دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق17%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140868 / تحميل: 5346
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الفصل الثالث :

توطئة في أهل البيتعليهم‌السلام وفضائلهم

مقدمة الفصل :

نبدأ الفصل ببحث قيّم حول معنى (أهل البيت) والألفاظ المختلفة التي تطلق عليهم ، مثل : آل الرسول ـ عترة النبي ـ ذوو القربى. فهم بالمعنى الضيّق الخمسة أصحاب الكساء. وبالمعنى الموسّع المعصومون الأربعة عشر ؛ وهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة والأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام . وبالمعنى الأوسع كل أقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعشيرته الذين حرموا الصدقة من بعده.

ويلجئنا هذا إلى الحديث حول ثبوت إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام الذين أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهديعليه‌السلام .

وبعد هذه المقدمة نشرع في ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام مبتدئين بالإمام عليعليه‌السلام وزوجته فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ثم بفضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام والذين من ضمنهم الفرقدان الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ثم بفضائل الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام . ومن أبرز هذه الفضائل توصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم وموالاتهم ونصرتهم والمحافظة عليهم. والفرق بين المحبة والمودة ، أن المحبة شيء قلبي ، بينما المودة فشيء تطبيقي ، يقول تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣].

١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟

٣١ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

نستخدم عبارة (أهل البيت) كثيرا في كتاباتنا وخطبنا. كما نطلق عبارات أخرى على أهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل (آل الرسول)و (عترة النبي).

و (ذوي القربى). فلنحدد مدلول هذه العبارات والمصطلحات ، التي يحتلّ الحسينعليه‌السلام ذروة سنام المجد منها.

١٢١

ولم أجد لهذه الغاية أفضل من فضل عقده محبّ أهل البيتعليهم‌السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في أول كتابه :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول)

هذا الكتاب الّذي فتّشت عنه كثيرا حتّى وجدت نسخة حجرية منه في مكتبة الأسد ، مطبوعة في ذيل كتاب لسبط ابن الجوزي هو :

(تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة)

وهي طبعة حجرية قديمة طبعت في إيران سنة ١٢٨٧ ه‍.

يقول ابن طلحة الشافعي في سبب تأليفه لكتابه الجليل (مطالب السّؤول) : كنت في شبابي ألّفت كتابا باسم (زبدة المقال في فضائل الآل) ثم وسّعته وألّفت كتاب (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول).

وفي مقدمة الكتاب (ص ٣ ـ ٥) يقولرحمه‌الله :

هناك أربعة ألفاظ يوصف بها (أهل النبي) وتطلق عليهم ، هي :

١ ـ آل الرسول

٢ ـ أهل البيت

٣ ـ العترة

٤ ـ ذوو القربى.

ثم يشرع في شرح مضمون هذه الألفاظ ، فيقول :

٣٢ ـ من هم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ :

قد تعددت أقوال الناس في تفسير (الآل). فذهب قوم إلى أن آل الشخص أهل بيته. وقال آخرون : إن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الذين حرّمت عليهم الزكاة ، وعوّضوا عنها خمس الخمس. وقال آخرون : آل الشخص من دان بدينه وتبعه فيه. فهذه الأقوال الثلاثة أشهر ما قيل.

واستدل من قال بالقول الأول بما أورده القاضي الحسين بن مسعود البغوي في كتابه الموسوم «بشرح سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأحاديث المتفق على صحتها «يرفعه بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي إليك هدية سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. فقلت : بلى ، فاهدها إليّ. فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟. قال : قولوا :«اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم ؛

١٢٢

وبارك على محمّد وآل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد». فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسّر أحدهما (أي الأهل والآل) بالآخر ، فالمفسّر والمفسّر به سواء في المعنى ، فقد بدّل لفظا بلفظ مع اتحاد المعنى ، فيكون آله أهل بيته ، وأهل بيته آله. فيتحدا به في المعنى على هذا القول. ويكشف حقيقة ذلك أن أصل (آل) أهل ، فأبدلت الهاء همزة. ويدل عليه أن الهاء ترد في التصغير ، فيقال في تصغير (آل) أهيل ، والتصغير يردّ الأسماء إلى أصولها.

واستدل من قال بالتفسير الثاني بما خرّجه الأئمة في أسانيدهم المتفق على صحتها : الإمام مسلم وأبو داود والنسائي ، يرفعه كل واحد منهم بسنده في صحيحه ، إلى عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ، قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ ، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد. وبما نقل إمام دار الهجرة مالك بن أنس في موطئه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تحل الصدقة لآل محمّد ، إنما هي أوساخ الناس. فجعل حرمة الصدقات من خصائص آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قيل لزيد بن أرقم : من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين حرّمت عليهم الصدقات؟ قال : آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل. وهذا التفسير قريب من الأول.

واستدل من قال بالتفسير الثالث بقوله تعالى :( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥٩) [الحجر : ٥٩]. وأجمع المفسرون على أن المراد ب (آله) من آمن به وتبعه في دينه.

وإذا ظهر ما قيل في تفسير (الآل) ، فالمعاني كلها مجتمعة فيهمعليهم‌السلام :فهم أهل بيته ، وتحرم عليهم الزكاة ، وهم دائنون بدينه ومتّبعون منهاجه وسبيله ، فإطلاق اسم الآل عليهم حقيقة فيهم بالاتفاق.

٣٣ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

وأما اللفظة الثانية وهي (أهل البيت) فقد قيل هم من ناسبه إلى جده الأدنى ، وقيل من اجتمع معه في رحم ، وقيل من اتصل به بنسب أو سبب.

وهذه المعاني كلها موجودة فيهمعليهم‌السلام . فإنهم يرجعون بنسبهم إلى جده عبد المطلب ، ويجتمعون معه في رحم ، ويتصلون به بنسبهم وسببهم ، فهم أهل بيته حقيقة. فالآل وأهل البيت سواء ، اتحد معناهما على ما شرح أولا ، واختلف على ما ذكر ثانيا ، فحقيقتهما ثابتة لهمعليهم‌السلام .

١٢٣

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ؛ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه ، لقد لقيت خيرا كثيرا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال :يابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما أحدثكم فاقبلوه وما لا فلا تكلّفونيه.

ثم قال : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وعظ وذكّر ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس إنما أنا بشر ، يوشك أن يأتيني رسول ربي (أي ملك الموت) فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثّقلين :أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي.

فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ، أليس نساؤه بأهل بيته؟. قال : لا ، أهل بيته من حرموا الصدقة بعده.

٣٤ ـ من هم العترة؟ :

وأما اللفظة الثالثة وهي (العترة) ، فقد قيل : العترة هي العشيرة ، وقيل العترة هم الذرية ، وقد وجد الأمران فيهم ؛ فإنهم عترته وذريته. وأما العشيرة فالأهل الأدنون ، وهم كذلك. وأما الذرية ، فإن أولاد بنت الرجل ذريته. ويدل عليه قوله تعالى عن إبراهيمعليه‌السلام :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥]. فجعل الله سبحانه وتعالى هؤلاء المذكورين ، من ذرية إبراهيم ، ومن جملتهم عيسىعليه‌السلام ، ولم يتصل بإبراهيم إلا من جهة أمه مريمعليها‌السلام .

قصة الشعبي مع الحجاج :

وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يذكرهم إلا ويقول : هم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته. فنقل ذلك عنه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي وتكرر ذلك ، وكثر نقله عنه إليه ، فأغضبه ذلك منه ونقمه عليه.

فاستدعاه الحجاج يوما إلى مجلسه ، وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة

١٢٤

والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما. فلما دخل الشعبي عليه وسلّم ، فلم يبشّ به ، ولا وفّاه حقه من الرد عليه. فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر تبلّغني عنك يشهد عليك بجهلك؟. قال : ما هو يا أمير؟. قال : ألم تعلم أن أبناء الرجل من ينسبون إليه ، وأن الأنساب لا تكون إلا للآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي أنهم أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمةعليها‌السلام ؟ ، والنسب لا يكون بالبنات ، وإنما يكون بالآباء. فأطرق الشعبي ساعة ، حتّى بالغ الحجاج في الإنكار عليه ، وقرّع إنكاره مسامع الحاضرين ، والشعبي ساكت.

فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه. فرفع الشعبي صوته وقال : يا أمير ، ما أراك إلا متكلما كلام من يجهل كتاب الله وسنة رسوله ، ومن يعرض عنهما. فازداد الحجاج غيظا منه ، وقال : ألمثلي تقول هذا ، يا ويلك!. قال الشعبي : نعم ، هؤلاء قرّاء المصرين حملة الكتاب العزيز ، فكلّ منهم يعلم ما أقول.أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده بأجمعهم بقوله( يا بَنِي آدَمَ ) [وقال( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) [المائدة : ٧٢]. وقال عن إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) [الأنعام : ٨٤] إلى أن قال :( وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أفترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وباسرائيل الله.

(أي يعقوب) وبإبراهيم خليل الله ، بأي آبائه كان؟. أو بأي أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريمعليها‌السلام . وقد صحّ النقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسن : «إنّ ابني هذا سيّد ...».

فلما سمع الحجاج ذلك منه أطرق خجلا. ثم عاد يلطف بالشعبي ، واشتدّ حياؤه من الحاضرين.

وإذا وضح ذلك ، فالعترة الطاهرة هم ذريتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناؤه وعشيرته ، فقد اجتمعت فيهم المعاني بأسرها.

٣٥ ـ من هم ذوو القربى؟ :

وأما اللفظة الرابعة وهي (ذوو القربى) فمستندها ما رواه الإمام أبو الحسن علي ابن أحمد الواحدي في تفسيره ، يرفعه بسنده إلى ابن عباس ، قال :

لما نزل قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣] قالوا :يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بمودتهم؟. قال : علي وفاطمة وأبناؤهماعليهم‌السلام .

١٢٥

٢ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الأئمة الاثنا عشر

ثم يخصص ابن طلحة الشافعي القسم الثاني من مقدمته الرائقة (ص ٥) لذكر المعاني التي ذكر اختصاصهم بها ، وهي الإمامة الثابتة لكل واحد منهم ، وكون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما.

٣٦ ـ ثبوت الإمامة لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

يقول ابن طلحة الشافعي في (مطالب السّؤول) ص ٥ :

أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم ، فإنه حصل ذلك لكل واحد بمن قبله.فحصلت للحسن النقي من أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام . وحصلت بعده لأخيه الحسين الزكي منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الحسين لابنه زين العابدين منهعليه‌السلام .وحصلت بعد زين العابدين لولده محمّد الباقر منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الباقر لولده جعفر الصادق منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الصادق لولده موسى الكاظم منهعليه‌السلام .وحصلت بعد الكاظم لولده علي الرضا منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الرضا لولده محمّد القانع منهعليه‌السلام . وحصلت بعد القانع لولده علي المتوكل منهعليه‌السلام .وحصلت بعد المتوكل لولده الحسن الخالص منهعليه‌السلام . وحصلت بعد الخالص لولده محمّد الحجة المهدي منهعليه‌السلام .

وأما ثبوتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فمستقصى على أكمل الوجوه في كتب الأصول. انتهى كلامه.

٣٧ ـ الخلفاء بعدي اثنا عشر :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

أخرج ابن حنبل في مسنده عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ، ولا يضرّه مخالف ولا مطارق ، حتّى يمضي من أمتي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش.

وذكر القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) باب ٧٧ ، عن كتاب (مودة القربى) بسنده عن جابر بن سمرة ، قال : كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته. فقلت لأبي : ما الّذي أخفى صوته؟.(قال) قال :«كلهم من بني هاشم».

١٢٦

وروى أيضا في ينابيعه عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد النبيين ، وعليّ سيد الوصيين ، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أولهم علي وآخرهم المهدي».

٣٨ ـ من هم الاثنا عشر خليفة غير أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي)

وروي عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود ، أنه عهد إلينا نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة ، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقال القندوزي في (ينابيع المودة) أيضا : ذكر يحيى بن الحسن في كتاب

(العمدة) من عشرين طريقا ، أن الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؛ في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق

ثم قال : ذكر بعض المحققين أن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ، قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان ، علم أن مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديثه هذا ، الاثنا عشر من أهل بيته وعترته ، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز ، ولكونهم غير بني هاشم ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلهم من بني هاشم». وفي رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا القول ، يرجّح هذه الرواية ، لأنهم لا يحبون خلافة بني هاشم. ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم عن العدد المذكور ، ولقلة رعايتهم للقربى.

٣٩ ـ إمامة أهل البيتعليهم‌السلام منصوصة في كتب السنّة :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٢٩)

يقول الفاضل الدربندي : فيا ليتهم قد تأملوا في الأخبار المتكاثرة المتضافرة المتواترة المفيدة القطع واليقين ، والمروية عن طرقهم عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في باب أن الخلفاء والأئمة من قريش ، بعد تأملهم في قصة يوم الطف ، وما جرى على آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يزيد الطاغي الكافر الزنديق وجنوده. فلو كانوا متأملين في ذلك لعلموا أن إمامة أهل بيت العصمة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منصوصة في طرقهم ، بالنصوص المتضافرة المتواترة. فإنكار قطعيات الشرع وضرورياته كفر ، وحمل

١٢٧

ما في تلك الأخبار المتضافرة على غير آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وجهل ، واستيقنتها أنفسهم ، وعتوا عتوّا كبيرا.

وبيان ذلك أنه قد روى البخاري ومسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وابو داود والسجستاني في صحاحهم الستة ، ومالك في موطّئه ، وصاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، وصاحب كتاب الفردوس ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، والفقيه ابن المغازلي في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم في حليته ، وغيرهم من حذقة الحديث من العامة ، بأسانيدهم المصححة عندهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن الخلفاء والأئمة بعده اثنا عشر ، لا يزال الدين بهم مستقيما إلى أن تقوم الساعة.

ففي صحيح مسلم مسندا إلى عامر بن سعيد بن أبي العاص ، قال : كتبت إلى ابن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فكتب إليّ :سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة ـ عشية رجم الأسلمي ـ يقول : «لا يزال هذا الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة».

وفي (مصباح البغوي) عن الصحاح عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش».

وأورد شيخ العامة جلال الدين السيوطي في (جامعه الصغير) في حرف الهمزة :إن عدة الخلفاء بعدي عدد نقباء موسىعليه‌السلام .

ثم يقول الفاضل الدربندي : ولا يخفى عليك أن علماء العامة لا بدّ أن يتدبروا ويتبصروا ويعطوا الإنصاف من أنفسهم. لأنهم لو حملوا هذه الأخبار المتضافرة على ما عندهم ، من كون أول السلسلة في باب الخلافة والإمامة ، الخلفاء الأربعة وهكذا ، لزم أن يكون يزيد الطاغي الكافر الزنديق هو سابع الخلفاء عندهم والأئمة المنصوصين بنصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأي مسلم يرضى من نفسه أن ينسب أبغض خلق الله تعالى إلى الله وملائكته ورسله ، وأكفر الناس وأشرّهم ، إلى كونه منصوصا بالخلافة والإمامة ، متّصفا بالأوصاف الحسنة الموجودة في هذه الأخبار.

إذن فما عليه العامة من حمل هذه الأخبار ، لا يمكن أن يستصحّ بوجه من الوجوه. فإذا وجب بحكم الضرورة العقلية طرح هذا الحمل ، لزم حملها على ما عليها الإمامية الاثني عشرية ، مما قد استفاضت به كتب العامة.

١٢٨

٤٠ ـ الأئمة هم أهل البيتعليهم‌السلام :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : ومن أعجب العجاب غفلتهم وذهولهم وطيّهم الكشح عن الأخبار المستفيضة في طرقهم ، المفسرة لهذه الأخبار ، المذكورة بغاية التفسير والبيان.

فقد روى فخر خوارزم في مقتله بإسناده (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها أمناء ربي ؛ حبل ممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلفّ عنه هوى».

٤١ ـ رواية حذيفة بن اليمان :

(المصدر السابق)

ومن رواية حذيفة بن اليمان ، قال : صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : معاشر أصحابي أوصيكم بتقوى الله كأني أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، من تمسّك بعترتي بعدي كان من الفائزين ، ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.

فقلت : يا رسول الله على من تخلّفنا؟. قال : على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلت : على وصيّه يوشع؟. قال : وصيي وخليفتي من بعدي علي ابن أبي طالب ، قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله.

قلت : يا رسول الله ، كم تكون الأئمة من بعدك؟. قال : عدد نقباء بني إسرائيل (أي اثنا عشر) ، التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام ، أعطاهم الله تعالى علمي وفهمي ، خزّان علم الله ومعادن وحيه. قلت : يا رسول الله ، فما لأولاد الحسن؟قال : إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام وذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨].

٤٢ ـ رواية سلمان الفارسي :

(المصدر السابق ، ص ٣٠)

ومن رواية سلمان الفارسي ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : معاشر الناس ،

١٢٩

إني راحل عن قريب ، ومنطلق إلى الغيب. أوصيكم في عترتي خيرا ، وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار.

معاشر الناس ، من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزّهر بعدي.

قال : فلم يزل حتّى دخل بيت عائشة ، فدخلت إليه. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، سمعتك تقول : إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر فما الشمس وما القمر ، وما الفرقدان ، وما النجوم الزهر؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعلي القمر ، فإذا فقدتموني فتمسّكوا به بعدي. وأما الفرقدان فالحسن والحسينعليهما‌السلام ، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما. وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسينعليه‌السلام والتاسع مهديّهم.

ثم يقول الفاضل الدربندي : وبالجملة فإن روايات التنصيص على الأئمة الاثنا عشر وتسميتهم بأسمائهم ، وذكر أن أولهم عليعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عج) يصلي خلفه المسيح بن مريمعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترة. وحديث جابر ابن عبد الله الأنصاري في ذلك مستفيض مشهور ، وكذلك غيره من الأحاديث.

(أقول) : وإليك رواية أخرى ، ذكرها الخوارزمي في مقتله ، فيها شفاء لما في الصدور ، وهدى ورحمة للمؤمنين.

٤٣ ـ رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام حين أسري به :

(مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي ، ج ١ ص ٩٤)

ذكر ابن شاذان عن أبي سلمى ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) ، قلت :( وَالْمُؤْمِنُونَ ) [البقرة : ٢٨٥]. قال : صدقت يا محمّد. ومن خلّفت في أمّتك؟. قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟. قلت : نعم يا ربّ.

قال : يا محمّد ، إني اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها ، فشققت لك اسما من أسمائي ، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ثم اطّلعت الثانية فاخترت عليا ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليعليه‌السلام . يا محمّد ، إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن

١٣٠

والحسين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين. يا محمّد ، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّنّ (أي الجلد اليابس المتجعد) البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ، ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمّد أتريد أن تراهم؟. قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمّد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلي بن محمّد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري) والمهديعليهم‌السلام ، في ضحضاح من نور ، قياما يصلّون ، وهو وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب درّي. قال : يا محمّد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك. وعزتي وجلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي.

٤٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام يؤكد كون الأئمة من بني هاشم :

وجاء عليعليه‌السلام يفسر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوضح إبهامه في نهج البلاغة ، فقال : إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٢).

٤٥ ـ الإنجيل يتنبّأ بالأئمة الاثني عشر :

جاء في الإصحاح الحادي عشر عن تنبؤات يوحنا اللاهوتي ما نصه :

«وظهرت آية عظيمة في السماء ، امرأة متسربلة بالشمس ، وتحت رجليها القمر ، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا».

فكأنه يتكلم عن مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام وقد تسربلت بالشمس يعني أبيها محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزوجت بالقمر وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعلى رأسها إكليل من أبنائها المعصومين الاثني عشر ، الذين أولهم الحسن والحسين وآخرهم المهديعليه‌السلام . وليس هناك فيما تنبّأ به يوحنا اللاهوتي فيما سيحصل من أمور ، شيء شبيه بالذي ذكر ، غير فاطمة وأبيها وبعلها وبنيهاعليهم‌السلام .

١٣١

٤٦ ـ الحجة المهديعليه‌السلام هو الإمام الثاني عشر :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٤١)

قال الشيخ محمّد الصبان : يكون ظهور المهديعليه‌السلام في يوم عاشوراء. وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر) : المهديعليه‌السلام من ولد الإمام الحسن العسكري ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وقال الشيخ محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) : اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهديعليه‌السلام ، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا. وهو من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولد فاطمةعليها‌السلام ، جده الحسين بن عليعليهم‌السلام ووالده الإمام حسن العسكري ابن الإمام علي النقي ، ابن الإمام محمّد التقي ، ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام جعفر الصادق يواطئ اسمه اسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلق ، وينزل عنه في الخلق ، إذ لا يكون أحد مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخلاقه.

٣ ـ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء

٤٧ ـ من هم أهل البيتعليهم‌السلام المقصودون في آية التطهير؟ :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١٠)

يقول الشيخ مؤمن الشبلنجي : اختلف في المراد من (أهل البيت) فقيل :

١) ـ هم نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنهن في بيته.

٢) ـ هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٣) ـ هم من تحرم عليهم الصدقة بعده ، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وقال الفخر الرازي : والأولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين. وعليعليهم‌السلام منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته وملازمته له.

١٣٢

تعليق المؤلف :

إن تعبير (أهل البيت) كما شرحنا سابقا يطلق على عدة أشياء ، فيقصد به الخمسة الذين ضمهم الكساء ، وقد يقصد به الأئمة الاثنا عشر ، وقد يقصد به ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم السادة الأشراف. وقد يقصد به نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن إذا كنا نبحث بالمقصود بهم في آية التطهير ، وهي قوله تعالى :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] فهم حصرا الخمسة أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم الآية على وجه الخصوص كما سترى. أما الزوجات فهن مختلفات في الفضل فيما بينهن ، لكنهن لا يرقين إلى درجة هؤلاء الخمسة الذين طهّرهم الله وعصمهم من كل رجس ، منذ ولادتهم وحتى وفاتهم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ثم يقول الشبلنجي : هذا ويشهد للقول بأن (أهل البيت) هم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عدة آيات ودلالات ، منها : حديث الكساء ، وآية المباهلة ، وآية المودة.

٤٨ ـ حديث الكساء :

(نور الأبصار للشبلنجي ، ص ١١١)

ثم يقول الشبلنجي : وروي من طرق عديدة صحيحة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء ومعه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، ثم أخذ كلّ واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم كساء ، ثم تلا هذه الآية :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

(وفي رواية) : الله م هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

١٣٣

(وفي رواية أم سلمة) قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدي. فقلت : وأنا معكم يا رسول الله. فقال : إنك من أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خير.

وروى أحمد بن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمةعليهم‌السلام .

وروى سبط ابن الجوزي الحنفي المذهب في كتابه (تذكرة الخواص ، ص ٦٥٤ ط نجف) حديث الكساء بسنده عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة أسألها عن عليعليه‌السلام فقالت : توجّه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجلست أنتظره ، فإذا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم ، حتّى دخل الحجرة ، فأجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، وأجلس عليا وفاطمة بين يديه ، ثم لفّ عليهم كساه (أي ثوبه) ، ثم قرأ :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي حقا».

وقد أخرج العلامة الفقيه محب الدين الطبري الشافعي في كتابه (ذخائر العقبى ، ص ٢١ ـ ٢٤) أحاديث متعددة في قصة الكساء. منها حديث عن عائشة قالت :خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر. فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ، ثم جاء عليعليه‌السلام فأدخله فيه ، ثم قال :

( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). أخرجه مسلم. وأخرج أحمد معناه عن واثلة ، وزاد في آخره : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وأهل بيتي أحقّ».

ومنها حديث عن أم سلمة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : ائتني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم ، وأكفأ عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال :«اللهم إن هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد ، إنك حميد مجيد».

قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :«إنك على خير».(أخرجه الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة).

١٣٤

وروى ابن شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصحّحه ، عن أنس ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية (كما في رواية الترمذي) كان يمرّ ببيت فاطمةعليها‌السلام إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول :الصلاة أهل البيت( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أربعين صباحا إلى دار فاطمة ، يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وفي رواية له عن ابن عباس : سبعة أشهر. وفي رواية لابن جرير وابن المنذر والطبراني : ثمانية أشهر.

وذكر ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) آية التطهير ، ثم قال : ذكر الترمذي في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب من ستة أشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة ، ثم يقول :( يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣).

وذكر ابن حجر أحاديث غير ما تقدم ، وقال : وأشار المحب الطبري إلى أن هذا الفعل (أي وضع الكساء عليهم) تكرر منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة وبيت فاطمة وغيرهما. وهذا يفسّر لنا تعدد الروايات بأشكال مختلفة ، في هيئة اجتماعهم وما جللهم به وما دعا به لهم.

وقال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي الشامي في كتابه (مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول ، ص ٨ ط إيران) بعد أن ذكر حديث الكساء : فهؤلاء أهل بيته المرتقون بتطهيرهم إلى ذروة أوج الكمال ، المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال ، الموفّقون لتأييدهم لانتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال ، المستبقون لتسديدهم إلى مدارج الفضائل والافضال.

٤٩ ـ حديث المباهلة يؤيد حديث الكساء :

(محمّد وعلي وبنوه الأوصياء للشريف العسكري ، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٦)

ومما يؤكد أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم الخمسة على وجه التحديد دون غيرهم ، ما وقع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد المباهلة مع وفد نجران.

١٣٥

خرّج جماعة من علماء الجمهور حديث المباهلة بعبارات مختلفة في أحاديث مختلفة. وقصة المباهلة المشهورة حدثت في السنة العاشرة للهجرة. وهي أن وفدا من آل نجران وهم من النصارى ، جاؤوا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجادلونه في المسيحعليه‌السلام ، فلما تعنّتوا في غلوائهم ، دعاهم الرسول إلى المباهلة ، وهي أن يجتمع فريق من كل طرف ، فيدعو الواحد على الآخر ، فتكون الغلبة لمن يستجيب الله دعاءه. فطلبوا منه الإنظار إلى صبيحة الغد. فقال لهم الأسقف : انظروا محمدا في غد ، فإن جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء. فلما جاء الغد جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ، فلما رآهم قال الأسقف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجوها لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، فلا تباهلوهم فتهلكوا. فامتنعوا عن المباهلة وفي ذلك نزلت الآية :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١)[آل عمران : ٥٩ ـ ٦١].

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة ، ص ٥٢) حديث المباهلة وقال : أخرج صاحب المناقب عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسينعليهم‌السلام ، أن الحسن بن عليعليهما‌السلام قال في خطبته : قال الله تعالى لجديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين جحده كفرة أهل نجران وحاجّوه :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. فأخرج جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه من الأنفس أبي ، ومن البنين أنا وأخي ، ومن النساء فاطمة أمي. فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ، ونحن منه وهو منا.

(وفيه أيضا ، ص ٥٣) : قال الإمام الرضا رضي الله عنه (في تفسير آية المباهلة) : عنى الله تعالى من( أَنْفُسَنا ) نفس عليعليه‌السلام . ومما يدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوفد ثقيف : «لتنتهنّ بني وليعة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي «يعني علي بن أبي طالب. فهذه خصوصية لا يلحقه فيها بشر.

(وفي ينابيع المودة أيضا ، ص ٢٦٦) قال : أخرج الدارقطني بسنده عن واثلة

١٣٦

(قال) قال الإمام عليعليه‌السلام يوم الشورى : والله لأحتجّنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه. ثم قال لهم خصالا صدّقوها.

(إلى أن قالعليه‌السلام ) : أنشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني؟. وهل فيكم من جعل الله نفس نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟. قالوا : لا. قال : فأنشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أبو ولدي ، غيري؟. قالوا : لا.

٥٠ ـ آية المودّة :

ويقول الشبلنجي في (نور الأبصار) : ما قدّمناه من أن أهل البيتعليهم‌السلام هم :علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام هو ما جنح إليه الفخر الرازي في تفسيره والزمخشري في كشافه. وعبارته عند تفسير قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) : روي أنها لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟. قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام . وسوف نتناول تفسير هذه الآية فيما بعد ، عند حديثنا عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام ومودتهم.

٥١ ـ آية السلام :

قال الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في مناقبه : ومن الآيات التي نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام ، آية السلام ، وهي قوله تعالى :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠) [الصافات : ١٣٠]. وقد عدّ ابن حجر في صواعقه هذه الآية من الآيات النازلة بحقهم.ونقل أن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال : المراد بها السلام على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى أن قال :

(وذكر الفخر الرازي) أن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوونه في خمسة أشياء :

في السلام ، قال تعالى (السلام عليك أيها النبي) ، وقال :( سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ) (١٣٠). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد في الصلاة. وفي الطهارة ، قال تعالى( طه ) (١) [طه : ١] أي يا طاهر ، وقال :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣). وفي تحريم الصدقة. وفي المحبّة ، قال تعالى( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) [آل عمران : ٣١] ، وقال :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) . ا ه.

٥٢ ـ الصلاة على محمّد وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وقد أخرج البخاري في كتاب تفسير القرآن ، من الجزء الثالث من صحيحه ، في

١٣٧

تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥٦) [الأحزاب : ٥٦]. فقال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك؟. فقال :

«قولوا : اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد أخرج هذا الحديث مسلم في باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب الصلاة ، في الجزء الأول من صحيحه ، وأخرجه سائر المحدّثين فعلم أن الصلاة على آل محمّد جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية. ولذا عدّها العلماء من الآيات النازلة بحقهم ، حتّى عدّها ابن حجر في صواعقه من آياتهم الخاصةعليهم‌السلام .

وحسبنا في إيثارهم على من سواهم ، إيثار اللهعزوجل إياهم ، حتّى جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة على جميع عباده ، فلا تصحّ بدونها صلاة أحد من العالمين أيا كان شأنه. بل لابدّ لكل من امتثل أمر الله بفرائضه ، أن يمتثل أمره في أثنائها بالصلاة عليهم ، كما يمتثل أمره بالشهادتين. ولذلك أثر عن جابر أنه كان يقول : لو صلّيت صلاة لم أصلّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ، ما رأيت أنها تقبل. وهذه منزلة عنت لها وجوه الأمة ، وخشعت أمامها أبصار العلماء الأئمة ، لذلك قال الشافعي إمام المذهب :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

٤ ـ فضائل أهل البيتعليهم‌السلام

٥٣ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٥٨)

قال بعض أهل العلم : إن آل البيتعليهم‌السلام حازوا الفضائل كلها ؛ علما وحلما ، وفصاحة وصباحة ، وذكاء وبديهة ، وجودا وشجاعة. فعلومهم لا تتوقف على تكرار درس ، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان بالأمس ، بل هي مواهب من مولاهم ، من أنكرها وأراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس. فما سألهم في العلوم مستفيد ووقفوا ، ولا جرى معهم في مضمار الفضل قوم إلا عجزوا وتخلّفوا.

٥٤ ـ بعض فضائل أهل البيتعليهم‌السلام :

وحسب أئمة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب الكريم ، لا

١٣٨

يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهم أعدال القرآن ، وشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعدن العلم ، وأهل بيت الوحي.

فيهم نزلت آية التطهير في قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣٣) [الأحزاب : ٣٣] وفيهم نزلت آية الرحمة والبركة في قوله تعالى :( رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) (٧٣) [هود : ٧٣].

وفيهم نزلت آية المباهلة في قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٦١) [آل عمران : ٦١]. وفيهم نزلت آية الإطعام في قوله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (٩) [الإنسان : ٨ ـ ٩]. وفيهم نزلت آية المودة في قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (٣٣) [الشورى : ٢٣]. وفيهم نزلت آية النور في قوله تعالى:( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) (٣٥) [النور : ٣٥]. وفيهم نزلت آية الهداية في قوله تعالى :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. وفيهم نزلت آية الولاية في قوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥٥) [المائدة : ٥٥]. وفيهم نزلت آية الطاعة في قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء : ٥٩]. وفيهم نزلت آية النعمة في قوله جلّ من قائل :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) [المائدة : ٣]. وفيهم نزلت آية الميثاق في قوله :( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) [المائدة : ٧]. يشير تعالى في هذه الآية إلى حادثة الغدير في حجة الوداع.

بعض فضائل الإمام عليعليه‌السلام

٥٥ ـ فضائل الإمام عليعليه‌السلام لا تحصى :

فضائل الإمام عليعليه‌السلام جمّة لا تحصى ، فهي بعدد ذرات الثرى. وكما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه لنهج البلاغة (ج ١ ص ١٧ ط مصر ، تحقيق أبي الفضل إبراهيم) :

وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله. فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق

١٣٩

الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ، ووضع المعائب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتّى حظّروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيرة.

وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كل طائفة ؛ فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجليّ حلبتها ، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى. اه.

(أقول) : وإنما أحببت أن أسوق في هذه الموسوعة بعض مناقبه وفضائلهعليه‌السلام للتبرك بذكره وتعطير الكتاب بأريج عطره.

٥٦ ـ بعض الروايات في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٣ ط نجف)

عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي إن الله قد غفر لك ولأهلك وشيعتك ، ومحبّي شيعتك ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنك الأنزع البطين ؛ منزوع من الشرك ، بطين من العلم.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام عن آبائه عن الحسينعليه‌السلام قال :سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربي ، فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته ، فإنهم لن يخرجوك من باب الهدى إلى باب الضلالة.

وروى الحمويني في (فرائد السمطين) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحبّ أن يتمسّك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي ، فليقتد بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليعاد عدوّه ، وليوال وليّه ، فإنه وصيي وخليفتي على أمتي ، في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي. قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ سيّد العرب. فقيل : ألست سيد العرب؟. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنا سيد العالمين (فضائل الخمسة ، ج ٢ ص ٩٧).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فلا يمكن الالتزام بتسلسل الإضافات والتعلّقات دون العلوم.

وأمّا الجواب بتسلسل العلوم الاعتبارية ، فلأنّه ـ بعد فرض أنّ علمه تعالى صفة وجودية ـ لم يدرك العقل فرقا بين علمه تعالى ، و [ بين ](١) علمه بعلمه ، حتّى يقال : إنّ الأوّل حقيقي وغيره اعتباري ، فإنّ الجميع علمه ، وعلمه صفة وجودية عندهم ، والتحكّمات الباردة لا أثر لها عند ذي المعرفة.

ولا يرد النقض علينا بعلمه تعالى على مذهبنا ؛ لأنّ علمه تعالى عندنا عين ذاته ، وليس هناك إلّا انكشاف المعلومات له ، فلا يتصوّر اعتبار مطابقة ذاته للمعلومات.

نعم ، يمكن فرض مطابقة علمه لها بمجرّد الاعتبار الذي لا تضرّ معه المطابقة ، لأمور غير متناهية ، في مراتب غير متناهية.

وأمّا ما أجاب [ به ] (٢) عن المحال الرابع ، فغير منطبق بكلا شقّي الترديد فيه على مراد المصنّف ; ، فإنّه أراد أنّه لو كانت الصفات زائدة على ذاته تعالى لزم التركيب في حقيقة الإله ؛ لأنّ الذات في نفسها ـ مع قطع النظر عن الحياة والعلم والقدرة ، وغيرها من الصفات ـ خالية عن مقتضيات الإلهية ، فإذا كان الإله هو المركّب من الذات والصفات ، ولا إله إلّا الله ، كان الله سبحانه مركّبا ، والتركيب ينفي الوجوب

مع إنّ القول بإلهية المركّب ـ لا الذات ـ في نفسها كفر بالإجماع والضرورة.

وأمّا تخصيصه لكلام أمير المؤمنين ٧ بصفات هي غير الذات

__________________

(١) أضفنا ما بين القوسين المعقوفتين لضرورة السياق.

(٢) أضفنا ما بين القوسين المعقوفتين لضرورة السياق.

٢٨١

بالكلّيّة ، فتخصيص بلا شاهد ، مع إنّه إنّما ينفع إذا كان القول بأنّ صفاته ليست عين ذاته ولا غيرها رافعا لإشكال التركيب والخروج عن الوجوب ، وهو بالضرورة ليس كذلك ؛ لأنّه اعتذار لفظي فقط لا يغيّر قولهم بزيادة الصفات على الذات الذي جاء الإشكال من قبله.

هذا ، ويمكن أن يشير أمير المؤمنين ٧ بكلامه المذكور إلى المحال الثاني ، ويكون حاصله :

من وصف الله سبحانه فقد قرنه بغيره ؛ وهو صفاته

ومن قرنه بغيره فقد ثنّاه بواجب آخر ؛ لما عرفت من أنّ صفاته تعالى لا يمكن أن تصدر عنه بالاختيار أو الإيجاب ، فتكون واجبة الوجود بنفسها ، أو منتهية إلى واجب آخر صفاته عين ذاته ، فيتعدّد الواجب

ومن عدّده وثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد صيّره ممكنا وجهله.

والله ووليّه أعلم.

وأمّا ما أجاب به عن المحال الخامس ، فحاصله :

إنّ قولنا : « الصفات ليست عين الذات ، ولا غيرها » اصطلاح لفظي ناشئ من اعتبارين.

وفيه : إنّا رأيناهم يجيبون به عن الإلزامات الحقيقية المبنيّة على مغايرة الذات للصفات حقيقة ـ كما سمعت بعضها ـ ، فكيف يكون اصطلاحا واعتبارا مجرّدا؟!

وبالجملة : إن أرادوا به الحقيقة ، فهو غير معقول ، كما بيّنه المصنّف ;.

وإن أرادوا به الاعتبار والاصطلاح ، فلا مشاحّة.

٢٨٢

لكن ما بالهم يجيبون به عن الأمور المبنيّة على الحقائق؟! فلا بدّ أنّهم أخطأوا على أحد الوجهين!

* * *

٢٨٣
٢٨٤

البقاء ليس زائدا على الذات

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث التاسع

في البقاء

وفيه مطلبان :

[ المطلب الأوّل

إنّه ليس زائدا على الذات

وذهب الأشاعرة إلى أنّ الباقي إنّما يبقى ببقاء زائد على ذاته ، وهو عرض قائم بالباقي ، وأنّ الله تعالى باق ببقاء قائم بذاته(٢) .

ولزمهم من ذلك المحال ـ الذي تجزم الضرورة ببطلانه ـ من وجوه :

الأوّل : إنّ البقاء إن عني به الاستمرار ، لزمهم اتّصاف العدم بالصفة الثبوتية ؛ وهو محال بالضرورة.

بيان الملازمة : إنّ الاستمرار كما يتحقّق في جانب الوجود ، كذا

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٥ ـ ٦٧.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٥٩ وما بعدها ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٥٢ ، شرح المقاصد ٤ / ١٦٤ ـ ١٦٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٦ ، شرح التجريد : ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

٢٨٥

يتحقّق في جانب العدم ؛ لإمكان تقسيم المستمرّ إليهما ، ومورد القسمة مشترك ؛ ولأنّ معنى الاستمرار كون الأمر في أحد الزمانين كما كان في الزمان الآخر.

وإن عني به صفة زائدة على الاستمرار ، فإن احتاج كلّ منهما إلى صاحبه ؛ دار

وإن لم يحتج أحدهما إلى الآخر ، أمكن تحقّق كلّ منهما بدون صاحبه ، فيوجد بقاء من غير استمرار وبالعكس ؛ وهو باطل بالضرورة

وإن احتاج أحدهما [ إلى صاحبه ] خاصة ، انفكّ الآخر عنه ؛ وهو ضروري البطلان.

الثاني : إنّ وجود الجوهر في الزمان الثاني لو احتاج إلى البقاء لزم الدور ؛ لأنّ البقاء عرض يحتاج في وجوده إلى الجوهر

فإن احتاج إلى وجود هذا الجوهر ـ الذي فرض باقيا ـ كان كلّ من البقاء ووجود الجوهر محتاجا إلى صاحبه ؛ وهو عين الدور المحال.

وإن احتاج إلى وجود جوهر غيره ، لزم قيام الصفة بغير الموصوف ؛ وهو غير معقول.

أجابوا بمنع احتياج البقاء إلى الجوهر ، فجاز أن يقوم بذاته لا في محلّ ، ويقتضي وجود الجوهر في الزمان الثاني ، وهو خطأ ؛ لأنّه يقتضي قيام البقاء بذاته فيكون جوهرا [ مجرّدا ] ، والبقاء لا يعقل إلّا عرضا قائما بغيره.

وأيضا : يلزم أن يكون هو بالذاتية أولى من الذات ، وتكون الذات بالوصفيّة أولى منه ؛ لأنّه مجرّد مستغن عن الذات ، والذات محتاجة إليه

والمحتاج أولى بالوصفيّة من المستغني ، والمستغني أولى بالذاتية من

٢٨٦

المحتاج ؛ ولأنّه يقتضي بقاء جميع الأشياء ؛ لعدم اختصاصه بذات دون أخرى.

الثالث : إنّ وجود الجوهر في الزمان الثاني هو عين وجوده في الزمان الأوّل ، ولمّا كان وجوده في الزمان الأوّل غنيا عن هذا البقاء ، كان وجوده في الزمان الثاني كذلك ؛ لامتناع كون بعض أفراد الطبيعة محتاجا بذاته إلى شيء وبعض أفرادها غنيا عنه.

* * *

٢٨٧

وقال الفضل(١) :

اتّفق المتكلّمون على إنّه تعالى باق ، لكن اختلفوا في كونه صفة ثبوتيّة زائدة أو لا؟

فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه ، وجمهور معتزلة بغداد(٢) إلى أنّه صفة ثبوتية زائدة على الوجود ، إذ الوجود متحقّق دونه [ أي دون البقاء ] كما في أوّل الحدوث ، بل يتجدّد بعده صفة هي البقاء(٣) .

ونفى كون البقاء صفة موجودة زائدة كثير من الأشاعرة ، كالقاضي أبي بكر ، وإمام الحرمين ، والإمام الرازي(٤) ، وجمهور معتزلة

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩.

(٢) منهم : بشر بن المعتمر الهلالي ( ت ٢١٠ ه‍ ) ، وثمامة بن الأشرس البصري ( ت ٢١٣ ه‍ ) ، وأبو جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافي ( ت ٢٤٠ ه‍ ) ، وعيسى بن الهيثم الصوفي الخيّاط ( ت ٢٤٥ ه‍ ) ، وأبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي الكعبي ( ت ٣١٩ ه‍ ).

(٣) انظر : الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٥٩ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٥٢ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٦.

(٤) أمّا القاضي أبو بكر فهو : محمّد بن الطيّب بن محمّد بن جعفر بن القاسم البصري الباقلّاني ، المتكلّم ، المالكي مذهبا ، الأشعري اعتقادا وطريقة.

ولد سنة ٣٣٨ ه‍ ، وسكن بغداد وتوفّي بها سنة ٤٠٣ ه‍ ، من تصانيفه : إعجاز القرآن ، الملل والنحل ، وهداية المسترشدين في الكلام ، وتمهيد الأوائل ، والإنصاف.

انظر في ترجمته : ترتيب المدارك ٢ / ٥٨٥ ، وفيات الأعيان ٤ / ٢٦٩ رقم ٦٠٨ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٩٠ رقم ١١٠ ، شذرات الذهب ٣ / ١٦٨ ، هديّة العارفين ٦ / ٥٩.

٢٨٨

البصرة(١) ، وقالوا : البقاء هو نفس الوجود في الزمان الثاني ، لا أمر زائد عليه(٢) .

ونحن ندفع ما أورده هذا الرجل على مذهب الشيخ الأشعري ، فنقول : أورد عليه ثلاث إيرادات :

الأوّل : إنّ البقاء إن عني به الاستمرار ، لزم اتّصاف العدم بالصفة الثبوتية إلى آخر الدليل.

__________________

وأمّا إمام الحرمين فهو : ضياء الدين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني ، الفقيه الشافعي.

ولد سنة ٤١٩ ه‍ ، قدم بغداد ثمّ سافر وجاور مكّة والمدينة ، ورجع إلى نيسابور يدرّس العلم ، ويعظ ، إلى أن توفّي بها سنة ٤٧٨ ه‍ ؛ من تصانيفه : الإرشاد في علم الكلام ، البرهان في الأصول ، غياث الأمم ، نهاية المطلب.

انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ٣ / ١٦٧ رقم ٣٧٨ ، سير أعلام النبلاء ١٨ / ٤٦٨ رقم ٢٤٠ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٥ / ١٦٥ رقم ٤٧٧ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٥٨ ، هديّة العارفين ٥ / ٦٢٦.

وأمّا الرازي فهو : أبو عبد الله فخر الدين محمّد بن عمر بن الحسين بن الحسن ، الفقيه الشافعي ، المعروف بابن الخطيب.

ولد بالريّ سنة ٥٤٣ ه‍ أو ٥٤٤ ه‍ ، وتوفّي بمدينة هراة سنة ٦٠٦ ه‍ ، له تصانيف كثيره في فنون عديدة ، منها : تفسير القرآن الكريم ، المطالب العالية ، نهاية العقول ، الأربعين في أصول الدين ، المحصّل ، إبطال القياس.

انظر في ترجمته : وفيات الأعيان ٤ / ٢٤٨ رقم ٦٠٠ ، سير أعلام النبلاء ٢١ / ٥٠٠ رقم ٢٦١ ، طبقات الشافعية ـ للسبكي ـ ٨ / ٨١ رقم ١٠٨٩ ، شذرات الذهب ٥ / ٢١ ، هديّة العارفين ٦ / ١٠٧.

(١) منهم : واصل بن عطاء ( ت ١٣١ ه‍ ) ، وعمرو بن عبيد ( ت ١٤١ ه‍ ) ، وأبو بكر الأصمّ ( ت ٢٠٠ ه‍ ) ، وإبراهيم النظّام ( ت ٢٣١ ه‍ ) ، وأبو الهذيل العلّاف ( ت ٢٣٥ ه‍ ) ، وأبو علي الجبّائي ( ت ٣٠٣ ه‍ ) ، وأبو هاشم الجبّائي ( ت ٣٢١ ه‍ ).

(٢) انظر : الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٥٩ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٥٢ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٦.

٢٨٩

والجواب : إنّ البقاء عني به استمرار الوجود ، لا الاستمرار المطلق حتّى يلزم اتّصاف العدم بالصفة الثبوتية ، فاندفع ما قال.

الثاني : إنّ وجود الجوهر في الزمان الثاني لو احتاج إلى البقاء لزم الدور

ثمّ ذكر أنّ الأشاعرة أجابوا بمنع احتياج البقاء إلى الجوهر ، ورتّب عليه أنّه حينئذ جاز أن يقوم بذاته لا في محلّ

وهذا الجواب افتراء عليهم!(١) .

بل أجابوا بمنع احتياج الذات إليه ، وما قيل [ من ] أنّ وجوده في الزمان الثاني معلّل به ، ممنوع ؛ غاية ما في الباب أنّ وجوده فيه لا يكون إلّا مع البقاء ، وذلك لا يوجب أن يكون البقاء علّة لوجوده فيه ، إذ يجوز أن يكون تحقّقهما معا على سبيل الاتّفاق(٢) .

فاندفع كلّ ما ذكر من المحذور.

الثالث : إنّ وجود الجوهر في الزمان الثاني هو عين وجوده في الزمان الأوّل ، ولمّا كان وجوده في الزمان الأوّل غنيا ، كان في الثاني كذلك.

والجواب : إنّ جميع أفراد الوجود محتاج إلى البقاء في الزمان الثاني ، غنيّ عنه في الزمان الأوّل ، فلا يختلف أفراد الطبيعة في الاحتياج والغنى الذاتيّين

وهو حسب أنّ الوجود في الزمان الأوّل فرد ، وفي الزمان الثاني فرد آخر ، وهذا غاية جهله وعدم تدرّبه في شيء من المعقولات!

__________________

(١) بل حكاه الفخر الرازي في : الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٥٣.

(٢) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٠٨.

٢٩٠

وأقول :

ما نقله عن الأشعري وأتباعه من أنّ تحقّق الوجود في أوّل الحدوث دون البقاء ، يدلّ على تجدّد صفة ثبوتية زائدة على الوجود هي البقاء ، ضروري البطلان ؛ لجواز أن يكون البقاء عين الوجود المستمرّ لا صفة زائدة متجدّدة.

ولو سلّم ، فلا يدلّ على كونها وجودية ، بل يجوز أن تكون اعتبارية ـ كما هو الحقّ ـ كمعيّة الباري سبحانه مع الحوادث المتجدّدة بتجدّد الحوادث.

وذكر شارح « المواقف » الجواب الأخير وعلم به الخصم(١) ، فإنّ ما ذكره من كيفية الخلاف قد أخذه من « المواقف » وشرحها(٢) ، فكان الأحرى به تركه.

وأمّا ما أجاب به عن الإيراد الأوّل ، ففيه :

إنّ حقيقة البقاء هي الاستمرار ، لكن إذا كان البقاء صفة للوجود ، كان عبارة عن استمرار الوجود من باب تعيين المورد ، لا أنّ حقيقة البقاء هي خصوص استمرار الوجود ، فإنّه لا يدّعيه عاقل ، وذلك نظير الوجود ، فإنّه عبارة عن الثبوت ، فإذا كان وصفا لزيد ، كان عبارة عن ثبوته ، ولا يصحّ أن يقال : إنّ معنى الوجود ثبوت زيد ؛ فحينئذ يتمّ كلام المصنّف.

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٠٧.

(٢) المواقف : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٦ ـ ١٠٨.

٢٩١

وأمّا ما نقله عن الأشاعرة في الجواب عن الإيراد الثاني ، ففيه : إنّه لو لم تحتج الذات إلى البقاء ، وجاز أن يكون تحقّقهما على سبيل الاتّفاق ، لجاز انفكاك كلّ منهما عن صاحبه ؛ وهو غير معقول ؛ لا من طرف الذات ؛ لاستلزامه جواز أن لا تبقى ، فتكون ممكنة ؛ ولا من طرف البقاء ؛ لأنّ افتقار العرض إلى المعروض ضروري.

وأيضا : لو جاز أن يكون تحقّقهما اتّفاقيا ، لكان البقاء مستغنيا في نفسه عن الذات ، فيكون جوهرا ، وهو غير معقول ؛ ويكون واجبا إن استغنى عن غيرها أيضا ؛ أو ممكنا إن احتاج إليه ؛ ولا بدّ أن ينتهي إلى واجب آخر ، فيكون مع الذات واجب آخر ، ويلزم التركيب ويخرجان عن الوجوب.

وأيضا : لو استغنى البقاء عنها ، لكانت نسبته إلى جميع الأشياء على حدّ سواء ، فيثبت لجميع الأشياء ولا يختصّ بالذات.

فظهر أنّ ما نقله الخصم مشتمل على أكثر المفاسد التي ذكرها المصنّف وزيادة ـ وإن كان بعض ما زدناه واردا أيضا على ما نقله المصنّف عنهم ـ فأيّ حاجة للمصنّف في تغيير الجواب؟!

لكنّ الخصم لمّا لم يعرف غير « المواقف » ، يرى أنّ كلّ ما ليس فيها كذب ، على إنّ جواب « المواقف » وشرحها ـ الذي ذكره ـ مشتمل على ما نقله المصنّف ؛ لأنّهما إذا أجازا أن يكون اجتماع الذات والبقاء اتّفاقيا ، فقد قالا بعدم حاجة البقاء إلى المحلّ.

وأمّا ما أجاب به عن الإيراد الثالث ، فأجنبيّ عن الإشكال لأنّ صريح كلام المصنّف هو أنّ الوجود المستمرّ لا يصحّ أن يكون في الزمن الأوّل غنيا عن البقاء ، وفي الزمن الثاني محتاجا إليه

٢٩٢

وقد تخيّل أنّ مراد المصنّف هو اختلاف أفراد الوجود ، فبعضها غني عن البقاء في الزمن الأوّل ، محتاج إليه في الزمن الثاني ، والبعض الآخر ليس كذلك ، فأشكل عليه بعدم اختلاف أفراد الوجود بالغنى والاحتياج.

نعم ، مبنى الإشكال في كلام المصنّف على كون الوجود المستمرّ فردين للوجود : أحدهما : الوجود في الزمن الأوّل ، وثانيهما : الوجود في الزمن الثاني

فإنّه حينئذ لا يمكن احتياج ثانيهما إلى البقاء مع غنى أوّلهما عنه ؛ لامتناع كون بعض أفراد الطبيعة محتاجا بذاته إلى شيء ، وبعض أفرادها مستغنيا عنه ، وإنّما بنى الإشكال على كونهما فردين ؛ لأنّ التعدّد مقتضى قول الأشاعرة باختلاف الوجود في الزمانين بالغنى والحاجة إلى صفة البقاء ذاتا(١) ، فيكونان فردين من طبيعة واحدة حسب الفرض.

ولو بنى المصنّف ; الإشكال على القول بأنّ الوجود المستمرّ فرد واحد لا تزايد فيه ولا اشتداد ، لكان بطلان مذهب الأشعري أظهر ، إذ يمتنع أن يكون الفرد الواحد مختلفا بذاته بالاستغناء والحاجة في زمانين.

وقد كان الأولى بالمصنّف أن يذكر بطلان مذهب الأشعري على كلا الوجهين.

* * *

__________________

(١) انظر مؤدّاه في شرح المواقف ٨ / ١٠٦ ـ ١٠٧.

٢٩٣
٢٩٤

إنّه تعالى باق لذاته

قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ(١) :

المطلب الثاني

في أنّ الله تعالى باق لذاته

الحقّ ذلك ؛ لأنّه لو احتاج في بقائه إلى غيره كان ممكنا ، فلا يكون واجبا ؛ للتنافي الضروري بين الواجب والممكن.

وخالفت الأشاعرة في ذلك ، وذهبوا إلى أنّه تعالى باق بالبقاء(٢) .

وهو خطأ لما تقدّم(٣) ؛ ولأنّ البقاء إن قام بذاته تعالى لزم تكثّره واحتياج البقاء إلى ذاته تعالى ، مع إنّ ذاته محتاجة إلى البقاء ، فيدور.

وإن قام بغيره كان وصف الشيء حالّا في غيره ؛ ولأنّ غيره محدث.

وإن قام البقاء بذاته كان مجرّدا.

وأيضا : بقاؤه تعالى باق لامتناع تطرّق العدم إلى صفاته تعالى ؛ ولأنّه يلزم أن يكون محلّا للحوادث ، فيكون له بقاء آخر ، ويتسلسل.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٧.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٠٦ ـ ١٠٨.

(٣) راجع : المبحث التاسع ، الصفحة ٢٨٥ وما بعدها.

٢٩٥

وأيضا : صفاته تعالى باقية ، فلو بقيت بالبقاء لزم قيام المعنى بالمعنى.

* * *

٢٩٦

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في ما سبق أكثر أجوبة ما ذكره في هذا الفصل

قوله : « لو احتاج في بقائه إلى غيره كان ممكنا ».

قلنا : الاحتياج إلى الغير الذي لم يكن من ذاته يوجب الإمكان ، ومن كان صفاته من ذاته لم يكن ممكنا.

قوله : « ولأنّ البقاء إن قام بذاته لزم تكثّره ».

قلنا : لا يلزم التكثّر ؛ لأنّ الصفات الزائدة ليست غيره مغايرة كلّيّة.

قوله : « احتاج البقاء إلى ذاته ، وذاته محتاجة إلى البقاء ، فيلزم الدور ».

قلنا : مندفع بعدم احتياج الذات إلى البقاء ، بل هما متحقّقان معا كما سبق(٢) ، فهو قائم بذاته من غير احتياج الذات إليه ، بل هما متحقّقان معا.

قوله : « بقاؤه باق ».

قلنا : مسلّم ، فالبقاء موصوف ببقاء هو عين ذلك البقاء ، كاتّصاف الوجود بالوجود.

قوله : « ولأنّه يلزم أن يكون محلّا للحوادث ».

قلنا : ممنوع ؛ لأنّا قائلون بقدمه.

قوله : « يكون له بقاء آخر ، ويتسلسل ».

قلنا : مندفع بما سبق من أنّ بقاء البقاء نفس البقاء.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٥٢.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٩٠ من هذا الجزء.

٢٩٧

قوله : « صفاته تعالى باقية ، فلو بقيت بالبقاء لزم قيام المعنى بالمعنى ».

قلنا : قد سبق أنّ الصفات ليست مغايرة للذات بالكلّيّة ، فيمكن أن يكون البقاء صفة للذات ، وتبقى الصفات ببقاء الذات ، فلا يلزم قيام المعنى بالمعنى.

٢٩٨

وأقول :

ما أجاب به عن لزوم إمكان الواجب مبنيّ على قولهم : إنّ صفاته ليست غير ذاته بالكلّيّة.

وقد عرفت أنّه لا طائل تحته ، إذ لا يرجع إلّا لإصلاح لفظي ، فإنّهم يقولون بزيادة الصفات في الوجود ، فتغاير الذات بالكلّيّة ، فيلزم إمكان الذات ، لحاجتها في الوجود إلى غيرها ، وهو البقاء ، ويلزم التكثّر.

وأمّا ما أجاب به عن لزوم الدور ، من عدم احتياج الذات إلى البقاء ، بل هما متحقّقان على سبيل الاتّفاق ، فقد عرفت في المبحث السابق ما فيه من المفاسد الكثيرة.

وأمّا ما أجاب به عن قول المصنّف : « بقاؤه باق » ، من أنّ بقاء البقاء عينه ، ففيه :

إنّه لو ساغ ذلك فلم لا يكون بقاء الذات عينها؟! مع إنّه باطل على مذهبهم ؛ لأنّهم زعموا أنّ القول بالعينية راجع إلى النفي المحض(١) ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن يكون تعالى عالما لا علم له ، وقادرا لا قدرة له ، وباقيا لا بقاء له ، وهكذا

فإذا قالوا : إنّ بقاء البقاء عينه ، كان البقاء باقيا لا بقاء له ، وهو باطل بزعمهم(٢) .

__________________

(١) المواقف : ٢٨٠.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، المواقف : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٦ ـ ١٠٨.

٢٩٩

وأيضا : دليلهم السابق الذي استدلّوا به على إنّ البقاء صفة ثبوتية زائدة على الذات وارد مثله في بقاء البقاء

فيقال : تحقّق البقاء في أوّل حدوثه دون بقاء البقاء ، دليل على تجدّد صفة بقاء البقاء وزيادتها على البقاء ، فيلزمهم أيضا أن يكون بقاء البقاء أيضا صفة ثبوتية متجدّدة زائدة على البقاء ، لا أنّها عينه.

وأمّا ما أجاب به عن قول المصنّف : « ولأنّه يلزم أن يكون محلّا للحوادث »

فهو دالّ على إنّه لم يفهم مراده ، فإنّه لم يدّع أنّ البقاء حادث حتّى يجيب بأنّا قائلون بقدمه ، بل أراد أن يستدلّ على قوله : « بقاؤه باق » بأمرين :

الأوّل : امتناع طرق العدم إلى صفاته.

الثاني : إنّه لو جاز عدم بقاء البقاء ، لكان البقاء حادثا ؛ لأنّ ما يجوز عدمه حادث ، ولو كان البقاء حادثا لكان الواجب محلّا للحوادث ، فلا بدّ أن يكون البقاء باقيا ، وهكذا ويتسلسل.

وغرض الخصم في ما أجاب به عن التسلسل أنّه تسلسل في الاعتباريات ، وهو ليس بمحال ؛ لأنّ بقاء البقاء نفس البقاء واقعا وإن خالفه اعتبارا.

وفيه : إنّه مستلزم لكون البقاء أيضا اعتباريا ، فلم قالوا : إنّه صفة وجوديّة؟!(١) وذلك لأنّ التماثل في الأفراد المتسلسلة يستدعي وحدة حقيقتها.

__________________

(١) انظر : شرح المواقف ٨ / ١٠٦.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456