شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء ٣

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية0%

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 697

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 182552
تحميل: 4444

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182552 / تحميل: 4444
الحجم الحجم الحجم
شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء 3

مؤلف:
العربية

صِدْقُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي مثْل القرآن، ولا فرق في وجوب طاعة كلّ ذلك علينا. وهي أيضاً مثل القرآن في أنّ كلّ ذلك وحيٌ من عند الله تعالى. قال الله عزّ وجلّ:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحَى ) (١) .

فقول النبيّ في القرآن وفيه أصله، قُرب أو بُعد، فهمه مَن فهمه، وعَمِهَ عنه مَن عَمِه. وعقدَ الدارمي باباً ترجمه: باب أنّ السنّة قاضية على كتاب الله، نقل فيه عن ابن أبي كثير شيخ الأوزاعي قوله: السنّة قاضية على القرآن، وليس القرآنُ بقاضٍ على السنّة(٢) .

وعن حسّان بن عطيّة قال: كان جبريلعليه‌السلام ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلّمه كما يعلّمه القرآن.

ونقل عن أحمد بن حنبل قوله: السنّة تفسّر الكتاب وتُبيّنه، والسُنّة عندنا آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والسنّة تفسير القرآن، وهي دلائل القرآن(٣) .

وقد جاء مَن قال لعِمْران بن الحُصين: ما هذه الأحاديث التي تحدّثونا وقد تركتم القرآن؟ لا تحدّثونا إلّا بالقرآن!

فقال عمران: أرأيت لو وُكِّلتَ إلى القرآن، أكنتَ تجد فيه صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، والمغرب ثلاثاً، تقرأ في اثنتين؟

أرأيت لو وُكّلت إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعاً، والطواف بالصفا والمروة؟ ثمّ قال: اتّبعوا حديثنا ما حدّثناكم، وخذوا عنّا، وإلاّ ضللتم(٤) .

____________________

(١) النجم: ٣ - ٤.

(٢) سنن الدارمي ١: ١١٧، باب ٤٩ حديث ٥٩٤.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) الكفاية في علوم الرواية، للخطيب البغدادي: ٤٨، والمستدرك على الصحيحين ١: ١٠٩.

٦٠١

وعن أيّوب السختياني، قال: إذا حدّث الرجل بالسنّة فقال: دعنا من هذا وحدّثنا بالقرآن؛ فاعلم أنّه ضالّ مضلّ(١) .

حديث الأريكة

ولقد حذّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أصحاب الدعوة الخبيثة بالاكتفاء بالقرآن وترك الحديث والسنّة.

بسند عن المقدام بن معدي كرب الكندي: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: يُوشك الرجل متّكئاً في أريكته، يحدِّث من حديثي فيقول: (بيننا وبينكم كتاب الله عزّ وجلّ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه) ألا، وإنّ ما حرّمَ رسول الله مثل ما حرّمَ الله(٢) .

ويرد بألفاظ أخرى، ولفظ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ألا إنّي أُوتيتُ الكتابَ، ومثله معه). (ألا إنّي قد أُوتيت القرآن ومثله). (ما قيل من قول حسَن فأنا قلتُه).

وأمّا قول صاحب الأريكة، فله ألفاظ أخرى منها: (دعونا من هذا، ما وجدنا في كتاب الله اتّبعنا) و (دعونا من هذا وهاتوا القرآن) و (لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه).

وقد لاحظنا في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ صاحب القول المعارض إنّما هو صاحب

____________________

(١) الكفاية: ٤٩.

(٢) مسند أحمد ٤: ١٣١، سنن أبي داود (كتاب السنّة) باب ٥ لزوم السنّة ٤: ٢٠٠ حديث ٤٦٠٤، سنن ابن ماجة ١: ٦ باب ٣ حديث ١٢، سنن الدارمي ١: ١١٧ حديث ٥٩٢، سنن البيهقي ٩: ٣٣١، دلائل النبوّة له ١: ٢٥ و ٦: ٥٤٩، المستدرك على الصحيحين ١: ٨ و ١٠٩. وأورده الخطيب في الكفاية: ٣٩ - ٤٠، والفقيه والمتفقّه ١: ٨٨، والترمذي في سننه، كتاب العلم ٢: ١١٠ - ١١١، صحيح ابن حبّان ١: ١٤٧، الاعتبار، للحازمي: ٧.

٦٠٢

(أريكة) وهي سرير الحاكم. وقوله: (يُوشك) لفظٌ يستعمل لِلدَلالة على قُرب تحقّق العمل، فهو من أفعال المقاربة. وقد وجدنا (أبابكر) أقرب عهداً إلى زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ قعد على الأريكة، وتصدّى للحديث بعين ما أنبأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى الذهبي: أنّ أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنّكم تحدّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناسُ بعدَكم أشدُّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: (بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه)(١) . فكان هذا من أعظم دلائل النبوّة وأوضح أعلامها.

والـمُدهش أنّ الذهبيّ حاول أن يصرف حديث الأريكة عن فعل أبي بكر من منع الحديث. قال: إنّه لم يقل: (حسبُنا كتاب الله) كما تقوله الخوارج(٢) . لكن: إنّ الكلمة التي حذّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلها هي: (بيننا وبينكم كتاب الله) وقد قالها أبوبكر بعينها.

وأمّا كلمة (حسبنا كتاب الله) فإن لم يقلها أبوبكر، فقد قالها عمر، الذي كان أشدّ في منع الحديث وتدوينه، بدعوى أنّه لا يريد أن يُلبس القرآن بشيء(٣) . وعمّم ذلك على الناس في كتاب رسميّ، فكتب إلى الأمصار: (من كان عندَهُ منها شيءٌ، فليمحُه)(٤) .

وعوض حرقها ومحوها؛ هلاّ عمَدَ أبوبكر، وعمر، فجمعا وجوهَ الصحابة ممّن يُطمأنّ إليهم لطول الصُّحبة والحافظة والتقوى وعرضا عليهم تلك الأحاديث، فما صوّبوه وصحّحوه؛ أثبتوه؟!

____________________

(١) تذكرة الحفّاظ ١: ٢ - ٣.

(٢) تذكرة الحفّاظ ١: ٣.

(٣) تقييد العلم: ٤٩.

(٤) تقييد العلم: ٥٣، جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البرّ القرطبيّ ١: ٨٧، كنز العمّال ١٠: ٢٩٢ حديث ٢٩٤٧٦.

٦٠٣

فعمر، هو أوّلُ من قال: (حسبنا كتاب الله) وقد قالها جريئةً في وقت حرج، فقد طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي توفّي فيه (قرطاساً ودواةً) وكان طلبُه جديّاً ومهمّاً، إذ علّق عليه أمراً مهمّاً وهو هداية الأمّة وصيانتها من الضلالة.

عن عبد الله بن عبّاس، قال: لـمّا احتضر النبيّ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب، قال: (هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدَه). فقال عمر: إنّ النبيّ غَلَبَه الوجع، وعندكم القرآن فحسبُنا كتاب الله!

واختلف أهل البيت - أي الحضور وليس بالمعنى الخاص لأهل بيت العصمةعليهم‌السلام - واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لن تضلّوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر! فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: (قوموا عنّي). فكان ابن عبّاس يقول: إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(١) .

هذا الموقف فيه: تقديم بين يدي الله ورسوله، المنهي عنه في القرآن. وفيه تفويت على الأُمّة ما أراد لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الخير، وفيه غِلظة! فقوله: (غلبه الوجع) أي أنّ النبيّ - حاشا له - في وضع من لا يملك قواه العقليّة فهو يقول ما لا يدري لـما به من الوجع. كما إنّ حالة اللّغو والاختلاف واللّغط، كلّ ذلك سوء أدب في حضرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورفع الأصوات فوق صوت النبيّ ممّا نهى عنه القرآن.

ولـِمَ اعترض عمر ومَن معه رسولَ الله في كتابة الكتاب؟ هل كان يدرك ما

____________________

(١) المصنّف، لعبد الرزّاق ٥: ٣٠٣ / ٩٨٢٠، مسند أحمد ١: ٢٢٢، صحيح البخاري ١: ٣٧ و ٥: ١٣٨ و ٨: ١٦١، صحيح مسلم ٣: ١٢٧٥ / ١٦٣٧ و ١٢٥٩ / ٢٢، مسند أبي يعلى ٤: ٢٩٨ / ٢٤٠٩، دلائل النبوة، للبيهقي ٧: ١٨١ و ١٨٣، تاريخ الطبري ٣: ١٩٣، الملل والنحل ١: ٢١، عمدة القاري ١: ٥٧٥، فتح الباري ١: ١٨٥.

٦٠٤

سيكتبه النبيّ، فتدارك الأمر بالاعتراض الشديد؟ وقول النبيّ لهم: (قوموا عنّي) كان عن سخط منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسخطه من سخط الله تعالى! وليتهم ترضّوه فلعلّ الله سبحانه يرض عنهم، وإنّما مضوا إلى السقيفة ليبدأوا تاريخاً ما زال أثره حتّى يومنا هذا.

ويرد لفظه بنحو آخر يساوقه في معناه. فعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس، قال: يومُ الخميس وما يوم الخميس! قال: اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعُه فقال: (ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي أبداً) فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي أن يُتنازع - فقالوا: ما شأنه أَهْجَرَ؟! استفهموه! فذهبوا يُعيدون عليه، فقال: (دَعُوني، فما أنا فيه خيرٌ ممّا تدعونني إليه...)(١) .

وأَهْجَرَ: إذا قال القبيح(٢) .

أيليق بطليعة الصحابة وفي مقدّمتهم أعلمهم - كذا! - أن ينعتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمثل هذا الكلام، والحمد لله، لم يكن فيهم عليٌّ الذي لا ذكر له في السقيفة، ولو حضرها لحظةً لناله ما نالهم من طرد النبيّ لهم وبذا تظهر أعلميّة عليّ، فعليٌّ لم يقدّم بين يدي الله ورسوله إذ لم يعترض قول النبيّ ولم يُسْمعهُ قولاً قبيحاً.

وعن عمر بن الخطّاب قال: لـمّا مَرِض النبيّ قال: أدعوا لي بصحيفة ودواة أكتب كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً. فقال النّسوة من وراء السّتر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله؟! فقلت: إنّكنّ صواحباتُ يوسف: إذا مَرِض رسول الله عَصَرْتُنّ أعينَكنَّ، وإذا صحَّ ركبتُنّ عُنُقَه! فقال رسول الله: دَعُوهنّ، فإنّهنّ خيرٌ منكم(٣) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٤٣٦، وتذكرة الخواصّ: ٦٥ وصرّح باسم القائل: عمر.

(٢) تهذيب الألفاظ، لابن السكّيت: ٢٦٤، والمفردات، للراغب: ٥١٥.

(٣) كنز العمّال ٥: ٦٤٤.

٦٠٥

لقد كانت النسوة خيراً وأعلم من الرجال أصحاب اللَّغط ممّن اعترض النبيّ ورفع صوته فوق صوته، وقوله: (إنّكنّ صواحبات يوسف...) تنقيص لهنّ إذ وصفهنّ بالنسوة اللاّتي شُغِفنَ بجمال النبيّ يوسفعليه‌السلام وأنهنّ أتباع لذّة! ماكرات! ومَن هنّ؟ إنّهنّ سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت النبيّ، وأمّهات المؤمنين، وحاضنة الرسول، والصحابيّات المبايعات. وعبارته (إنّهنّ خير منكم) خير بيان لرزيّة رجال يوم الخميس الذين لم يكن منهم مَن لم يغيّر ولم يبدّل أوّلهم عليّ. فكان النساء أعلم ممّن ذكرتَ بأحكام الله تعالى وكتابه الشريف!

وفي حوار بين عمر، وابن عبّاس، قال عمر: هل بقي في نَفْس عليٍّ شيءٌ من أمر الخلافة؟ فقال ابن عبّاس: نعم. قال عمر: ولقد أراد رسول الله في مرضه أن يُصرِّح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام!(١)

حَصْحَصَ الحقّ؛ فإنّ عمر قد منع من كتابة السنّة في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على النحو الوقح! الذي ذكرناه. وهو لا يتوقّف أن يعلن عن سبب منعه من الكتابة، لعلمه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن ينصب عليًّا (يصرّح باسمه) معلّلاً ذلك بإشفاقه وحيطته على الإسلام! وكأنّه أعلم بالمصالح العامّة من الله تعالى لـمّا نصب عليًّاعليه‌السلام وليّاً للمؤمنين وذلك قوله عزّ وجلّ:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) .

عن حبّان، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: نزلت في عليّ. مرّ به

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ١٢: ٢١.

(٢) المائدة: ٥٥.

٦٠٦

سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه؛ فنزلت الآية(١) .

فلا ولاية إلّا لله تعالى الذي فرّع من ولايته ولاية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ هو المعصوم الطاهر المبلّغ لرسالته والذي لا يعقل أن يواصل مسيرته إلّا من سنخه عصمةً وكمالاً.

ولم يأت ناسخ لهذه الولاية لا في قرآنٍ ولا سنّة، وعلى عكس ذلك ترادفت الآيات والأحاديث بشأن عليّعليه‌السلام ، فهو أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منه بمنزلة هارون من موسى، وهارون عدا أنّه أخو موسى، فهو وصيّه؛ فإنّ عليًّا أخو رسول الله، بل نفسه

____________________

(١) وعن غير ابن عبّاس، ورد نزول الآية في أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام من طرق مختلفة؛ فهو يرد عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وبطرق عدّة من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ وعن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبي ذرّ الغفاري، وأبي رافع، وعمّار بن ياسر...

المصادر: تفسير مقاتل بن سليمان (٨٠ - ١٥٠ هـ) ١: ٣٠٦ - ٣٠٧، تفسير الطبريّ، تفسير الزمخشري (الكشّاف) ١: ٤٢٢، تفسير الحبري: ٢٦١، تفسير ابن كثير ٢: ٧١، تفسير العيّاشي ١: ٢٧، أسباب النزول، للواحدي: ١٣٣ - ١٣٤، تفسير فرات: ٣٦، تفسير القرطبيّ ٩: ٣٣٦، التفسير الكبير، للفخر الرازي ٣: ٤٣١، معالم التنزيل، للفرّاء الشافعي ٢: ٥٥، تفسير النسفي بهامش الخازن ١: ٤٩٦، تفسير الخازن: ٤٩٦، تفسير الكلبي (التسهيل لعلوم التنزيل) ١: ١٨١، تفسير النيسابوري (غرائب القرآن) ٣: ١٩٣، تفسير البيضاوي١: ٣٤٥، الفصول المهمّة، لابن الصبّاغ، الدرّ المكنون، للسيوطي٢: ١٩٣، معرفة علوم الحديث، للحاكم: ١٠٢، أنساب الاشراف٢: ١٥٠ تهذيب الكمال للمِزّي ١: ١٨-٢١ و٢: ٤٨٤، تذكرة الخواص: ٢٤، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ٣: ٢٧٥، دُرَر السمطين: ٢٨٦، فرائد السمطين ١: ١٨٩٠، الأمالي الخميسيّة ١: ١٣٨، لُباب النُّفول من أحاديث الرسول: ٩١، مجمع الزوائد ٧: ١٧، غاية المرام ٩: ١٨، البداية والنهاية ٧: ٣٥٧، المناقب، للخوارزميّ: ٣١١، فتح القدير ٢: ٥٠، مناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي الشافعي: ٣١٢، جامع الأصول لأحاديث الرسول، لابن الأثير ٩: ٤٧٨، كفاية الطالب، لابن الكنجي الشافعي، ذخائر العُقبى، غاية المرام: ١٨٠٩، مختصر تاريخ دمشق ١٨: ٨، ذخائر العقبى: ١٠٢، ينابيع المودّة: ٢١٢، نور الأبصار: ٧٧.

والمصادر أكثر من هذا، وهي لرجال امتدّ بهم العمرُ بين القرن الأوّل والثاني الهجريين، وهم حنفي وشافعيّ ومالكي وبعض الحنابلة والسلفيّة.

٦٠٧

بنصّ القرآن، في آية المباهلة(١) .

ووصيُّه ووليُّ كلّ مؤمن ومؤمنة، بأمر الله تعالى، وتنصيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومَ الغدير، وقد ذكرنا مصادر الحديث.

في طريق البحث

قد يقال: هلاّ مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإنجاز ما أراد بعد طرده المخالفين في طريق إنجاز ما همّ به، فكتب الكتاب؟

والجواب: لو نفّذ طَلَبهُ وكتب الكتاب، لم يكن لعملِه بعدَ ذلك الأسلوب الـمُستهجَن من ذوي الخلاف أثر يُذكر، ولم يكن لعمله وقعٌ عند الناس، خصوصاً الرجال منهم! فأمسك عن طلبه وعن أداء ذلك الواجب، حفاظاً على واجب أهمّ، وهو أصل الإسلام من أن يصاب بشيء على أيدي المخالفين لكتابة ذلك الكتاب.

ولـمّا كان (البخاري) قد ذكر مخالفة (عمر) لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطلب القرطاس والدواة وكان أمره جديّاً تتعلّق بهداية الأُمّة وعصمتها من الضلال أبداً؛ وقد ذكره

____________________

(١) كتاب الولاية، لابن عُقدة: ١٧٧، تفسير مقاتل بن سليمان ١: ٢٨٢، تفسير الحبري: ٢٤٨، تفسير الطبريّ ٣: ٢١٢، تفسير الثعلبي ٣: ٨٥، أسباب النزول: ٦٨، تفسير ابن كثير ١: ٣٧١، شواهد التنزيل ١: ١٢٨، تفسير فرات: ٢٩، سعد السعود، لابن طاووس: ٩١ - ٩٢، مسند أحمد ١: ١٨٥، صحيح مسلم ٧: ١٢٠ - ١٢١، دلائل النبوّة، لأبي نعيم: ١٢٤، تذكرة الخواصّ: ١٧، مناقب عليّ، لابن مردويه: ٢٢٦ - ٢٢٨، كفاية الطالب: ١٤٢، الجامع الصحيح ٤: ٢٩٣ ت ٢٩٤، مصابيح السنّة النبويّة ٢: ٢٧٧، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٥٠، الإصابة ٢: ٥١٩، الصواعق المحرقة: ٧٢، مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ: ٢٦٣، فتح القدير ١: ٣١٦، الدرّ المنثور ٢: ٣٨ - ٣٩، جامع الأصول، لابن الأثير ٩: ٤٦٩، المناقب، للخوارزميّ: ١٥٩ - ١٦٠، البداية والنهاية ٥: ٥٣، الرياض النضرة ٢: ٢٤٨، تيسير الوصول ٣: ٢٧٢، أسد الغابة ٤: ١٠٥، تاريخ الإسلام، للذهبي ٣: ٦٢٧.

٦٠٨

البخاري في خمسة مواضع من كتابه الذي سمّاه (الصحيح الجامع)، ذكرنا منها ثلاثة مواضع وانظر (٤: ٨٥ و ٧: ١٥٦ منه)، وهو حجّة القوم بينهم وبين الله تعالى، فما وجد في القرآن الكريم فإليه المرجع وما لم يكن فيه فهو في البخاري ثمّ في (صحيح مسلم النيسابوري)، فإذا تفرّد به مسلم (الذي ينعتونه أنّه أصحّ وأكثر دقّة في تتبّع السند، من البخاري - انظر مقدّمة شرح النووي لصحيح مسلم وغيره)؛ فلا شأن له عند الخارجيّ الثالث (ابن تيميه) حتّى وإن ذكره الحكيم الترمذيّ فحسّنه أو صحّحه! وتابعه خارجة عصرنا. فهم يَرَوْنَ أنّه لم يظهر كتاب صحيح بعد القرآن إلّا (صحيح البخاري)! وقد وجدنا هذا الصحيح قد ذكر حديث (القرطاس والدواة) في خمسة مواضع؛ مع ذلك وجدنا أكثر المؤلّفين في (تدوين الحديث) يُهملون ذكره والاستدلال به!

فعلى كتاب (تقييد العلم) للخطيب البغدادي، قال الدكتور يوسف العشّ معلّقاً: ومن العجب أن يكون سَها [! ] عن بال الخطيب الاستشهاد بالكتاب الذي أراد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتبه حين وفاته، وخبره في صحيح البخاري(١) .

ومَن جعل البخاري حكماً على غيره، فالصحيح ما حكم في صحّته؟!

ومع هذا فقد ذكره في خمسة مواضع كما ذكرنا؛ وذكره صاحب الصحيح الثاني الذي ذكرنا وصفه في دقّة الإسناد، وهو قريب عهد به، فإنّ البخاري توفّي سنة (٢٥٦ هـ) ومسلم توفّي سنة (٢٦١ هـ).

ومن مشاهير المحدّثين والمفسّرين وقد ذكره: عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني المتوفّى سنة (٢١١ هـ) وأحمد بن حنبل، وفاته سنة (٢٤١ هـ) ولقبه لديهم: مُحيي السنَّة، وإمام أهل السُنّة؛ وعبد الرزّاق وأحمد متقدّمان على البخاري ومسلم، وكتب الجميع

____________________

(١) تقييد العلم: ٨٦، هامش ١٨٣.

٦٠٩

مشحونة بالرواية عنهما وعن ابن أبي شيبة المتوفّى سنة (٢٥٣ هـ) وله المصنّف، ولأحمد (المسند).

وأمّا صرف الذهبي حديث الأريكة عن ما فعله أبوبكر في منع الحديث وقوله: إنّ أبابكر لم يقل (حسبنا كتاب الله) كما تقوله الخوارج. فمضى جوابه؛ فإنّه إن لم يقل ذلك، فقد قال عين الكلمة (بيننا وبينكم كتاب الله).

وأمّا (حسبنا كتاب الله) فقد قالها عمر - ذكرنا مصادره فيما سلف -.

كما نقل عنه قوله: (لا كتاب مع كتاب الله) ناهياً عن السُنّة(١) .

أمّا الخوارج، فله تُعْهد منهم هذه الكلمة ولا اتّخذوها شعاراً، وإنّما شعارهم: (لا حُكمَ إلّا لله) ولذلك يسمّون المحكّمة(٢) .

نعم، نُقل عن عائشة بنت أبي بكر، عندما ردّت بعض أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قولها: (حسبُكم القرآن)(٣) .

ولقد تنبّه علماء قُدامى ومعاصرون إلى ما صمَتَ الذهبي عنه أو تغافل، فتنبّهوا إلى ما تحويه هذه الدعوة من خطر على الإسلام فأعربوا صراحةً عن خبثها وكفر دعاتها:

قال ابن حزم: لو أنّ امرءاً قال: (لا نأخذ إلّا ما وجدنا في القرآن) لكان كافراً بإجماع الأمّة، وقائل هذا كافر، مشرك، حلال الدم والمال!(٤)

ومن المعاصرين: الشيخ سليمان الندوي، قال: إنّ الذين أرادوا أن يفرّقوا بين القرآن والسنّة، فيقبلوا القرآن ويردّوا السنّة، قد ابتعدوا عن الصراط المستقيم. فإنّهم

____________________

(١) جامع بيان العلم ١٤: ٧٧، كنز العمّال ١٠: ٢٩٢ حديث ٢٤٧٥.

(٢) لاحظ مفاتيح العلوم، للخوارزمي: ١٨.

(٣) صحيح البخاري، كتاب الجنائز ٢: ٧٧، النقد في علوم الحديث، لنور الدين عتر: ٢٤.

(٤) الأحكام في أصول الأحكام، لابن حزم ١: ٢٠٨، حجيّة السنّة: ٢٥٥.

٦١٠

يحاولون أن يفهموا من القرآن حسب ما يدركونه بعقولهم ويجعلوا استنباطهم من القرآن كلّ ما للإسلام من تعاليم صحيحة ويكتفوا بذلك دون غيره.

هيهات! فإنّهم مبتدعون، ضالّون(١) .

الدعوة الوهّابيّة

ذكر الشيخ زيني دَحْلان بشأن صاحب الفتنة الضالّة الوهّابيّة قال: إنّ الشيخ محمّد ابن عبد الوهّاب، كان يُضمر في نفسه دعوى النبوّة، وأنّه رفض الاحتجاج بالسنّة وتظاهر باتّباع القرآن(٢) .

والمؤسف أن يتسمّى أتباع هذه الدعوة بـ (أهل السنّة) وأن يُعنوَنوا هذه الدعوة الخبيثة، بالدعوة الإسلامية أو السلفيّة أو العمل الإسلاميّ وما أشبه من الأسماء الكريمة.

شيعة عمر في المنع

يكاد ينحصر عدد المانعين بعد أبي بكر وعمر في: أبي سعيد الخُدري، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري.

وفي مقابل هؤلاء فإنّ الصحابة يقولون بجواز التدوين وإباحته، وكثير منهم زاولَ عملَ التدوين والكتابة.

ولم يكن للمانعين دليل شرعيّ وهم عددٌ ضئيل. مع أنّ المبيحين مَن هو أكثر اتّصالاً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مثل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، وحتّى أنس خادمه، وعائشة زوجته.

____________________

(١) تدوين الحديث، مناظرات حسن گيلاني: ٤٥.

(٢) خلاصة الكلام، لدحلان: ٢٢٩.

٦١١

ومسألة مهمّة: أنّ الصحابة - كما قلنا - أكثرهم من أباح التدوين وفعلها والأقل من ترك الكتابة؛ ولا يمكن تقديم الترك على الفعل، لأنّ دلالة الفعل نصٌّ، ودلالة الترك ظاهرٌ، لأنّه أعمٌّ من الحرمة، وتقديم النصّ على الظاهر أولى.

وانتهى الأمر بالقوم أن صار توحيد الله وتنزيهه وحمده: بدعة، وضالة، وفتنة!

عن سليم بن الأسود، قال: كنتُ أجالس أبانا في المسجد، فأتيتُهم ذات يوم، فإذا عندهم صحيفة يقرؤونها، فيها ذكرٌ، وحمدٌ، وثناء على الله، فأعجبتني فقلت لصاحبها: اعطنيها، فأنسخها.

قال: فإنّي وعدتُ بها رجلاً، فأعدّ صحفك، فإذا فرغ منها، دفعتُها إليك.

فأعدتُ صحفي، فدخلت المسجد ذات يومٍ، فإذا غلام يتخطّى الخلق، يقول: أجيبوا عبد الله بن مسعود في داره.

فانطلق الناس، فذهبتُ معهم، فإذا تلك الصحيفة بيده، وقال: ألا إنّ ما في هذه الصحيفة فتنة، وضلالة، وبدعة، وإنّما مَن كان قبلكم من أهل الكتاب، باتّباعهم الكتب وتركهم كتاب الله، وإنّي أُحرّج على رجلٍ يعلم منها شيئاً إلّا دلّني عليه، فو الذي نفس عبد الله بيده، لو أعلم منها صحيفة بدير هند لأتيتُها ولو مشياً على رجلي، فدعا بماء فغسل تلك الصحيفة(١) .

ورواه الدارمي، ومحتوى الكتاب في روايته: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر).

فقال عبد الله: إنّ ما في هذا الكتاب: بدعة، وفتنة، وضلالة، وإنّما أهلك مَن كان قبلكم هذا وأشباه هذا، إنّهم كتبوا، فاستلذّتها ألسنتُهم وأُشربتها قلوبهم(٢) .

____________________

(١) تقييد العلم: ٦٥.

(٢) السنن، للدارمي (ت ٢٥٥ هـ) ١: ١٠٢، حديث ٤٨٥.

٦١٢

إنّ من البشاعة في قول ابن مسعود بشأن الصحيفة المحتوية على تلك الأذكار: بدعة وفتنة وضلالة! ولماذا؟ وهي من الأذكار التي جاء بها الإسلام وليست مفرداتها إلّا كلمات وجملاً من القرآن، فلِمَ تكون باطلة وليس فيها إلّا توحيد الله تعالى وهو أصل الإسلام الأوّل حتّى أنّ الأصلين الآخرين: النبوّة، والمعاد؛ إنّما هما تبَعٌ له؛ وفيها تنزيهه تعالى عن مجانسة مخلوقاته؛ وحمده وخصّه بذلك إذ الحمد من ألفاظ الخصوص على عكس الشُكر فهو مشترك، تشكر الله على نعمته عليك وتشكر مَن أحسن إليك من البشر.

ثمّ إفراده سبحانه وتعالى بالعزّ والكبرياء، فلا شيء أكبر منه وهو أكبر من كلّ شيء.

ولذلك فإنّ هذه الكلمات يردّدها المسلمون الشيعة في الركعتين الأخيرتين من صلاتهم الرباعيّة، ويرونها مؤدّية إلى القرآن لا إلى تركه!

وأمر آخر: أليس اتّهام أهل خير القرون وسلف المسلمين بترك القرآن بسبب جمع الحديث، وتأليفه وتدوينه وتقييده، تجاسر عليهم وهتك لحُرماتِهم؟

إنّ ما يؤدّي إلى ترك القرآن من الكتب هو ما كان منافياً للقرآن، وأبرز مظهر لذلك في تلك العصور هو كتب الضلالة التي كان يتداولها أهل الكتاب. ويكون الملتزم بتلك الكتب غير معتقد بحقيّة القرآن وبطلان تلك الكتب.

ويكشف عن شكّه في القرآن، وهو (التهوّك) الذي أغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترد روايات في عمر في هذا الشأن؛ فهو أولى أن لا يؤخذ بقوله، فقد خرج على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وقدّم بين يدي الله ورسوله، وخرج عليه أشدّ الخروج في مرضه الذي توفّي فيه حتّى طرده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويرد حديث (التهوّك) بعدّة ألفاظ، من ذلك:

٦١٣

روي عن عمر بن الخطّاب أنّه قال للنبيّ: إنّا نسمع أحاديث من يهود، تُعجبنا! أفترى أن نكتبَها؟

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمُتهوّكُون أنتم، كما تَهَوَّكت اليهود والنصارى؟ لقد جِئْتُكم بها بيضاء نقيّة(١) .

وعن عبد الله بن ثابت الأنصاري قال: جاء عمر بن الخطّاب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه (جوامع من التوراة) فقال: مررتُ على أخٍ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة؟ أفلا أعرضها عليك؟

فتغيّر وجه رسول الله فقال الأنصاري: أَمَسخَ الله عقْلَك؟ ألا ترى الذي بوجه رسول الله؟ فقال عمر: رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد رسولاً! فذهب ما كان بوجه رسول الله فقال: والذي نفسي بيده، لو أنّ موسى أصبح فيكم ثمّ اتّبعتموه وتركتموني لَضَلَلْتُم؛ أنتم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيّين.

ونصفح عن ذكر نصوص الروايات الأخرى ونأخذ منها المشتركات:

ففي قول لعمر: كتاب انتسخته، لنزدادَ به علماً إلى علمنا!

ومن جواب رسول الله:... لقد أتيتكم بها بيضاء نقيّة، فلا تتهوّكوا، ولا يقربنّكم المتهوّكون.

فقال عمر: رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبك رسولاً.

وفي رواية جابر بن عبد الله: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ الله بعثني خاتماً، وأُعطيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي الحديث اختصاراً، فلا يُلهنّكم المتهوِّكون. ولو كان موسى حيّاً ما وسعه إلّا اتّباعي.

____________________

(١) النهاية، لابن الأثير ٥: ٢٨٢، لسان العرب ١٢: ٤٠٠.

٦١٤

والمتهوّكون: المتحيّرون. والتهوّك: السقوط في هوّة الردى(١) .

وقال أبو عبيدة: أمتحيّرون في الإسلام حتّى تأخذوه من اليهود؟

وقيل معناه: أمتردّدون ساقطون؟(٢) (٣)

إنّ الضلال الذي ذكره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعمل بالتوراة فلأنّ المسلمين عندهم القرآن يغنيهم عن غيره من الكتب وهو مهيمن على الكتب جميعها، ولأنّ التوراة المتداولة بين اليهود محرّفة؛ وتبعة موسىعليه‌السلام لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ نبيّنا خاتم الأنبياء وسيّدهم ورسالته تحتوي رسائلهم وتزيد عليها بما ينبغي لهم اتّباعه.

والحاصل أنّ ترك القرآن - والمراد به عدم الاعتقاد به - إنّما يترتّب على الالتزام بكتب الأديان الأخرى التي جاء القرآن نافياً لها وكافياً عنها؛ وليس على كتابة شيء آخر ممّا لا يعارض القرآن ولا ينافيه.

وليس في حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من ذلك وقد صرّح القرآن بأنّ النبيّ( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏ * إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحَى ) (٤) .

وعن حسّان بن عطيّة، قال: كان جبريلعليه‌السلام ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن ويعلّمه كما يعلّمه القرآن(٥) .

____________________

(١) حجيّة السنّة: ٣١٧.

(٢) الصحاح، للجوهري (هول)، لسان العرب ١٢: ٤٠٠.

(٣) دخلت مصادر الأحاديث بعضها في بعض لاشتراكها ونذكر الأهمّ منها: المصنّف، لعبد الرزّاق ١٠: ٣١٣ / ١٩٢١٣ و ١١ / ١١١ / ٢ / ٢٠٠٦٢، الأسماء المبهمة، للخطيب (٨ - ١٨٩) رقم ٩٥، دلائل النبوّة، لأبي نعيم ١: ٥٠، سنن الدارمي ١: ١١٥، مسند أحمد ٣: ٣٨٧، مجمع الزوائد ١: ١٧٤.

(٤) النجم: ٣ - ٤.

(٥) المراسيل، لأبي داود السجستاني: ٢٤٩ حديث ٢.

٦١٥

وعن أحمد بن حنبل: السنّة تفسّر الكتاب وتبيّنه، والسنّة عندنا آثار رسول الله، والسنّة تفسير القرآن، وهي دلائل القرآن(١) .

وقال ابن حزم: لـمّا بينّا أنّ القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع - مضى قوله - نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجدناه فيه واصفاً لرسوله:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏ * إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحَى ) .

فصحّ لنا بذلك أنّ الوحي ينقسم من الله عزّ وجلّ إلى رسوله على قسمين:

أحدهما: وَحْيٌ، متلوٌ، مؤَلَّفٌ تأليفا مُعجزَ النظام، وهو القرآن.

والثاني: وحيٌ، مرويٌّ، منقولٌ، غير مؤلَّف، ولا معجز النظام ولا متلوّ، لكنّه مَقْروءٌ، هو الخبر الوارد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو المبيّن عن الله عزّ وجلّ مراده(٢) .

ويطول الكلام في هذا الأمر، وإنّما جرّنا إليه المانعون عن نصف الوحي من غير دليل شرعيّ على تلك الممارسة وكان أشدّهم في ذلك المتهوِّك وواقعاً متهوِّكاً! إذ دخل الإسلام بعد أكثر من أربعين رجلاً وخمسة وثلاثين امرأة، وقدّم بين يدي الله ورسوله مرّاتٍ؛ وجاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصحيفة أعجبته من أخٍ يهوديٍّ له! والخيرُ فيما وقع، فإنّ غضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـما كان من عمر ووصفه بالمتهوِّك وهو المتحيّر المتردّد الشاكّ في دينه! وزجره له بأن يكتب من أهل الكتاب عند ذلك أذعنَ عمرُ فأقرّ لله تعالى بالربوبيّة ولرسول الله بالنبوّة وبشريعة الإسلام.

ولكن: هل استقرّ على ما أبداه؟ ومن غير التفاصيل، فإنّ ليلة الرزيّة حاكمة لـمّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده، فما أجملَ القصد والطّلب

____________________

(١) حجيّة السنّة: ٣٣٢.

(٢) الأِحكام في أصول الأحكام، للغزالي ١: ٩٣.

٦١٦

وأقبح الردّ من لدن المتهوّك؟!

ففتنة وضلالة مع إقصاء عليّ بن أبي طالب، خيرٌ من هداية صاحب لوائها عليّ، وهذا ما صرّح به عمر، مرّ بنا قبل صفحات. وأن يكتب عن إخوته اليهود، خيرٌ ممّا يكتبه رسول الله! معرضاً عن أمر الله بطاعة الرسول وأنّها من طاعة الله وقرن بذلك طاعةُ عليٍّ كما في آية الولاية وقد ذكرنا شيئاً عنها. والمؤمن يحفظ العهد، وعمر حضر الغدير وسمع خطبة النبيّ إذ نصب عليًّا منصبه وجاء عمر إليه فصافحه وقال: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحتَ وليّي ووليّ كلّ مسلم ومسلمة! وليس له ولا لغيره نقض ما أمر به النبيّ والقرآن صرّح بذلك:( مَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) .

ومتابعةً للمصيبة (الرزيّة) إذ منع عمر وتابعه آخرون رسول الله من كتابة كتاب الهداية الدائم، فقد سلك أبوبكر، ثمّ عمر مسلك الخروج على الله رسوله ووليّه من خلال أمر أبي بكر لعمر بأن يذهب إلى أمير المؤمنين عليّ فيأخذه بأعنف العُنف، بعد أن اطمأنّ إلى وصيّة رسول الله لعليّ أن لا يسلّ سيفه، فمضى أبو حَفْصة مُصلتاً سيفه في مجموعة يحملون الحطب لحرق بيت أخ رسول الله وزوج ابنته الطاهرة...، فكان ما كان ممّا مضى شرحه. ومضا الرجلان في خروجهما على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بحرق أبي بكر خمسمائة حديث لرسول الله، وشايعه عمر في حرق ومحو ودفن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وكان أشدّ في ذلك.

ولا ندري أين كان أبوبكر، وعمر؛ عن حديث الأريكة؟ ما هي المناسبة في غيبتهما

____________________

(١) الحشر: ٧.

٦١٧

كليهما يومئذ؛ أو لم ينقله إليهما من سمعه؟! فتورّعا أن يكونا المعنيين به، ومن ثمّ لا يُقْدِمان على صنيعهما؟!

خاتمة المطاف مع ذرائع المنع

لقد مارس عمر الكتابة في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنقل من كتب التوراة بما يزيده علماً - كما زعم - وبسبب غضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك وتشكيكه بإسلام عمر (المتهوّك)، أعلن رضاه بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد نبيّاً.

فهو أوّل من مارس الكتابة، لا عن قرآن ولا سنّة، وإنّما عن يهود فلمّا أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب منعه عمر أشدّ المنع واصطفّ معه بعض أهل خير القرون! ثمّ عاودته فكرة الكتابة، ثمّ بدا له أن لا يكتبها (السنّة) وكان غدره هنا هو مَفادُ حديث (التهوّك)، وتوبيخ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له إذ أكبّ على التوراة تاركاً القرآن وسنّة نبيّه!

وبشأن خصوص فعله، فهو مصداق حديث (الأريكة).

وبه اقتدى ابن مسعود، وذكرنا قوله بشأن صحيفة الأذكار الأربعة.

وعلى نهجه مضى أبو موسى الأشعري وقوله مقارب لقول ابن مسعود، قال: (إنّ بني إسرائيل كتبوا كتاباً واتّبعوه، وتركوا التوراة).

والأشعريّ والي عمر على الكوفة، وكان قعد عن بيعة عليّعليه‌السلام ، فبايع هاشم بن عتبة المرقال أمير المؤمنين وقال: هذه يميني وشمالي لعليّ. وقال:

أُبايعُ غير مكتتِم عليًّا

ولا أخشى أميري الأشعريّا

ثمّ بايع أبو موسى فقال عمّار حين بلغته بيعته له: والله، لينكثنّ عهده ولينقضنّ عقده ولَيفِرنّ جهده وليسلمنّ جنده. فلمّا كان من طلحة والزبير ما كان قعد يُثبّط أهل

٦١٨

الكوفة عن أميرالمؤمنين. وكان يقول: الإمرة ما أُمر فيها، والـمُلك ما غُلب عليه. وكان يقول: هذه فتنة، حتّى أن وجّه عليٌّ عمّار بن ياسر، مع الحسن بن عليّ إلى الكوفة، وعزل أبا موسى(١) .

مهزلة التحكيم

ولـمّا كان أبو موسى الأشعريّ والياً لعمر بن الخطّاب على الكوفة، ويعرف هواه من عليّ، فهو على علم من سبب منع عمر له من الحديث لـما فيه من فضل وحقّ عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام . فلم يكن قعوده يُثبّط أهل الكوفة عنه منفصلاً عن ذلك.

ولذا، لا نصدّق مقولة غباء وسذاجة الأشعري إزاء دهاء ابن النابغة من خلال مهزلة خلع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بخلع خاتمه من إصبعه، وتثبيت ابن النابغة لابن هند من خلال تثبيت خاتمه في إصبعه!

المنع تدبير سياسيّ

اتّضح أنّ المنع من التدوين بدءاً بمنع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة كتاب الهداية، ليلةَ وفاته واجراءات أصحاب الأريكة في دثر السنّة مع تصريح عمر أنّه منع النبيّ من الكتابة لأنّه عرف أنّ الكتاب هو في ولاية عليّ؛ أنّه تدبير سياسيّ.

روى الخطيب بسنده عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: جاء علقمة بكتاب في أهل البيت، في أهل بيت النبيّ، فاستأذنّا على عبد الله بن مسعود فدخلنا عليه فدفعنا إليه الكتاب - وفي لفظ: الصحيفة -، قال: فدعا الجارية، ثمّ دعا بطست فيها ماء.

____________________

(١) أنساب الأشراف ٣: ١٤.

٦١٩

فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن، انظر فيها، فإنّ فيها أحاديث حساناً. فجعل يُميثها فيها ويقول:( نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ) (١) .

القلوبُ أوعيةٌ، فاشغِلُوها بالقرآن، ولا تُشْغِلُوها ما سواه(٢) . فالصحيفة المعرّضة للإبادة فيها أحاديث حسان وموضوعها يرتبط بأهل البيتعليهم‌السلام وهذا الذي أثار ابن مسعود، لأنّ الصحيفة في فضل أهل البيت، وتؤكّد على خلافتهم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكونوا خلفاءه، وتجعلهم قرناء للقرآن؛ فهما الخليفتان والثقلان وقال الدارمي - في شرح منع عمر عن الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: معناهُ عندي الحديث عن أيّام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس السنن والفرائض!(٣)

وروى الزبير بن بكّار (المتوفّى ٢٥٦ هـ) بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قدم علينا سليمان بن عبد الملك حاجّاً، سنة (٨٢) وهو وليّ عهد، فمرّ بالمدينة، ودخل الناس عليه، وركب إلى مشاهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، التي صلّى فيها، وحيث أُصيب أصحابه بأُحُد، ومعه أبان بن عثمان... وآخرون فأَتَوْا به قُباء، ومسجد الفضيخ، ومشربة أمّ إبراهيم، وأُحُد، وكلّ ذلك يسألهم؟ ويُخبرونه عمّا كان.

ثمّ أمر أبان بن عثمان أن يكتب له سِيَر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومغازيه. فقال أبان: هي عندي، قد أخذتها مصحّحةً ممّن أثقُ به. فأمر بنسخها، وألقى فيها إلى عشرة من الكتّاب، فكتبوها في رقٍّ، فلمّا صارت إليه، نظر، فإذا فيها ذِكرُ الأنصار في العقبتين وذكر الأنصار في بَدْرٍ.

____________________

(١) يوسف: ٣.

(٢) تقييد العلم: ٥٤.

(٣) سنن الدارمي ١: ٧٣ حديث ٢٨٦.

٦٢٠