دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق8%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140843 / تحميل: 5344
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وقال : إنّ معبوده جسم ذو لحم ودم وجوارح وأعضاء!!(١) .

وإنّه بكى على طوفان نوح حتّى رمدت عيناه ؛ وعادته الملائكة لمّا اشتكت عيناه!!(٢) .

فلينصف العاقل [ المقلّد ] من نفسه ، هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء [ في شيء ]؟!

وهل للعقل مجال في تصديقهم في هذه المقالات الرديّة(٣) ، والاعتقادات الفاسدة؟!

وهل تثق النفس بإصابة هؤلاء في شيء ألبتّة؟!

* * *

__________________

(١) مقالات الإسلاميّين : ٢٠٩ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٤.

(٢) الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٩٦.

(٣) في المصدر : الكاذبة.

١٨١

وقال الفضل(١) :

ما ذكره من مذهب المشبّهة والمجسّمة ، وهم على الباطل ، وليسوا من الأشاعرة وأهل السنّة والجماعة.

وأمّا ما نسبه إلى الحنابلة فهو افتراء عليهم ، فإنّ مذهب الإمام أحمد ابن حنبل في المتشابهات : ترك التأويل ، وتوكيل العلم إلى الله تعالى.

ولأهل السنّة والجماعة هاهنا طريقان :

أحدهما : ترك التأويل ؛ وهو ما اختاره أحمد [ ابن حنبل ]

وتوكيل العلم إلى الله تعالى(٢) ، كما قال الله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا )(٣) ، فهؤلاء يتركون آيات التشبيه على ظواهرها ، مع نفي الكيفية والنقص عن ذاته وصفاته تعالى ، لا أنّهم يقولون بالجسمية المشاركة للأجسام ، كما ذهب إليه المشبّهة.

فلم لا يجوز تقليد هؤلاء؟!

وأيّ فساد يلزم من هذا الطريق؟! مع إنّ نصّ القرآن يوافقهم في توكيل العلم إلى الله تعالى!

وما ذكره من الطامّات والترّهات فليس من مذهب أهل الحقّ ؛ والرجل معتاد بالطامّات.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٤.

(٢) وهذا هو ثاني الطريقين.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ٧.

١٨٢

وأقول :

المفهوم من كلامه : إنّ اسم أهل السنّة والجماعة مخصوص بالأشاعرة ، وهو غير مسلّم عند المعتزلة والمجسّمة وغيرهم ، فهم في هذا الاسم سواء.

وكيف يختصّ هذا الاسم بالأشاعرة وهو قد حدث قبل شيخهم الأشعري ، في أيّام معاوية؟!(١) .

ونسب الشهرستاني في « الملل والنحل » القول بالجسمية إلى الكرّامية وعدّهم من الصفاتية ، وهم من أهل السنّة(٢) .

__________________

(١) فقد أطلقت هذه التسمية بعد صلح الإمام السبط الحسن بن عليّ ٨ مع معاوية ابن أبي سفيان في سنة ٤١ ه‍ ، فسمّيت هذه السنة ب‍ : عام الجماعة ، وهي السنة التي سنّ فيها لعن الإمام عليّ ٧ على المنابر! ومن ذلك انتزع اسم أهل السنّة والجماعة لمخالفي أمير المؤمنين الإمام عليّ ٧ ، المتّبعين لمعاوية ، المجتمعين على سنّته!

انظر : العبر في خبر من غبر ١ / ٣٦ حوادث سنة ٤١ ه‍ ، البداية والنهاية ٨ / ١٨ حوادث سنة ٤١ ه‍ ، تطهير الجنان واللسان ـ المطبوع مع الصواعق المحرقة ـ : ٢٢.

(٢) الملل والنحل ١ / ٩٩.

والكرّامية ـ بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة ـ : أصحاب أبي عبد الله محمّد ابن كرّام النيسابوري ، كان والده يحفظ الكرم ، فقيل له : الكرّام ، وقيل : إنّه من بني تراب.

ولد بقرية من قرى زرنج ، ونشأ بسجستان ، ثمّ دخل بلاد خراسان بعد المجاورة بمكّة خمس سنين ، وانصرف إلى سجستان ، ثمّ إلى نيسابور ، فلمّا شاعت بدعته ـ وهي أنّ الإيمان باللسان ، فهو مؤمن وإن اعتقد الكفر بقلبه! ـ حبسه

١٨٣

ونسبه في « المواقف »(١) إليهم أيضا ، وإلى مقاتل بن سليمان(٢) وغيره(٣) .

__________________

طاهر بن عبد الله بن طاهر ، ولمّا أفرج عنه خرج إلى ثغور الشام ، وعند عودته إلى نيسابور سجنه محمّد بن طاهر بن عبد الله ثمانية أعوام لأجل بدعته.

وخرج من نيسابور سنة ٢٥١ ه‍ متوجّها إلى بيت المقدس ، وتوفّي فيها سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقيل سنة ٢٥٦ ه‍ ، ودفن بباب أريحا ، وقيل أيضا : إنّه مات بالشام سنة ٢٥٥ ه‍.

انظر : الأنساب ـ للسمعاني ـ ٥ / ٤٣ « الكرّامي » ، ميزان الاعتدال ٦ / ٣١٤ رقم ٨١٠٩ ، لسان الميزان ٥ / ٣٥٣ رقم ١١٥٨ ، البداية والنهاية ١١ / ١٨ حوادث سنة ٢٥٥ ه‍.

(١) المواقف : ٢٧٣ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٥ المقصد الثاني.

(٢) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني ، أبو الحسن البلخي ، صاحب التفسير ، وقال العسقلاني : قال ابن حبّان : كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان مشبّها يشبّه الربّ سبحانه وتعالى بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث ، أصله من بلخ ، وانتقل إلى البصرة فمات بها عام ١٥٠ ه‍.

انظر : ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٥ رقم ٨٧٤٧ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٠ ـ ٣٢٥ رقم ٧١٤٦ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٥٥ رقم ٧٣٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٢٧ حوادث سنة ١٥٠ ه‍.

(٣) مثل : معاذ العنبري ( ٢٠٨ ـ ٢٨٨ ه‍ ) ، الذي سأله أحدهم عن الله : أله وجه؟

فقال : نعم!

حتّى سأله عن جميع الأعضاء ، من أنف وفم وصدر وبطن ، فأثبتها جميعا!

قال السائل : فاستحييت أن أذكر الفرج ؛ فأومأت بيدي إلى فرجي

فقال : نعم!

فقلت : أذكر أم أنثى؟

فقال : ذكر!

وسئل عن أمور كهذه ، فأجاب بما تقشعرّ منه الأبدان! تعالى الله عن ذلك علوّا

١٨٤

وذكر فيها وفي « الملل والنحل » مثل ما ذكره المصنّف ; من خرافات المجسّمة وأضعافه(١) .

وأمّا ما ذكره من أنّ مذهب أحمد بن حنبل ليس كذلك

ففيه ما قاله السيّد السعيد ; أنّه كذلك بشهادة فخر الدين الرازي ، حيث قال في رسالته المعمولة لتفضيل مذهب الشافعي : إنّ أحمد بن حنبل كان في نهاية الإنكار على المتكلّمين في التنزيه ، ولمّا كان في غاية المحبّة للشافعي ، ادّعت المشبّهة أنّه [ كان ] على مذهبهم(٢) .

ولو سلّم سلامة أحمد من القول بالتشبيه ، فالمصنّف ; إنّما نقل القول بالجسمية عن الحنابلة ، ولا ملازمة بينهم وبينه في المسائل الأصولية ، بل وبعض الفرعية ، كغيره من مذاهبهم مع أتباعه.

ثمّ ما ذكره من أنّ أحمد يترك آيات التشبيه على ظواهرها مع نفي الكيفية والنقص ، تناقض ظاهر ، فإنّ إبقاءها على ظواهرها يقتضي الجسمية ، وإثبات كيفية ما ، وذلك نقص.

على إنّ أقلّ ما يقتضيه ترك التأويل : التوقّف في نفي التشبيه

__________________

كبيرا.

انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، طبقات الحنابلة ـ لابن أبي يعلى ـ ١ / ٣١٢ رقم ٤٨٩.

(١) المواقف : ٢٧٣ و ٤٢٩ ، الملل والنحل ١ / ٩٢ ـ ١٠٠ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٥ ـ ٢٦ و ٣٩٩.

(٢) إحقاق الحقّ ١ / ١٧٦ ، وانظر : مناقب الإمام الشافعي ـ للرازي ـ : ١٣٨.

أي أنّ الفخر الرازي جعل قول أحمد بالتجسيم من المسلّمات ؛ لأنّ المشبّهة قد ادّعت أنّ الشافعي على مذهبهم ؛ لأنّ أحمد ـ القائل بالتجسيم ـ كان في نهاية المحبّة والتعظيم للشافعي ، وكان ـ كذلك ـ في غاية الإنكار لمذاهب المتكلّمين في التنزيه!

١٨٥

والجسمية ، ولذا أنكر على أهل التنزيه كما ذكره الرازي ، وذلك كاف في نقص أحمد ، إذ صار من المشكّكين في ما لا يشكّ فيه ذو معرفة.

وأمّا ما ذكره من أنّ نصّ القرآن يوافقهم

فحاصله : إنّ الآية الكريمة نصّ في أنّ الراسخين في العلم جاهلون بالمتشابهات ، ويكلون علمها إلى الله تعالى ، بدعوى أنّ قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ )(١) جملة مستأنفة ، ولا أظنّ عارفا يرضى به وينكر أن يكون (الرَّاسِخُونَ ) عطفا على لفظ الجلالة.

كيف؟! وذلك يستلزم ـ بعد مخالفة الظاهر ـ أن يكون علم التأويل مختصّا بالله تعالى ، فيكون النبيّ ٦ مرسلا بما يجهله وما يخلو عن الفائدة له ولأمّته! ومخطئا في قوله بحقّ أمير المؤمنين ٧ :إنّه عالم علم الكتاب (٢) .

وظنّي أنّ الداعي لهم إلى مخالفة الظاهر ، والتزام هذه المحاذير ، هو إنكار فضل آل محمّد ٦ ، فإنّهم لو أقرّوا بأنّ قوله : (وَالرَّاسِخُونَ ) عطف على لفظ الجلالة ، لم يمكنهم إنكار أنّ العترة من الراسخين في العلم ، العالمين بمتشابه القرآن ، بعد أن أخبر النبيّ ٦ بأنّهم قرناء

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٧.

(٢) هذا إشارة إلى تفسير قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) سورة الرعد ١٣ : ٤٣.

انظر : مناقب الإمام عليّ ٧ـ للمغازلي ـ : ٢٦٢ ح ٢٥٨ ، شواهد التنزيل ـ للحسكاني ـ : ١ / ٣٠٧ ـ ٣١٠ ح ٤٢٢ ـ ٤٢٧ ، زاد المسير ٤ / ٢٦١ ، تفسير القرطبي ٩ / ٢٢٠ ، مجمع البيان ٦ / ٥٠ ، وانظر : ينابيع المودّة ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٨ ح ١ ـ ١٣.

١٨٦

القرآن ، ولا يفارقونه حتّى يردا عليه الحوض(١) ، فإنّه يقتضي علمهم بكلّ ما فيه ، وإلّا لفرّق بينهم وبينه الجهل به.

__________________

(١) إشارة إلى الحديث الشريف المتواتر أنّ رسول الله ٦ قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، المرويّ في أمّهات مصادر الجمهور ، فانظر مثلا :

صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦ وص ٦٢٢ ح ٣٧٨٨ ، مسند أحمد ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ وج ٤ / ٣٦٧ و ٣٧١ وج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ، فضائل أحمد : ٧٦ ح ١١٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٥٠ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٩٢ ح ٣٣١١ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٦٢٨ ـ ٦٣١ ح ١٥٤٨ ـ ١٥٥٨ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٧ ، خصائص الإمام عليّ ٧ـ للنسائي ـ : ٦٩ ـ ٧٠ ح ٧٤ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٢٩٧ ح ١٠٢١ وص ٣٠٣ ح ١٠٢٧ وص ٣٧٦ ح ١١٤٠ ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ١ / ١٣١ و ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٨١ ح ٣٤٣٩ وص ١٥٥ ح ٣٥٤٢ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ ح ٢٦٧٨ وج ٥ / ١٥٣ و ١٥٤ ح ٤٩٢١ ـ ٤٩٢٣ وص ١٦٦ ح ٤٩٦٩ وص ١٦٩ ـ ١٧٠ ح ٤٩٨٠ و ٤٩٨١ وص ١٨٢ ح ٥٠٢٥ و ٥٠٢٦ وص ١٨٣ ح ٥٠٢٨ وص ١٨٦ ح ٥٠٤٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ وص ١٦٠ ـ ١٦١ ح ٤٧١١ ووافقه الذهبي في التلخيص ، حلية الأولياء ١ / ٣٥٥ رقم ٥٧ وج ٩ / ٦٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٤٨ وج ٧ / ٣٠ ـ ٣١ وج ١٠ / ١١٤ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤٤٢ رقم ٤٥٥١ وقد بتر الحديث فلم يذكر إلّا الثقل الأوّل فقط!! ، مناقب الإمام عليّ ٧ـ للمغازلي ـ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ح ٢٨١ ـ ٢٨٤ ، مناقب الإمام عليّ ٧ـ للخوارزمي ـ : ١٥٤ ح ١٨٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢١٦ ح ٨٧٠٢ وص ٢٢٠ ح ٨٧١٤ ، فردوس الأخبار ١ / ٥٣ ح ١٩٧ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ١٧٩ ، كفاية الطالب : ٥٣ ، ذخائر العقبى : ٤٧ ـ ٤٨ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ١٢٠ ، تفسير الخازن ١ / ٢٥٧ وقد ذكر الثقل الأوّل فقط ولم يتمّ الحديث!! ، فرائد السمطين ٢ / ١٤٢ ـ ١٤٧ ح ٤٣٦ ـ ٤٤١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ـ ١٦٥ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٨٥ ، الجامع الصغير : ١٥٧ ح ٢٦٣١ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ح ٨٧٠ ـ ٨٧٣ وص ١٧٨ ح ٨٩٨.

هذا ، وقد توسّع العلّامة السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة هذا الحديث الشريف من كلّ جوانبه ـ ألفاظه وطرقه وأسانيده ودلالته ـ في الأجزاء ١ ـ ٣ من موسوعته « نفحات الأزهار » ، فجزاه الله خيرا ؛ فراجع.

١٨٧

فالحقّ أنّ الراسخين في العلم ، عالمون بالمتشابه كلّه ، وأنّهم مخصوصون بالعترة ، ولذا خصّهم رسول الله ٦ بعدم المفارقة للقرآن ، وأوجب على أمّته التمسّك به وبهم.

١٨٨

إنّه تعالى ليس في جهة

قال المصنّف ـ شرّف الله منزلته ـ(١) :

المبحث الرابع

في أنّه تعالى ليس في جهة

العقلاء كافّة على ذلك ، خلافا للكرّامية ، حيث قالوا : « إنّه تعالى في جهة الفوق »(٢) .

ولم يعلموا أنّ الضرورة قضت بأنّ كلّ ما هو في جهة ، فإمّا أن يكون لابثا فيها ، أو متحرّكا عنها ، فهو [ إذا ] لا ينفكّ عن الحوادث ، وكلّ ما لا ينفكّ عن الحوادث فهو حادث ، كما تقدّم.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) الملل والنحل ١ / ٩٩ ، المواقف : ٤٢٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٩.

١٨٩

وقال الفضل(١) :

هذا القول للكرّامية ؛ لأنّهم من جملة من يقول : إنّه جسم ؛ ولكن قالوا : غرضنا من الجسم أنّه موجود ، لا أنّه متّصف بصفات الجسم.

فعلى هذا ، لا نزاع معهم إلّا في التسمية ، ومأخذها التوقيف ، ولا توقيف ها هنا(٢) .

وكونه تعالى في جهة الفوق ـ على وجه الجسمية ـ باطل بلا خلاف ، لكن جرت العادة في الدعاء بالتوجّه إلى جهة الفوق ؛ وذلك لأنّ البركات الإلهية إنّما تنزل من السماء إلى الأرض.

وقد جاء في الحديث أنّ امرأة بكماء أتي بها إلى النبيّ ٦ فقال لها رسول الله ٦ : من إلهك؟ فأشارت إلى السماء ، فقبل رسول الله ٦ إيمانها(٣)

وذلك لجريان العادة بالتوجّه إلى السماء عند ذكر الإله ، وهذا يمكن أن يكون مبنيا على إرادة العلوّ والتفوّق ، فيعبّرون عن العلوّ العقلي بالعلوّ

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٢) ورد مؤدّاه في : الملل والنحل ١ / ١٠٠ ، المواقف : ٢٧٣ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥ و ٢٦.

(٣) انظر : صحيح مسلم ٢ / ٧١ ، مسند أحمد ٢ / ٢٩١ ، الموطّأ : ٦٧٨ ح ٨ ، المعجم الكبير ١٩ / ٣٩٨ ح ٩٣٧ وج ٢٢ / ١١٦ ح ٢٩٧ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٤٤ ، إتحاف السادة المتّقين ٢ / ١٠٥ ، كنز العمّال ١ / ٤١١ ح ١٧٤٤ وص ٤١٢ ح ١٧٤٦ ، المواقف : ٢٧٢ ؛ وفيها : « أين الله؟ » بدل « من إلهك؟ ».

١٩٠

الحسّي.

فإن أراد الكرّامية هذا المعنى فهو صحيح ، وإن أرادوا ما يلزم الأجسام من الكون في الجهة والحيّز ، فهو باطل.

١٩١

وأقول :

ذكر الشهرستاني في « الملل والنحل » الكرّامية ، وعدّهم من الصفاتية وأهل السنّة ، وقال : هم أصحاب أبي عبد الله محمّد بن كرّام ، وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة.

ثمّ قال : نصّ أبو عبد الله على إنّ لمعبوده على العرش استقرارا ، وعلى إنّه بجهة فوق ذاتا ، وأطلق عليه اسم « الجوهر » ، فقال في كتابه المسمّى « عذاب القبر » : إنّه أحديّ الذات ، أحديّ الجوهر ، وإنّه مماسّ للعرش من الصفحة العليا ، ويجوز عليه الانتقال والتحوّل والنزول!

ومنهم من قال : إنّه على بعض أجزاء العرش! وقال بعضهم : امتلأ العرش به! وصار المتأخّرون منهم إلى أنّه تعالى بجهة فوق ومحاذ للعرش.

ثمّ اختلفوا ، فقال العابدية منهم : إنّ بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدّر مشغولا بالجواهر لاتّصلت به(١) .

... إلى غير ذلك ممّا ذكره من خرافاتهم وضلالاتهم التي صاروا إليها بمجرّد الهوى وعدم المبالاة بالله سبحانه.

وقال في « المواقف » وشرحها : ذهب أبو عبد الله محمّد بن كرّام إلى أنّه تعالى في الجهة ككون الأجسام فيها ، وهو أن يكون بحيث يشار إليه أنّه هاهنا أو هناك ، وهو مماسّ للصفحة العليا من العرش ، ويجوز عليه

__________________

(١) الملل والنحل ١ / ٩٩ ـ ١٠٠.

١٩٢

الحركة والانتقال وتبدّل الجهات(١) .

فعلى هذا ، كيف يقول الفضل : كونه تعالى في جهة الفوق ـ على جهة الجسمية ـ باطل بلا خلاف؟!

ثمّ بعد هذا ناقض نفسه وردّد في مرادهم ، فإنّه لا يناسب الحكم بعدم الخلاف!

ثمّ إنّ اللازم ـ بمقتضى التصريح بأنّه تعالى جوهر ، وإثباتهم الجهة والحيّز والمماسّة لله تعالى ، وتجويزهم الحركة والانتقال عليه سبحانه ـ أن يكون مرادهم بالجسم هو الجسم الحقيقي ، لا الموجود.

لكن قال في « المواقف » وشرحها : « الكرّامية ـ أي بعضهم ـ قالوا :

هو جسم ـ أي : موجود ـ ، وقوم آخرون منهم قالوا : هو جسم ـ أي : قائم بنفسه ـ ؛ فلا نزاع معهم على التفسيرين إلّا في التسمية [ أي : إطلاق لفظ الجسم عليه ] ، ومأخذها التوقيف ، ولا توقيف هاهنا »(٢) .

فلاحظ وتدبّر!

وأمّا حديث « البكماء » ، ففي « المواقف » أنّ السؤال وقع فيه ب‍ : « أين الله؟ » لا : « من إلهك؟(٣) » كما ذكره الخصم! وذلك أنسب في مقام الاستشهاد لو صحّ الحديث!

__________________

(١) المواقف : ٢٧١ ، شرح المواقف ٨ / ١٩.

(٢) المواقف : ٢٧٣ ، شرح المواقف ٨ / ٢٥.

(٣) المواقف : ٢٧٢ ، شرح المواقف ٨ / ٢٤.

١٩٣
١٩٤

إنّه تعالى لا يتّحد بغيره

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّه تعالى لا يتّحد بغيره

الضرورة قاضية ببطلان الاتّحاد ، فإنّه لا يعقل صيرورة الشيئين شيئا واحدا.

وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور ، فحكموا بأنّه تعالى يتّحد بأبدان العارفين(٢) ، حتّى تمادى بعضهم وقال : إنّه تعالى نفس الوجود ، وكلّ موجود هو الله تعالى!

وهذا عين الكفر والإلحاد.

الحمد لله الذي فضّلنا باتّباع أهل البيت ، دون اتّباع أهل الأهواء الباطلة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٧.

(٢) انظر : كتاب التجلّيات ـ لابن عربي ـ : ١٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٣٢ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٢٥.

١٩٥

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه تعالى لا يتّحد بغيره ؛ لامتناع اتّحاد الاثنين(٢) .

وأمّا ما نسبه إلى الصوفية من القول بالاتّحاد ، فإن أراد به محقّقي الصوفية ، ك‍ :

أبي يزيد البسطامي(٣) ،

وسهل بن عبد الله التستري(٤) ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٧٩ ـ ١٨١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٢٥ ، المواقف : ٢٧٤ ، شرح المواقف ٤ / ٦٠ ـ ٦٢ وج ٨ / ٢٨.

(٣) هو : طيفور بن عيسى بن سروشان البسطامي ، الصوفي الزاهد ، كان جدّه مجوسيا فأسلم ، ولد في بسطام ـ وهي بلدة من أعمال خراسان ، بين دامغان ونيسابور ـ وتوفّي سنة ٢٦١ وقيل : ٢٦٤ ه‍.

انظر : طبقات الصوفية : ٦٧ رقم ٨ ، معجم البلدان ١ / ٥٠٠ رقم ١٩٠١ ، وفيات الأعيان ٢ / ٥٣١ رقم ٣١٢ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٨٦ رقم ٤٩ ، شذرات الذهب ٢ / ١٤٣ وفيات سنة ٢٦١ ه‍.

(٤) هو : أبو محمّد ، سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى التستري ، الصوفي الزاهد ، ولد سنة ٢٠٠ أو ٢٠١ ه‍ في مدينة تستر ـ وهي تعريب شوشتر ـ من كور الأهواز في إقليم خوزستان بإيران ، له مصنّفات عديدة ، منها : دقائق المحبّين ، ومواعظ العارفين ، وجوابات أهل اليقين ؛ توفّي بالبصرة سنة ٢٨٣ ه‍.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ٣٢٢ المقالة الخامسة / الفنّ الخامس ، طبقات الصوفية : ٢٠٦ رقم ١٠ ، معجم البلدان ٢ / ٣٤ رقم ٢٥١٧ ، وفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ رقم ٢٨١ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ رقم ١٥١ ، شذرات الذهب ٢ / ١٨٢ وفيات سنة ٢٨٣ ه‍.

١٩٦

وأبي القاسم الجنيد البغدادي(١) ،

والشيخ السهروردي(٢)

فهذا نسبة باطلة ، وافتراء محض ، وحاشاهم عن ذلك!

بل صرّحوا كلّهم في عقائدهم ببطلان الاتّحاد ؛ فإنّه مناف للعقل والشرع.

بل هم أهل محض التوحيد ، وحقيقة الإسلام ناشئة من أقوالهم ، ظاهرة على أعمالهم وعقائدهم ، وهم أهل التوحيد والتمجيد.

وفي الحقيقة : هم الفرقة الناجية ، ولهم في مصطلحاتهم عبارات تقصر عنها أفهام غيرهم ، وفي اصطلاحاتهم البقاء والفناء.

__________________

(١) هو : الجنيد بن محمّد بن الجنيد الخزّاز البغدادي القواريري الصوفي ، أصله من نهاوند ، ومولده ومنشؤه بالعراق ، كان شيخ وقته في الصوفية ، ولد سنة بضع وعشرين ومائتين ، وتفقّه على يد أبي ثور ـ صاحب الشافعي ـ ، وقيل : كان على مذهب سفيان الثوري ؛ توفّي ببغداد سنة ٢٩٨ ه‍.

انظر : طبقات الصوفية : ١٥٥ رقم ١ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٧٣ رقم ١٤٤ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٦٦ رقم ٣٤ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٢ / ٢٦٠ رقم ٦٠ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٢٨ وفيات سنة ٢٩٨ ه‍.

(٢) هو : شهاب الدين عمر بن محمّد بن عبد الله التيمي السهروردي ، يرجع نسبه إلى محمّد بن أبي بكر ، ولد سنة ٥٣٩ في سهرورد ـ وهي قرية قريبة من زنجان ـ قدم بغداد وهو شابّ وسمع فيها الحديث ، وكانت له صحبة مع الشيخ عبد القادر ، كان شافعي المذهب ، وكان شيخ شيوخ الصوفية ببغداد ، له عدّة تصانيف ، منها :

« عوارف المعارف » في بيان طريقة الصوفية ، حكمة الإشراق ، النفحات السماوية ؛ توفّي ببغداد سنة ٦٣٢ ه‍.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٢٩ رقم ٦٨١١ ، وفيات الأعيان ٣ / ٤٤٦ رقم ٤٩٦ ، سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٣٧٣ رقم ٢٣٩ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٨ / ٣٣٨ رقم ١٢٣٢ ، شذرات الذهب ٥ / ١٥٣ وفيات سنة ٦٣٢ ه‍ ، الكواكب الدرّية ٣ / ١٤٤ رقم ٥٧٤.

١٩٧

والمراد من « الفناء » : محو العبد صفاته وهويّته التعينية بكثرة الرياضات(١) ، والاصطلام(٢) من الوارد الحقّ.

و« البقاء » : هو تجلّي الربوبية على العبد بعد السلوك والمقامات ، فيبقى العبد بربّه(٣) .

وهذه أحوال لا يطّلع عليها إلّا أربابها ، ومن سمع شيئا من مقالاتهم ولم يفهم إرادتهم من تلك الكلمات ، حمل كلامهم على الاتّحاد والحلول.

عصمنا الله من الوقيعة في أوليائه ، فقد ورد في الحديث الصحيح القدسي : «من عادى لي وليّا فقد آذنته بحرب »(٤)

وأمّا ما نقل عنهم أنّهم يقولون : إنّه تعالى نفس الوجود ؛ فهذه مسألة دقيقة لا تصل حوم(٥) فهمها(٦) أذهان مثل هذا الرجل.

وجملتها أنّهم يقولون : إنّه لا موجود إلّا الله.

ويريدون به أنّ الوجود الحقيقي لله تعالى ؛ لأنّه من ذاته لا من غيره ، فهو الموجود في الحقيقة ، وكلّ ما كان موجودا غيره فوجوده من الله ، وهو

__________________

(١) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٨.

(٢) الاصطلام : نوع وله يرد على القلب فيسكن تحت سلطانه ، أو : هو الوله الغالب على القلب ، وهو قريب من الهيمان ؛ انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ١٥ رقم ٩٣ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٥٥.

(٣) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٧ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٣٦٧.

(٤) صحيح البخاري ٨ / ١٨٩ ح ٨٩.

(٥) حام فلان على الأمر حوما وحومانا وحياما : رامه وطلبه ودار عليه ؛ انظر : تاج العروس ١٦ / ١٨٧ مادّة « حوم ».

والمراد هنا هو : الطرف والحدّ ، فكأنّه قال : لا يصل إلى شيء من فهمها

(٦) كانت الجملة في الأصل هكذا : « لا يصل حول فهمه » ؛ والمثبت من المصدر.

١٩٨

في حدّ ذاته لا موجود ولا معدوم ؛ لأنّه ممكن ، وكلّ ممكن فإنّ نسبة الوجود والعدم إليه على السواء ، فوجوده من الله ، فهو موجود بوجود ظلّيّ هو من ظلال الوجود الحقيقي ، فالموجود حقيقة هو الله تعالى.

وهذا عين التوحيد ، وكمال التفريد ، فمن نسبهم مع فهمه هذه العقيدة إلى الكفر ، فهو الكافر ؛ لأنّه كفّر مسلما بجهة إسلامه.

١٩٩

وأقول :

لا ريب في قول جماعة من الصوفية بالاتّحاد ، كما يشهد له إنكار الخصم لصحّة النسبة إذا أراد المصنّف محقّقي الصوفية ، فلو أراد غيرهم لم ينكره الخصم.

وقال في « المواقف » : « إنّ المخالف في هذين الأصلين ـ يعني [ عدم ] الحلول و [ عدم ] الاتّحاد ـ طوائف ثلاث ـ إلى أن قال : ـ الثالثة : بعض الصوفية ، وكلامهم مخبّط بين الحلول والاتّحاد »(١) .

ثمّ قال : « ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره ، ويقول : لا حلول ولا اتّحاد ، إذ كلّ ذلك يشعر بالغيرية ، ونحن لا نقول بها ، بل نقول : ليس في دار الوجود غيره ديّار ؛ وهذا العذر أشدّ قبحا وبطلانا من ذلك الجرم(٢) ، إذ يلزم تلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل ، ولا مميّز أدنى تمييز »(٣) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد » بعد إبطال الحلول والاتّحاد : « والمخالفون : منهم نصارى ـ إلى أن قال : ـ ومنهم بعض المتصوّفة ، القائلون : بأنّ السالك إذا أمعن في السلوك ، وخاض لجّة الوصول(٤) ، فربّما يحلّ الله فيه! تعالى [ الله ] عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا ، كالنار في

__________________

(١) المواقف : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٩ ـ ٣١.

(٢) في المواقف وشرحها : الجزم.

(٣) المواقف : ٢٧٥ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٣١.

(٤) في المصدر : « وخاصة لجهة الأصول » ؛ وهو تصحيف.

٢٠٠

الجمر(١) ، بحيث لا تمايز ؛ أو يتّحد به ، بحيث لا اثنينية ولا تغاير ، وصحّ أن يقول : هو أنا ، وأنا هو ، وحينئذ يرتفع الأمر والنهي ، ويظهر من الغرائب والعجائب ما لا يتصوّر من البشر »(٢) !

وقال القوشجي في « شرح التجريد » عند بيان أنّ وجوب الوجود يدلّ على نفي الاتّحاد : « قال بعض الصوفية : إذا انتهى العارف نهاية مراتب العرفان ، انتفى هويّته ، فصار الموجود هو الله وحده ، وهذه المرتبة هي الفناء في التوحيد »(٣) .

وحينئذ فمعنى « الفناء » : هو نفي الشخص هويّته ، وصيرورته هويّة أخرى ، فيصير الموجود هو الله وحده ، ويتّحد وجود العبد بوجوده تعالى!

وعليه : فمعنى « البقاء » : هو بقاء العبد بلحاظ ترقّيه إلى الرتبة العالية ، واتّحاده مع ربّه ، فتكون كثرة الرياضات مفنية للعبد من جهة هويّته الناقصة ، مبقية له من جهة كماله واتّحاده مع الله سبحانه!

وهذا هو الكفر الصريح ، وعين الإلحاد.

فإذا صدق المصنّف في نقله عن بعض الصوفية ، فما وجه تلك القعقعة التىّ ارتكبها الفضل؟!

وما ذلك الإنكار والوقيعة بوليّ الله المصنّف ، الصادق في نقله عن الخارجين عن الدين ، المخالفين لنهج سيّد المرسلين في عبادته وجميع أحواله؟!

وأمّا ما ذكره في تحقيق وحدة الوجود ، من أنّ نسبة الوجود والعدم

__________________

(١) في المصدر : « الحجر ».

(٢) شرح المقاصد ٤ / ٥٧ و ٥٩.

(٣) شرح التجريد : ٤٢٥ المقصد الثالث.

٢٠١

إلى الممكن على السواء ؛ فهو لا يقتضي إلّا نفي الرجحان الذاتي للممكن بالنسبة إلى الوجود والعدم ، وأمّا نفي الوجود الحقيقي للممكن كما زعمه ، فلا ؛ اللهمّ إلّا أن يكون بنحو المسامحة ، وعدّ وجود الممكن ك‍ « لا وجود » بالنسبة إلى وجود الواجب ؛ لأنّه الأصل ، ووجود الممكن فرعه وأثره.

فعبّر عن هذا بتلك الاصطلاحات الفارغة الهائلة ، لكنّه غير ما يريده القائلون بوحدة الوجود من الصوفية وغيرهم

فإنّهم يريدون أنّ الوجود المطلق عين الواجب تعالى ، وأنّ الممكنات تعيّنات له ، فيلزم منه نفي الماهية ، وأن يكون وجود الممكنات من معيّنات وجود الباري ومصاديقه.

فيتمّ ما نقله المصنّف عنهم ، من أنّ الله تعالى نفس الوجود ، وأنّ كلّ موجود هو الله!!(١) .

تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

__________________

(١) تجد عقيدة المتصوّفة في الحلول والاتّحاد في أقوالهم المبثوثة في تراجمهم ، إذا راجعت مظانّها ، فمثلا :

قال المحقّق نصير الدين الطوسي ;: ذهب بعض النصارى إلى حلول الله تعالى في المسيح ، وبعض المتصوّفة إلى حلوله في العارفين الواصلين!

ونقل الفخر الرازي أنّ أبا يزيد البسطامي قال : سبحاني ما أعظم شأني!

وأنّ الحسين بن منصور الحلّاج قال : أنا الحقّ!

وقال : ما في الجبّة إلّا الله!

وأنشد شعرا قال فيه :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته

وإذا أبصرته أبصرتنا

انظر : المنتظم ٨ / ٣٠ حوادث سنة ٣٠٩ ه‍ ، المسائل الخمسون : ٤١ ـ ٤٢ المسألة ١٢ ، تلخيص المحصّل : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، وفيات الأعيان ٢ / ١٤٠ رقم ١٨٩ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٣٤٧ و ٣٥٢ ، شذرات الذهب ٢ / ٢٥٥ حوادث سنة ٣٠٩ ه‍.

٢٠٢

إنّه تعالى لا يحلّ في غيره

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

المبحث السادس

في أنّه تعالى لا يحلّ في غيره

من المعلوم القطعي أنّ الحالّ مفتقر إلى المحلّ ، والضرورة قضت بأنّ كلّ مفتقر إلى الغير ممكن

فلو كان الله تعالى حالّا في غيره لزم إمكانه ، فلا يكون واجبا ، وهذا خلف.

وخالفت الصوفية من الجمهور في ذلك ، وجوّزوا عليه الحلول في أبدان العارفين(٢) ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

فانظر إلى هؤلاء المشايخ الّذين يتبرّكون بمشاهدهم ، كيف اعتقادهم في ربّهم ، وتجويزهم عليه : تارة الحلول ، وأخرى الاتّحاد ، وعبادتهم الرقص والتصفيق والغناء(٣) ؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٣ / ٢٣٢ ، تلخيص المحصّل : ٢٦١ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٢٥.

(٣) انظر في ذلك : إحياء علوم الدين ٢ / ٣٩٨ ـ ٤٢٠ ، شرح ديوان ابن الفارض ١ / ١٠.

٢٠٣

وقد عاب الله على الجاهلية الكفّار في ذلك ، فقال عزّ من قائل : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً )(١) .

وأيّ تغفّل أبلغ من تغفّل من يتبرّك بمن يتعبّد الله بما عاب عليه الكفّار؟! (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )(٢) .

ولقد شاهدت جماعة من الصوفية في حضرة مولانا الحسين صلوات الله عليه ، وقد صلّوا المغرب سوى شخص واحد منهم ، كان جالسا لم يصلّ ، ثمّ صلّوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشخص ، فسألت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص ، فقال : وما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل؟!

أ يجوز أن يجعل بينه وبين الله حاجبا؟!

فقلت : لا.

فقال : الصلاة حاجب بين العبد والربّ!

فانظر أيها العاقل إلى هؤلاء! وعقائدهم في الله تعالى كما تقدّم ، وعبادتهم ما سبق ، واعتذارهم في ترك الصلاة كما مرّ ، ومع ذلك فإنّهم عندهم الأبدال ، فهؤلاء أجهل الجهّال.

* * *

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٥.

والمكاء : الصفير ؛ انظر : الصحاح ٦ / ٢٤٩٥ ، لسان العرب ١٣ / ١٦٤ مادّة « مكا ».

والتصدية : التصفيق ؛ انظر : الصحاح ٦ / ٢٣٩٩ ، لسان العرب ٧ / ٢٩٨ ، مادّة « صدي / صدد ».

(٢) سورة الحجّ ٢٢ : ٤٦.

٢٠٤

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : أنّه تعالى لا يجوز أن يحلّ في غيره ؛ وذلك لأنّ الحلول هو الحصول على سبيل التبع ، وأنّه ينفي الوجوب الذاتي.

وأيضا : لو استغنى عن المحلّ لذاته(٢) لم يحلّ فيه ، وإلّا لاحتاج إليه لذاته ، ولزم حينئذ قدم المحلّ ، فيلزم محالان معا(٣) .

وأمّا ما ذكر أنّ الجمهور من الصوفية جوّزوا عليه الحلول ، فقد ذكرنا في الفصل السابق أنّه إن أراد بهذه الصوفية مشايخنا المحقّقين ، فإنّ اعتقاداتهم مشهورة ، ومن أراد الاطّلاع على حقائق عقائدهم فليطالع الكتب التي وضعوها لبيان الاعتقادات

كالعقائد المنسوبة إلى سهل بن عبد الله التستري(٤)

وكاعتقادات الشيخ أبي عبد الله محمّد بن الخفيف ، المشهور بالشيخ الكبير(٥)

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٨٦ ـ ١٩٠.

(٢) في إحقاق الحقّ : بذاته.

(٣) المواقف : ٢٧٤ ، شرح المواقف ٨ / ٢٨ ـ ٢٩ مختصرا.

والمحالان هما : قدم المحلّ وهو حادث ممكن ، وإمكان الباري وهو القديم الواجب.

(٤) مرّت ترجمته في الصفحة ١٩٦.

(٥) هو : أبو عبد الله محمّد بن خفيف بن إسفكشاد الشيرازي الشافعي ، شيخ الصوفية ، قيل : هو من أولاد الأمراء في إقليم فارس ، وكان شاعرا ، لقي الحلّاج.

٢٠٥

وكاعتقادات الشيخ حارث بن أسد المحاسبي(١)

وك « التعرّف » للكلاباذي(٢)

و« الرسالة » للقشيري(٣)

__________________

وصحب ابن عطاء وغيره ، ولد سنة ٢٧٦ ه‍ ، وتوفّي سنة ٣٧١ ه‍ ، له تصانيف عديدة ، منها : المعتقد الصغير ، المعتقد الكبير ، آداب المريدين ، الفصول في الأصول ، جامع الإرشاد ، اختلاف الناس في الروح.

انظر : طبقات الصوفية : ٤٦٢ رقم ٩ ، تلبيس إبليس : ٣٢٦ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٢ رقم ٢٤٩ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٣ / ١٤٩ رقم ١٣٥ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٥ حوادث سنة ٣٧١ ه‍ ، هديّة العارفين ٦ / ٤٩ ـ ٥٠.

(١) هو : أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي البصري البغدادي ، أحد مشايخ الصوفية ، وينسب إليه أكثر متكلّمي الصفاتية ، قيل : إنّ أحمد بن حنبل هجره لأنّه تكلّم في شيء من الكلام ، فاستخفى المحاسبي من العامة حتّى أنّه لمّا مات سنة ٢٤٣ ه‍ لم يصلّ عليه إلّا أربعة نفر ؛ ووصف أبو زرعة كتبه بأنّها كتب بدع وضلالات وخطرات ووساوس ؛ ومن مصنّفاته العديدة : رسالة المسترشدين في التصوّف ، وكتاب التفكير والاعتبار ، وكتاب الرعاية لحقوق الله.

انظر : طبقات الصوفية : ٥٦ رقم ٦ ، الأربعين في شيوخ الصوفية : ١٤٢ رقم ١٥ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢١١ رقم ٤٣٣٠ ، وفيات الأعيان ٢ / ٥٧ رقم ١٥٢ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ١١٠ رقم ٣٥ ، تهذيب التهذيب ٢ / ١٠٦ ـ ١٠٧ رقم ١٠٥٦ ، هديّة العارفين ٥ / ٢٦٤.

(٢) هو : أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن يعقوب الحنفي البخاري الكلاباذي ؛ وكلاباذ محلّة ببخارى ، كان أحد شيوخ الصوفية ، له من المصنّفات : الأربعين في الحديث ، والأسفار والأوتار ، والتعرّف لمذهب التصوّف ، توفّي سنة ٣٨٠ أو ٣٨٤ ه‍.

انظر : معجم البلدان ٤ / ٥٣٦ رقم ١٠٣٣١ ، هديّة العارفين ٦ / ٥٤ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٣٧ رقم ١١٥١١.

(٣) هو : أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري النيسابوري الشافعي الصوفي ، ولد سنة ٣٧٦ ه‍ ، قدم بغداد سنة ٤٤٨ ه‍ وحدّث بها ، أديب شاعر ، أخذ التصوّف عن أستاذه أبي عليّ الدقّاق ، وتوفّي سنة ٤٦٥ ه‍ ، وله تصانيف عديدة ، منها : الأربعين في الحديث ، والرسالة ـ وهو كتاب مشهور

٢٠٦

وك‍ « العقائد » للشيخ ضياء الدين أبي النجيب السهروردي(١)

[ وك‍ « عوارف المعارف » للشيخ شهاب الدين أبي حفص عمر السهروردي(٢) ]

ليظهر عليه عقائدهم المطابقة للكتاب والسنّة ، وما بالغوا فيه من نفي الحلول والاتّحاد.

وأمّا ما ذكره من أنّ عبادتهم الرقص والتصفيق ، فو الله إنّه أراد أن يفضح فافتضح ، فإذا لم يكن المشايخ الصوفية من أهل العبادات ـ مع جهدهم في العبادة وتعمير الأوقات بوظائف الطاعات ، وترك اللذّات ، والإعراض عن المشتهيات ـ فمن هو قادر على أن يعدّ نفسه من أهل الطاعات بالنسبة إليهم؟!

نعم ، هذا الرجل الطامّاتي الذي يصنّف الكتاب ، ويردّ على أهل

__________________

في التصوّف ـ ، والتيسير في علم التفسير.

انظر : تاريخ بغداد ١١ / ٨٣ رقم ٥٧٦٣ ، وفيات الأعيان ٣ / ٢٠٥ رقم ٣٩٤ ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٢٧ رقم ١٠٩ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٥ / ١٥٣ رقم ٤٧٣ ، شذرات الذهب ٣ / ٣١٩ سنة ٤٦٥ ه‍.

(١) هو : أبو النجيب عبد القاهر بن عبد الله بن محمّد بن عمّويه السهروردي ، وهو عمّ شهاب الدين عمر السهروردي ، أحد شيوخ الصوفية ، ولد سنة ٤٩٠ ه‍ في قرية سهرورد ، وهي قرية قريبة من زنجان ، ثمّ قدم بغداد ودرس فيها ، ودخل أصفهان ، توفّي سنة ٥٦٣ ه‍ ، له عدّة مصنّفات ، منها : آداب المريدين ـ في التصوّف والأخلاق ـ ، ومختصر مشكاة المصابيح للبغوي.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٢٩ رقم ٦٨١١ ، سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٧٥ رقم ٣٠٢ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٧ / ١٧٣ رقم ٨٨١ ، الطبقات الكبرى ـ للشعراني ـ ١ / ١٤٠ رقم ٢٦١ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٠٨ سنة ٥٦٣ ه‍ ، هديّة العارفين ٥ / ٦٠٦.

(٢) مرّت ترجمته في الصفحة ١٩٧.

٢٠٧

الحقّ ، ويبالغ في إنكار العلماء والأولياء طلبا لرضا السلطان محمّد خدا بنده ليعطيه إدرارا(١) ، ويفيض عليه مدرارا(٢) ، فله أن لا يستحسن عبادة المشايخ ، المعرضين عن الدنيا ، الزاهدين عن الشهوات ، القاطعين بادية الرياضات ، كما نقل أنّ أبا يزيد البسطامي ترك شرب الماء سنة تأديبا لنفسه ، حيث دعته نفسه إلى شيء من اللذّات(٣) .

شاهت وجوه المنكرين ، وكلّت ألسنتهم ، وعميت أبصارهم.

وأمّا ما ذكر أنّ الله عاب على أهل الجاهلية بالتصدية ؛ فما أجهله بالتفسير ، وبأسباب نزول القرآن! وقد ذكر أنّ طائفة من جهلة قريش كانوا يؤذون رسول الله ٦ بالمكاء والتصدية عند البيت ليوسوسوا عليه صلاته ، فأنزل الله هذه الآية.

وقد أحلّ الله ورسوله اللهو في مواضع كثيرة ، منها : الختان والعرس والإملاك وأيّام العيد ؛ والسماع الذي يعتاده الصوفية مشروط بشرائط كلّها من الشرع ، ولهم فيها آداب وأحوال لا يعرفها الجاهل فيقع فيها.

ثمّ ما نقل من قول واحد من القلندرية(٤) الفسقة ، الّذين يزورون مشهد مولانا الحسين بأيّام الموسم والزيارة ، وجعله مستندا للردّ على كبار المشايخ المحقّقين المشهورين

__________________

(١) إدرارا : عطاء مستمرّا على المجاز هنا ؛ انظر مادّة « درر » في : لسان العرب ٤ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، تاج العروس ٦ / ٤٠٠.

(٢) المدرار : الكثير المتتابع المتوالي على المجاز هنا ؛ انظر مادّة « درر » في : لسان العرب ٤ / ٣٢٦ ، تاج العروس ٦ / ٣٩٧ ، مجمع البيان ٥ / ٢٦١.

(٣) انظر : وفيات الأعيان ٢ / ٥٣١ رقم ٣١٢ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٠ حوادث سنة ٢٦١ ه‍.

(٤) مرّت ترجمتها في الصفحة ٦٤.

٢٠٨

فيا للعجب انسلّ إلى الناس من كلّ حدب من حال هذا الرجل الطامّاتي! أنّه لم ينظر إلى كتاب « عوارف المعارف » و« الرسالة القشيرية » ليعرف اهتمام القوم بمحافظة الصلوات ودقائق الآداب ، الذي لا يشقّ أحد من الفقهاء ـ من أهل جميع المذاهب ـ غبارهم في رعاية دقائق الآداب والخشوع والاهتمام بحفظها ومحافظتها ، ليعتقد في كمالاتهم ، ويجعل قول قلندري فاسق [ فسّيق ] سندا في جرحهم وإنكارهم.

وهذا غاية التعصّب والخروج عن قواعد الإسلام ، نعوذ بالله من عقائده الفاسدة الكاسدة.

٢٠٩

وأقول :

لعلّ الفضل بعدوله عن دليل المصنّف على بطلان الحلول ، إلى الدليلين المذكورين الموجودين بلفظهما في « المواقف » وشرحها(١) ؛ تخيّل أنّ الأشاعرة سلكوا طريقة أخرى في الاستدلال على بطلان الحلول ، ولم يعلم أنّ الأدلّة متكرّرة الذكر في كتب المتكلّمين ، وأنّ المناط ـ في هذه الأدلّة حتّى الأخير ـ على استلزام الحلول : الحاجة إلى المحلّ ، والافتقار إليه ؛ إذ لو منعه مانع لما تمّ شيءّ من هذه الأدلّة.

فقد ذكر في « شرح المواقف » وجه قول الماتن في الدليل الأخير :

« لو استغنى عن المحلّ لذاته لم يحلّ فيه »(٢) ، بقوله : « إذا لا بدّ في الحلول من حاجة ، ويستحيل أن يعرض للغنيّ بالذات ما يحوجه إلى المحلّ ؛ لأنّ ما بالذات لا يزول بالغير »(٣) .

على إنّ دليل « المواقف » الأوّل هو عين ما ذكره المصنّف ، والاختلاف في التعبير ، فالأولى الاقتصار على ما ذكره المصنّف.

ثمّ إنّه لا ريب في قول جماعة بالحلول ، كما يدلّ عليه كلام « المواقف » و« شرح المقاصد »(٤) اللذان ذكرناهما في المبحث السابق(٥) ،

__________________

(١) المواقف : ٢٧٤ ، شرح المواقف ٨ / ٢٨.

(٢) المواقف : ٢٧٤.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٢٨ المقصد الخامس.

(٤) المواقف : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٥٧ و ٥٩.

(٥) انظر الصفحة ٢٠٠ وما بعدها.

٢١٠

وقول القوشجي عند بيان أنّ وجوب الوجود يدلّ على نفي الحلول ؛ قال : « وذهب بعض الصوفية إلى أنّه تعالى يحلّ في العارفين »(١) .

ويشهد له ترديد الخصم في مراد المصنّف ، وإن أغفل فيه ذكر القائلين بالحلول تلبيسا للأمر! وليتسنّى له الكلام والطعن على وليّ الله وداعي الحقّ : المصنّف أعلى الله مقامه!

وأمّا إنكاره على المصنّف في أنّ عبادتهم الرقص والتصفيق ، فهو إنكار بارد

قال في « الكشّاف » في تفسير قوله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )(٢) : « وأمّا ما يعتقده أجهل الناس ، وأعداهم للعلم وأهله ، وأمقتهم للشرع ، وأسوأهم طريقة ، وإن كانت طريقتهم عند أمثالهم من الجهلة والسفهاء شيئا واحدا ، وهم الفرقة المفتعلة من التصوّف(٣) ، وما يدينون به من المحبّة والعشق والتغنّي على كراسيّهم ـ خرّبها الله تعالى ـ وفي مراقصهم ـ عطّلها الله ـ بأبيات الغزل المقولة في المردان(٤) الّذين يسمّونهم : شهداء ، وصعقاتهم التي أين منها صعقة موسى عند دكّ الطور!! فتعالى الله عنه علوّا كبيرا »(٥) .

__________________

(١) شرح التجريد : ٤٢٥.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥٤.

(٣) في المصدر : « وهم الفرقة المتفعّلة المفتعلة من الصوف » وهو الأنسب بالسياق.

(٤) المردان : جمع أمرد على غير قياس ، كأسود وسودان ، وقياسه : مرد.

والأمرد : هو الشابّ الذي طرّ شاربه ولم تنبت ، ولم تبد لحيته بعد.

انظر مادّة « مرد » في : لسان العرب ١٣ / ٧٠ ، تاج العروس ٥ / ٢٥١ ، القاموس المحيط ١ / ٣٥٠ ، المصباح المنير : ٢١٧.

(٥) تفسير الكشّاف ١ / ٦٢١ ـ ٦٢٢.

٢١١

وكيف ينكر على المصنّف؟! والحال أنّ ابن الفارض(١) ، وهو من أكبر مشايخهم ، قد كان جلّ فضائله عندهم : الرقص والغناء والصعقة في اللهو واللعب!

فلو لم يكن ذلك طريقة مألوفة عندهم ، وشرفا كبيرا بينهم ، لما مدحوه بتلك الجهالات.

نقل شارح ديوانه عن ولده ، أنّه قال : رأيت الشيخ نهض ورقص طويلا ، وتواجد وجدا عظيما ، وتحدّر منه عرق كثير ، حتّى سال تحت قدميه ، وخرّ إلى الأرض واضطرب اضطرابا عظيما

إلى أن قال : فسألته عن سبب ذلك ، فقال : يا ولدي! فتح الله عليّ بمعنى في بيت لم يفتح عليّ مثله ، وهو [ من الكامل ] :

__________________

(١) هو : عمر بن علي بن مرشد بن علي ، الحموي الأصل ، المصري المولد والدار والوفاة ، ولد سنة ٥٧٦ وتوفّي سنة ٦٣٢ ه‍ ، أشعر المتصوّفين ، له ديوان شعر ، وفي شعره فلسفة تتّصل بما يسمّى « وحدة الوجود » ، وكان يلقّب بسلطان العاشقين.

وقد كانت له جوار بالبهنسا ـ وهي مدينة بمصر في الصعيد الأدنى غربي النيل ـ يذهب إليهنّ فيغنّين له بالدفّ والشبّابة وهو يرقص ويتواجد! فماتت إحداهنّ فاشترى جارية تغني له بدلها.

قال عنه الذهبي : صاحب الاتّحاد الذي قد ملأ به التائية ، فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتّحاد الذي لا حيلة في وجوده ، فما في العالم زندقة ولا ضلال! شيخ « الاتّحادية » ينعق بالاتّحاد الصريح في شعره ، وهذه بليّة عظيمة! فتدبّر نظمه وما ثمّ إلّا زيّ الصوفية وإشارات مجملة ، وتحت الزيّ والعبارة فلسفة وأفاعي!

انظر : معجم البلدان ١ / ٦١٢ رقم ٢٢٨٤ ، وفيات الأعيان ٣ / ٤٥٤ رقم ٥٠٠ ، سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٣٦٨ رقم ٢٣٢ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٢٥٨ رقم ٦١٧٩ ، لسان الميزان ٤ / ٣١٧ رقم ٩٠٢ ، الكواكب الدرّية في تراجم السادة الصوفية ٢ / ١٤٧ رقم ٥٧٥ ، شذرات الذهب ٥ / ١٤٩ سنة ٦٣٢ ه‍ ، الأعلام ٥ / ٥٥.

٢١٢

وعلى تفنّن واصفيه بحسنه

يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف(١)

وقال ولده : كان الشيخ ماشيا في السوق بالقاهرة ، فمرّ على جماعة من الحرس يضربون بالناقوس ويغنّون بهذين البيتين ، وهما [ من المواليا(٢) ] :

مولاي [ سهرنا ] نبتغي منك وصال

مولاي فلم تسمح فنمنا بخيال

مولاي فلم يطرق فلا شكّ بأن

ما نحن إذا عندك مولاي ببال

فلمّا سمعهم الشيخ صرخ صرخة عظيمة ، ورقص رقصا كثيرا في

__________________

(١) شرح ديوان ابن الفارض ١ / ١٠ ، وقد كان في الأصل : « ما لا يوصف » بدل « ما لم يوصف » وهو تصحيف أصلحناه من الديوان وشرحه ؛ انظر : ديوان ابن الفارض : ١٤٧.

(٢) المواليا : هو من فنون الشعر المتأخّرة الموضوعة للغناء ، ولا يلزم فيه مراعاة قوانين العربية ، وهو من بحر البسيط لو لا أنّ له أضربا تخرجه عنه ، أوّل من اخترعه أهل واسط ، اقتطعوا من البسيط بيتين وقفوا شطر كلّ بيت بقافية ، تعلّمه عبيدهم المتسلّمون عمارتهم والغلمان ، وصاروا يغنّون به في رؤوس النخل وعلى سقي المياه ، ويقولون في آخر كلّ صوت : « يا مواليا » إشارة إلى ساداتهم ، فسمّي بهذا الاسم ، ثمّ استعمله البغداديّون فلطّفوه حتّى عرف بهم دون مخترعيه ثمّ شاع.

وقيل : إنّ أوّل من تكلّم بهذا النوع بعض أتباع البرامكة بعد نكبتهم ، فكانوا ينوحون عليهم ويكثرون من قولهم : « يا مواليّا » ، فصار يعرف بهذا الاسم.

ونسج عليه كثير من شعراء الفترة المظلمة ، وبالأخصّ في مصر ، وهو يتركّب في الغالب من بيتين تختتم أشطرهما الأربعة برويّ واحد ، وكثيرا ما تسكّن بالحشو أواخر الألفاظ ، ويدخل فيه من كلام العامة ، ومنه قول صفي الدين الحلّي :

من قال جودة كفوفك والحيا مثلين

أخطا القياس وفي قوله جمع ضدّين

ما جدت إلّا وثغرك مبتسم يا زين

وذاك ما جاد إلّا وهو باكي العين

انظر : تاج العروس ٢٠ / ٣١٦ ـ ٣١٧ مادّة « ولي » ، ميزان الذهب : ٢٤٠ ـ ٢٤١.

٢١٣

وسط الطريق ، ورقص جماعة كثيرة من المارّين في الطريق ، حتّى صارت جولة وإسماع عظيم [ وتواجد الناس إلى أن سقط أكثرهم إلى الأرض ] والحرس يكرّرون ذلك ، وخلع الشيخ كلّ ما [ كان ] عليه من الثياب ورمى بها إليهم ، وخلع الناس معه ثيابهم ، وحمل بين الناس إلى الجامع الأزهر وهو عريان مكشوف الرأس وأقام في هذه السكرة أيّاما ملقى على ظهره مسجّى كالميّت

وفي تتمّة الواقعة أنّهم اتّخذوا ثيابه للتبرّك(١) !

وحكى ولده ، قال : « حجّ الشيخ شهاب الدين السهروردي شيخ الصوفية ـ إلى أن قال : ـ فصرخ الشيخ شهاب الدين ، وخلع كلّ ما كان عليه ، وخلع المشايخ والقوم الحاضرون كلّ ما كان عليهم »(٢) .

فهذه فضائلهم ، بين تجنّن ، ورقص ، وغناء ، وكشف العورات ، وترك الصلاة أيّاما ، يدّعون بذلك حبّ الله وذكره وعبادته [ من الوافر ] :

أقال الله : صفّق لي وغنّ

وقل كفرا ، وسمّ الكفر ذكرا؟!

وأمّا ما وصفهم به من ترك اللذّات والشهوات ، فالظاهر أنّه من قبيل ما انتقاه من ترك شرب الماء سنة ، الذي لا يصدّق به عاقل ، وهو ممّا لم ترد به الشريعة المطهّرة ، بل حرّمته ؛ لأنّه من الإلقاء باليد إلى التهلكة ، وإضرار النفس وتأليمها.

فليت شعري أكان نبيّنا الأطيب ، والأنبياء قبله ، وخواصّهم ، على

__________________

(١) شرح ديوان ابن الفارض ١ / ١٠ ، وانظر : ج ٢ / ١٩٧ بتفصيل آخر قريب منه.

(٢) شرح ديوان ابن الفارض ١ / ١٣.

٢١٤

تلك الآداب والأحوال السخيفة والعبادات الساخرة؟!

أو كان المشايخ أفضل منهم وأعرف بالله وأعبد له؟!

أو كانت الأحوال والعبادات ممّا زيّنها الشيطان والهوى ، ودعت إليها النفس الأمّارة ، للسمعة والامتياز على الناس؟!

وأمّا ما ذكره من أنّ المصنّف صنّف هذا الكتاب طلبا لرضا السلطان ، فمن المضحكات ؛ لأنّ ذلك السلطان الرشيد ، إنّما نال سعادة الإيمان بسعي الإمام المصنّف وإرشاده ، وهو أمسّ من السلطان بمذهب الإمامية ، فكيف يطلب رضاه بتصنيف هذا الكتاب؟!

وأعجب من ذلك قوله : « ليعطيه إدرارا » فإنّ هذا ليس من عادة علماء الإمامية ، لا سيّما المصنّف ، الذي طلّق الدنيا بعد أن جاءته ، وهجر الرئاسة بعد أن واتته وعاد إلى بلاده!

وأعجب من الجميع نسبة الجهل بالتفسير إلى المصنّف ، وذكره أحد الوجهين في نزول الآية ؛ ليروّج فيه تأييد طريقة الصوفية ، وإلّا فالمذكور عند أصحابه في نزول الآية وجهان :

أحدهما : ما ذكره(١) .

والثاني : ما عن ابن عبّاس : كانت بطون قريش يطوفون بالبيت عراة ، يصفّرون ويصفّقون(٢) .

__________________

(١) مرّ في الصفحة ٢٠٤.

(٢) تفسير الطبري ٦ / ٢٣٩ ح ١٦٠٤٨ ، تفسير البغوي ٢ / ٢٠٨ ، الكشّاف ٢ / ١٥٦ ، تفسير القرطبي ٧ / ٢٥٤ ، تفسير البيضاوي ١ / ٣٨٣ ، تفسير البحر المحيط ٤ / ٤٩١ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٢٩٣ ، الدرّ المنثور ٤ / ٦١.

٢١٥

ونحوه عن ابن عمر(١) .

فهم يقيمون الصفير والتصفيق مقام الصلاة بحسب طريقتهم(٢) .

وهذا الوجه أنسب بتعبير الآية بالصلاة ، وأرجح عند المفسّرين ، وهو دالّ على إنّ الله سبحانه عاب أهل الجاهلية بجعل التصفيق عبادة ، فكيف إذا انضمّ إليه الرقص والغناء والصياح؟!

والمصنّف قد بيّن الإيراد على هذا الوجه الظاهر الراجح ، وإلّا فأيّ وجه لتسمية الآية لذلك العمل بالصلاة؟!

على أنّه لا تنافي بين الوجهين ؛ لجواز أن تكون قريش ـ بعبادتها السخيفة ـ أرادت أن توسوس على النبيّ ٦ في صلاته.

وأمّا قوله : « وقد أحلّ الله ورسوله اللهو في مواضع ».

فلو سلّم ، فلهو الصوفية خارج عن هذه المواضع عادة ، وهو دائم للعبادة في كراسيّهم ومراقصهم ، كما يستفاد من كلام « الكشّاف » السابق(٣) ، ولا يتوقّف على وقت وشرط كاستماعهم للغناء.

روى ابن خلّكان في ترجمة الجنيد من « وفيات الأعيان » ، وهو من أكبر مشايخ الصوفية ، أنّه قال : ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها! قيل له : وما هي؟ قال : مررت بدرب القراطيس فسمعت جارية تغنّي من

__________________

(١) تفسير الطبري ٦ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ح ١٦٠٤٠ ـ ١٦٠٤٣ و ١٦٠٤٦ و ١٦٠٤٧ ، أسباب النزول ـ للنيسابوري ـ : ١٣١ ، لباب النقول : ١١١.

(٢) تنوير المقباس : ١٩٢ ، تفسير الطبري ٦ / ٢٣٨ ح ١٦٠٣٨ ، تفسير الماوردي ٢ / ٣١٦ ، زاد المسير ٣ / ٢٦٩ ، تفسير الفخر الرازي ١٥ / ١٦٥ ، الدرّ المنثور ٤ / ٦١.

(٣) تقدّم في الصفحة ٢١١.

٢١٦

دار ، فأنصتّ لها ، فسمعتها تقول [ من الطويل ] :

إذا قلت : أهدى الهجر لي حلل البلى(١)

تقولين : لولا الهجر لم يطب الحبّ

وإن قلت : هذا القلب أحرقه الهوى

تقولي : بنيران الهوى شرف القلب

وإن قلت : ما أذنبت! قلت مجيبة :

حياتك ذنب لا يقاس به ذنب

فصعقت وصحت(٢) !

وليت شعري كيف حسن له الإنصات إلى غناء الأجنبية؟!

وكيف لم ينتفع بكتاب الله العظيم ، وكلمات نبيّه الكريم مثل ما انتفع بشعر المغنّية؟!

وظنّي أنّه لو انضمّ إلى غناها رقصها معه لكان أنفع!!

وأمّا ما شاهده المصنّف في حضرة سيّد الشهداء ٧ ، فغير عجيب من جهة ترك الصلاة ، فهذا ابن الفارض ـ المعظّم عندهم ـ قد أقام أيّاما في سكرته بلا صلاة ، كما عرفت.

وقال شارح ديوانه : « حكى جماعة ممّن يوثق بهم ، ممّن صحبوه وباطنوه ، أنّه لم ينظمها ـ أي قصيدته التي زعم أنّ النبيّ ٦ في المنام

__________________

(١) البلى : التلف والهلاك ، وبلي الثوب : خلق فهو بال ، وإخلاق الثوب : تقطيعه ، وبلي الميّت : أفنته الأرض.

انظر : المصباح المنير : ٢٤ مادّة « بلي » ، لسان العرب ٤ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، مادّة « خلق ».

(٢) وفيات الأعيان ١ / ٣٧٤ رقم ١٤٤.

٢١٧

سمّاها ب‍ : نظم السلوك ـ على حدّ نظم الشعراء أشعارهم ، بل كانت تحصل له جذبات يغيب فيها عن حواسّه [ نحو ] الأسبوع والعشرة أيّام ؛ فإذا أفاق أملى ما فتح الله عليه منها من الثلاثين والأربعين والخمسين بيتا! ثمّ يدع حتّى يعاوده(١) ذلك الحال »(٢) .

والظاهر أنّ المراد بغيبوبة حواسّه مجرّد تعطيل حركاته الظاهرية عن فعل الواجبات ونحوها ، وإلّا فكيف يقدر على نظم الشعر ، ولا يمكن دعوى الكرامة ـ بفتح الله عليه ـ من دون شعوره أصلا؟! فإنّ الكرامة لا تكون مع عدم التوفيق للصلاة التي هي عمود الدين.

وكذا ما شاهده المصنّف غير عجيب من جهة دعوى الوصول إلى الله تعالى ، فإنّ عليها جماعة من الصوفية كما صرّح به ابن القيّم الحنبلي في « شرح منازل السائرين » ـ على ما نقله السيّد السعيد عنه ـ قال : « ويعرض للسالك على درب الفناء معاطب ومهالك ، لا ينجيه منها إلّا بصيرة العلم ، منها : [ أنّه ] إذا اقتحم عقبة الفناء ظنّ أنّ صاحبها قد سقط عنه الأمر والنهي ، ويقول قائلهم : من شهد الحقيقة سقط عنه الأمر ؛ ويحتجّون بقوله تعالى : (اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )(٣) ، ويفسّرون ( اليقين ) بشهود الحكم التكويني(٤) ، وهي الحقيقة عندهم ؛ وهذا زندقة ونفاق وكذب منهم على أنفسهم ونبيّهم وإلههم »(٥) .

__________________

(١) في الأصل : يعتاده.

(٢) شرح ديوان ابن الفارض ١ / ٨.

(٣) سورة الحجر ١٥ : ٩٩.

(٤) في المصدر : الكوني.

(٥) مدارج السالكين في شرح منازل السائرين ١ / ١٦٠ ـ ١٦٤ ، وعنه في إحقاق الحقّ ١ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

٢١٨

وعن الغزّالي في « الإحياء » أنّه أنكر على دعواهم بلوغ العبد بينه وبين الله إلى حالة أسقطت عنه الصلاة ، وأحلّت له شرب الخمر ، ولبس الحرير ، وترك الصلاة ، ونحوها ، وحكم بأنّ قائل هذا يجب قتله ، وإن كان في خلوده في النار نظر(١) .

وعن اليافعي اليمني الشافعي(٢) ، أنّه انتصر لهم في كتابه الموسوم ب‍ : « روض الرياحين »(٣) ، وردّ على الغزّالي ، فقال : « ولو أنّ الله تعالى أذن

__________________

(١) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ـ المطبوع ضمن مجموعة رسائل الغزّالي ـ :٢٤٨ ، وعنه في إحقاق الحقّ ١ / ٢٠١.

ولم نجده في « إحياء علوم الدين » ، ولعلّ الكتاب المذكور كان ملحقا بكتاب « الإحياء » في إحدى طبعاته فنسب النصّ إليه دونه سهوا ، أو كان فصلا أو بابا من « الإحياء » ثمّ انتسخ وكثرت نسخه على شكل رسالة مستقلّة ، وكم له من نظير!

كما حكم ابن حزم بكفرهم حين ذكر شنائع عقائدهم ، فانظر : الفصل ٣ / ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٢) هو : أبو السعادات عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني الشافعي ، ويافع قبيلة باليمن من قبائل حمير ، ولد سنة ٦٩٨ ه‍ ، وتوفّي بمكّة المكرّمة سنة ٧٦٨ ه‍ ، صوفي شاعر ، كان يتعصّب للأشعري ، وله مبالغة في تعظيم ابن عربي ، مشارك في العلوم ، له تصانيف كثيرة ، منها : مرآة الجنان وعبرة اليقظان ، روض الرياحين في حكايات الصالحين ، مرهم العلل المعضلة في أصول الدين ، الإرشاد والتطريز في التصوّف ، ديوان شعر.

انظر : طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ١٠ / ٣٣ رقم ١٣٥٤ ، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ ٢ / ٣٣٠ رقم ١٢٨٩ ، الكواكب الدرّية في تراجم السادة الصوفية ٣ / ٢٤ رقم ٦٣٥ ، شذرات الذهب ٦ / ٢١٠ سنة ٧٦٨ ه‍ ، البدر الطالع : ٣٨٥ رقم ٢٥٥ ، هديّة العارفين ٥ / ٤٦٥ ، معجم المؤلّفين ٢ / ٢٢٩ رقم ٧٨٣٣.

(٣) كان في الأصل : « رفض الصالحين » وفي إحقاق الحقّ : « روض الصالحين » ، وكلاهما تصحيف بيّن من اسم كتابه « روض الرياحين في حكايات الصالحين » ،

٢١٩

لبعض عباده أن يلبس ثوب حرير مثلا ، وعلم العبد ذلك الإذن يقينا فلبسه ، لم يكن منتهكا(١) للشرع »!

ثمّ قال : « فإن قيل : من أين يحصل له علم اليقين؟!

قلت : من حيث حصل للخضر حيث قتل الغلام ، وهو وليّ لا نبيّ ـ على القول الصحيح ـ عند أهل العلم ، كما إنّ الصحيح عند أهل الجمهور [ منهم ] أنّه الآن حيّ ، وبهذا قطع الأولياء ، ورجّحه الفقهاء والأصوليّون وأكثر المحدّثين »(٢) .

وفيه :

أنّه لو جاز هذا ، لجاز نسخ أحكام الشريعة بلا نبوّة!

ومن سوّغ هذا فقد أعطى منزلة الأنبياء لغيرهم ، وأثبت أنبياء بلا خاصّة نبوّة ـ من العصمة ، والنصّ من الله تعالى ، ونحوهما ـ ، ونفى الحاجة إلى النبيّ في الأحكام!

وهذا مخالف لضرورة الدين ،

وقد قال رسول الله ٦ : «حلال محمّد حلال [ أبدا ] إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام [ أبدا ] إلى يوم القيامة »(٣) .

__________________

وقد أثبتنا الصحيح وفق ما ورد في ترجمته من كتب التراجم ؛ انظر الهامش السابق.

(١) كان في الأصل وإحقاق الحقّ : « متهتّكا » وهو تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) روض الرياحين : ٥٥٥ ، وعنه في إحقاق الحقّ ١ / ٢٠١.

(٣) الكافي ١ / ٧٩ ح ١٧٥ والحديث فيه عن الإمام أبي عبد الله الصادق ٧.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456