دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق17%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140812 / تحميل: 5339
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وثالثا : إنّ عدم تسليم كون العرفان الحاصل بالنظر دافعا للخوف ، لاحتمال فساد النظر ، خطأ ثالث ؛ لأنّ كلّ قاطع لا يتصوّر حين قطعه أنّه مخطئ ، ولا يحتمل فساد نظره ، إذ يرى أنّه قد انكشف له الواقع ، وإلّا لم يكن قاطعا(١) ، فكيف لا يرتفع خوفه وإن كان مخطئا في نفس الأمر والواقع؟!

بل عرفت في المبحث السابق(٢) أنّ النظر دافع للخوف وإن لم يؤدّ إلى القطع ؛ لأنّه غاية المقدور.

فإن قلت :

المقصود : إنّ من يريد النظر يحتمل أنّه على تقدير قطعه يكون مخطئا ، فلا يكون الإقدام على النظر مؤمّنا من الخطأ ودافعا للخوف حتّى يجب.

قلت :

إنّه وإن احتمل ذلك ، إلّا أنّه يعلم بانتفاء الخوف معه ، لعلمه بكون القاطع معذورا وإن أخطأ ، فالإنسان بدون النظر في خوف ، ومع النظر يحصل له الأمان ، لعلمه بأنّه إمّا أن يحصل له القطع ، أو لا.

وعلى التقديرين يكون معذورا آمنا ؛ لأنّ ذلك غاية مقدوره.

وأمّا ما ذكره في دفع الدور ، فلا ربط له بمقدّمتي الدور اللتين

__________________

(١) انظر : كفاية الأصول : ٢٥٨.

(٢) انظر الصفحة ١٤٨.

١٦١

ذكرهما المصنّف

لأنّ الأولى قائلة : إنّ معرفة الإيجاب متوقّفة على معرفة الموجب.

والثانية قائلة : إنّ معرفة الموجب متوقّفة على معرفة الإيجاب.

وصريح ما ذكره الفضل منع توقّف وجوب المعرفة على معرفة الإيجاب ، وهو أجنبي عن المقدّمتين.

وأمّا ما ذكره بالنسبة إلى تكليف غير العارف ، فممّا تلقّنه من « المواقف » وشرحها بلفظه ، من دون معرفة بعدم صلوحه للجواب ، فإنّه يرد عليه أمور :

الأوّل : إنّه غير مرتبط بمراد المصنّف ؛ لأنّه أراد بغير العارف من لم يعرف الله تعالى ، لا الغافل عن التكليف.

الثاني : إنّه زعم أنّ شرط التكليف فهمه ، وفسّر الغافل بمن لا يفهم الخطاب ، ثمّ حكم بأنّ تكليفه غير محال ؛ وهو تناف ظاهر ؛ لأنّه إذا اشترط في التكليف فهمه ، وكان الغافل لا يفهم الخطاب ، فكيف يجوز تكليفه؟!

الثالث : إنّ كلام المصنّف اشتمل على مقدّمتين لا ربط لجواب الفضل بهما :

الأولى : إنّ غير العارف بالله ـ بما هو غير عارف به ـ يستحيل أن يعرف أنّ الله قد أمره ، وأنّ امتثال أمره واجب.

الثانية : إنّه إذا استحال ذلك استحال أمر الله تعالى ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق.

ومن الواضح أنّ ما ذكره لا يصلح أن يكون ردّا لإحدى المقدّمتين لو كان له معنى!

١٦٢

مباحث الصفات الإلهيّة

١٦٣
١٦٤

الله تعالى قادر على كلّ مقدور

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المسألة الثالثة

في صفاته تعالى

وفيها مباحث :

[ المبحث ] الأوّل

إنّه تعالى قادر على كلّ مقدور

الحقّ ذلك ؛ لأنّ المقتضي لتعلّق القدرة بالمقدور هو الإمكان ، فيكون الله تعالى قادرا على جميع المقدورات.

وخالف في ذلك جماعة من الجمهور :

فقال بعضهم : إنّه لا يقدر على مثل مقدور العبد(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٣ ـ ٥٤.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٠ ، المواقف : ٢٨٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٠٠ ، شرح المواقف ٨ / ٦٣ ؛ والقول لأبي القاسم البلخي.

١٦٥

وقال آخرون : إنّه تعالى لا يقدر على غير(١) مقدور العبد(٢) .

وقال آخرون : إنّه تعالى لا يقدر على القبيح(٣) .

وقال آخرون : إنّه لا يقدر أن يخلق فينا علما ضروريا يتعلّق بما علمناه مكتسبا(٤) .

وكلّ ذلك بسبب سوء فهمهم ، وقلّة تحصيلهم!

والأصل في هذا أنّه تعالى واجب الوجود ، وكلّ ما عداه ممكن ، وكلّ ممكن فإنّه إنّما يصدر عنه ، ( أو يصدر عمّا يصدر عنه )(٥) .

ولو عرف هؤلاء الله تعالى حقّ معرفته لم تتعدّد آراؤهم ، ولا تشعّبوا بحسب ما تشعّبت أهواؤهم.

__________________

(١) كذا في الأصل والمصدر ، وفي أغلب المصادر المنقول عنها : « عين » ، وفي بعضها : « نفس » ؛ فلاحظ!

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٦٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤١ ، المواقف : ٢٨٤ ، شرح المواقف ٨ / ٦٤ ؛ والقول لأبي علي وأبي هاشم الجبّائيّين.

(٣) الملل والنحل ـ للبغدادي ـ : ٩١ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ / ١٣٠ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٤٧ ـ ٤٨ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٠ ، المواقف : ٢٨٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٠٠ ، شرح المواقف ٨ / ٦٣ ؛ والقول للنظّام.

(٤) لعلّ هذا هو قول عبّاد بن سليمان ، تلميذ هشام الفوطي ؛ فانظر مؤدّاه في : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ / ١٣٣.

(٥) ما بين القوسين ليس في المصدر.

١٦٦

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ قدرته تعالى تعمّ سائر المقدورات ، والدليل عليه : إنّ المقتضي للقدرة هو الذات ، والمصحّح للمقدورية هو الإمكان ، ونسبة الذات إلى جميع الممكنات على السواء ، فإذا ثبتت قدرته على بعضها ثبتت على كلّها(٢) .

هذا مذهبهم ، وقد وافقهم الإمامية في هذا وإن خالفهم المعتزلة.

فقوله : « خالف في ذلك جماعة من الجمهور » إن أراد به الأشاعرة فهو افتراء ، وإن أراد به غيرهم فهو تلبيس ، وإراءة للطالبين أنّ مذهبهم هذا ؛ لأنّ « الجمهور » ـ في هذا الكتاب ـ لا يطلقه إلّا على الأشاعرة ، وبالجملة : تعصّبه ظاهر ، وغرضه غير خاف.

وأمّا قول بعضهم : إنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد ؛ فهو مذهب أبي القاسم البلخي(٣) .

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٦٤ ـ ١٦٥.

(٢) المواقف : ٢٨٣ ، شرح المواقف ٨ / ٦٠.

(٣) وأبو القاسم البلخي هو : عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي ، ولد عام ٢٧٣ ه‍ ، من متكلّمي المعتزلة البغداديّين ، ومن نظراء أبي علي الجبّائي ، صنّف في الكلام كتبا كثيرة ، منها : كتاب المقالات ، وكتاب الغرر ، والتفسير الكبير ، وغيرها.

يقال إنّه كان رئيسا لفرقة من المعتزلة تدعى الكعبية نسبت إليه ، أقام في بغداد ، وعاد إلى بلخ خراسان حتّى توفّي فيها سنة ٣١٩ وقيل ٣٢٩ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ٩ / ٣٨٤ رقم ٤٩٦٨ ، وفيات الأعيان ٣ / ٤٥ رقم ٣٣٠ ، سير

١٦٧

وأمّا أنّه تعالى لا يقدر أن يخلق فينا علما ضروريا ، فهو مذهب جماعة مجهولين ، ولم أعرف من نقله سوى هذا الرجل ، والحقّ ما قدّمناه.

__________________

أعلام النبلاء ١٤ / ٣١٣ رقم ٢٠٤ ، لسان الميزان ٣ / ٢٥٥ رقم ١١٠٣ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٨١ حوادث سنة ٣١٩ ه‍.

١٦٨

وأقول :

لا يخفى أنّالمقدّمة الأولى من دليلهم ـ المذكور ـ القائلة : « إنّ المقتضي للقدرة هو الذات » مبنية على إنّ صفاته تعالى غير ذاته ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّها عين ذاته.

كما أنّالمقدّمة الثانية القائلة : « المصحّح للمقدورية هو الإمكان » مستلزمة للدور أو التسلسل ؛ لأنّ صفاته سبحانه عندهم ممكنة ، ومنها القدرة ، فيلزم أن تكون القدرة مقدورة ، وهو دور أو تسلسل.

وأمّاالمقدّمة الثالثة القائلة : إنّ نسبة الذات إلى جميع الممكنات على السواء ، فمحلّ إشكال ؛ كيف؟! واقتضاء الذات لصفاتها الممكنة عندهم بالإيجاب ، ولباقي الممكنات بالاختيار ؛ فتختلف النسبة.

وعليه : فمن الجائز أن تكون مقدورية بعض الممكنات للذات مشروطة بشرط منتف ، أو أنّ لمقدوريّتها لها مانعا ، فلا يثبت عموم قدرته.

فالأولى الاستدلال عقلا لعموم قدرته تعالى ، بما ذكره المصنّف من أنّ المقتضي ـ أي العلّة ـ لتعلّق القدرة بالمقدور هو الإمكان ، ضرورة توقّف ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر على القدرة.

فإن قلت :

إنّما يثبت بهذا الدليل عموم مقدورية الممكنات لا عموم قدرته تعالى ، إذ لو أثبت عمومها لأثبت عموم قدرة العبد أيضا ، لجريان الدليل بعينه فيها ، فيجوز أن يكون بعض الممكنات مقدورا لله تعالى ، وبعضها

١٦٩

مقدورا للعبد خاصة لاختلاف الخصوصيات.

قلت :

الإمكان يستدعي الحاجة إلى المؤثّر والانتهاء إلى الواجب تعالى ، فيصلح هذا الدليل دليلا لعموم قدرته تعالى ، بلحاظ ما يستتبعه الإمكان من حاجة كلّ ممكن إليه عزّ وجلّ ، لا بلحاظ ذات الإمكان فقط حتّى يلزم عموم قدرة العبد أيضا.

فإن قلت :

الحاجة إنّما تقتضي تأثّر الممكن عن الواجب ـ ولو بنحو الإيجاب ـ فلا يلزم عموم قدرته لكلّ ممكن ، لجواز كونه سبحانه موجبا لبعض الممكنات كما يقوله الأشاعرة في صفات الباري سبحانه(١) ، والإيجاب مناف للقدرة على الصحيح ، لاعتبار أن تكون صالحة للفعل والترك.

قلت :

لا يصحّ فرض كونه تعالى موجبا ، لاستلزامه تعدّد القدماء ، وهو باطل ، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.

وأمّا قوله : « إن أراد به الأشاعرة فهو افتراء ، وإن أراد به غيرهم فهو تلبيس »

__________________

(١) المواقف : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، شرح المواقف ٨ / ٥٦ ـ ٥٩.

١٧٠

ففيه :

إنّه أراد به من قدّموا على أمير المؤمنين ٧ غيره ، لتصريحه في المبحث الآتي بأنّ أبا هاشم(١) من الجمهور ، وفي مباحث البقاء ، بأنّ النظّام(٢) منهم ، مع إنّهما من المعتزلة ، فلا تلبيس منه.

هذا ، وللقوم أقوال أخر لم يتعرّض لها المصنّف ، ذكر في « المواقف » بعضها(٣) ، وذكر ابن حزم في أواخر الجزء الثاني من « الملل والنحل » جملة منها(٤) .

__________________

(١) هو : عبد السّلام بن أبي علي محمّد بن عبد الوهّاب بن سلام الجبّائي المعتزلي ، ولد سنة ٢٤٧ ، كان هو وأبوه من كبار المعتزلة ، له تصانيف كثيرة ، منها : كتاب الجامع الكبير ، كتاب العرض ، وكتاب المسائل العسكرية ، توفّي في بغداد سنة ٣٢١ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ١١ / ٥٥ ـ ٥٦ رقم ٥٧٣٥ ، وفيات الأعيان ٣ / ١٨٣ ـ ١٨٤ رقم ٣٨٣ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٦٣ ـ ٦٤ رقم ٣٢ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٨٩ حوادث سنة ٣٢١ ه‍.

(٢) هو : أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هانئ النظّام البصري ، كان مولى للزياديّين ، وهو من ولد العبيد قد جرى عليه الرقّ في أحد آبائه ، كان من شيوخ المعتزلة ، وهو شيخ الجاحظ ، له تصانيف ، منها : الطفرة ، الجواهر والأعراض ، حركات أهل الجنّة ، كتاب الوعيد ، وكتاب النبوّة.

كان متكلّما أديبا ، وشاعرا بليغا ، وله شعر دقيق المعاني على طريقة المتكلّمين ، وقيل : إنّه كان نظّاما للخرز في سوق البصرة ، توفّي سنة بضع وعشرين ومائتين ، وقيل : سنة ٢٣١ ه‍.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، الفرق بين الفرق : ١١٣ ـ ١١٤ ، تاريخ بغداد ٦ / ٩٧ ـ ٩٨ رقم ٣١٣١ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٤١ رقم ١٧٢ ، لسان الميزان ١ / ٦٧ رقم ١٧٣.

(٣) المواقف : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٦٣.

(٤) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٦٨ ـ ٧٠ وج ٣ / ١٢٨ وما بعدها.

١٧١

وحكى نصير الدين الطوسي في كتاب « قواعد العقائد » القول بأنّه تعالى لا يقدر أن يخلق فينا علما يتعلّق بما علمناه مكتسبا(١) .

واعلم أنّ قولنا : بأنّه تعالى قادر على القبيح ؛ لا دخل له بالوقوع ، فإنّ القدرة على الشيء بما هو ممكن بالذات لا تنافي امتناعه أو وجوبه بالغير ، وهو ظاهر.

ويدلّ من النقل على عموم قدرته تعالى ، مثل قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(٢) .

__________________

(١) انظر مؤدّاه في قواعد العقائد : ٤٤٦ ، وراجع الصفحة ١٦٦ الهامش ٤ من هذا الجزء.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٨٤ ، سورة آل عمران ٣ : ٢٩ و ١٨٩ ، سورة المائدة ٥ : ١٧ و ١٩ و ٤٠ ، سورة الأنفال ٨ : ٤١ ، سورة التوبة ٩ : ٣٩ ، سورة الحشر ٥٩ : ٦.

١٧٢

الله تعالى مخالف لغيره

قال المصنّف ـ طيّب الله ضريحه ـ(١) :

المبحث الثاني

في أنّه تعالى مخالف لغيره

العقل والسمع متطابقان على عدم ما يشبهه تعالى ، فيكون مخالفا لجميع الأشياء بنفس حقيقته.

وذهب أبو هاشم ـ من الجمهور ـ وأتباعه إلى أنّه تعالى يخالف ما عداه بصفة الإلهية ، وأنّ ذاته مساوية لغيره من الذوات(٢) .

وقد كابر الضرورة ـ ها هنا ـ الحاكمة بأنّ الأشياء المتساوية يلزمها لازم واحد ، لا يجوز اختلافها فيه.

فلو كانت ذاته تعالى مساوية لغيره من الذوات ، لساواها في اللوازم ، فيكون القدم ، أو الحدوث ، أو التجرّد ، أو المقارنة إلى غير ذلك من اللوازم ، مشتركا بينها وبين الله ؛ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

ثمّ إنّهم ذهبوا مذهبا غريبا عجيبا! وهو : إنّ هذه الصفة الموجبة

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٤.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ١٣٨ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٢٣ ، المواقف : ٢٦٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٥.

١٧٣

للمخالفة غير معلومة ، ولا مجهولة ، ولا موجودة ، ولا معدومة!(١) .

وهذا الكلام غير معقول ، وفي غاية السفسطة(٢) .

* * *

__________________

(١) الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٦٩.

(٢) في المصدر : السقوط.

١٧٤

وقال الفضل(١) :

مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري : إنّ ذاته تعالى مخالفة لسائر الذوات ، والمخالفة بينه وبينها لذاته المخصوصة لا لأمر زائد عليه(٢) .

وهكذا ذهب إلى أنّ : المخالفة بين كلّ موجودين من الموجودات إنّما هي بالذات ، وليس بين الحقائق اشتراك إلّا في الأسماء والأحكام دون الأجزاء المقوّمة(٣) .

وقال قدماء المتكلّمين : ذاته تعالى مماثلة لسائر الذوات في الذاتية والحقيقة ، وإنّما يمتاز عن سائر الذوات بأحوال أربعة : الوجوب ، والحياة ، والعلم التامّ ، والقدرة التامّة(٤) .

وأمّا عند أبي هاشم : فإنّه يمتاز عمّا عداه من الذوات بحالة خاصة خامسة ، هي الموجبة لهذه الأربعة ، تسمّى ب‍ « الإلهيّة »(٥) ، وهذا مذهب أبي هاشم ، وهو من المعتزلة.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧١ ـ ١٧٢.

(٢ ـ ٥) تجد هذه الآراء في الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩ المسألة الخامسة ، المواقف : ٢٦٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٤ ـ ١٥.

١٧٥

وأقول :

هذا كلّه من كلام « المواقف » وشرحها إلى قوله : « تسمّى ب‍ :

الإلهية »(١) ، فكأنّه جاء ناقلا لكلامهما بلا فائدة تتعلّق بالجواب عن أبي هاشم وغيره من مثبتي الأحوال.

وقوله : « هو من المعتزلة » لا ينفعه ؛ لأنّ بعض مثبتي الأحوال من الأشاعرة(٢) ، وهم قائلون بمقالة أبي هاشم! على إنّ المصنّف بصدد الردّ على الجمهور مطلقا من دون خصوصية للأشاعرة.

ثمّ إنّ الأشعري يقول : إنّ الاشتراك بالأحكام يستلزم الاشتراك بالذات والذاتيّات(٣) ؛ فما معنى حكمه بالمخالفة بين الموجودات في الذات مع اشتراكها في الأحكام؟! اللهمّ إلّا أن يريد ب‍ « الأحكام » الأمور الاعتبارية لا الحقيقية.

هذا ، واستدلّ ـ أيضا ـ أصحابنا وغيرهم على المخالفة ، بأنّه تعالى لو شاركه غيره في الذات والحقيقة لخالفه بالتعيين ، لضرورة التعدّد ، ولا ريب أنّ ما به الافتراق غير ما به الاتّفاق(٤) ، فيلزم التركيب في هويّة الواجب تعالى ، وهو باطل.

__________________

(١) المواقف : ٢٦٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٤ ـ ١٥.

(٢) كالقاضي أبي بكر محمّد بن الطيّب الباقلّاني ، المتوفّى سنة ٤٠٣ ه‍.

انظر : الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٢.

(٣) انظر : الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٤) انظر : المراسلات بين القونوي والطوسي : ٩٩ وما بعدها ، نهاية الحكمة : ١٨.

١٧٦

وبقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(١) .

واستدلّ أبو هاشم وأتباعه على المساواة ، بأنّ الذات تنقسم إلى : الواجب والممكن ، ومحلّ القسمة مشترك بين أقسامه(٢) .

وردّ بأنّ « المشترك » هو مفهوم الذات ، وهو اعتباري ، فلا ينفع الاشتراك فيه في إثبات الاشتراك بالحقيقة والماهيّة.

__________________

(١) سورة الشورى ٤٢ : ١١.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٧١.

١٧٧
١٧٨

إنّه تعالى ليس بجسم

قال المصنّف ـ ضاعف الله ثوابه ـ(١) :

المبحث الثالث

في أنّه تعالى ليس بجسم

أطبق العقلاء على ذلك ، إلّا أهل الظاهر كداود(٢) ، والحنابلة كلّهم ، فإنّهم قالوا : إنّ الله تعالى جسم يجلس على العرش ، ويفضل عنه من كلّ جانب ستّة أشبار بشبره(٣) !!

وإنّه ينزل في كلّ [ ليلة ] جمعة على حمار [ و ] ينادي إلى الصباح :

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) هو : داود بن علي بن خلف الكوفي ، أبو سليمان الأصفهاني ، المعروف بالظاهري ، ولد سنة ٢٠٢ ، وتوفّي سنة ٢٧٠ ه‍ ، وهو إمام أهل الظاهر.

رحل إلى نيسابور ، ثمّ قدم بغداد فسكنها وصنّف كتبه بها ، ومنها : إبطال التقليد ، إبطال القياس ، كتاب المتعة ، كتاب مسألتين خالف فيهما الشافعي.

انظر : تاريخ بغداد ٨ / ٣٦٩ ـ ٣٧٥ رقم ٤٤٧٣ ، وفيات الأعيان ٢ / ٢٥٥ رقم ٢٢٣ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٢ / ٢٨٤ رقم ٦٢ ، هديّة العارفين ٥ / ٣٥٩.

أو هو : داود الجواربي ، الذي هو رأس في التجسيم.

انظر : لسان الميزان ٢ / ٤٢٧ رقم ١٧٥٧.

(٣) انظر : التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ١٠٧ ، الكامل في التاريخ ٧ / ١١٤ في ذكر فتنة الحنابلة سنة ٣٢٣ ه‍.

١٧٩

هل من تائب؟ هل من مستغفر؟(١) !!

وحملوا آيات التشبيه على ظواهرها.

والسبب في ذلك قلّة تمييزهم ، وعدم تفطّنهم بالمناقضة التي تلزمهم ، وإنكار الضروريات التي تبطل مقالتهم.

فإنّ الضرورة قاضية بأنّ كلّ جسم لا ينفكّ عن الحركة والسكون ، وقد ثبت في علم الكلام أنّهما حادثان ، والضرورة قاضية بأنّ ما لا ينفكّ عن المحدث فإنّه يكون محدثا ، فيلزم حدوث الله تعالى.

والضرورة [ الثانية ] قاضية بأنّ كلّ محدث فله محدث ، فيكون واجب الوجود مفتقرا إلى مؤثّر ، ويكون ممكنا ، فلا يكون واجبا [ وقد فرض أنّه واجب ] ، وهذا خلف.

وقد تمادى أكثرهم فقال : إنّه تعالى يجوز عليه المصافحة ، وإنّ المخلصين ( في الدنيا )(٢) يعانقونه في الدنيا(٣) .

وقال داود(٤) : أعفوني عن الفرج واللحية ، واسألوني عمّا وراء ذلك!!(٥) .

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٧ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: ١٢٦ ، الأسماء والصفات ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٩٦.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) مقالات الإسلاميّين : ٢١٤ ، شرح المواقف ٨ / ٣٩٩.

(٤) هو داود الجواربي ، وقد تقدّمت الإشارة إليه في الصفحة السابقة ه‍ ٢.

(٥) الفرق بين الفرق : ٢١٦ ، التبصير في الدين ـ للإسفرايني ـ : ١٢٠ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٩٣ ، الأنساب ـ للسمعاني ـ ٥ / ٦٤٣ ( الهشامي ) ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٤ ؛ وانظر : شرح المواقف ٨ / ٣٩٩ ولم يصرّح باسم القائل ، بل نسبه إلى : « بعضهم ».

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456