شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء ٣

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية0%

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 697

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 182477
تحميل: 4444

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182477 / تحميل: 4444
الحجم الحجم الحجم
شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء 3

مؤلف:
العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

شهداء الاسلام

(من سنة ٤٠ إلى ٥١ الهجريّة

المجلّد الثالث

حبيب طاهر الشّمريّ

١

شهداء الإسلام

من سنة ٤٠ إلى ٥١ الهجريّة

المجلّد الثالث

حبيب طاهر الشمّريّ

الطبعة الأولى: ١٤٣٥ ق / ١٣٩٣ ش

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبيّنا المصطفى وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

حلقة ثالثة في سلسلة (شهداء الإسلام)، كان الأولى قد تناولت شرح الوقائع والحروب في عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ترجمة للمسلمين الذين استشهدوا في تلك الحروب.

وتناولت الحلقة الثانية شرحا لمجرى الأمور بعد رحلة النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ أي من السنة العاشرة اللهجرة الشريفة وانتهاء بشهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام و ترجمة لشهداء هذه المرحلة في تاريخ الإسلام.

وهذه هي الحلقة الثالثة من (شهداء الإسلام)؛ تناولت حياة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام و شهادته ثم شهداء (مَرْج عذراء) وبعض الشهداء ممّن استشهدوا على يد ابن هند معاوية ومن جاء بعده.

في هذه الحلقة عرضنا للشجرة الملعونة، لذكر القرآن لها ولعنها ولما وجدته من أمور لا يُسكت عليها مخالفة للقرآن الكريم والسُنّة النبويّة المطهّرة وهما يأمران الناس بدعوة الأبناء إلى آبائهم ورتّبا آثاراً اجتماعيّة وأحكاماً شرعيّة على ذلك، فكانت الشجرة المعلونة حقلاً واسعاً للدراسة لكثرة الأدعياء بدءاً بأميّة العبد القبطيّ الذي اشتراه عبد

٣

شَمْس ثمّ أعتقه واستلحقه! وأعتق أميّة عبده ذَكْوان واستلحقه وسمّاه (أبو عمرو). ولم يقف عند هذا، إنّما زوّجه من امرأته!! وكلّما نزلنا أو صعدنا عن أميّة ازدحمت الفضائح حتّى وصلنا صخر بن حرب (أبو سفيان) وامرأته هند، وفضائحهما تزكم الأنوف من ذلك: أنّ معاوية يُدعى لأربعة، ولعبدٍ مغنٍّ اسمُه الصُّبّاح؛ وينسب أيضاً إلى وحشي قاتل حمزة بن عبد المطّلبعليه‌السلام . ووجدنا ابن ميسون الناقص (يزيد) مطعون في نسبه وأنّه لغير معاوية. وكانت جدّة معاوية (حمامة) من ذوات الرايات.

هذا في حقل النسب، وأمّا في الأفعال، فإنّ استنان ابن هند بالأوائل ممّن مهّد له السبيل، قد عدى على أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحرقها، وأحيا الجاهليّة بمتاجرته بتماثيل النحاس والخمر! وصرّح بأنّه يسعى إلى دفن اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرج على وليّ أمر المسلمين وأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وحاربه، ثمّ حارب الإمام الحسن المجبتبىعليه‌السلام و خان عهود الصلح وسمّ الحسنعليه‌السلام .

ومن جرائمه قتل الصلحاء: حجر بن عَديّ وصحبه الكرام وقتله الصحابيّ الجليل (عمرو بن الحَمِق).

فكان لزاماً أن نعطي الموضوع حقّه ومقابل ذلك جرى الكلام بتوسّع في شأن الشجرة المباركة إذ الأبواق الأمويّة والزبيريّة والخارجيّة لم تسكت منذ تلك الأعصر في رفع شأن الشجرة الملعونة والنيل من الشجرة المباركة. وفي عصرنا كثرت الإصدارات في تمجيد مَن هبّ ودبّ ورائدهم (ابن تيميّة) صاحب الفتنة الكبرى. ولذا يجد القارئ الكريم كثرة ذكر الخوارج، فهناك الخوارج المارقون الّذين خرجوا على أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وقاتلهم في النهروان؛ وهناك كلّ من خرج على الله ورسوله وأئمّة الهدىعليهم‌السلام .

٤

نسأل الله تعالى أن يتقبّل منّا بأحسن قبوله وآخر قولنا أن الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

مع جزيل شكري لمديري مجمع البحوث الإسلاميّة على توفيرهم فرصة العمل لإتمامه أسأل الله لهم ولكلّ مَن عمل بحرصٍ لإخراج العمل بأسلوب أفضل.

حبيب الشمّريّ

٥

٦

ألغارات

إنّ الّذي أحدثه الأوائل بخروجهم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وما نزل فيهم من قرآن على ما ذكرنا، وخروجهم عليه لـمّا أراد أن يكتب الوصيّة حتّى طردهم، فلمّا خرجوا لم يعودوا فيعتذروا وإنّما مضوا إلى الصراع من أجل الحكم، وتوفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عنهم غيرُ راضٍ!

ولم يقف القوم عند هتْكهم حُرمة الأنصار وقتلهم سيّد الخزرج سعد بن عُبادة - غيلةً - إذ رفض بيعة أبي بكر، ثمّ عمر، وخرج إلى الشام، ألجأه إلى ذلك عمر، ثمّ أرسل جنيّاً قتله بالشأم! - مرّ تفصيل ذلك- -. وتمادى القوم فخرجوا على الله تعالى الذي جعل من عليّعليه‌السلام وليّاً للمسلمين، وخرجوا على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أنزله من نفسه منزلة هارون من موسى، وجعله نفسه التي يباهل بها، وتعدّدت مناسبات التنصيب للإمارة والولاية كان منها حديث الثقلين، والتتويج يومَ غدير خُمّ....

ولماّ تخلّف عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام عن بيعة أبي بكر، وكان أبوبكر علم أنّ رسول الله قد أوصى عليًّا كما أوصى الأنصار، فهو ملتزم بالوصيّة حينما نشط أبوبكر وأمر عمر بن الخطّاب أن يأخذ عليًّا أعنف الأخذ فمضى هذا وجمع الحطب على بيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبيده قبس من نار، فتلقّته فاطمةعليها‌السلام مندهشة وقالت: أتريد أن تحرق علينا البيت يا ابن الخطّاب؟! قال: نعم....

٧

و والله لولا علمهم بالوصيّة لـما أقدموا، وهم يعلمون أيُّ ليث في البيت هو عليٌّ؛ الذي وَتَرَ بني عَديّ، وبني تَيْم، وبني مخزوم، وبني عبد شَمس، وبني لُؤَيّ، وبني أميّة، وبني أبي مُعَيْط، وبني أسد بن عبد العُزّى، وبني جُمَح، وبني نَوْفَل بن عبد مَناف، وبني سعد بن سَهْم، وبني عبد الدار، وبني العاص.....؛ كلّ هؤلاء وَتَرَهم يومَ بَدْر؛ فمن مجموع خمسين هالك، كان الّذين عجّل بهم فتى الإسلام وسيفه الّذي سلّه الله تعالى على الشرك والنفاق: تسعا وعشرين، وفي قول: سبعا وعشرين وشرك عمّه حمزةعليه‌السلام في ثلاث، وكلّهم من أبطال وصناديد الشرك والكفر. ذكرنا جملةً منهم.

وهو الّذي قطع رؤوس أصحاب الألوية يوم أُحد، ومثلما المحرّق وصاحبه لم يقربا أبطال الشرك إنّما لجأ المحرّق إلى صخرة مع طلحة ومجموعة يأكلون فإذا سُئلوا عن سبب اعتزالهم المعركة كان جوابهم أن قُتل محمّد! وكان ذلك إثْرَ هتاف الشيطان وإذاعته بذلك، فيما وصل عثمان الجَعْلبَ بأطراف المدينة فصدّتهم نساء الأنصار وأطفالهم من دخول مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلبثوا ثلاثاً ورجعوا بها عَرِيضةً!

ويوم الخندق - تكلّمنا عنه - وإنّما نؤكّد أمراً: أنّ غير عليّ ابن عمّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يجب عمرو بن عبد ودّ، ثلاث مرّات ينهض عليّ فيجلسه النبيّ! لماذا؟ لا أظنّ إلّا ليثبت لعليّ فضيلة ربّما يزعم أحدُهم بعدُ: أنّني كدتُ أخرج إلى عمرو، فسبقني عليّ إليه! فلمّا أحجمَ الجميع وبحّ صوت عمرو من النداء، أذن النبيّ لعليّ لينطلق فيريح عمرو من النداء بضربة علويّة، وعطف على ابنه حِسْل فألحقه بأبيه؛ ففرَّ بنو مخزوم بعارها! فلم يستردّ عِكرمة بن أبي جهل وتر أبيه ولا خالد بن الوليد وتر عمّه وأخيه وبني عمّه، وهم جملة وفيرة وتَر بهم عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خالداً وعمرَ، على ما ذكرنا تفصيله سابقاً. وإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أحرج القوم يومَ الخندق إذ لم يأذن لعليّ بمنازلة

٨

فارس المشركين، فقد حصل نظير ذلك يوم خَيبر؛ فقد شاءت الحكمة الإلهيّة أن يرمد عليّعليه‌السلام ؛ فرآها رسول الله مناسبةً ليُحرج الرجلين؛ فأعطى الراية إلى أبي بكر، فذهب بها قليلاً وعاد يُجبّن أصحابه ويُجبّنه أصحابُه! ولئلّا يقول عمر: لو أعطاني النبيّ الراية لكان الفتح على يدي لـما يعرفه اليهود من بسالتي! فأعطاه النبيّ الراية، فمضى بها قليلاً وعاد يُجبّن أصحابه ويُجبّنه أصحابه. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لأعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرّار يفتح الله عليه). فلمّا كان الغد دعا رسول الله عليًّا وكان يشتكي عينيه لا يرى موضع قدميه، فشفاهما رسول الله بريقه، وأعطاه الراية، فذهب بها عليّ يُهرول حتّى ركزها في أطم من آطام اليهود، ثمّ قلع باب حصن من حصونهم تترّس به وقتل فارسهم (مرحب) فكان الفتح على يديه(١) .

إنّ قول رسول الله: (... يُحبُّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرّار يفتح الله على يديه)، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تجنح به عاطفة إنّما ينطق عن وحي، فقوله في الرجل الذي سيعطيه الراية ليس من جنس من أخذها ففرّ، إنّما هو (كرّار غير فرّار) لكثرة كرّاته ونكايته في العدوّ، لا يجبن فيفرّ. وهو يحبّ الله ورسوله، والله ورسوله يُحبّانه، إذاً: من كان قبله ليس مثله ولو كان مثله ما فرّ، وفتح الله على يديه! وهذه نبوءة لو لم تتحقّق في هذا الرجل؛ بطل قول رسول الله فيه - حاشا له أن يقول إلّا ما أُوحي إليه -؛ فباتوا ليلتهم وكلّهم يرجونها! فكان الرجل هو عليّعليه‌السلام الذي أخذ الراية وراح يُهرول بها وكأنّه ذاهبُ إلى عُرسٍ! وتحقّقت نبوءة رسول الله فيه إذ قطّر فارس اليهود (مرحب) واقتلع باب حصنهم وما زال يقاتلهم حتّى فتح الله على يديه.

ومن حبّ عليّعليه‌السلام لله ورسوله: أنّه كلّه إسلام، فهو تسليم مطلق لله ولرسوله،

____________________

(١) خرجنا مصادره في موضع آخر؛ إلا أنّ المقام اقتضى ذكره هنا.

٩

ليس في حياته ثمّة خروج، وطاعته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته نفسها في حياته؛ فكان من جملة تلك الطاعة: امتثاله وصيّته بالصبر، ولم يجرّد حسامه ذا الفَقار، وإلّا فليس في القوم كما قلنا عمرو بن عبد وُدٍّ، ولا مرحب، ولا فرسان بدر وأُحُد وغيرها.

إبن هند على سرِّ أسلافه

وابن هند هو معاوية، وهند أمّه يُنسَب ويُنسِب نفسه إليها في كلّ مقام فيه وعد ووعيد أو تفاخر! فيقول: وأنا ابنُ هِند.

هند: هي هِندُ بنت عُتْبَةَ بن رَبيعةَ بن عبد شمس. وتَرَها عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام في أبيها: عُتبة بن ربيعة؛ جدّ معاوية لأمّه، شركه في قتله حمزة بن عبد المطّلبعليه‌السلام ، قتلاه يوم بدر(١) . فوَتَرا بذلك معاوية.

ووتَر أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بمشاركة عمّه حمزة أيضا هند بنت عتبة بن ربيعة، بعمّها شيبة بن ربيعة بن عبد شمس؛ فوترا بذلك معاوية، وذلك يوم بدر أيضا(٢) .

وانفرد أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بقتل أخيها، خال معاوية: الوليد بن عتبة، يوم بدر أيضاً(٣).

هؤلاء من هم ذوو رحم ماسّة بـ (هند)، فمِن ثَمَّ بـ (معاوية) وأفردنا عنهم حنظلة بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة، قتله أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يوم بدر(٤) . ولم نعدّه فيمن وتر به معاوية! فضلا عن هند! لـما ستعلمه من مقصود بحثنا، وإن وتَر به عليّعليه‌السلام آل

____________________

(١) النسب، لابن سلام: ٢٠٤، تاريخ الطبري ٢: ١٤٨، الثقات، لابن حبّان ١: ٦٥.

(٢) طبقات ٢: ١٧.

(٣) السيرة النبوية، لابن هشام ٢: ٣٦٦، المغازي، للواقدي ١: ١٤٨، طبقات ابن سعد ٢: ١٧، المحبّر: ١٧٥، أنساب الأشراف ١: ٣٥٦، النسب، لابن سلام: ٢٠٢، تاريخ الطبري ٢: ١٤٨، كتاب الثقات ١: ٦٥، الإرشاد: ٦٠.

(٤) المغازي، للواقدي ١: ١٤٧، المحبر، لابن حبيب: ١٧٦، أنساب الاشراف ١: ٣٥٥؛ الإرشاد، للمفيد: ٦٣.

١٠

أبي سفيان. فأمّ حنظلة بن أبي سفيان: ريحانة بنت أبي العاص بن أميّة(١) ؛ وأمّا معاوية، وعتبة؛ فأمّهما هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس(٢) ، لا خلاف في ذلك ولكن الخلاف في أبيهما!

ومن ولد أبي سفيان: عنبسة ومحمّد؛ أمّهما: عاتكة بنت أبي أزيهر وكان معاوية ولّى عنبسة الطائف، ثمّ نزعه وولاّها عتبة، فدخل عليه فقال: أما والله ما نزعتني من عضف ولا خيانة قال معاوية: إنّ عتبة ابن هند، فولّى عنبسة وهو يقول:

كُنّا لِحَربٍ صالحاً ذاتُ بَيْننا

جميعاً فأضْحَتْ فَرَّقَتْ بيننا هِنْدُ

إنّ قول معاوية: إنّ عتبة ابن هند، له دلالة: أقلّ ما يقال فيه انتفاؤه من أبي سفيان وصريح انتسابه إلى هند، هو وأخوه عتبة! أمّا أبوهما، فموضع شُبهة!

وتزوّجت هند بنت عتبة بن ربيعة: الفاكِه بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، قُتل عنها بالغميصاء؛ ثمّ حفص بن المغيرة مات؛ ثم أبا سفيان، صخر بن حرب(٣) .

وهند، وإن انتهى المطاف بها إلى أحضان أبي سفيان، إلّا أنّ الألسن والأقلام ظلّت تلاحق هندا وتقذفها بالزنا وتروّج إلى أنّ معاوية وأخاه عتبة ابنا هند ليسا لأبي سفيان!

فإنّ معاوية يُعزى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد، وإلى العبّاس بن عبد المطّلب، وإلى الصُّبّاح مُغنٍّ أسود كان لعُمارة. قالوا: كان أبو سفيان دميماً قصيراً فدعت هندٌ الصُّبّاحَ إلى نفسها. وقالوا: إنّ عتبة من الصبّاح أيضا، وإنّها كرهت تضعه في منزلها، فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك. وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت:

____________________

(١) جمهرة النسب، لابن الكبي: ٣٩.

(٢) نفس المصدر السابق: ٤٩ - ٥٠.

(٣) المحبّر، لابن حبيب: ٤٣٧.

١١

لمن الصبيُّ بجانب البَسط

حساء مُلقىً غيَر ذي سُهدِ(١)

نَجَلت به بيضاءُ آنِسةٌ

من عبد شمس صَلْتَهُ الَخدِّ(٢) ،(٣)

وكان بين يزيد بن معاوية وبين إسحاق بن طلحة بن عبيد الله كلام بين يدي معاوية فقال يزيد: يا إسحاق، إنّ خيراً لك أن يدخل بنو حرب كلّهم الجنّة! فقال إسحاق: وأنت خير لك أن يدخل بنو العبّاس كلّهم الجنّة! فأنكر يزيد ولم يدر ما عناه، فلمّا قام إسحاق قال معاوية: أتدري ما عناه إسحاق؟ قال يزيد: لا. قال: فكيف تشاتم رجلا قبل أن تعلم ما يقال لك وفيك؟ إنّه عنى ما زعم الناس أنّ أبا العبّاس أبي. وكانت هند اتّهمت به وبغيره، ولذلك لـمّا جاءت إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبايعه، فتلا:( يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى‏ أَن لاَ يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ ) (٤) . فلمّا بلغ قوله:

____________________

(١) في ديوان حسّان: (في التّرب ملقى غير ذي مهد).

(٢) نجلت به: ولدته. صلته الخدّ: خدّها بارز ناعم.

(٣) ربيع الأبرار للزمخشريّ ٣: ٥٥١. وفي ديوان حسّان زيادة:

تسعى إلى الصُّبّاح معولةً

يا هندُ إنّك صُلبةُ الَحردِ

غلبتْ على شبه الغلام وقد

بانَ السوادُ لحالِك جَعْدِ

الحالك: الشعر الأسود. الجعد: المجعّد، وهي صفة شعر العبيد السود وقال لها أيضاً:

لمن سواقطُ صبيان مُنبَّذَةٍ

باتت تَفَحَّص في بطحاء أجيادِ

باتت تمخَّضُ ما كانت قوابلُها

إلّا الوحوش وإلّا جنّة الوادي!

فيهم صبيٌّ له أمٌّ لها نسبٌ

في ذروة من ذُرى الأحساب أيّادِ

تقول وَهْناً وقد جدّ المخاض بها:

يا ليتني كنت أرعى الشَّول للغادي!

قد غادَروه لحرّ الوجه منعفراً

وخالُها وأبوها سيّد النادي

ديوان حسان بن ثابت الأنصاريّ: ٩٦ - ٩٧. (مُنبّذة: منبوذة. تفحّص: تتفحّص. أجياد: اسم موضع بمكّة، وهو شعب من شعابها. تمخّض: المرأة تطلق حال الولادة. القوابل: جمع قابلة وهي المرأة التي تشرف على الولادة. الشّّول: النِياق لها بقيّة لبن).

(٤) الممتحنة: ١٢.

١٢

( وَلاَ يَزْنِينَ ) قالت هند: وهل تزني الحرّة؟! فنظر النبيّ، إلى عمر وتبسّم!(١)

ولقد جرى كلام بين ابن هند وعبد الرحمن بن خالد فيه إشارة إلى (أجياد):

فقد ذكرنا قبل ُانحراف َوعداءَ خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ لعليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأوضحنا سبب ذلك وهو أنَّ أمير المؤمنين قد وتَر خالداً يومَ بدر في أخيه واثنين من بني عمّه، ويومَ أُحد في اثنين من بني عمّه، مضافاً إلى عدّة من قومه من بني مخزوم، مع تأخّر إسلام خالد إذ فرَّ يوم فتح مكّة لئلّا يرى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين، وأسلم بعد هو وابن النابغة. وجرَت على يد خالد فتوحات في العراق والشأم ومات بالشأم وكان قد أوصى إلى عمر بن الخطّاب لصلة الرحم، فخالد ابن خال عمر. ودفن في قرية على ميل من حمص، فدثرت تلك القرية! وضاع قبر خالد(٢) .

وكان عبد الرحمن بن خالد قد شهد صفّين مع ابن هند، وكان يلي له الصوائف - أي: الغزو بالصيف - ويبلي ويحسن أثره فعظم شأنه بالشأم ومال الناس إليه فحسده معاوية وخافه، فدسّ إليه متطبِّباً يقال له: ابن أُثال، وجعل له خراج حمص، فسقاه شربةً فمات، فاعترض خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - ويقال خالد بن عبد الرحمن - ابنَ أُثال فقتله، فرُفع ذلك إلى معاوية فحبسه أيّاماً ثمّ أغرمه ديّته ولم يَقِدْه(٣) .

وذكر ابن الأثير أنّ معاوية حين أراد البيعة ليزيد وخطب أهل الشأم أنّه كبرت سنّة وانّه أراد أن يعقد لرجل يكون نظاماً لهم! فما كان منهم إلّا أن أصفقوا لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فشقّ ذلك على معاوية وأسرّها في نفسه. ثمّ مرض عبدالرحمن فدسّ

____________________

(١) محاضرات الأدباء، للراغب الإصفهانيّ ١: ٣٥٣.

(٢) أنساب الأشراف ١٠: ٢٠٨.

(٣) نفس المصدر السابق: ٢٠٩.

١٣

معاوية طبيباً هو أثال النصرانيّ فدسّ له السمّ فقتله. فاتّهم المهاجر بن خالد معاوية وقتل أثال(١).

وكان معاوية لـمّا ولّى عبد الرحمن بن خالد الصائفة كتب له عهداً ثمّ قال له: ما أنت صانعٌ بعهدي؟ قال: سأتّخذه إماماً ومثالاً فلا أتجاوزه، فقال: ردّ عليّ عهدي! فقال: أتعزلني ولم تخبرني؟ أما والله لو كنّا ببطن مكّة على السواء ما فعلتَ بي هذا، فقال معاوية: لو كنّا ببطن مكّة لكنت معاوية بي أبي سفيان وكنت عبدالرحمن بن خالد، وكان منزلي بالأبطح وكان منزلك بأجياد أعلاه مَدْرة وأسفله عُذْرة(٢) .

ففي النصّ السابق إشارة من معاوية إلى ما قيل فيه أنّ أمّه (هند) كرهت أن تضعه في منزلها، فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك.

وفي النصوص التي عرضنا لها وجدنا ابن هند، يحسد المخلصين له في رجاله ويغدر بهم فيسمّهم!؛ ولذا صار أمراً طبيعيّاً للغاية أن يخون المشار إليه عهوده ومواثيقه بعد توقّف حرب صفّين، فراح يشنّ الغارات على أطراف توابع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام فيقتل وينهب ويسلب على طريقة الخوارج! وبعث البعوث إلى مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلى مكّة المشرّفة؛ فأرجف قادته بأهلهما وانتهكا حرمتهما، وقبل ذكر الغارات التي لها صلة بموضوعنا دون غيرها، نذكر جُملا أخرى تُدَلّل على انتساب معاوية للفراش (هند).

ابن هِنْد بالدليل القاطع والبرهان الساطع

في تاريخ دمشق: لـمّا ولّى عمر بن الخطّاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاّه من الشام خرج إليه معاوية، فقال أبو سفيان لهند: كيف رأيتِ ابنكِ صارَ تابعاً لابني! فقالت:

____________________

(١) أسد الغابة ٣: ٤٤٠.

(٢) أنساب الأشراف ١٠: ٢٠٩ - ٢١٠.

١٤

إن اضطرب حبل العرب فستعلم أين يقع ابنَك ممّا يكون فيه ابني(١) .

المستفاد من الخبر: أنّ صاحب الخبر قد نسب يزيد إلى أبي سفيان ولم ينسب معاوية إليه. وأمّا في كلام أبي سفيان وهو يفاخر زوجته هند؛ فقد وجدنا فيه أبا سفيان يقرّ ببنوّة يزيد له، وهو ينتفي من أبوّة معاوية! فيفتخر بابنه على ابن هند. ومقابل ذلك فإنّ هند أكّدت هذا المعنى، فمعاوية الذي هو من صلب آخر، أجدر في مواجهة الشدائد ممّن هو من صلبه!

فكان كما قالت هند! فقد تحدّى ابنها (معاوية) الله تعالى، ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاعر المجتمع الإسلاميّ؛ إذ استلحق ابن النابغة زياد، وادّعى أنّه أخوه، وأقام على ذلك الشهود، وتمرّد على وليّ الله عليّعليه‌السلام ، فكانت حرب صفّين والتي انتهت بعقد هدنة ومعاهدة بأن يرجع أهل العراق إلى عراقهم وأهل الشأم إلى شأمهم لمدّة سنة لا يحدثون فيها حدثاً، إلّا أنّ ابن هند خان العهد، وراح يشنّ الغارات على أطراف أمير المؤمنين ويفعل فعل الخوارج بشيعة عليّعليه‌السلام .

( إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ ) (٢) .

ووصلت غارات ابن هند إلى المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة وقد أمر قادته أن يهينوا أهل الحرمين ويسمعوهم من الكلام ما يخيفهم، ومن أخاف أهل الحرمين لم تنله رحمة الله.

في هذه الأجواء المظلمة عاش وترعرع ابن ميسون يزيد بعد أن وضعته أمّه في قومها! فلمّا بلغ مبلغ الصبا أخذه ابن هند عنده في دمشق فاشتهر من أوّل شبابه باعتكافه على تعاطي الخمرة والصيد وملاعبة القرود والكلاب...، وهو يرى ابن هند

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٢٤: ٤٠٣.

(٢) الحجّ: ٣٨.

١٥

همّه الأكبر محاربة الوصيّ عليّعليه‌السلام وشنّه الغارات منتهكاً حرمة الحرمين الشريفين وتتبّع شيعة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام فانطبع ذلك في نفس ابن ميسون وصار همّه التصدّي إلى إمام الهدى سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، ومضى على سيرة سلفه في انتهاك الحرمين، وأطلق لأهل الشأم إباحة مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أيّام، ففعلوا بها ما لم يفعله المغول، فإنّ وزير آخر بني العبّاس (ابن العلقميّ) لمعرفته بالحال وأن ليس لبغداد جيشاً يطمّ عين الشمس مثل الذي كان للمغول الذي اكتسح الأقاليم العظيمة ودوّخ الممالك وهو ماضٍ قدماً نحو بغداد، وحاكمها أسكرته اللّذة تتحكّم به الجواري وجلّهن من العنصر التركيّ، وكذلك كان قادته ممّن لا تجربة له بحرب وغالباً ما كانوا غلماناً! فبكياسته، استطاع (ابن العلقميّ) أن يقنع الحاكم العبّاسيّ بأن يهادن سلطان المغول ويرسل إليه سِفْطَ جواهر وذهب لأنّه يحبّ هذه الأمور؛ فبرد سلطان المغول وطلب أن يفتحوا له بوّابة بغداد فيدخلها من غير قتال، وكاد العبّاسيّ يقنع بذلك لولا حاشية السوء فدخلها المغول عَنَتاً فكانت الدماء. وطلبوا من المسالمين رفع رايات بيضاء على سطوحهم فسلِموا، وحين دخلوا قصر بني العبّاس، أمر القائد بفرز النساء اللاتي لم يباشرهنّ العبّاسيّ فهل فعل هذا أهل الشأم الأبدال وعصائب حقّ معاوية ويزيد وعبدالملك؟!

أم أنّهم لم يقتلوا في وقعة واحدة سوى سبعمائة من حملة القرآن الذي بيع في أيّام ابن هند، فكان ذلك واحدة من بدعه وهي كثيرة!

وفجر الأبدال بألف بِكرٍ فحملن من غير أزواج، وظلّ عارهم يحول دون زواجهنّ! والأمم التي تبجّل صليب نبيّها وآثار الأنبياء الآخرين، فإنّ منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو على تُرعة من تُرَع الجنّة وفي روضة مباركة لا يجوز رفع الصوت فيها ولا

١٦

الجهر بالسوء عندها، إلّا أنّ قادة ابن هند، وبعده ابن ميسون، كانوا يرتقون المنبر الذي شمّ عبقَ النبوّة وكان مدرسة يعلم عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين مناسكهم وعباداتهم ويعظهم ويسمعهم صوت الوحي؛ فكان هؤلاء يفحشون ويشتمون أنصار الله ورسوله ويسمّونهم باليهود.

ونذكر من تلك الغارات بعضاً منها وبإيجاز إذ هي تمهيد لغارات يزيد وأفعاله الشنيعة.

غارة ابن الحضرميّ

وهي أوّل غارة، وكانت سنة ثمان وثلاثين. ومن خبرها: بعد صفّين توجّه ابن النابغة إلى مصر، وبها محمّد بن أبي بكر، فتمكّن معاوية بن حديج من قتله، وظهر ابن هند على مصر، فبعث عبد الله بن الحضرميّ إلى البصرة وقاله له: إنّ جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان وقد قتلوا في الطلب بدمه، فهم يودّون أن يأتيهم من يجمعهم وينظم أمرهم وينهض بهم في الطلب بثأرهم ودم إمامهم، فتودّد الأزد فهي سِلمُك ودع عنك ربيعة فلن ينحرف عنك سواهم لأنّهم ترابيّة كلّهم(١) .

وكتب إلى عمرو بن العاص في ذلك، فكتب إليه عمرو يؤيّده على ذلك. فلمّا جاء كتاب عمرو سرّح ابن الحضرميّ إلى البصرة، وأوصاه أن ينزل في مضر(٢) ، ويحذر ربيعة ويتودّد إلى الأزد. فسار حتّى نزل في بني تميم، فأتاه العثمانيّة مسلّمين عليه ومعظّمين له مسرورين به.

فخطبهم فقال: إنّ إمامكم إمام الهدى قتله عليّ بن أبي طالب وقاتلتم من قاتله!

____________________

(١) ترابيّة: نسبة إلى عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي كنّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبا تراب، فكانت أحبّ كناه إليه. وكانت ربيعة عصب جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمل وصفّين والنهروان.

(٢) من المألوف أن يحسد المرء أخاه وابن قومه، فحسدت مضر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيّ عليّعليه‌السلام فكان ما كان من الحروب، حتّى ليقال إنّ الحروب التي وقعت أيّام الإمام عليّعليه‌السلام : حروب مضريّة ربعيّة!

١٧

فجزاكم الله من أهل مصر خيراً!

فقام إليه الضحاك بن قيس بن عبد الله الهلالي فقال: قبح الله ما جئتنا به وما تدعونا إليه. أتيتنا والله بما أتانا به طلحة والزبير، وإنّهما جاءانا وقد بايعنا عليًّا وبايعاه واستقامت أمورنا فحملانا على الفرقة وضرب بعضنا بعضاً، ونحن الآن مجتمعون على هذا الرجل، وقد أقال العثرة وعفا عن المسيء...، والله ليوم من أيّام عليّ مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير من معاوية وآل معاوية.

واختلفت كلمة الناس بين مؤيّد لدعوة ابن الحضرميّ، وبين معتزل وبين مناهض له مناصر لأميرالمؤمنينعليه‌السلام . وكثرت غاشيةُ ابن الحضرميّ وأتباعه، وكان نازلاً في بني تميم(١) ، فكتب زياد، وكان واليا لأميرالمؤمنينعليه‌السلام على البصرة يعلمه الخبر. فبعث أمير المؤمنينعليه‌السلام أعين بن ضبيعة المجاشعيّ التميميّ إلى البصرة وكتب معه إلى زياد يعلمه أنّه وجّهه إلى قومه ليفرّقهم عن ابن الحضرميّ. فلمّا قدم البصرة اجتمع إليه قومه فوعظهم، ثمّ خرج بجماعة منهم فلقيه جماعة من أصحاب ابن الحضرميّ فناوشوهم ثمّ تحاجزوا. ورجع أعين إلى منزله وتبعه عشرة، فلمّا آوى إلى فراشه قتلوه غيلةً.

فكتب زياد إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام يعلمه الأمر، فبعث أمير المؤمنين جارية بن قدامة التميميّ في خمسين رجلاً من بني تميم وقيل خمسمائة رجل وبعث معه شريك بن الأعور. فلمّا وصل البصرة قام في الأزد فجزّاهم الخير، وقرأ كتاباً كتبه عليّعليه‌السلام إلى أهل البصرة معه يوبّخهم أشدّ التوبيخ ويتوعّدهم بالمسير إليهم إن ألجؤوه إلى ذلك حتّى يُوقع بهم وقعةً تكون وقعة الجمل عندها لَقعةً بِبَعرة(٢) .

____________________

(١) لتميم وقبائل نجد الأخرى قصص! منها تأخّر دخولهم في الإسلام حتّى عام الوفود. وإذ جاؤوا يعرضون إسلامهم فهم يمنّون على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك! ونزل في ذلك تبيان، ومنهم رجال الخوارج.

(٢) لقعة ببعرة: رمي بالبعرة. لاحظ النهاية، لابن الأثير ٤: ٢٦٥ (مادّة: لقع).

١٨

فقال صبرة بن شيمان الحدانيّ، وكان قد أجار زياداً، سمعاً وطاعةً، نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب، ولمن سالم سلم.

وقام أبو صفرة فقال لزياد: والله لو أدركت الجمل ما قاتل قومي عليًّا، وهو يوم بيوم وأمر بأمر، والله إلى الجزاء بالحسنى أسرع منه إلى المكافأة بالسوء، والتوبة مع الحوبة والعفو مع الندم.

فلمّا أصبحوا، سارت الأزد بزياد، وسار جارية بمن قدم معه ومن سارع إليه من تميم، وانضمّ إليه شريك بن الأعور الحارثي، وما هي إلّا ساعة حتّى هزموا ابن الحضرميّ وألجؤوه إلى دار سنبيل السعديّ فحصروهم فيها يومهم، وأحاط جارية بن قدامة الدار بالنار فحرقها، فهلك فيها إبن الحضرميّ في سبعين رجلاً...(١) .

غارة النعمان بن بشير

سنة تسع وثلاثين وجّه معاوية النعمان بن بشير في ألفي رجل إلى عين التمر، وبها مالك بن كعب، مَسلحةً لعليّعليه‌السلام وما مع مالك إلّا مائة رجل؛ فقاتلهم مالك في العصابة التي معه كأشدّ القتال وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا، وانهزم أهل الشام وتبعهم مالك، فقتل منهم ثلثة نفر، ومضوا على وجوههم(٢) .

وذكر البلاذريّ أنّ عبد الرحمن بن حوزة الأزديّ قتل مع مالك بن كعب يومئذ(٣) .

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ١٨٥ - ١٩٦، تاريخ الطبريّ ٤: ٨٤ - ٨٦، تاريخ خليفة: ١٤٨، جمهرة النسب: ٣٠.

(٢) تاريخ الطبريّ ٤: ٨٦ - ١٠٢، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٣: ١٢٨ - ١٥١.

(٣) أنساب الأشراف ٣: ٢٠٥ - ٢٠٧.

١٩

غارة سفيان بن عوف الأزديّ

بعد غارة النعمان بن بشير، وجّه معاويةُ سفيان بن عوف بن المغفّل الأزديّ ثمّ الغامديّ، وأمره أن يأتي هيت فيقطعها، ثمّ يمضي حتّى يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها. وحذّره أن يأتي الكوفة وقال له: إنّ الغارة تنخب قلوبهم وتكسر حدّهم وتقوّي أنفس أوليائنا ومنّتهم. فشخص سفيان إلى هيت فلم يجد بها أحداً، ثمّ أتى الأنبار وبها مائة رجل مسلحة لعليّعليه‌السلام عليهم أشرس بن حسّان البكري؛ فقاتلهم حسّان بمن معه على قلّتهم، ثمّ استشهد في ثلاثين من أصحاب عليّعليه‌السلام ، واحتملوا ما في الأنبار من الأموال ونهبوا أهلها ثمّ عادوا إلى الشام. وكان ذلك سنة تسع وثلاثين(١) .

غارة عبد الرحمن بن قباث

بعد غارة سفيان الأزديّ، وجّه معاوية عبدالرحمن بن قباث نحو الجزيرة، وكان كميل بن زياد النخعيّ(٢) وقتها في ناحية قرقيسيا إذ بلغه أنّ قوماً قد أجمعوا على أن يغيروا على هيت ونواحيها، فبينا هو كذلك إذ أتاه كتاب شبيب بن عامر الأزديّ، وكان مقيماً بنصيبين في ستّمائة رجل من أصحاب عليّعليه‌السلام ، يُعلمه خبر ابن قباث، وأنّه لا يدري أيريد ناحيته أو ناحية هيت والفرات، فقال كميل: إن كان ابن قباث يريدنا لَنتلقّينّه، وإن كان يريد إخواننا بنصيبين لنعترضنّه...، فخرج في أربعمائة فارس،

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ٢٠١، الفتوح ٤: ٤٨، تاريخ الطبريّ ٤: ١٠٣.

انظر إلى التباين بين مدرستي الإمام عليّعليه‌السلام ، وبين مدرسة معاوية؛ فعليّعليه‌السلام يمنع من البدء بقتال والإجهاز على جريح وإتّباع مدبر وأخذ شيء من معسكر العدوّ إلّا عدّة الحرب ويمنع من أخذ المال لأنّه لورثته، فكيف ينهب أبرياءٌ، مثل معاوية وجيشه؟!

(٢) من خاصّة أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام . قتله الحجّاج الثقفيّ لذلك. رجال البرقيّ: ٦، رجال ابن داود: ٢٨١، كتاب النسب: ٣١٨، تاريخ خليفة: ٢٢٢، طبقاته: ٢٤٩، الاشتقاق: ٤٠٤ - ٤٠٥، البخاريّ الكبير: ٢٤٣، تاريخ الثقات: ٣٩٨، ثقات ابن حبّان ٣: ٤٦١.

٢٠