شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء ٣

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية0%

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 697

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 182639
تحميل: 4444

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182639 / تحميل: 4444
الحجم الحجم الحجم
شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء 3

مؤلف:
العربية

وبسند عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (يا عليّ، إنّك سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد المحجّلين، ويعسوب المؤمنين)(١) .

وجدّته لأمّه: خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها والتي يقول فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة ابنة خويلد وفاطمة ابنة محمّد) رواه أنس(٢) .

وعن الحسن قال: قال رسول الله: (حسب من نساء العالمين بأربع: (خديجة ابنة خويلد وفاطمة ابنة محمّد وآسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران)(٣) .

وعن عكرمة عن ابن عبّاس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد ومريم وآسية)(٤) .

جدّته لأبيه: جدّته لأبيه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشيّة الهاشميّة، كافلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، والقائمة مقام أمّه؛ أسلمت وبايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، وكانت أوّل من بايع من النساء.

روى الزبير بن العوّام، قال: سمعت رسول الله يدعو النساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية( يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ) (٥) الآية، فكانت فاطمة

____________________

(١) مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن مردويه: ٦٤ / ٣٤. ويرد الحديث بهذا اللفظ وألفاظ أخرى في حلية الأولياء ١: ٦٣ و ٥: ٣٨ و مواضع أخرى، وكفاية الطالب: ٢٠٩ الباب الثالث والخمسون، و ٢١٠ و ٢١١ و ٢١٢، وتذكرة الحفّاظ ٢: ٦٦١، تاريخ بغداد ١١: ٩٨، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٢٤، مجمع الزوائد ٩: ١١٦، موضح أوهام الجمع، للخطيب ١: ١٨٨ - ١٩٠، الإصابة ٤: ٦، معرفة الصحابة، لأبي نعيم ٢: ٣٠١.

(٢) تفسير القرآن العزيز، عبد الرزّاق الصنعاني ١: ١٢٨، كتاب الولاية: ١٧٢.

(٣) المصنّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥٣٠ ح ٥.

(٤) تاريخ الإسلام، للذهبيّ ٣: ٤٦.

(٥) الممتحنة: ١٢.

٤٢١

بنت أسد أمّ عليّ بن أبي طالب أوّل امرأة بايعت(١) .

وهاجرت إلى المدينة، فكانت أوّل امرأة تهاجر إلى رسول الله؛ عن جعفر بن محمّد: (إنّ فاطمة بنت أسد أوّل امرأة هاجرت من مكّة إلى المدينة على قدميها، وكانت أبرّ الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٢) .

وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة) فقالت: واسوأتاه! فقال لها: (إنّي أسأل الله أن يبعثك كاسية).

وسمعته يذكر ضغطة القبر؛ فقالت: واضعفاه، فقال: (إنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك)(٣) .

وتوفّيت بالمدينة ودفنت بها، وكفّنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقيمصه، واضطجع في قبرها وجزّاها خيراً. ولـمّا سئل عن ذلك قال: (إنّه لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها)، وكان يسمّيها: (أمّي).

وعن أنس بن مالك، قال: لـمّا ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ، دخل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجلس عند رأسها فقال: (رحمك الله يا أمّي؛ كنت أمّي بعد أمّي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيّب الطعام، وتطعميني تريدين بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة)(٤) .

إضافة إلى ما حباها الله تعالى من رجحان العقل والعفّة وطيب الأرومة فهي من الشجرة المباركة، وأنّها مستودع وحامل أعظم رجل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزيادة في

____________________

(١) المناقب، للخوارزمي: ٢٧٧ ح ٢٦٤، شرح نهج البلاغة ١: ١٤.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق، وتذكرة الخواصّ.

(٤) الاستيعاب ٤: ٣٨١، الإصابة ٤: ٣٨٠، أسد الغابة ٧: ٢١٧، المناقب، للخوارزمي: ٤٦ - ٤٨.

٤٢٢

كرامتها فقد عصمها الله تعالى بابنها عليّعليه‌السلام من أن تسجد للأصنام؛ فعليّ في بطنها لم يمكنها من ذلك (كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم، يضع رجله على بطنها ويلصق ظهره بظهرها ويمنعها من ذلك، ولذلك يقال عند ذكره: كرّم الله وجهه، أي عن أن يسجد لصنم)(١) .

وعليّعليه‌السلام أوّل مولود في الكعبة، وما ولد قبلها أحد فيها(٢) .

أجداد الحسنعليه‌السلام

فغير جدّه سيّد الأنبياء والمرسلين وسيّد ولد آدم مطلقاً؛ فقد تكلّمنا عنهم، وكلّ واحد منهم كان سيّد زمانه حتّى قيل عن بعضهم أنّه نبيّ.

هذه هي السيادة التي يتقلّب فيها الإمام الحسن بن عليّعليهما‌السلام فهو سيّد في ذاته هو وأخوه الحسينعليه‌السلام ؛ فهما سيّدا شباب أهل الجنّة؛ وأمّهما سيّدة نساء العالمين وأبوهما سيّد الوصيّين وهو سيّد العرب والمسلمين، وجدّهما سيّد الأنبياء والرّسل وهكذا قل عن جدّاتهم وأجدادهم. فبعد كلّ هذا، وبعدما عرفنا من عناية الله ورسوله في تسميتهما بأسماء لم تكن معروفة في الجاهليّة، أليس كلّ ذلك دالاًّ على عصمتهما وأهليتهما للإمامة؟ وهل يجوز الخروج عليهما وحربهما كما خرجوا على أبيهما فحاربوه؟!

حرب وسلم أهل البيت حرب وسلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

بسند عن السدّيّ، عن صبيح مولى أمّ سلمة، عن زيد بن أرقم: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ وفاطمة وحسن وحسينعليهم‌السلام : (أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم).

____________________

(١) نور الأبصار، للشبلنجي: ١٥٦.

(٢) المجدي، للعمري: ١١، العمدة، لابن البطريق: ١٢، تذكرة الخواصّ: ٢٠، مناقب ابن المغازلي: ٦ - ٧، تاريخ بغداد ٣: ١٠٦، الفصول المهمّة، لابن الصبّاغ المالكي: ٣٠.

٤٢٣

وبسند عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: أبصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليًّا وحسناً وحسيناً، فقال: (أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم)(١) .

فحرب الأوائل لأهل البيت والأمر بأخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام بأعنف الأخذ! وتحريق البيت عليهم! بداية الحرب لهم والخروج الذي سلكه الأبناء: ابن هند، وابن سميّة، وابن النابغة، وابن مرجانة، وابن المستفرمة بالزبيب... وابن تيمية، وابن عبد الوهّاب وما حربهم إلّا حرب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرب رسول الله حربٌ لله تعالى.

قالعليه‌السلام: (الويل لظالمي أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدّرك الأسفل من النار)(٢) .

وعن سلمان قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (الحسن والحسين من أحبّهما أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله جنّات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنّم، وله عذاب مقيم)(٣) .

فما القول في الخوارج الذين نعتهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقبح نعت؛ بدءاً بمن جلس على

____________________

(١) مصادر الروايتين: المصنّف، لابن أبي شيبة ٦: ٣٨١ ح ٨ فضائل الحسنين، وعنه ابن حبّان في صحيحه ١٥: ٤٣٤ ح ٦٩٧٧، مسند أحمد ٢: ٤٤٢، سنن ابن ماجة ١: ٥٢ ح ١٤٥، صحيح الترمذي ٢: ٣١٩، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٩، شواهد التنزيل ٢: ٢٧ ح ٦٦٥، الأسماء والكنى، للدولابي ٢: ١٦٠، تاريخ بغداد ٧: ١٣٦، المعجم الكبير ٣: ٤٠ ح ٢٦١٩ و ٢٦٢٠ و ٢٦٢١، ٧: ٢٧ ح ٥٠٣٠ - ٥٠٣١، المعجم الأوسط ٦: ٨ و ٨: ١٢٨ ح والمعجم الصغير ٢: ٣، جامع المسانيد، لابن كثير ٤: ٣، مناقب أميرالمؤمنين، للكوفي ١: ٨٠٧ ح ٦٤٧ و ٦٦٢ و ٦٦٤، ذخائر العقبى: ٢٥، الرياض النضرة ٢: ١٩٩، الصواعق المحرقة: ١١٢، كنز العمّال ٦: ٢١٦، مناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي: ٦٤، كفاية الطالب: ٣٣١، البداية والنهاية ٨: ٢٠٥، الصواعق المحرقة: ١١٢، ينابيع المودّة: ٢٦١، مجمع الزوائد ٩: ١٦٩، مختصر تاريخ دمشق ٧: ١٢٠.

(٢) مناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي: ٦٩، مقتل الحسين، للخوارزميّ ٢: ٨٥.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ٧: ١٢١.

٤٢٤

الأريكة - بحسب تعبير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي تحقّق بعده، ممّا يعدّ من دلائل النبوّة - فظلم رسول الله بحرق أحاديثه، وأمر المحرّق بما ذكرنا من العدوان على نفس رسول الله وأخيه ووصيّه لحمله على البيعة بعد غصبه حقّه في إدارة الأمّة ورعايتها، وحرق بيت السادة وفيه سيّدة نساء العالمين وسيّدا شباب أهل الجنّة؟! فكان ذلك تمهيداً لابن هند أن يجرأ فيخرج على إمام الهدى الذي كانت بيعته عن رضا الأمّة، عامّ’ وعلنيّة، لا مخالسةً وعدوان ومن امتنع اتّهم بالردّة عن الإسلام فهدر دمه واستبيح حرمه وماله. فلمّا رأى ابن هند ذلك وقد أطلق أصحاب الأريكة يده ومكّنوه من الشأم؛ خرج على أمير المؤمنين حقّاً وحاربه، ثمّ حارب الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام .

ولا يستطيع أحد أن يقول: إنّ ظلم أولئك لأهل البيت عن حبّ وإنّما عن بغض متأصّل؛ فإلى ماذا يصار بهم؟!

والحسن والحسينعليهما‌السلام ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة وقد عدا ابن هند فحارب الحسن وقتل خيرة صحابته ودسّ إليهم السمّ فمضى شهيداً وحارب ابن ميسون الحسين فمضى إثر أبيه واخيه شهيداً؛ فهما ريحانتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ عن أمّ سلمةرضي‌الله‌عنها قالت: قال رسول الله لعليّ: (سلام عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتيّ من الدنيا)(١) .

وعن ابن عبّاس قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأذني، وإلاّ فصمّتا، وهو يقول: (أنا شجرة، وفاطمة حملها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، والمحبّون أهل البيت ورقها من الجنّة حقّاً حقّاً)(٢) .

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٧: ١٢٣.

(٢) نفس المصدر السابق.

٤٢٥

وبلفظ مقارب، عن عبدالرحمن بن عوف قال: لا تسألوني قبل أن تشوب الأحاديث بالأباطيل. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أنا الشجرة، وفاطمة أصلها، أو فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها؛ فالشجرة أصلها في عدن والأصل والفرع واللقاح والورق والثمر في الجنّة)(١) .

والحسن من معجزة رسول الله، أعجز النبيّ به وبأخيه الحسين وأمّهما وأبيهما وفد نصارى نجران يوم المباهلة، فالعدوان على واحد منهم عدوان على القرآن عدلهم والصادح بفضلهم ومنزلتهم، وعدوان على الله ورسوله. والشواهد قائمة على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج بعليّ وفاطمة والحسن والحسين لمباهلة النصارى، فغلبهم بهم، ولو علم الله أنّ في الأرض أكرم منهم لأمر رسوله أن يباهلهم بهم. فكان الحسن والحسين ابني رسول الله وفاطمة نساءه وعليّ نفسه. فأنزل الله فيهم:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) .(٣)

____________________

(١) نفس المصدر السابق: ١٢٤.

(٢) آل عمران: ٦١.

(٣) كتاب الولاية، لابن عقدة: ١٧٧، تفسير مقاتل بن سليمان ١: ٢٨٢، تفسير الحبري: ٢٤٨، تفسير الطبريّ ٣: ٢١٢، تفسير الثعلبي ٣: ٨٥، أسباب النزول: ٦٨، تفسير ابن كثير ١: ٣٧١، شواهد التنزيل ١: ١٢٨، تفسير فرات: ٢٩، سعد السعود: ٩١ - ٩٢، مسند أحمد ١: ١٨٥، صحيح مسلم ٧: ١٢٠ - ١٢١، دلائل النبوّة، لأبي نعيم: ١٢٤، تذكرة الخواصّ: ١٧، مناقب عليّ، لابن مردويه: ٢٢٦ - ٢٢٨، كفاية الطالب: ١٤٢، سنن الترمذيّ ٤: ٢٩٣ - ٢٩٤، مصابيح السنّة النبويّة ٢: ٢٧٧، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٥٠، الإصابة ٢: ٥١٩، الصواعق المحرقة، ٧٢، مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ: ٢٦٣، فتح القدير ١: ٣١٦، الدرّ المنثور ٢: ٣٨، جامع الأصول، لابن الأثير ٩: ٤٦٩، المناقب، للخوارزميّ: ١٥٩ - ١٦٠، البداية والنهاية ٥: ٥٣، الرياض النضرة ٢: ٢٤٨، تيسير الوصول ٣: ٢٧٢، أسد الغابة ٤: ١٠٥، تاريخ الإسلام، للذهبيّ ٣: ٦٣٧، الطرائق، لابن طاوس: ٤٥.

٤٢٦

لقد كانت المباهلة بالوجوه المقدّسة عند الله تعالى أوقع في قلوب النصارى وأبلغ في الإعجاز لهم من المباهلة بكتاب الله المجيد، فأظهروا العجز عن المباهلة وأقرّوا بالخراج؛ فكان أهل البيت معجزة رسول الله يومئذ وبذلك قاموا مقام القرآن في الإعجاز الذي هو دليلنا على تصديق الأنبياء من قبل، ومن ثمّ تصديق الكتب التي جاؤوا بها ولولا أنّ القرآن ذكرهم وصدّق كتبهم لـما كان يلزمنا ذلك. ولـمّا كان أهل البيت دلالة على تصديق نبوّة رسول الله وأنّ القرآن من عند الله سبحانه؛ فكانوا بذلك بمقام الأنبياء رتبة ورفعة، لا وحياً ونبوّة.

والمباهلة، أي الملاعنة ودعاء الله تعالى أن ينزل عقابه على الكاذبين، وهي سنّة أمضاها الأنبياء الأوّلون فحقّ عقاب الله تعالى بالمكذّبين من أقوامهم، ورجال الدين وأحبار النصارى يعلمون ذلك، فلمّا رأوا تلك الوجوه الزّهر، خافوا وشعروا بالهزيمة، فرضوا بإعطاء الجزية على أن لا يباهلوا.

ومن هنا كان عليّ وفاطمة والحسنان: معجزة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ، ولو قامت الحجّة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحلّ العقاب بساحته! لبطلت معجزته وانتهت رسالته، فدلّ ذلك على عصمتهم واستقامة صراطهم ولزوم منهجهم.

أم يقول الخوارج الأوّلون: كنّا نجلس إلى رسول الله، فما سمعناه يتلو هذه الآيات وليست هي في المصاحف التي بأيدينا؛ إلّا ما كان من أمر سقوط آيات كنّا نقرأها على عهد رسول الله، مثل آية رجم الشيخ والشيخة إذا زنيا وسقوط سورة بطول سورة البقرة...!

أو يتعلّلوا أنّهم ما شاهدوا أفعال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل بيته ولم يسمعوا - مع أنّهم لا واسطة بينهم وبين النبيّ؛ فيجب أن يكون سماعهم منه مباشرةً - من يخبرهم بتلك

٤٢٧

الأمور؛ أو يصرّحوا أنّها كانت في مئات الأحاديث التي حرقوها، ثمّ منعوا من الحديث وكتابته؟! وتابعهم ابن هند وعصابته، والخوارج المارقة وانتهاءً بابن تيميه، وشيعته من أعراب نجد الوهّابيّون؟!

لله درّ الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله! وإلاّ ما بالهم يحادّون الله ورسوله وعترته أهل بيته، يقصونهم عن مراتبهم التي رتّبهم الله إيّاها، ويخفون الأحاديث بشأنهم، ويوالون من لعنه الله وأمر بقتله إنْ رؤي على المنبر؛ فيطلعون يده على الشأم؛ فكانت المصائب متوالية على حجج الله من أهل البيت وشيعتهم ووبالاً على الإسلام.

عصمة الإمام الحسنعليه‌السلام

حال الإمام الحسن في طهارة النشأة وطهارة الذات، سيرة وقرآناً يتلوه المسلمون، حال جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه المرتضى وأمّه الزهراء وأخيه سبط الرحمة وإمام الأمّة. فمن كانت محبّته سبباً لدخول الجنّة، وبغضه يفضي إلى جهنّم؛ ومن كان سيّداً لشباب اهل الجنّة؛ وبه وبأخيه وأمّه وأبيه غلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصارى نجران؛ فكان ريحانة رسول الله الذي أوجب طاعته؛ فمن هذا شأنه وجبت عصمته؛ وقد نطق القرآن الكريم بعصمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ذلك قوله تعالى:( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

الآية خاصّة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٢) .

إنّ ضمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه الطاهرة إلى أهل البيت وتلاوته على مسامع المسلمين

____________________

(١) الأحزاب: ٣٣.

(٢) من طرق عدّة عن عائشة؛ وطرق كثيرة عن أمّ سلمة؛ وعن أبي سعيد الخدري؛ وعن ابن عبّاس، إنّها في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٤٢٨

مراراً: إنّه منهم وهم منه يؤذيه ما يؤذيهم وهو سلم لمن سالمهم، حرب لمن حاربهم، وهو وإيّاهم أهل السيادة وباهل بهم فأثبت بهم رسالته؛ فكانوا عدل القرآن الذي به غلب العرب وأثبت لهم رسالته - وسنأتي على حديث الثقلين - ولا يكون سادة الجنّة ومعجزة النبيّ وعدل القرآن إلّا مثله في العصمة.

قال جميع بن عمير: دخلت مع أمّي على عائشة، فقالت: أخبريني كيف كان حبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ؟ فقالت عائشة: كان أحبّ الناس إلى رسول الله، لقد رأيته يوماً أدخله تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: (أللّهم هؤلاء أهل بيتي، أللّهم أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً). قالت: فذهبت لأدخل رأسي فمنعني، فقلت: يا رسول الله، أولست من أهلك؟ قال: (إنّك على خير)(١) .

وبسند عن أمّ سلمة، قالت: كنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البيت، فقالت الخادم: هذا عليّ وفاطمة معهما الحسن والحسين، فقال: (قومي تنحّي عن أهل بيتي)، فقمت فجلست في ناحية، فأذن لهم فدخلوا، فقبّل فاطمة واعتنقها، وقبّل عليًّا واعتنقه، وضمّ إليه الحسن والحسين ثمّ أغدف عليهم خميصةً - أغدف: أرسل عليهم. الخميصة: كساء مربّع - سوداء، وقال: (أللّهم إليك لا إلى النار). فقلت: وأنا يا رسول

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٦٥. وفي المحاسن والمساوئ، للبيهقيّ: ٢٩٨ زيادة: قيل لها: فكيف سرت إليه؟ قالت: أنا نادمة، وكان ذلك قدراً مقدوراً!

ومن طريق آخر حديث عائشة: صحيح مسلم ٧: ١٣٠، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٧، التلخيص، للذهبيّ - بذيل مستدرك الصحيحين، ينابيع المودّة: ١٠٧، كفاية الطالب: ٣٧٣ - ٣٧٥، وفي صحفة ٥٤ قال: الصحيح أنّ أهل البيت عليّ وفاطمة والحسنانعليهم‌السلام ، كما رواه مسلم. ثمّ ذكر حديث عائشة. قال: وأيضاً روى مسلم بإسناده أنّه لـمّا نزلت آية المباهلة دعا رسول الله عليًّا وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: (أللّهم هؤلاء أهل أهلي). وأخرجه إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده ١: ١٨٥، من طرق كثيرة؛ وفي تفسير الخازن ٣: ٤٦٧ وقال: أخرجه مسلم.

٤٢٩

الله؟ قال: (وأنت على خير)(١) .

إنّ قول رسول الله لأمّ المؤمنين (قومي تنحّي عن أهل بيتي) دالّ جزماً أنّ أهل بيت النبيّ هم أصحاب الكساء عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام لا يشركهم أحد من أزواجه ولا من غير أزواجه.

وأبو سعيد الخدريّ قال: نزلت هذه الآية (آية التطهير) في رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، في بيت أمّ سلمة(٢) .

والخدريّ عن أمّ سلمة قالت: نزلت هذه الآية في عليّ (آية التطهير) قالت: قلت يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ قال: (إنّك على خير، إنّك من أزواج النبيّ). وكان في البيت رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(٣) .

مصادر نزول الآية في أهل البيتعليهم‌السلام

مسند أحمد ١: ١٨٥ و ٣٣١ و ٦: ٢٩٢، صحيح مسلم ٧: ١٣٠، المصنّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥٠١ من طرقه المختلفة، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٧، كتاب الولاية: ١٧٥، التلخيص، للذهبيّ حاشية المستدرك، تفسير الحبري: ٣٠٤، تفسير فرات: ١٢١، أحكام القرآن، للجصّاص ٣: ٥٢٦، الكنى والأسماء، للدولابي ٢: ٢٥٤ / ٢٦١٩ و ٢٥٥ / ٢٦٢٣، أسباب النزول، للواحديّ: ٢٣٩، تهذيب الكمال ١٢: ٥٨٨، المعارف، لابن قتيبة: ٤٤٨، سنن الترمذي ٥: ٣٦١، شواهد التنزيل ٢: ١٠ -

____________________

(١) تفسير الحبري: ٣٠٤ - ٣٠٥، تفسير فرات: ١٢١، الكنى والأسماء، للدولابي ٢: ٢٥٤ / ٢٦١٩ و ٢٥٥ / ٢٦٢٣.

(٢) تفسير الحبريّ: ٣٠٦.

(٣) مشكل الآثار ١: ٣٣٤، تفسير الحبري: ٢٩٨، شواهد التنزيل برقم ٧١٢ - ٧١٣، تفسير ابن كثير ٣: ٤٨٥، المعجم الكبير ١: ١٢٧.

٤٣٠

٩٢ / ٦٣٧ - ٧٧٤ من ١٣٨ طريق، تفسير الطبري ٢٢ / ٧، مسند أبي يعلى ١٢ / ٣١٣ / ١٠، مشكل الآثار ١: ٣٣٤ وغيره؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٦٥ ومواضع أخرى، تفسير ابن كثير ٣: ٤٨٥، المعجم الكبير ١: ١٢٧ ومواضع أخرى، المعجم الصغير ١: ١٣٥، ينابيع المودّة ١٠٨، ذخائر العقبى: ٢٥، تاريخ بغداد ١٠: ٢٧٨، نور الأبصار: ٢٥، ما نزل من القرآن في عليّ، لابن مردويه ٣٠١ / ٤٧٥٤، كفاية الطالب: ٢٤٤ وغيره، الشفا، للقاضي عياض: ٣١، الدر المنثور ٥: ١٩٩، مجمع الزوائد ٩: ١١٩، الرياض النضرة ٢: ٢٦٩، الشرف المؤبّد، للنبهاني: ٦، تذكرة الخواص: ٢٤٨، التفسير الكبير، للفخر ٢٧: ١٦٦، المحاسن والمساوئ، للبيهقي: ٢٩٨، المعرفة والتاريخ ١: ٢٩٥، الكامل، لابن عدي ٦: ٢٠٨٧، تفسير الثعلب ٢: ١٣٩، الأمالي الخميسية ١ / ١٥١ / ١٦، سير أعلام النبلاء ٢: ١٣٤، مناقب الكوفي ١: ١٧٢ / ٨٣ و ٩٢ ومواضع أخرى؛ تفسير الطبري ٢٢: ٨، تفسير الخازن ٣: ٤٦٧.

إنّ قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمّ المؤمنين: (قومي تنحّي عن أهل بيتي) يدلّ على أنّ أهل البيت المطهّرون - حصراً - هم أصحاب الكساء.

وقد ذكرنا قول النبيّ لأمّ سلمة لـمّا منعها أن تكون مع أهل الكساء: (إنّك أهلي، وهؤلاء أهل بيتي). والعرب تسمّي المرأة أهلي أي زوجتي تكريماً لها. وفي لفظ آخر عن أمّ سلمة: قالت: قلت يا رسول الله! ألست من أهل البيت؟ قال: (إنّك على خير، إنّك من أزواج النبيّ). وهو صريح في أنّ أهل البيت في الآية هم النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين؛ وأمّا نسوته فهنّ أزواجه تبين إحداهنّ بكلمة واحدة فتصير غريبة وترجع إلى أهلها، وهي (طالق). وقد طلّق رسول الله اثنتين من أزواجه فجاء بهنّ أبواهما إلى رسول الله معتذرين إليه فردّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل طلاقهنّ في حياته وبعد موته إلى

٤٣١

عليّعليه‌السلام ؛ وهذا سرّ استجابة من قاتلته منهما وبعد أن ظفر بها - وله في الشرع حقّ قتلها - عصت أمره بالرجوع إلى المدينة فلمّا هدّدها بإمضاء ما خوّله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صرخت وأجابت!

ولقد وجدنا عائشة وهي تذكر آية التطهير تذكر فيه أنّ عليًّا كان أحبّ الناس إلى رسول الله؛ وهذه المسألة من أكثر ما ناضل الخوارج النواصب ومن أولئك ابن تيميه، ومع الأسف شايعه في ذلك تلميذه مؤرّخ الإسلام - كذا! - ومضى به الشطط لشنّ الغارة على صاحب المستدرك على الصحيحين إذ ذكر حديث (الطّير) وحكم على صحّته؛ فعلّق عليه الذهبيّ بتكذيب الحديث ولم يكن له من دليل إلّا بالطعن بأحد رجال السند الذي قال عنه الحاكم: صدوق مأمون؛ فقال الذهبي: لا والله! لا مأمون ولا يعرف بالصدق، بل هو كذّاب.

وقد تكلّمنا عن الحديث وسنده في كتابنا (نقد منهج ابن تيميه).

قال الكنجي الشافعيّ في كتابه (كفاية الطالب: ٥٤): والصحيح أنّ أهل البيت عليّ وفاطمة والحسنانعليهم‌السلام ؛ وذكر حديث مسلم عن عائشة. ثمّ قال: وهذا دليل أنّ أهل البيت هم الذين ناداهم الله بقوله: أهل البيت، وأدخلهم رسول الله في المرط. قال: وأيضاً روى مسلم بإسناده أنّه لـمّا نزلت آية المباهلة دعا رسول الله عليًّا وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: (أللّهم هؤلاء أهل بيتي). وأخرجه إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده من غير واحد من أصحاب رسول الله والتابعين.

ولخطر الأمر فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك كان يمرّ على بيت فاطمة فيسلّم على أهله. روى ابن مردويه، عن ابن عبّاس: إنّ رسول الله بعد نزول هذه الآية، كان يمرّ ببيت فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: (السلام عليك أهل البيت ورحمة الله

٤٣٢

وبركاته، الصلاة رحمكم الله( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وذلك طيلة سبعة أشهر(١) .

ومن جواب ابن عبّاس ليزيد، وقد كتب إليه يطلب منه أن يدخل في طاعته! وأن يحثّ الناس على ذلك: (ثمّ إنّك سألتني أن أحثّ الناس على طاعتك، وان أخذّلهم عن ابن الزبير، فلا مرحباً ولا كرامة! تسألني نصرتك ومودّتك، وقد قتلت ابن عمّي وأهل رسول الله، مصابيح الهدى، ونجوم الدّجى؟! غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى. أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لقتل الحسين؟! فما زلت وراءه تخيفه حتّى أشخصته إلى العراق، عداوةً منك لله ورسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً)(٢) .

وكتاب ابن عبّاس إلى يزيد طويل، كشف فيه عورات آل أبي سفيان، وأنّ ابن ميسون كان يتحرّك في نفس الدائرة التي كان يتحرّك فيها ابن هند وربيبه أبي سفيان: الطلب بثاراتهم يوم بدر وأحد...، وبالتالي ردّ الجاهليّة لتسود؛ فما فرق يزيد الفهود والقردة والكلاب، عن ربيبه ابن هند الذي خرج على الله ورسوله ووليّه ووصيّ رسوله. فذهبت تلك الألوف في حرب صفّين، ثمّ حارب خليفة المسلمين ببيعة عامّة لا بمهزلة خلع خاتم وتثبيت آخر! حارب أحد الثقلين ولم يكن في الثقل المقابل للقرآن الكريم واحد من خيرة الصحابة، فكيف بالنكرة منهم ومن خرج عليه في حياته وبعد مماته؟! وخرج على الله بمخالفته كتابه؟! وليس الصحابيّ إلّا من صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً من الزمن وأطاعه في كلّ ما أتى به من قرآن، أو حديث! وثبت

____________________

(١) ما نزل من القرآن في عليّ، لابن مردويه ٣٠١ / ٤٧٥٤، نور الأبصار: ٢٢٦.

(٢) تذكرة الخواصّ: ٢٤٨.

٤٣٣

على طاعته بعد مماته بالتزامه بالقرآن والسنّة معاً، ولم يغيّر ولم يبدّل ولم يتهوّك فيحرق أحاديث رسول الله. ولابن ميسون قدوة بابن هند، وإن طلّقت ميسون وهي حامل فعاش ابنها ربيع عمره بين أخواله النصارى، ثمّ ألحقه ابن هند به فلم يزده ذلك إلّا خبالاً! ويوم مات لم يحضره الناقص، كان في حوارين منشغلاً بأمور! وبعد جلوسه على الأريكة، كانت همّته منصرفة إلى قتل معجزة اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحد الثقلين وسيّد شباب أهل الجنّة وابن سيّد العرب والمسلمين ومن أمّه سيّدة نساء العالمين. سبط رسول الله وريحانته. ولولا كلّ ذلك وغيره لـما طلبه ابن ميسون طلباً حثيثاً ليقتله. ولم يكن الإمام الحسينعليه‌السلام ممّن يلوذ بقبر جدّه أو يعوذ ببيت الله؛ فينتهك حرمتهما وينجو هو! فخرج إلى اقرب موقع من الشأم، وهو الكوفة، وبذا لم يكن سبباً في الفظائع التي ارتكبها أهل الشأم وهتكهم لحرمة رسول الله ومدينته المنوّرة (طيبة) فكان اليزيديّون يسمّونها (نتنة) وأهل المدينة يسمّونهم (اليهود أبناء اليهود) اقتداءً بابن هند الذي أطلق على سيّد الأنصار (يهوديّ ابن يهوديّ)!

وعن زندقته ذكرنا كثيراً منه ما حدّث به المغيرة بن شعبة عن ابن هند وفيه (...، وأنّ أخا بني هاشم يصاح به في كلّ يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فأيّ عمل يبقى بعد هذا، لا أمّ لك؟ إلّا دفناً دفناً!!).

ومن قبل: أبو سفيان المنقطع النسب إذ ينتهي إلى أميّة الذي لم يكن ابناً لعبد شمس، إنّما هو عبد روميّ اشتراه عبد شمس فأعتقه وتبنّاه فصار يعرف أميّة بن عبد شمس، وعرفنا من وضاعة أميّة أنّه أعتق عبده (ذكوان) وتنازل له عن زوجته فزوّجه إيّاها في حياته! فأبو سفيان يحطّ رحاله عند العبد الروميّ أميّة ولا علاقة له بقريش ولا أيّ قبيلة عربيّة - بيّنا تفاصيل ذلك فيما مضى - وعرفنا من زندقة أبي سفيان وتقلّبه

٤٣٤

في مواخير الزنا والخمر؛ وهو مثلما لم يكن له حياء إذ سمع ابن سميّة العاهر، يخطب؛ فقال: أنا الذي وضعته في رحم أمّه، وكان قائد المشركين والأحزاب في حربها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى كان الفتح المبين فأظهر الإسلام نفاقاً! وقد ذكرنا من أقواله لعشيرته بتلقّف الأمر تلقّف الكرة، وإنكاره للجنّة والنار، بعد أن صار الأمر إلى عثمان. وأبو سفيان يعلم بقصّة هند مع أولئك الرجال، فكان يخاطبها مفاخراً بولده يزيد وناسباً معاوية إليها، فتقرّ هي بذلك وتفاخره بمعاوية وتنسبه إليها. مرّ تفاصيل ذلك.

وفي ابن ميسون قول! وقد ورث الزندقة والكفر وبغض أهل البيت وبني هاشم من معاوية وهند وأبي سفيان؛ فقد تمثّل بشعر ابن الزّبعرى:

لعبتْ هاشمُ بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل!

وذلك لـمـّا وضع بين يديه رأس الإمام الحسينعليه‌السلام.

ما جاء في معنى التطهير

ابن عبّاس، قال: الرّجس الشكّ(١) .

قال يوسف النبهانيّ: قال الإمام أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ في تفسيره: يقول الله تعالى: إنّما يريد الله ليذهب عنكم السّوء والفحشاء يا أهل محمّد، ويطهّركم من الدنس الذي يكون في معاصي الله تطهيراً. وروي عن أبي زيد: أنّ الرجس هاهنا الشيطان. وذكر أي الطبريّ، بسنده إلى سعيد بن قتادة أنّه قال: قوله:( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فهم أهل بيت طهّرهم الله من السوء وخصّهم برحمة منه. وقال ابن عطيّة: والرجس اسم يقع على

____________________

(١) تفسير الحبريّ: ٣٠٧، شواهد التنزيل ٢: ٣٠ / ٦٧١.

٤٣٥

الإثم والعذاب وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت. وقال الإمام النّوويّ: قيل هو الشكّ، وقيل العذاب، وقيل الإثم. قال الأزهريّ: الرجس اسم لكلّ مستقذر، من عمل وغيره(١) .

قال: وقال شيخ الصوفيّة محيي الدين بن عربي، في الباب التاسع والعشرين من الفتوحات المكيّة: ولـمّا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبداً محضاً قد طهّره الله وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس وهو كلّ ما يشينهم، فإنّ الرجس هو القذر عند العرب...؛ فلا يضاف إليهم إلّا مطهّرٌ ولابدّ: فإنّ المضاف إليهم هو الذي يشبههم، فلا يضيفون إلى أنفسهم إلّا من له حكم الطهارة والتقديس؛ فهذه شهادة من النبيّ لسلمان الفارسيّ بالطهارة والحفظ الإلهيّ والعصمة، حيث قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (سلمان منّا أهل البيت). وشهد الله لهم بالتطهير وذهاب الرجس عنهم. وإذا كان لا يضاف إليهم إلّا مطهّر مقدّس، وحصلت له العناية الربّانيّة الإلهيّة بمجرّد الإضافة، فما ظنّك بأهل البيت في نفوسهم؟! فهم المطهّرون، بل هم عين الطهارة، فهذه الآية تدلّ على أنّ الله تعالى قد شرك أهل البيت مع رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في قوله تعالى:( لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ ) (٢) ، وأيّ وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ؟! فطهّر الله سبحانه نبيّه بالمغفرة ممّا هو ذنب بالنسبة إلينا، ولو وقع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكان ذنباً في الصورة لا في المعنى، لأنّ الذمّ لا يلحق به على ذلك من الله، ولا منّا شرعاً. فلو كان حكمه حكم الذّنب لصحبه ما يصحب الذّنب من المذمّة، ولم يكن يصدق قوله:( لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فدخل الشّرفاء

____________________

(١) الشرف المؤبّد لآل محمّد، ليوسف النبهاني: ٦.

(٢) الفتح: ٢.

٤٣٦

أولاد فاطمة كلّهم رضي الله عنهم - ومن هو أهل البيت، مثل سلمان الفارسيّ رضي الله عنه - إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهّرون اختصاصاً من الله وعنايةً بهم، لشرف محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، وعناية الله بهم...(١) .

وعن مفهوم أهل البيت، قال الشبلنجي: إنّهم عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ودليل نبوّته يوم المباهلة. ويشهد للقول بأنّهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين ما وقع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة هو ووفد نجران؛ وذكر الآية، قال: أراد بالأبناء الحسن والحسين، وبالنساء فاطمة، وبالنفس نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليًّا رضي الله عنه (ثُمّ نَبْتَهِل ) قال ابن عباس: نتضرّع في الدعاء، وقيل معناه: نجتهد ونبالغ في الدعاء، وقيل معناه: نلتعن.

قال المفسّرون: لـمّا قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية على وفد نجران، ودعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتّى نرجع وننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غداً. فلمّا خلوا بعضهم ببعض قالوا للعاقب - وكان كبيرهم وصاحب رأيهم - ما ترى يا عبد المسيح؟ قال: لقد علمتم يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولئن فعلتم ذلك لنهلكنّ. وفي رواية قال لهم: ما لا عن قوم قطُّ نبيّاً إلا هلكوا عن آخرهم، فإن أبيتم إلاّ البقاء على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم. فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ يمشي خلفها، والنبيّ يقول لهم: (إذا دعوت فأمّنوا)، فلمّا رآهم أسقف نجران قال: يا معشر النصارى، إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا

____________________

(١) الشرف المؤبّد: ١٢ - ١٣.

٤٣٧

فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نباهلك وأن نتركك على دينك وتتركنا على ديننا. فقال لهم رسول الله: (فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكن ما للمسلمين وعليكم ما عليهم). فأبوا ذلك، فقال: (فإنّي أنابذكم)(١) فقالوا: ما لنا في حرب العرب طاقة، ولكنّا نصالحكم على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا، وأن نؤدّي إليك في كلّ سنة كذا وكذا..، فصالحهم رسول الله على ذلك، وقال: (والذي نفسي بيده، إنّ العذاب تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليها الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى هلكوا) انتهى عن الخازن وغيره. قال الشبلنجي: وفي ذلك دليل على نبوّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، وعلى فضل أهل الكساء(٢) .

فهلاّ باهل أهل بيت الرحمة النواصب الخوارج، فإن رضوا المباهلة لحلّوا دار البوار، ولم يكن وجود لصنيعتهم: ابن هند، ولم تكن صفّين ولا يوم البعير ولا نهروان ولا الطفّ ولا حرّة وابن تيميه ووهّابيّون، وحزب الضلالة والإجرام (البعث) المشؤوم!

إلاّ أنّه بيت رحمة معلوم له ما سيجري له بتعليم وإخبار من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد باهل الحسين، يوم الطفّ أحد جيش أهل الشأم فسقط لتوّه من فرسه وتعلّقت قدمه بركاب الفرس فركض به يضرب رأسه بكلّ حجر ومدر فقطع بدنه أو أوصالاً.

وقد ذكرنا ميتات السوء التي مات بها رجال السوء ممّن اعتدى وانتهك حرمة

____________________

(١) الطرائف، للسيّد ابن طاووس الحسنيّ: ٤٥.

(٢) نور الأبصار: ٢٢٣ - ٢٣٤.

٤٣٨

البيت الطاهر الذي بلغ شأنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضت عليه شهور من نزول آية التطهير وهو يقصد بيتهم عند صلاة الفجر فيسلّم عليهم ويناديهم إلى الصلاة، ولم يعترضه المتهوّكون! فيقل أحدهم: ما هذه البدعة يا رسول الله؟!

إنّه بيت حقيق بكلّ مسلم صادق أن يشدّ الرّحال إليه رغم أنف من أنف! فهو بيت ينزل الوحي فيه ومنه يعرج، وهو بيت السيادة والطهارة ومعجزة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، وهم وودّهم الاجرة المفروض على الأُمّة لتبليغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسالته؛ وذكرهم في القرآن يضيق مقام البحث هنا أن يجمعه، فقد ذكرهم بالوصف والنسبة وهو أبلغ في العربيّة من الذكر بالإسم.

وإن كنّا ذكرنا حديث حرب وسلم أهل البيت هو حرب وسلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه يرد أنّ حبّ الحسنين وبغضهما حبّ وبغض لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

عن سالم بن أبي حفصة عن أبي حازم عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (من أحب حسنا وحسينا أحبّني ومن أبغضهما أبغضني)(١) .

ونذكّر بقول أحمد بن حنبل لـمّا سئل عن قوله في حديث: (عليٌّ قسيم النار)؟

____________________

(١) كتاب الفضائل، للنسائي: ٩٠ / ٦٥، مسند أحمد ٢: ٢٨٨ و ٢٤٩ و ٤٤٠ و ٥٣١، سنن ابن ماجة ١: ٥١ / ١٣، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٧٧ قال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي في التلخيص، ومسند أبي يعلى: ١١ / ٧٨ / ٦٢١٥، الكامل، لابن عدي: ٣ / ٨٢ / ٦٢٥ و ٣٤٤ / ٧٩٣، الأدب المفرد، للبخاري: ٣٠٤، السنن الكبرى، للنسائي كتاب المناقب - مناقب الحسنين ح ٦٥، أمالي الطوسي ح ٣٨، صحيح مسلم: ٧ / ١٢٩، حلية الأولياء: ٢: ٣٥، المعجم الكبير ٣: ٤٧ - ٥٠ ح ٢٦٤٥ - ٢٦٤٩ و ٤٩ ح ٢٦٥١ ولفظه: (أللّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما وابغض من يبغضهما). والحديث بنصّه في طبقات ابن سعد في ترجمته للحسنينعليهما‌السلام ، وكذلك في تهذيب الكمال - ترجمتهما -، الفضائل، لأحمد ح ٦٠ من فضائل الحسنين وتاريخ دمشق - أيضاً ترجمتهماعليهما‌السلام -، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٠، صحيح ابن حبّان ح ٢٢٣٣.

٤٣٩

فقال: ألسنا نروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لا يحبّ عليًّا إلّا مؤمن ولا يبغضهما إلّا منافق)؟ قالوا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قالوا: في الجنّة. قال: وأين المنافق؟ قالوا: في النار. قال: هذا جواب سؤالكم.

وقد قرنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حبّ الحسن والحسين بحبّه، وبغضهما ببغضه؛ فأين يكون شيعة النبيّ والحسن والحسين؛ وأين يكون مبغضهم؟!

والجواب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبسند عن سلمان قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن والحسين: (من أحبّهما أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله جنّات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنّم وله عذاب مقيم)(١) .

فأين يكون من أحبّ الحسن والحسينعليهما‌السلام ؛ وأين يكون من أبغضهما؛ بل حرابهما وقتلهما وقطع أيدي ورؤوس من أحبّهما؟! ومن مهّد لهم بالتمكين ومن هو على سيرتهم؟!

هل وجدتم في سيرة أسلافكم شريف الحسب والنسب كما وجدنا في أهل البيت الطاهر؟ هل جاء في أحدهم حديث واحد يجعله قرين أهل البيتعليهم‌السلام ؟ ! أم تقولون: إنّ أولئك داخلون في عدل القرآن وثقله، وإن لم يصرّح بأسماء؟! ولكن لفظ (العترة، وحامّة النبيّ وخاصّته أهل بيته...) قطعت هذا الطريق وحديث الكساء قاطع من أن يدخل في أهل البيتعليهم‌السلام من منعه النبيّ أن يكون معهم، فكيف بك بمن أمضى شطر عمر الاكبر في شرك وعبادة الأصنام وإتيان الفواحش! ولو كان فيهم من هو أطهر وأفضل من أهل البيت لخرج يباهل به النصارى كما هزم به من لا نعرف اسمه في بدر

____________________

(١) المعجم الكبير: ٣ / ٥٠ / ٢٦٥٥، مجمع الزوائد: ٩ / ١٨١، مختصر تاريخ دمشق ٧: ١٢١.

٤٤٠