جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ١

جامع الافكار وناقد الانظار12%

جامع الافكار وناقد الانظار مؤلف:
المحقق: مجيد هاديزاده
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: 482

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36044 / تحميل: 5261
الحجم الحجم الحجم
جامع الافكار وناقد الانظار

جامع الافكار وناقد الانظار الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
ISBN: ٩٦٤-٥٦١٦-٧٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

قديم لكان دائم الافتقار إلى المؤثّر مع دوام وجوده. فالممكن في حدّ ذاته فقر محض وعدم صرف. وانّما يصير موجودا واجبا بالغير ، كما قال كبير الفلاسفة : « الممكن في حدّ ذاته ليس ولعلته أيس ». ولا ريب في انّ الوجوب بالغير لا يخرجه عن الافتقار الذاتى لانّ ما بالذات لا يزول وما يقتضيه الذات مقدّم على ما يقتضيه الغير ، فسلب الاحتياج عن الممكن ـ حادثا كان أو قديما ـ محال.

قال الشيخ في المبدأ والمعاد ما حاصله : « انّه لا يجوز ان يكون الحادث ثابت الوجود بذاته من دون افتقار إلى العلّة ، لانّا نعلم بالضرورة انّه لم يجب ثبوته ووجوده لذات الممكن ومهيته ، فيمتنع أن يصير واجبا بالحدوث الّذي ليس واجبا لذاته ولا ثابتا لذاته ، فالحقّ ـ جلّ وعزّ ـ قيوم الكلّ كما هو موجد الكلّ ».

ثمّ لا يخفى انّ من قال علّة الاحتياج إلى المؤثّر هو الحدوث وحده أو الامكان مع الحدوث ـ شطرا أو شرطا ـ يلزمه أن يكون الممكن حال بقائه مستغنيا عن المؤثّر ، اذ لا حدوث حال البقاء فلا احتياج ، وقد التزمه جماعة منهم ؛ كما قال اليهود : « انّ الممكنات تفتقر إلى المؤثّر في اخراجها من العدم إلى الوجود وبعد اخراجه منه إليه لا تبقى لها حاجة إليه حتى لو جاز العدم على المؤثّر ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا! ـ لما ضرّ العالم ».

وتمسّكوا في ذلك ببقاء البناء بعد فناء البنّاء(١) ، ولم يعلموا انّ الكلام / ١٠ DA / في العلّة الموجدة ، وليس البنّاء موجدا للبناء وانّما هو علّة لحركات الآلات واللبنات والأخشاب بحركة يده ، وتلك الحركات علل عرضية معدّة لاوضاع مخصوصة بين تلك الآلات والاخشاب وتلك الاوضاع مفاضة من علل فاعلية غير تلك الحركات المستندة إلى حركة البنّاء(٢) .

فان قيل : تأثير المؤثّر في الباقي محال ، لانّه إن افاد الوجود الّذي كان حاصلا فيلزم تحصيل الحاصل ؛ وإن افاد / ١٠ MA / امرا آخرا متجدّدا لم يكن التأثير في الباقي ،

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ص ٧٠. التحصيل ص ٥٢٦.

(٢) راجع : شوارق الالهام ص ١٣٩ ، نقلا عن المحقّق الشريف.

٤١

بل في هذا الأمر المتجدّد(١) ؛

قلنا : تاثير المؤثّر في استمرار الوجود وبقائه ، فانّ الحاصل بالحدوث ليس إلاّ الوجود في زمانه وحصول شيء في زمان لا يوجب حصول استمراره وبقائه ، فابقاء الوجود وادامته من المؤثّر ، وهو غير حصول نفس الوجود. والحاصل : انّ اتصاف الماهية الممكنة بالوجود في زمان حدوثه كما لم يكن مستندا إلى ذاته بل إلى المؤثّر الخارج عن ذاته ـ لاستواء نسبة ذاته إلى الوجود والعدم ـ كذلك اتصافها به في الزمان الثاني والثالث وما بعدهما من الازمنة ليس مستندا إلى ذاتها ، بل إلى علّة خارجة ، لانّ استواء نسبة ذاتها إلى وجودها وعدمها أمر لازم لذاتها لا ينفكّ عنها في جميع الاوقات والحالات ، واتصافها بالوجود في زمان الحدوث هو اتصافها باصل الوجودات واتصافها به في الازمنة الّتي بعده هو اتصافها بالبقاء ، فهو في وجودها ابتداء وفي استمرارها وبقائها محتاجة إلى العلّة الّتي تعطيها الوجود ويديمه لها ، وحاجتها إليها في الابتداء والبقاء سواء. فلو فرض انقطاع تاثير المؤثّر عن العالم في آن لصار معدوما ، كما انّ المستضيء بمقابلة الشمس إذا حجب عنها زال ضوئه وصار مظلما(٢) .

المقدّمة الخامسة

في ابطال الدور والتسلسل

أما « الدور » فهو أن يكون أحد الشيئين متوقّفا على الآخر ومعلولا له ، ويكون الآخر أيضا متوقّفا عليه ومعلولا له ، إمّا بلا واسطة ويسمّى « دورا مصرّحا » أو بواسطة ويسمّى « دورا مضمرا ».

والدليل على بطلانه انّ ما هو المتوقّف والمعلول يجب أن يكون متأخّرا عن

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ص ٧٠. شوارق الالهام ص ١٣٨. تلخيص المحصّل ص ١٢١.

كشف المراد ص ٥٦.

(٢) راجع : المصدرين الاوّلين من المصادر المذكورة في التعليقة السالفة.

٤٢

المتوقّف عليه والعلّة وما هو المتوقّف عليه ، والعلّة يجب أن يكون مقدّما على المتوقّف والمعلول. فلو كان شيء متوقّفا على ما يتوقّف عليه ومعلولا لما هو معلول له لزم أن يكون متوقّفا على نفسه وعلّة لها ، وهو يوجب تقدّمه على نفسه ـ أي : كونه موجودا حين كونه معدوما ـ ؛ وهو باطل(١) .

وأيضا معنى المحتاج من حيث هو محتاج غير معنى المحتاج إليه ومقابله ، فلو كان شيء متوقّفا على نفسه وعلّة لها من جهة واحدة لزم أن يكون غير نفسه ومقابلا له ، وبطلانه من أجلى البديهيات.

وأمّا « التسلسل » فهو أن يكون شيء معلولا لشيء آخر وهو معلولا لثالث وهو لرابع ، وهلمّ جرّا إلى غير النهاية.

ويدلّ على بطلانه وجوه من البراهين القاطعة.

منها : « برهان التطبيق(٢) ». وتقريره : انّه لو تسلسلت العلل إلى غير النهاية لكان كلّ واحد من آحاد السلسلة معلولا لسابقه وعلّة للاحقه ، إلاّ المعلول الأخير ، فانّه ليس علّة ، وهذه السلسلة وان كانت واحدة بالذات إلاّ أنّها تنحلّ في الواقع وعند العقل إلى سلسلتين إحداهما مركّبة من العلل والأخرى من المعلولات ، وعدد آحاد السلسلة الأخيرة أزيد من آحاد السلسلة الاولى بواحد هو المعلول الأخير ـ لأنّه معلول وليس علة ـ. ولنا أن نطبق بين السلسلتين بان نطبق الجزء الأوّل من إحداهما من الطرف المتناهي على الجزء الأوّل من الأخرى والجزء الثاني على الجزء الثاني وهكذا ؛ بل لا حاجة إلى فرض التطبيق ، إذ الجزء الأوّل من إحداهما بإزاء الجزء الأوّل من الأخرى والجزء الثاني بإزاء الجزء الثاني وهكذا في الواقع ونفس الأمر. فالانطباق حاصل عند العقل وبحسب الواقع وإن لم نفرض التطبيق ، فان لم تتناه السلسلتان من

__________________

(١) راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٤٢ ؛ شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١١١.

(٢) هذا البرهان هو العمدة في اثبات ابطال التسلسل. قال القوشجى : وعليه التعويل في كلّ ما يدّعى تناهيه. راجع : الشرح الجديد ، ص ١٢٢ ؛ وبنفس العبارة : شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١١٢. وقال صدر المتألّهين : وعليه التعويل في كل عدد ذي ترتيب موجود سواء كان من قبيل العلل والمعلولات أو من قبيل المقادير راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٤٥.

٤٣

الطرف الآخر ولم تصر السلسلة الاخيرة ـ اعنى : الزائدة ـ متناهية في ذلك الطرف ووقع بإزاء كلّ جزء من الزائدة جزء من الناقصة لزم تساوي الزائد والناقص ، وهو يوجب تساوي الكلّ والجزء وهو محال ؛

وإن لم يقع بإزاء كلّ جزء من الزائدة جزء من الناقصة ـ ولا يتصوّر ذلك إلاّ بان يوجد جزء من الزائدة لا يكون بإزائه جزء من الناقصة ـ لزم تناهى الناقصة بالضرورة والزائدة لا تزيد عليها الاّ بمقدار متناه ، فيلزم تناهيها أيضا لأنّ الزائدة على المتناهى بمقدار متناه متناه(١) ـ. / ١٠ DB /

واعترض عليه : بانّا نختار انّه يقع بإزاء كلّ جزء من الزائدة جزء من الناقصة ويمتنع لزوم تساويهما ، فانّ وقوع التوازي بين كلّ جزءين من جملتين كما يكون للتساوي فقد يكون لعدم التناهى ؛

وجوابه : انّ الضرورة قاضية بانّ كلّ جملتين امّا متساويتان أو متفاوتان بالزيادة والنقصان ، وإذا لم تتساويا وتتفاوتا بالزيادة والنقصان لزم / ١٠ MB / الناقصة الانقطاع(٢) .

فان قيل : هذا البرهان منقوض بالأعداد وبالأمور المتعاقبة في الوجود من الحوادث الّتي لا أوّل لها ـ كالحركات الفلكية وأمثالها ـ ؛

وبالأمور الّتي توجد معا ولكن لا ترتيب بينها ـ كالنفوس الناطقة فان جميعها غير متناهية عند الحكماء ـ مع أنّ هذا البرهان جار فيه(٣) ؛

والجواب عن النقض بالاعداد : أنّها من الأمور الاعتبارية وكلّ ما يدخل منها في الوجود متناه ، فانّ عدم التناهى يكون بمعنيين أحدهما أن توجد في الخارج أو الذهن امور مفصّلة غير متناهية ، وثانيهما أن يعتبر العقل مفهوما كلّيا يصلح لان يصدق

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ص ١٢٢. وانظر : ما افاده المحقق الطوسى بشأن هذا البرهان فى فوائده الملحقة بتلخيص المحصّل ص ٥١٦. المطالب العالية ج ١ ص ١٥١. الحكمة المتعالية ج ٢ ص ١٤٥.

(٢) راجع : الشرح الجديد ص ١٢٢. الحكمة المتعالية ج ٢ ص ١٤٦.

(٣) راجع : الشرح الجديد ص ١٢٢. وانظر : المطالب العالية ج ١ ص ١٤٣. الحكمة المتعالية ج ٢ ص ١٤٥. شرح المقاصد ج ٢ ص ١٢٢.

٤٤

على كثيرين ، وكلّما اعتبر العقل له افرادا مفصّلة امكنه اعتبار افراد اخر ولكن الموجود في الخارج أو العقل ليس إلاّ افراد متناهية والعدد من هذا القبيل(١) . وقوله : « عدم التناهى » بمعنى لا يقف. وعن النقض بالبواقى انّ المتكلّمين متّفقون على امتناع عدم تناهيها واجراء برهان التطبيق وغيره من براهين ابطال التسلسل فيها ؛ وامّا الحكماء فلما اشترطوا في بطلان عدم التناهى شرطين : أحدهما أن يكون الأمور الغير المتناهية موجودة وحكموا بجواز التسلسل في المتعاقبات ؛ وثانيهما أن يقع بينها ترتيب وجوّزوا اللاتناهى في الأمور المجتمعة في الوجود معا ـ كالنفوس الناطقة وكالصبرة المشتملة على الاجزاء الغير المتناهية ـ ، وقالوا : انّ برهان التطبيق وغيره من البراهين لا تجري في المتعاقبات وفي الأمور المجتمعة في الوجود(٢) . واحتجّوا على عدم جريانه في الأوّل بأنّ الآحاد إذا لم يكن موجودة في الخارج معا لم يتمّ التطبيق لأنّ وقوع آحاد احدى الجملتين بإزاء احاد الأخرى ليس حينئذ في الوجود الخارجيّ ، اذ ليست المتعاقبات مجتمعة في الوجود بحسب الخارج في زمان أصلا وليس في الوجود الذهنى أيضا ـ لاستحالة وجودها مفصّلة في الذهن دفعة ، لعدم اقتدار الذهن على احاطته بالأمور الغير المتناهية دفعة ـ ؛ ومن المعلوم انّه لا يتصوّر وقوع آحاد إحدى الجملتين بإزاء آحاد الأخرى إلاّ إذا كانت موجودة معا إمّا في الخارج أو الذهن. والحاصل : انّ الفساد المترتّب على وجود ما لا يتناهى انّما يكون فيما عرض له صفة عدم التناهى وهذا فرع تحقّقه ، وتحقّقه إمّا في الخارج أو الذهن والذهن لا يحيط به ، بل إذا احاطه بجملة متناهية يعجز عن ادراك الباقى ولذا قالوا : انّ التسلسل في الاعتباريات جائز ، لأنّه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، فالمتعاقبات الغير المتناهية لا يحيط بها الذهن وليست موجودة في الخارج ، فلا يبطل التسلسل فيها.

وقد اكّد ذلك عندهم بأمرين : أحدهما : انّهم احتاجوا إلى ربط الحوادث بالثابتات وهو لا يتأتّى على أصولهم إلاّ بعدم تناهى الزمان والمتعاقبات ؛ وثانيهما :

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ص ١٢٢.

(٢) راجع : الحكمة المتعالية ج ٢ ص ١٤٧. شرح المقاصد ج ٢ ص ١٢٣.

٤٥

انّهم ذهبوا إلى تشابه هيولى العناصر فيحتاج إلى مخصّص في قبول الصور ، وهو أيضا على رأيهم موقوف على عدم تناهى الزمان والمتعاقبات. واحتجّوا على عدم جريانه في الثاني بانّ الآحاد إذا كانت موجودة معا ولم تكن مرتّبة لم يتمّ التطبيق أيضا ، إذ لا يلزم من كون الأوّل بإزاء الأوّل كون الثاني بإزاء الثاني والثالث بإزاء الثالث وهكذا ، فيجوز أن تقع آحاد كثيرة من إحدى الجملتين بإزاء واحد من الأخرى ، إلاّ أن يلاحظ العقل كلّ واحد من الأولى واعتبره بإزاء واحد من الأخرى. لكن العقل غير قادر على الاحاطة بما لا يتناهى مفصّلا لا دفعة ولا في زمان متناه ، حتّى يتصور تطبيق ويظهر الخلف ؛ بل ينقطع التطبيق بانقطاع اعتبار العقل والوهم ويتّضح ذلك بتوهم التطبيق بين حبلين ممتدّين على الاستواء وبين اعداد المحصى ، فانّه إذا اطبق طرف أحد الحبلين على طرف الاخرى كان ذلك كافيا في وقوع كلّ من أحدهما بإزاء جزء من الثانى ؛ وليس الحال كذلك في أعداد المحصى ، لانّه لا بدّ في التطبيق من اعتبار تفاصيلها.

فان قلت : هل الحقّ عندكم في هذه المسألة قول المتكلّمين ـ من بطلان عدم التناهى وجريان التطبيق في الجميع ، أعني : الأمور المجتمعة المرتبة وغير المجتمعة المتعاقبة والمجتمعة الغير المرتبة ـ ، أو قول الحكماء ـ من تخصيص البطلان وجريان التطبيق في الاولى دون الآخرين ـ؟ ؛

قلنا : المختار عندنا قول المتكلمين وبطلان عدم التناهى وجريان / ١١ DA / التطبيق بل غيره من الادلّة في الأخيرتين أيضا ، أمّا جريانه في غير المجتمعة المتعاقبة فلانّه لا ريب في أنّها صارت موجودة على التدريج بعد جمعها في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر ، واحاط بها بحيث لم يشذّ منها صغيرة ولا كبيرة وان لم يكن في الوجود عادّ ولا فارض ولا معتبر ، وجميع العلل المعدّة موصوفة بالعدد في نفس الأمر. فانّا نعلم قطعا أنّ سلسلة / ١١ MA / من المعدّات كزيد مثلا وجدّه وابيه وهلمّ جرّا إلى غير النهاية اذا كانت موجودة على التعاقب تتّصف بالعدد الّذي يتصف به إذا فرض وجودها على الاجتماع من دون تفاوت ، وكذا جميع الازمنة الماضية لها نوع صحّة وتحقّق في

٤٦

نفس الأمر ويقبل العدّ والانقسام إلى الأعوام والشهور والأيّام والساعات وغير ذلك ، وكلّ ذلك احكام صحيحة لها تحقّق في الواقع ونفس الأمر وبها يحصل الاعداد الواقعية في الخارج ، فلو كانت المتعاقبات من المعدّات والزمان غير متناهية لحصل الأعداد الغير المتناهية في الواقع ونفس الأمر ، فيجري فيه التطبيق وغيره من براهين ابطال التسلسل. ولا مدخلية لحصول الاجتماع في الوجود وجريان التطبيق ، بل المناط فيه حصول الوجود في الخارج بحيث أمكن فرض التطبيق ، ولا ريب في صحّته مع حصول الوجود التدريجى.

فان قيل : إذا اجتمعت الآحاد في الوجود مع ترتّبها وتطبيق أوّل جزء من إحدى الجملتين على أوّل جزء من الجملة الاخرى يحصل الانطباق بين بقية آحاد الجملتين ، اذ المراد بالتطبيق عند التحقيق توافق الأفراد في المراتب وهو يحصل بمجرّد انطباق الجزءين الاوّلين من الجملتين في نفس الأمر عند وجود الآحاد مجتمعة مع الترتّب ، وأمّا إذا لم تكن مجتمعة بل كانت متعاقبة في الوجود فعند تطبيق بعضها على بعض لا يحصل الانطباق بين البواقى ، لانتفائها ، إذ هو انّما يكون في الأمور الموجودة لأنّ تعيّن كلّ واحد بمرتبة خاصّة من مراتب العدد في نفس الأمر انّما هو بعد وجودها في الخارج أو في مدرك من المدارك ، والمتعاقبات في الخارج منتفية ؛ وكذا في العقل ، لانّه لا يقدر على استحضارها مفصّلة.

قلنا : إذا فرضنا جملتين متعاقبتين موجودتين على التدريج كزيد وأبيه وجدّه ـ وهكذا إلى غير النهاية ـ ثمّ طبقنا بين زيد وعمرو فلا نشكّ في انّه يحصل التطبيق النفس الأمري بين البواقى وإن لم تكن موجودة في الخارج ، لانّ كلّ جزءين من اجزاء السلسلتين لمّا وجدا توافقا في المراتب فيحصل بينهما التطبيق في حاقّ الواقع ومتن نفس الأمر وإن لم يكونا موجودين في الحال ، وهذا ظاهر لا ريب فيه. وأمّا جريانه في المجتمعة الغير المرتّبة فلأنّ وقوع كلّ واحد من آحاد إحدى الجملتين بإزاء آحاد الجملة الاخرى إذا كانت الجملتان موجودتين معا من الأمور الممكنة وإن لم يكن بين آحادهما ترتّب ، والعقل يفرض ذلك الممكن واقعا حتّى يظهر الخلف ، ولا يحتاج في ذلك

٤٧

الفرض إلى استحضار آحادهما مفصّلة ، بل يكفى في فرض وقوع هذا الممكن ملاحظتهما اجمالا ، فالتطبيق يجري فيها كما يجري في المجتمعة المرتّبة من دون فرق. على انّا نقول : لو وجد أمور غير متناهية دفعة وان لم تكن مرتّبة توقّف مجموعها على ما يبقى منه بعد اسقاط واحد ، وتوقّف مجموع الباقي على ما يبقى منه بعد اسقاط واحد ، وهكذا ، فيلزم وجود مجموعات غير متناهية يحصل منها التوقّف والترتّب فيجري فيها التطبيق.

فإن قيل : الموجود في الخارج انّما هو الأمور المتفرّقة الكثيرة ولا وجود المجموع من حيث الوحدة إلاّ بعد أن يعتبر العقل وحدته ، والعقل لا يقدر على اعتبار المجموعات الغير المتناهية واستحضارها ، فلا يلزم الترتّب الواقعى الكافي للتطبيق بين جميع المجموعات ، ونظير هذا الترتّب هو الترتّب بين الاعدام الغير المتناهية ؛

قلنا : إذا وجد كثرة كالالف مثلا وجد فيه سبعمائة وخمسمائة ومائتان ومائة ، وهكذا ، ولكلّ منها جهة وحدة وإن لم يعتبرها العقل اصلا ، فيحصل التطبيق الواقعى.

فإن قيل : المسلّم توقّف مجموع الغير المتناهى على الآحاد الّتي تبقى بعد اسقاط واحد منها وتوقّف مجموع الباقى على الآحاد الّتي تبقى بعد اسقاط واحد منها وهكذا ، ولا يلزم من توقّف امر على آحاد توقّفها على مجموعها من حيث هو مجموع ، فانّ كلّ كلّ يتوقّف على كلّ واحد من اجزائه ولا يتوقّف على مجموعها من حيث هو مجموع ، اذ هو عينه فلا يحصل بين المجموعات توقّف وترتّب حتّى يجري فيها التطبيق ؛

قلنا : لا يتوقّف التطبيق على كون آحاد السلسلة بحيث تكون عليّة كلّ واحد منها للآخر من حيث انّه واحد وله جهة وحدة هى تكون / ١١ DB / علّة واحدة له ، بل لزم أن تكون علة له سواء كان علة واحدة أو عللا كثيرة ، اذ المقصود تحصيل الانتظام وهو يحصل بالشقّين. فاذا سلّم توقّف كلّ واحد من المجموعات على ما يبقى منه بعد اسقاط واحد يحصل المطلوب سواء توقّف على مجموع الثاني من حيث الوحدة أو / ١١ MB / على الآحاد الّتي يتضمنها مجموع الباقي. على انّ الترتيب حاصل بين المجموعات المفروضة وإن لم يكن بينها توقّف في الوجود ، اذ بينها ترتّب من حيث

٤٨

المراتب العددية ومجرّد الترتّب يكفى لاجراء التطبيق ، وهو ظاهر ؛ هذا.

واعلم! انّه يمكن تقرير برهان التطبيق بوجه آخر لا يتوقّف على تحليل السلسلة الغير المتناهية إلى سلسلتى العلل والمعلولات والتطبيق بين آحادهما ؛ بل نقول : لو وجدت سلسلة غير متناهية فان كانت غير متناهية من طرف واحد نسقط عدّة متناهية من الطرف المتناهي ، ولو كانت غير متناهية من الجانبين فسقطناها من البين واعتبرنا كلّ قطعة على حدة ، ثمّ نسقط العدّة المتناهية من المبدأ فالباقى في الصورتين أيضا سلسلة غير متناهية ناقصة عن السلسلة الاولى بتلك العدّة ؛ فاذا طبّقنا التامّة على الناقصة بان فرضنا الجزء الأوّل من التامّة بإزاء الجزء الأوّل من الناقصة والثاني بإزاء الثاني وهكذا فامّا تذهب هذه المساوات حتى تستغرق السلسلتين ، فيلزم مساواة الكلّ لجزئه ، بل يزيد الكلّ على جزئه وهو باطل ؛ أو تنتهى الناقصة فتنتهى التامّة أيضا لزيادتها عليها بعدد متناه ، وقد فرضت غير متناهية ؛ هذا خلف!.

ومنها : انّه لو تسلسلت العلل إلى غير النهاية اسقطنا المعلول المحض من السلسلة ولا يضاف كلّ واحد من الآحاد الّتي فوقه بعد وصفي العلية والمعلولية تنحلّ السلسلة إلى جملتين متغايرتين بالاعتبار إحداهما مركّبة من العلل والأخرى من المعلولات ، وإذا طبّقنا بين آحاد الجملتين ـ اعني كلّ واحد من المعلولات على كلّ واحد من العلل ـ لزم زيادة وصف العلية على وصف المعلولية ، لانّه لا ينطبق حينئذ كلّ علة على معلولها لخروج المعلول الاخير ـ بل على معلول علّتها المتقدّمة عليها بمرتبة ، وذلك المعلول هو نفس تلك العلّة الّتي تنطبق عليه ، فالعلة والمعلول ـ اللّذان يحصل بينهما الانطباق ـ شيء واحد وإنّما يتغايران باعتبار وصفي العلية والمعلولية ، وبهذا الاعتبار يتصوّر الانطباق بينهما. فكلّ علة ومعلول منطبقين لا بدّ ان تكون قبلهما علّة ، لانّه إذا اجتمعت العلّيّة والمعلولية المنطبقتين في واحد واستندت معلوليته إلى علة مقدّمة عليه وجب أن تتقدّم علّة على كلّ منطبقين من العلة والمعلول ، فإذا انطبقت افراد المعلولات بأسرها ـ بحيث لم يبق منها واحد غير منطبق ـ كان هناك علّة متقدّمة على جميع المنطبقات لم ينطبق عليها شيء من افراد المعلولات ـ وإلاّ لزم أن ينطبق معلول من تلك المعلولات على علّته

٤٩

لا على علّة المعلول المتأخّر عنه الّتي هي نفس ذلك المعلول ـ ، وإذا انطبق على علّته فلا تكون علّته متقدّمة عليه ، بل واقعة في مرتبته وهو خلاف المفروض ، فتتحقّق هناك علّة متقدمة على جميع المنطبقات فتزيد سلسلة العلل على سلسلة المعلولات بواحدة ، فيلزم انقطاع سلسلة المعلولات ، ومنه يلزم انقطاع سلسلة العلل ؛ هذا لو فرضت السلسلة متناهية من جانب المعلولات غير متناهية من جانب العلل. ولو فرضت متناهية من جانب العلل غير متناهية من جانب المعلولات تسقط العلّة المحضة ويلزم عند التطبيق بين الجملة التامة والناقصة زيادة وصف المعلولية على وصف العلية ، اذ كلّ معلول حينئذ لا ينطبق على علّته بل على عليّة معلوله المتاخّر عنه ، وتلك العلّة هى نفس ذلك المعلول. فبمثل ما مرّ تبين انّ كلّ معلول وعلّة منطبقين لا بدّ أن يكون بعدهما معلول. وعلى قياس ما تقدّم يلزم زيادة سلسلة المعلولات على سلسلة العلل ، فتنقطع السلسلتان(١) .

ومنها « برهان التضايف ». وتقريره : انّه لو وجدت سلسلة غير متناهية لكان كلّ واحد من آحادها معلولا لسابقه وعلة للاحقه إلاّ العلّة الاولى إن كان عدم التناهى من جانب المعلولات دون العلل فانها علّة محضة ، إذ المعلول الأخير إن كان بالعكس فانّه معلول محض فيتصف كلّ واحد من آحادها بالمتضايفين ـ أعني : العلّية والمعلولية ـ ، إلاّ العلّة المحضة أو المعلول المحض ـ فان كلاّ منهما يتصف بإحداهما ـ ، فيزيد عدد أحد المتضايفين على الآخر بواحد ؛ لكنّه محال لانّ المتضايفين متكافئان في الوجود ـ أي : يجب تساويهما في العدد ـ ، فيلزم ان يكون بإزاء كلّ علية معلولية حتّى يتساويا / ١٢ DA / في العدد ولا يتصوّر ذلك إلاّ بان تكون السلسلة من الطرف الآخر متناهيا لتحقّق معلول محض أو علّة محضة يكون بإزاء ما فرض في الطرف المتناهى من المعلول المحض أو العلّة المحضة. ولو فرضت السلسلة غير متناهية من / ١٢ MA / الطرفين قطعناها من البين واعتبرنا كلّ قطعة على حدة. وهذا البرهان كما ثبت منه بطلان

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ، ص ١٢٣. وانظر : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٦٣ ؛ شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٢٥.

٥٠

التسلسل ثبت منه وجود الواجب بالذات ، لانّه إذا وجد في أحد طرفي السلسلة ما هو المتصف بالعلّية دون المعلولية باعتبار وجوده في نفسه كان واجبا بالذات لا بالغير من الواجب بالذات إلاّ ما هو علّة الاشياء وليس معلولا لغيره(١) .

قال بعض الأفاضل : « هذا الدليل ممّا عوّل عليه الفحول وتلقّوه بالقبول ؛ وفيه نظر ، لانّه إن اريد بزيادة عدد أحد المتضايفين على الآخر لزوم الزيادة في الخارج ، فهو انّما يصحّ لو كان لهذين المتضايفين ـ أي : العلّية والمعلولية ـ وجود في الخارج ، وهو ممنوع ؛ لانّهما من المعقولات الثانية. وإن أريد به لزوم الزيادة في الذهن فهو انّما يصحّ إذا قدر الذهن على الاحاطة بجميع المراتب الغير المتناهية ، وانّى له ذلك؟!. وان توهّم انّه يلزم زيادة عدد المعلول على عدد العلّة فنقول : لا محذور فيه ، ولا بدّ لنفيه من دليل ». انتهى.

وجوابه : انّا نختار أوّلا انّ لزوم الزيادة انّما هو في الواقع ونفس الأمر ، فانه لو وجدت الآحاد الغير المتناهية في الخارج لاتّصف كلّ منها بالعلّية والمعلولية في الخارج وكانتا ثابتتين له في نفس الأمر والواقع ، وإن لم يكن الخارج ظرفا لوجودهما بل ظرفا لاتصاف تلك الآحاد بهما ؛ فانّ الضرورة قاضية بانّ لها نوع تحقّق ونحو ثبوت لتلك الآحاد في نفس الأمر وإن لم يوجد فارض ومعتبر ، فانّ للمعلولات الثانية أيضا نحو تحقّق في نفس الأمر. على انّا نقول : لا ريب في أنّ اتصاف كلّ واحد من تلك الآحاد بالعلّية والمعلولية متحقّق في الخارج ، وما يدلّ على تساوي عدد المتضايفين يدلّ بعينه على تساوي عدد الاتصاف بهما ؛ مع انّه لو وجدت سلسلة غير متناهية من أحد الطرفين يلزم أن يكون عدد الاتصافات بأحد المتضايفين زائدا على عدد الاتصافات بالآخر بواحد.

ونختار ثانيا انّ لزوم الزيادة انّما هو في عدد العلل والمعلولات. وما ذكره من انّه لا محذور فيه مدفوع بأنّ ما يقتضي وجوب التكافؤ بين العلّية والمعلولية يقتضي وجوبه

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ، ص ١٢٥. وانظر أيضا : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٦٢ ؛ شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٢٤.

٥١

بين العلّة والمعلول أيضا ؛ كيف وقد ذكروا انّ المتضايفين إمّا حقيقيّان ـ كالأبوّة والبنوّة ـ ، أو مشهوريان ـ كالأب والابن ـ ، وقد صرّحوا بثبوت التكافؤ في كلّ من القسمين.

ونختار ثالثا : انّ لزوم الزيادة في الذهن وعدم اقتداره على الاحاطة بالآحاد الغير المتناهية غير قادح ، لأنّ الملاحظة الاجمالية كافية في ذلك الحكم والذهن قادر عليها. على انّ الحكماء مصرّحون بانّ المدارك العالية قادرة على ملاحظة الأمور الغير المتناهية مفصّلة ، فيلزم الزيادة في مداركهم وإن لم يلزم في المدارك القاصرة.

فان قيل : التكافؤ اللازم بين العلّة والمعلول أن تكون بإزاء معلولية المعلول علّة قائمة بعلّة ذلك المعلول ، وهذا المعنى ثابت للمعلول الأخير ؛ فانّ العلّية المتضايفة لمعلوليته هي الّتي قائمة بعلّية ، وكذا حال كلّ معلولية في تلك السلسلة. فإن ادّعى في البرهان انّه يلزم زيادة المعلولية المتضايفة على العلّية أو بالعكس لواحدة فهو ممنوع ، لانّ كلّ معلولية يكون بإزائها العلّية القائمة بعلّة ذلك المطلوب المتصف بالمعلولية ، وكلّ علية تكون بإزائها المعلولية القائمة بمعلول تلك العلّة المتصفة بالعلية ؛ وإن ادّعى انّه يلزم زيادة المعلولية على العلّية أو بالعكس بواحدة مطلقا ـ أي : سواء كانت تلك المعلولية متضايفة أم لا ـ ، فهو ممنوع ، ولكن لا نسلّم استحالته ، ولا بدّ لانكاره من دليل.

قلنا : العقل كما يحكم بامتناع تحقّق احد المتضايفين بدون الآخر كذلك يحكم بامتناع زيادة عدد أحد المتضايفين على عدد الآخر. وتوضيحه : انّه لا يكون بإزاء مضايف حقيقى واحد إلاّ مضايف حقيقى واحد. فلا يكون بإزاء علّية واحدة إلاّ معلولية واحدة. فلو تكثّرت العلّية تكثّرت المعلولية بحسب تكثّر العلية ، فيتساوى عددهما. وفي صورة التسلسل يلزم زيادة عدد إحداهما على عدد الأخرى.

فان قيل : لا يلزم زيادة عدد المعلولية على عدد العلّية ولا العكس كما ذكرتم ، لأنّ علّة المعلول الآخر ليس الواحد الّذي فوقه ، لانّه علة ناقصة له بل علّته التامة مجموع ما فوقه من السلسلة ، وكذلك ما فوق المعلول الأخير ينحلّ إلى جزءين احدهما معلول

٥٢

والآخر علّته وهو مجموع ما فوقه ـ وهكذا إلى غير النهاية ـ ، فلا يلزم الزيادة المذكورة ؛

قلنا : إذا انحلّت السلسلة إلى المعلول الأخير وإلى / ١٢ DB / مجموع ما فوقه ويكون / ١٢ MB / مجموع ما فوقه علّة له ثمّ فصّلت تفصيلا ثانيا وثالثا وهكذا لزم زيادة العدد المعادّ له على عدد العلّة على هذا التقدير أيضا ، لانّ جميع ما فوق المعلول الأخير يتّصف بالعلّية والمعلولية معا ، والمعلول الأخير يتّصف بالمعلولية فقط ، وهو ظاهر. على انّا نقول : لا كلام في ذلك ، بل المطلوب انّه لمّا كانت سلسلة الآحاد ترتيبية فتكون تلك الآحاد بحيث يكون كلّ سابق منها علّة للاحق ، وان كان السابق علّة ناقصة بالقياس إلى اللاحق إلاّ المعلول الأخير فانّه ليس علّة ناقصة لشيء ، فيلزم الزيادة المذكورة بهذا الاعتبار لا مطلقا. ثمّ لا يخفى انّ هذا البرهان يجري في المتعاقبات وفي المجتمعات الغير المترتبة أيضا ؛ امّا جريانه في الأولى فلأنّ الحصول في الخارج ولو على التدريج يوجب حصول العدد في الواقع ونفس الأمر ، فيقبل التساوي والزيادة ، وامّا جريانه في الثانية فلانّه إذا اسقطنا واحدا من مجموع تلك الآحاد الغير المتناهية بقى أقلّ عدد منها ، وإذا اسقطنا واحدا من الباقى بقى عدد اقلّ من هذا الباقى وازيد ممّا لو اسقط منه واحد أيضا ، وهكذا إلى غير النهاية ؛ فلكلّ مجموع اقلّيّة واكثرية سوي المجموع الاوّل ، فانه لكونه اكثر من الجميع له اكثرية فقط ، فيزيد عدد الاكثرية على عدد الاقلّية مع أنّهما متضايفان. فان قيل : يجب أن يوجد ما هو الأقلّ من الكلّ وهو الواحد ، فله اقلّية فقط ؛ قلنا : محال يوجد بين هذه الاقلية والاكثرية الّتي للكلّ أو بين الأقل والأكثر مراتب غير متناهية محصورة بين حاصرين ، وهو باطل.

ومنها : انّه لو وجدت سلسلة غير متناهية فهي لا محالة اسقطنا منها واحدا ، فيبقي الباقي أقلّ منها ، والاتصاف بالأقلية يستلزم التناهي ، لأنّ معنى أقلية الشيء أن يكون له حدود مرتبة لا يجاوزه ، وإذا كان متناهيا كانت السلسلة أيضا متناهية ، لانّه لا يزيد عليه إلاّ بواحد.

ومنها : انّه لو وجدت سلسلة غير متناهية فهي لا محالة تنحلّ على آحاد وعشرات و

٥٣

مئات وألوف وهكذا ، فعدّة الآحاد مثلا امّا أن تكون مساوية لعدّة الالوف أو اقلّ منها أو أكثر ، والكلّ باطل. امّا بطلان الأوّلين فلأنّ عدّة الآحاد يجب أن يكون أزيد من عدّة الالوف بتسعمائة وتسع وتسعين ، لأنّا نأخذ في عدّة الآحاد كلّ واحد واحد وفي عدّة الألوف نأخذ كلّ الف واحدا ، فيكون عدّة الآحاد في ألف مائة ألف مائة وعدّة الألوف فيها مائة ، فكيف يمكن مساواة عدّة الآحاد لعدّة الالوف أو نقصانها عنها؟!. وامّا بطلان الثالث فلأنّه لو كان عدّة الألوف اقلّ لكانت متناهية ـ لما تقدم من أنّ الاقلّية لا ينفكّ عن التناهي ، لانّ معناها أن يكون له حدّ ومرتبة لا تجاوز عنه ـ ، والضرورة قاضية بانّه لا معنى لكون غير متناه اقلّ أو أكثر من غير متناه آخر وإذا كانت عدّة الألوف متناهية كانت عدّة الآحاد أيضا متناهية ، اذ هى لا يزيد عليها إلاّ بقدر متناه ـ وهو تسع مائة وتسع وتسعون ـ ، فيلزم تناهى السلسلة لتناهي اجزائها عدّة وآحادا(١) .

فان قيل : نحن نمنع المنفصلة القائلة بانّ عدد الآحاد إمّا مساو لعدد الالوف أو اقلّ أو أكثر لانّ التساوي والتفاوت من خواصّ المتناهى(٢) ؛

قلنا : الضرورة قاضية بانّ كلّ جملتين سواء كانتا متناهيتين أو غير متناهيتين إمّا متساويتان أو متفاوتتان في الواقع ، ومنعه مكابرة!.

ومنها : انّه لو وجدت سلسلة غير متناهية لاشتملت على آحاد غير متناهية وعشرات غير متناهية ومئات غير متناهية وألوف غير متناهية وهكذا ، فيجب ان يكون العادّ لكلّ واحد من تلك العدد أيضا اعداد غير متناهية ، فتكون العادّ لكلّ منها واحدا وهو تمام الآحاد ـ لأنّ الاعداد العادية في جميع تلك العدد يستوعب تمام الآحاد وإلاّ لم يكن معنى لعدم تناهى تلك العدد ـ ؛ فيلزم أن يكون كلّ عددين متناهيين كالواحد والعشر والعشرة والمائة والمائة والألف متساويين لتساوي ما بعدهما.

ومنها : انّه لو وجدت سلسلة غير متناهية لاستلزمت لان يكون عدد واحد هو مجموع آحاد السلسلة زوجا وفردا ؛ وهو محال. بيان اللزوم : انّه لو وجدت سلسلة

__________________

(١) راجع : الشرح الجديد ، ص ١٢٥. وانظر : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٦٤ ؛ شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٢٩.

(٢) انظر : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٦٥ ؛ شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٣١.

٥٤

كذلك فان كان أحد طرفيها متناهيا فذاك ، وإلاّ قطعناها من البين ونقول : العدد الّذي وقع مبدأ لتلك السلسلة متّصف بالاوّلية وعلية المتقدّمة عليه بمرتبة متصفة بالثانوية وعلّة تلك العلة متصفة بالثالثية ـ وهكذا كلّ واحد من آحاد تلك السلسلة على الترتيب ـ له مرتبة معيّنة كالرابعية والخامسية إلى غير النهاية ؛ ولا ريب في انّ نصف تلك الآحاد تقع في المراتب الفردية كالاوّل والثالث والخامس ، ونصفها الآخر يقع / ١٣ MA / في المراتب / ١٣ DA / الزوجية كالثانى والرابع والسادس وكلّ منهما يذهب إلى غير النهاية فيكون بإزاء كلّ واحد من المراتب الفردية واحد من المراتب الزوجية وبالعكس ؛ ولا يجوز أن يقع فردان أو زوجان ولاء ـ بل يقع بعد كلّ فرد زوج وبالعكس ـ ، فيكون عدد الآحاد الفردية مساويا لعدد الآحاد الزوجية ، فتنقسم السلسلة إلى قسمين متساويين أحدهما الأفراد والآخر الازواج ، فيكون مجموع آحاد السلسلة زوجا ـ لانّا لا نريد من الزوج إلاّ المنقسم بمتساويين ـ. ثمّ نقول : مجموع آحاد تلك السلسلة بعينها فرد ، لأنّا إذا اسقطنا واحدا منها بقيت سلسلة أخرى غير متناهية وناقصة منها بواحد ، وتبيّن بما تقدم انّ آحاد تلك السلسلة الناقصة أيضا زوج ، فيلزم أن تكون السلسلة التامة فردا ، لانها كانت زائدة على الناقصة بواحد. وإذا زيد واحد على زوج يحصل فرد ، لأنّ الواحد إذا انضمّ إلى احد النصفين يزيد على الآخر ولا يصلح للتنصيف ، فيثبت لزوم ما ادّعيناه من كون آحاد السلسلة زوجا وفردا وهو باطل. وهذا المحال لزم من فرض وجود غير المتناهى ، فيجب أن يكون الطرف الّذي فرض غير متناه متناهيا لئلاّ يلزم هذا التناقض.

ومنها : انّه لو وجدت سلسلة غير متناهية لكان نصفها آحادا زوجية ونصفها آحادا فردية ـ كما تقدّم آنفا ـ ، فيوجد النصف لتلك السلسلة ، ولكن آحاد كلّ من النصفين منتشرة في مجموع السلسلة بمعنى أنّ بعد كلّ فرد زوج وبالعكس إلى غير النهاية. ثمّ نقول : لا ريب في انّه يمكن اعتبار التنصيف وتعينه من أحد الطرفين على التوالى والترتيب ، بان نقول : نصف الآحاد الزوجية مع نصف الآحاد الفردية في كلّ من الطرفين نصف أعداد السلسلة على التوالى والترتيب. وإذا وجد للسلسلة نصف

٥٥

على الترتّب والتوالى نقول : لا يخفى على كلّ عاقل انّ كلّ عدد مؤلّف من آحاد مترتّبة له نصف يجب أن يحصل نصفه أوّلا ثمّ يحصل كلّه ، وما لم يحصل في الخارج نصفه لا يمكن أن يحصل كلّه ، ولا ريب في انّ النصف إذا وجد كان محصورا بين الحاصرين ـ أعني : مبدأ السلسلة ومبدأ النصف الآخر ـ ، فيكون متناهيا ؛ وإذا كان النصف متناهيا كان الكلّ متناهيا.

ومنها : انه لو وجدت سلسلة غير متناهية من جانب واحد لاشتملت على آحاد فردية غير متناهية وآحاد زوجية كذلك ، فتوجد فيها أوّلا سلسلتان غير متناهيتين من جانب واحد ويلزم أن لا ينقص مجموع آحادهما عن آحاد الغير المتناهي في الجانبين بمقدار غير متناه ، لانّ الضرورة قاضية بانّ كلّ سلسلتين غير متناهيتين من جانب واحد لا ينقص مجموع آحادهما عن آحاد غير المتناهى من الجانبين بمقدار غير متناه ، بل امّا يتحقّق بينهما التساوي أو الزيادة أو النقصان بقدر متناه. ثمّ نقول : لا ريب في انّ كلّ سلسلة غير متناهية من جانب واحد ينقص آحادها عن آحاد السلسلة الغير المتناهية من الجانبين بمقدار غير متناه ، لأنّا إذا طبّقنا الأولى على أحد قسمي الثانية لكانت مساوية ومطابقة له ، ويبقى منها قسم آخر غير متناه ، فيلزم منه أن تكون السلسلة الّتي فرضت أوّلا غير متناهية من جانب واحد أنقص من الغير المتناهية من الجانبين بمقدار غير متناه وإن اشتملت على آحاد فردية غير متناهية وآحاد زوجية كذلك ، مع انّه يثبت أوّلا أنّها لا تنقص عنها بمقدار غير متناه ، فيجتمع فيها النقيضان ، وهو محال.

فان قيل : المحال انّما لزم من فرض وجود السلسلة الغير المتناهية من الجانبين ، ويجوز أن يكون وجود مثل تلك السلسلة محالا ولم يكن وجود السلسلة الغير المتناهية من جانب واحد محالا! ؛

قلنا : إن جاز وجود الغير المتناهي جاز وجود السلسلتين وإن لم يجز وجودهما ، والفرق تحكّم!.

فان قيل : المسلّم انّ السلسلتين الغير المتناهيتين من جانب واحد إذا تعدّدا

٥٦

بالاثنينية الخارجية وامتاز إحداهما عن الأخرى وتوالت آحادهما لا ينقص مجموعهما عن الغير المتناهي في الجانبين لا إذا لم يتمايزا بالاثنينية وتشابكت آحادهما ـ كما في ما نحن فيه ـ ، فانّهما بالحقيقة سلسلة واحدة صارت اثنتين باعتبار العقل ؛

قلنا : لا شبهة في أنّ عدد السلسلتين لا يتفاوت بتشابك / ١٣ MB / آحادها مع غيرها أو تواليها ، فما يثبت لها من الأحكام من حيث العدد لا يتفاوت بالتشابك والتوالي ، فانّك لو فرضت توالى كلّ واحد من الآحاد الفردية والزوجية بأن يخرج واحد منهما من بين آحاد الاخرى حصلت سلسلتان محقّقان ممتازتان متواليتا الآحاد ، وهما كانتا موجودتين بعينهما في السلسلة الأولى. فبالتشابك والتوالى لا يختلف حكمها ولا يزيد عددها ولا ينقص على احد التقديرين دون الآخر.

ومنها : انّه لو وجدت سلسلة مركبة / ١٣ DB / من آحاد غير متناهية لكان لها في حاقّ الواقع ومتن الخارج مرتبة من العدد البتة ، لانّ كلّ جملة موجودة في الخارج متعينة الآحاد يجب أن يعرضها مرتبة عددية ويوجد مراتب أخر ناقصة عنها بواحد واثنين وثلاثة ، وهكذا يوجد طبقات مترتّبة متنازلة إلى أن ينتهى إلى الواحد ، وكلّما يوجد من المراتب المتوسّطة بين المرتبة الأولى والمرتبة الأخيرة ـ أعني : الواحد ـ محصور بينهما ، فلو كانت تلك المراتب غير متناهية لزم كون الغير المتناهي محصورا بين حاصرين وهو باطل(١)

وأنت تعلم انّه لو قطع النظر عن الانصاف واستقامة القريحة يمكن للمناظر المجادل أن يمنع أوّلا وجود مرتبة عددية معينة لآحاد الغير المتناهي ؛ ويمنع ثانيا استحالة انحصار الغير المتناهي بين مثل هذين الحاصرين(٢) ـ أعني ـ المرتبة الّتي لغير المتناهي والمرتبة الواحدية ـ ، إلاّ أنّ بعد الرجوع إلى الانصاف والوجدان السليم والحدس الصائب يحكم العقل بأنّ الآحاد الموجودة المتعينة في الخارج لا بدّ أن يعرضها مرتبة معينة من العدد ولا يمكن انحصار غير المتناهي بينها وبين الواحد(٣) .

__________________

(١) انظر : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٦٦ ؛ شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٢٧.

(٢) راجع : الحكمة المتعالية ، ج ٢ ، ص ١٦٧.

(٣) وهناك ادلّة اخرى لابطال الدور والتسلسل وابحاث قيّمة مبثوثة في الكتب الحكمية و

٥٧

* * *

__________________

الكلامية. ولعلّ من أنفسها ما ذكره الإمام الرازى ، راجع : المطالب العالية ، ج ١ ، ص ١٣٦ / ١٥٧.

٥٨

المقالة الأولى

في اثبات الواجب الوجود لذاته

٥٩

المقالة الاولى

في اثبات الواجب الوجود لذاته

اعلم! أنّ هذا المطلب مع كونه من أعلى المطالب الالهية وأسنى المقاصد الحكمية وأصل كلّ السعادات وأفضلها ومبنى جميع الخيرات وأشرفها والغاية العظمى للناظرين في حقائق الملك والملكوت والوجهة الكبرى للمسافرين إلى صقع عالم الجبروت ، قد امتاز عن جميعها بالوضوح والجلاء ؛ بحيث لا يخفى على الأغبياء فضلا عن العقلاء ، كيف لا؟! وكلّ من يرقى من حضيض الحيوانية وأعطى حظّا من الانسانية يعلم أنّ هذه الموجودات الكثيرة العظيمة لم توجد بنفسها ولا بما هو محتاج مثلها ؛ بل انّما وجدت من صانع غنىّ عن غيره ، ولذا لو تصفّحت فرق الأنام من الخاصّ والعامّ واطّلعت على بواطنهم وعقائدهم وجدتهم متّفقين على الاقرار بإله العالم وصانعه : بل علمت أنّ منكره انّما ينكر باللسان وقلبه مطمئنّ بالايمان ـ كما قال امير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين : فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود على اقرار قلب ذي الجحود ـ(١) ؛ وهذا يدلّ على أنّ معرفة الله فطرية. ويؤكّده اضطرار الناس في المضايق والمصائب إلى التوجّه والفرار إلى إلههم وخالقهم(٢) .

__________________

(١) من كلام له ـعليه‌السلام ـ وفيه جملة من صفات الربوبية والعلم الالهى. راجع : نهج البلاغة ، الخطبة ٤٩ ص ٨٨.

(٢) راجع : المطالب العالية ، ج ١ ص ٢٤٠ ، حيث انعقد الرازي الفصل الثاني من القسم الثاني

٦٠

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482