دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140966 / تحميل: 5350
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الإسلام ، ودفاعهما عن شريعة جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما قاما به من إصلاح في الأمة الإسلامية ، ووقوفهما سداً منيعاً أمام كل المحاولات التي تستهدف النيل من الرسالة الإسلامية ؛ لما يحملانه من خصائص ، ومميّزات ، وقد تواترت الروايات في علو شأنهما وسمو مقامهما ، كل ذلك جعل لهما الدور الفاعل في التأثير البالغ في المسلمين ، سواء على الصعيد الفكري أم الاجتماعي أم غيرهما ، كل ذلك في زمن أصبحت الحياة الإسلامية فيه مسرحاً للخلافات ، والجرائم والآثام ، وأصبحت فيه الحكومة ملكاً عضوضاً يتوارثه بنو أمية فيما بينهم بالقهر والغلبة ، وقد انبرى الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام في ذلك الحين لمعالجة الواقع المرير ، وقد جاء في مجامع أحاديث السنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق ابنه الحسنعليه‌السلام : ( إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق ابنه الحسينعليه‌السلام :( حسين منّي وأنا منه أحبّ الله مَن أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) (٢)

ولذا قام الإمام الحسينعليه‌السلام ثائراً على الظلم آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مضحّياً بنفسه وأهل بيته في سبيل إعلاء كلمة الحق ، طالباً

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٧٩ ح ٢٧٠٤ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٢٩١ ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً من الفريقين .

(٢) التاريخ الكبير ، البخاري : ج ٨ ص ٤١٥ ح ٣٥٣٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٨ ص ٢٢٤ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٣٢ ح ٢٥٨٦ ، ج ٢٢ ص ٢٧٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٧٥ ح ٣٧٢٧ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٥١٣ ؛ وفي صحيح الجامع الصغير ، الألباني : ج ١ ص ٦٠١ ـ ٦٠٢ ح ٣١٤٦ ، قال عن الحديث بأنّه ، (حسن) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢١

الإصلاح في أمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما لاحظ الممارسات البعيدة عن روح الدين والأخلاق من قِبَل الحكومة آنذاك ، حينما اتخذت الإسلام ستاراً لتغطية جرائمها وممارساتها المتهتّكة ؛ ولذا قالعليه‌السلام عندما خرج متوجّهاً إلى الكوفة :( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١) .

وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمةعليهما‌السلام : ( فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك )(٢)

ولا نطيل الحديث في ذلك بعد أن ثبت أنّهماعليهما‌السلام إمامان قاماً أو قعداً(٣) .

الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس الشافعي : ( هو أفقه أهل المدينة )(٤) .

وقال محمد بن أحمد الذهبي ( ت ٧٤٨ ) : ( كان له جلالة عجيبة ، وحق له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه ، وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله )(٥) . وقال أيضاً : ( وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة

ـــــــــــــ

(١) مقتل الحسين : الخوارزمي : ص ٢٧٣ ؛ الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي : ج ١٩ ص ٢١٦ ؛ نقلاً عن أهل البيت ، الأستاذ توفيق أبو علم : ص ١٩٥ ، طبعة مطبعة السعادة ـ القاهرة .

(٤) نقله الجاحظ في رسائله : ص ١٠٦ .

(٥) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٤ ص ٣٩٨ .

٢٢

العلماء العاملين يصلح للإمامة )(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الهاشمي زين العابدين ، ثقة ، ثبت ، عابد ، فقيه ، فاضل ، مشهور ، قال ابن عيينة عن الزهري : ما رأيت قرشياً أفضل منه )(٢) .

وقال ابن حجر في الصواعق : ( وأخرج أبو نعيم والسلفي لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين ، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم ، فقال أهل الشام لهشام ، مَن هذا ؟ قال : لا أعرفه ؛ مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين ، فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثم أنشد :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلّهمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

إذا رأته قريشٌ قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

ينمي إلى ذروة العِزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ

ـــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٢) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ٦٩٢ .

٢٣

وكذا من أبيات تلك القصيدة :

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله

بجدّه أنبياءُ الله قد خُتموا

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف مَن أنكرت والعجمُ

ثم قال :

من معشرٍ حبّهم دين وبغضهم

كفرٌ وقربهم منجى ومعتصمُ

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

فلمّا سمع هشام غضب ، وحبس الفرزدق بعسفان )(١) .

الإمام الباقرعليه‌السلام :

قال في حقّه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ( وهو سيّد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ، وهو الملقّب بالباقر ، باقر العلم ، لقبّه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلق بعد ، وبشّر به ووعد جابر بن عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ .

٢٤

الله برؤيته ، وقال : ستراه طفلاً ، فإذا رأيته فبلّغه عنّي السلام ، فعاش جابر حتى رآه ، وقال له ما وصّى )(١) .

وقال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : ( ومنهم الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، كان من سلالة النبوّة ، وممّن جمع حسب الدين والأبوّة ، تكلّم في العوارض والخطرات ، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات )(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ( قال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ، يعني بالحكم الحكم بن عيينة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه )(٣) .

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ( سمّي بذلك ؛ لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وعرف خفيّه وهو تابعي جليل ، إمام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم )(٤) .

وقال ابن خلكان : ( كان الباقر علماً ، سيّداً ، كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر

ـــــــــــــ

(١) رسائل الجاحظ : ص ١٠٨ ؛ جمعها ونشرها حسن السندوبي .

(٢) حلية الأولياء ، أبو فرج الأصفهاني : ج ٣ ص ١٨٠ ، وكذا بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٩ .

(٣) تذكرة الخواص ، الذهبي : ص ٣٠٢ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات : ج ١ ص ١٠٣ .

٢٥

لأنّه تبقر في العلم )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( أبو جعفر الباقر : سيّد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة )(٢) ، وفي هذا المضمون ما قاله صلاح الدين الصفدي(٣) .

وقال محمد بن المنكدر : ( ما رأيت أحداً يفضّل على علي بن الحسين ، حتى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني )(٤) .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وهو تابعي جليل ، كبير القدر كثيراً ، أحد أعلام هذه الأُمّة ، علماً وعملاً ، وسيادة وشرفاً )(٥) .

وقال الهيتمي في صواعقه بعد أن ذكر علي بن الحسينعليهما‌السلام ما نصّه : ( وارثه منهم ، عبادة وعلماً وزهادة ، أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك : من بقر الأرض ، أي شقّها فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثَمّ قيل فيه : هو باقر العلم ، وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه صفا قلبه وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة ، وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك ، فقيل له وكيف

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٤ ص ٣٠ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصفدي : ج ٤ ص ١٠٤ .

(٤) نقلاً عن تهذيب التهذيب : ج ٩ ص ٣١٣ .

(٥) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٨ .

٢٦

ذاك ؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال :يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السلام ) (١) .

وقال أبو الحنبلي : ( قال عبد الله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده ، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ )(٢) .

وقال محمد بن علي الصبان في إسعاف الراغبين : ( وأما محمد الباقررضي‌الله‌عنه فهو صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته ، لقب بالباقر لأنّه بقر العلم ، أي شقّه وعرف أصله وخفيّه )(٣) .

الإمام الصادقعليه‌السلام :

نقل عن أبي حنيفة أنّه قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي ، فجلست ، ثم ألتفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

(٢) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب : ج ١ ص ٢٦٠ .

(٣) إسعاف الراغبين : ص ٢٥٠ .

٢٧

الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها : كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا وكذا ، ونحن نقول : كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية : ( لو لا السنتان لهلك النعمان )(٢) ، يعني السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقال الحافظ شمس الدين الجزري : ( وثبت عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة (رحمهما الله تعالى) صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حتى قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور )(٣) .

وقال الجاحظ بعد مدح عشرة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن ضمنهم الإمام الصادقعليه‌السلام فقال : ( ومن الذي يُعد من قريش ، أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك فمنهم خلفاء وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا بيوت العجم )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تهذيب الكمال ، المزي : ج ٥ ص ٧٩ ؛ نشر مؤسسة الرسالة .

(٢) نقلاً عن أسنى المطالب عمّا في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : ص ٥٥ .

(٣) المصدر نفسه : ص ٥٥ .

(٤) رسائل الجاحظ : ص ١٠٦ .

٢٨

وقال الذهبي في ترجمة مطوّلة للإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه تاريخ الإسلام ، قال في آخرها : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعمله وشرفه (رضوان الله عليه) )(١) .

وقال أبو عبد الله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان ، في أحداث سنة (٤٨ هـ) : ( الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام ، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أُولي المناقب ، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمس مائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( جعفر بن محمد المعروف بالصادق ، صدوق ، فقيه ، إمام )(٣) .

قال الملا أبو علي القاري في شرح الشفا : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق متفق على إمامته وجلالته وسيادته )(٤) .

وقال محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري في الكواكب الدريّة :

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة ١٤١ ـ ١٦٠) ، الذهبي : ص ٩٣ .

(٢) مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ١ ص ٢٣٨ .

(٣) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ١٦٣ .

(٤) شرح الشفا ، أبو علي القاري : ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٤ .

٢٩

 ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إماماً وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة منها أنّه سُعي به عند المنصور ، فلمّا حجّ أحضر الساعي ، وقال للساعي أتحلف ؟ قال : نعم ، فحلف ، فقال : جعفر المنصور حلّفه بما رآه ، فقال : قل برئت من حول الله وقوّته ، والتجأ إلى حولي وقوّتي ، لقد فعل جعفر كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، ثم حلف فمات مكانه ، ومنها أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل يصلّي ، ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجّة بموته ، ومنها أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمّه زيد :

صَلَبْنا لكم زيْداً على جِذْعِ نَخْلَةٍ

ولم نرَ مَهْديّاً على الجذْعِ يُصْلَبُ

قال اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك ، فافترسه الأسد )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان )(٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس المنذر ، أبو حاتم (ت ٢٧٧ هـ) : ( ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين )(٣) .

وقال الفخر الرازي في بيان معنى الكوثر : ( والقول الثالث : الكوثر

ـــــــــــــ

(١) الكواكب الدريّة : ص ٩٤ .

(٢) الصواعق ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٥ .

(٣) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء : ج ٦ ص ٢٧٠ .

٣٠

أولاده الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي قال : ( موسى الكاظم : وهو وارثه [ أي جعفر الصادق ] علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سُمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم .

وسأله الرشيد كيف قلتم : إنّا ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم أبناء علي ؟ فتلى :( ومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ ) (٢) ، [وعيسى] ليس له أب ، وأيضاً قال تعالى :( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدعُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) ، فكان الحسن والحسين هما الأبناء )(٤) .

وقال خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦) : ( كان من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل زمانه ، وأحد كبار العلماء الأجواد )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج ١٦ ص ١٢٥ .

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥ .

(٣) آل عمران : ٦١ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

(٥) الأعلام ، خير الدين الزركلي : ج ٧ ص ٣٢١ .

٣١

الإمام الرضاعليه‌السلام :

قال في حقّه ابن حبان (ت ٣٥٤ هـ) : ( وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلا أستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة ، وهذا شيء جرّبته (صلّى الله عليه وسلام الله عليه وعليهم أجمعين) )(١) .

وقال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في سير أعلام النبلاء : (علي الرضا الإمام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان ، يقال : أفتى وهو شاب في أيام مالك وقد كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة )(٢) .

وقال أيضاً : ( علي بن موسى الرضا كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته )(٣) .

وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه : ( كان يفتي في مسجد رسول

ـــــــــــــ

(١) الثقات ، الألباني : ج ٨ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٩ ص ٣٨٧ ـ ٣٩٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٢١ .

٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ابن نيّف وعشرين سنة )(١) .

الإمام الجوادعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( عُرف بأبي جعفر الثاني ، وهو وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر )(٢) .

وقال ابن الجوزي : ( كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود )(٣) .

وقال ابن تيمية : ( كان من أعيان بني هاشم معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سُمّي الجواد)(٤) .

وقال الذهبي : ( كان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقد أشار إلى فضله وشرفه صلاح الدين الصفدي في مرآة الجنان(٦) .

وقال الذهبي أيضاً : ( محمد الجواد من سادة قومه )(٧) .

وقال ابن الصباغ المالكي : ( وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر ، القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا )(٨) .

ـــــــــــــ

(١) نقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٧ ص ٣٣٩ .

(٢) مطالب السؤول في مناقب الرسول ، كمال الدين الشافعي : ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) تذكرة الخواص ، السبط ابن الجوزي : ص ٣٢١ .

(٤) منهاج السنّة ، ابن تيمية : ج ٤ ص ٦٨ .

(٥) تاريخ الإسلام: (حوادث ووفيات سنة ٢١١ ـ ٢٢٠) ، الذهبي : ص ٣٥٨ .

(٦) مرآة الجنان ، عبد الله بن أسعد المكي: ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦١ .

(٧) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٨) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، ابن الصباغ المالكي : ص ٢٥٣ .

٣٣

وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت ١٣٥٠ هـ) : ( محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمّة ومصابيح الأُمّة من سادات أهل البيت توفّى وله من العمر (٢٥) سنة وشهر رضي الله عليه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين ونفعنا ببركتهم آمين )(١) .

وقال محمود بن وهيب : ( وهو الوارث لأبيه علماً وفضلاً ، وأجلّ أخوته قدراً وكمالاً )(٢) .

وقال السيد محمد عبد الغفار الهاشمي الأفغاني : ( خاف الملك المعتصم على ذهاب ملكه إلى الإمام محمد الجوادعليه‌السلام إذ كان له قدر عظيم علماً وعملاً )(٣) .

الإمام الهاديعليه‌السلام :

قال في حقّه شمس الدين الذهبي في ( العبر ) : ( وفيها ـ أي سنة ٢٥٤ هجرية ـ توفّي أبو الحسن علي بن الجواد محمد ابن الرضا علي بن الكاظم موسى العلوي الحسيني المعروف بالهادي ، توفّي بسامراء وله أربعون سنة ، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً )(٤) . وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدهعليه‌السلام يستثمر الفرص لإبداء النصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال

ـــــــــــــ

(١) جامع كرامات الأولياء : ج١ : ص ١٦٨ ـ ١٦٩ .

(٢) أئمّتنا : محمد علي دخيل : ج ٢ ص ٢٠٦ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ١٢ ص ٤١٧ ، نقلاً عن كتاب أئمّة الهدى : ص ١٣٥ ـ ط ١ القاهرة .

(٤) العبر في أخبار مَن غبر : ج ١ ص ٢٢٨ ؛ وكذا مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ٢ ص ١١٩ .

٣٤

ابن خلكان في وفيات الأعيان : ( وهو أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية ، كان قد سُعي به إلى المتوكل ، وقيل : إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه ، فوجّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً ، فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثُل بين يديه ، والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعضمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده ، فقال : اعفني ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية للشعر ، قال : لابد أن تنشدني ، فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلبُ الرجال فما أغنتهم القللُ

واستُنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا

أين الأسرة والتيجان والحللُ

أين الوجوه التي كانت منعمةً

من دونها تُضرب الأستار والكللُ

٣٥

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا(١)

وبنفس هذا المضمون قال ابن الوردي في كتابه أخبار مَن غبر(٢) ، وكذا أبو صلاح الصفدي(٣) .

وقال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ( قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن علي بن محمد الهادي قد ضرب على الحرة بابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحلتها ، ولا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمدة إلاّ وله تفضلها وجملتها فكانت نفسه مهذّبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة جرى على الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة ، والخمول في النباهة على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة عليّة )(٤) .

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ( توفّى [ الجواد ] وعمره خمس وعشرون سنة عن ذكرين وبنتين أجلّهم علي العسكري وكان وارث أبيه علماً وسخاءً )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٣ ص ٢٣٨ ؛ دار الكتب العلمية .

(٢) العبر في أخبار من غبر: ج ١ ص ٣٦٤ .

(٣) الوافي بالوفيات ، الصفدي : ج ٢٢ ص ٧٢ ـ ٧٣ .

(٤) الفصول المهمّة : ص ٢٧٠ .

(٥) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣١٢ .

٣٦

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ( أبو الحسن المعروف بالهادي كان فقيهاً إماماً متعبّداً )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( وكذا ولده الملقّب بالهادي شريف جليل )(٢) .

الإمام العسكريعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( اعلم أنّ المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها ، وقلّده فريدها ، ومنحه تقليدها ، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها ، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها ، أنّ المهدي محمد من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه )(٣) .

وقال ابن الجوزي : (... كان عالماً ثقة )(٤) وقال ابن الصباغ المالكي : ( مناقب سيّدنا أبي محمد العسكري دالة على أنّه السري ابن السري ، فلا يشك في إمامته أحد ولا يمتري واحد زمانه من غير مدافع ، ويسبح وحده من غير منازع ، وسيد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة وأفعاله حميدة كاشف الحقائق بنظره الصائب ، ومظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه بالأمور الخفيات ، الكريم

ـــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ، عماد الحنبلي : ج ٢ ص ٢٧٢ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ج ٢ ص ١٤٨ .

(٤) تذكرة الخواص : ص ٣٢٤ .

٣٧

الأصل والنفس والذات ، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمين )(١) .

وقال العباس بن نور الدين المكي (ت ١١٨٠ هـ) : ( أبو محمد الإمام الحسن العسكري : نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر يعرف هو وأبوه بالعسكري ، وأمّا فضائله فلا يحصرها السن )(٢) .

وعن الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري : ( قال نسبه ولمّا ذاع خبر وفاته ارتجّت سُرّ مَن رأى وقامت صيحة واحدة ، وعطلت الأسواق ، وأغلقت الدكاكين ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة وسائر الناس إلى جنازته ، وكانت سرّ مَن رأى يومئذ شبيه بالقيامة )(٣) .

وقال الحضرمي الشافعي : ( أبو محمد الحسن الخالص بن علي العسكري ، كان عظيم الشأن جليل المقدار ووقع له مع المعتمد لما حبسه كرامة ظاهرة مشهورة )(٤)

وقد جمع مدحهمعليهم‌السلام الذهبي في عبارة جامعة حيث قال : ( إنّ بني هاشم أفضل القريش ، وقريشاً أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، كما صحّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في الحديث الصحيح :إنّ الله اصطفى بني

ـــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ص ٢٧٩ ؛ وقال بمضمونه نور الدين السمهودي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف .

(٢) حياة الإمام العسكري ، القرشي : ص ٦٩ .

(٣) شرح إحقاق الحق : ج ٢٩ ص ٦٠ ـ ٦١ ، نقلاً عن أحسن القصص : ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٤) قادتنا كيف نعرفهم ، السيد الميلاني : ج ٧ ص ١١٥ ، عن وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل : ص ٤٢٦ .

٣٨

إسماعيل ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش )(١) .

وقال الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام : ( ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة ، وأنّه صاحب الزمان ، وأنّه حي لا يموت ، حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً .

فوددنا ذلك ، والله .

فمولانا الإمام علي : من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك .

وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .

وكذلك ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون .

وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه .

وكذا ولده الملقّب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) رأس الحسين ، ابن تيمية : ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ ـ ١٢١ .

٣٩

ومن جميع ما تقدّم يتضح ـ لمَن له أذن واعية ـ بطلان المقولة القائلة بأنّ الإمامة لا فائدة منها ، وأنّ الأئمّة الاثني عشر من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) لم يمارسوا دورهم القيادي في الحكومة وهداية الأمة ؛ وذلك لقيام الأئمّة بمسؤوليتهم وأداء دورهم في حياة الأمة في الحفاظ على الرسالة ، وتحصينها ضد التردّي والسقوط في الهاوية .

وإنّ إقصاءهم عن تسلّم الحكم لا يعني تخلّيهم عن مسؤوليتهم في تحمّل أعباء الإمامة بما لها من أبعاد أخرى .

تراث زاخر

وأمّا قول المستشكل : أين هي أقوال أئمّة الاثني عشرية ؟

فنقول : ما عليك إلاّ بمراجعة يسيرة للتراث الشيعي حتى تجده زاخراً بروايات وتوصيات وتوجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في كل المجالات ، ولم تقتصر الاستفادة منها على شيعتهم وأتباعهم فقط ، وإنّما عمّت الفائدة لكل الطوائف الأخرى ، كما تقدّم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

النظر واجب بالعقل لا بالسمع

قال المصنّف ـ طاب رمسه ـ(١) :

المبحث الثاني

في أنّ النظر واجب بالعقل

الحقّ أنّ مدرك وجوب النظر عقليّ لا سمعي ، وإن كان السمع قد دلّ عليه أيضا بقوله تعالى : (قُلِ انْظُرُوا )(٢) .

وقال الأشاعرة قولا يلزم منه انقطاع حجج الأنبياء ، وظهور المعاندين عليهم ، وهم معذورون في تكذيبهم! مع إنّ الله تعالى قال : (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(٣)

فقالوا : إنّه واجب بالسمع لا بالعقل ، وليس يجب بالعقل شيء ألبتّة!(٤) .

فيلزمهم إفحام الأنبياء ، واندحاض حجّتهم ؛ لأنّ النبيّ إذا جاء إلى المكلّف فأمره بتصديقه واتّباعه ، لم يجب ذلك عليه إلّا بعد العلم بصدقه ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٠ ـ ٥١.

(٢) سورة يونس ١٠ : ١٠١.

(٣) سورة النساء ٤ : ١٦٥.

(٤) الملل والنحل ١ / ٨٨ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٦٤ ـ ٦٥ ، شرح المقاصد ١ / ٢٦٢ ، شرح المواقف ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

١٤١

إذ بمجرّد الدعوى لا يثبت صدقه ، بل ولا بمجرّد ظهور المعجزة على يده ما لم ينضمّ إليه مقدّمات

منها : إنّ هذه المعجزة من عند الله تعالى.

[ومنها : إنّه تعالى ] فعلها لغرض التصديق.

ومنها : إنّ كلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق

لكنّ العلم بصدقه حيث يتوقّف على هذه المقدّمات النظرية ، لم يكن ضروريا ، بل يكون نظريّا.

فللمكلّف أن يقول : لا أعرف صدقك إلّا بالنظر ، والنظر لا أفعله إلّا إذا وجب عليّ وعرفت وجوبه ، ولم أعرف وجوبه إلّا بقولك ، وقولك ليس بحجّة عليّ قبل العلم بصدقك!

فتنقطع حجّة النبيّ ، ولا يبقى له جواب يخلص به ، فتنتفي فائدة بعثة الرسل ، حيث لا يحصل الانقياد إلى أقوالهم ، ويكون المخالف لهم معذورا.

وهذا هو عين الإلحاد والكفر! نعوذ بالله منه.

فلينظر العاقل المنصف [ من نفسه ] ، هل يجوز له اتّباع من يؤدّي مذهبه إلى الكفر؟!

وإنّما قلنا بوجوب النظر ؛ لأنّه دافع للخوف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة.

١٤٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ النظر في معرفة الله واجب بالإجماع ، والاختلاف في طريق ثبوته.

فعند الأشاعرة طريق ثبوته : السمع ، لقوله تعالى : (انْظُرُوا )(٢) ؛ ولأنّ معرفة الله واجبة إجماعا ، وهي لا تتمّ إلّا بالنظر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، ومدرك هذا الوجوب هو السمع كما سيتحقّق بعد هذا.

وأمّا المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية(٣) ، فهم أيضا يقولون بوجوب النظر ، لكن يجعلون مدركه العقل لا السمع(٤) .

ويعترضون على الأشاعرة بأنّه لو لم يجب النظر إلّا بالشرع لزم إفحام

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٥١ ـ ١٥٥.

(٢) سورة يونس ١٠ : ١٠١.

(٣) إنّ القول بأنّ الإمامية تبع للمعتزلة في علم الكلام ، وأنّهم متّفقون معهم في العقيدة ، قول باطل لا أساس له من الصحّة جملة وتفصيلا

فللإمامية رأيهم المستقلّ ، ومن الخطأ في التعليل والاعتباط في الرأي أن نجعل موافقة الإمامية للمعتزلة دليلا على تأثّرهم بهم ، أو حضور إماميّ عند معتزليّ شاهدا على استجداء العقيدة واستماحة الفكر ، بل إنّ الاحتكاك الفكري هو الذي ينمّي التفكير ويصحّح طرق الاستدلال ويقصّر السبل ويسهّلها ؛ وقد نشأ علم الكلام واستقرّت طرقه ومناهجه عند الإمامية قبل غيرهم.

وقد فصّل البحث في ذلك سماحة الشيخ محمّد رضا الجعفري ـ حفظه الله ـ في مقاله : « الكلام عند الإمامية » المنشور في مجلّة « تراثنا » ، العددين ٣٠ ـ ٣١ ، ص ١٤٤ ـ ٢٩٩ ؛ فراجع.

(٤) شرح الأصول الخمسة : ٤٢ ـ ٤٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٦٧ ـ ١٧١.

١٤٣

الأنبياء ، وعجزهم عن إثبات نبوّتهم في مقام المناظرة كما ذكره من الدليل.

والجواب من وجهين :

[ الجواب ] الأوّل : النقض :

وهو : إنّ ما ذكرتم من إفحام الأنبياء ، مشترك بين الوجوب الشرعي ـ الذي هو مذهبنا ـ ، والوجوب العقلي ـ الذي هو مذهبكم ـ ، فما [ هو ] جوابكم فهو جوابنا!

وإنّما كان مشتركا ، إذ لو وجب النظر بالعقل فوجوبه ليس ضروريا ، بل بالنظر فيه ، والاستدلال عليه بمقدّمات مفتقرة إلى أنظار دقيقة من أنّ المعرفة واجبة ، وأنّها لا تتمّ إلّا بالنظر ، وأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب

فيقول المكلّف حينئذ : لا أنظر أصلا ما لم يجب ، ولا يجب ما لم أنظر ، فيتوقّف كلّ واحد من وجود النظر مطلقا ، ووجوبه على الآخر.

لا يقال : إنّه يمكن أن يكون وجوب النظر فطريّ القياس ، فيضع النبيّ للمكلّف مقدّمات ينساق ذهنه إليها بلا تكلّف ، ويفيده العلم بذلك ـ يعني بوجوب النظر ضرورة ـ ، فيكون الحكم بوجوب النظر ضروريا محتاجا إلى تنبيه على طرفيه.

لأنّا نقول : كونه فطريّ القياس مع توقّفه على ما ذكرتموه من المقدّمات الدقيقة الأنظار ، باطل.

وعلى تقدير صحّته ـ بأن يكون هناك دليل آخر ـ فللمكلّف أن لا يستمع إليه وإلى كلامه الذي أراد تنبيهه به ، ولا يأثم بترك النظر أو الاستماع ، إذ لم يثبت بعد وجوب شيء أصلا ، فلا يمكن الدعوة وإثبات

١٤٤

النبوّة ، وهو المراد بالإفحام.

والجواب الثاني : الحلّ :

وهو أن يقال : [ النبيّ له أن يقول ] ـ إذا قال المكلّف : لا أعرف صدقك إلّا بالنظر ، والنظر لا أفعله إلّا إذا وجب عليّ وعرفت وجوبه ـ:

إنّ الوجوب عليك محقّق بالشرع في نفس الأمر ، ولكن لا يلزم أن تعرف ذلك الوجوب.

فإن قال : الوجوب موقوف على علمي به.

قلنا : لا يتوقّف ؛ إذ العلم بالوجوب موقوف على الوجوب ، فلو توقّف الوجوب على العلم بالوجوب لزم الدور ، فليس الوجوب في نفس الأمر موقوفا على العلم بالوجوب.

فإن قال : ما لم أعرف الوجوب لم أنظر.

قلنا : ماذا تريد بالوجوب الذي ما لم تعرفه لم تنظر؟!

فإن قال : أريد بالوجوب ما يكون ترك الواجب به إثما وفعله ثوابا.

قلنا : فقد أثبتّ الشرع حيث قلت بالثواب ، وإلّا فبطل قولك :

« ووجوبه لا أعرفه إلّا بقولك » ، فاندفع الإفحام.

وإن قال : أردت بالوجوب ما يكون ترك الواجب به قبيحا لا يستحسنه العقلاء ، ويترتّب عليه المفسدة ، فيرجع إلى استحسان العقل.

قلنا : فأنت تعرف هذا الوجوب إذا راجعت العقلاء ، وتأمّلت فيه بعقلك ، فإنّ كلّ عاقل يعرف أنّ ترك النظر في معرفة خالقه ـ مع بثّ النعم ـ

١٤٥

قبيح ، وفيه مفسدة ، فبطل قوله : « ولم أنظر ما لم أعرف الوجوب » ، واندفع الإفحام.

لا يقال : هذا الوجه الثاني هو عين [ القول ب‍ ] الحسن والقبح العقليّين ، وليس هذا مذهب الأشاعرة ، بل هذا إذعان لمذهب المعتزلة ومن تابعهم.

قلنا : لأنّا نقول : ليس هذا من الحسن والقبح اللذين وقع فيهما المنازعة أصلا ؛ لأنّ الحسن والقبح ، بمعنى تعلّق المدح والثواب والذمّ والعقاب ، هو محلّ النزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعيّ ، وعند المعتزلة عقليّ.

وأمّا الحسن والقبح ، بمعنى ملاءمة الغرض ومنافرته ، وترتّب المصلحة والمفسدة عليهما ، فهما عقليّان بالاتّفاق ؛ وهذا من ذاك الباب ، وسنبيّن لك [ حقيقة ] هذا المبحث في فصل الحسن والقبح إن شاء الله تعالى.

ثمّ اعلم أنّا سلكنا في دفع لزوم الإفحام [ عن الأنبياء ] مسلكا لم يسلكه قبلنا أحد من السلف ، وأكثر ما(١) اطّلعنا عليه من كلامهم لم يفد دفع الإفحام ، كما هو ظاهر على من يراجع كلامهم ، والله العالم.

إذا عرفت هذا ، علمت أنّ الإفحام مندفع على تقدير القول بالوجوب الشرعي في هذا المبحث ، فأين الانجرار إلى الكفر والإلحاد؟!

ثمّ إنّ من غرائب طامّات هذا الرجل أنّه أورد شبهة على كلام الأشاعرة ، وهي مندفعة بأدنى تأمّل ، ثمّ رتّب عليه التكفير والتفسيق ، وهذا

__________________

(١) كان في الأصل : « من » ، وهو تصحيف ؛ والمثبت في المتن من المصدر.

١٤٦

غاية الجهل والتعصّب ، وهو رجل يريد ترويج طامّاته ليعتقده القلندرية والأوباش(١) ورعاع الحلّة من الرفضة والمبتدعة.

__________________

(١) الأوباش من الناس : الأخلاط والضروب المتفرّقون والسفلة ؛ انظر : الصحاح ٣ / ١٠٢٤ ، لسان العرب ١٥ / ٢٠٠ ، تاج العروس ٩ / ٢١٩ ، مادّة « وبش ».

١٤٧

وأقول :

إنّ الجواب النقضي إنّما يتوجّه إذا كان الدليل العقلي على الوجوب ـ نظريا أو ضروريا ـ محتاجا إلى تنبيه.

وأمّا إذا كان ضروريا غنيا عن التنبيه ، فلا ، كالدليل الذي ذكره المصنّف.

فإنّالمقدّمة الأولى منه ، وهي :

« إنّ النظر دافع للخوف » وجدانية ؛ لأنّ النظر إمّا أن يحصل به القطع المؤمّن للقاطع ، أو يوجب الأمان من جهله لو لم يقطع ؛ لأنّ النظر غاية المقدور.

والمقدّمة الثانية ، وهي :

« إنّ دفع الخوف واجب » ضرورية أوّلية ، لا تحتاج إلى التنبيه كالأولى.

فإن قلت :

أين الخوف حتّى يوجب دفعه؟!

قلت :

لا ريب أنّ كلّ عاقل يحتمل بالضرورة أنّ له ربّا لازم العبادة ، وأنّه يعاقبه بجهله فيه ، وترك النظر في معرفته ، والإخلال بعبادته ، فيحصل له الخوف بالضرورة ، فيحتاج إلى النظر ، ويجب عليه عقلا.

١٤٨

ولا يخفى أنّ الخصم أخذ هذا الجواب النقضي بعينه من « المواقف » وشرحها ، من غير تدبّر بعدم انطباقه على المورد ؛ لأنّ المصنّف ذكر لوجوب النظر دليلا ضروريا ، وما ذكره في « المواقف » دليل آخر نظريّ!

فرأى الخصم أنّ صاحب « المواقف » ذكر جوابا سمّاه نقضيا ، فأخذه بلفظه من غير معرفة بعدم انطباقه على الدليل الذي في الكتاب ، وأنّه لا يكون نقضا عليه ، وإنّما يكون نقضا على ما بيّنه في « المواقف ».

ثمّ إنّه قد ذكر في « المواقف » نظير الدليل البديهي المذكور ، وجعله دليلا على وجوب المعرفة عقلا ، لا على وجوب النظر ، فقال : « المعرفة دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف ، وهو ـ أي الخوف ـ ضرر ، ودفع الضرر عن النفس واجب [ عقلا ] »(١) .

ولو قال : المعرفة دافعة للخوف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة ؛ لكان أولى.

وأمّا ما ذكره في الحلّ :

فيرد عليه أمور :

الأوّل :

إنّ قوله : « الوجوب عليك محقّق بالشرع في نفس الأمر » كلام غير نافع ، وهو الذي اقتصر عليه علماء الأشاعرة ؛ لأنّ تحقّق وجوب النظر في الواقع وإن لم يتوقّف على العلم ، لكن لا يؤثّر في لزوم إطاعة المكلّف له

__________________

(١) المواقف : ٢٨ ـ ٣١ ، شرح المواقف ١ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

١٤٩

ما لم يعلمه ، فإنّ من لا يعرف الوجوب يكون معذورا في مخالفته وترك النظر ، فيلزم الإفحام.

ولو ادّعيت عدم المعذورية عقلا في مخالفة الوجوب الشرعي الواقعي ، بمجرّد احتمال المكلّف له ، رجعت إلى حكم العقل ، وصار المحرّك للمكلّف على النظر هو العقل لا الشرع.

وبالجملة : إنّما يرتفع الإفحام بعلم المكلّف بالوجوب ، لا بمجرّد وجوده في الواقع ، وقول مدّعي النبوّة لا يفيده العلم ، فلا يرتفع الإفحام ، بخلاف الدليل العقلي ، فإنّه يثبت الوجوب ، ويفيد العلم به ، فيرتفع الإفحام.

الثاني :

إنّه لا يلزم من قول المكلّف : « أريد بالوجوب ما يكون ترك الواجب به إثما وفعله ثوابا » أن يكون مثبتا للشرع ، مذعنا به ؛ لأنّ استعمال اللفظ في معنى لا يستلزم اعتقاد المستعمل بالمعنى ، بل يكفيه سماعه له مستعملا به عند أهل الشرع ، فإذا أراده صحّ كلامه من غير اعتقاد به ، ولزم الإفحام.

الثالث :

إنّ نتيجة قوله : « وإن قال : أردت بالوجوب ما يكون الواجب به قبيحا » إلى آخره ، أن يكون الوجوب عقليا ، وحينئذ ـ لو تمّ ـ لا يكون جوابا حلّيا عن إشكال الإفحام بناء على الوجوب الشرعي.

فظهر أنّ زيادة الخصم على جواب الأشاعرة بقوله : « فإن قال : ما لم أعرف الوجوب لم أنظر » إلى آخر جوابه ، زيادة لاغية لا تنفع

١٥٠

الأشاعرة ؛ لاشتمالها على مقدّمتين :

أولاهما : لا تدفع الإفحام.

والثانية : تجعل الوجوب عقليا كما عرفته في الأمرين الأخيرين.

واعلم أنّ دليل المصنّف العقلي كما يثبت وجوب النظر لمعرفة الله تعالى ، يثبت وجوب النظر لمعرفة النبيّ ، إلّا أنّ وجه الخوف مختلف ، ولا يبعد أنّ المصنّف أراد الأمرين كما هو ظاهر من كلامه.

والله العالم.

* * *

١٥١
١٥٢

المعرفة واجبة بالعقل

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

المبحث الثالث

في أنّ معرفة الله تعالى واجبة بالعقل

الحقّ أنّ وجوب معرفة الله تعالى مستفاد من العقل ، وإن كان السمع [ قد ] دلّ عليه ؛ لقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ )(٢) ؛ لأنّ شكر النعمة(٣) واجب بالضرورة ، وآثار النعمة علينا ظاهرة ، فيجب علينا أن نشكر فاعلها ، وإنّما يحصل بمعرفته ؛ ولأنّ معرفة الله دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة.

وقالت الأشاعرة : إنّ معرفة الله واجبة بالسمع لا بالعقل(٤) ، فلزمهم ارتكاب الدور ، المعلوم بالضرورة بطلانه ؛ لأنّ معرفة الإيجاب تتوقّف على معرفة الموجب ، فإنّ من لا نعرفه بشيء من الاعتبارات ألبتّة ، نعلم ـ بالضرورة ـ أنّا لا نعرف أنّه أوجب ، فلو استفيدت معرفة الموجب من معرفة الإيجاب لزم الدور المحال.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥١ ـ ٥٢.

(٢) سورة محمّد ٦ ٤٧ : ١٩.

(٣) في المصدر : المنعم.

(٤) الملل والنحل ١ / ٨٨ ، المواقف : ٢٨ ، شرح المواقف ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

١٥٣

وأيضا : لو كانت المعرفة إنّما تجب بالأمر ، لكان الأمر بها إمّا أن يتوجّه إلى العارف بالله تعالى ، أو إلى غير العارف ، والقسمان باطلان ، فتعليل الإيجاب بالأمر محال.

أمّا بطلان الأوّل ؛ فلأنّه يلزم منه تحصيل الحاصل ، وهو محال.

وأمّا بطلان الثاني ؛ فلأنّ غير العارف بالله يستحيل أن يعرف : أنّ الله قد أمره ، وأنّ امتثال أمره واجب.

وإذا استحال أن يعرف أنّ الله تعالى قد أمره ، وأنّ امتثال أمره واجب ، استحال أمره ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، وسيأتي بطلانه إن شاء الله تعالى.

١٥٤

وقال الفضل(١) :

لا بدّ في هذا المقام من تحرير محلّ النزاع أوّلا ، فنقول :

وجوب معرفة الله تعالى ـ الذي اختلف فيه ـ هل إنّه مستفاد من الشرع أو العقل؟

إن أريد به الاستحسان ، وترتّب المصلحة ، فلا يبعد أن يقال : إنّه مستفاد من العقل ؛ لأنّ شكر المنعم موقوف على معرفته ، والشكر واجب ـ بهذا المعنى ـ بالعقل ، ولا نزاع للأشاعرة في هذا.

وإن أريد به ما يوجب ترتّب الثواب والعقاب ، فلا شكّ أنّه مستفاد من الشرع ؛ لأنّ العقل ليس له أن يحكم بما يوجب الثواب عند الله.

والمعتزلة يوافقون أهل السنّة في أنّ الحسن والقبح ـ بهذا المعنى ـ مركوزان في العقل ، ولكنّ الشرع كاشف عنهما.

ففي المذهبين لا بدّ وأن يؤخذ(٢) من الشرع ، إمّا لكونه حاكما ، أو لكونه كاشفا(٣) .

فكلّ ما يرد على الأشاعرة في هذا المقام بقولهم : « إنّ الشرع حاكم بالوجوب دون العقل » يرد على المعتزلة بقولهم : « إنّ الشرع كاشف للوجوب » ؛ لأنّ في القولين لا بدّ من الشرع ليحكم أو يكشف.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) كان في الأصل : « يوجد » ، وهو تصحيف ؛ والمثبت في المتن من المصدر.

(٣) أي كاشفا عن حكم العقل بوجوب النظر.

١٥٥

ثمّ ما ذكر من أنّ معرفة الله دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف ، ودفع الخوف واجب بالضرورة

فنحن نقول فيه ـ بعد تسليم حكم العقل بالحسن والقبح في الأفعال ، وما يتفرّع عليهما من الوجوب والحرمة وغيرهما ـ : نمنع حصول الخوف المذكور ؛ لعدم الشعور بما جعلتم الشعور به سببا له من الاختلاف وغيره.

ودعوى ضرورة الشعور من العاقل ممنوعة ؛ لعدم الخطور في الأكثر ، فإنّ أكثر الناس لا يخطر ببالهم أنّ هناك اختلافا بين الناس في ما ( ذكروا : أنّ )(١) لهذه النعم منعما قد طلب منهم الشكر عليها ، بل هم ذاهلون عن ذلك ، فلا يحصل لهم خوف أصلا.

وإن سلّم حصول الخوف ، فلا نسلّم أنّ العرفان ـ الحاصل بالنظر ـ يدفعه ، إذ قد يخطئ فلا يقع العرفان على وجه الصواب ؛ لفساد النظر ، فيكون الخوف حينئذ أكثر.

ثمّ ما ذكر من لزوم الدور ، مندفع بأنّ وجوب المعرفة بالشرع في نفس الأمر ، لا يتوقّف على معرفة الإيجاب [ وإن توقّف على الإيجاب ] في نفس الأمر ، فلا يلزم الدور.

ثمّ ما ذكر من أنّ المعرفة لا تجب إلّا بالأمر ، والأمر إمّا أن يتوجّه إلى العارف أو الغافل ؛ وكلاهما باطل

فنقول في جوابه : المقدّمة الثانية القائلة : بأنّ تكليف غير العارف باطل لكونه غافلا ؛ ممنوعة

__________________

(١) في المصدر : « ذكر ، وأنّ ».

١٥٦

إذ شرط التكليف : فهمه وتصوّره ، لا العلم والتصديق به ؛ لأنّ الغافل من لا يفهم الخطاب ، أو لم يقل له : إنّك مكلّف ؛ فتكليف غير العارف ليس من المحال في شيء ؛ والله أعلم.

١٥٧

وأقول :

لا يخفى أنّ معنى الوجوب هو : لزوم الفعل ، وعبّر بعضهم بطلب الفعل مع المنع من الترك ، وهذا ممّا لا يشتبه في نفسه على أحد ، ولا في كونه ـ هو دون غيره ـ محلّ النزاع ، فأيّ وجه لتركه؟!

والترديد في معنى الوجوب بين أمرين لا ربط لهما بالمقصود ، اللهمّ إلّا أن يريد الترديد في سبب الوجوب العقلي ودليله ، لا في معناه ، فهو حسن إذا كان غرضه ـ من الشقّ الأوّل في الترديد ـ تسليم الدليل الأوّل الذي استدلّ به المصنّف ، مع إرادة الخصم بالاستحسان هو الاستحسان على وجه اللزوم.

لكنّ دعوى تسليم الأشاعرة لهذا الدليل ، وعدم النزاع لهم في وجوب شكر المنعم ، غير صحيحة ، لا سيّما إذا أريد به إثبات وجوب المعرفة عقلا.

فإنّهم أنكروا وجوب المعرفة عقلا ـ كما سمعت ـ ، وأنكروا وجوب شكر المنعم عقلا ، مدعين :

أوّلا : إنّه تصرّف في ملك الغير ، فلا يجوز بدون إذنه.

وثانيا : إنّه لو وجب عقلا ، فإن كان لا لفائدة ، يلزم العبث ؛ وإن كان لفائدة : إمّا في الدنيا ، وأنّه مشقّة ؛ أو في الآخرة ، ولا استقلال للعقل فيها.

ويرد على الأوّل : إنّهم إن أرادوا بملك الغير : الجوارح والقوى المدركة ؛ ففيه : إنّ الله سبحانه إنّما خلقها ليتصرّف بها صاحبها ، إلّا أن

١٥٨

يثبت منع الشرع في مورد فيستثنى.

وإن أرادوا به أفعال العبد ؛ فهي عندهم مخلوقة لله تعالى ، فلا تصرّف للعبد فيها ، على إنّ الأصل الإباحة عند الشكّ كما حقّق في أصول الفقه(١) .

ويرد على الثاني : إنّا نختار أنّه لفائدة الشاكر ، سواء قلنا : إنّها في الدنيا ؛ لأنّ المشقّة لا يلتفت إليها في جنب الفائدة ، كيف؟! ولا تحصل فائدة غالبا بدون مشقّة

أم في الآخرة ؛ لأنّ العقل مستقلّ بها ، وحاكم بالثواب عند الله تعالى ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وأمّا قوله : « وإن أريد به ما يوجب ترتّب الثواب والعقاب ، فلا شكّ أنّه مستفاد من الشرع »

فهو خارج عن المقام ؛ لأنّ الكلام إنّما هو في أصل الوجوب العقلي ودليله ، ولا ربط له بمسألة استحقاق الثواب والعقاب على طاعة التكاليف الشرعية ومخالفتها.

كما إنّ قولنا بالاستحقاق لا يتوقّف على كشف الشرع بالضرورة.

وكيف كان ، فإن أقرّ الخصم بوجوب معرفة الله تعالى عقلا ، وأنّ العقل ملزم للإنسان بالمعرفة وإن لم يعرف الشرع ، لوجوب شكر المنعم عقلا ، الموقوف على المعرفة ، فهو المطلوب.

__________________

(١) انظر : المستصفى من علم الأصول ١ / ٧٥ ، إرشاد الفحول : ٤٧٣ ، المواهب السنية ـ المطبوع بهامش الأشباه والنظائر ، للسيوطي ـ : ٨٣ ، العدّة في أصول الفقه ٢ / ٧٤١ ـ ٧٥١ ، كفاية الأصول : ٣٣٨ و ٣٥٥.

١٥٩

ولكنّ أصحابه لا يعترفون به وإن أنكر ذلك تبعا لأصحابه! فما هذه التفاصيل الخارجة عن المقصود ، والأغاليط التي لا يعرف معناها ، ولا نتيجة لها ، إلّا تشويش الكلام وتلبيس الحقّ!

ومن جملة الخبط في كلامه قوله : « والمعتزلة يوافقون أهل السنّة في أنّ الحسن والقبح بهذا المعنى مركوزان في العقل »

فإنّ حقّ العبارة أن يقول : « ثابتان بالشرع » ، بدلا عن قوله :

« مركوزان في العقل » ؛ لأنّ الأشاعرة لا يقولون بالثواب والعقاب عقلا(١) .

وأمّا ما أجاب به عن الدليل الثاني الذي ذكره المصنّف ، فهو عين لفظ « المواقف » وشرحها ، من قوله : « نحن نقول بعد تسليم » إلى قوله :

« فيكون الخوف حينئذ أكثر »(٢)

ويرد عليه أوّلا : إنّ منع حصول الخوف بدعوى عدم شعور الناس بسببه وهو « الاختلاف » خطأ ظاهر ، سواء أراد المصنّف بالاختلاف ، الاختلاف في وجود الله تعالى ، أم في أنّ لهذه النعم منعما.

وذلك لأنّ الاختلاف في الأمرين أظهر الوجدانيات والمشاهدات ، وأبين محالّ الخلاف في الديانات ، فكيف يمكن أن لا يشعر به الناس؟!

نعم ، ربّما لا يبالي الناس بالجهل ومقتضى الخوف ، وهو أمر آخر.

ويرد عليه ثانيا : إنّ تقييد المنعم بأنّه قد طلب الشكر عليها ، خطأ آخر ؛ لمنافاته لمذهبنا ، وهم يريدون حكاية دليلنا ، فإنّا نقول : إنّ وجوب شكر المنعم عقلي لا شرعي ، وإنّما الشرع مؤكّد(٣) .

__________________

(١) الملل والنحل ١ / ٨٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٣.

(٢) المواقف : ٣١ ، شرح المواقف ١ / ٢٧٠.

(٣) انظر : الذخيرة في علم الكلام : ١٧٠ ـ ١٧١.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456