دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 141025 / تحميل: 5354
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من بين المسلمين علماء في كافة التخصصات للرجوع إليهم.

وينبغي التنويه هنا إلى ضرورة الرجوع إلى المتخصص الثابت علمه وتمكنه في اختصاصه، بالإضافة إلى توفر عنصر الإخلاص في عمله فهل يصح أن نراجع طبيبا متخصصا ـ على سبيل المثال ـ غير مخلص في علمه؟!

ولهذا وضع شرط العدالة في مسائل التقليد إلى جانب الاجتهاد والأعلمية ، أي لا بدّ لمرجع التقليد من أن يكون تقيا ورعا بالإضافة إلى علميته في المسائل الإسلامية.

* * *

٢٠١

الآيات

( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) )

التّفسير

لكلّ ذنب عقابه :

ثمّة ربط في كثير من بحوث القرآن بين الوسائل الاستدلالية والمسائل الوجدانية بشكل مؤثر في نفوس السامعين ، والآيات أعلاه نموذج لهذا الأسلوب.

فالآيات السابقة عبارة عن بحث منطقي مع المشركين في شأن النّبوة والمعاد ، في حين جاءت هذه الآيات بالتهديد للجبابرة والطغاة والمذنبين.

فتبتدأ القول :( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) من الذين حاكوا الدسائس المتعددة حسبا منهم لإطفاء نور الحق والإيمان( أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ) .

فهل ببعيد (بعد فعلتهم النكراء) أن تتزلزل الأرض زلزلة شديدة فتنشق القشرة الأرضية لتبتلعهم وما يملكون ، كما حصل مرارا لأقوام سابقة؟!

٢٠٢

«مكروا السيئات» : بمعنى وضعوا الدسائس والخطط وصولا لأهدافهم المشؤمة السيئة ، كما فعل المشركون للنيل من نور القرآن ومحاولة قتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما مارسوه من إيذاء وتعذيب للمؤمنين المخلصين.

«يخسف» : من مادة «خسف» ، بمعنى الاختفاء ، ولهذا يطلق على اختفاء نور القمر في ظل الأرض اسم (الخسوف) ، يقال (بئر مخسوف) للذي اختفى ماؤه ، وعلى هذا يسمّى اختفاء الناس والبيوت في شق الأرض الناتج من الزلزلة خسفا.

ثمّ يضيف :( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) أي عند ذهابهم ومجيئهم وحركتهم في اكتساب الأموال وجمع الثروات.( فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

وكما قلنا سابقا ، فإنّ «معجزين» من الإعجاز بمعنى ازالة قدرة الطرف الآخر ، وهي هنا بمعنى الفرار من العذاب ومقاومته.

أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقرونا بالأنذار المتكرر :( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) .

فاليوم مثلا ، يصاب جارهم ببلاء ، وغدا يصاب أحد أقربائهم ، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم والخلاصة ، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الأخرى ، فإن استيقظوا فما أحسن ذلك ، وإلّا فسيصيبهم العقاب الإلهي ويهلكهم.

إنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة ، واللهعزوجل لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) .

ومن الملفت للنظر في الآيات مورد البحث ، ذكرها لأربعة أنواع من العذاب الإلهي :

الأوّل : الخسف.

الثّاني : العقاب المفاجئ الذي يأتي الإنسان على حين غرة من أمره.

الثّالث : العذاب الذي يأتي الإنسان وهو غارق في جمع الأموال وتقلبه في

٢٠٣

ذلك.

الرّابع : العذاب والعقاب التدريجي.

والمسلم به أنّ نوع العذاب يتناسب ونوع الذنب المقترف ، وإن وردت جميعها بخصوص( الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) لعلمنا أنّ أفعال الله لا تكون إلّا بحكمة وعدل.

وهنا لم نجد رأيا للمفسّرين ـ في حدود بحثنا ـ حول هذا الموضوع ، ولكن يبدو أنّ النوع الأوّل من العقاب يختص بأولئك المتآمرين الذين هم في صف الجبارين والمستكبرين كقارون الذي خسف الله تعالى به الأرض وجعله عبرة للناس ، مع ما كان يتمتع به من قدرة وثروة.

أمّا النوع الثّاني فيخص المتآمرين الغارقين بملذات معاشهم وأهوائهم ، فيأتيهم العذاب الإلهي بغتة وهم لا يشعرون.

والنوع الثّالث يخص عبدة الدنيا المشغولين في دنياهم ليل نهار ليضيفوا ثروة إلى ثروتهم مهما كانت الوسيلة ، حتى وإن كانت بارتكاب الجرائم والجنايات وصولا لما يطمحون له! فيعذبهم الله تعالى وهم على تلك الحالة(1) .

وأمّا النوع الرّابع من العذاب فيخص الذين لم يصلوا في طغيانهم ومكرهم وذنوبهم إلى حيث اللارجعة ، فيعذبهم الله بالتخويف. أي يحذرهم بإنزال العذاب الأليم في أطرافهم فإن استيقظوا فهو المطلوب ، وإلّا فسينزل العذاب عليهم ويهلكهم.

وعلى هذا ، فإنّ ذكر الرأفة والرحمة الإلهية ترتبط بالنوع الرّابع من الذين مكروا السّيئات ، الذين لم يقطعوا كل علائقهم مع الله ولم يخربوا جميع جسور العودة.

* * *

__________________

(1) مع أنّ «التقلب» لغة ، بمعنى التردد والذهاب والمجيء ، مطلقا ولكن في هكذا موارد ـ كما قال أكثر المفسّرين وتأييد الرّوايات لذلك ـ بمعنى التردد في طريق التجارة وكسب المال ـ فتأمل.

٢٠٤

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) )

التّفسير

سجود الكائنات للهعزوجل :

تعود هذه الآيات مرّة أخرى إلى التوحيد بادئة ب :( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ ) (1) .

أي : ألم يشاهد المشركون كيف تتحرك ظلال مخلوقات الله يمينا وشمالا لتعبر عن خضوعها وسجودها له سبحانه؟!

ويقول البعض : إنّ العرب تطلق على الظلال صباحا اسم (الظل) وعصرا

__________________

(1) داخر : في الأصل من مادة (دخور) أي : التواضع.

٢٠٥

(الفيء) ، وإذا ما نظرنا إلى تسمية (الفيء) لقسم من الأموال والغنائم لوجدنا إشارة لطيفة لحقيقة إنّ أفضل غنائم وأموال الدنيا لا تلبث أن تزول ولا يعدو كونها كالظل عند العصر.

ومع ملاحظة ما اقترن بذكر الظلال في هذه الآية من يمين وشمال ، وإنّ كلمة الفيء استعملت للجميع فيستفاد من ذلك : أن الفيء هنا ذو معنى واسع يشمل كل أنواع الظلال.

فعند ما يقف الإنسان وقت طلوع الشمس متجها نحو الجنوب فإنّه سيرى شروق قرص الشمس من الجهة اليسرى لأفق الشرق ، فتقع ظلال جميع الأشياء المجسمة على يمينه (جهة الغرب) ، ويستمر هذا الأمر حتى تقترب الظلال نحو الجهة اليمنى لحين وقت الظهر، وعندها ستتحول الظلال إلى الجهة المعاكسة (اليسرى) وتستمر في ذلك حتى وقت الغروب فتصبح طويلة وممتدة نحو الشرق ، ثمّ تغيب وتنعدم عند غروب الشمس.

وهنا يعرض الباري سبحانه حركة ظلال الأجسام يمينا وشمالا بعنوانها مظهرا لعظمته جل وعلا واصفا حركتها بالسجود والخضوع.

أثر الظلال في حياتنا :

ممّا لا شك فيه أنّ لظلال الأجسام دور مؤثر في حياتنا ، ولعل الكثير منّا غير ملتفت إلى هذه الحقيقة ، فوضع القرآن الكريم إصبعه على هذه المسألة ليسترعي الانتباه لها.

للظلال (التي هي ليست سوى عدم النّور) فوائد جمّة :

1 ـ كما أنّ لأشعة الشمس دور أساسي في حياتنا ، فكذلك الظلال ، لأنّها تقوم بعملية تعديل شدّة الحرارة لأشعة الشمس.

إنّ الحركة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل ومؤثر ، وبدون

٢٠٦

الظلال فسيحترق كل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة وبدرجة واحدة ولمدّة طويلة.

2 ـ وثمّة موضوع مهم آخر وربّما على خلاف تصور معظم الناس ، ألا وهو :إنّ النّور ليس هو السبب الوحيد في رؤية الأشياء ، بل لا بدّ من اقتران الظل بالنّور لتحقيق الرؤية بشكل طبيعي.

وبعبارة أخرى : إنّ النّور لو كان يحيط بجسم ما ويشع عليه باستمرار بما لا يكون هناك مجالا للظل أو نصف الظل ، فإنّه والحال هذه لا يمكن رؤية ذلك الجسم وهو غارق بالنّور

أي : كما أنّه لا يمكن رؤية الأشياء في الظلمة القائمة ، فكذا الحال بالنسبة للنور التام ، ويمكن رؤية الأشياء بوجود النّور والظلمة (النّور والظلال).

وعلى هذا يكون للظلال دور مؤثر جدّا في مشاهدة وتشخيص ومعرفة الأشياء وتمييزها ـ فتأمل.

وثمّة ملاحظة أخرى في الآية : وهي : ورود «اليمين» بصيغة المفرد في حين جاءت الشمال بصيغة الجمع «شمائل».

فالاختلاف في التعبير يمكن أن يكون لوقوع الظل في الصباح على يمين الذي يقف مواجها للجنوب ثمّ يتحرك باستمرار نحو الشمال حتى وقت الغروب حين يختفي في أفق الشرق(1) .

واحتمل المفسّرون أيضا : مع أن كلمة (اليمين) مفردا إلّا أنّه يمكن أن يراد بها الجمع في بعض الحالات ، وهي في هذه الآية تدل على الجمع(2) .

وجاء في الآية أعلاه ذكر سجود الظلال بمفهومه الواسع ، أما في الآية التالية فقد جاء ذكر السجود بعنوانه برنامجا عاما شاملا لكل الموجودات المادية وغير

__________________

(1) تفسير القرطبي ، ضمن تفسير الآية.

(2) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج 7 ، ص 110.

٢٠٧

المادية ، وفي أي مكان ، فيقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ، مسلمين لله ولأوامره تسليما كاملا.

وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة ، وما نؤديه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلّا مصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.

وبما أنّ جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلمة للقوانين العامّة لعالم الوجود، التي أفاضتها الإرادة الإلهية فإنّ جميع المخلوقات في حالة سجود له جلّ وعلا ، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن مسير هذه القوانين ، وكلها مظهرة لعظمة وعلم وقدرة الباريعزوجل ، ولتدلل على أنّها آية على غناه وجلاله والخلاصة : كلها دليل على ذاته المقدسة.

«الدابة» : بمعنى الموجودات الحية ، ويستفاد من ذكر الآية لسجود الكائنات الحية في السماوات والأرض على وجود كائنات حية في الأجرام السماوية المختلفة علاوة على ما موجود على الأرض.

وقد احتمل البعض : عبارة «من دابة» قيد لـ «ما في الأرض» فقط ، أي : إنّ الحديث يختص بالكائنات الحية الموجودة على الأرض.

ويبدو ذلك بعيدا بناء على ما جاء في الآية (29) من سورة الشورى( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

صحيح أنّ السجود والخضوع التكويني لا ينحصر بالكائنات الحية ، ولكنّ تخصيص الإشارة بها لما تحمله من أسرار وعظمة الخلق أكثر من غيرها.

وبما أنّ مفهوم الآية يشمل كلا من : الإنسان العاقل المؤمن ، والملائكة ، والحيوانات الأخرى ، فقد استعمل لفظ السجود بمعناه العام الذي يشمل السجود الاختياري والتشريعي وكذا التكويني الاضطراري.

أمّا الإشارة إلى الملائكة بشكل منفصل في الآية فلأنّ الدابة تطلق على الكائنات الحيّة ذات الجسم المادي فقط ، بينما للملائكة حركة وحضور وغياب ،

٢٠٨

ولكن ليس بالمعنى المادي الجسماني كي تدخل ضمن مفهوم «الدابة».

وروي في حديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ لله تعالى ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله تعالى ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صارت ملكا ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حق عبادتك»(1) .

أمّا جملة( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) فإشارة لحال وشأن الملائكة التي لا يداخلها أيّ استكبار عند سجودها وخضوعها للهعزوجل .

ولهذا ذكر صفتين للملائكة بعد تلك الآية مباشرة وتأكيدا لنفي حالة الاستكبار عنهم :( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

كما جاء في الآية (6) من سورة التحريم في وصف جمع من الملائكة :( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

ويستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ علامة نفي الاستكبار شيئان :

أ ـ الشعور بالمسؤولية وإطاعة الأوامر الإلهية من دون أي اعتراض ، وهو وصف للحالة النفسية لغير المستكبرين.

ب ـ ممارسة الأوامر الإلهية بما ينبغي والعمل وفق القوانين المعدة لذلك

وهذا انعكاس للأول ، وهو التحقيق العيني له.

وممّا لا ريب فيه أنّ عبارة( مِنْ فَوْقِهِمْ ) ليست إشارة إلى العلو الحسي والمكاني ، بل المراد منها العلو المقامي ، لأنّ اللهعزوجل فوق كل شي مقاما.

كما نقرأ في الآية (61) من سورة الأنعام :( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) ، وكذلك في الآية (127) من سورة الأعراف :( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) حينما أراد فرعون أن يظهر قدرته وقوته!

* * *

__________________

(1) مجمع ذيل البيان ، ذيل الآية المبحوثة.

٢٠٩

الآيات

( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) )

التّفسير

دين حق ومعبود واحد :

تتناول هذه الآيات موضوع نفي الشرك تعقيبا لبحث التوحيد ومعرفة الله عن طريق نظام الخلق الذي ورد في الآيات السابقة ، لتتّضح الحقيقة من خلال المقارنة بين الموضوع ، ويبتدأ ب :( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .

وتقديم كلمة «إيّاي» يراد بها الحصر كما في «إيّاك نعبد» أي : يجب الخوف

٢١٠

من عقابي لا غير.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية أشارت إلى نفي وجود معبودين في حين أن المشركين كانوا يعبدون أصناما متعددة.

ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى إحدى النقاط التالية أو إلى جميعها :

1 ـ إنّ الآية نفت عبادة اثنين ، فكيف بالأكثر؟!

وبعبارة أخرى : إنّها بيّنت الحد الأدنى للمسألة ليتأكّد نفي الأكثر ، وأيّ عدد ننتخبه (أكثر من واحد) لا بدّ له أن يمر بالإثنين.

2 ـ كل ما يعبد من دون الله جمع في واحد ، فتقول الآية : أن لا تعبدوها مع الله ، ولا تعبدوا إلهين (الحق والباطل).

3 ـ كان العرب في الجاهلية قد انتخبوا معبودين :

الأوّل : خالق العالم ، أي اللهعزوجل وكانوا يؤمنون به.

والثّاني : الأصنام ، واعتبروها واسطة بينهم وبين الله ، واعتبروها كذلك منبعا للخير والبركة والنعمة.

4 ـ يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى نفي عقيدة (الثنويين) القائلين بوجود إله للخير وآخر للشر ، ومع انتخابهم لأنفسهم هذا المنطق الضعيف الخاطئ ، إلّا إنّ عبدة الأصنام قد غالوا حتى في هذا المنطق وتجاوزوه لمجموعة من الآلهة!

وينقل المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي في تفسير هذه الآية عبارة لطيفة نقلها عن بعض الحكماء : (نهاك ربك أن تتخذ إلهين فاتخذت آلهة ، عبدت : نفسك وهواك ، وطبعك ومرادك ، وعبدت الخلق فأنّى تكون موحدا).

ثمّ يوضح القرآن أدلة توحيد العبادة بأربعة بيانات ضمن ثلاث آيات فيقول أوّلا( وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فهل ينبغي السجود للأصنام التي لا تملك شيئا ، أم لمن له ما في السموات والأرض؟

ثمّ يضيف :( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) .

٢١١

فعند ما يثبت أن عالم الوجود منه ، وهو الذي أوجد جميع قوانينه التكوينية فينبغي أن تكون القوانين التشريعية من وضعه أيضا ، ولا تكون طاعة إلّا له سبحانه.

«واصب» : من «الوصوب» ، بمعنى الدوام. وفسّرها البعض بمعنى (الخالص) (ومن الطبيعي أن ما لم يكن خالصا لم يكن له الدوام. أما الذين اعتبروا «الدين» هنا بمعنى الطّاعة ، فقد فسّروا «واصبا» بمعنى الواجب ، أي : يجب إطاعة الله فقط.

ونقرأ في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ شخصا سأله عن قول الله( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) قال : «واجبا»(1) .

والواضح أنّ هذه المعاني متلازمة جميعها.

ثمّ يقول في نهاية الآية :( أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ ) .

فهل يمكن للأصنام أن تصدّ عنكم المكروه أو أن تفيض عليكم نعمة حتى تتقوها وتواظبوا على عبادتها؟!

هذا( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ) .

فهذه الآية تحمل لبيان الثّالث بخصوص لزوم عبادة الله الواحد جلّ وعلا ، وأنّ عبادة الأصنام إن كانت شكرا على نعمة فهي ليست بمنعمة ، بل الكل بلا استثناء منّعمون في نعم الله تعالى ، وهو الأحق بالعبادة لا غيره.

وعلاوة على ذلك( ... ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ) .

فإن كانت عبادتكم للأصنام دفعا للضر وحلا للمعضلات ، فهذا من الله وليس من غيره ، وهو ما تظهره ممارستكم عمليا حين إصابتكم بالضر ، فلمن تلتجئون؟ إنّكم تتركون كل شيء وتتجهون إلى الله.

وهذا البيان الرّابع حول مسألة التوحيد بالعبادة.

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 373.

٢١٢

«تجئرون» : من مادة (الجؤار) على وزن (غبار) ، بمعنى صوت الحيوانات والوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم ، ثمّ استعملت كناية في كل الآهات غير الاختيارية الناتجة عن ضيق أو ألم.

إنّ اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى أنّه عند ما تتراكم عليكم الويلات ويحل بكم البلاء الشديد تطلقون حينها صرخات الإستغاثة اللااختيارية وأنتم بهذه الحال ، أتوجهون النداء لغيره سبحانه وتعالى؟! فلما ذا إذن في حياتكم الاعتيادية وعند ما تواجهون المشاكل اليسيرة تلتجئون إلى الأصنام؟!

نعم. فالله سبحانه يسمع نداءكم في كل الحالات ويغيثكم ويرفع عنكم البلاء( ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) بالعود إلى الأصنام!

وفي الحقيقة فالقرآن في الآية يشير إلى فطرة التوحيد في جميع الناس ، إلّا أنّ حجب الغفلة والغرور والجهل والتعصب والخرافات تغطيها في الأحوال الاعتيادية.

ولكن ، عند ما تهب عواصف البلاء تنقلع تلك الحجب فيظهر نور الفطرة براقا من جديد ليرى الناس لمن يتوجهون ، فيدعون الله مخلصين بكامل وجودهم ، فيرفع عنهم أغطية البلاء المتأتية من تلك الحجب ، (لاحظوا أنّ الآية قالت :( كَشَفَ الضُّرَّ ) أي : رفع أغطية البلاء).

ولكن عند ما تهدأ العاصفة ويرتفع البلاء وتعودون إلى شاطئ الأمان ، تعاودون من جديد على الغفلة والغرور ، وتظهرون الشرك بعبادتكم للأصنام مجددا!

وفي آخر آية (من الآيات مورد البحث) يأتي التهديد بعد إيضاح الحقيقة بالأدلة المنطقية :( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .

ويشبّه ذلك بتوجيه النصائح والإرشادات لمنحرف متخلف لا يفيد معه هذا الأسلوب المنطقي فيقطع معه الحديث باللين ليواجه بالتهديد عسى أن يرعوي

٢١٣

فيقال له : مع كل ما قلنا لك افعل ما شئت ولكن سترى نتيجة عملك عاجلا أم آجلا.

وعلى هذا فتكون اللام في «ليكفروا» يراد به التهديد ، وكذا «تمتعوا» أمر يراد به التهديد أيضا ، أمّا مجيء الفعل الأوّل بصيغة الغائب «ليكفروا» والثّاني بصيغة المخاطب «تمتعوا» ، فكأنه افترض غيابهم أوّلا فقال : ليذهبوا ويكفروا بهذه النعم ، وعند تهديدهم يلتفت إليهم ويقول : تمتعوا بهذه النعم الدنيوية قليلا فسيأتي اليوم الذي تدركون فيه عظم خطئكم وسترون عاقبة أعمالكم.

والآية (30) من سورة إبراهيم تشابه الآية المذكورة من حيث الغرض :( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (1)

* * *

__________________

(1) احتمل جمع من المفسّرين : أنّ «ليكفروا» غاية ونتيجة للشرك والكفر الذي نسب إليهم في الآية التي قبلها ، فيكون المعنى أنّهم بعد إنجائهم من الضر تركوا طريق التوحيد وساروا في طريق الشرك ليكفروا بنعم الله وينكرونها.

٢١٤

الآيات

( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) )

التّفسير

عند ما كانت ولادة البنت عارا!

بعد أن عرضت الآيات السابقة بحوثا استدلالية في نفي الشرك وعبادة الأصنام ، تأتي هذه الآيات لتتناول قسما من بدع المشركين وصورا من عاداتهم القبيحة ، لتضيف دليلا آخرا على بطلان الشرك وعبادة الأصنام ، فتشير الآيات إلى ثلاثة أنواع من بدع وعادات المشركين:

٢١٥

وتقول أوّلا :( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ ) (1) .

وكان النصيب عبارة عن قسم من الإبل بقية من المواشي بالإضافة إلى قسم من المحاصيل الزراعية ، وهو ما تشير إليه الآية (136) من سورة الأنعام :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا :( تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ) .

وسيكون بعد السؤال اعتراف لا مفر منه ثمّ الجزاء والعقاب ، وعليه فما تقومون به له ضرر مادي من خلال ما تعملونه بلا فائدة ، وله عقاب أخروي لأنّكم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غيره.

أمّا البدعة الثّانية فكانت :( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ) من التجسم ومن هذه النسبة.( وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ ) أي : إنّهم لم يكونوا ليقبلوا لأنفسهم ما نسبوا إلى الله ، ويعتبرون البنات عارا وسببا للشقاء!

وإكمالا للموضوع تشير الآية التالية إلى العادة القبيحة الثّالثة :( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) .(2)

ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل( يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ) .

ولم ينته المطاف بعد ، ويغوص في فكر عميق :( أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي

__________________

(1) ذكر المفسرون رأيين في تفسير «ما لا يعلمون» وضميرها :

الأول : أن ضمير «لا يعلمون» يعود إلى المشركين أي أن المشركين يجعلون للأصنام نصيبا وهم لا يعلمون لها خيرا وشرا (وهذا ما انتخبناه من تفسير).

والثاني : إن الضمير يعود إلى نفس الأصنام ، أي يجعلون للأصنام نصيبا في حين أنها لا تدرك ، لا تعقل ، لا تعلم! والتفسير الثاني يظهر نوعا من التضاد بين عبارات الآية ، لأن «ما» تستعمل عادة لغير العاقل و «يعلمون» تستعمل للعاقل عادة.

أما في التفسير الأول فـ «ما» تعود على الأصنام و «يعلمون» على عبدتها.

(2) الكظيم : تطلق على الإنسان الممتلئ غضبا.

٢١٦

التُّرابِ ) .

وفي ذيل الآية ، يستنكر الباري حكمهم الظالم الشقي بقوله :( أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

وأخيرا يشير تعالى إلى السبب الحقيقي وراء تلك التلوثات ، ألا هو عدم الإيمان بالآخرة :( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

فكلّما اقترب الإنسان من العزيز الحكيم انعكس في روحه نور صفاته العليا من العلم والقدرة والحكمة وابتعد عن الخرافات والبدع والأفعال القبيحة.

وكلما ابتعد عنه تعالى غرق بقدر ذلك البعد في ظلمات الجهل والضعف والذلة والقبائح.

فالسبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر الله وعن محكمته العادلة في الآخرة ، أمّا ذكر الله والآخرة فدافع أصيل للإحساس بالمسؤولية ومحاربة الجهل والخرافة ، وعامل قدرة وقوة وعلم للإنسان.

* * *

بحوث

1 ـ لماذا اعتبروا الملائكة بناتا لله؟

تطالعنا الكثير من آيات القرآن الكريم بأنّ المشركين كانوا يقولون بأنّ الملائكة بنات الله جلّ وعلا ، أو أنّهم كانوا يعتبرون الملائكة إناثا دون نسبتها إلى الله

كما في الآية (19) من سورة الزخرف :( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) ، وفي الآية (40) من سورة الإسراء :( أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً ) .

٢١٧

يمكن أن تكون هذه الإعتقادات بقايا خرافات الأقوام السابقة التي وصلت عرب الجاهلية ، أو ربما يحصل هذا الوهم بسبب ستر الملائكة عنهم وحال الاستتار أكثر ما يختص بحال النساء ، ولهذا تعتبر العرب الشمس مؤنثا مجازيا والقمر مذكرا مجازيا أيضا ، على اعتبار أنّ قرص الشمس لا يمكن للناظر إليه أن يديم النظر لأنه يستر نفسه بقوة نوره ، أمّا قرص القمر فظاهر للعين ويسمح للنظر إليه مهما طالت المدّة.

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى الكناية عن لطافة الملائكة ، والإناث أكثر من الذكور لطافة.

وعلى أية حال فهذه إحدى ترسبات الخرافات القديمة التي تكلست في مخيلة البشرية حتى وصلت للبعض ممن يعيش في يومنا هذا ، ولا تختص هذه الخرافة بقوم دون آخر لأنّنا نلاحظ وجودها في أدبيات عدد من لغات العالم! فنرى الأديب مثلا حينما يريد وصف جمال امرأة ينعتها بالملائكة ، وذاك الفنان الذي يريد أن يعبر عن الملائكة فيجعلها بهيئة النساء ، في حين أن الملائكة لا تملك جسما ماديا حتى يمكننا أن نصفه بالمذكر أو المؤنث.

2 ـ لما ذا شاع وأد البنات في الجاهلية؟

الوأد في واقعة أمر رهيب ، لأنّ الفاعل يقوم بسحق كل ما بين جوانحه من عطف ورحمة ، ليتمكن من قتل إنسان بريء ربّما هو من أقرب الأشياء إليه من نفسه!

والأقبح من ذلك افتخاره بعمله الشنيع هذا!

فأين الفخر من قتل إنسان ضعيف لا يقوى حتى للدفاع عن نفسه؟ بل كيف يدفن الإنسان فلذة كبده وهي حية؟!

وهذا ليس بالأمر الهيّن ، فأيّ إنسان ومهما بلغت به الوحشية لا يقدم على

٢١٨

هكذا جريمة بشعة من غير أن تكون لها مقدمات اجتماعية ونفسية واقتصادية عميقة الأثر والتأثير تدعوه لذلك

يقول المؤرخون : إنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت ، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب ، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إلّا أنّ بعضا من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إلى قبيلتهن ، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلا للوم والشماتة ، حتى أقسم بعضهم أن يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء!

ويلاحظ بوضوح ارتكاب أفظع جناية ترتكب تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والناموس وحيثية العائلة الكاذبة فكانت النتيجة : ظهور بدعة وأد البنات القبيحة وانتشارها بين جمع منهم حتى أصبحت سنّة جاهلية ، ولفظاعتها فقد أنكرها القرآن الكريم بشدّة بقوله :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (1) .

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى دور الطبيعة الإنتاجية للأولاد الذكور ، والنزوع إلى الطبيعة الاستهلاكية عند الإناث ، وما له من أثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، فالولد الذكر بالنسبة لهم ذخر مهم ينفعهم في القتال والغارات وفي حفظ الماشية وما شابه ذلك من الفوائد ، في حين أنّ البنات لسن كذلك.

ومن جانب آخر فقد سببت الحروب والنزاعات القبلية قتل الكثير من الرجال والأولاد ممّا أدى لاختلال التوازن في نسبة الإناث إلى الذكور ، حتى وصل وجود الولد الذكر عزيزا ودفع الرجل لأن يتباهى بين قومه حين يولد له مولود ذكرا ، وينزعج ويتألم عند ولادة البنت ووصل حالهم لحد (كما يقول عنه

__________________

(1) سورة التكوير ، 9.

٢١٩

بعض المفسّرون) أنّ الرجل في الجاهلية يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته لئلا تأتيه بنت وهو في الدار! وإذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إلى بيته وبشائر الفرح تتعالى وجنتيه ، ولكنّ الويل كل الويل والثبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنتا ويمتلئ غيظا وغضبا(1) .

وقصّة «الوأد» ملأى بالحوادث المؤلمة

منها : ما روي أنّ رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلن إسلامه ، وجاءه يوما فسأله : إنّي أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تواب رحيم». قال : يا رسول الله إنّ ذنبي عظيم قال : «ويلك مهما كان ذنبك عظيما فعفو الله أعظم منه» ، قال : لقد سافرت في الجاهلية سفرا بعيدا وكانت زوجتي حبلى وعند ما عدت بعد أربع سنوات استقبلتني زوجتي فرأيت بنتا في الدار ، فقلت لها : ابنة من هذه؟ قالت : ابنة جازنا. فظننت أنّها سترحل عن دارنا بعد ساعة ، فلم تفعل ، ثمّ قلت لزوجتي:أصدقيني من هذه البنت؟ قالت : ألا تذكر أنّي كنت حاملة عند ما سافرت ، إنّها ابنتك. فنمت تلك الليلة مغتما ، أنام واستيقظ ، حتى اقترب وقت الصباح نهضت من فراشي وذهبت إلى فراش ابنتي فأخرجتها وأيقظتها وطلبت منها أن تصحبني إلى حائط النخل ، فتبعتني حتى اقتربنا من الحائط فأخذت بحفر حفيرة وهي تعينني على ذلك ، وعند ما انتهيت من ذلك وضعتها في وسط الحفرة وهنا فاضت عينا رسول الله بالدمع ثمّ وضعت يدي اليسرى على كتفها وأخذت أهيل التراب عليها بيدي اليمنى ، فأخذت تصرخ وتدافع بيديها ورجليها وتقول : أبي ما تصنع بي!؟ ثمّ أصاب لحيتي بعض التراب فرفعت يدها تمسحه عنها ، وأدمت ذلك حتى دفنتها.

__________________

(1) تفسير الفخر الرازي ، ج 20 ، ص 55.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

حدوث الكلام

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

المطلب الثالث

في حدوثه

العقل والسمع متطابقان على إنّ كلامه تعالى محدث ليس بأزلي ؛ لأنّه مركّب من الحروف والأصوات ، ويمتنع اجتماع حرفين في السماع دفعة واحدة ، فلابدّ أن يكون أحدهما سابقا على الآخر ، والمسبوق حادث بالضرورة ، والسابق على الحادث بزمان متناه حادث بالضرورة ، وقد قال الله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ )(٢) .

وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، فجعلوا كلامه تعالى قديما لم يزل معه ، وأنّه تعالى في الأزل يخاطب العقلاء المعدومين!(٣) .

وإثبات ذلك في غاية السفه والنقص في حقّه تعالى ، فإنّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا وقال : يا سالم قم ، ويا غانم اضرب ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦١ ـ ٦٢.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٢.

(٣) انظر : اللمع ـ للأشعري ـ : ٣٦ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٢ ، الأربعين ـ للرازي ـ ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥٨ ، شرح العقائد النسفية ـ للتفتازاني ـ : ١٠٨ وما بعدها.

٢٤١

ويا سعد كل ، ولا أحد عنده من هؤلاء ، عدّه كلّ عاقل سفيها جاهلا عادما للتحصيل ، فكيف يجوز منهم نسبة هذا الفعل(١) الدالّ على السفه والجهل والحمق إليه تعالى؟!

وكيف يصحّ منه تعالى أن يقول في الأزل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ )(٢) ولا مخاطب هناك ، ولا ناس عنده؟!

[ ويقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ )(٣) ](٤) ويقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )(٥) [ و ](٦) (أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(٧) و (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ )(٨) و (لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ )(٩) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١٠) !

وأيضا : لو كان كلامه قديما لزم صدور القبيح منه تعالى ؛ لأنّه إن لم يفد بكلامه في الأزل [ شيئا ] كان سفها ، وهو قبيح عليه [ تعالى ] ، وإن أفاد فإمّا لنفسه ، أو لغيره

__________________

(١) في المصدر : « العقل ».

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢١.

(٣) سورة النساء ٤ : ١ ، سورة الحجّ ٢٢ : ١ ، سورة لقمان ٣١ : ٣٣.

(٤) ما بين القوسين المعقوفتين ليس في المصدر ولا في الأصل ، وأثبتناه من إحقاق الحقّ ١ / ٢١٩.

(٥) سورة البقرة ٢ : ١٠٤ و ١٥٣ و ١٧٢ ، سورة آل عمران ٣ : ١٣٠ ، سورة النساء ٤ : ١٩ و ٢٩ ، سورة المائدة ٥ : ١ و ٢ ، وآيات كثيرة أخرى في سور القرآن الكريم.

(٦) أثبتناه لضرورة النسق.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٤٣ و ١١٠ ، سورة الأنعام ٦ : ٧٢ ، سورة النور ٢٤ : ٥٦ ، سورة الروم ٣٠ : ٣١ ، وغيرها من الآيات في سور أخرى.

(٨) سورة البقرة ٢ : ١٨٨ ، سورة النساء ٤ : ٢٩.

(٩) سورة الأنعام ٦ : ١٥١ ، سورة الإسراء ١٧ : ٣١.

(١٠) سورة المائدة ٥ : ١.

٢٤٢

والأوّل باطل ؛ لأنّ المخاطب إنّما يفيد نفسه لو كان يطرب في كلامه ، أو يكرّره ليحفظه ، أو يتعبّد به كما يتعبّد(١) الله بقراءة القرآن ؛ وهذه في حقّه محال لتنزّهه عنها.

والثاني باطل ؛ لأنّ إفادة الغير إنّما تصحّ لو خاطب غيره ليفهمه مراده ، أو يأمره بفعل ، أو ينهاه عن فعل.

ولمّا لم يكن في الأزل من يفيده بكلامه شيئا من هذه ، كان كلامه سفها وعبثا!

وأيضا : يلزم الكذب في إخباره تعالى ؛ لأنّه قال في الأزل :

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً )(٢) [ و ](٣) (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ )(٤) و (أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ )(٥) و (ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ )(٦) ، مع إنّ هذه إخبارات عن الماضي ، والإخبار عن وقوع ما لم يقع في الماضي كذب ؛ تعالى الله عنه.

وأيضا : قال الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(٧) ، وهو إخبار عن المستقبل ، فيكون حادثا.

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهو تصحيف ؛ لأنّ قوله : « تعبّد الله » لا يصحّ تعديته مباشرة بغير حرف الجرّ ، بل يقال : « تعبّد لله » ؛ لأنّ قول القائل : « تعبّد فلان فلانا » أي اتّخذه عبدا ؛ وفي المصدر : « يعبد » وهو الصحيح.

(٢) سورة نوح ٧١ : ١.

(٣) أثبتناها لتوحيد النسق.

(٤) سورة النساء ٤ : ١٦٣.

(٥) سورة يونس ١٠ : ١٣.

(٦) سورة إبراهيم ١٤ : ٤٥.

(٧) سورة النحل ١٦ : ٤٠.

٢٤٣

وقال الفضل(١) :

قد سبق الإشارة إلى أنّ النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الإمامية في إثبات الكلام النفساني(٢) .

فمن قال بثبوته ، فلا شكّ أنّه يقول بقدمه ؛ لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى.

ومن قال بأنّه مركّب من الحروف والأصوات ، فلا شكّ أنّه يقول بحدوثه ، ونحن نوافقه فيه.

فكلّ ما أورده على الأشاعرة ، فهو إيراد على غير محلّ النزاع ؛ لأنّه يقول : إنّ الكلام مركّب من الحروف ، ثمّ يقول بحدوثه ؛ وهذا ممّا لا نزاع فيه.

نعم ، لو قال بإثبات الكلام النفساني ثمّ يثبت حدوثه يكون محلّ النزاع.

وأمّا ما استدلّ به على الحدوث من قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ )(٣) ، فهو يدلّ على حدوث اللفظ ، ولا نزاع فيه.

وأمّا الاستدلال بأنّ الأمر والخبر في الأزل ولا مأمور ولا سامع ، فيه سفه ـ كما ذكره في طامّاته ـ

فالجواب أنّ ذلك السفه الذي ادّعيتموه إنّما هو في اللفظ ، وأمّا كلام

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٣٧.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٢.

٢٤٤

النفس فلاسفه فيه ، ومثاله ـ على وفق ما ذكر ـ أنّ الواحد منّا لو جلس في بيت وحده منفردا ، ورتّب في نفسه أنواع الأوامر لجماعة سيأتون عنده ، ولا يتلفّظ به ، فلا يكون سفها ولا حماقة ، بل السفيه من نسبه إلى السفه.

فالكلام النفسي : هو المعنى القائم بذات الله تعالى في الأزل ، ولا تلفّظ بذلك الكلام ، بل هو لجماعة سيحدثون ، ويكون التلفّظ به بعد حدوثهم وحدوث أفعالهم التي تقتضي الأمر والنهي والإخبار والاستفهام ، فلاسفه ولا حماقة كما ادّعاه.

وبهذا الجواب ـ أيضا ـ يندفع ما ذكره من لزوم صدور القبيح من الله تعالى ؛ لأنّ ذلك في التلفّظ بالكلام النفسي ، ونحن نسلّم أن لا تلفّظ في الأزل ، بل هناك معان قائمة بذات الله تعالى ، قديمة.

وأيضا : يندفع ما ذكره من لزوم الكذب ؛ لأنّ الصدق والكذب صنفان للكلام الذي يتلفّظ به ، لا المعاني المزوّرة(١) في النفس ، المقولة بعد هذا لمن سيحدث.

وأمّا الاستدلال على حدوث الكلام بقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(٢) لأنّه إخبار عن المستقبلفيكون حادثا

فالجواب عنه أنّ لفظ (كُنْ ) حادث ، ولا نزاع لنا فيه.

إنّما النزاع في المعنى الأزلي النفساني ، ولا يلزم من كون مدلول [ لفظة ] (كُنْ ) في ذات الله تعالى : حدوثه.

__________________

(١) كان في الأصل : « المزبورة » وهو تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٠.

٢٤٥

وأقول :

غاية المصنّف من الدليل العقلي هو إثبات حدوث ما يتعقّل من كلامه تعالى ، ولا يتعقّل إلّا اللفظي ، ولا محلّ لإثبات حدوث النفسي عقلا ؛ لأنّه فرع المعقولية.

وأمّا الأدلّة السمعية ، فإنّما تذكر لإثبات الانحصار باللفظي ، أو لإثبات حدوث النفسي على فرض المعقولية.

على إنّه قد يقال : إنّ الكلام النفسي عندهم مدلول للكلام اللفظي ، فينبغي أن يكون مركّبا في النفس كتركيب اللفظي ، ومرتّبا كترتيبه ، فيلزم تقدّم بعض أجزائه على بعض ، وهو يقتضي الحدوث.

هذا ، وحكى شارح « المواقف » عن الماتن في مقالة مفردة ، أنّه فسّر الكلام النفسي بالأمر القائم بالغير ، الشامل للّفظ والمعنى جميعا ، وزعم أنّه قائم بذات الله تعالى ، وأنّه قديم ؛ لأنّ الترتيب إنّما هو في التلفّظ ، بسبب عدم مساعدة الآلة ، فالتلفّظ حادث دون الملفوظ(١) .

وأورد عليه القوشجي بأنّ هذا خارج عن طور العقل ، وما هو إلّا مثل أن يكون حركة مجتمعة الأجزاء في الوجود ، لا يكون لبعضها تقدّم على بعض(٢) ؛ وهو حسن.

وأمّا ما أجاب به الخصم عن قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٠٣ ـ ١٠٤.

(٢) انظر : شرح التجريد : ٤٢١.

٢٤٦

رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ )(١) .

ففيه : أنّ المراد بالذكر هو القرآن ـ الذي هو كلام الله تعالى ـ من دون لحاظ أنّه لفظي.

فإذا دلّت الآية على حدوث كلامه من حيث هو كلامه ، ثبت حدوثه حتّى لو كان نفسيا ، أو يثبت الانحصار باللفظي.

ومثل الآية المذكورة قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ )(٢) ، فإنّ المنزّل المحفوظ لا يكون إلّا محدثا ؛ لأنّ تنزيله على التدريج ، ولا تنزيل إلّا للّفظ!

وأمّا ما أجاب به عن السفه ، بأنّه إنّما هو باللفظ ، فمردود بأنّ الطلب مطلقا سفه حتّى لو كان في النفس!

وأمّا مثاله فلا طلب فيه فعلا ، وإنّما الموجود فيه هو العزم على الطلب ، أو تصوير الطلب ، وإلّا كان سفها بالضرورة!

ومنه يعلم ما في جوابه عن لزوم صدور القبيح منه تعالى.

فإن قلت : إنّما يلزم السفه إذا خوطب المعدوم ، وطلب منه إيقاع الفعل في حال عدمه ؛ وأمّا إذا طلب منه على تقدير وجوده ، فلا ، كما في طلب الرجل تعلّم ولده الذي يعلم أنّه سيولد ، وكما في خطاب النبيّ كلّ مكلّف يولد إلى يوم القيامة.

قلت : البديهة حاكمة بسفه من يخاطب معدوما ويطلب منه ، سواء طلب منه في حال عدمه أم على تقدير وجوده ، وسواء خاطبه خاصّة أم في

__________________

(١) سورة الأنبياء ٢١ : ٢.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٩.

٢٤٧

ضمن جماعة حاضرين ؛ لأنّ أصل التوجّه إليه بالطلب سفه!

وأمّا مثال الولد ، فليس فيه إلّا الميل والعزم على الطلب

قال في « شرح المواقف » : « أمّا نفس الطلب ، فلا شكّ في كونه سفها ، بل قيل : هو غير ممكن ؛ لأنّ وجود الطلب بدون من يطلب منه شيء محال »(١) .

كما إنّ خطاب النبيّ ٦ إنّما هو للحاضرين ، ويثبت لمن عداهم بأدلّة اشتراك الأمّة في التكليف.

وأمّا ما أجاب به عن لزوم الكذب ، فمناقشة لفظيّة ، ليس لها ـ لو صحّت ـ أثر في دفع الإشكال ؛ لأنّ المقصود أنّ قوله تعالى في الأزل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ )(٢) (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً )(٣) حكم غير مطابق للواقع ، ينزّه الله تعالى عن مثله ، فلا أثر لعدم تسميته كذبا في الاصطلاح.

ومنه يعلم بطلان ما أجيب به ، من أنّ كلامه تعالى في الأزل لا يتّصف بالماضي والحال والاستقبال ؛ لعدم الزمان ، وإنّما يتّصف بذلك بحسب التعلّقات بعد حدوث الأزمنة.

وذلك لأنّ عدم صحّة اتّصافه في الأزل بالماضي لا يجعل قوله تعالى في الأزل : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) حكما صادقا مطابقا للواقع حتّى يرتفع الإشكال.

بل هذا الجواب قد كشف عن إشكال آخر عليهم ، وهو عدم صحّة قولهم : إنّ النفسي مدلول اللفظي ، إذ لا يمكن أن يكون ما ليس له زمان

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ٩٧.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٩.

(٣) سورة نوح ٧١ : ١.

٢٤٨

عين مدلول ما هو مقيّد بالزمان ، اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ مراد المجيب أنّ الكلام النفسي ـ المدلول للّفظي ـ هو ما قيّد بالتعلّقات الحادثة ، فلا يرد شيء من ذلك ، ولكنّه لا يتمّ على مذهبهم لقولهم بقدم النفسي.

ثمّ لا يخفى أنّ مثل قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) لا يصحّ أن يكون الكلام النفسي فيه من قبيل : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ )(١) ممّا ليس بماض ونزّل منزلة الماضي ، حتّى يرتفع الكذب.

وذلك لأنّ التنزيل للمعنى يستدعي دلالة اللفظ على المنزّل ، ومن المعلوم أنّ لفظ قوله تعالى : (أَرْسَلْنا نُوحاً ) دالّ على الماضي حقيقة ، لا الماضي تنزيلا.

وأمّا ما أجاب به عن قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ ) الآية(٢) .

ففيه : إنّ الآية تدلّ على حدوث الأمر التكويني في المستقبل ، بما هو حامل للمعنى ـ الذي هو الكلام النفسي عندهم ـ ، إذ ليس المقصود مجرّد حدوث لفظ (كُنْ ) ؛ لأنّ الأثر في التكوين ليس للّفظ نفسه ، بل لما تحمل من المعنى القائم بالنفس ، وهو الذي يتفرّع عليه كون الشيء وحدوثه في المستقبل ، وتفرّعه عليه هنا ظاهر في حدوثه بعد انقضائه ، ولا ينقضي إلّا الحادث ؛ لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه!

* * *

__________________

(١) سورة يس ٣٦ : ٥١ ، وسورة ق ٥٠ : ٢٠.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٠.

٢٤٩
٢٥٠

استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة

قال المصنّف ـ قدّس الله نفسه ـ(١) :

المطلب الرابع

في استلزام الأمر والنهي : الإرادة والكراهة

كلّ عاقل يريد من غيره شيئا على سبيل الجزم فإنّه يأمره به ، وإذا كره الفعل فإنّه ينهى عنه.

وإنّ الأمر والنهي دليلان على الإرادة والكراهة.

وخالفت الأشاعرة جميع العقلاء في ذلك ، وقالوا : إنّ الله تعالى يأمر دائما بما لا يريده ، بل بما يكرهه ، وإنّه ينهى عمّا لا يكرهه ، بل عمّا يريده(٢) !

وكلّ عاقل ينسب من يفعل هذا إلى السفه والجهل ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٣.

(٢) انظر ذلك تصريحا أو مؤدّى في : الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٦ ـ ١٣١ ، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٥٦ ـ ٥٨ ، تمهيد الأوائل : ٣١٩ ـ ٣٢٢ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٠ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٣ ـ ٨٤ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، المسائل الخمسون : ٦٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٨ ـ ١٤١ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٢٥١

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، غير مريد لما لا يكون ، فكلّ كائن مراد له ، وما ليس بكائن ليس بمراد له(٢) .

ومذهب المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية : إنّه تعالى مريد للمأمور به ، كاره للمعاصي والكفر(٣) .

ودليل الأشاعرة : إنّه تعالى خالق الأشياء كلّها ، وخالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة(٤) ، والصفة المرجّحة لأحد المقدورين هو الإرادة ، ولا بدّ منها.

فإذا ثبت أنّه مريد لجميع الكائنات.

وأمّا المعتزلة ، فإنّهم لمّا ذهبوا إلى أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم ، وأثبتوا في الوجود تعدّد الخالق ، يلزمهم نفي الإرادة العامّة ، فالله تعالى عندهم يريد الطاعات ويكره المعاصي ، فيأمر بالطاعات وينهى عن المعاصي لأنّها ليست من خلقه.

وعند الأشاعرة : إنّه تعالى يريد الطاعات ويأمر بها ـ وهذا ظاهر ـ ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ١ / ٣٤٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

(٣) انظر ذلك صراحة أو مضمونا في : شرح الأصول الخمسة : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٦ ـ ٦٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

(٤) المسائل الخمسون : ٥٩ ـ ٦٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٤.

٢٥٢

ويريد المعاصي وينهى عنها(١) .

والأمر غير الإرادة ـ كما مرّ في الفصل السابق ـ ، وليس المراد من الإرادة الرضا والاستحسان

فقوله : إنّ الأشاعرة يقولون : « إنّ الله تعالى يأمر بما لا يريده » أراد به أنّ الله تعالى يأمر بإيمان الكافر ولا يريده.

فالمحذور الذي ذكره من مخالفة العقلاء ناشئ من عدم تحقّق معنى الإرادة

فإنّ المراد بالإرادة هاهنا هو التقدير والترجيح في الخلق ، لا الرضا والاستحسان كما هو المتبادر ، فذهب إلى اعتبار معنى الإرادة بحسب العرف.

وإذا تحقّقت معنى الإرادة علمت مراد الأشاعرة ، وأنّه لا نسبة للجهل والسفه إلى الله ، تعالى عن ذلك كما ذكره.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٢٥٣

وأقول :

لا يخفى أنّ المصنّف ; قد ذكر أمرا ضروريا ، وهو : أنّ أمر العاقل بشيء دليل على رضاه به ، وإرادته له من الغير ؛ وأنّ نهيه عن شيء دليل على عدم رضاه به ، وكراهته له.

وذكر أنّ الأشاعرة خالفوا العقلاء في ذلك فقالوا : إنّ الله سبحانه يأمر بما لا يرضى ولا يريد ، وينهى عمّا يرضى ويريد

ووجهه : إنّ الأفعال عندهم مخلوقة لله تعالى ، وبالضرورة أنّ الفاعل القادر المختار إنّما يفعل ما يرضى ويريد ، ويترك ما لا يرضى ولا يريد.

فإذا فرض أنّه سبحانه أمر بما ترك ، فلا بدّ أن يكون قد أمر بما لا يرضى ولا يريد

وإذا فرض أنّه نهى عمّا فعل ، فلا بدّ أن يكون قد نهى عمّا رضي وأراد.

وهذا يستوجب السفه ، تعالى الله عنه وعن كلّ نقص.

وحاصل جواب الفضل ـ بعدما أطال في فضول الكلام ـ أنّ معنى الإرادة في كلام الأشاعرة : هو التقدير.

فيكون معنى قولهم : يأمر بما لا يريد ، وينهى عمّا يريد ؛ أنّه يأمر بما لا يقدّر ، وينهى عمّا يقدّر ؛ وهذا لا يستلزم السفه.

وفيه : إنّ تقدير الشيء وإيجاده فرع الرضا به والإرادة له ، وإنّ عدم تقدير الشيء وعدم إيجاده فرع عدم الرضا به وعدم الإرادة له.

٢٥٤

فإذا فرض أنّ الله سبحانه أمر بما لم يقدّر ونهى عمّا قدّر ، فقد لزم أن يكون آمرا بما لا يرضى ولا يريد ، وناهيا عمّا يرضى ويريد ؛ وهو السفه ، تعالى الله عنه وجلّ شأنه.

على إنّ تفسيره للإرادة بالتقدير خطأ ؛ لأنّها صفة ، والتقدير فعل!

ثمّ إنّ قوله : « وعند الأشاعرة أنّه تعالى يريد الطاعات ويأمر بها ».

غير متّجه ؛ لأنّه إن قصد كلّ الطاعات فغير صحيح ؛ لأنّه تعالى عندهم إنّما أراد بعضها ، وهو ما أوجده خاصة.

وإن أراد بعضها ، فذكره له فضلة ؛ لأنّ كلام المصنّف ; تعالى ليس في المراد عندهم من الطاعات ، بل في غير المراد الذي لم يتعلّق به الوجود.

وإنّما قيّد المصنّف بالدوام في ما نقله عنهم بقوله : « قالوا : إنّ الله تعالى يأمر دائما بما لا يريد » للإشارة إلى استمرار ترك الطاعات باستمرار الأزمنة ، أو إلى أنّ أمره بما لا يريده دائم بدوام ذاته على ما زعموه من الكلام النفسي!

والله العالم.

* * *

٢٥٥
٢٥٦

كلامه تعالى صدق

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

المطلب الخامس

في أنّ كلامه تعالى صدق

إعلم أنّ الحكم بكون كلام الله صادقا لا يجوز عليه الكذب ، إنّما يتمّ على قواعد العدلية(٢) ، الّذين أحالوا صدور القبيح عنه تعالى من حيث الحكمة.

ولا يتمشّى على مذهب الأشاعرة لوجهين :

الأوّل : إنّهم أسندوا جميع القبائح إليه تعالى ، وقالوا : لا مؤثّر في الوجود ـ من القبائح بأسرها ، وغيرها ـ إلّا الله تعالى(٣) ، ومن يفعل أنواع

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٣ ـ ٦٤.

(٢) هو اسم يطلق على الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة ؛ لأنّهم قائلون بالعدل الإلهي إلّا أنّ مراد المصنّف ١ هنا هو الإمامية ؛ لاقتضاء مقام البحث.

(٣) خلق أفعال العباد ـ للبخاري ـ : ٢٥ ـ ٢٦ ، اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٧١ ـ ٧٢ ، الإبانة عن أصول الديانة : ١٢٦ ـ ١٣١ المسألة ١٩٤ ـ ٢٠٥ وص ١٤٢ ذيل المسألة ٢٢٦ وص ١٤٦ جواب ٢٣٣ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣١٩ ، الإنصاف ـ للباقلّاني ـ : ٤٣ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٩ ، الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١١٥ ـ ١١٦ الدعوى الرابعة ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٨٣ ،

٢٥٧

[ الشرك و ] الظلم والجور والعدوان وأنواع المعاصي [ وإلقبائح المنسوبة إلى البشر ] كيف يمتنع أن يكذب في كلامه؟! وكيف يقدر الباحث على إثبات وجوب كونه صادقا؟!

الثاني : إنّ الكلام النفساني عندهم مغاير للحروف والأصوات(١) ، ولا طريق لهم إلى إثبات كونه تعالى صادقا في الحروف والأصوات!

* * *

__________________

الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢٠ الفرقة الرابعة ، المسائل الخمسون : ٥٩ ـ ٦٠ المسألة ٣٤ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٢٣ و ٢٣٨ وما بعدها ، شرح المواقف ٨ / ١٤٥ ـ ١٤٦ و ١٧٣ ـ ١٧٤ ، شرح العقيدة الطحاوية : ١٢٠ ـ ١٢١.

(١) الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ٧٥ ، المسائل الخمسون في أصول الدين : ٥٤ المسألة ٢٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٠٨ ـ ١٠٩ ، شرح المقاصد ٤ / ١٤٣ ـ ١٤٦ ، شرح المواقف ٨ / ٩٣ ـ ٩٤.

٢٥٨

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّه تعالى يمتنع عليه الكذب ، ووافقهم المعتزلة في ذلك

أمّا عند الأشاعرة : فلأنّه نقص ، والنقص على الله تعالى محال

وأمّا عند المعتزلة : فلأنّ الكذب قبيح ، وهو سبحانه لا يفعل القبيح(٢) .

وقال صاحب « المواقف » : إعلم أنّه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه ، فإنّ النقص في الأفعال هو القبح العقلي بعينه فيها ، وإنّما تختلف العبارة(٣) .

أقول :

الفرق أنّ النقص هنا يراد به النقص في الصفات ، فإنّه على تقدير جواز الكذب عليه تتّصف ذاته بصفة النقص ، وهم لم يقولوا هاهنا بالنقص في الأفعال ؛ حتّى لا يكون فرقا بينه وبين القبح العقلي كما ذكره صاحب « المواقف ».

فحاصل استدلال الأشاعرة : إنّه تعالى لو كان كاذبا لكان ناقصا في

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) شرح الأصول الخمسة : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٠.

(٣) المواقف : ٢٩٦ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ١٠١.

٢٥٩

صفته كما إنّهم يقولون : لو كان عاجزا أو جاهلا ، لكان ناقصا في صفته.

ولم يعتبروا ما يلزم ذلك النقص من القبح الذي يقول به المعتزلة.

فتأمّل ، والفرق دقيق!

ثمّ إنّ ما ذكره من أنّ عدم جواز الكذب عليه لا يتمشّى على قواعد الأشاعرة ، فهذا كلام باطل عار عن التأمّل!

فإنّ القول بأن لا مؤثّر في الوجود إلّا الله ، لا يستلزم إسناد القبائح إليه ؛ لأنّ فعل القبائح من مباشرة العبد ، فهو غير مستند إلى الخالق.

ثمّ من خلق القبائح فلا بدّ أن يكذب ، ولا يجوز أن يكون صادقا.

هذا غاية الجهل والعناد والخروج عن قاعدة البحث ، بحيث لو نسب هذا الكلام إلى العوامّ استنكفوا منه.

وأمّا ثاني الاستدلالين على عدم التمشّي ؛ فهو أيضا باطل صريح ، فإنّ من قال : امتنع الكذب عليه للزوم النقص ، فهذا الكذب يتعلّق بالدالّ على المعنى النفساني ، وهو أيضا نقص ، فكيف لا يتمشّى؟!

* * *

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456