دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ١

دلائل الصدق لنهج الحق18%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: 307

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174438 / تحميل: 4874
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٤-٣
العربية

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي جلّ أن تدركه المشاعر والأبصار ، وتنزّه أن يتّحد بغيره ، أو يشبه الأغيار.

العدل الذي لا يعذّب مع الجبر والاضطرار ، ولا يكلّف بدون الوسع والاختيار.

والصلاة الزاكية على طيّب الذكر والآثار ، سيّدنا ونبيّنا المعصوم بالجهر والإسرار ، وعلى آله المصطفين حجج الملك الجبّار ، وسلّم عليهم تسليما دائما ما اختلف الليل والنهار ، وجعلنا من أوليائهم ومعهم في دار القرار.

وبعد :

فإنّي لمّا سعدت بالنظر إلى كتاب «نهج الحقّ وكشف الصدق » للإمام العلّامة ، الذي انتهت إليه في العلم والعمل الزعامة ، الطاهر المطهّر ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ، قدّس الله روحه ، ونوّر ضريحه ، وجدته كتابا حافلا بالفضل ، مشحونا بالقول الفصل.

وقد ردّ عليه فاضل الأشاعرة بوقته : الفضل بن روزبهان ، وأجاب عنه

٣

سيّدنا الشريف ، الحاوي لمرتبتي السعادة : العلم والشهادة ، السيّد نور الله الحسيني ، قدّس الله نفسه ، وطيّب رمسه ، فجاء وافيا شافيا كما يهواه الحقّ ويرتضيه الإنصاف.

لكنّي أحببت أن أقتدي به وأصنّف غيره ، عسى أن أفوز مثله بالأجر والشهادة ، ونقلت عنه كثيرا ، وعبّرت عنه ب‍ : السيّد السعيد.

وتعرّضت في بعض المقامات ـ تتميما للفائدة ـ إلى بعض كلمات ابن تيميّة التي يليق التعرّض لها ، ممّا ردّ بها كتاب «منهاج الكرامة » للإمام المصنّف العلّامة ، وإن لم أصرّح باسمه غالبا

ولو لا سفالة مطالبه ، وبذاءة لسان قلمه ، وطول عباراته ، وظهور نصبه وعداوته ، لنفس النبيّ الأمين وأبنائه الطاهرين ، لكان هو الأحقّ بالبحث معه ؛ لأنّي ـ إلى الآن ـ لم أجد لأحد من علمائنا ردّا عليه ، لكنّي نزهت قلمي عن مجاراته ، كما نزّه العلماء أقلامهم وآراءهم عن ردّه.

ولمّا كان عمدة جوابه وجواب غيره ـ في مسألة الإمامة ـ هو المناقشة في سند الأحاديث الواردة في فضائل أهل البيت و مطاعن أعدائهم ، وضعت المقدّمة الآتية لتستغني بها عن جواب هذا على وجه الإجمال ، ولنفعها في المقصود.

ولقد سمّيت كتابي هذا :

دلائل الصدق لنهج الحقّ

فأسأل الله ربّي أن يعينني على إتمامه ، ويوفّقني لحسن ختامه ، إنّه أكرم المسؤولين وأرحم الراحمين.

٤

المقدّمة

إعلم أنّه لا يصحّ الاستدلال على خصم إلّا بما هو حجّة عليه ، ولذا ترى المصنّفرحمه‌الله وغيره من علمائنا إذا كتبوا في الاحتجاج على أهل السنّة التزموا بذكر أخبارهم لا أخبارنا.

والقوم لم يلتزموا بقاعدة البحث ، ولم يسلكوا طريق المناظرة! فإنّهم يستدلّون في مقام البحث بأخبارهم على مذهبهم ، ويستندون إليها في الجواب عمّا نورده عليهم ، وهو خطأ ظاهر!

على أنّ أحاديثهم ـ كما ستعرف ـ حريّة بأن لا تصلح للاستدلال بها في سائر مطالبهم ـ حتّى عندهم! ـ وإن كانت ممّا توسم بالصحّة بينهم!

لكنّها صالحة للاستدلال عليهم وإثبات مناقب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومثالب أعدائهم وإن ضعّفوا جملة منها.

وبيان المدّعى يحتاج إلى البحث في مطالب :

٥
٦

[ المطلب ] الأوّل

أخبار العامّة حجّة عليهم

إنّ عامّة أخبارهم ـ التي نستدلّ بها عليهم ـ حجّة عليهم ؛ لأمرين :

[ الأمر ] الأوّل :

إنّها إمّا صحيحة السند عندهم ، أو متعدّدة الطرق بينهم ؛ والتعدّد يوجب الوثوق والاعتبار كما ستعرفه في طيّ مباحث الكتاب.

الأمر الثاني :

إنّها ممّا يقطع ـ عادة ـ بصحّتها ؛ لأنّ كلّ رواية لهم في مناقب أهل البيت ومثالب أعدائهم ، محكومة بوثاقة رجال سندها وصدقهم في تلك الرواية وإن لم يكونوا ثقات في أنفسهم!

ضرورة أنّ من جملة ما تعرف به وثاقة الرجل وصدقه في روايته التي يرويها : عدم اغتراره بالجاه والمال ، وعدم مبالاته ـ في سبيلها ـ بالخطر الواقع عليه ، فإنّ غير الصادق لا يتحمّل المضارّ بأنواعها لأجل كذبة يكذبها لا يعود عليه فيها نفع ، ولا يجد في سبيلها إلّا الضرر!

ومن المعلوم أنّ من يروي في تلك العصور السالفة فضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام أو منقصة لأعدائه فقد غرّر بنفسه ، وجلب البلاء إليه ، كما هو واضح لكلّ ذي أذن وعين.

ذكر الذهبي في « تذكرة الحفّاظ » بترجمة الحافظ ابن السقّاء عبد الله

٧

ابن محمّد الواسطي ، قال : « إنّه أملى حديث الطير في واسط(١) فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه »!(٢) .

__________________

(١) في المصدر بدل « في واسط » : « فلم تحتمله نفوسهم » ، ولعلّ هذه العبارة إضافة منهقدس‌سره لبيان أين أملى الحديث.

(٢) تذكرة الحفّاظ ٣ / ٩٦٦.

وحديث الطير حديث صحيح متواتر مسلّم الصدور عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفق القواعد المقرّرة ، خلاصته

أنّه أهدي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طائر مشويّ فدعا الله تعالى قائلا : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير » فجاء عليّ عليه‌السلام فأكل معه.

وقد رواه ١٢ صحابيّا ، أحدهم أنس بن مالك ، ورواه عن أنس وحده مئة من التابعين أو أكثر.

ورواه مشاهير الأئمّة والحفّاظ والمحدّثين والعلماء في كلّ قرن ، وأفرده بعضهم بالتأليف ، فجمعوا طرقه وألفاظه بمؤلّفات خاصّة ، نذكر منها :

١ ـ حديث الطير ، للمفسّر والمؤرّخ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ( ٢٢٤ ـ ٣١٠ ه‍ ).

ذكره له ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٢٨١ و ١١ / ١٢٥.

٢ ـ قصّة الطير ، للحاكم النيسابوري ، أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حمدويه ، ابن البيّع الشافعي ( ٣٢١ ـ ٤٠٥ ه‍ ).

ذكره هو لنفسه في كتابه معرفة علوم الحديث : ٢٥٢ في النوع الخمسين ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٧٦.

٣ ـ حديث الطير ، للحافظ المحدّث أبي بكر بن مردويه ، أحمد بن موسى الأصبهاني ( ٣١٣ ـ ٤١٠ ه‍ ).

ذكره له ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٢٨١.

٤ ـ حديث الطير ، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ( ٣٣٦ ـ ٤٣٠ ه‍ ).

ذكره له السمعاني في التحبير ١ / ١٨١ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٣٠٦.

٥ ـ طرق حديث الطير ، للحافظ أبي طاهر محمّد بن أحمد بن علي بن

٨

__________________

حمدان الخراساني ، من أعلام القرن الخامس الهجري.

ذكره له الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٧ / ٦٦٣ وتذكرة الحفّاظ ٣ / ١١١٢ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٢٨١.

٦ ـ حديث الطير ، لشمس الدين الذهبي ، أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الدمشقي الشافعي ( ٦٧٣ ـ ٧٤٨ ه‍ ).

ذكره هو لنفسه بترجمة الحاكم النيسابوري من كتابيه سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٦٩ وتذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٢ ـ ١٠٤٣ وقال فيه : « وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّا قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل »!

وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة في العديد من أمّهات مصنّفاتهم ، نذكر منها :

التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٢ / ٢ رقم ١٤٨٨ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢١ ، فضائل الصحابة ـ لابن حنبل ـ ٢ / ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ح ٩٤٥ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٧٨ ، خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للنسائي ـ : ٢٥ ـ ٢٦ ح ١٢ ، مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥ ح ١٢٩٧ ، المعجم الكبير ١ / ٢٥٣ ح ٧٣٠ وج ٧ / ٨٢ ح ٦٤٣٧ وج ١٠ / ٢٨٢ ح ١٠٦٦٧ ، مروج الذهب ٢ / ٤٢٥ ، تاريخ أصبهان ١ / ٢٧٩ رقم ٤٦٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ و ١٤٢ ح ٤٦٥٠ و ٤٦٥١ ، قال الحاكم في ذيل الحديث الأوّل : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه ، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا ، ثمّ صحّت الرواية عن عليّ وأبي سعيد الخدري وسفينة » ، حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٦٣ ـ ١٧٦ ح ١٨٩ ـ ٢١٢ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٧٠ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي : ١٠٧ ح ١١٣ و ١١٤ وص ١١٤ ح ١٢٥ وص ٢٠٠ ذ ح ٢٤٠ ، تاريخ دمشق ٣٧ / ٤٠٦ ح ٧٥٤٨ وج ٤٢ / ٢٤٥ ـ ٢٥٩ ح ٨٧٦٣ ـ ٨٧٨٨ ، أسد الغابة ٣ / ٦٠٨ ، كفاية الطالب : ١٤٤ ـ ١٥٦ ب‍ ٣٣ وص ٣٨٧ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٤ ـ ١١٥ ، ذخائر العقبى : ١١٦ ـ ١١٧ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٣ ح ٦٤٩٤ ، مختصر تاريخ دمشق ١٥ / ٣٠٤ ح ٣٠٥ وج ١٧ / ٣٦٢ ـ ٣٦٤ وج ٢١ / ٢٧٨ ح ١٩٢ ، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ : ٣٨٥ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٧٩ ـ ٢٨١ ، جامع المسانيد والسنن ١٩ / ٤٢ وج ٢١ / ٦٣ ح ٩٣ وج ٢٢ / ٥١٣ ح ١٩٧١ وج ٣٢ / ١٣٦ ح ٢٨٩٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥

٩

وذكر ابن خلّكان في « وفيات الأعيان » بترجمة النسائي أحمد بن شعيب ، صاحب كتاب « السنن » أحد الصحاح الستّة ، أنّه : « خرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روي في فضائله ، فقال : أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتّى يفضّل؟!

وفي رواية أخرى : لا أعرف له فضيلة إلّا :لا أشبع الله بطنه فما زالوا يدفعون في حضنه ـ وفي رواية : يدفعون في خصييه ـ وداسوه ، حتّى حمل إلى الرملة ومات بها

وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : لمّا داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس وهو منقول »(١) .

__________________

و ١٢٦ ، قال الهيثمي عن حديث سفينة : « رواه البزّار والطبراني باختصار ، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة » ، جامع الأحاديث الكبير ١٩ / ٤٢ ـ ٤٣ ح ١٣٤٤٧ و ١٣٤٤٨ ، كنز العمّال ١٣ / ١٦٦ ح ٣٦٥٠٥ وص ١٦٧ ح ٣٦٥٠٧ و ٣٦٥٠٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥٣ ح ٣٩٦٩ ، درّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ح ٩٨ ـ ١٠٢

وقد فصّل وأسهب المحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائيقدس‌سره في ذكر رواة الحديث ـ من الصحابة والتابعين ـ وطرقه وألفاظه ومصادره ، وعلّق بدقّة على أقوال الحفّاظ والمحدّثين فيه ، عند كلامه على كتاب الحاكم النيسابوري بهذا الخصوص ـ المارّ ذكره آنفا ـ في كتابه : أهل البيت : في المكتبة العربية : ٣٨٤ ـ ٤١٣ رقم ٥٩٤.

كما توسّع العلّامة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ بدراسة الحديث دراسة موسّعة ، سندا ودلالة ، في الجزءين ١٣ و ١٤ من موسوعته القيّمة : « نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار ».

فأحسنا وأجادا ، فراجع.

(١) وفيات الأعيان ١ / ٧٧ رقم ٢٩ باختلاف يسير.

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٤ / ٥٥ : تظاهرت الأخبار

١٠

فإذا كان هذا فعلهم مع أشهر علمائهم لمجرّد إنكار فضل معاوية ، فما ظنّك بفعلهم مع غيره إذا روى ما فيه طعن على الخلفاء الأوّل؟!

وذكر ابن حجر في « تهذيب التهذيب » بترجمة نصر بن عليّ بن صهبان ، نقلا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : « لمّا حدّث نصر بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد حسن وحسين ، فقال :

من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان في درجتي يوم القيامة(١)

__________________

أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا على معاوية لمّا بعث إليه يستدعيه فوجده يأكل ، ثمّ بعث [ إليه ] فوجده يأكل! فقال : « اللهمّ لا تشبع بطنه ».

قال الشاعر :

وصاحب لي بطنه كالهاويه

كأنّ في أحشائه معاويه

وانظر بخصوص حديث : « لا أشبع الله بطنه » : صحيح مسلم ٨ / ٢٧ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٣٥٩ ح ٢٧٤٦ ، أنساب الأشراف ٢ / ١٩٣ ، تاريخ الطبري ٥ / ٦٢٢ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٢٤٣ ، الاستيعاب ٣ / ١٤٢١ ، أسد الغابة ٤ / ٤٣٤ ، مختصر تاريخ دمشق ٣ / ١٠١ ، البداية والنهاية ٦ / ١٢٩ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٢٩ ، تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٩ ، تهذيب الكمال ١ / ١٥٧ ، تهذيب التهذيب ١ / ٦٩ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٤٠ ، الإشاعة لإشراط الساعة : ٥٩.

(١) مسند أحمد ١ / ٧٧ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٩ ح ٣٧٣٣ كتاب المناقب ، المعجم الكبير ٣ / ٥٠ ح ٢٦٥٤ ، المعجم الصغير ٢ / ٧٠ ، تاريخ أصبهان ١ / ٢٣٣ رقم ٣٦١ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٢٨٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٩٧ ذ ح ٤١٧ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٩ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٣٨ ح ١٥٦ ، تاريخ دمشق ١٣ / ١٦٩ ح ٣١٦٣ و ٣١٦٤ ، أسد الغابة ٣ / ٦٠٧ في ترجمة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كفاية الطالب : ٨١ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٩ ، ذخائر العقبى : ١٦٤ و ٢١٤ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١١ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٥ ـ ٢٦ ح ٣٦٦ ، جامع المسانيد والسنن ١٩ / ١٦٥ ح ١٤٥ ، جامع الأحاديث الكبير ٦ / ٤٨٥ ح ٢٠١١١ وج ١١ / ١٦٠ ح ٣٢٦٣٣ ، الصواعق المحرقة : ٢١٣ ذ ح ١٣

١١

أمر المتوكّل بضربه ألف سوط!

فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : هذا من أهل السنّة ؛ فلم يزل به حتّى تركه »!(١) .

ونقل ابن حجر أيضا في الكتاب المذكور بترجمة أبي الأزهر أحمد ابن الأزهر النيسابوري ، أنّه لمّا حدّث أبو الأزهر ، عن عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عبّاس ، قال :

« نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّعليه‌السلام فقال :

أنت سيّد في الدنيا ، سيّد في الآخرة الحديث(٢)

أخبر بذلك يحيى بن معين ، فبينا هو عنده في جماعة [ من أهل الحديث ] إذ قال يحيى : من هذا الكذّاب النيسابوري الذي يحدّث عن عبد الرزّاق بهذا الحديث؟!

فقام أبو الأزهر فقال : هو ذا أنا!

فتبسّم يحيى فقال : أما إنّك لست بكذّاب ؛ وتعجّب من سلامته

__________________

وص ٢٨٤ ح ١٨ ، كنز العمّال ١٢ / ٩٧ ح ٣٤١٦١ وج ١٣ / ٦٣٩ ح ٣٧٦١٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٣ ح ١ وص ١٧٩ ح ٥١٥ وج ٣ / ٤٦٠ ، نور الأبصار : ١٢٦.

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٤٩٥.

(٢) ورد الحديث بألفاظ مختلفة ومعنى واحد في العديد من المصادر ؛ انظر مثلا :

المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٨ ح ٤٦٤٠ ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٣٠ ح ١٤٥ وص ٣٠٤ ح ٤٣١ ، تاريخ بغداد ٤ / ٤١ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٢٧ ح ٣٣٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٢ ح ٨٨٢٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٢٢ ، مختصر تاريخ دمشق ٣ / ٢٠ وج ١٧ / ٣٧٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٣ حوادث سنة ٤٠ ه‍ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ من دون صدر الحديث ، درّ السحابة : ٢١٢ ح ٦٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٧١ ح ٦ وج ٢ / ٢٧٨ ح ٧٩٩ ، نور الأبصار : ٩٠.

١٢

وقال : الذنب لغيرك في هذا الحديث! »(١) . انتهى.

وقال الذهبي في « ميزان الاعتدال » بترجمة أبي الأزهر : « كان عبد الرزّاق يعرف الأمور ، فما جسر يحدّث بهذا الأثر إلّا أحمد بن الأزهر والذنب لغيره »(٢) .

ويعني بغيره : محمّد بن عليّ بن سفيان النجّاري(٣) كما بيّنه الذهبي.

فليت شعري ما الذي يخافه عبد الرزّاق مع شرفه وشهرته وفضله ، لو لا عادية(٤) النواصب ، وداعية السوء ، وأن يواجهه مثل ابن معين بالتكذيب ، وأن يشيطوا(٥) بدمه؟!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ / ٤٤.

(٢) كذا في الأصل ؛ وفي ميزان الاعتدال ١ / ٢١٣ هكذا : « وكان عبد الرزّاق يعرف الأمور ، فما جسر يحدّث بهذا إلّا سرّا لأحمد بن الأزهر ولغيره ؛ فقد رواه محمّد ابن حمدون النيسابوري ، عن محمّد بن علي بن سفيان النجّار ، عن عبد الرزّاق ؛ فبرئ أبو الأزهر من عهدته ».

(٣) كان في الأصل : « البخاري » ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه من تهذيب التهذيب ١ / ٤٤.

وفي ميزان الاعتدال ١ / ٢١٣ ، وتاريخ بغداد ٤ / ٤٢ ، وسير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٦٦ : « النجّار ».

و « النجّار » أو « النجّاري » نسبة إلى بني النجّار ؛ انظر : تبصير المنتبه بتحرير المشتبه ١ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٤) العادية : الحدّة والغضب ، والظلم والشرّ ، وعادية الرجل : عدوه عليك بالمكروه.

انظر مادّة « عدا » في : الصحاح ٦ / ٢٤٢٢ ، لسان العرب ٩ / ٩٥ ، ومادّة « عدو » في : تاج العروس ١٩ / ٦٦٦.

(٥) شاط دمه : ذهب دمه هدرا ، وعرّض للقتل. انظر : الصحاح ٣ / ١١٣٩ ، لسان العرب ٧ / ٢٥٦ ، مادّة « شيط ».

١٣

ويا عجبا من ابن معين! لم يرض بكتمانه فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حتّى صار يقيم الحواجز دون روايتها!

وأعجب من ذلك قوله : « الذنب فيه لغيرك » فإنّ رجال سند الحديث كلّهم من كبار علماء القوم وثقاتهم!(١) .

وما أدري ما الذي أنكره من هذا الحديث؟! وهو لم يدلّ إلّا على فضيلة مسلّمة مشهورة ، من أيسر فضائل أمير المؤمنين.

ولعلّه أنكر تمام الحديث ، وهو : «من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وحبيبك حبيب الله ، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك [ بعدي ] »!

وذلك لأنّهم يجدون من أنفسهم بغض إمام المتّقين ، ويعسوب الدين(٢) ، وهم يزعمون أنّهم لا يبغضون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

__________________

(١) وهم : أحمد بن الأزهر النيسابوري الحافظ ، عبد الرزّاق بن همّام بن نافع الحميري ، معمر بن راشد الأزدي ، محمّد بن مسلم بن عبيد الله القرشي الزهري ، عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور القرشي ، وعبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب القرشي الهاشمي ؛ ذكرهم جميعا ابن حبّان في « الثقات » ، وورد تعديلهم في أمّهات المصادر الرجالية عندهم.

(٢) ورد وصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّه : سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، ويعسوب المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، في أحاديث كثيرة وبألفاظ مختلفة ؛ انظر :

المعجم الكبير ٦ / ٢٦٩ ح ٦١٨٤ ، المعجم الصغير ٢ / ٨٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٨ ح ٤٦٦٨ ، حلية الأولياء ١ / ٦٣ و ٦٦ ، تاريخ بغداد ١١ / ١١٣ وج ١٣ / ١٢٣ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٦ ح ٩٣ وص ١٣١ ح ١٤٦ و ١٤٧ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٥ ح ٧٥ وص ١١٣ ح ١٢٣ وص ٢٩٥ ح ٢٨٧ وص ٣٢٨ ح ٣٤٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤١ ـ ٤٣ ح ٨٣٦٨

١٤

كما يعلمون بغض معاوية وسائر البغاة لأمير المؤمنين ، وأنّهم أشدّ أعدائه ، والبغيضون له ، وهم يرونهم أولياء الله وأحبّاءه!

ولذا ، لمّا أشار الذهبي في ( الميزان ) إلى الحديث قال : « يشهد القلب بأنّه باطل »!(١) .

وأنا أشهد له بشهادة قلبه ببطلانه ، إذ لم يخالط قلبه حبّ ذلك الإمام الأعظم ، فكيف يصدّق بصحّته؟! ـ وإن استفاضت بمضمونه الرواية ـ حتّى

روى مسلم أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة (٢) [ إنّه ] لعهد النبيّ الأمّيّ إليّ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق »(٣) .

__________________

و ٨٣٧٠ و ٨٣٧١ و ٨٣٧٣ وص ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ح ٨٨٣٣ ـ ٨٨٣٨ وص ٣٢٦ ح ٨٨٨٦ وص ٣٢٧ ح ٨٨٨٧ وص ٣٨٦ ح ٨٩٩٤ ، أسد الغابة ٣ / ٧٠ ، كفاية الطالب : ١٨٧ و ٢١٦ ، الرياض النضرة ٣ / ١٠٧ و ١٣٨ ، ذخائر العقبى : ١٠٨ و ١٣٠ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ و ٣٧٥ و ٣٧٦ و ٣٨٢ وج ١٨ / ١٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢ و ١٢١ ، الإصابة ٤ / ٦ وج ٧ / ٣٥٤ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٤ ح ٣٢٩١٨ وص ٦١٩ ـ ٦٢٠ ح ٣٣٠٠٩ ـ ٣٣٠١١ ، درّ السحابة : ٢٢٩.

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٢١٣.

(٢) النسمة : الإنسان ، وكلّ ذي روح أو نفس ، والجمع : نسم ونسمات ؛ انظر :النهاية ٥ / ٤٩ ، لسان العرب ١٤ / ١٣٠ ، تاج العروس ١٧ / ٦٨٤ ، مادّة « نسم ».

(٣) صحيح مسلم [ ١ / ٦١ ] كتاب الإيمان ، باب الدليل على أنّ حبّ الأنصار وعليّ من الإيمان وعلاماته ، وبغضهم من علامات النفاق. منهقدس‌سره .

وقد ورد الحديث بألفاظ مختلفة وأسانيد عديدة في مصادر كثيرة ، منها :

مسند الحميدي ١ / ٣١ ح ٥٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥١ ، مسند أحمد ١ / ٩٥ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢ ح ١١٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٧ وص ٦٠١ ح ٣٧٣٦ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٠ و ٣٨٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٣٤٠ ح ٧٦٠ وص ٥٨٣ ح ١٣١٩ وص ٥٨٤ ح ١٣٢٥ ، مسند البزّار ٢ / ١٨٢ ح

١٥

فإذا كان هذا حال ملوكهم وعلمائهم وعوامّهم في عصر العبّاسيّين ، فكيف ترى الحال في عصر الأمويّين ، الذي صار فيه سبّ أخ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفسه شعارا ودينا لهم ، والتسمية باسمه الشريف ذنبا موبقا عندهم؟!

قال ابن حجر في « تهذيب التهذيب » بترجمة عليّ بن رباح : « قال المقرئ : كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود اسمه عليّ قتلوه! فبلغ ذلك رباحا فقال : هو عليّ ـ مصغّرا(١) ـ ، وكان يغضب من ( عليّ ) ويحرّج على من

__________________

٥٦٠ ، سنن النسائي ٨ / ١١٦ و ١١٧ ، خصائص الإمام عليّعليه‌السلام : ٨٣ ح ٩٥ ـ ٩٧ ، فضائل الصحابة ـ للنسائي ـ : ١٧ ح ٥٠ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ٣٣١ ح ٦٩٠٤ وص ٣٦٢ ح ٦٩٣١ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ح ٨٨٥ و ٨٨٦ ، الإيمان ـ لابن مندة ـ ١ / ٤١٤ ـ ٤١٥ ح ٢٦١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ح ٤٦٤٨ وقال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه » ووافقه الذهبي في التلخيص ، معرفة علوم الحديث : ١٨٠ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ و ١١٠١ ، حلية الأولياء ٤ / ١٨٥ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٧ وج ١٤ / ٤٢٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٨٥ ـ ١٨٩ ح ٢٢٥ ـ ٢٣٣ ، فردوس الأخبار ٢ / ٤٨٢ ح ٨٣١٣ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧١ ح ٤٧٦٣ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٦٩ ح ٤٤ وص ٣٢٦ ح ٣٣٦ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٣ و ٦٠ و ٢٦٨ ـ ٣٠١ ح ٨٧٩٤ ـ ٨٨٣٢ ، صفة الصفوة ١ / ١٣١ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٦ ح ٦٤٩٩ و ٦٥٠٠ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، ذخائر العقبى : ١٦٤ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩ و ٣٧٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٠ ح ٦٨٨٥ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٥٥ ح ٦٠٨٨ وص ٣٥٩ ح ٦١٠٠ ، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ : ٣٨٥ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٢ ، جامع المسانيد والسنن ١٩ / ٢٦ ـ ٢٨ وص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٢٢٨ ـ ٢٣٠ ، فتح الباري ٧ / ٩٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، الصواعق المحرقة : ١٨٨ ح ٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٨ ح ٣٢٨٧٨ وص ٥٩٩ ح ٣٢٨٨٤ وص ٦٢٢ ح ٣٣٠٢٦ ـ ٣٣٠٢٩ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٥٥ ح ٤٣٤ و ٤٣٥ وص ١٧٩ ح ٥١٦ ، نور الأبصار : ٨٨ و ٨٩.

(١) كلمة « مصغّرا » ليست في المصدر ، وهي إضافة توضيحية منهقدس‌سره .

١٦

سمّاه به.

وقال الليث : قال عليّ بن رباح : لا أجعل في حلّ من سمّاني عليّ(١) ، فإنّ اسمي : عليّ »(٢) . انتهى.

ونقل ابن أبي الحديد ، عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدائني في « كتاب الأحداث » أنّ معاوية كتب نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة ، أن : برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته!(٣) .

إلى أن قال ما حاصله : وكتب إلى عمّاله أن يدعوا الناس إلى الرواية في فضل عثمان والصحابة والخلفاء الأوّلين! وأن لا يتركوا خبرا يروى في عليّ إلّا وأتوه بمناقض له في الصحابة!

وقرئت كتبه على الناس ، وبذل الأموال ، فرويت أخبار كثيرة في مناقبهم مفتعلة ، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتّى تعلّموه كما يتعلّمون القرآن ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.

وكان أعظم الناس ـ في ذلك ـ بليّة : القرّاء المراؤون ، والمستضعفون ، الّذين يظهرون الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا عند ولاتهم ، ويصيبوا الأموال ، حتّى انتقلت تلك الأخبار إلى أيدي الديّانين الّذين لا يستحلّون الكذب والبهتان ، فقبلوها

__________________

(١) كذا في المصدر ، والصحيح لغة : عليّا.

(٢) تهذيب التهذيب ٥ / ٦٨٣.

(٣) ج ٣ ص ١٥ من شرح النهج. منهقدس‌سره . [ شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٤ ].

١٧

ورووها.

ثمّ قال : وقد روى ابن عرفة ـ المعروف ب‍ : نفطويه ، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم(١) ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر(٢) .

ولهذه الأمور ونحوها خفي جلّ فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وإن جلّ الباقي عن الإحصاء ، ونأى عن العدّ والاستقصاء ، وليس بقاؤه إلّا عناية من الله تعالى بوليّه والدين الحنيف.

ويشهد لإخفائهم فضائله ما رواه البخاري ، عن أبي إسحاق ، قال : « سأل رجل البراء ـ وأنا أسمع ـ : أشهد عليّ بدرا؟ قال : بارز وظاهر »(٣) .

أترى أنّه يمكن أن يخفى في الصدر الأوّل محلّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ببدر ، حتّى يحتاج إلى السؤال عن مشهده بها؟! وهي إنّما قامت بسيفه ، لو لا اجتهاد الناس في كتمان فضائله!(٤) .

__________________

(١) هو الإمام الحافظ ، النحوي العلّامة ، الأخباري ، أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة العتكي الأزدي الواسطي ، عالم بالعربية واللغة والحديث ، ولد بواسط سنة ٢٤٤ ه‍ ، وسكن بغداد ومات فيها في صفر من عام ٣٢٣ ه‍ ، أخذ عن ثعلب والمبرّد وغيرهما ، من مؤلّفاته : غريب القرآن ، تاريخ الخلفاء ، المصادر ، القوافي ، المقنع في النحو.

انظر : تاريخ بغداد ٦ / ١٥٩ ـ ١٦٢ رقم ٣٢٠٥ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٧٥ رقم ٤٢ ، لسان الميزان ١ / ١٠٩ رقم ٣٢٧ ، معجم المؤلّفين ١ / ٦٧ رقم ٤٩٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٤ ـ ٤٦.

(٣) صحيح البخاري ، ج ٣ باب قتل أبي جهل من كتاب المغازي [ ٥ / ١٨٤ ح ٢٢ ].

منه قدس‌سره .

(٤) اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الرجل لم يستطع أن يصرّح بفضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام أو أن يدافع عنه ، فلجأ إلى استدرار الدفاع من الصحابي البراء بن عازب ـ الذي شهد مع الإمام عليّعليه‌السلام وقعتي الجمل وصفّين ـ ، فإن أجاب بالإيجاب ـ كما وقع فعلا ـ

١٨

وإذا رووا شيئا منها فلا يروونه على وجهه وبتمامه ، كما تدلّ عليه روايتهم لخطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغدير!(١) .

__________________

تمكّن من الاستدلال بالحديث الوارد عندهم من أنّ الله تعالى قد اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، ليستنكر ما يقال في الإمام عليّعليه‌السلام .

وانظر الحديث ـ مثلا ـ في : صحيح البخاري ٤ / ١٤٤ ذ ح ٢١١ وص ١٧٣ ح ٢٧٦ وج ٥ / ١٨٨ ذ ح ٣٢ وص ٢٩٨ ذ ح ٢٨٣ وج ٦ / ٢٦٣ ذ ح ٣٨٣ وج ٨ / ١٠٥ ذ ح ٣٢ وج ٩ / ٣٤ ذ ح ٢١ ، صحيح مسلم ٧ / ١٦٨ ، سنن أبي داود ٣ / ٤٨ ذ ح ٢٦٥٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٨٣ ذ ح ٣٣٠٥ ، مسند أحمد ١ / ٨٠ و ١٠٥ وج ٣ / ٣٥٠ ، مسند الحميدي ١ / ٢٨ ذ ح ٤٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣١٦ ـ ٣٢١ ح ٣٩٤ ـ ٣٩٨.

(١) وحديث الغدير صحيح متواتر ، بل في أعلى درجات التواتر ، قطعيّ الصدور ، واضح الدلالة جليّها على إمامة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بالرغم من محاولات التعتيم عليه ، وطمس معالمه ، وكتم الكاتمين!! فقد قاله النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من مرّة ، وأشهرها وآخرها ما قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند منصرفه من حجّة الوداع ، في ١٨ ذي الحجّة من السنة العاشرة للهجرة ، ورواه عنه أكثر من مائة صحابيّ ؛ ثمّ كانت مناشدات أمير المؤمنين الإمام عليّعليه‌السلام الصحابة به لإثبات حقّه بالخلافة مشهورة.

وقد نزل قبل خطبة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم غدير خمّ قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) [ سورة المائدة ٥ : ٦٧ ] ونزل بعدها قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [ سورة المائدة ٥ : ٣ ]. وسلّم الشيخان وبقيّة الصحابة ـ بعد الخطبة ـ على الإمام عليّ عليه‌السلام بإمرة المؤمنين ، وهنّأوه بها.

ولمّا اعترض على الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله تنصيبه الإمام عليّا عليه‌السلام خليفة له نزل قوله تعالى : ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ * ) [ سورة المعارج ٧٠ : ١ و ٢ وما بعدهما ].

ويكاد أن لا يخلو مصدر من مصادر الجمهور ـ في الحديث والتفسير والتاريخ والفضائل وغيرها ـ من ذكر واقعة الغدير ، ولو بإيراد جانب منها واقتطاع جوانب أخرى!

١٩

__________________

* وعلى سبيل المثال : فقد روي الحديث ـ بألفاظ متقاربة ـ في :

مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥٥ ، مسند أحمد ١ / ١٥٢ وج ٤ / ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢ و ٣٧٣ وج ٥ / ٤١٩ ، وورد مؤدّاه في الأخبار الموفّقيات : ٢٦٠ ح ١٧١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ح ١١٦ وص ٤٥ ح ١٢١ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩١ ح ٣٧١٣ وقال : « هذا حديث حسن صحيح » ، العقد الفريد ٣ / ٣١٢ ، مسند الشاشي ١ / ١٢٧ و ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ١٠٦ ، المعجم الكبير ٣ / ١٧٩ ح ٣٠٤٩ وص ١٨٠ ح ٣٠٥٢ وج ٤ / ١٧٣ ح ٤٠٥٢ وج ٥ / ١٦٥ و ١٦٦ ح ٤٩٦٨ و ٤٩٦٩ وص ١٧٠ ح ٤٩٨٣ وص ١٧١ ح ٤٩٨٥ و ٤٩٨٦ وص ١٩٣ ح ٥٠٦٥ وص ١٩٤ ح ٥٠٦٦ وص ١٩٥ ح ٥٠٦٨ ـ ٥٠٧١ وص ٢١٢ ح ٥١٢٨ وج ١٢ / ٧٧ ذ ح ١٢٥٩٣ وج ١٣ / ٢٩١ ح ٦٤٦ ، تاريخ أصبهان ١ / ١٦٢ ذيل رقم ١٤٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ وقال الحاكم عن كلّ منهما : « حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه » ولم يتعقّب الذهبيّ الحديث الأوّل في التلخيص ، وص ١١٩ ح ٤٥٧٨ وقال : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه » ولم يتعقّبه الذهبي في التلخيص أيضا ، وص ١٢٦ ح ٤٦٠١ ، تاريخ بغداد ٧ / ٣٧٧ وج ١٢ / ٣٤٤ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ح ٨٦٣٤ ـ ٨٦٤١ وص ١٩١ ـ ١٩٤ ح ٨٦٤٨ ـ ٨٦٥٦ وص ٢١٣ ـ ٢١٤ ح ٨٦٩٣ ـ ٨٦٩٦ و ٨٦٩٨ وص ٢١٥ ـ ٢٢٠ ح ٨٦٩٩ ـ ٨٧١٤ وص ٢٢٣ ـ ٢٣٢ ح ٨٧١٩ ـ ٨٧٣٨ وص ٢٣٤ ـ ٢٣٨ ح ٨٧٤٠ ـ ٨٧٤٥ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، نزهة الحفّاظ : ٦٠ و ١٠٢ ، صفة الصفوة ١ / ١٣١ ، كفاية الطالب : ٥٠ ـ ٥٥ وص ٦٤ ـ ٦٦ ، ذخائر العقبى : ١٥٨ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٥٦ ح ٦٠٩١ ، فرائد السمطين ١ / ٦٢ ـ ٦٣ ح ٢٩ وص ٦٦ ـ ٧٠ ح ٣٢ ـ ٣٧ ، البداية والنهاية ٥ / ١٥٩ و ١٦٢ ، جامع المسانيد والسنن ٢٠ / ٣١٥ ح ١٠٤٠ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٧ وج ٩ / ١٠٤ ـ ١٠٨ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ـ ٥٤٤ ح ٢٢٠٤ و ٢٢٠٥ ، المواعظ والاعتبار ـ للمقريزي ـ ١ / ٣٨٨ ، الجامع الصغير : ٥٤٢ ح ٩٠٠٠ و ٩٠٠١ ، الدرّ المنثور ٣ / ١٩ في تفسير الآية ٣ من سورة المائدة ، الصواعق المحرقة : ٦٤ و ٦٦ و ١٨٧ ح ٤.

* وروي التسليم على الإمام عليّ عليه‌السلام بإمرة المؤمنين وتهنئته بها في : مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٩٠ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ:

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الشافعي(١) - وسيأتي(٢) - فحينئذٍ تجب الزكاة عند الحول.

ومقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا ، لأنّه دَين(٣) .

وقيل : لا تجب بمعنى آخر وهو عدم استقرار الملك ، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(٤) .

مسألة ٢٧ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب‌ ، فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن ، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره ، وسيأتي(٥) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة وإن وجبت عليه عندنا ، لأنّه مخاطب بالفروع ، وبه قال الشافعي(٦) - خلافا لأحمد وأبي حنيفة(٧) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه وإن كان النصاب موجوداً ، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه ، لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٨) ويستأنف الحول حين الإِسلام.

ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان وإن أسلم.

وأما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإِسلام.

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٢) يأتي في اللقطة ( المقصد الخامس من كتاب الأمانات ).

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٤) القائل هو ابن عقيل من الجمهور. اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٥) يأتي في المسألة ١٢٤.

(٦) المجموع ٣ : ٤ و ٥ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧.

(٨) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

٤١

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال وإلّا بقيت عليه ، فإذا حال الحول وجبت عليه.

وإذا أخرج في حال الردّة جاز ، وبه قال الشافعي(١) ، كما لو أطعم عن الكفارة ، وفيه له وجه آخر(٢) .

وأمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء الله تعالى.

* * *

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٤٠٨.

(٢) وهو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. اُنظر : المجموع ٥ : ٣٢٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٥١٩.

٤٢

٤٣

المقصد الثاني

في المحلّ‌

وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإِبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا في ما زاد على ذلك ، وسيأتي(١) ، فهنا مطالب :

الأول : في زكاة الأنعام‌ ، وفيه فصول :

____________________

(١) يأتي في المسائل ١١٠ - ١١٥.

٤٤

٤٥

الفصل الأول

في زكاة الإِبل‌

مسألة ٢٨ : يشترط فيها أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، أمّا الملك ، فلما تقدّم(١) : أنّ غير المالك لا زكاة عليه ، وأمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس فيما دون خمس ذود(٢) صدقة )(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإِبل شي‌ء »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالنُصُب في الإِبل ثلاثة عشر نصاباً : خمس ، عشر ، خمس عشرة ، عشرون ، خمس وعشرون ، ستّ وعشرون ، ستّ وثلاثون ، ستّ وأربعون ، إحدى وستّون ، ستّ وسبعون ، إحدى وتسعون ، مائة‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ١١.

(٢) الذود من الإِبل : ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧١ « ذود ».

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥ و ١٢٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦.

٤٦

وإحدى وعشرون ، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغاً ما بلغت عند علمائنا أجمع ، وسيأتي(١) البحث في ذلك.

مسألة ٢٩ : يشترط فيها وفي غيرها من الأنعام السوم‌ ، وهي الراعية المعدّة للدرّ والنسل.

واحترزنا بذلك عن المعلوفة وإن كانت للدّر والنسل ، والعوامل وإن لم تكن معلوفةً ، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والحسن البصري والنخعي ، ومن الفقهاء : الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم السائمة شاة )(٣) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وإلّا كان ذكر الوصف ضائعاً ، بل موهماً للتخصيص ، ولو لم يكن مراداً كان قبيحاً.

وقالعليه‌السلام : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية »(٥) .

ولأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها.

____________________

(١) يأتي في المسائل ٣٥ - ٣٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٤٣٨ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ و ٥٠١ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، المحلّى ٦ : ٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٤ و ١١٥ / ٢ و ٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠ بتفاوت فيها.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١ / ٥٩.

٤٧

وقال مالك : تجب في العوامل والمعلوفة. وبه قال ربيعة ومكحول وقتادة(١) .

وقال داود : تجب في عوامل البقر والإبل ومعلوفها دون الغنم(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع )(٣) ولأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

والحديث يخصّه مفهوم الخطاب ، والفرق بين السائمة والمعلوفة لزوم المؤونة في المعلوفة ، والعوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة ٣٠ : لو سامت بعض الحول ، وعلفها البعض الآخر‌ ، قال الشيخ تعالى : يحكم للأغلب(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعية ، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة ، وخفّة المؤونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبةً كالزرع إذا سقي سيحاً وناضحاً(٥) .

وقال بعض الشافعية : إن علفها يوماً أو يومين لم يبطل حكم السوم ، وإن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم ، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف ، وما دون ذلك تصبر عن العلف ، ولا تتلف بتركه(٦) .

وقال بعضهم : إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرّة ، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته وصاغه انقطع حوله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٦ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦.

٤٨

ولأنّ السوم موجب ، والعلف مسقط ، وإذا اجتمعا غُلّب الإِسقاط ، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب ، تغليباً للمسقط ، والزرع اعتبر فيه الأكثر ، لأنّه غير مسقط ، بخلاف مسألتنا.

والأقرب عندي اعتبار الاسم ، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلّا سقطت.

فروع :

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف ، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود ، ولا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

ولو علفها من ماله ، فالأقرب إلحاقها بالسائمة ، لعدم المؤونة حينئذٍ ، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول وخرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

وقال الشافعي : لا ينقطع(١) . وسيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(٢) .

ج - لو تساوى زمان العلف والسوم ، فعندنا لا زكاة ، وعلى قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضاً.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة ، ومن اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها ، وأسقطها بعضهم ، لخروجها عن اسم السوم(٣) .

ه- لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٨.

(٢) يأتي في الفرع « و» من المسألة ٧١.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٤٩

ومن أوجبها في المغصوب فعنده وجهان : الوجوب ، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر ، وكذا لو غصب ذهباً واتّخذ منه حُليّاً لا تسقط. وهو ممنوع.

والعدم ، لفوات شرط السوم ، كما لو ذبح بعض الماشية(١) .

ولو غصب معلوفة وأسامها ، فوجهان : الوجوب ، لحصول الرفق ، كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر في النابت ، والمنع(٢) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل : تجب على الغاصب ، لأنّه من فعله. وقيل : على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان : المنع ، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك ، والرجوع ، لأنّه لو لا الإِسامة لم تجب.

وهل يرجع قبل الإِخراج أو بعده؟ وجهان(٣) ؛ وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٣١ : المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان : ما هو نماء في نفسه ، وما يرصد للنماء ، فالأول الحبوب والثمار ، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة ولا يعتبر فيه حول.

وما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ والنسل ، والذهب والفضّة للتجارة ، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه ، وبه قال جميع الفقهاء(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦١.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

٥٠

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإِبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال الحول وجب عليه »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه »(٢) .

وحكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا : إذا استفاد المال زكّاه في الحال ، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(٣) ؛ لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب والثمار.

والفرق : أن الغلّات يتكامل نماؤها دفعة ، ولهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة ٣٢ : يشترط بقاء النصاب طول الحول‌ ، فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه وكمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال ، وسقط حكم الأول عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) وهو يقتضي مرور الحول على جميعه.

ولأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإِسلام.

وحكي عن أبي حنيفة : أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ - ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ - ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ - ٦٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ - ٩٠.

(٣) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٢.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٠ ، المغني ٢ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٥) تقدمت مصادره في المسألة ٣١.

٥١

في وسطه(١) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٣ : وحولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة على المال‌ ، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة »(٢) .

فروع :

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقةً ، ومن صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده يجب الجميع إن فرّط وإلّا فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول ، ولو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة ٣٤ : لا تجب الزكاة في السخال‌ وهي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها ، ولا يبنى على حول الاُمّهات ، فلو كان عنده أربع ، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولاً.

ولو كان عنده خمس ستة أشهر ، ثم نتجت خمساً ، وتمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا ، وبه قال الحسن البصري والنخعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤)

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣١.

٥٢

ولأصالة البراءة.

وقال الشافعي : السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : أن تكون متولّدةً منها ، وأن تكون الاُمّهات نصاباً ، وأن توجد معها في بعض الحول ، فلو لم تكن متولّدةً منها ، بل كان الأصل نصاباً ، فاستفاد مالاً من غيرها ، وكانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها ، وكان حول الفائدة معتبراً بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثم تملّك خمساً منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

ولو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصاباً سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها ؛ لقصور الاُمّهات عن النصاب.

ولو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

واحتجّ على التبعيّة : بقول عليعليه‌السلام : « اعتد عليهم بالكبار والصغار »(١) .

وقال عمر لساعيه : اعتد عليهم بالسخلة(٢) . ولا مخالف لهما فكان إجماعاً ، ولأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(٣) .

والجواب : نقول بموجب الحديث ، فإنّ السخال والصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم ، ونمنع حكم الأصل.

ونازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول ، فقال : إذا استفاد سخالاً‌

____________________

(١و٢) أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، والرافعي في فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ ، وانظر أيضاً لقول عمر : الموطأ ١ : ٢٦٥ ذيل الحديث ٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣.

٥٣

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه ، وكان حول الاُمّهات حول السخال ، وإن لم تكن من جنسه كسخال الإِبل مع الغنم لم تضمّ ، فلو كان عنده خمس من الإِبل حولاً إلّا يوماً فملك خمساً من الإِبل ، ثم مضى اليوم زكّى المالين معاً ، وبه قال مالك(١) .

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإِبل ومائتا درهم أخرج زكاة المائتين ، ثم اشترى بها خمساً من الإِبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول ، وإن لم يزكّ المبدل ضمّهما معاً ، ولو كان عنده عبد وأخرج زكاة الفطرة عنه ، ثم اشترى به خمساً من الإِبل ضمّها إلى ما عنده(٢) .

واحتجّ أبو حنيفة على الضمّ وإن لم يكن من أصله : بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - وينتقض بالمزكّى بدله - ولأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

وينتقض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول )(٣) .

ولأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

ونازع مالك الشافعي في الشرط الثاني ، فقال : لو كانت الغنم أقلّ من أربعين ، ومضى عليها بعض الحول ، ثم توالدت وتمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الاُصول ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(٤) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ - ١٠٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٢ ، التفريع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٤

ونمنع الحكم في الأصل ، وللفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال ؛ لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول ، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع :

أ - لو نتجت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟

فإن قيل : بأنّه شرط الوجوب ضمّت ، وإن قيل : إنّه شرط الضمان لم تضمّ(١) .

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعاً ، أمّا عندنا ، فلعدم الوجوب ، وأمّا المخالف ، فلقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم(٢) .

ولو كان النصاب كلّه صغاراً جاز أخذ الصغيرة ، وإنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كباراً بصغار في أثناء الحول ، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصاباً من الصغار ثم ماتت الاُمّهات ، وحال الحول على الصغار ، وهو ظاهر قول أحمد(٣) .

وقال مالك : لا يؤخذ إلّا كبيرةً تجزي في الاُضحية(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة )(٥) .

وهو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٩.

(٣و٤) المغني ٢ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

٥٥

صدق عليه اسم السوم وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة وأحمد - في رواية - : لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّاً يجزئ مثله في الزكاة ، وهو محكي عن الشعبي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٢) .

ولأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك وإن لم تكن سائمةً ؛ لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(٣) ، والعلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال ، ولا تضمّ مع الاُمّهات ، وعند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(٤) .

فلو اختلف الساعي وربّ المال في شرط منها ، فقال المالك : هذه السخال من غيرها ، أو كانت أقلّ من نصاب ، أو نتجتها بعد تمام الحول.

وخالف الساعي ، قدّم قول المالك ؛ لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّها تجب على طريق المواساة والرفق ، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه- إذا ضمّت السخال إلى الاُمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الاُمّهات أو جميعها وبقي نصاب لم ينقطع الحول ، وبه قال مالك(٥) ؛ لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعاً للاُمّهات ، فصارت كما لو كانت موجودةً في جميع الحول ، فموت الاُمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها ، كما أنّ ولد أُمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لاُمّه ، فإذا ماتت‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣‌

(٥) التفريع ١ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٦

الاُمّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

وقال بعض الشافعية : إذا نقصت الاُمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها وفي السخال ؛ لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع ، فإذا نقصت الاُمّهات لم تتبعها السخال ، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصةً(١) .

ولو تلفت جميع الاُمّهات ، قال الشافعي : لا ينقطع الحول إذا كانت نصاباً(٢) ؛ لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا والجذاع.

وقال أبو حنيفة : ينقطع الحول وإن كانت نصاباً ، ولو بقي واحدة لم ينقطع(٣) .

ولو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(٤) ، خلافاً له(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٦) .

و - لو كانت في الإِبل فُصلان ، وفي البقر عجاجيل ، فإن سامت حولاً اعتبرت ، وإلّا فلا ، والمخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا ، فلو كانت الإِبل كلّها فُصلاناً والبقر عجاجيل اُخذ واحد منها.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) الاُم ٢ : ١٢ ، مختصر المزني : ٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، و ٤٨٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، شرح العناية ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ و ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ج ».

٥٧

وقال بعض الشافعية : لا يؤخذ إلّا السنّ المنصوص عليه ، لأنّا لو أخذنا واحداً منها لسوّينا بين خمس وعشرين وإحدى وستين ، وأخذنا فصيلاً من كلّ واحد من العددين وهو غير جائز ، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول : كم قيمة خمس وعشرين كباراً؟ فإذا قيل : مائة ، قيل : كم قيمة بنت مخاض؟ فإذا قيل : عشرة ، فيقال : كم قيمتها فُصلاناً؟ فيقال : خمسون. اُخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(١) .

وقال بعض الشافعية : إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر ، فإذا تغيّر بالعدد كستّ وسبعين اُخذ من الصغار(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأدائه إلى التسوية بين الأربعين والخمسين ، وبين الثلاثين والأربعين في البقر ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما(٣) .

مسألة ٣٥ : أوّل نُصب الإِبل خمس ، وفيها شاة‌ ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء ، ثم عَشر ، وفيه شاتان ، ثم خمس عشرة ، وفيه ثلاث شياه ، ثم عشرون ، وفيه أربع شياه ، وهذا كلّه بإجماع علماء الإِسلام.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست وعشرين ، ففيها حينئذٍ بنت مخاض(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « في خمس وعشرين خمس شياه »(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في خمس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٨١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ و ١٠١ / ١٥٧٢ و ١٥٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ - ٩٩.

(٤) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٠ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٩١ ، وسلّار في المراسم ١٢٩ - ١٣٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٩٣.

٥٨

وعشرين خمس من الغنم »(١) .

ولأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة ، ولأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شي‌ء من نُصب الزكاة المنصوصة.

وقال ابن أبي عقيل منّا : في خمس وعشرين بنت مخاض(٢) ، وهو قول الجمهور(٣) كافة ؛ لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمـّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في كلّ خمسٍ شاةً حتى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض »(٥) .

ونمنع الاحتجاج برواية أبي بكر ، لجواز أن يكون رأياً له ، أو يضمر فيها زيادة واحدة ، وهو جواب الثانية.

وقال ابن الجنيد : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياه(٦) .

مسألة ٣٦ : إذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‌ ، فإذا زادت واحدة ففيها حِقّة إلى ستين ، فإذا زادت واحدة وبلغت إحدى وستّين‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٥٩ ، الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ وفيه عن الإِمام الباقرعليه‌السلام ، والتهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ وفيهما عن الإِمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ١٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

٥٩

ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا صارت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين ، وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء ، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [ خمس و ](٢) سبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة »(٣) .

مسألة ٣٧ : إذا زادت على مائة وعشرين ولو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة‌ ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ففيها حقّتان وبنت لبون إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، وعلى هذا الحساب بالغاً ما بلغ عند علمائنا ، وبه قال ابن عمر وأبو ثور والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، ومالك في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون )(٥) والواحدة زيادة.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٣٥).

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦‌

(٤) الاُم ٢ : ٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307