وتقريره : انّ أثر الموجب بالايجاب الطباعي إن توقّف على شرط لزم التسلسل ، وإن لم يتوقّف لزم القدم لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التامّ أو الترجيح بلا مرجّح ، فيلزم قدم جميع آثاره أو حدوث الموجب المذكور والموجب القديم بلا شبهة ، فيلزم قدم جميع آثاره.

وأنت تعلم انّ قدم جميع الآثار على فرض الايجاب الطباعي إنّما يلزم إذا كان الفاعل الّذي هو الموجب الطباعي موجبا تامّا بالنسبة إلى جميع أجزاء العالم ، وهو باطل بالضرورة! ؛ إذ الحوادث الزمانية منفكّة عنه ، فيكون استنادها إليه على هذا التقدير أيضا بشروط ومعدّات ، فعلى تقدير هذا الايجاب أيضا لا يلزم جميع اجزاء العالم. على انّ بعض الايرادات الآتية ينفي هذا اللزوم أيضا.

ثمّ أنت تعلم أنّ هذا الايراد انّما ينفي الحمل على قدم جميع الاشخاص لا قدم بعضها.

٢٩٤

الثاني : انّه لم لا يجوز أن يكون الصادر منه ـ تعالى ـ قديما مختارا ويستند إليه سائر الحوادث؟! ، وحينئذ لا يلزم إلاّ قدمه لا قدم جميع الاشخاص. وهذا كسابقه لا ينفي إلاّ حمل العدم على قدم جميع الأشخاص لا قدم بعضها ، بل هو مثبت له.

الثالث : انّه يلزم على هذا الحمل تسليم القدم بالنوع ـ ، وقد ثبت استحالة قدم العالم مطلقا ـ أي : سواء كان بالشخص أو بالجزء أو بالنوع ـ ، فلو سلّم انّ الايجاب يستلزم قدما ولو كان قدما بالنوع ـ وثبت فيما سبق استحالة القدم بأيّ وجه كان ـ ثبت استحالة الايجاب ، فلا حاجة لنا في بيان استحالة الايجاب إلى اثبات استلزامه لقدم العالم بالشخص أو بالجزء.

الرابع : انّه يرد عليه ما تقدّم من أنّ الحادث لا يتوقّف عند المعتزلة على شرط حادث ، بل يكفي عندهم الداعي للترجيح.

الخامس : انّ لزوم قدم جميع الاشخاص على تقدير الايجاب المذكور ممنوع ، لامكان استناد بعضها إلى شرط هو قطعة فرضية من موجود مستمرّ غير متناه ويكون هذا الشرط ذا جهتين ـ كالحركة ـ فيحصل باعتباره الحوادث من الموجب القديم. وبهذا الطريق حاول الحكماء التفصّي عن هذا المضيق وبه صحّحوا ربط الحادث بالقديم.

وملخّص مقالتهم ـ كما أشير إليه سابقا أيضا ـ انّ الحركة لها جهتان :

إحداهما : حيثية ذاتها وهي كون الجسم بحالة يصحّ أن يعرض له في كلّ آن فرد من الأوضاع غير الفرد المفروض له في الآن السابق واللاحق ، ويعبّر من هذا المعنى بالتوسّط بين الأوضاع. وهي بهذا الاعتبار قديمة مستمرّة من الأزل إلى الأبد ؛

والثانية : حيثية النسب الّتي يلزمها ، ولا ريب في انّ النسب الّتي يلزمها في كلّ آن غير النسب الّتي يلزمها في آن آخر ، فهي بهذا الاعتبار حادثة ، لأنّه إذا كانت النسبة المفروضة(١) للجسم المتحرّك بحسب القرب والبعد من النهاية المفروضة في كلّ آن غير المفروضة له في آن آخر لكانت تلك النسب بأسرها حادثة ، فالحركة تكون من هذه الحيثية حادثة. وعلى هذا فالحركة قديمة من حيث الذات حادثة من حيث

__________________

(١) الاصل : المنفرضة.

٢٩٥

العوارض اللازمة لها. فهي من حيث / ٦٦ MA / الذات مستندة إلى القديم ومن حيث اللوازم والعوارض يستند إليها الحوادث باستناد كلّ منها إلى عارض مسبوق بغيره معدّله يمتنع اجتماعه معه ، وهكذا لا إلى ما لا نهاية له. وقالوا : غاية ما يلزم منه تحقّق التسلسل في الأمور المجتمعة ، وهو جائز لعدم اجتماع آحادها ، فلا يجري التطبيق فيها.

وانت خبير بأنّ منع لزوم قدم جميع الاشخاص ـ لاحتمال الاستناد المذكور ـ لا يتصوّر إلاّ على فرض جواز التسلسل على سبيل التعاقب ، وبناء هذا الاستدلال على بطلانه ؛ فلا مجال لهذا الاحتمال. على أنّه قد تقدّم بطلان التسلسل في الأمور المتعاقبة وإن لم تكن مجتمعة. ويكفي في بطلانه امكان اجراء التطبيق العقلي الراجع إلى فرض الانطباق.

وأيضا قد ابطل المتكلّمون الطريق المذكور للفلاسفة في كيفية ربط الحادث بالقديم بوجوه أخر :

منها : انّ تلك العوارض الّتي هي النسب اللاحقة للجسم المتحرّك بسبب الحركة إمّا مستندة إلى الذات والمفروض أنّها قديمة ، فكيف يحصل الربط بين تلك النسب الحادثة والذات القديمة؟! ؛ أو مستندة إلى مباديها وهي أيضا قديمة ؛ أو إلى غيرها وهو أيضا منتف.

وإذا علمت جميع ما ذكر فقد ظهر ووضح عندك انّ الاستدلال بالحدوث على النحو المذكور على اثبات القدرة بالمعنى الأوّل والثاني ـ أعني : صدور الفعل بالعلم والمشية والإرادة وامكان الفعل والترك بالنظر إلى الذات ـ ونفي الايجاب المقابل لهما ـ أعني : صدور الفعل بدون العلم والمشيّة والإرادة كما في الطبائع ووجوب الفعل و/ ٦٣ DA / الترك بالنظر إلى الذات ـ صحيح لا اختلال فيه بوجه. وعلى اثبات القدرة بالمعنى الثالث ـ أعني : امكان الفعل والترك بالنظر إلى الداعي في بعض الأوقات ـ وعلى نفي الايجاب المقابل لها ـ أعني : وجوب الفعل بالنظر إليه في جميع الاوقات ـ غير صحيح وغير محتاج إليه ، لاستلزام الحدوث لنفي هذا الايجاب ضرورة من غير حاجة إلى الاستدلال.

٢٩٦

وقد ثبت وتحقّق ممّا ذكرنا من البراهين ثبوت القدرة بالمعنى الثلاثة للواجب ـ تعالى شأنه ـ ونفي الايجاب المقابل لها عنه ـ سبحانه ـ. وقد ظهر أيضا بطلان القدرة بالمعنى الرابع وعدم ثبوته له ـ تعالى وهو امكان الفعل والترك بالنظر إلى الداعي في جميع الاوقات ولو في آن الحدوث ـ. وهو الّذي تفرّد باثباته الأشعري ؛ بل ظهر ثبوت الايجاب المقابل لها للواجب ـ تعالى ، أعني : وجوب الفعل في بعض الاوقات ، أي : في وقت الحدوث ـ. وهو الإيجاب بالاختيار الّذي اختاره المحقّقون من المعتزلة ـ وربّما يأتي لذلك زيادة بيان ـ.

تتميم

« مراد المحقّق الطوسي من الايجاب »

الحقّ انّ المراد بالايجاب في قول المحقّق الطوسى ـرحمه‌الله ـ في التجريد : « حدوث العالم بعد عدمه ينفي الايجاب(١) » ، هو الايجاب بالمعنى الأوّل لا الثاني ؛ وحينئذ فالاستدلال بالحدوث عليه على المعنى المذكور ـ كما فعله الشارح الجديد ـ(٢) صحيح لا يرد عليه شيء.

ويمكن أن يحمل الايجاب فيه على الايجاب بالمعنى الثالث ، ويكون مراد المحقّق : انّ الحدوث ينفي هذا الايجاب ضرورة ، لأنّه ـرحمه‌الله ـ لم يتعرّض لكيفية الاستدلال عليه ، فالحمل على انّه ينفيه ضرورة لا يأباه كلامه.

ثمّ العجب انّ العلامة الخفري حمل الايجاب على المعنى الثالث واورد على الشارح أوّلا : بأنّ الحدوث مستلزم لنفي هذا الايجاب ضرورة ، فلا حاجة إلى الاستدلال. ثمّ أورد بعض ما تقدّم من وجوه الاختلال على الاستدلال المذكور ؛ وهو خبط وغفلة ـ كما لا يخفى على من له ادنى فطنة ـ.

__________________

(١) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الأولى من الفصل الثاني من المقصد الثالث. وفيها : وجود العالم ؛ كشف المراد ، ص ٢١٧.

(٢) راجع : الشرح الجديد ، ص ٣١٠.

٢٩٧

ثمّ على الاستدلال المذكور لاثبات القدرة بأيّ معنى كان ايراد مشهور ؛ وتقريره : انّ ما ذكرتم في الدليل لا يعطى إلاّ أن يكون المؤثّر في العالم هو القادر ولا يقتضي أن يكون واجب الوجود هو القادر ، لأنّ العالم لحدوثه لو لم يكن مؤثره هو القادر بل كان موجبا لزم التخلّف أو التسلسل ، ولا يجب أن يكون مؤثره هو واجب الوجود. ولم لا يجوز أن يكون الواجب لذاته اقتضى على سبيل الايجاب موجودا قديما قادرا وذلك القادر هو الّذي أوجد العالم بالقدرة والاختيار. ولا يمكن أن يقال : ذلك القادر من العالم الثابت حدوثه فلا يجوز أن يكون قادرا ، لأنّ ما ثبت حدوثه انّما هو الاجسام وعوارضها دون المجرّدات ؛ فيجوز أن يوجد الواجب ـ تعالى ـ بطريق الايجاب جوهرا مجرّدا ليس بجسم وجسمانى ـ كالعقل مثلا ـ يكون قديما قادرا يكون هو الّذي أوجد العالم الجسماني بالقدرة والاختيار!.

واجيب عنه بوجوه :

الاوّل : انّ ( على )(١) القدرة في اثبات حدوث العالم بمعنى ما سوى الله ـ تعالى ـ اجماع المليين والأخبار الكثيرة الّتي منها الحديث المشهور المتلقّى بالقبول عند أهل / ٦٦ MB / الملّة. وقد عرفت فيما تقدّم انّ اثبات الحدوث المثبت به القدرة بها لا يؤدّي إلى الدور وليس لهما معارض عقلي يوجب ردّهما ؛ لمّا عرفت من ان ادلّة القدم كلّها مدخولة.

الثاني : إذا كان المعلول قادرا مختارا أوجب أن يكون العلّة أيضا كذلك ـ لما قالوا بعينه في استلزام عالمية المعلول لعالميّة العلّة ـ. وأيضا لا ريب في أنّ القادر المختار أشرف من الموجب وقد ادّعوا فيه الضرورة ، ولا يجوز أن يكون المعلول أشرف من العلّة بل العلّة اشرف منه من جميع الوجوه ؛ والظاهر انّ ذلك ممّا لا يقبل المنع ونسبته إلى الحكماء مكابرة وقد بنى عليه الحكماء كثيرا من أصولهم ومطالبهم. قال الشيخ الإلهي في المطارحات : وممّا ينبغي أن يعلم انّ جملة القدماء على اعتقاد الأشرف والأكرم في

__________________

(١) لفظة على لم توجد في النسختين ، ونحن اضفناها لمكان احتياج المعنى إليها.

٢٩٨

الأمور السماوية وغيرها ، بشهادة الفطرة ووقوع الأشرف فالأشرف فالأشرف(١) ، ثم قال : وإذا كان الجوهر العقلي أشرف من النفس يجب أن يكون قبلها ، ولما كانت الأثيريات أشرف من العنصريات يجب أن تكون حاصلة قبلها بضرب من القبلية(٢) ؛ انتهى.

وأيضا : القدرة بالمعنى الأوّل انّما هو بمعنى صدور الفعل بالعلم والمشية ، فاذا استلزم عالمية المعلول لعالمية العلّة ثبت القدرة بهذا المعنى. ومع قطع النظر عن ذلك نقول : انّ هذا المعلول الّذي صدر عنه العالم لصدور الأفعال المحكمة المتقنة المشتملة على الحكم والمصالح عنه بحيث لا يتصوّر خلل ونقص في فعل من أفعاله ولا يتعقّل اتقان وانتظام فوق ما صدر وقد ثكل نوافذ الأفهام وثواقب الأوهام عن دقائق صنعه وعجائب / ٦٣ DB / فعله يكون ذاته ـ أي : ذات هذا المعلول ـ أتقن وأحكم ، وتكون دقائق الحكم وغرائب الصنع الّتي تشتمل ذاته عليها أكثر ـ لانطواء ذاته بالحقيقة على جميع الحكم والغرائب الّتي ينطوي عليها العالم ـ. فاذا دلّ اتقان العالم واشتماله على الحكم والمصالح على علم هذا المعلول الّذي هو موجده بالفرض فيكون اتقان هذا المعلول واشتمال نفسه على الحكم والمصالح ادلّ على علم موجده ، لأنّه إذا كانت الحكم والدقائق الآفاقية والأنفسية مع انتشارها وتفرّقها واختصاص كلّ جزء من العالم وفعل من الأفعال بحكم محصورة دالّة على علم هذا المعلول الّذي هو موجدها بالفرض كان ايجاد معلول واحد يكون في ذاته الاقتدار على مثل هذا الايجاد والقوّة والتمكّن على صدور مثل هذا النظام ووضع كلّ شيء في موضعه واعطاء كلّ موجود ما يليق بحاله ادلّ على علم موجده! فكما أنّ وجود الحكمة والمصلحة في كلّ فعل من أفعال العالم يدلّ على انّ ايجاد الموجد هذا الفعل لاشتماله على تلك الحكمة والمصلحة فيكون عالما به وبتلك الحكمة. فكذلك تحقّق الاقتدار المذكور في هذا المعلول وتمكّنه من ايجاد مثل هذا النظام الأصلح يدلّ على أنّ ايجاد الواجب ايّاه إنّما هو لاشتماله على

__________________

(١) راجع : كتاب المشارع والمطارحات ـ المطبوع في مجموعه مصنفات شيخ اشراق ـ ، ص ٤٣٤. وتوجد بين المنقول في كتابنا هذا والمطبوع منه في هذه المجموعة اختلافات يسيرة.

(٢) راجع : نفس المصدر ، ص ٤٣٥.

٢٩٩

مثل هذا الاقتدار والتمكّن ، فيكون عالما به وبالحكم والمصالح المندرجة فيه.

الثالث : انّ ثبوت الاختيار للواسطة يدلّ على امكان اتصاف الموجود به ، إذ البديهة حاكمة بانّه ليس من الحالات الامكانية المختصّة بالممكن الممتنع حصوله للواجب ، فالقول بجواز اتصاف الواسطة به دون الواجب غير معقول. وإذا جاز اتصاف الواجب به يجب حصوله له بالفعل ، لأنّ جميع الصفات الممكنة للواجب ـ تعالى شأنه ـ حاصلة له بالفعل ؛ وقد تقدّم هذا الدليل في أوائل هذا الفصل بوجه السبط. والحقّ انّه تام لا يرد عليه شيء ؛ ونسبته إلى الحطام لامكان اختصاص هذه الصفة ـ أعني : الاختيار ـ بالممكن مكابرة وهفوة صادرة عن غير تثبّت!.

الرابع : انّ القادر المختار يكون مبدأ لاختلاف الآثار والأفعال ، وما هذا شأنه لا يجوز أن يصدر عن الموجب. فلو كان الواجب بذاته موجبا بالذات لما صدر عنه مختار ، لأنّ المختار من شأنه وفي طبعه التغير والاختلاف إمّا بتغير الإرادة والقصد أو التأثير بنفسها أو بتعلّقها ، وإمّا بقوّة تأثيره في كلّ من النقيضين والضدين ، إذ التأثير في أحدهما غير التأثير في الآخر. وطبيعة الموجب منافية لأمثال هذه ، بل مقتضية للثبات والتأثير على نهج واحد. ولذا ذهب الحكماء إلى أنّ الموجب لا يصدر عنه ماله الاختيار إلاّ إذا كان اختياره على وتيرة واحدة غير منقطعة كما اثبتوا النفوس المتحرّكة للأفلاك. على أنّ بعضهم انكر هذا أيضا. وعلى هذا يكون وجود متغيّر ما في العالم كافيا لاثبات قدرة الواجب ـ تعالى ـ ، ولا يحتاج نفي ايجابه إلى تجشّم اثبات حدوث العالم.

وهذا الدليل وإن لم يكن برهانيا إلاّ انّه لا يخلوا عن افادة ظنّ قويّ بالمطلوب. ويؤيّده / ٦٧ MA / انّ المناسبة بين العلّة والمعلول لازمة وانّ المعلول يجب ان يكون من سنخ العلّة ، فان كانت العلّة موجبة يجب أن يكون المعلول كذلك ؛ وإن كانت مختارة وجب أن تكون كذلك.

الخامس : انّ العقل مثلا لو كان واسطة بين الواجب والجسمانيات(١) مؤثرا فيها

__________________

(١) الاصل : الجسماني.

٣٠٠