جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ١

جامع الافكار وناقد الانظار0%

جامع الافكار وناقد الانظار مؤلف:
المحقق: مجيد هاديزاده
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: 482

جامع الافكار وناقد الانظار

مؤلف: محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]
المحقق: مجيد هاديزاده
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
تصنيف:

ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: 482
المشاهدات: 33887
تحميل: 4343


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33887 / تحميل: 4343
الحجم الحجم الحجم
جامع الافكار وناقد الانظار

جامع الافكار وناقد الانظار الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
ISBN: 964-5616-70-7
العربية

لأنّه لم يتعلّق به العلم بالأصلح حتّى يلزم وجوده في الازل. والحاصل : انّ الاصلح بحال المعلول انّما هو الوجود الحدوثي فقط ـ نظرا إلى تعلّق العلم بالاصلح به ـ دون الوجود الازلي لعدم تعلّق العلم بالاصلح به ، فلمّا تعلّق العلم بالاصلح بنفس ايجاده فوجوب وجوده حينئذ لهذا السبب ـ أي : لكون أصلحية ايجاده ـ ، لا لوجوبه بالنظر إلى ذات الفاعل. فالوجوب إنّما نشأ من جانب المعلول ، فلا ينافي ثبوت القدرة بالمعنى الثانى ، ولا يلزم منه الايجاب المقابل لها. ولمّا تعلق ـ أي : العلم بالأصلح ـ بايجاده في وقت خاصّ ـ أي : كان الايجاد في الوقت الّذي وجد أصلح بحاله كما تعلّق العلم ـ حصل الانفكاك وانتفى الايجاب بالمعنى الثالث ، وإن تحقّق الايجاب بمعنى استحالة انفكاك الحادث على النحو الواقع عن الإرادة الّتي هي غير زائدة على الذات والعلم بالاصلح. وهذا الايجاب قد قال به أهل التحقيق من المعتزلة وغيرهم ـ كما مرّ ـ. وإلى ما ذكرناه من الجواب أشار بعض الأفاضل حيث قال : التحقيق انّ التخلّف المحال هو التخلّف عن مقتضى العلّة ، واللازم ممّا ذهب إليه أهل الاختيار من تحقّق العلّة التامّة في الأزل بدون معلوله هو التخلّف عن ذات العلّة ، واستحالته ممنوعة ، والدليل انّما يفيد الأوّل دون الثاني ـ كما لا يخفى ـ.

وأنت تعلم انّ هذا الجواب وإن ارتفع به الايجاب بالمعنيين المذكورين إلاّ أنّه لمّا ظهر منه انّ الوجوب انّما نشأ من الأصلحية بحال المعلول فينافي الداعي وملاحظة الأصلح والأحسن في فعل الباري ، وهو مستلزم لثبوت الغرض / ٧٦ MB / في فعله. ـ

فثبوت القدرة بالمعنى الثاني مع وجوب الفعل لا ينفكّ عن جريان الغرض في فعله ـ تعالى ، كما مرّ ذلك مفصّلا ـ. وقد أشرنا إلى أنّ دعوى الأكثر اجماع الحكماء على ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب ـ تعالى ـ مع اتفاقهم على نفي الغرض عن فعله ـ تعالى ـ لا يخلوا عن مسامحة. وقد تقدّم أيضا انّ القول بامكان الصدور واللاصدور ينافي ما استقرّ عليه آراء الفلاسفة بانّه ليس في الواجب جهة امكانية. قال بعض الأعلام ممّن صحّ عنده أكثر قواعد الحكمة : انّ للقدرة تعريفين مشهورين أحدهما صحّة الفعل ومقابله ـ أعني : الترك ـ ، وثانيهما : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل. و

٣٤١

التفسير الأوّل للمتكلّمين والثاني للفلاسفة. ومن أفاضل المتأخّرين من ذهب إلى المعنيين متلازمين بحسب المفهوم. والتحقيق انّ من أثبت المعنى الثاني يلزمه اثبات المعنى الأوّل ، وذلك لأنّ الفاعل إذا كان بحسب نفس ذاته بحيث إن شاء فعل وان يشاء لم يفعل كان لا محالة من حيث ذاته مع عزل النظر عن المشية واللامشية يصحّ منه الفعل والترك وان كان يجب منه الفعل وجب المشية والترك إذا وجب اللامشية ، ودوام الفعل ووجوبه من تلقاء دوام المشيّة ووجوبها لا ينافى صحّة الترك على تقدير اللامشية ، وكذلك قياس مقابله في الاعتبارين.

اقول : فيما ذكره خلط وخبط ، فانّ الصحّة والجواز في الفعل ومقابله مرجعها الامكان الذاتي وقد استحال عند الحكماء أن يتحقّق في واجب الوجود ؛ ولا منه جهة امكانية ، لأنّ هناك وجودا بلا عدم ووجوبا بلا امكان وفعلية بلا قوّة ، انّما يجوز هذه التناقض عند من يجعل صفاته زائدة على ذاته ـ كالأشاعرة ـ ، أو يجعل الداعي على صنعه وايجاده أمرا مبائنا ، فيكون ذاته بذاته مع قطع النظر عن الزوائد ـ صنعة كانت أو داعيا ـ كان جائز المشية واللامشية صحيح الفاعلية واللافاعلية. وأمّا عند من وحّده وقدّسه عن شوائب الكثرة والامكان فالمشية المتعلّقة بالجود والافاضة عين ذاته بذاته بلا تغاير بين الذات والمشية لا في الواقع ولا في الذهن ، فالذات هي المشية والمشية هي الذات بلا اختلاف حيثية تقييدية أو تعليلية. فصدق القضية الشرطية القائلة : إن شاء فعل ، لا ينافي وجوب المقدّم وضرورة العقد الحملى له ضرورة ارادته دائمة(١) . وكذا الشرطية القائلة : إن لم يشاء لم يفعل ، لا ينافي استحالة القدم استحالة ذاتية وضرورة تقتضيه ضرورة ازلية نعلم انّ التفسير الثاني صادق عند الحكماء دون التفسير الأوّل ولا يمكن التلازم بين التفسيرين إلاّ في القادر الّذي تكون ارادته زائدة على ذاته. وأمّا الواجب ـ جلّ اسمه ـ فلكونه في ذاته تامّا فوق التمام قيّد أنّه البسيط الحقّة يفعل بالفعل لا بمشية زائدة ولا بهمّة عارضة لازمة أو مفارقة ، فهو بمشيته وعلمه وحكمته الّتي هي عين ذاته يفيض الخير ويجود النظام ويصنع الحكمة ؛ وهذا أتمّ انحاء

__________________

(١) كذا في النسختين.

٣٤٢

القدرة وأفضل ضروب الصنع والافاضة!. وليس يلزم من ذلك جبر في فعل النار في احراقها وحال الماء في تبريده وفعل الشمس في إضاءتها حيث لا يكون لمصدر هذه الأفاعيل شعور ولا مشية ولا استقلال من فواعلها ، لأنّها مسخّرات بأمره ـ تعالى ـ وكذلك قال المختار غير الله في افعالهم فان كلا منهم في ارادته مقهور مجبور ، وأنّ أوّل الداعي والمرجّحات يضطرّ في الارادات الجسمية عن الاعراض مشكل لها ؛ انتهى(١)

وما ذكره هذا الفاضل موافق لقواعد الفلاسفة ، إلاّ أنّ الحقّ انّ ملاحظة الأصلح والأحسن وتعلّق العلم بهما والايجاد على ما يقتضيه ممّا لا ريب فيه. ولكن مذهب محقّقي المعتزلة ـ كالمحقّق الطوسي وغيره ـ انّ ملحوظ الفاعل المختار في الايجاد وحال المعلولات ؛ ولذا قالوا انّها حادثة ، لأنّ الأصلح بحال المخلوقات الحدوث. ومذهب الحكماء انّ ملحوظ الفاعل المختار في الايجاد حال الايجاد ، وقالوا : اتمّ انحاء التأثير والايجاد واكملها هو الدوام ، فالفريقان متفقان على كون الوجه الأكمل الأحسن ملحوظا للفاعل. وبالجملة ما يقتضيه الحقّ انّ الواجب ـ تعالى ـ مع كونه قادرا مختارا بمعنى امكان صدور الفعل / ٧٣ DB / والترك عنه بالنظر إلى ذاته تعقّل النظام الأكمل بذاته / ٧٧ MA / لكون ذاته علّة بذاته لهذا التعقّل. والأكملية صارت منشئا لوجوب الصدور ، لأنّ المستعدّ للصدور هو الأكمل دون غيره وإن لم يكن في الذات اقتضاء خصوصية ذلك الفعل.

قال بعض المشاهير : إن قلت : إذا كان فاعلية الفاعل لفعله وعلمه بذلك نفس ذات الفاعل لا يمكن صدور مقابل ذلك الفعل عنه ، فلم يكن قادرا على هذا الفعل ، إذ قد اعتبر في القدرة أن يكون تعلّقها بالطرفين سواء ؛

قلت : الملازمة ممنوعة ، فانّ صدور ذلك الفعل عنه بواسطة انّه يستعدّ لصدوره عنه ، دون مقابله ، لأنّه اكمل من مقابله ؛ لا بواسطة انّ ذات الفاعل يستدعي خصوصية ذلك الفعل حتّى لو كان مقابله أكمل منه لصدر عنه ويكون فاعليته وعلمه بذلك نفس ذاته.

__________________

(١) كذا هذه السطور في النسختين.

٣٤٣

ثمّ لا يخفى انّ الموجب لوجود العالم في الوقت الّذي وجد ليس مجرّد العلم بأصلحية هذا الوقت وكون النظام حينئذ أكمل واعلى ممّا إذا وجد في غيره ، لمّا تقدّم من أنّه يلزم حينئذ أن يكون للوقت مدخلية في الأصلحية والأكملية ، فيتوقّف الايجاد حينئذ على حضور ذلك الوقت وننقل الكلام إليه ونطالب عليه تخصيص حضوره ، وحينئذ فيتوقّف على التزام وقت آخر وهكذا ، فيلزم التسلسل. فمن قال بالزمان الموهوم والتزم التسلسل على التعاقب مطلقا أو فيه لعدم وجوده يمكن له أن يجعل الموجب لحدوث العالم في الوقت الّذي وجد هذا الوقت وتعلّل حضوره وحدوثه في الوقت الّذي حدث بما تقدّم عليه من الجزء الوهمي للزمان ، لتوقّف حدوثه على مقتضى هذا الجزء ، وتعلّله بما تقدّمه من جزء آخر وهكذا إلى غير النهاية. وأمّا من لم يقل بالزمان الموهوم فليس له أن يقول بكون آن الايجاد موجبا ومنشئا للأصلحية ، بل الموجب عندهم هو عدم وقت قبل وقت الحدوث مع علمه ـ تعالى ـ بأصلحية الحدوث في الوقت الّذي لا وقت قبله ـ كما مرّ ـ.

فان قيل : ما الباعث لعدم الوقت قبل وقت الحدوث مع انّه يمكن أن يكون الوقت قبل ذلك ، وكونه ازليا ؛

قلت : الباعث لذلك اقتضاء الوقت في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته ذلك. ويمكن أن يعلّل تخصيص الايجاد بالوقت التقديري الّذي وجد العالم فيه بذات العالم وحقيقته ومرتبة وجوده من غير تمسّك بالوقت مطلقا ، لأنّ الوقت متأخّر ذاتا عن وجود العالم ، لأنّ تحقّق الوقت انّما هو بحدوث العالم الجسماني وحصول الحركة الدورية ، فقبل ذلك لا يكون وقت. فاختصاص حضور الوقت والزمان في آن حضورهما لتوقفهما على حدوث العالم الجسماني ، فالتخصيص فيهما معلّل به ، فانّ وجه تخصيص حدوث العالم الجسماني بالوقت التقديري الّذي حدث فيه ـ أعني : الدهر والواقع ـ عدم قبوله الوجود الأزلي واقتضاء عدم ذاته ومرتبته للحدوث في الوقت الّذي حدث. والحاصل على ما اخترناه من الحدوث الدهري وتفسير الدهر بمرتبة الشيء وحدّه في ذاته وكون الشيء موجودا في الدهر بكونه موجودا في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته أن يقال : لكلّ

٣٤٤

شيء من الأشياء حدّ ومرتبة ليس في حد(١) ذاته وحقيقته أن يتجاوزه ، فالموجودات الغير الزمانية من العقول والزمان حدّ مراتبها أن يكون موجودة لا في زمان ومبدعة في غير امتداد على ما وجد ـ أي : كونها موجودة في الخارج ـ من دون أن يكون في طرف ممتدّ ، كما أنّ الواجب يقتضي في حدّ ذاته وحاقّ مرتبته أن يكون ازليا. والوقت مرتبته وحدّ ذاته أن يوجد كما وجد ولم يكن في منّته التجاوز عنه ، ولا يعلّل حضوره فيما حضر بشيء سوى حدّ ذاته ومرتبته في الواقع. والموجودات الزمانيّة مراتبها وحدود ذواتها وحواقّ حقائقها أن يوجد كلّ منها في الوقت الّذي وجد. وكما أنّ للزمان والوقت مدخلية ومناسبة لبعض الموجودات فكذا للدهر والسرمد ـ أي : مجرّد الواقع ومحض نفس الأمر ـ من دون امتداد وتصرّم فيه مدخلية ومناسبة لبعض آخر منها ، فان كلاّ منها حدود ومراتب للموجودات الواقعة فيه ؛ ولا فرق إلاّ في أنّ الزمان وعاء ممتدّ متصرّم وطرف للمتغيرات ، ولذا تعقّلها سهل لمن ألف بالزمان. والسرمد والدهر وعاءان للثابتات ، ولا تغيّر ولا تصرّم فيها ، ولذا تعقّلها متعسّر على المتغيرات ومن الف بالزمان. فظهر انّه / ٧٤ DA / لا مانع من الزام انّ للوقت مدخلية في الأصلحية. وإلاّ يلزم التسلسل ، لأنّ حدوث الوقت وحضوره في الوقت حضروا علة اختصاصة به انّما هو لمدخلية الواقع / ٧٧ MB / الّذي حدث فيه لحدوثه فيه ، واقتضاء ذات الوقت أيضا أن يقع فيه وكون ذلك أصلح وأحسن. وبالجملة علّة اختصاص وجود كلّ شيء في ظرفه ووعائه انّما هو لأجل هذا الظرف ومناسبة كلّ من الظرف والمظروف للآخر ومدخلية كلّ منهما لاصلحية وقوع هذا المظروف في هذا الظرف ، فكلّ وقت وزمان مناسب لأن يقع فيه ما يقع فيه من الموجودات الزمانية ، والدهر مناسب لوقوع ما يقع فيه من العقول والعالم الجسمانى والزمان. فكما أنّ الزمان والوقت من مراتب وجود الزمانيات وحدود ذواتها ووقوعها فيه من مقتضى ذاتهما فكذلك الدهر من مراتب وجود المبدعات من العقول ونفس الزمان وحدودها ، فوقوعها فيه من مقتضى ذات كلّ من الحدّ والمحدود ولازم حقيقة

__________________

(١) الاصل : ـ حدّ.

٣٤٥

كلّ من المرتبة وذي المرتبة.

وعلى هذا فتحرير الجواب عن الشبهة المذكورة أن يقال : انّ الوجود الأزلي للعالم ممتنع ، فكون الواجب وجميع صفاته الكمالية قديما لا يكفي في ايجاده ، لأنّ الممتنع لا يصير متعلّق الايجاد.

وأورد عليه : بأنّ الوجود الأزلي للممكن إذا كان ممتنعا لذاته فذاته لا بدّ أن يقتضي العدم ، فان اقتضى العدم المطلق فيجب أن يكون معدوما دائما ـ وإلاّ يلزم الانقلاب ـ ، وان افيض العدم في وقت فآل الأمر إلى مدخلية الوقت ، فلا بدّ من القول بعدم الزمان. وحينئذ فلا حاجة إلى التمسّك بكون الوجود الأزلي للممكن ممتنعا لذاته.

فان قلت : لعلّه اقتضى العدم قبل الوجود لا العدم في وقت خاصّ حتّى يلزم ما ذكرت ؛

قلت : فلا بدّ أن يثبت له دائما العدم قبل الوجود وانّه محال. وبالجملة الممكن إن اقتضى العدم بذاته من غير مدخلية شيء اصلا يجب أن يكون معدوما دائما بالعدم الّذي هو مقتضاه ، وإن كان عدما مطلقا فعدما مطلقا وإن كان عدما في وقت خاصّ فعدما في وقت خاصّ ـ أي : يجب أن يكون معدوما دائما في ذلك الوقت ـ وانّه محال. وكذا إن كان المقتضي العدم قبل الوجود أو تقييد آخر مثله وان اقتضى العدم بمدخلية شيء أو من وقت أو غيره. فاذا لم يكن ذلك الوقت مثلا لم يقتض العدم واستعدّ لايجاد الفاعل ايّاه ، فننقل الكلام إلى ذلك الأمر الآخر ويبقي الاشكال بحاله ، فان تمسّك بتقدّم الزمان الموهوم فهو ـ على تقدير صحّته! ـ يكفي في دفع الاشكال ، ولا حاجة إلى ما ذكر ؛ انتهى.

والجواب : اختيار انّه يقتضي العدم قبل وقت الحدوث ولا يقتضيه بعده ، وما ذكره من أنّه يلزم حينئذ مدخلية الوقت فنقول : ممنوع ، ولا يلزم قدم الزمان. لأنّ ذلك إذا توقّف حضور هذا الوقت على وقت آخر ، وهو ممنوع ؛ لأنّ اختصاص الوقت بحين حضوره وعدم امكان وجوده قبل ذلك انّما هو لذات الوقت واقتضاء ذاته لوقوعه

٣٤٦

في الواقع الّذي هو مرتبة وجوده وحدّ إنّيّته إذ ممتنع مدخلية الوقت وتعلّل اقتضاء العدم قبل الحدوث بذات العالم الجسماني ؛ ونقول : وجود الوقت فيما وجد معلّل بوجود العالم الجسمانى ووجود العالم الجسماني في الوقت التقديري ـ أي : الواقع الّذي وقع فيه ـ معلّل بذاته وبمناسبة ذاته للواقع الّذي هو حدّ وجوده ومرتبته ـ أي : الواقع الّذي وقع فيه ـ. وعلى ما ذكر يمكن أن يعلّل اختصاص الحدوث بوقته بمجرّد العلم بالأصلح ـ كما ذكرناه أوّلا ـ.

ويجاب عن ايراد لزوم التسلسل بأحد الوجهين المذكورين. فاذا علّل اختصاص حدوث العالم بوقته بالعلم بالأصلح فاذا قيل : ترجيح الوقت الخاصّ باعتبار العلم بالاصلح لا يعقل إلاّ إذا كان لذلك الوقت مدخلية في الأصلحية ، فيتوقّف على حضور ذلك الوقت وننقل الكلام إليه ، فيلزم التسلسل.

وإمّا أن يجاب عنه : بتسليم مدخلية الوقت في الأصلحية وبأن رجّح حضوره في الوقت التقديري الّذي حضر هو ذات الوقت وحقيقته وحدّ وجوده ومرتبته ـ كما مرّ ـ.

أو يجاب عنه : بأنّا لا نعلّل تخصيص الايجاب بوقت حتّى يلزم التسلسل ، بل نعلّله بذات العالم وحقيقته وحدّ ذاته ومرتبة وجوده ، فانّ ذات العالم يقتضي وقوعه في مرتبته الّتي هي الواقع الّذي وقع فيه ، ثمّ بعد وقوعه يحصل الوقت والزمان.

ثمّ على الوجه الأوّل يكون المراد بوجوب صدور العالم في وقت / ٧٤ DB / الحدوث وجوبا بالغير ، وبامتناع صدوره في غير ذلك الوقت امتناعا بالغير. لأنّ الوجوب والامتناع انّما هو لأجل العلم بكون بعض الاوقات أصلح ، ولذات الوقت لا لأجل / ٧٨ MA / العالم ذاته ؛ إلاّ أن يقال : الوقت أيضا من جملة العالم. وعلى الوجه الثاني إن علّل عدم الوقت قبل وقت الحدوث بتوقّفه على وجود العالم وعلّل وجود العالم بالوقت الّذي وجد بحقيقة العالم وذاته فيكون وجوب الصدور في وقته حينئذ وجوبا بالذات وامتناعه في غير ذلك الوقت امتناعا بالذات.

وقال بعض الأفاضل ما حاصله : انّ علّة انفكاك الإرادة عن المراد وتخصيصه

٣٤٧

بقدر من الزمان عند بعضهم كون بعض الأوقات أصلح للصدور ، وعند بعض آخر امتناع الصدور في غير ذلك الوقت ، ولا خفاء في أنّ كون بعض الأوقات أصلح للصدور غير راجع إلى امتناعه في غير ذلك الوقت إن لم يحكم بوجوب الأصلح. وعلى هذا فمؤدّى العبارتين مختلف ، إذ هؤلاء يقولون بصدوره في ذلك الوقت على سبيل الأولوية وهؤلاء على سبيل الوجوب. وأمّا إن حكم بوجوبه ـ بناء على أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، كما هو مختار جماعة ـ فمؤدّى هاتين العبارتين واحد بناء على أنّ المراد بالامتناع الامتناع بالغير ، إذ وجود العالم في الأزل غير ممتنع بالذات. وكذا ايجاد الفاعل فيه من حيث هو فاعل ، وإلاّ لم يكن الحدوث دليل القدرة ولمّا احتاج إلى الإرادة المخصصة. وإذا كان المراد بامتناع الصدور في غير ذلك الوقت امتناعا بالغير ، لزم منه وجوب الصدور في ذلك الوقت وجوبا بالغير ، لأنّ من قال بامتناع الصدور في غير ذلك الوقت قال بوجوب الصدور في ذلك الوقت ولم يقل بالأولوية ، إن امتناعا غيريا فوجوبا غيريا وإن ذاتيا فذاتيا ، وإذا لزم منه الوجوب بالغير في ذلك الوقت. ولا ريب أنّ القول بكون بعض الاوقات أصلح للصدور أيضا مستلزم للوجوب بالغير ، فانّ الوجوب بسبب العلم بالأصلح وجوب بالغير قطعا ، فيكون مؤدّى العبارتين واحدا ؛ انتهى.

وهذا القائل ـ كما ترى كلامه ـ قد حكم بأنّ الامتناع في غير وقت الحدوث امتناع بالغير مطلقا.

وممّا قدّمناه يظهر ما فيه من الاجمال.

وبعضهم حكم بأنّه امتناع بالذات ، حيث قال : الظاهر انّ مراد من حكم بامتناع الصدور قبل وقت الحدوث ليس امتناعا بالغير ، بل مراده الامتناع بالذات ـ أي : لذات الوقت ـ كما أشار إليه المحقّق الطوسي وقال : فرقة اعترفوا بتخصيص آن أوّل الايجاد بالحدوث لوجود علّة لذلك التخصيص غير الفاعل ، ويجعلون علّة التخصيص مصلحة تعود إلى العالم ؛ وفرقة قالوا بتخصيصه لذات الوقت على سبيل الوجوب و

٣٤٨

جعلوا حدوث العالم في غير ذلك الوقت ممتنعا(١) . وحاصل كلامه ـرحمه‌الله ـ : انّ بعضهم تمسّكوا بكون بعض الأوقات أصلح للصدور ، وحينئذ فمن يكتفي في وجود الشيء بالأولوية يقول بصدوره بها ، ومن يوجب الوجوب يقول به. وبعضهم يقولون انّ صدور الفعل في غير ذلك الوقت ممتنع لذات الوقت ، إذ لا وقت قبل ذلك الوقت.

وحينئذ لا مجال لتوهّم رجوع العبارتين إلى شيء واحد ، لأنّه بناء على كون بعض الأوقات أصلح إذا اكتفى بالأولوية فالفرق بين العبارتين ظاهر. وإن لم يكتف بها واشترط الوجوب فيكون الامتناع في أحد العبارتين امتناعا بالغير وفي الأخرى امتناعا بالذات ـ أي : لذات الوقت ـ ؛ انتهى حاصل كلامه. وبما ذكرنا يظهر ما في هذا الكلام أيضا من الاجمال.

فان قلت : إذا كان الوجود الأزلى للعالم ممتنعا فلا تكون العلّة التامة لوجود العالم متحقّقة في الأزل ، فلا يكون الواجب لذاته في الأزل علّة تامّة للعالم! ؛

قلنا : الامكان من مراتب المعلول ومأخوذ من جانبه لا من جانب العلّة ـ كما هو المقرّر المعلوم ـ ، فاذا لم يكن امكان الوجود الأزلي للعالم متحقّقا في الأزل كان النقص في جانب المعلول وإن كان الواجب علّة تامّة له.

فان قلت : فيصدق حينئذ لزوم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة مع أنّ مقتضى البراهين وجوب معية المعلول مع العلّة التامّة وعدم جواز التخلّف عنها ؛

قلنا : مقتضى البراهين وجوب تحقّق المعيّة الّتي لا يأبى عنها ذات المعلول بينهما ، وأمّا المعية الّتي تأبى عنها ذات المعلول فنمنع تحقّقها. كما انّ المعلول يمتنع أن يكون في مرتبة ذات العلّة التامّة في الخارج ـ وهو ظاهر ـ ، وفي الذهن ـ كما انّا نعقل العلّة التامّة وليس في تلك المرتبة ذات / ٧٥ DA / المعلول ـ ، فيلزم التخلّف. ولا فرق في التخلّف بين الوجود الخارجي والوجود الذهني أصلا. والقول / ٧٨ MB / بأنّه كلّما تعقّل العلّة التامّة يكون المعلول أيضا موجودا في تلك المرتبة خلاف الوجدان ، فانّ ماهية الأربعة علّة تامّة للزوجية مع أنّه

__________________

(١) راجع : شرح الاشارات والتنبيهات ، المطبوع مع المحاكمات ، ج ٣ ، ص ١٣١ ؛ شرحي الاشارات ، ج ١ ص ٢٣٨. وانظر أيضا : تلخيص المحصّل ، ص ٢٠٦.

٣٤٩

يمكن لنا أن نتصوّر ماهية الأربعة دون الزوجية ، لأنّ الزوجية ليست في تلك المرتبة ، لأنّ الماهية من حيث هي ليست إلاّ هي ، والزوجية تكون في مرتبة أخرى ؛ هذا.

وعلى القول بأنّ علّة التخصيص هو العلم بالأصلح نقول في الجواب عن لزوم التخلّف عن العلة التامّة : بأنّا لا نسلّم انّ انفكاك العلّة التامّة عن المعلول محال مطلقا ، بل إذا استلزم الترجيح من غير مرجّح ؛ ولمّا كان اختصاص وجود العالم بآن حدوثه مستندا إلى الإرادة الّتي هي عين الذات وعين العلم بالأصلح ، فالذات بملاحظة ما به يرجع الفعل اقتضت هذا الاختصاص ، فوجوب وجود العالم في الوقت المخصوص لا يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، فلا يرد التخلّف المحال.

ثمّ الحقّ انّ محالية تخلّف العلّة عن المعلول قد يكون من حيث انّه مستلزم للترجّح بلا مرجّح ، وقد يكون من حيث انّه مستلزم للترجيح بلا مرجّح وإن استلزم الثاني الأوّل أيضا. فما قيل : انّ محالية تخلّف العلّة التامّة عن المعلول ليست من حيث انّه مستلزم للترجّح بلا مرجّح بل للترجيح بلا مرجّح ـ ولذلك ترى الأشاعرة لا يجوّزون ذلك مع تجويزهم الترجيح بلا مرجّح ـ لا يخفى ما فيه ؛ هذا.

وقيل : انّ المحالية الّتي ليست بالذات بل من حيث استلزامه للترجيح بلا مرجّح انّما هو محالية تخلّف العلّة التامّة عن المعلول ، لا محالية تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، إذ الظاهر انّ تخلّف المعلول عن العلّة التامّة محال لذاته مناقض لتمامية العلّية وعليته ؛ انتهى.

وفيه : انّه لا فرق بين تخلّف المعلول عن العلّة التامّة وتخلّف العلّة التّامة عن المعلول ، فانّه ليس شيء منهما محالا ذاتيا ، بل المحالية للاستلزام المذكور. نعم! قد يطلق العلّة التامّة على ما يترتّب عليه المعلول بالفعل ، وحينئذ فتخلّف المعلول عنه محال لذاته ، لكن لا فرق حينئذ أيضا بين تخلّف المعلول عن العلّة التامّة وتخلّف العلّة التامّة عن المعلول إلاّ بالعبارة ؛ هذا.

وأورد على الجواب الّذي ذكرناه أخيرا عن لزوم تخلّف العلّة عن المعلول : بأنّ تخلّف العلّة التامّة عن المعلول مستلزم للترجيح بلا مرجّح البتّة ، وحديث العلم

٣٥٠

بالأصلحية لا يدلّ على جوازه ، بل إنّما يقتضي أنّ العلّة ليست بتامّة بدون الوقت وبعد تحقّق الوقت لا يتخلّف ، فلم يلزم تخلّف العلّة التامّة عن المعلول لا أنّه لزم التخلّف المذكور على وجه غير مستحيل ؛ وقد تقدّم ما يكون جوابا عن ذلك. على أنّه لو سلّم ذلك لم يضرّنا ، لثبوت المطلوب به.

والحقّ الحقيق بالتصديق انّ مجرّد الانفكاك بين العلّة والمعلول ليس مستحيلا ، كيف ولو كان كذلك لزم هذا الايراد أيضا ـ أعني : لزوم تخلّف العلة عن المعلول ـ على الحكماء أيضا! ، لأنّه لا ريب في أنّ الوجود حوادث زمانية وعلل الوجود قديمة ازلية ،

فعلى الحكم بوجوب تحقّق المعلول مع وجود علّته كيف يكون الحادث معلولا للقديم؟!. والشروط المتعاقبة المعدّة لا ينفع في رفع التخلّف ، إذ المعدّات كالوجودات كلّها ممكنات محتاجة إلى علل تامّة متحقّقة معها ، كما انّ المجتمعة مع محاليتها اتفاقا لا يرفعه ، بل في صورة التعاقب يلزم تخلّفات زمانية غير متناهية بالعدد وفي صورة الاجتماع يلزم تخلّف غير متناه بالزمان. وجواب الحكماء عن ذلك إنّما هو بالتمسّك بقطعة فرضية عديمة البداية من متّصل تدريجي الوجود غير قارّ الذات اتمام تحقّقها بانقضائها هي شرط وجود الحادث ومتمّم استعداده ، فتكون لا محالة متقدّمة على وجود المشروط بحيث يكون آن انقضائها وعدمها آن أوّل وجوده. ولا ريب انّه على هذا الجواب أيضا يلزم أن لا تكون العلّة التامّة مع المعلول بالزمان ، بل تكون متقدّمة عليه ، لكن الحكماء يلتزمونه ويقولون : ذلك غير مستحيل ، بل من لوازم ماهية الشرط والمشروط. وغير خفىّ انّ الحكيم إذا قال هذا التخلّف ليس مستحيلا ـ لما ذكر ـ فللمتكلّم أن يقول : التخلّف لأجل العلم بالأصلح أو لذات الوقت أيضا ليس مستحيلا.

على أنّك قد عرفت فيما سبق ما يرد على المتشبّث بالقطعة العرضية وتصحيح ربط الحادث بالقديم ؛ هذا.

مع أنّ ذلك التخلّف إنّما يرد على المتكلّم القائل بأنّ البارى ـ تعالى ـ موجود قبل وجود العالم في زمان موهوم عديم البداية لا يكون فيه شيء من الممكنات أو معه. وأمّا من قال بتعاليه عن الزمان واختصاصه بالجسمانيات وعدم معقوليته قبلها ـ كما

٣٥١

عليه المحقّقون منهم ـ فكلام / ٧٥ DB / مبهم.

ولقائل أن يستفسر ويقول : لم خصّص الله ـ تعالى ـ وجود العالم بوقت كذا ولم يوجده في زمان أكثر من هذا ، مع أن نسبة ذاته وصفاته الحقيقية إلى جميع الأقدار للزمان / ٧٩ MA / على السواء؟! ؛

فيجاب عنه : بأنّ علمه بمصالح الموجودات أو ذات الوقت مرجّح بل موجب لايجاده. هكذا كما يستفسر الحكيم ويقال : لم صارت. الافلاك وحركاتها مخصّصة بتلك الأقدار والمناطق والجهات؟! ؛

فنقول : تلك من مقتضيات نظام الخير أو مقتضيات الصور النوعية للأفلاك.

قال بعض المشاهير : إن قيل : انفكاك العلّة التامّة عن المعلول ـ أي : تقدّمها عليه بالزمان ـ ممكن ، ولزم للحكماء القول بامكانه ، فانّ الحادث في آن الحدوث له علّة تامّة بلا شبهة ، ولا نزاع لأحد في وجوب أن يتقدّم تلك العلّة عليه بالزمان ، إذ لو كانت معه بالزمان لكانت تلك العلّة أيضا حادثة ، لأنّ العلّة التامّة الّتي تكون مع الحادث بالزمان يجب أن تكون حادثة ولو بجزء واحد. فاذا كانت تلك العلّة حادثة لكانت لها علّة أيضا ، فننقل الكلام إلى علّة تلك العلّة ، فلا يخلوا إمّا أن تكون مع معلولها بالزمان أو تكون متقدّمة عليه ، فعلى الثاني يلزم التخلّف ، وعلى الأوّل تكون تلك العلّة حادثة أيضا فتكون لها علة أيضا. وننقل الكلام إلى تلك العلّة وهكذا ؛ فيلزم الانتهاء إلى علّة تامّة متقدّمة على المعلول بالزمان ؛ وإلاّ لزم ترتّب العلل الغير المتناهية. فان كانت جميع تلك العلل وجودات لزم ترتّب العلل الغير المتناهية مجتمعة ـ وهو باطل باتفاق العقلاء ـ ، وإن كانت جميعها عدمات بأن يترتّب الأمور الغير المتناهية المتعاقبة وتكون عدم كلّ أمر من تلك الأمور علّة فاعلية لحصول أمر آخر فعلى فرض تسليم جواز كون العدم علّة فاعلية للوجود مع بداهة بطلانه نقول : لمّا كان جميع تلك العدمات ممكنات حادثة متحقّقة مع الحادث في آن الحدوث يلزم أن يكون لها علل ، فان تحقّقت تلك العلل معها لزم الترتّب في تلك العلل الغير المتناهية مجتمعة في الوجود ، وبطلانه ظاهر. وإن لم يتحقّق تلك العلل معها في آن الحدوث لزم تخلّفات زمانية غير متناهية بالعدد. وإن

٣٥٢

كان بعضها وجودات وبعضها عدمات فلا يخلوا من كون الوجودات متناهية والعدمات غير متناهية ، أو العكس ، أو كون كلّ واحد منهما متناهيا أو غير متناه ، ووجه الفساد في كلّ من الشقوق ظاهر.

ثمّ الترديد في العلل المذكورة بكونها وجودات أو عدمات متحقّقة مع الحادث مبني على أنّ الكلام في الفاعل المستجمع لجميع شرائط التأثير الّذي يجب أن يجتمع وجود المعلول مع وجوده في آن الحدوث والايجاد ، لا في العلّة المعدّة الّتي يجب عدم اجتماعها مع المعلول. فلا يرد أن يقال : لم لا يجوز أن تكون تلك العلل أمورا وجودية معدّة لا يجتمع وجودها مع المعلول ، فلا يتعيّن أن تكون وجودات أو عدمات متحقّقة مع الحادث المذكور. وإذا كانت عللا معدّة فلا يمتنع عدم التناهى عندهم ، لأنّ الحوادث مستندة بالقديم عندهم لعلل حادثة غير متناهية غير مجتمعة ، ويقولون : التسلسل في الأمور الغير المتناهية المتعاقبة لا يكون باطلا. على أنّك قد عرفت بطلان هذا التسلسل أيضا. وبالجملة فالتخلّف في الحوادث الزمانية لازم على الحكماء أيضا ؛ وبذلك يندفع كلامهم على المتكلّمين في جواز تخلّف العلّة التامّة عن المعلول.

ثمّ أجاب : بأنّ تخلّف المعلول عن العلّة التامّة بحيث لا يخلّل زمان بين تحقّقهما أصلا ـ لا بحسب الخارج ولا بحسب التوهّم ـ جائز عند الحكماء ، بل لزمهم أن يلتزموه ، كتقدّم اجزاء الزمان بعضها على بعض وتقدّم دورة من الحركة على دورة أخرى منها متّصلة بها ، فانّ الحكماء يجعلون الحركة والزمان اجزاء من العلّة التامّة وقالوا انّهما معدّات. وأمّا تخلّف العلّة التامّة عن المعلول بحيث يتخلّل بينهما زمان وهي كما يلزم من الحكم بأنّ القديم مع الإرادة القديمة علّة تامّة لتعلّق الإرادة باحداث الحادث الزمانى فهو ممّا يستحيل بحسب الجليل من النظر ، بناء على أنّه لا يجوز الترجيح بلا مرجّح ، فلا بدّ من بيان امكانه وكونه بمنزلة التقدّم الّذي يلزمهم التزامه.

والحاصل : انّ التخلّف قسمان : أحدهما جائز وهو التخلّف الغير المتكمّم الصريح ؛ ثانيهما : محال ، وهو التخلّف المتكمّم الغير الصريح. وما يلزم على الحكماء هو الأوّل ، وهو جائز ؛ وما يلزم على المتكلّمين هو الثاني ، وهو محال.

٣٥٣

ثمّ قال لبيان امكان الثاني وكونه بمنزلة الأوّل : انّ العلم بالأصلح هو المرجّح ، فالذات يقتضي احداث الحادث في آن الحدوث بواسطة الإرادة الّتي هي العلم بالأصلح ؛ انتهى ما ذكره بتوضيحه.

وقد ظهر من قوله : « انّ تخلّف العلّة عن المعلول بحيث لا يتخلّل زمان بين تحقّقهما جائز عند الحكماء » أيضا. ولا ريب انّه على القول بالحدوث الدهري / ٧٦ DA / ـ على ما اخترناه ـ لا يلزم التخلّف بحسب الزمان. على أنّه لم يظهر من كلامه ما يندفع به لزوم التخلّف بحسب الزمان على الحكماء ، مع أنّ ما اورده عليهم من لزوم التخلّف في الحوادث هو تخلّف زماني. ووجه الدفع عنهم هو التمسّك بالحركة السرمدية ـ على / ٧٩ MB / ما ذكره المحصّلون منهم ـ ، وقد عرفت أنّ التخلّف معه لازم وكثير(١) منهم يلتزمونه.

فان قيل : ما جوّزه الحكماء من التخلّف الّذي لا يتخلّل بين تحقّقهما زمان إنّما هو إذا كان زمان العلّة متّصلا بزمان المعلول ولا يتخلّل بينهما شيء أصلا ـ كما مرّ من تقدّم اجزاء الزمان والدورات بعضها على بعض ـ. لأنّهم قالوا : انّ القديم لا يمكن أن يصير علّة للحادث الزماني بذاته فقط ولا بانضمام ما هو شرط لوجود ذلك الحادث فقط ، بل لا بدّ هناك من علّة معدّة أيضا لتتميم علّة ذلك الحادث بما هو علّة له والمعدّة فيه ، فيبنى كونه متقدّما بحسب الزمان. فالعلّة التامّة للحادث انّما يجب وجودها بما هي علّة تامة له قبل زمان ذلك الحادث ، ولكن بحيث يتصل زمانها بزمانه. وبالجملة فالمجوّز من التخلّف عند الحكماء هو التخلّف مع اتصال الزمان وعدم الانفكاك اصلا ، وعلى القول بالحدوث الدهري لا بدّ من الانفكاك الواقعي ـ كما مرّ ـ.

قلنا : الظاهر انّ منشأ استحالة التخلّف هو تحقّق وقت مع وجود العلّة بدون المعلول ، وإذا لم يوجد وقت فلا يتأتّى التخلّف المستحيل ؛ كيف ولو كان تخلّف المعلول مع العلّة لازما مطلقا فكما يمتنع حينئذ الانفكاك ـ سواء كان مع تخلّل زمان أم لا ـ كذلك يمتنع تحقّق العلّة في آن وتحقّق المعلول في آن بعده؟! ، بل يجب حينئذ كون

__________________

(١) الاصل : ولكنهم.

٣٥٤

المعلول في ذلك الآن. فمنع الأوّل وتجويز الثاني لا وجه له.

وأيضا علّة الحادث على هذا ـ أي : مع اتصال الزمان ـ تكون موجودة في آن وجد المعلول بعده ، إذ لو وجدت قبله أيضا لزم التخلّف مع التعلّل البتة ، وحينئذ فعلّة تلك العلّة أيضا يجب أن تكون موجودة في ذلك الآن ، إذ لو وجدت قبله بالزمان يلزم التخلّف ولو وجدت قبله بالآن يلزم تأتّي الآنات ، فيلزم إذن وجود العلل الغير المتناهية في الآن المفروض وعاد المفروض.

ثمّ إنّ الحكماء قد تشبّثوا في الجواب عن هذين الاشكالين أيضا بما يصحّحون به الربط بين الحادث والقديم ـ أي : بأمر تدريجي الوجود غير قارّ الذات ـ كالحركة تكون اتمام تحقّقها بانقضائها ، ويكون هو شرطا لوجود الحادث ومعدّا له بحيث يكون آن انقضائه هو آن أوّل وجود الحادث ، وكلّ قطعة فرض من ذلك الأمر يتوقّف على قطعة أخرى سابقة عليها يكون معدّا لها على ذلك الوجه. وكلّ جزء فرض من القطعة الثانية يكون وجود هذا الجزء السابق عليه شرطا لوجوده ومعدّا له ، فما لم يوجد لم يوجد ، فلا يلزم وجوب وجود القطعة الثانية بتمامها عند وجود القطعة الأولى وانقضائها.

ويرد عليه ـ كما تقدّم ـ : انّه مع التشبّث المذكور يلزم أيضا أن لا تكون العلّة التامّة مع المعلول ، بل تكون متقدّمة عليه ، وهم يلتزمونه ، فنحن أيضا نلتزم ما يرد علينا من التخلّف لأجل العلم بالأصلح أو لذات الوقت ـ كما مرّ مرارا ـ.

فان قيل : الممكن كما يحتاج إلى العلّة في الحدوث يحتاج إليها في البقاء ، والعلّة المبقية يجب كونها مع المعلول بحسب(١) الزمان ؛ فكيف يتقدّم عليها؟!.

قلنا : انّما يحتاج في البقاء إلى العلّة المفيدة لأصل الوجود والبقاء لا إلى جميع ما يتوقّف عليه ابتداء وجوده. فانّ المعدّات انّما هي معدّات لابتداء الافادة لا لأجل الافادة. فالعلّة التامّة من حيث هي علّة تامّة لابتداء افادة الوجود يجب تقدّمها على المعلول ، ومن حيث هي علّة تامّة لافادة أصل الوجود والبقاء تبقي مع المعلول ، فهي

__________________

(١) الاصل : يجب.

٣٥٥

متقدّمة على أوّل زمان وجود المعلول من حيث هي محدثة وتبقي معه في الزمان من حيث هى مبقية.

فان قيل : العلّة المعدّة ما لعدمه مدخل في وجود المعلول ، وعدمها مقارن لوجوده لا سابق عليه! ؛

قلنا : المعدّ ما لوجوده وعدمه ـ كليهما ـ مدخلية في وجود المعلول ، فالعلّة مع وجود المعدّ سابق على المعلول ومع عدمه مقارن له.

فان قيل : على ما ذكرت من أن الواجب ـ تعالى ـ ليس زمانيا والتخلّف انّما يلزم ويستحيل إذا كانت العلّة التامّة موجودة في زمان موجود أو موهوم لم يوجد المعلول فيه يلزم بعد تسليم صحّة كونه ـ تعالى ـ غير زماني جواز عدم الحادث مثلا في اليوم وان تحقّق جميع ما يتوقّف عليه وجوده ؛ لكونه ـ تعالى ـ غير زمانى ، فلا يكون في اليوم ، فمعلوله الّذي يجب أن يكون معه لا يكون أيضا في اليوم! ؛

قلت : المعلول يجب أن يكون / ٧٦ DB / مع العلّة في الواقع ونفس الأمر ، وإذا لم تكن العلّة والمعلول كلاهما زمانيين تكون بينهما معية واقعية من دون أن يكون وجود واحد منهما مقارنا للزمان. وإن لم تكن العلّة زمانية وكان المعلول زمانيا تتحقّق بينهما أيضا معية واقعية. وإن كان المعلول في الزمان فعدم كون العلّة زمانية لا يوجب عدم تحقّق المعلول في الزمان ؛ هذا.

واعلم! أنّ بعض الأفاضل فرّع على ما ذكر في جواب الشبهة المذكورة من أنّ الوجوب بالاختيار لا ينافى الاختيار أنّه حينئذ لا يشنع على الحكماء في القول بأنّ الايجاب لا ينافى القدرة سواء كان الايجاب دائما أم لا ، و/ ٨٠ MA / أورد عليه : بانّه لم يشنع أحد على الحكماء من هذه الجهة ، وانّما شنع عليهم من شنع عليهم لزعمه أنّهم قائلون بالايجاب بالمعنى الأوّل ـ أعني : كون فعله من قبيل أفعال الطبائع ـ ، أو بالمعنى الثّاني ـ أعني : وجوب صدور الفعل دائما وقدم العالم ـ ؛ وان كان الزعم بأنّهم قائلون بالايجاب بالمعنى الأوّل باطلا ونسبته إليهم فرية!. ثمّ قال الفاضل المذكور : والقدرة بالمعنى الّذي ينبغي أن يكون مراد المتكلّمين ـ وهو صحّة الفعل والترك بالامكان

٣٥٦

الوقوعي ـ لا يجامع القول بايجاب ما مطلقا ، سواء كان دائما أم لا. فانّ الظاهر انّ مرادهم بالقدرة صحّة الفعل في وقت وتركه في ذلك الوقت ، إذ المراد بالترك في قولهم صحّة الفعل والترك ما هو مقابل الفعل ، ووحدة الزمان معتبرة في التقابل ، فالترك الّذي بفرض في زمان الفعل هو المقابل للفعل ، لا الّذي يفرض قبله ، لعدم ايجاد الزمان. فالفعل إذا وجب في وقت ما لم يمكن أن يكون فاعله بالاختيار فيه ـ لعدم امكان وقوع الترك فيه ـ. فالقول بالاختيار بهذا المعنى ليس إلاّ للأشعري فقط ، إذ عنده يجوز أن يقع بدل الفعل تركه لعدم قوله بالوجوب اصلا ، فعنده الفاعل مختار وإن كان العالم قديما. فعلى هذا لا يرجع النزاع في الايجاب والاختيار إلى طائل سوى حدوث الأثر ؛ وقد مرّ. فالحقّ انّ هذا النزاع لا ينبغي أن يكون إلاّ بين الاشعري والحكيم ، فاحفظ هذا ؛ انتهى ؛ هذا.

وفيه ما أورد عليه بعض الأعلام : بأنّ مراد المتكلّمين بالصحّة هو الصحة بالقياس إلى الذات بدون اعتبار الإرادة لا الامكان الوقوعي على ما زعمه. ثمّ بعد حمله على الامكان الوقوعي يجب حمله على الفعل والترك في وقتين وإن كان تكلّفا حتّى لا يلزم ما ذكره. وكيف تحمل العبارة الواقعة في كلام المتكلّمين قاطبة وبعض الفلاسفة أيضا على ما لا يستقيم إلاّ على مذهب الأشعري؟!. فانّ حمل « الصفة » في تعريف القدرة على الامكان الوقوعي بمعنى جواز وقوع كلّ من الفعل والترك بدل الآخر ممّا تفرّد الأشاعرة بالقول به ، ولم يذهب إليه أحد غيرهم.

تتميم

المناسب هنا أن نشير إلى أقوال المتكلّمين واختلافاتهم في علّة تخصيص حدوث العالم بوقته وجواب ايراد الفلاسفة عليهم.

فنقول : لمّا كان الفاعل المختار عندهم هو الّذي يتساوى مقدوراته بالقياس إليه من حيث هو قادر احتاجوا إلى اثبات شيء بسببه يتخصّص الطرف الّذي يختاره. فاثبتوا له إرادة تتعلّق بذلك الطرف ويتخصّص ذلك الطرف لأجلها ؛

فالأشاعرة على أنّها زائدة على الذات والقدرة والعلم وسائر الصفات وقديمة ،

٣٥٧

ولكن تعلّقها متجدّد حادث بها يرجّح وجود الفعل في وقت من الأوقات من دون مرجّح ومخصّص آخر ؛ إذ شأنها عندهم ذلك ؛

وبعض شيوخ المعتزلة ـ كأبي الهذيل العلاّف وأبى على الجبائى وابنه أبي هاشم المثبت للأحوال ـ على أنها متجدّدة حادثة. وهم مع قولهم بتجدّدها قالوا : انّ إرادة الشيء عين خلقه وعين الحكم والأمر والإخبار.

وقال معمّر بن عباد ـ وهو أيضا من مشايخ المعتزلة ـ : أنها متجدّدة وغير الخلق والأمر والحكم والاخبار. وقد كان هذا الشيخ يبالغ في حدوث الإرادة ونفي القول بالصفات الأزلية الزائدة ، ويكفّر به. وهو الّذي قال بأنّ كلّ عرض قام بمحلّ قائما يقوم به لمعنى اوجب القيام ، بل قال : كلّ معنى اتصف به شيء ـ حتّى مخالفة الضدّ للضدّ ومغايرة المثل للمثل ـ فانّما يتّصف به لمعنى اوجب الاتصاف ؛ فقال بعدم تناهى أفراد انواع الأعراض والمعانى ، والتجأ إلى القول بالتسلسل في كلّها. ولذلك سمّى هو وأصحابه « باصحاب المعانى ».

والكعبي وكثير من المعتزلة على أنّها قديمة غير زائدة على الذات والعلم وسائر الصفات. وهؤلاء من المعتزلة / ٧٧ DA / ـ الّذين لا يقولون بالارادة المتجدّدة ـ لا يقولون بتجدّد التعلّق أيضا ، بل لا يعترفون بتجدّد شيء غير الفعل اصلا. وهؤلاء في علّة انفكاك الإرادة عن المراد وتخصيصه بقدر من الزمان افترقوا إلى فرق : ففرقة قالوا : انّ العلّة هي كون بعض الأوقات أصلح وأولى ؛

فطائفة منهم يقول بوجوب الأصلح بمعنى كونه ممتنع العدم ـ بناء على أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ـ ،.

وطائفة أخرى ـ كالبشرية وغيرهم من القدماء ـ قالوا بأولوية الأصلح دون / ٨٠ MB / وجوبه.

وفرقة قالوا : العلة هي امتناع الصدور قبل ذلك الوقت ، وإليه ذهب الكعبي.

ثمّ المشهور بين المحصّلين انّ مختار المحقّق الطوسي انّ الإرادة غير زائدة على الذات والعلم ، بل هي عين العلم بالأصلح وانّ العلّة في التخصيص هي كون بعض الاوقات

٣٥٨

أصلح للصدور ، وانّ العلم بالأصلح هو موجب. ولا ريب في كون الإرادة عنده عين الذات والعلم بالأصلح ـ كما هو الحقّ المنصور ـ ؛ ولكن في كون علّة التخصيص عنده هو العلم بالأصلح وكونه موجبا للصدور ، ففيه تأمّل ؛ لأنّ قوله في بحث الجواهر حيث قال : واختصّ الحدوث بوقت إذ لا وقت قبله(١) يدلّ على انّ علّة التخصيص هي امتناع الوقت قبل ذلك الوقت.

قيل : الظاهر انّ ما دعا الأكثر إلى الاعتقاد بانّ المرجّح على سبيل الوجوب عنده هو العلم بالأصلح قوله في آخر مقصد اثبات الصانع وصفاته : والأصلح قد يجب على الله تعالى ـ لوجود الداعي وانتفاء الصارف(٢) ؛

وفيه : انّ المراد بالوجوب هناك هو ما يذمّ تاركه عقلا ، والمراد به هنا هو ما يمتنع عدمه لتعلّق العلّة المستقلّة للوجود ، فهو خلط بين وجوب الأصلح بالمعنى المراد هناك وبين وجوب الأصلح بالمعنى المراد هنا.

والظاهر انّ ما دعا الأكثر إلى نسبة ما نسبوه إليه هو ما صرّح به في مبحث الإرادة من التجريد : بأنّ الإرادة عين الداعي(٣) والداعي عنده هو العلم بالأصلح. وفي شرح الرسالة : انّ حيثية قدرته ـ تعالى ـ وحيثية علمه بمقدوره لا يتغايران إلاّ بمحض الملاحظة العقلية ، وتوهّم تكثّرهما قياسا على الممكن خطاء ؛ والتنزيه أن يقال :( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٤) . ثمّ قال : والإرادة اخصّ من العلم والمتكلّمون ذهبوا إلى اثباتها ؛ فمنهم من قال : انّها صفة زائدة على العلم قديمة أو محدثة بها يتخصّص المراد من المعلوم ؛ ومنهم من قال : أنّها علم خاصّ بما في وجود المخلوقات من المصالح الراجعة إليهم ، وهو الداعي للايجاد. والحكماء زعموا أنّها العلم بنظام الكلّ على الوجه الأتمّ. وإذا كانت القدرة والعلم سببا واحدا مقتضيا لوجود

__________________

(١) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الثاني ؛ كشف المراد ص ، ١٢٩.

(٢) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الثامنة عشر من الفصل الثالث من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٧٠.

(٣) راجع : تجريد الاعتقاد ، المسألة الرابعة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٣.

(٤) كريمة ١٨٠ ، الصافّات.

٣٥٩

الممكنات على النظام الاكمل كانت القدرة والعلم والإرادة شيئا واحدا في ذاته مختلفا بالاعتبارات العقلية(١) ؛ انتهى.

ولا ريب في أنّ ما نسب إليه المشهور يظهر من كلامه هذا.

ثمّ الفرق بين مختاره ومذهب الحكماء : انّ ملحوظ الفاعل المختار في الايجاد عنده حال المعلولات وعندهم حال الايجاد ، فانّهم يقولون : اتمّ انحاء التأثير هو الدوام ، وهو يقول : الأصلح بحدوث المخلوقات.

فان قيل : كون الإرادة قديمة وعين الذات والعلم بالأصلح ينافي ما ورد عن ائمّتنا الراشدين ـعليهم‌السلام ـ من كونها حادثة ومن أنّها من صفات الفعل ومن الصفات الاضافية الّتي لا توجد ولا تعقل إلاّ مقرونة بفعل ومعية إليه ـ كالرازقية والرضاء والسخط ـ بخلاف العلم والقدرة ، فانّها من صفات الذات. وكذا ينافي ما ورد عنهم من أنّ المشية محدثة وانّ علم الله ـ تعالى ـ غير المشية سابق عليها ، ومن ان الله ـ تعالى ـ لم يزل عالما قديرا ثمّ أراد. وقد نقل جميع ذلك ثقة الاسلام ـرحمه‌الله ـ في الكافي ، وأفاد بعد النقل ضابطة حاصلها : انّ كلّ صفة ثبوتية يوصف بها وبضدّها جميعا الباري ـ تعالى ـ كالارادة والكراهة فهي من صفات الفعل الزائدة على الذات حادثة ، وكلّ صفة تنفي عنه ضدّها كالعلم والقدرة فهي صفة الذات أزلية ، وإلاّ لا تصف بضدّها قبلها غير زائدة حينئذ لئلاّ يتعدّد القدماء(٢) ؛

قلت : المراد بالارادة والمشية فيما ورد عنهم ـعليهم‌السلام ـ تعلّقهما. ويقرب منه أن يكون المراد بالارادة في حقّه ـ تعالى ـ هو احداث الفعل على ما ورد عن العالم أنّ الإرادة من الله ـ تعالى ـ هو احداثه لا غير ذلك ؛ وحينئذ فلا منافاة.

وقال بعض الأعلام : لعلّ الإرادة الّتي غير زائدة على الذات هي المتعلّقة بمطلق الفعل وبوجود العالم جملة في الوقت الأصلح على أتمّ النظام ، وهي الّتي فيها الكلام ؛ / ٧٧ DB / ولا يمكن سبق شيء عليها ولا اتصافه ـ تعالى ـ بضدّها ، كما انّ علمه بذلك

__________________

(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، ص ٤٢.

(٢) راجع : الاصول من الكافي ، ج ١ ، ص ١١١.

٣٦٠