دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140977 / تحميل: 5350
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

إنّه تعالى لا يرى

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

المبحث السابع

في أنّه تعالى يستحيل أن يرى

خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء في هذه المسألة ، حيث حكموا بأنّ الله تعالى مرئيّ للبشر!(٢) .

أمّا الفلاسفة [ وإلمعتزلة ] والإمامية : فإنكارهم لرؤيته تعالى ظاهر ولا شكّ فيه(٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٦ ـ ٤٨.

(٢) الإبانة عن أصول الديانة : ٥٨ ـ ٧١ ، تمهيد الأوائل : ٣٠١ ـ ٣٠٧ ، الاعتقاد على مذهب السلف : ٥٨ ـ ٦٧ ، الاقتصاد في الاعتقاد : ٤١ ـ ٤٨ الدعوى ٩ ، بحر الكلام : ١٣٧ ، الملل والنحل ١ / ٨٧ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٦ ـ ٣٠٤ المسألة ١٩ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٧٢ ـ ٢٧٨ ، المسائل الخمسون في أصول الدين : ٥٦ ـ ٥٨ المسألتان ٣١ و ٣٢ ، شرح المقاصد ٤ / ١٧٩ ، شرح المواقف ٨ / ١١٥.

(٣) انظر رأي الفلاسفة والمعتزلة في : شرح الأصول الخمسة : ٢٣٢ ، بحر الكلام : ١٣٧ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٦ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٧٢.

وانظر رأي الإمامية في : أوائل المقالات : ٥٧ رقم ٢٥ ، شرح جمل العلم والعمل : ٧٦ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٤ ، المنقذ من التقليد ١ / ١١٤ ـ ١٣٠.

١٠١

وأمّا المشبّهة والمجسّمة : فإنّهم إنّما جوّزوا رؤيته تعالى ؛ لأنّه [ عندهم ] جسم ، وهو مقابل للرائي(١) .

( فلهذا قالوا بإمكان رؤيته تعالى ، ولو كان تعالى مجرّدا عندهم لحكموا بامتناع رؤيته )(٢) .

فلهذا خالفت الأشاعرة باقي العقلاء ، وخالفوا الضرورة أيضا ، فإنّ الضرورة قاضية بأنّ ما ليس بجسم ، ولا حالّ في جسم ، ولا في جهة ، ولا مكان ، ولا حيّز ، ولا يكون مقابلا ، ولا في حكم المقابل ، فإنّه لا يمكن رؤيته.

ومن كابر في ذلك فقد أنكر الحكم الضروري ، وكان في ارتكاب هذه المقالة سوفسطائيا.

وخالفوا أيضا آيات الكتاب العزيز الدالّة على امتناع رؤيته تعالى ، فإنّه قال عزّ من قائل : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ )(٣) تمدّح بذلك ؛ لأنّه ذكره بين مدحين ، فيكون مدحا ، لقبح إدخال ما لا يتعلّق بالمدح بين مدحين ، فإنّه لا يحسن أن يقال : فلان عالم فاضل ، يأكل الخبز ، زاهد ورع.

وإذا تمدّح بنفي الإبصار له ، كان ثبوته له نقصا ، والنقص عليه تعالى محال.

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٣٤ ، الملل والنحل ١ / ٩٣ ـ ٩٩ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٧٢.

(٢) ما بين القوسين ليس في نهج الحقّ ؛ وأثبته المصنّف ١ من إحقاق الحقّ.

(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٠٣.

١٠٢

وقال تعالى في حقّ موسى : (لَنْ تَرانِي )(١) و ( لن ) للنفي المؤبّد.

وإذا امتنعت الرؤية في حقّ موسى ٧ ففي حقّ غيره أولى.

وقال تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ )(٢) ولو جازت رؤيته لم يستحقّوا الذمّ ، ولم يوصفوا بالظلم.

وإذا كانت الضرورة قاضية بحكم ، ودلّ محكم القرآن أيضا عليه ، فقد توافق العقل والنقل على هذا الحكم و [ الأشاعرة ](٣) قالوا بخلافه ، وأنكروا ما دلّت الضرورة عليه ، وما قاد القرآن إليه.

ومن خالف الضرورة والقرآن ، كيف لا يخالف العلم النظري والأخبار؟!

وكيف يجوز تقليده ، والاعتماد عليه ، والمصير إلى أقواله ، وجعله إماما يقتدون به؟!

وهل يكون أعمى قلبا ممّن يعتقد ذلك؟!

وأيّ ضرورة تقود الإنسان إلى تقليد هؤلاء الّذين لم يصدر عنهم شيء من الكرامات ، ولا ظهر عنهم ملازمة التقوى ، والانقياد إلى ما دلّت الضرورة عليه وقطعت به الآيات القرآنية؟! بل اعتمدوا مخالفة نصّ

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٤٣.

(٢) سورة النساء ٤ : ١٥٣.

وقد جاءت الآية الكريمة مشوّشة في المصدر ، هكذا : « فقالوا لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم » ، وهو خلط بين ثلاث آيات وقع من الناسخ قطعا ؛ والمثبت في المتن من الأصل وإحقاق الحقّ ؛ فلاحظ.

(٣) أثبتناه من إحقاق الحقّ.

١٠٣

الكتاب ، وارتكبوا ضدّ ما دلّت الضرورة عليه!

ولو جاز ترك إرشاد المقلّدين ، ومنعهم من ارتكاب الخطأ الذي ارتكبه مشايخهم إن أنصفوا ، لم نطوّل الكلام بنقل [ مثل ] هذه الطامّات ، بل أوجب الله تعالى علينا إهداء العامة ، لقوله تعالى : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )(١)

(فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها )(٢) .

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٢٢.

(٢) سورة يونس ١٠ : ١٠٨.

١٠٤

وقال الفضل(١) :

ذكر في هذا المبحث خلاف الناس في رؤية الله تعالى ، وما اختصّ به الأشاعرة من إثباتها مخالفة للباقين.

وذكر أنّهم خالفوا الضرورة ؛ لأنّه لا يمكن رؤية ما ليس بجسم

فقد علمت أنّ الرؤية ـ بالمعنى الذي ذكرناه ـ ليست مختصّة بالأجسام ، ولا تشترط بشرط ، لكن جرى في العادة اختصاصها بالجسم المقابل.

وقد علمت أنّ الله تعالى ليس جسما ، ولا في جهة ، ويستحيل عليه مقابلة ، ومواجهة ، وتقليب حدقة ، ونحوه

ومع ذلك يصحّ أن ينكشف لعباده انكشاف القمر ليلة البدر ـ كما ورد في الأحاديث الصحيحة(٢) ـ وأن يحصل لهوية العبد بالنسبة إليه هذه الحالة المعبّر عنها ب‍ : الرؤية.

فمن عبّر عن الرؤية بما ذكرناه ، وجوّز حصوله في حقّه تعالى على الوجه المذكور ، فأين هو من المكابرة ومخالفة الضرورة؟!

ثمّ إنّ ما استدلّ به على عدم جواز الرؤية من قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ )(٣) ، فإنّ الإدراك في لغة العرب هو : الإحاطة ؛ ألا

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٣٠ ـ ١٣٣.

(٢) مرّت الإشارة إلى مثل هذه الأحاديث في الجزء الأوّل ، ص ٤٩ ه‍ ١ ؛ والأحاديث المرويّة في صحاحهم في مثل ذلك كثيرة!

(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٠٣.

١٠٥

ترى في قوله تعالى : (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )(١) فلا شكّ أنّه يريد به الإحاطة!

وأمّا الإدراك بالمعنى المرادف للعلم ، فهو من اصطلاحات الحكماء ؛ لا أنّ في كلام العرب يكون الإدراك بمعنى : العلم والإحساس.

ولا شكّ أنّ الإحاطة به [ تعالى ] نقص ، فيكون نفيه مدحا ، والرؤية التي نثبتها ليست إحاطة.

ثمّ الاستدلال بجواب موسى ، وهو قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي )(٢) لمّا سأل الرؤية ، و ( لن ) للنفي المؤبّد ، فامتنعت الرؤية في حقّ موسى ، ففي حقّ غيره من باب الأولى

فقد أجاب عنه الأشاعرة بمنع كونه للنفي المؤبّد(٣) [ بل هو للنفي المؤكّد ].

وعندي أنّه للنفي المؤبّد ، وهذا ظاهر على من يعرف كلام العرب.

ولكنّ التأبيد المستفاد منه بحسب مدّة الحياة ؛ مثلا : إذا قال أحد لغيره : لن أكلّمك ؛ فلا شكّ أنّه يقصد التأبيد في زمن حياته ، لا التأبيد الحقيقي الذي يشمل زمان الآخرة ، وهذا معلوم في العرف.

فالمراد ب‍ : (لَنْ تَرانِي ) نفي الرؤية في مدّة الدنيا ، وهذا لا ينافي رؤية موسى ٧ في الآخرة.

__________________

(١) سورة الشعراء ٢٦ : ٦١.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ١٤٣.

(٣) تفسير الفخر الرازي ١٤ / ٢٤٢ ، الأربعين في أصول الدين ـ للرازي ـ ١ / ٣٠٠ جواب الشبهة الثانية ، شرح المقاصد ٤ / ٢٠٧ ، شرح المواقف ٨ / ١١٨.

١٠٦

وكذا في قوله تعالى : (لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً )(١) فإنّ المراد منه [ تأبيد ] نفي التمنّي مدّة الحياة ، للعلم بأنّ اليهود في الآخرة يتمنّون الموت للتخلّص من عذاب الآخرة.

ثمّ ما ذكره من إعظام الله تعالى سؤال الرؤية من اليهود في القرآن ، والذمّ لهم بذلك السؤال ، ولو جاز ذلك لما استحقّوا الذمّ بالسؤال

فالجواب : إنّ الاستعظام إنّما كان لطلبهم الرؤية تعنّتا وعنادا ، ولهذا نسبهم إلى الظلم.

ولو كان لأجل الامتناع ، لمنعهم موسى عن ذلك كما منعهم حين طلبوا أمرا ممتنعا ، وهو أن يجعل لهم إلها.

فلمّا علمت أنّ العقل لا ينافي صحّة رؤية الله تعالى ، والنصوص لا تدلّ على نفيه ، فقد تحقّقت أنّ ما ادّعاه هذا الرجل من دلالة الضرورة والنصّ ، وتوافقهما على نفي الرؤية ، دعوى كاذبة خاطئة.

ولو لا أنّ الكتاب غير موضوع لبسط الدلائل على المدّعيات الصادقة الأشعرية ، بل هو موضوع للردّ على ما ذكر من القدح والطعن عليهم ، لذكرنا من الدلائل العقلية على صحّة الرؤية ، بل وقوعها! ما تحير به ألباب العقلاء ، لرزانتها ومكان رصانتها!

ولكن لا شغل لنا في هذا الكتاب إلّا كسر طامّات(٢) ذلك الرجل ومزخرفاته ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٩٥.

(٢) الطامّة : الداهية تغلب ما سواها ، والأمر العظيم ؛ انظر : لسان العرب ٨ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ مادّة « طمم ».

١٠٧

ثمّ اعلم أنّه سنح لي ـ بعد التأمّل في مسألة الرؤية ـ أنّ المنازعة فيها قريبة بالمنازعات اللفظية ، وهذا شيء ما أظنّ سبقني إليه أحد من علماء السلف.

وذلك أنّ المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية ، من نفاة الرؤية ، يذكرون في معنى الحديث المشهور ، وهو

قوله ٦ : « سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر »(١)

أنّ المراد الانكشاف التامّ العلمي ، الذي لم يحصل في هذه النشأة الدنيوية ، وسيحصل هذا الانكشاف في النشأة الثانية.

والأشاعرة ـ المثبتون للرؤية ـ ذكروا : أنّ المراد بالرؤية حالة يخلقها الله في الحيّ ، ولا تشترط بضوء ، ولا مقابلة ، ولا غيرهما من الشرائط(٢) .

ثمّ ذكر الشيخ الأشعري في إدراكات الحواسّ [ الخمس ] الظاهرة :

أنّها علم بمتعلّقاتها(٣) .

فالإبصار ـ الذي هو عبارة عن الإدراك بالباصرة ـ يكون علما بالمبصرات ، وليست الرؤية إلّا إدراكا بالباصرة.

فعلى هذا تكون الرؤية علما خاصّا وانكشافا تامّا ، غاية الأمر أنّه حاصل من هذه الحاسّة المخصوصة.

فظهر اتّفاق الفريقين على إنّ رؤية الله تعالى ـ التي دلّت عليها الأحاديث ـ هي : العلم التامّ ، والانكشاف الكامل.

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ١ / ٢٣٠ ح ٣١ وج ٩ / ٢٢٨ ح ٦٢ ، صحيح مسلم ١ / ١١٢ وج ٢ / ١١٤ ، الإبانة عن أصول الديانة : ٦٤ ، تفسير البغوي ٣ / ١٩٩ ، تفسير الرازي ١٣ / ١٣٩.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١١٦.

(٣) انظر : شرح المواقف ٧ / ٢٠٢ ـ ٢٠٤.

١٠٨

وبقي النزاع في محلّ حصولها ، فكما يجوز أن يكون محلّ حصول هذا الانكشاف قلبا ، فليجوّز المجوّز أن يكون محلّه عضوا آخر ، هو البصر ، فيرتفع النزاع بالكلّيّة.

والله أعلم.

* * *

١٠٩

وأقول :

قد سبق أنّ الرؤية ـ بالمعنى الذي ذكره ـ ليست محلّ النزاع بوجه(١) ، وقد أحدثوه فرارا ممّا لزمهم من الإشكالات ، وإنّما محلّ النزاع هو الرؤية المعروفة ، كما عرفته من دليل الأشعري.

على إنّهم إذا أقرّوا بامتناع رؤية الباري سبحانه ، فقد امتنع هذا المعنى ؛ لما سبق من أنّ الصورة الحاصلة عند التغميض إنّما تكون بعد الرؤية ، ومن توابعها ، ومحلّها الحسّ المشترك ، أو الخيال ، فلا وجه للقول بإمكانها دون الرؤية.

ولو فرض أنّهم أرادوا معنى ليس هو الرؤية المعروفة ، ولا موقوفا عليها ؛ فنحن لا نعرفه ، ولا أظنّهم يعرفونه!

فكيف يقع النزاع بيننا وبينهم فيه؟!

كما لا نحكم بامتناعه ـ عقلا أو عادة ـ قبل المعرفة.

[ جواب الإيراد على الآية الأولى : ]

وأمّا ما أورده الفضل على الآية الأولى ؛ من أنّ الإدراك في اللغة :

الإحاطة ، وأنّ النقص من جهتها ، والمدح لنفيها

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٧ من هذا الجزء.

١١٠

ففيه :

إنّه لا شاهد له في كتب اللغة والآثار العربية ، بل الظاهر خلافه.

فإنّ الجدار محيط بالدار ، والصندوق محيط بما فيه ، ولا يقال : إنّهما مدركان لهما.

وعن الصحاح أنّ معنى أدركته ببصري : رأيته(١) .

ولعلّه لأنّه لا يفهم من الإدراك إلّا الرؤية إذا قرن بالبصر ـ وإن كان بمعنى اللحاق(٢) ـ ، كما لا يفهم منه إلّا السماع إذا قرن بآلة السمع ، وقيل :

أدركته بأذني ، ولا يفهم منه إلّا أثر الحواسّ الأخر إذا قرن بشيء منها.

وأمّا ما استدلّ به من قوله تعالى : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )(٣) فليس في محلّه ؛ لأنّ الإدراك فيه هو : اللحاق ، فمعنىمدركون : ملحوقون.

وقد أقرّ في « المواقف » وشرحها ، والتفتازاني في « شرح المقاصد » بأنّ الإدراك بمعنى اللحاق(٤) .

لكن زعموا أنّ اللحاق والوصول يقتضي الإحاطة ، فيكون الإدراك في الآية بمعنى : الرؤية المحيطة(٥) !!

ولا أعرف وجها للاقتضاء والاستلزام!

__________________

(١) الصحاح ٤ / ١٥٨٢ مادّة « درك ».

(٢) انظر : الصحاح ٤ / ١٥٨٢ ، لسان العرب ٤ / ٣٣٤ ، تاج العروس ١٣ / ٥٥٢ ، مادّة « درك ».

(٣) سورة الشعراء ٢٦ : ٦١.

(٤) المواقف : ٣٠٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٠١ الشبهة الرابعة.

(٥) المواقف : ٣٠٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٠١ الشبهة الرابعة.

١١١

نعم ، استشهد لذلك في « شرح المقاصد » بقوله : « ولذا يصحّ :

رأيت القمر وما أدركه بصري لإحاطة الغيم به ؛ ولا يصحّ : أدركه بصري وما رأيته »(١) .

وهو بظاهره غير تامّ ، لأنّه إن حصل الغيم والحاجب عن القمر ، لم يصحّ أيضا « رأيته » كما لا يصحّ « أدركه بصري » ؛ وإن لم يحصل الحاجب صحّ أن يقال : « رأيته وأدركه بصري » معا.

على إنّ أخذ الإحاطة في معنى الإدراك ، بقوله سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ )(٢) غير متصوّر ، سواء أريد الإحاطة بحقيقة المرئي وماهيّته ، أم بجوانبه وباطنه ، إذ ليس من شأن الأبصار إحدى هاتين الإحاطتين حتّى يتمدّح تعالى بنفي إحاطة الأبصار به هذه الإحاطة.

على إنّ إحاطة الأبصار بجوانب المرئي إنّما تكون مع صفائه ، كالزجاج ، فإذا فرض أنّ الله سبحانه نفاها عنه ، وجعلها نقصا في حقّه ـ وهي أشبه بالكمال ـ ، فرؤيته بلا إحاطة أولى بالانتفاء ؛ لأنّها لا تكون إلّا مع كثافة المرئي.

هذا ، وقد أورد القوم على الاستدلال بالآية بأمور أخر :

الأوّل :

ما عن الفخر الرازي ، وهو : إنّ التمدّح إنّما يحصل بنفي الرؤية إذا

__________________

(١) شرح المقاصد ٤ / ٢٠٤.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٠٣.

١١٢

كانت جائزة عليه تعالى ، وكان قادرا على منع الأبصار عن رؤيته تعالى ، كالمدح بنفي الظلم والعبث فتدلّ الآية على جواز رؤيته تعالى لا على امتناعها(١) .

وفيه :

إنّ اعتبار ذلك إنّما يتمّ في ما يرجع إلى الفعل ؛ لأنّه لا يصحّ المدح فيه إلّا مع إمكانه والقدرة عليه ، لتعلّقه بالقصد.

وأمّا ما يرجع إلى الذات والصفات الذاتية فلا ، كالعلم ، والقدرة ، والوحدانية.

ولذا يصحّ تمدّحه تعالى بأنّه لا شريك له ، ولا ولد له ، مع عدم جواز جعله للشريك والولد ، وعدم تعلّق قدرته بهما.

ويصحّ تمدّحه بأنّه غير عاجز ، مع عدم جواز العجز عليه ، وعدم تعلّق قدرته به.

الثاني :

إنّه لو صحّ المدح بنفي الرؤية لامتناعها ، لصحّ مدح المعدوم به ؛ وهو باطل(٢) .

__________________

(١) الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٠٠ ، تفسير الفخر الرازي ١٣ / ١٣٥ الوجه السادس من المسألة الثانية ، وانظر : شرح المقاصد ٤ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٢) الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٠٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٤١.

١١٣

وكذا الكيفيات النفسانية ونحوها ، ممّا تمتنع رؤيتها عندكم.

وفيه :

إنّه إنّما تمدّح بمجموع الأمرين ، أعني أنّه يدرك الأبصار ولا تدركه ، فإنّ ذلك مختصّ به ، كما تمدّح في آية أخرى بقوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ )(١) ، مع إنّ مدحه تعالى بامتناع رؤيته لا يستلزم صحّة مدح غيره به وإن ثبت له ، فإنّه تعالى يمدح بأنّه جبّار متكبّر ، ولا يصحّ مدح غيره به ، على إنّ المطلوب لا يتوقّف على اختصاص المدح به تعالى.

الثالث :

إنّ ( اللام ) في الْأَبْصارُ إن كانت للعموم ، كان النفي في قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ )(٢) موجبا لسلب العموم ، وهو سلب جزئي.

وإن كانت ( اللام ) للجنس ، كان قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) سالبة مهملة ، وهي في قوّة الجزئية

ونحن نقول بموجب الجزئية ؛ لأنّ الكفّار لا يرونه تعالى في الآخرة إجماعا.

بل نقول : تخصيص البعض بالنفي يدلّ على الثبوت للبعض الآخر ،

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١٤.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٠٣.

١١٤

فتكون الآية حجّة لنا لا علينا(١) .

ولو سلّم أنّ مدلول الآية عموم السلب ، فلا نسلّم عمومه في الأحوال والأوقات ، حتّى في يوم القيامة.

وفيه :

إنّ الجمع المحلّى ب‍ ( اللام ) ظاهر في العموم بلا ريب ، فيتعيّن الوجه الأوّل.

كما إنّ النسبة نسبتان : إيجابية ، وسلبية ؛ وخصوصهما وعمومهما تابعان لخصوص متعلّقهما وعمومه ، بلا فرق بينهما ، إلّا أنّ النفي قد يتوجّه إلى نفس العموم لا النسبة ، فيفيد سلب العموم ، لكنّه أجنبيّ عن قوله سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) ، فلا يراد به إلّا عموم السلب كغيره من الآيات المستفيضة ، كقوله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ )(٢)

(وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ )(٣)

(وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )(٤)

(وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً )(٥)

__________________

(١) الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٩٩ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٣٩ ـ ١٤١.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٠٨.

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦.

(٤) سورة هود ١١ : ٨٣.

(٥) سورة النساء ٤ : ١٠٥.

١١٥

(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ )(١)

(لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ )(٢) .

.. إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

وقد أقرّ التفتازاني بذلك ، فقال في « شرح المقاصد » عند الكلام في قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) : كون الجمع المعرّف ب‍ ( اللام ) ـ في النفي لعموم السلب ـ هو الشائع في الاستعمال ، حتّى لا يوجد ـ مع كثرته ـ في التنزيل إلّا بهذا المعنى ، وهو اللائق بالمقام كما لا يخفى(٣) .

وقال في « شرح المطوّل » في بحث تعريف المسند إليه ب‍ ( اللام ) ، في شرح قول الماتن : « واستغراق المفرد أشمل » : « وبالجملة : فالقول بأنّ الجمع المحلّى ب‍ ( اللام ) يفيد تعلّق الحكم بكلّ واحد من الأفراد ـ مثبتا كان أو منفيا ـ ممّا قرّره الأئمّة ، وشهد به الاستعمال

وصرّح به صاحب ( الكشّاف ) في غير موضع »(٤) .

على إنّ مقابلة قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) بقوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) المفيد للعموم ، دالّة على إرادة العموم في الأوّل أيضا ؛ لأنّ المقصود به الامتياز والافتخار على كلّ بصر.

ولو سلّم أنّ ( اللام ) للجنس ، فلا معنى لجعل قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) سالبة مهملة ؛ لأنّ وقوع الجنس في حيّز النفي

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٧٧.

(٢) سورة النمل ٢٧ : ١٠.

(٣) شرح المقاصد ٤ / ٢٠٣.

(٤) شرح المطوّل : ٨٦.

١١٦

أظهر في إرادة العموم(١)

مع إنّ ما زعمه المعترض من أنّ تخصيص البعض بالنفي يفيد الإثبات للبعض الآخر ؛ باطل بالضرورة ، فإنّ قولنا : ما قام ( زيد ؛ لا يدلّ على قيام غيره )(٢) .

وأمّا عدم تسليمه لعموم الأحوال والأوقات ، فليس في محلّه ؛ لحكم العقل بأنّ الإطلاق في مورد البيان ، وعدم القرينة على التقييد ، يفيد العموم(٣) ، وإلّا لنافي الحكمة ، لا سيّما في مقام المقابلة وإظهار الامتياز على العامّ.

[ جواب الإيراد على الآية الثانية : ]

وأمّا ما أورده على الآية الثانية ، من أنّ ( لن ) تفيد التأبيد المقيّد بمدّة الحياة

ففيه :

إنّ التقييد بها منتف وضعا بالضرورة ؛ وغير ثابت بالقرينة ، لعدمها ظاهرا ، فينبغي الحكم بالتأبيد بلا قيد ، كما هو الظاهر.

__________________

(١) انظر : المحصول في علم الأصول ١ / ٣٦٩ ف ٤ ، الإحكام في أصول الأحكام ـ للآمدي ـ ١ / ٤١٥ ، كفاية الأصول : ٢١٧ و ٢٤٦.

(٢) في المطبوعتين بدل ما بين القوسين : بعض الناس ؛ لا يدلّ على قيام البعض الآخر.

(٣) انظر : كفاية الأصول : ٢٤٨.

١١٧

على إنّ النفي إذا تعلّق بالمطلق ، أفاد نفيه مطلقا.

وهذا بخلاف قوله تعالى : (لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً )(١) فإنّ القرينة فيه على التأبيد في الدنيا موجودة ، وهي قوله تعالى : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ )(٢) ، فإنّه دالّ على أنّهم يخافون في الدنيا الموت فيها ، فلا يتمنّونه بها ، لتقديمهم ما يستحقّون به العذاب في الآخرة.

على إنّه يكفي هنا القرينة العقلية ، وهي ما ذكره الخصم من القطع بأنّهم يتمنّون الموت في الآخرة تخلّصا من العقاب.

فإن قلت :

غاية ما يدلّ عليه قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي )(٣) هو نفي الرؤية خارجا ، ومدّعاكم امتناعها ذاتا!

قلت : إذا ثبت تأبيد النفي ، ثبت بطلان قول الأشاعرة بالرؤية في الآخرة ؛ وهو المطلوب.

على إنّ المراد بالنفي ـ هنا ـ : الامتناع ، بقرينة قول موسى ٧ بعد الإفاقة : (سُبْحانَكَ )(٤) فإنّه للتنزيه ، والتنزيه عن الرؤية دليل على أنّها نقص ، فتمتنع ؛ كما ستعرفه إن شاء الله.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٩٥.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٩٥.

(٣) سورة الأعراف ٧ : ١٤٣.

(٤) سورة الأعراف ٧ : ١٤٣.

١١٨

[ جواب الإيراد على الآية الثالثة : ]

وأمّا ما أجاب به عن الآية الثالثة ، من أنّ الاستعظام إنّما هو لطلبهم الرؤية تعنّتا وعنادا

ففيه :

أوّلا : إنّ الاستعظام إنّما هو ـ ظاهرا ـ لعظم المسؤول(١) ، المعبّر عنه في الآية ب‍ : (أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ ).

وثانيا : إنّ استدلال المصنّف بالآية ليس من جهة الاستعظام ، حتّى يقال : إنّه لأجل التعنّت ؛ بل من حيث ذمّهم ونسبتهم إلى الظلم بطلبهم الرؤية ، ولا يكون طلبهم ظلما إلّا بكون الرؤية نقصا ممتنعا عليه تعالى.

ودعوى أنّها لو كانت ممتنعة لمنعهم موسى من طلبها كما منعهم من جعل الآلهة ، باطلة ؛ لجواز علمه بعدم امتناعهم بمنعه في المقام

أو أنّه منعهم فلم يمتنعوا ، كما يقرّ به إصرارهم وقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً )(٢)

ولو كان منعه مؤثّرا فيهم لمنعهم من طلب الرؤية حتّى لو كانت ممكنة ؛ لعلمه بأنّها لا تقع في الدنيا.

وأمّا ما تحمّس به من قوله : « لذكرنا من الدلائل العقلية على صحّة

__________________

(١) في المطبوعتين : السؤال.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٥٥.

١١٩

الرؤية ، بل وقوعها »

فإنّه كلام لا يحتمل الصدق ، وفيه إزراء بحقّ أشياخه.

فإنّهم أفنوا أعمارهم ولم يأتوا بما يمكن أن يذكر بصورة الدليل ، إلّا ما حكوه عن الأشعري كما سمعت ، وقد جعلوه ـ هم وغيرهم ـ هدفا لسهام النقد!

على إنّهم إنّما يستدلّون به للإمكان ، فكيف يأتي بالأدلّة العقليّة على الوقوع؟!

ومن العجيب أنّه بعد ما تحمّس هذه الحماسة ، مدّ يد المسالمة وحمل قول المتخاصمين على العلم التامّ ، إلّا أنّ محلّه العين!!

فإن أراد بالعلم التامّ بالله سبحانه ، والانكشاف الكامل له : انكشاف حقيقته تعالى ؛ فنحن لا نقول به ، ولا أظنّ أصحابه يرتضونه.

وإن أراد به : العلم التامّ بوجوده وصفاته ؛ فنحن نقول به ، وكذلك أصحابه.

لكنّ حمل الرؤية عليه بعيد ، بل مقطوع بخلافه ، لا سيّما وهذا العلم لا يختصّ بالمؤمن ، بل يثبت في القيامة للمؤمن والكافر بلا فرق ، فكيف يحمل عليه كلامهم ، وأخبارهم الدالّة على انكشافه سبحانه للمؤمنين خاصّة؟!

وما نسبه إلى الأشعري ـ من أنّ إدراك الحواسّ الظاهرة علم بمتعلّقاتها ـ ، فمسامحة ، أو سفسطة!

وأمّا ما نسبه إلى الإمامية ـ من حملهم لما سمّاه حديثا مشهورا على الانكشاف الكامل التامّ ـ ، فهو فرية عليهم ، إذ لا يخطر ببال أحد منهم اعتباره حتّى يحتاج إلى التأويل والحمل.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456