شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء ٣

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية0%

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 697

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 182542
تحميل: 4444

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182542 / تحميل: 4444
الحجم الحجم الحجم
شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء 3

مؤلف:
العربية

كَلَدَة الثقفيّ؛ فوقع عليها أَمَةً فحملت بنافع فأقرّ به الحارث! وإن لم يُعلمنا المصدر كيف كان هذا الوطء؛ زواجاً، ملك يمين، زنىً؟! وإن كان القرينة ترجّح الزنا، بدليل أنّه انتفى من نُفَيْع ابن سُميّة ونسبه إلى غُلامه مَسْروح؛ فكيف يكون هو وغلامُه شريكين في امرأة واحدة؟! ثمّ جاءت الجملة بعدها إذ قيل للحارث: (إنّ جاريتك فاجرة لا تدفع كفَّ لامس!)، فأيّ امرأةٍ هذه التي تسبق نطفتُها نطفةَ الرجل؟! ولذا فثمّة سؤال لابدّ له من جواب: كيف ثبتت أبوّة الحارث لنافع؟ فإن قيل: ولدته على فراشه بعدما وقع عليها! إلّا أنّ فجورها وتراود الرجال لها وهي لا تردّ يد لامس يجعلنا في حالة شكّ من نسبة نافع إلى الحارث. ولـمّا وجد أن نَتْنَ سُميّة قد زكمَ الأنوف؛ زوّجها من عبد امرأته صفيّة وهو عبد روميّ يُقال له: عُبَيْد، فولدت لعُبيد الروميّ زياداً! على فراشه.

ولأوّل مرّة في حياة سميّة ترد كلمة (زواج)؛ لـمّا زوّجها مولاها الحارث من عبد روميّ كان لزوجته صفيّة. ولاحظ دقّة الراوي وحَذَقه إذ قال: فولدت لعبيد الروميّ زياداً، على فراشه، وبذلك نسب زياداً له، وصار زياد يدعى لدهر إلى عبيد. ولكن نافعاً كذلك ولد على فراشه لـمّا وقع الحارث على سميّة من غير زواج؛ ومع ذلك أقرّ به لأنّه ولد على فراشه ولكن نسب ابنها أبا بكرة نُفَيْعاً إلى غُلامه أبي مَسْروح لعلّة الشَبَه بين أبي بَكْرة وأبي مَسْروح.

فنحن والرواية هذه: نجد سميّة قد تراودها رجال - دعنا ممّا قبل اليشكري، فعلمُهم عندَها - ثمّ: اليَشْكُريّ، فالحارث بن كَلَدة، ومَسْروح غلام اليشكري - وأيضاً دعنا من عدد الذين لم تردّ يدَهم سميّة وهي جاريةٌ للحارث -، وعُبَيْد الروميّ، عبدٌ للحارث بن كلدة.

٥٦١

فهؤلاء أربع رجال في حياة (سميّة)، في رواية واحدة، من غير مجموعة الرجال الذين تراودوها قبل اليشكريّ.

وحالُ زياد في الانتساب إلى عبيد الروميّ، حال انتساب أخيه لأمّه نافع بن الحارث، فكلاهما نسب إلى الفراش الذي ولد عليه إلّا أنّ الحارث وقع على سميّة وعبيداً تزوّج سميّة؛ وإن كنّا لا نقطع بأنّ زياداً لعبيد كما شكّكنا بنسبةِ نافع إلى الحارث؛ لحال أمّهما (سميّة) كما عرفت.

ولكن: هل استقرّ أمر سميّة بعد تزويجها من الروميّ عبيد فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى بعد تقلّب من فراش إلى فراش؟ فإنّ ابن هند، وهند أكرم من سميّة؛ إنّها من بني عبد شمس وليس في حياتها من الرجال إلّا ثلاثاً زواجاً؛ وأربعاً سِفاحاً وخامسهم وحشيّ؛ هذا ما ذكر، والله أعلم بعدّتهم! لم يكن عنده بيّنة في استلحاق زياد إلّا شَبَهه به! وشهادة الخمّار والذي مهنته (القِيادة) السَلوليّ. وأبو سفيان لم يطلب من السَلوليّ امرأةً إنّما طلب (بَغِيّاً) والمعنى واحد إلّا أنّ الوصف يدلّ على الواصف! ولكن كيف عرف السلوليّ (سميّة) وهي في عصمة زوج (عبيد) لو لم يسبقه إليها في رجال آخرين جمع بينهم وبينها وهي في عصمة المسكين (عبيد)؟!

وزياد وهو يسمع الشهادات في بغاء أُمّه، لا ينكر على الشهود إلّا وصفهم لنَتْن إِبْطَي أُمِّه وفرجها ولَعْن أبي سفيان لها وذَكَرُه يقطر! وكم هو خسيس وضيع، وهو يسمع ابن هند ينسبه إليه بدلالة الشَبَه الذي زعمه فيقول: أيّها الناس إنّ أمير... والشهود قد قالوا ما سمعتم، ولستُ أدري ما حقُّ هذا من باطله، وهو وهُمْ أعلم، وإنّما عُبيد أبٌ مبرور ووالٍ مشكور!

يا ابن سُميّة الفاجرة التي لا تدفع كفّ لامسٍ؛ فإن كان الذي قالوه حقّاً، فللعاهرِ

٥٦٢

الحجَر والولد للفراش؛ فأنت لستَ لأبي سفيان. وإن كان باطلاً فلستَ لأبي سفيان كذلك لبطلانِ دعواهم! ومع هذا لازلتَ تقرّ بأبوّة عُبَيْد الذي تراه أباً مبروراً ووال مشكوراً، فكيف ارتضيتَ لنفسِك أبوين؟! أب أصالةً كنت تُدعى إليه وما زلتَ تنسب نفسَك إليه؛ وآخر زنّاء خمّير زنديق ليس له من الفضائل إلّا التنصّل من معاوية إذا نافَرتْهُ هِنْد؛ ونسبه إليها، فكان معاوية ينسب نفسَه إلى هند ولا يجد حرَجاً فيما يسمعه من خَوْض الناس في عدد الرجال وهم ثلاثة الذين دخلوا بهند زواجاً؛ وأربعة خامسهم وحشي من غير زواج.

وأنت لو صنعتَ صنيع ابن هند، لكان ذلك أزكى! فسُميّة كانت تتقلّب بين رجال ثلاث، حتّى انتهت إلى عبيد الروميّ فتزوّجها ولا ندري عدد الأكفّ التي لامستها قبل عبيد! وهي تحت عبيد الذي شغلته الغنم عن سميّة فكان السَلوليّ يوصل إليها الرجال منهم أربعة فيهم أبو سفيان؛ في ليلة واحدة. وبتجاوز الأكفّ غير المعلومة؛ فهؤلاء ثمانية في حياة سميّة، فهلّا بقيتَ عليها مثلما بقي ابن هند على نسبه إلى أمّه، ولربّما صفح التاريخ عن أولئك الرجال لو أنّك انتسبتَ إلى عبيد؛ فلمّا خدعك ابن هند وهو شرٌّ كلُّه، كما ذكرنا صدر البحث، فادّعاك ولم تكن هند أمّك ولا أبو سفيان أباك، وإلاّ لَرَميته بأحجاره! فلمّا خارت عزائمُك وقبلتَ باطلَ ابن هند؛ صرتَ له أطوع من خاتمه، فكان همّك تتّبع شيعة أهل بيت النبوّة، تدفنهم أحياء وتجدع آنافهم وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وكان فيمن قتلت: الصحابيّ الجليل حُجر بن عَديّ وصحبه الكرام، بعد أن زوّرت عليهم شهادةً شهد لك فيها الأراذل بادي الرأي جلّهم من قتلة سيّد شباب أهل الجنّة سبط رسول الله وريحانته الحسين بن عليّعليه‌السلام.

والفضيلة الأخرى التي تُسجّل للرجل الذي قبلتَ أُبوّته، ولَيتَك أشركته في عُبيد

٥٦٣

بذلك فقلت: إنّما عُبيد أبٌ مبرور ووالٍ مشكور، وأبو سفيان فكما سمعتم، فرجل رذيل يُواقع أمّهات الأبناء ذوات أزواج! فأنا من الآن: زياد بن عبيد وأبي سفيان، أو زياد بن عبيد المدعو لأبي سفيان؛ أو ابن عبيد زواجاً، ادّعاني لزنيةٍ أبو سفيان، فبأيّ شئتم سمّيتم، وبأيٍّ اقتديتم اهتديتم.

وهذه الفضيلة الأخرى لأبي سفيان والتي يؤكّد عليها الخارجي ابن تَيمِيَه وخوارج عصرنا الوهّابيّون حتّى أنّهم يدرّسونها لتلامذةِ المدارس الثانوية في الحجاز الذي صار اسمُه يُعرف بجدّ العائلة المالكة (المملكة العربيّة السعوديّة)، ويفخرون بها، وهي قيادته لقوى الفكر والأحزاب حتّى تحرير بيت الله الحرام من أسار الوثنيّة وجاء به العبّاس بن عبد المطّلب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن امتنع أنّه مقتولٌ إذن، فلمّا عرضه على النبيّ سأله إن كان يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله؟ فوكزه العبّاس؛ فتشهّد الشهادة الأولى وتوقّف عن الثانية؛ ولـمّا سأله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشهد أنّي رسول الله؟ قال: أمّا هذه ففي القلب منها شيء! فأعلمه العبّاس إن هو امتنع فإنّه مقتول؛ فاضطُرَّ إلى النُّطق بها. وطلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العبّاس أن يحبسه عند مضيق الوادي حتّى تمرّ به جيوش المسلمين، فحبسه إلى الفجر إذ بدأت تمرّ به جحافل الإسلام تخفق راياتُها وكان يسأل العبّاس من هؤلاء تحت هذه الراية فيُخبره، فلمّا رأى عِظَمَ الجيش قال للعبّاس: إنّ مُلْك ابن أخيك صار عظيماً! فقال له العبّاس: ليست مُلكاً يا أبا سفيان؛ إنّها النُّبوّة؛ ولم يُظهر ابنُ هند الإسلام إلّا وهو يرى بارقة سيف النصر المؤزّر لجُندِ الله ويسمع تكبير عشرة آلاف ويرى آلهته وآلهة أسلافه تهوى لوجهها ولا تنتصر لنفسها من معاول جُند الله وهي تحوّلها قِطعاً قِطعاً. إلّا أنّ أبا سفيان، وربيبه ابن هند؛ مثلما أظهرا الإسلام كرهاً، فقد أنكراه طَوعاً وقد ذكرنا كثيراً من الشواهد، من ذلك لـمـّا صار

٥٦٤

الأمر إلى عثمان بن عفّان الأمويّ ودخل عليه أبو سفيان ثمّ خرج من عنده وهو يقول: تلقّفوها يا بني أميّة تلقّف الكرة فما الأمر على ما يقولون(١) . وقولُه لـمّا قُبض رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تلقّفوها الآن تلقّف الكرة فما من جنّةٍ ولا نار(٢) .

ورواية أُمّ سلمة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالساً فمرّ أبو سفيان على بعير ومعه معاوية وأخٌ له، أحدُهما يقود البعير والآخر يسوقه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق)(٣) .

وفي معاوية ذكرنا ما وسع المقام ونذكر بعضاً:

عن الأعمش عن سالم بن أبي الجَعْد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (معاوية في تابوت مقفل عليه في جهنّم)(٤) .

والأعمش عن الحسن قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)؛ فتركوا أمره فلم يُفلحوا ولم ينجحوا(٥) .

عن أبي نَضْرة عن أبي سعيد الخُدْريّ أنّ رجلاً من الأنصار أراد قتلَ معاوية، فقُلنا له: لا تسلّ السيف في عهد عمر حتّى تكتب إليه، قال: إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (إذا رأيتم معاوية يخطب على الأعواد فاقتلوه)، قال: ونحن سمعناه ولكن لا نفعل حتّى نكتب إلى عمر؟! فكتبوا إليه فلم يأتِهم جواب الكتاب حتّى مات!(٦)

____________________

(١) أنساب الأشراف ٥: ١٣٦.

(٢) نفس المصدر السابق، الأغاني ٦: ٣٥٦.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) نفس المصدر السابق، مختصر تاريخ دمشق ٢٥: ٤٦.

(٦) أنساب الأشراف ٥: ١٣٦، مختصر تاريخ دمشق ٢٥: ٤٦.

٥٦٥

الأنصاريّ رحمه الله، أراد أن يعمل بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قتل ابن هند؛ ومنعه الآخرون لعلمهم أنّ ذلك يُغضب عمر، فهو عاملُه وهو مُفْتَتنٌ به، يُسمّيه: كسرى العرب؛ ولكن ما كان لهم أن يتركوا سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لِلَومِ لائم، فلم يُفلحوا بفعلهم، إذ لم يأتهم جواب عمر وتنمّر لهم ابن هند.

إنّ عمر بن الخطّاب الذي تحاماه المسلمون في قتْلِ ابن هند هو القائل: (هذا الأمر في أهل بَدْر ما بقي منهم أحد، ثمّ في أهل أحد ما بقي منهم أحد، وفي كذا وكذا، وليس فيها الطليق ولا لولد طليق ولا لـِمُسلمة الفتح شيء)(١) .

وما عشتَ أراك الدهرُ عجباً! هل نسي عمر أنّ ابن هند من مُسلمة الفَتح وهو وأمّه هند من الطلقاء، أم أنّ صلة الرحم هي العلّة في إطلاق يد ابن هند في الشأم؟

وابن هند لا يجد حَرجاً أن يُعلن عن خبيئة نفسه، قال: (أنا أوّل الملوك). وقال: (أنا أوّلُ ملكٍ وآخر خليفة)(٢) .

ابن هند ودعوة جُنادة!

عبيد الله بن مُعاذ عن أبيه عن شُعبة قال: أراد معاوية أن يَدّعي جُنادة بن أبي أميّة الأزدي، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: سمعتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (لا يريح ريحَ الجنّة مَن ادّعى إلى غير أبيه) فقال جُنادة: أنا سهمُك في كِنانتك، فأمّا الدعوةُ فلا!(٣)

ما أيسرَ الدعوة عند ابن هند! ولو يَسّر له لادّعى أقواماً بقضّها وقضيضها ليقوّي سلطانه ولو: متاعٌ إلى حين.

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٢٥: ٤٢.

(٢) نفس المصدر السابق: ٥٥. و ٦: ١١٩ - ١٢٠ (ترجمة جُنادة).

(٣) نفس المصدر السابق: ٦٩.

٥٦٦

ومقابل ذلك يضع الدعوى على الأشراف من شيعة عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلبعليهم‌السلام ، ليبطش بهم، كما حصل للصحابيّ الجليل عَمرو بن الحَمِق الخُزاعيّ وزوجته المرأة الصالحة الوفيّة. وللكوبة مصابيح الدُّجى: شهداء مَرْج عَذْراء؛ حُجر ابن عَديّ وصحبه الكرام.

كلّ ذلك يجري على أرض (الأبدال!) من أهل الشأم الذي سيطول وقوفهم على الأعراف مع ابن هند في قتالهم سيّد الوصيّين وإمام المتّقين عليّعليه‌السلام ، يومَ صِفّين؛ وهم لا غيرهم الذين توجّهوا إلى مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قتلهم الحسينعليه‌السلام وأهل بيته الكرام؛ فكانت وقعة الحرّة، قتلوا المقاتلة وأباحوا (طيبة) مدينة رسول الله ويُسمّيها أهل الشأم: نَتِنة، وفجروا بالنساء حتّى حبلت ألف امرأة بِكْر من غير زوج... وسنأتي على تفاصيلها.

ومن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، توجّه أهلُ الشأم ولم يُشركوا كذلك غيرهم في عدوانهم على بيت الله الحرام، فدكّوا البيت بحجارة المجانيق وخطّارة النفط والنار فاحترقت الكعبة وتهدّمت جدرانها.

وأعاد أهل الشأم كرّتهم أيّام عبد الملك بن مروان فهدموا الكعبة وحرّقوها وهم يرتجزون مفتخرين بعملهم.

وإذا كان ابن هند بخروجه على إمام زمانه ووليّ المؤمنين عليّعليه‌السلام وما أراق من الدماء، قد ارتكب الموبقة الكبرى (مجازاةً لـما سالم عليه المؤرّخون)، وإلاّ لكتبت مجلّداً ضخماً ليبدأ باسمه، مروراً بعقدة نسبه وضياع أصله وتأخّر إسلامه حتّى عام الفتح وتحت بارقة السيف واللعنات المتلاحقة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولربيبه وابنه؛ فإنّ الموبقة الثانية: قتلُه حُجر وأصحابه رضوان الله عليهم.

٥٦٧

الثالثة: انتزاءُ الأُمّة أمرها وتنصيبه جروه الناقص من بعده من غير مشورة من المسلمين وفيهم الصلحاء وأبناء الأنبياء.

الرابعة: ادّعاؤه ابن سُميّة ونقل نسبه إلى أبي سفيان، فما زاده شرفاً ولا نقله إلى خير! ولولا ذلك لكان ابن سميّة وابن أبيه، وربّما طُويت صفحته على عبيد الروميّ. فلمّا ادّعاه ولم تكن له جرأة على رفض الدعوة مثلما رفضها جنادة بن أبي أميّة، بعدما سمع رواية عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحريم الجنّة على من ادّعى إلى غير أبيه. ولم يكن ابن سميّة موغِلاً بدماء المؤمنين حتّى أوْقعه ابنُ هند في حبائله، وأغراه فزوّج ولده من بنات سفيان ومن بنات عبد شمس - مرّ ذكر ذلك وتفاصيله - وولّى زياداً البصرة، ثمّ ضمّ إليه الكوفة، فطغى ابن أبيه وسميّة وعبيد ورجالاً آخرين! فكان أشدّ على شيعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيّ المرتضى عليّعليه‌السلام ؛ من ابن هند عليهم!

يزيدُ ابنُ مَن؟!

قلنا: ابن هند! شرٌّ كلُّه، لم ينعقد من خير ولا رُبّي في خير. وذكرنا شيئاً من سيرة أمّه هند؛ فنسبه عندها ينتهي، وعدّدنا ما وصل إلينا من أسماء أزواج هند، فوجدناهم ثلاثة أخرهم أبو سفيان صخر بن حرب. ووجدنا معاوية ينسب إلى رجال أربع. وكان لقاتل (حمزةعليه‌السلام )، وهو (وحشي) الحبشيّ شراكةً في هند. فهل يأنف أن يكون (يزيد) مشترك بينه وبين غيره، مع البَوْن الشاسع بين الأُمّين: أمّه هند، وأمّ يزيد في أسماء الرجال؟!

البلاذريّ: حدّثني عبّاس بن هشام الكلبيّ عن أبيه عن جدّه وشَرقي بن القُطامي قالا: ولي معاوية الشأم لعمر وعثمان، فأتاه وهو بالشأم بَحْدَل بن أَنَيْف بن دُلْجة من

٥٦٨

ولد حارثة بن جَناب الكلبي بابن أخٍ له قد قتل أخاه، وكان ابنا أخيه هذا خطبا مَيْسون بنت بـَجْدَل جميعاً فزوّج المقتول، فإنّ رأسه لفي حِجْرها وهي تَفْليه إذ دخل عليه أخوه بصخرة فلَقَ بها رأسه، فلمّا أن أتى معاوية قال له: إن شئت قتلته لك فذهب ابنا أخيك جميعاً، وإن شئت فالدّية، فقبل الدّية.

ووجّه معاوية بعد ذلك رسولاً إلى بهدل بن حسّان بن عديّ بن جَبَلة بن سلامة بن عُلَيم بن جناب الكلبي ليخطب عليه ابنته، وكانت بكراً، فغلط فمضى إلى بجدل بن أنيف فخطب ابنته، فزوّجه ميسون، فقال عمرو الزهري من كلب يهجو حسّان بن مالك بن بحدل:

إذا ما انْتَمَى حَسّانُ يوماً فقُل لَهُ

بـِمَيْسون نِلْتَ المجدَ لا بابنِ بَحْدَلِ

بِخُمْصانةٍ رَيّا العظامِ كأنّها

من الوَحْشِ مَكحول المدامعِ عَيْطَلِ

ولَولا ابنُ مَيْسونٍ لَـما ظَلْتَ عاملاً

تَخَمَّطُ أبناءَ الأكارم من عَلِ

وما كان يَرجُو مالكٌ أن يَرَى ابنَهُ

على مِنْبرٍ يَقضي القضاءَ بفَيْصَلِ

ألا بَهْدَلاً كانوا أرادوا فضُلِّلَتْ

إلى بَحْدَلٍ نفْسُ الرسولِ الـمُضَلَّلِ

فشَتّانَ إنْ قايستَ بينَ ابنِ بَحْدلٍ

وبينَ ابن ذي الشَّرْطِ الأغرِّ الـمُحَجَّلِ(١)

وكان لعَديّ بن جَبَلة بن سَلامة شرطٌ في قومه: لا يدفنوا ميّتاً حتّى يكون هو الذي يخطّ له موضع قبره، وفيه يقول طُعْمَة بن مَدْفَع الكلبي:

عَشِيَّةَ لا يرجو امْرُؤ دَفْنَ أُمِّهِ

إذا هي ماتتْ أوْ يَخُطَّ لها قبراً

قال المدائني: طلّق معاوية ميْسون وهي حامل(٢) .

____________________

(١) أنساب الأشراف ٥: ١٥٦ - ١٥٧.

(٢) أنساب الأشراف ٥: ١٥٧.

٥٦٩

فائدة: إنّ ابن هند أراد أن يتزوّج ابنة بَهْدل بن حسّان الكلبيّة، وكانت بكراً؛ فبعث مَن يخطبها فغلط مبعوثه فمضى إلى بَحْدل بن أُنَيف الكلبي فخطب ابنته! ولم تكن بكراً، فقد تزوّجها ابن عمّها الذي قتله أخوه حسداً له. ولم يعلمنا الراوي عن المدّة التي أمضتها ميسون مع زوجها، وهل حملت منه أم لا؟! ولا المدّة التي أمضاها معها ابن هند؟ ولماذا رضي بغلط مبعوثه فتزوّجها، وما سبب طلاقها؟!

إنّا لا نقطع بأمرٍ من هذه الأمور إلّا أنّ ظلال الشكوك تمدّ عليها؛ فإنّ ابن هند، وهو حاكم الشأم، وبنو كلب في سلطانه وقد أراد امرأة منهم أن تكون زوجته فجيء بغيرها وله حقّ الرفض، فلماذا قبلها؟ ثمّ وجدها غير بِكْر فكانت حجّته أقوى من رفضها؛ هذا إن قلنا أنّه لم يكن قد علم أنّها متزوّجة من ابن عمّها ردحاً من الزمن؛ فلم الطلاق بعد أن أمضى معها ردحاً من الزمن؟ وتطليقها حاملاً ليس فيه جزم أنّ يزيد منه؛ فقد سبقه إليها ابن عمّها، فإن لم نقطع بأنّ يزيد ليس من ابن هند. إنّما هو من ابن عمّها فليس لنا أن ننسبه إلى ابن هند؛ الذي من نظريّته في النسب: الشبه! كما في قصّة استلحاقه ابن سميّة، فإنّ يزيد لا شبه له بابن هند، وفيه جُدَريّ لم يكن في ابن هند، بإجماع المصادر، وإن لم نكن مع نظريّة الشبه في النسب. وقد تربّى ابن ميسون عند أخواله (بني كلب)، وكان ابن هند يقول: لولا هواي في يزيد ما ولّيته! ووصلت الولاية إلى يزيد وهو في حوّارين يصيد الضباء!

وكانت أكفان معاوية في يد الضحّاك بن قيس الفِهْري، فكان ممّا قال عند دفنه: ونحن رائحون به مُدْرجاً في أكفانه، ومُدخلوه في قبره ومُخلّون بينه وبين ربّه وعلمه(١) ، فإن شاء الله رحمه وإن شاء عاقبه.

____________________

(١) ظاهراً: وعمله.

٥٧٠

أظنّها المرّة الأولى التي يُقال بحقّ ميّت مثل هذا الكلام! فأقل ما يُقال في مثل هذا الحال: أللّهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً... ثمّ يُدعى له بالخير والمغفرة وزيادة إحسانه إن كان محسناً أمّا أن يقول وصيُّه: مُدخلوه في قبره ومُخلّون بينه وبين ربّه وعلمه - أو عمله - فإن شاء الله رحمه وإن شاء عذّبه! ينمّ عن معرفة الضحّاك بسيّده، فلا دعاء ينفع معه ولا شفاعة له تُرتجى، والله تعالى أولى به عفواً وعقوبةً!

ابن مرجانة!

ما أكثر الأبناء في تاريخ ابن هند، وابن مَيْسون ومَن جاء بعدهم من حكّام الجور والفسق! فإذا كان زياد ابن أبيه وسميّة المدعو لعُبيد الروميّ؛ فكذلك ابن مرجانة عبيد الله، ومرجانة زنّاء خراسانيّة، استقرّت مرجانة عند زياد فنسب ابنها عبيد الله إليه ونشطت الدعاية الأمويّة في تسميته عبيد الله بن زياد، فما زاده ذلك شرفاً وأطلق الألسن في نسبه.

لـمّا جاء هلاك الناقص ابن ميسون، وجيشه كان محاصراً البيت الحرام وقد هدموا الكعبة وحرّقوها؛ فخارت عزائمهم ورجعوا إلى الشأم وبلغ ذلك ابن مرجانة عبيد الله - لعنه الله - حتّى صار إلى الشأم وبلغ ذلك أخاه سَلْم وهو يؤمئذ بخراسان ولاّه ابن ميسون، فتجّهز وخرج يريد الشأم ومعه مالٌ جزيل...، فلمّا صار في بعض الطريق استقبله عبد الله بن خازم السلمي فقال: إلى أين يا عدوّ الله؟ إلى أين يا ابن مرجانة؟ إلى أين يا ابن عبد بني عِلاج...(١) .

وقال ابن الكلبي وغيره: حلف ابن زياد لَيقتلنَّ المختار بن أبي عبيد فسمع ذلك

____________________

(١) الفتوح ٥: ٣١٠. وسنأتي على تتمّته في موضعه.

٥٧١

أسماء بن خارجة، وعروة بن المغيرة، فدخلا عليه فأخبراه بذلك وقالا: أوصنا بمالك واحفظ لسانك، فقال: كذب والله ابن مرجانة الزانية، والله لأقتلنّه ولأضَعنّ رجلي على خدّه(١) . وسنأتي على تمام الخبر، ولكن: أيُّ رجلٍ المختار رضي الله عنه وهو في سجن ابن مرجانة؛ ويُقسم بالله أنّه سيفعل به ما ذكرناه وقد تحقّق ذلك فيما بعد؟! فتبّاً لأعداء أهل البيتعليهم‌السلام وأعداء أنصارهم وشيعتهم!

ولـمّا ظفر ابن مرجانة بعُرْوة بن أُدَيّة، قال له: ما قولك فيَّ؟ قال: أوّلُك لزنيّةٍ وآخرُك لدعوَة(٢) .

منّة الدعوة وذلّتها!

العُتبي، قال: وفد زياد على معاوية، فأتاه بهدايا عظام، وسفط مملوء جواهراً، فسرّ معاوية بذلك سروراً شديداً، فلمّا رأى زياد ذلك صعد المنبر فقال: أنا والله يا أمير.. أقمت لك صَعَر العراق، وجبيتُ لك مالها وألفظتُ لك بحرها.

فقام إليه يزيد فقال: إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن زياد بن عُبيد إلى حرب بن أميّة.

فقال له معاوية: اجلس فداك أبي وأُمّي(٣) .

تبّاً لك ابن سميّة وسُحْقاً! إذ أمكنتَ ابن هند من الثُّغرة بعد إذ كان يتودّدك ويتحاشاك! فصرتَ مطيّته ومطيّة ابن ميسون يركباك إلى كلّ حرام وينتهجان بك السبيل إلى مواطن الخوارج، حيث فرعون... ولأجل النسب الذي يزكم الأُنوف نَتْنُه

____________________

(١) أنساب الأشراف ٥: ٤١٣.

(٢) نفس المصدر السابق: ٤١٥.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ٢٨: ٢٢.

٥٧٢

أرداك في قعر جهنّم حتّى بات الناقص ابن ميسون يزيد، يمنّ به عليك! وإن كان مثلوبَ النسب، ولا ندري ألهند أم لغيره كان ابن هند يقول: (لولا هوائي في يزيد لأبصرتُ قَصْدي!)(١)

ولقد كنتَ ترى وضاعة ما دُعيت إليه وأنّك على ما أنت عليه أشرف منه حتّى ما زال بك الأعور الزنّاء الذي أحصن تسعاً وتسعين امرأة.

صحيح أنّا وجدنا عدد الرجال المعروفين في تراود سميّة يقارب الذين وجدناهم في هند؛ إلّا أنّه لم يصنع بك خيراً بهذه الدعوة، فقد بدأ بحبس ابنك سالم وعبيد الله بن مرجانة المدعى إليك! فماذا جَنيتَ: أنت ابن سميّة وهو ابن هند؛ وأنت ابن عبيد؛ وهو منقطع عند هند انتفى منه أبو سفيان وتمسّكت هند به؟! فإن قلتَ: إنّه صار يدعى لأبي سفيان؛ فأنت أيضاً دعوت نفسك - بعض المصادر، سنذكرها تقول: إنّ زياداً قد قال: كان عبيد ربيباً... وهو ما صحّ في تحقيقنا - إلى عبيد الرومي. وما فضل أبي سفيان على عبيد؟! وأبو سفيان بن حرب، عرفنا بعض سيرته، وهو ابن أميّة عبد روميّ تبنّاه عبد شمس ثمّ استلحقه. فأيُّ شرف نالك بهذا الاستلحاق أكثر من أن زادك طينة خَبال وطُغيان حتّى قطعت في يوم واحد في مسجد الكوفة أكثر من ثمانين يداً! وزوّرت شهادة زور بحقّ القمر المنير (حُجْر بن عُدَيّ) وصحبه الكرام فقتلهم أخوك في الاستلحاق والكفر: ابن هند، واشتهر عنك قطع الألسن والأيدي والأرجل من خلاف. وعلى سُنّتك سار ابن مرجانة في قتل أولياء الله وتولّى مهمّة قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة رضي الله عنهما؛ وقتل سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٢٨: ٢٢.

٥٧٣

عليّعليهما‌السلام . وقبل الدعوة كنت تقرأ قوله تعالى:( ادْعُوهُمْ لِأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (ملعونٌ ملعونٌ من انتسبَ إلى غير أبيه وانتمى إلى غير مَواليه)(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة حجّة الوداع: (الولد للفراش وللعاهر الحجر، ومن ادّعى إلى غير أبيه أو تولّى غير مواليه، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)(٣) .

وقرأتَ وقرأنا لعنة النبيّ لمعاوية وربيبه وابنه؛ فوالله لو بقيت ابن سميّة، لكان أزكى لك، فهي أمّك لا إنكار في ذلك، وأسلم لك لنجاتك من عقوبة الدعوة الملعونة التي جعلتك ومَن يُنتسب إليك خاتماً في إصبع ابن هند؛ يصولون بكم حيث شاؤوا....

رواية المسعودي في استلحاق زياد

قال المسعودي: لـمـّا همّ معاوية في إلحاق زياد بأبي سفيان، شهد عنده زياد بن أسماء الحرمازي ومالك بن ربيعة السلولي، والمنذر بن الزبير بن العوّام(٤) : أنّ أبا سفيان أخبر أنّه ابنه. ثمّ زاده يقيناً إلى ذلك شهادة أبي مريم السلولي، وكان أخبر الناس ببدء الأمر

____________________

(١) الأحزاب: ٥.

(٢) محاضرات الأدباء ١: ٣٥٠.

(٣) السيرة النبويّة، لابن هشام ٤: ٢٥٣.

(٤) المنذر بن الزبير بن العوّام، وأُمّه أسماء بنت أبي بكر ذات الحزامين، ابنُها عبد الله ابن مُتعة - نذكر تفصيله بعد -، كان صديقاً لزياد، ولعلّ الصداقة بعد أن شهد له زوراً بشأن المختار! وكان في وفد المدينة إلى ابن ميسون؛ ولـمّا رجع وفد المدينة كلّهم إلّا المنذر فإنّه قدم على ابن مرجانة بالبصرة فأكرمه وأحسن ضيافته، وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف درهم. تاريخ الطبري ٤: ٢٦٨.

٥٧٤

وذلك أنّه جمع بين أبي سفيان وسميّة أم زياد في الجاهليّة على زنا، وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف خارجاً عن الحضَر في محلّة يقال لها حارة البغايا.

وكان قد غلب على فارس واستوسق أمرها له. وكان معاوية يتهدّده، ثمّ أخذ بُسر ابن أرطاة عبيد الله وسالماً ولديه وكتب إليه يُقسم ليقتلنّهما إن لم يُراجع ويدخل في طاعة معاوية وكتب معاوية إلى بُسر ألّا يعرض لهما، وكتب إلى زياد أن يدخل في طاعته ويردّه إلى عمله، فقدم زياد على معاوية فصالحه على مال وحُليٍّ، ودعاه معاوية أن يستلحقه(١) ، فأبى زياد ذلك، وكان المغيرة بن شعبة قال لزياد قبل قدومه على معاوية: ارمِ بالغرض الأقصى، ودع عنك الفضول، فإنّ هذا الأمر لا يمدّ إليه يداً إلّا الحسن بن عليّ وقد بايع لمعاوية، فخذ لنفسك قبل التوطين، قال زياد: فأشر عليَّ؛ قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله، وتصل حبلُك بحبله، وأن تَعيرَ الناس منك أُذناً صمّاء، فقال زياد: يا ابن شعبة، أأغرسُ عُوداً في غير منبته ولا مدرة فتُحْييه ولا عِرْق فيسقيه؟! ثمّ إنّ زياداً عزم على قبول الدعوى وأخذ برأي ابن شُعبة. وأرسلت إليه جُويرية بنت أبي سفيان عن أمر معاوية، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه، وقالت: أنت أخي أخبرني بذلك أبو مريم، ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد، وجمع الناس، فقام أبو مريم السلولي فقال: أشهد أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمّار بالجاهليّة فقال: ابغني بغياً، فأتيته وقلت له: لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة، فقال: ائتني بها على ذفرها وقذرها، فقال له زياد: مهلاً يا أبا مريم، إنّما بُعثتَ شاهداً ولم تُبعثْ شاتماً، فقال أبو مريم: لو كنتم أعفيتُموني لكان أحبَّ إليَّ، وإنّما شهدتُ بما عاينتُ ورأيتُ؛ والله لقد أخذ بِكُمِّ درعها وأغلقتُ الباب عليهما وقعدتُ دهشاناً، فلم ألبث أن خرج

____________________

(١) في الأصل (يستحلفه)، ولعلّ ما أثبتناه هو الصواب.

٥٧٥

عليّ يمسح جبينه، فقلت: مَه يا أبا سفيان، فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم، لولا استرخاء من ثديها وذَفَرٍ من فيها؛ فقال زياد: أيّها الناس هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم، ولستُ أدري حقُّ ذلك من باطله، وإنّما كان عُبيد ربيباً مبروراً، أو وليّاً مشكوراً، والشهود أعلم بما قالوا. فقام يونس بن عُبيد أخو صفيّة بنت عبيد بن أسد ابن علاج الثقفيّ - وكانت صفيّة مَولاة سميّة - فقال: يا معاوية، قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحَجَر للفراش، مخالفةً لكتاب الله تعالى، وانصرافاً عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان، فقال معاوية: والله يا يونس لتنتهينّ أو لأطيرنّ بك طيرةً بطيئاً وُقوعُها، فقال يونس: هل إلّا إلى الله ثمّ أقع؟ قال: نعم! وأستغفر الله. فقال عبد الرحمن بن أُمّ الحكم في ذلك، ويقال: إنّه ليزيد بن مفرغ الحميري:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

مغلغلةً عن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال: أبوك عفٌّ

وترضى أن يقال: أبوك زاني؟!

فأشهد أنّ رحِمَك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وفي زياد وإخوته يقول خالد النجاري:

إنّ زياداً ونافعاً وأبا

بَكْرَةَ عندي من أعجب العجبِ!

إنّ رجالاً ثلاثة خُلقوا

من رحم أُنثى مخالفي النسبِ

ذا قرشي فيما يقول، وذا

مَوْلىً، وهذا بزَعْمِهِ عربي(١)

في رواية المسعودي أكثر من أمرٍ يوجب التأمّل: من ذلك أنّ مجتمعاً مثل أهل الشأم

____________________

(١) مروج الذهب ٣: ٦ - ٨.

٥٧٦

غنيٌّ عن شهادة شهود، وكفى بقتالهم أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين ووليّ المؤمنين على لسان ربّ العالمين، أبي السبطين سيّدي شباب أهل الجنّة، وزوج الطاهرة سيّدة نساء العالمين. ثمّ غاراتهم بعد العهد والميثاق؛ يعترضون البريء والحاج فيقتلونه ويسلبونه؛ وغاراتهم على أهل الحرمين يُرجفون بهم حتّى ظنّوا أنّهم واقعٌ بهم؛ كلّ ذلك من غير سؤال لابن هند: لماذا نصنع هذا؟! فإذا كان أميرهم الناقص ابن مَيْسون، وجّه منهم سبعة عشر أو يزيدون لقتال ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام ؛ فلمّا فرغ من قتل الحسين وأهل بيته وصَحْبه النُجباء، بعثهم للإيقاع بأهل المدينة وأباحها لهم ثلاثة أيّام! لهم ما يشاؤون من قتل وسلب وزنىً بالمحصنات والمخدّرات حتّى حبلت ألف بِكْر...؛ ومن حرم رسول الله إلى حرم الله حيث دكّوا الكعبة بالمجانيق وحرّقوها بالنيران؛ وأعادوا الكرّة أيّام عبد الملك فهدموا قبلة المسلمين! وحرّقوها وهم يرتجزون طرباً! فهم منهم أبرياء وربُّها منهم بريء!

شهادة ابن النابغة

ابنُ النابغة(١) ، أحد الأبناء، وهو وزير ابن هند ومستشيره في الـمُلمّات، وقد علّمه

____________________

(١) سُمّيت النابغة لنبوغها في الزنا، وكان لها راية تُؤتى، وولدت عمرو من مواقعة ستّة رجال. ولم يكن حَيِي فيما قيل فيه وفي أُمّه مُلاعبة الأسنّة؛ وكان أجرأ من ابن سميّة! فهو أعرف بحال أهل الشأم وقد وصفهم بالبقر البُكم! ولذا لـمّا سُئل عن أُمّه، أجاب إلّا أنّه قلّل من عدد الرجال! (سأل رجلٌ عمرو بن العاص عن أمّه، فقال: سلمى بنت حَرمَلة، تُلقَّب النابغة من بني عَنزَة، أصابتها رماحُ العرب، فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكِهُ بن المغيرة، ثمّ اشتراها منه عبد الله بن جُدْعان، ثمّ صارت إلى العاص بن وائل، فولدت له فأنجبت، فإن كان جُعِل لك شيء فخذه) (أسد الغابة ٤: ٢٤٤). ويوم صفّين خاطبه أمير المؤمنينعليه‌السلام : (...، وهل تشبه إلّا أمّك التي وضعت بك؟!) وقعة صفّين: ٥٠٨.

والعاص بن الوائل، أحد زنادقة قريش، هو وأبو سفيان، وعُقبة بن أبي مُعَيط والوليد أبو خالد

٥٧٧

المخزومي و... (المحبّر: ١٦١، والمنمّق: ٤٨٧). وهو من المستهزئين وفيه نزلت:( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ ) الجاثية: ٢٣. (نفس المصدر: ١٥٨ - ١٦٠؛ ٤٨٤ - ٤٨٧).

وقد قلنا: إنّ ابن النابغة عمرو يُنسب إلى ستّة أتوا أمّه في ليلة موحشة. ولعقيل بن أبي طالب مساجلة مع ابن هند، أدخل عليه فعوى ابن هند فسأله عن عسكره، وعسكر أميرالمؤمنين؛ فقال: (مررتُ بعسكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب؛ فإذا ليلٌ كليل النبيّ ونهارٌ كنهار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا أنّ رسول الله ليس فيهم. ومررتُ بعسكرك، فاستقبلني قوم من المنافقين ممّن نفّر برسول الله ليلةَ العقبة. ثمّ قال: من هذا الذي عن يمينك يا معاوية؟ قال: هذا عمرو بن العاص. قال: هذا الذي اختصم فيه ستّةُ نفر فغلب عليه جَزّارُها، فمَن الآخر؟ قال: الضحّاك بن قيس الفِهْري. قال: أما والله، لقد كان أبوه جيّد الأخذ لعسب التّيس. (وفي شرح نهج البلاغة، للمعتزلي ١: ١٥٧ و ٢: ١٢٤: أنّ قيساً أبا الضحّاك كان يبيع عسب الفحول - أي ماؤه - في الجاهليّة. وفي أنساب الأشراف ٢: ٣٣٢: كان أبوه من خاصي القِرَدة، ما كان بمكّة أخصى لكلبٍ أو قردٍ من أبيه). فمن هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري. قال: هذا ابن المرّاقة - مرّاقة: خارجيّة، أو مغنّية -، فلمّا هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري. قال: هذا ابنُ الـمَرّاقة - مرّاقة: خارجيّة، أو مغنّية -، فلمّا رأى معاوية أنّه قد أغضب جُلَساءَه؛ قال: يا أبا يزيد، ما تقول فيّ؟ قال: دَع عنك. قال: لتقولنّ. قال: أتعرف حمامة؟! قال: ومَن حمامة؟ قال: أخبرتك. ومضى عقيل، فأرسل معاوية إلى النسّابة فقال: أخبرني من حمامة؟ قال: أعطني الأمان على نفسي وأهلي! فأعطاه؛ قال: هي جدّتك وكان بغيّةً في الجاهليّة لها راية تُؤتى. قال أبوبكر بن زبين: هي أمّ أم أبي سفيان (كتاب الغارات، للثقفي ٢: ٦٤ - ٦٥). وأضاف في شرح نهج البلاغة ٢: ١٢٥: فقال معاوية: قد ساويتكم وزدت عليكم فلا تغضبوا.

إنّ عقيل نسّابة معروف، وعالم بمساوئ الأفراد والقبائل، وهو لم يأتِ ابن هند من أمّه لمعرفته أنّ أمرها معلوم للجميع، فذهب إلى المجهول لهم: حَمامة جدّة ربيب معاوية. تاريخ نتن! عاهات ومخازي وهنيئاً لخوارج نَجْد وإعلامهم الكاذب الناصب!

أروى تنشر مخازي الأبناء!

عن أنس بن مالك قال: دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب على معاوية بالموسم، وهي عجوز كبيرة، فلمّا رآها قال: مرحباً بكِ يا عمّة، كيف كنتِ بعدنا؟ قالت: كيف أنت؟! لقد كفرتَ يدَ النعمة وتَسمّيت بغير اسمك وأخذت غير حقّك...، ولقد كفرتم بما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...، فلم تُبقِ له من ذارية. وكان آخرُ كلامها: وغايتُنا الجنّة، وغايتُكم النار!

قال ابن النابغة: أيّتها العجوز الضالّة، أقصري من قولك، وغُضّي من طَرفك! قالت: ومَن أنت لا أُمَّ لك؟! قال: عمرو بن العاص. قالت: يا ابن اللَّخناء النابغة [ اللَّخناء: الـمُنتنة الرائحة، والنابغة: الزانية ] أتكلّمني! إربَعْ على ظَلْعِك واعْنِ بشأن نفسك [ اربع: أقِم. والظَّلَع: العَرَج. مَثَل يُضرب لـمَن عيوبه كثيرة. وهو منشغل عنها بغيره ]، فو الله ما أنت من قريش في اللُّباب من

٥٧٨

حَسَبها ولا كريم منصبها، ولقد ادّعاك ستّة من قريش وكلُّهم يزعم أنّه أبوك، ولقد رأيتُ أُمَّك أيّام مِنى بمكّة مع كلّ عبدٍ عاهر، فأْتَمَّ بهم فإنّك بهم أشبه. [ في العقد الفريد ]: ادّعاك خمسة كلُّهم يزعم أنّه أبوك، فسُئلت أمّك عنهم فقالت: كلُّهم أتاني، فانظروا أشبَهَهُم فألحِقوه به، فغلب عليك شَبَهُ العاص بن وائل فلحِقتَ به.

إذا قالت حَذَامِ فصدّقوها

فإنّ القولَ ما قالت حَذامِ

ولقد قالت النبّاغة فصدّقوها فألحقوك بالعاص.

ونبحها ابن الزرقاء مروان فقال: أيّتها العجوز الضالّة! سُلخ بصرك [ في نثر الدرّ: ساخَ ] مع ذهاب عقلك، فلا يجوز شهادتك. قالت: وأنت أيضاً يا ابن الزرقاء تتكلّم؟! فو الله لأنتَ إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبَه منك بالحَكم، وإنّك لشْبههِ في زُرقة عينَيك وحُمرة شعرك مع قِصَر قامتك وظاهر دَمامتك، ولقد رأيت الحَكَم مادَّ القامة، نثر الهامة، سَبْط الشَّعر، وما بينكما قرابة إلّا كقرابة الفَرَس الضامر من الأتان الـمُقرِب، فاسأل أُمَّك عمّا ذكرتُ لك فإنّها تُخبرك بشأن أبيك إن صَدَقتْ! ثمّ التفتت إلى معاوية، فقالت: والله ما عرّضني لهؤلاء غيرك، وإنّ أُمّك للقائلة في يوم أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه:

نحن جَزَيناكم بيومِ بَدْرٍ

والحربُ بعد الحرب ذاتُ سُعْرِ

ما كانَ مِن عُتْبةَ لي من صَبْرِ

ولا أخي وعمِّه وبِكري

شَفَيتُ نفسي وقَضَيتُ نَذري

شَفَيتَ وَحشيُّ غليلَ صدري

فشُكرُ وحشيٍّ عليَّ عُمري

حتّى ترمَّ أعظُمي في قبري

تكلّمنا سابقاً عن هذه الأسماء ومقتلهم يوم بدر، وما أعطت هند من وعدٍ لوَحْشيٍّ الحبشيّ إن قتل أحد ثلاثة: النبيُّ أو عليٌّ أو حمزة؛ فقتل حمزة يوم أُحد، فشفت هند صدر وحشي. قالت أروى: فأجبتُها:

يا بنتَ رَقّاعٍ عظيمِ الكفر

خَزيتِ في بدرٍ وغير بَدْر

(في السيرة النبويّة، لابن هشام: وَقّاع، بالواو: الكثير الوقوع في الدنايا، مع تقديم عجز البيت على صدره).

صبّحكِ اللهُ قُبيلَ الفجرِ

بالهاشميّين الطُّوال الزُّهْرِ

بكلِّ قَطّاعٍ حُسامٍ يَفْري

حمزةُ لَيثي وعليٌّ صَقْري

إذ رامَ شيْبٌ وأبوكِ غَدْري

أعطيتِ وحشيَّ ضميرَ الصَّدْرِ

هتَكَ وحشيُّ حجابَ السترِ

ما لِلبغايا بعدَها من فَخْرِ

(شيب: أرادت شَيْبة بن رَبيعة. وقولها: أعطيتِ وَحْشي... كناية عن فعل الدنيء. وما بعده توضيح ما تقدّم وتوكيده).

٥٧٩

فقال معاوية لمروان وعَمرو: ويْلَكما! أنتم عرّضتماني لها وأسمعتماني ما أكره. ثمّ تودّد إليها وقضى حاجتها، في خبر يطول وفيه شعر لأروى ترثي به أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وتتوجّع عليه. (بلاغات النساء: ٤٠ - ٤١، نثر الدرّ ٤: ٣٦ - ٣٨، العقد الفريد ١: ٣٥٧ - ٣٥٨).

خبر غانمة

بلغ غانمة بنت غانم سبُّ معاوية وعمرو بني هاشم فخطبت أهل مكّة فأجادت وذكرت مفاخر بني هاشم وما قيل من شِعر في كلّ من ذكرته منهم فبدأت بعبد مناف، ثمّ هاشم وعبد المطّلب وأبو طالب والعبّاس بن عبد المطّلب وحمزة سيّد الشهداء وجعفر الطيّار وأبو الحسن عليّ والحسن ثمّ الحسينعليهم‌السلام . ثمّ قالت: يا معشر قريش! والله ما معاوية بأميرالمؤمنين ولا هو كما يزعم، هو والله شانئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّي آتيةٌ معاوية وقائلة له بما يعرق منه جَبينُه ويكثر منه عَويلُه.

وكان من خبرها أن استقبلها ابنُ ميسون في حَشَمه فقالت له: مَن أنت كَلأك الله؟ قال: يزيد بن معاوية. قالت: لا رعاك الله! يا ناقص، فلستَ بزائد. فلمّا كان من الغد أتاها ابن هند فسلّم عليها، فقالت: على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان! ثمّ قالت: مَن منكم ابنُ العاص؟ قال عمرو: ها أنا ذا. فقالت: وأنت تسُبّ قريشاً وبني هاشم وأنت أهلُ السبّ وفيك السبّ وإليك يعود السبُّ يا عمرو! إنّي والله عارفة بعيوبك وعيوب أُمّك، وإنّي أذكر لك ذلك عيباً عيباً؛ وُلِدتَ من أَمَةٍ سوداء مجنونة حمقاء تبولُ من قيام ويعلوها اللّئام، إذا لامَسَها الفَحْل كانت نُطفتُها أنفذَ من نُطفته، ركبها في يومٍ واحدٍ أربعون رجلاً!! وأمّا أنت، فقد رأيتُك غاوياً غير راشد ومفسداً غيرَ صالح، ولقد رأيت فَحْلَ زوجتك على فراشك فما غِرتَ ولا أنكرت! وأمّا أنت يا معاوية فما كنتَ في خيرٍ ولا رُبّيت في خير، فما لكَ ولبني هاشم؟ أنساءُ بني أميّة كنسائِهم أم أُعطي أميّة ما أعطي هاشم في الجاهليّة والإسلام؟ وكفى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال معاوية: أيّتها الكبيرة أنا كافٌّ عن بني هاشم. قالت: فإنّي أكتب عليك عهداً، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا ربّه أن يستجيب لي خمس دعوات، فأجعلُ تلك الدعوات كلّها فيك؛ فخاف معاوية وحلَف لها أن لا يسبَّ بني هاشم أبداً. (المحاسن والمساوئ، للبيهقي: ٩١ - ٩٤).

غانمة بنتُ غانم؛ غَنَمَ أبوها وفَلَح إذا كانت ابنتُه غانمة حقّ نسّابة عالمةً بدقائق النساء والرجال؛ فهي معيار الفواضل لنساء ورجال الشجرتين: المباركة؛ والملعونة! مع لسان أبلغ من السيف القاطع، وقلب تنزوي له أفئدة أبناء البغايا وتنتكس إزاءَه رايات الزواني الساقطات...

فهي بعد أن انتصرت للشجرة المباركة بدءاً بعبدِ مَناف الذي يقول فيه الشاعر:

كانت قريش بيضةً فتفلّقتْ

فالـمُخُّ خالصُها لعبد مَنافِ

ثمّ مرّت بهاشم، فعبد المطّلب، فأبي طالب والعبّاس وحمزة وجعفر الطيّار، فعليّ والحسن والحسين، وفضائلهم.

٥٨٠