دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140940 / تحميل: 5347
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

قال في « شرح المواقف » بعد ذكر الماتن لهذا الجواب ـ أعني أنّ بقاء البقاء نفسه ـ : « ويرد على هذا الجواب أنّ ما تكرّر نوعه يجب كونه اعتباريا كما مرّ »(١) .

ولا يخفى أنّ ما نسبه الخصم إلى قومه من قدم البقاء غير صحيح بمقتضى تعليلهم لزيادة البقاء على الذات ، فإنّهم علّلوه ـ كما سبق ـ بأنّ الوجود متحقّق دونه كما في أوّل الحدوث ؛ وهذا يدلّ على اعتبار المسبوقية بالعدم في ذات البقاء ، وهو يقتضي حدوثه.

وأمّا ما أجاب به عن إيراد المصنّف الأخير ، ففيه ما عرفت سابقا من أنّ نفي المغايرة اصطلاح محض ، فإنّهم إذا قالوا بزيادة الصفات على الذات في الوجود كانت المغايرة بينهما كلّيّة ، فيكون بقاء البقاء صفة للبقاء لا للذات ، وقائما به لا بالذات ، فيلزم قيام المعنى بالمعنى.

وهذا من المصنّف إلزامي لهم ، من حيث إنّ البقاء عندهم عرض وجودي ، وزعمهم أنّ العرض لا يقوم بالعرض(٢) ـ كما ستعرفه قريبا إن شاء الله تعالى ـ ، وإلّا فهو لا يمنع من قيام العرض بالعرض ـ كما ستعرف ـ.

على إنّ كلّ بقاء عند المصنّف والإمامية أمر اعتباري(٣) ، فيجوز أن يفرض قيامه بمثله حتّى لو منعنا قيام العرض بالعرض.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٠٧.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٦١ ، طوالع الأنوار : ١٠٤ ، مطالع الأنظار في شرح طوالع الأنوار : ٧٣.

(٣) تلخيص المحصّل : ٢٩٣.

٣٠١
٣٠٢

البقاء يصحّ على الأجسام

قال المصنّف ـ طيّب الله ثراه ـ(١) :

خاتمة

تشتمل على حكمين :

[ الحكم ] الأوّل

البقاء يصحّ على الأجسام(٢) [ بأسرها ]

وهذا حكم ضروري لا يقبل التشكيك ، وخالف فيه النظّام من الجمهور ، فذهب إلى امتناع بقاء الأجسام بأسرها ، بل كلّ آن يوجد فيه جسم ما ، يعدم ذلك الجسم في الآن الذي بعده ، ولا يمكن أن يبقى جسم من الأجسام ـ فلكيّها وعنصريّها ، بسيطها ومركّبها ، ناطقها وغيره ـ آنين(٣) .

ولا شكّ في بطلان هذا القول ؛ لقضاء الضرورة بأنّ الجسم الذي شاهدته حال فتح العين ، هو الذي شاهدته قبل تغميضها ، والمنكر لذلك

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٨.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٨٨ ، المواقف ٢٥٠ ، شرح المواقف ٧ / ٢٣١ ، أوائل المقالات : ٩٨ ، تجريد الاعتقاد : ١٥٣.

(٣) الفرق بين الفرق : ١٢٦ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٨٨ ، المواقف : ١٠٣ ، أوائل المقالات : ٩٨.

٣٠٣

سوفسطائي.

بل السوفسطائي لا يشكّ في أنّ بدنه الذي كان بالأمس هو بدنه الذي كان الآن ، وأنّه لم يتبدّل بدنه من أوّل لحظة إلى آخرها ؛ وهؤلاء جزموا بالتبدّل.

* * *

٣٠٤

وقال الفضل(١) :

الجسم عند النظّام مركّب من مجموع أعراض مجتمعة(٢) ، والعرض لا يبقى زمانين(٣) لما سنذكر بعد هذا ، فالجسم أيضا يكون كذلك عنده.

والحقّ أنّ ضرورية موجودية البقاء ، وعدم جواز قيام العرض بالعرض(٤) ، دعانا إلى الحكم بأنّ الأعراض لا تبقى زمانين ، وليست هذه الضرورة حاصلة في الأجسام ؛ لجواز قيام البقاء بالجسم.

وأمّا ما ذهب إليه النظّام أنّ الجسم مجموع الأعراض المجتمعة ، فباطل ؛ فمذهبه في عدم صحّة البقاء على الأجسام يكون باطلا ، كما ذكره.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٥٦.

(٢) انظر : مقالات الإسلاميّين : ٣٠٤ ، الفرق بين الفرق : ١٣٧ ، الملل والنحل ١ / ٤٩ المسألة السابعة ، المواقف : ١٨٥.

(٣) الملل والنحل ١ / ٨٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، المواقف : ١٠١ و ٢٤٥ ، شرح المقاصد ٢ / ١٦٠ ، شرح المواقف ٧ / ٢٢٢.

(٤) انظر : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٦١ ـ ١٦٢ ، طوالع الأنوار : ١٠٤ ، المواقف : ١٠٠ ـ ١٠٣ ، شرح المقاصد ٢ / ١٦٠.

٣٠٥

وأقول :

قد عرفت أنّ دعوى موجودية البقاء زائدا على الوجود من أوضح الأمور بطلانا ، وأكثرها فسادا ، حتّى عند جملة من الأشاعرة(١) ، فكيف يدّعي ضرورة موجوديّته؟!

وأعجب منها دعوى الضرورة في عدم جواز قيام العرض بالعرض! والحال أنّ قيام البطء والسرعة بالحركة من أوضح الضروريات(٢) ؛ وسيظهر لك الحال في المبحث الآتي إن شاء الله تعالى.

فمذهب الأشاعرة ، من أنّ العرض لا يبقى زمانين ، مخالف للضرورة.

وأعظم منه مخالفة لها مذهب النظّام ؛ لاشتماله على مذهب الأشاعرة ، وعلى إنّ الجسم مركّب من الأعراض.

* * *

__________________

(١) راجع : الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، شرح المقاصد ٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٢) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ / ٢٨٩ ، منهاج اليقين في أصول الدين : ١٢٩.

٣٠٦

البقاء يصحّ على الأعراض

قال المصنّف ـ عطّر الله مثواه ـ(١) :

الحكم الثاني

في صحّة بقاء الأعراض

ذهبت الأشاعرة إلى أنّ الأعراض غير باقية ، بل كلّ لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وحركة وسكون ، وحصول في مكان ، وحياة ، وعلم ، وقدرة ، وتركيب ، وغير ذلك من الأعراض ، فإنّه لا يجوز أن يوجد آنين متّصلين ، بل يجب عدمه في الآن الثاني من آن وجوده(٢) .

وهذه مكابرة للحسّ ، وتكذيب للضرورة الحاكمة بخلافه ، فإنّه لا حكم أجلى عند العقل من أنّ اللون الذي شاهدته في الثوب حين فتح العين هو الذي شاهدته قبل طبقها ، وأنّه لم يعدم ولم يتغيّر.

وأيّ حكم أجلى عند العقل من هذا وأظهر منه؟!

ثمّ إنّه يلزم منه محالات :

__________________

(١) نهج الحقّ : ٦٨ ـ ٧١.

(٢) تمهيد الأوائل : ٣٨ ، الملل والنحل ١ / ٨٤ و ٣ / ٦٠٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٦٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٤٣ ، شرح العقائد النسفية : ٧٩ وما بعدها ، شرح المواقف ٧ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

٣٠٧

الأوّل : أن يكون الإنسان وغيره يعدم في كلّ ان ثمّ يوجد في آن بعده ؛ لأنّ الإنسان ليس إنسانا باعتبار الجواهر الأفراد التي فيه عندهم ، بل لا بدّ في تحقّق كونه إنسانا من أعراض قائمة بتلك الجواهر ، من لون ، وشكل ، ومقدار ، وغيرها من مشخّصاته.

ومعلوم بالضرورة أنّ كلّ عاقل يجد نفسه باقية لا تتغيّر في كلّ آن ، ومن خالف ذلك كان سوفسطائيا.

وهل إنكار السوفسطائيّين للقضايا الحسّية عند بعض الاعتبارات أبلغ من إنكار كلّ أحد بقاء ذاته وبقاء جميع المشاهدات آنين من الزمان؟!

فلينظر المقلّد المنصف في هذه المقالة التي ذهب إليها إمامه الذي قلّده ، ويعرض على عقله حكمه بها ، وهل يقصر حكمه ببقائه ، وبقاء المشاهدات عن أجلى الضروريات؟!

ويعلم أنّ إمامه الذي قلّده إن قصر ذهنه عن إدراك فساد هذه المقالة ، فقد قلّد من لا يستحقّ التقليد ، وأنّه قد التجأ إلى ركن غير شديد ، وإن لم يقصر ذهنه فقد غشّه وأخفى عنه مذهبه

وقد قال رسول الله ٦ : «من غشّنا فليس منّا »(١)

الثاني : إنّه يلزم تكذيب الحسّ الدالّ على الوحدة وعدم التغيّر ، كما تقدّم.

الثالث : إنّه لو لم يبق العرض إلّا آنا واحدا لم يدم نوعه(٢) ، وكان

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ٦٩ ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ١ / ٢٦١ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٥ / ٣٨٣ ح ١ كتاب البيوع والأقضية / باب رقم ٥٢٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١١ ح ٢١٥٥ وص ١٢ ح ٢١٥٦.

(٢) وفي نسخة : لم يلزم تأييد نوعه ؛ منه ١.

٣٠٨

السواد إذا عدم لم يجب أن يخلفه سواد آخر ، بل جاز أن يحصل عقيبه بياض أو حمرة أو غير ذلك وأن لا يحصل شيء من الألوان ، إذ لا وجه لوجوب ذلك الحصول ، لكنّ دوامه يدلّ على وجوب بقائه.

الرابع : لو جوّز العقل عدم كلّ عرض في الآن الثاني من وجوده مع استمراره في الحسّ ، لجوّز ذلك في الجسم ، إذ الحكم ببقاء الجسم إنّما هو مستند إلى استمراره في الحسّ.

وهذا الدليل لا يتمشّى ؛ لانتقاضه بالأعراض عندهم ، فيكون باطلا ، فلا يمكن الحكم ببقاء شيء من الأجسام آنين ، لكن الشكّ في ذلك عين السفسطة.

الخامس : إنّ الحكم بامتناع انقلاب الشيء من الإمكان الذاتي ضروري ، وإلّا لم يبق وثوق بشيء من القضايا البديهية.

وجاز أن ينقلب العالم من إمكان الوجود إلى وجوب الوجود ، فيستغني عن المؤثّر فيسدّ باب إثبات الصانع تعالى ، بل ويجوز انقلاب واجب الوجود إلى الامتناع(١) ، وهو ضروري البطلان.

وإذا تقرّر ذلك فنقول :

الأعراض إن كانت ممكنة لذاتها في الآن الأوّل ، فتكون كذلك في الآن الثاني ، وإلّا لزم الانتقال من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي ، وإذا كانت ممكنة في الثاني جاز عليها البقاء.

وقد احتجّوا بوجهين :

__________________

(١) راجع : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٦٢ ، شرح التجريد : ٤٣ ، ومؤدّاه في : طوالع الأنوار : ٨٩.

٣٠٩

الأوّل : البقاء عرض فلا يقوم بالعرض(١) .

الثاني : إنّ العرض لو بقي لما عدم ؛ لأنّ عدمه لا يستند إلى ذاته ، وإلّا لكان ممتنعا ، ولا إلى الفاعل ؛ لأنّ أثر الفاعل الإيجاد ، ولا إلى طريان الضدّ ؛ لأنّ طريان الضدّ على المحلّ مشروط بعدم الضدّ الأوّل عنه.

فلو علّل ذلك العدم به دار ، ولا إلى انتفاء شرطه ؛ لأنّ شرطه الجوهر لا غير وهو باق ، والكلام في عدمه كالكلام في عدم العرض(٢) .

والجواب عن الأوّل : المنع من كون البقاء عرضا زائدا على الذات ، سلّمنا ؛ لكن نمنع امتناع قيام العرض بمثله ، فإنّ السرعة والبطء عرضان قائمان بالحركة وهي عرض.

وعن الثاني : إنّه لم لا يعدم لذاته في الزمان الثالث ، كما يعدم عندكم لذاته في الزمان الثاني؟! سلّمنا ؛ لكن جاز أن يكون مشروطا بأعراض لا تبقى ، فإذا انقطع وجودها عدم ، سلّمنا ؛ لكن يستند إلى الفاعل ونمنع انحصار أثره في الإيجاد ، فإنّ العدم ممكن لا بدّ له من سبب ، سلّمنا ؛ لكن يعدم بحصول المانع ونمنع اشتراط طريان الثاني بعدم الضدّ الأوّل ، بل الأمر بالعكس.

وبالجملة : فالاستدلال على نقيض الضروري باطل ، كما في شبه السوفسطائية ، فإنّها لا تسمع لمّا كانت الاستدلالات في مقابل الضرورات.

* * *

__________________

(١) المواقف : ١٠١ ، شرح المقاصد ٢ / ١٥٧.

(٢) انظر : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٦٢ ، المواقف : ١٠١ ـ ١٠٣.

٣١٠

وقال الفضل(١) :

ذهب الأشعري ومن تبعه من الأشاعرة إلى أنّ العرض لا يبقى زمانين(٢) .

فالأعراض جملتها غير باقية عندهم ، بل هي على التقضّي والتجدّد ينقضي منها واحد ويتجدّد آخر مثله(٣) .

وتخصيص كلّ من الآحاد المتقضّية المتجدّدة بوقته الذي وجد فيه ، إنّما هو للقادر المختار ، فإنّه تخصيص بمجرّد إرادته كلّ واحد منها بوقته الذي خلقه فيه ، وإن كان يمكن خلقه قبل ذلك الوقت وبعده.

وإنّما ذهبوا إلى ذلك ؛ لأنّهم قالوا : بأنّ السبب المحوج إلى المؤثّر هو الحدوث ، فلزمهم استغناء العالم حال بقائه عن الصانع ، بحيث لو جاز عليه العدم ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ لما ضرّ عدمه في وجوده ، فدفعوا ذلك بأنّ شرط بقاء الجوهر هو العرض.

ولمّا كان هو متجدّدا محتاجا إلى المؤثّر دائما كان الجوهر أيضا حال بقائه محتاجا إلى ذلك المؤثّر بواسطة احتياج شرطه إليه ، فلا استغناء أصلا.

واستدلّوا على هذا المدّعى بوجوه :

منها : إنّها لو بقيت لكانت باقية متّصفة ببقاء قائم بها ، والبقاء عرض ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٥٩.

(٢) تمهيد الأوائل : ٣٨ ، الملل والنحل ١ / ٨٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٦٢ ، شرح المواقف ٧ / ٢٢٢.

(٣) ذكر ذلك الإيجي في المواقف : ١٠١ عن الأشعري وغيره ، وانظر : شرح المقاصد ٢ / ١٦١ ، شرح المواقف ٥ / ٣٧.

٣١١

فيلزم قيام العرض بالعرض ، وهو محال عندهم ؛ هذا هو المدّعى والدليل.

وذهبت الفلاسفة ومن تابعهم من المعتزلة والإمامية إلى بقاء الأعراض(١) .

ودليلهم ـ كما ذكر هذا الرجل ـ أنّ القول بخلافه مكابرة للحسّ وتكذيب للضرورة.

والجواب : أن لا دلالة للمشاهدة ، على إنّ المشاهد أمر واحد مستمرّ ؛ لجواز أن يكون أمثالا متواردة بلا فصل ، كالماء الدافق من الأنبوب ، يرى أمرا واحدا مستمرّا بحسب المشاهدة ، وهو في الحقيقة أمثال تتوارد على الاتّصال ، فمن قال : إنّه أمثال متواردة ، كان ينبغي ـ على ما يزعمه هذا الرجل ـ أن يكون سوفسطائيا منكرا للمحسوسات.

وكذا جالس السفينة ، إذا حكم بأنّ الشطّ ليس بمتحرّك ، كان ينبغي أن يحكم بأنّه سوفسطائي ؛ لأنّه يحكم بخلاف الحسّ.

وقد صوّرنا قبل هذا مذهب السوفسطائية(٢) ، ويا ليت هذا الرجل كان لم يعرف لفظ السوفسطائي ، فإنّه يطلقه في مواضع لا ينبغي أن يطلقه فيه وهو جاهل بمعنى السفسطة.

ثمّ ما قال : « أن لا حكم عند العقل أجلى من أنّ اللون الذي شاهدته في الثوب حين فتح العين هو الذي شاهدته قبل طبقها ».

فنقول : حكم العقل ها هنا مستند إلى حكم الحسّ ، ويمكن ورود الغلط للحسّ ؛ لأنّه كان يحسب المثل عين الأوّل ، كما ذكرنا في مثال الماء الدافق من الأنبوب.

__________________

(١) انظر : تلخيص المحصّل : ١٨٠ ، المواقف : ١٠١.

(٢) انظر الصفحة ٧٥ من هذا الجزء.

٣١٢

وكثير من الأحكام يكون عند العقل جليّا بواسطة غلط الحسّ ، فمن خالف ذلك الحكم كيف يقال : إنّه مكابر للضرورة؟!

ثمّ ذكر خمس محالات ترد على مذهبهم :

الأوّل : « إنّ الإنسان وغيره يعدم في كلّ آن ، ثمّ يوجد في آن بعده ؛ لأنّ الإنسان ليس إنسانا باعتبار الجواهر الأفراد ، بل لا بدّ في إنسانيّته من اللون والشكل ، وكلّ هذه أعراض ، ومعلوم أنّ كلّ أحد يجد من نفسه أنّها باقية لا تتبدّل في كلّ آن ، ومخالفة هذا سفسطة ».

والجواب : إنّ الأشخاص في الوجود الخارجي يتمايزون بهويّاتها لا بمشخّصاتها كما يتبادر إليه الوهم في الهوية الخارجية ، التي بها الإنسان إنسان باق في جميع الأزمنة ، وإن توارد عليه الأمثال من الأعراض.

فهذه المشخّصات ليست داخلة في ذاته وهويّته العينية ، حتّى يلزم من تبدّلها تبدّل الإنسان ، فذات الإنسان وهويّته المشخّصة له باقية في جميع الأحوال ويتوارد عليه الأعراض ، وأيّ سفسطة في هذا؟! والطامات والخرافات التي يريد أن يميل بها خواطر السفهة إلى مذهبه غير ملتفت إليها!

الثاني : « إنّه يلزم تكذيب الحس ».

وقد عرفت جوابه.

الثالث : « إنّه لو لم يبق العرض إلّا آنا واحدا لم يلزم تأبيد نوعه ، فكان السواد إذا عدم لم يجب أن يخلفه سواد آخر » إلى آخر الدليل.

والجواب : إنّ السواد إذا فاض على الجسم أعدّ الجسم لأن يفيض عليه سواد مثله ، والمفيض للسواد هو الفاعل المختار ، لكن جرى عادته بإفاضة المثل بوجود الاستعداد وإن جاز التخلّف ، ولزوم النوع يدلّ على

٣١٣

وجوب إفاضة المثل.

وهذا لا ينافي قاعدة القوم في إسناد الأشياء إلى اختيار الفاعل القادر.

الرابع : « لو جوّز العقل عدم كلّ عرض في الآن الثاني من وجوده مع استمراره في الحسّ ، لجوّز ذلك في الجسم ، إذ الحكم ببقاء الجسم إنّما هو مستند إلى استمراره في الحسّ ».

والجواب : إنّ الأصل بقاء كلّ موجود مستمرّ ، فالحكم ببقاء الجسم لأنّه على الأصل ، وتخلّف حكم الأصل في الأعراض لدليل خارجي ، فعدم الحكم ببقاء الأعراض لم يكن منافيا للحكم ببقاء الأجسام.

وأمّا ما قال : « إنّ الشكّ في ذلك عين السفسطة ».

فقد مرّ جوابه.

الخامس : « إنّ الحكم بامتناع انقلاب الشيء من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي ضروري » إلى آخر الدليل.

والجواب : إنّ الأعراض كانت ممكنة لذاتها في الآن الأوّل ، وكذلك في الآن الثاني.

قوله : « وإذا كانت ممكنة في الثاني جاز عليها البقاء ».

قلنا : إمكان الوجود غير إمكان البقاء ، فجاز أن يكون العرض ممكن الوجود في الآن الثاني ولا يكون ممكن البقاء ، وليس على هذا التقرير شيء من الانقلاب الذي ذكره ، وهذا استدلال في غاية الضعف كما هو ديدنه في الاستدلالات المزخرفة.

ثمّ إنّ ما ذكر من الدليلين اللذين احتجّ بهما الأشاعرة ، فأوّل الدليلين قد ذكرناه.

٣١٤

وما أورد عليه من منع امتناع قيام العرض بالعرض ، ومنع كون البقاء زائدا وثبوتهما مذهب للشيخ الأشعري ، وقد استدلّ عليهما في محلّه ، فليراجع.

وثاني الدليلين مدخول بما ذكر وبغيره من الأشياء ، وقد ذكره علماء السنّة والأشاعرة ، منهم صاحب « المواقف » وغيره ، فاعتراضاته على ذلك الدليل منقولة من كتب أصحابنا.

* * *

٣١٥

وأقول :

لا يخفى أنّه إنّما ذكر قوله : « إنّ السبب المحوج إلى المؤثّر هو الحدوث » لزعمه ـ تبعا لغيره ـ أنّ ذلك مبرّر لقولهم بعدم بقاء الأعراض ؛ لأنّ دفع لزوم استغناء العالم ـ بناء على كون سبب الحاجة هو الحدوث ـ يتوقّف على القول بتجدّد العرض وعدم بقائه.

وفيه ـ مع فساد المبنى ـ : منع التوقّف ؛ لأنّ الباقي حادث وإن لم يكن متجدّدا ، فيحتاج إلى المؤثّر.

نعم ، لو أريد بالحدوث الخروج من العدم إلى الوجود ، كان للالتجاء إلى القول بعدم بقاء الأعراض وجه.

وأمّا ما أنكره من اعتبار حكم المشاهدة ، فخطأ ؛ فإنّا لو جوّزنا الغلط على جميع الحواسّ في جميع الأوقات ، بإحساسها لبقاء الأعراض ، ولم نعتبر دلالة المشاهدة ، لم يمكن أن نستفيد حكما عقليا من الحسّ ؛ لأنّ الأحكام العقليّة النظرية والضرورية لا تؤخذ إلّا من الحسّ الظاهري ، أو الحسّ الباطني بواسطة الظاهري ـ كما عرفته في أوّل الكتاب(١) ـ ، فلو لم نعتبر مثل تلك المشاهدة العامة لم يصحّ التعويل على حسّ ظاهري.

وأمّا ما استشهد به من غلط الحسّ في الماء الدافق من الأنبوب وجالس السفينة ، فخطأ آخر ؛ لأنّ الحسّ لا يحكم بوحدة الماء الدافق كما يحكم بوحدة السواد في الثوب ، بل يرى مياها متّصلة متدافعة تسمّى في

__________________

(١) انظر الصفحات ٤٨ ـ ٥٠ من هذا الجزء.

٣١٦

العرف ماء واحدا باعتبار اتّصالها وصدق اسم الماء على المتّصل ، كماء الشطّ.

ولم سلّم ، فالعقل الضروري يحكم بأنّه من توارد الأمثال ، وأنّ الوحدة خيالية بسبب إدراك البصر أو غيره من الحواسّ للمادّة وتدافعها.

وأمّا جالس السفينة ، فهو وإن رأى أحيانا سكون الماء لاتّفاق السفينة والماء في السير ، لكنّ البصر نفسه يراه متحرّكا في أغلب الأوقات ، بل يراه متحرّكا فعلا عند التدقيق ، فيحكم العقل بأنّ ذلك السكون الاتّفاقي خيالي ؛ فكيف يقاس على ذلك مشاهدة البصر لوحده ، مثل السواد في الثوب ، التي لا يخالفها الحسّ في وقت أو حال؟!

وبالجملة : لا ننكر غلط الحسّ أحيانا ، ولكن ننكر عدم اعتباره في أجلى الأمور وأوضحها عند العقل.

وأمّا ما صوّر به سابقا مذهب السوفسطائية ، فقد عرفت فيه الكلام(١) .

وأمّا ما أجاب به عن أوّل المحالات ، من أنّ الأشخاص تتمايز بهويّاتها لا بمشخّصاتها ففيه :

إنّ إيراد المصنّف إنّما هو من باب الإلزام لهم ، إذ يقولون بالجواهر الفردة(٢) ، فلم يكن لذات الإنسان هويّة واحدة ، وكذلك كلّ جسم ، فلا بدّ أن يكون تمايز الأفراد بالمشخّصات الخارجة.

أمّا إذا التزم بتمايز الأشخاص بتمايز الهويّات ، فلينكر الجواهر

__________________

(١) انظر الصفحة ٧٨ من هذا الجزء.

(٢) انظر : طوالع الأنوار : ١٣٣ ، شرح المقاصد ٣ / ٥ ، شرح العقائد النسفية : ٧٧.

٣١٧

الفردة ، إذ يكون الشخص موجودا واحدا ، لا مركّبا من موجودات متعدّدة ، هي الجواهر الفردة.

وأمّا ما أشار إليه من الجواب عن ثاني المحالات ، فقد عرفت ما فيه.

وأمّا جوابه عن ثالثها ، ففيه :

إنّ الجسم لذاته مستعدّ لإفاضة كلّ لون عليه ، فلو فرض أنّ اللون لا يبقى به ، كان بعد زواله عنه على استعداده لعروض أي لون عليه ، لا خصوص ما عرض أوّلا ، فدعوى ثبوت العادة على إفاضة خصوص المثل لأجل اختصاص الاستعداد به خطأ.

وأمّا ما أجاب به عن رابع المحالات ، ففيه :

إنّه لا مستند للأصل الذي ادّعاه إلّا ظهور حال المستمرّ في البقاء بمقتضى ما يشاهده الحسّ ، وحينئذ فإن أفاد هذا الظهور اليقين بالبقاء فلا وجه لمخالفته في الأعراض ، وإن لم يفد اليقين فلا يمكن الحكم اليقيني لهم أيضا ببقاء شيء من الأجسام ، والشكّ فيه عين السفسطة.

مضافا إلى أنّه لا دليل لهم على التخلّف عن الأصل في الأعراض سوى ثلاثة أدلّة باطلة ـ حتّى عندهم ـ ، واختار المصنّف للذكر أقواها ، وهو : الدليلان اللذان أبطلهما(١) .

وأمّا ما أجاب به عن خامسها ، من أنّ إمكان الوجود غير إمكان البقاء ، ففيه :

إنّ البقاء عبارة عن استمرار الوجود ـ كما ذكره نفسه سابقا ـ

__________________

(١) والدليل الثالث هو : جواز خلق مثله في محلّه في الحالة الثانية إجماعا ؛ انظر : المواقف : ١٠١ ، شرح المواقف ٥ / ٣٩.

٣١٨

وبالضرورة أنّه إذا امتنع استمرار الوجود ، امتنع الوجود في الزمن الثاني وإن اختلفا مفهوما ، بل جعل البقاء سابقا من الأمثال المتواردة ، فإذا فرض إمكان الوجود في الزمن الأوّل وامتناع البقاء ، لزمه امتناع الوجود في الزمن الثاني ولزم الانقلاب ، كما ذكره المصنّف.

فلا بدّ أن نقول : الأعراض متى كانت ممكنة لذاتها في الآن الأوّل ، كانت ممكنة البقاء والوجود في الآن الثاني ، وإلّا لزم الانقلاب.

وأمّا ما ذكره بالنسبة إلى دليلي الأشاعرة ، فليس فيه إلّا تسليم بطلان ثانيهما ، والإحالة في ترويج أوّلهما على غيره ، مع علمه بأنّه قد أبطله في « المواقف » وشرحها(١) بما أبطله به المصنّف.

وأمّا ما زعمه من أنّ المصنّف نقل اعتراضاته على الدليل الثاني عن الأشاعرة ، كصاحب « المواقف » وغيره ، فهو جهل ؛ لأنّ « المواقف » وغيرها ـ ممّا قارنها زمانا أو تأخّر عنها ـ متأخّرة عن زمان المصنّف(٢) .

وإنّما حرّر صاحب « المواقف » التي هي أجمع كتاب لهم ، تلك الاعتراضات وغيرها آخذا من المصنّف ; وغيره من علماء الإمامية ، وإلّا فالأشاعرة غالبا مقلّدون لشيخهم الأشعري تقلّيدا أعمى.

* * *

__________________

(١) المواقف : ١٠١ ـ ١٠٣ ، شرح المواقف ٥ / ٣٩ ـ ٥٠.

(٢) فقد ألّف العلّامة الحلّي ١ كتابه « نهج الحقّ وكشف الصدق » بطلب من السلطان أولجايتو خدا بنده محمّد الذي توفّي في شهر رمضان من سنة ٧١٦ ه‍ ، وولد صاحب « المواقف » عبد الرحمن بن أحمد الإيجي سنة ٧٠٨ ه‍ ، وعليه : فإنّ العلّامة الحلّي كان قد فرغ من كتابه هذا وللإيجي آنذاك أقلّ من ثماني سنوات.

انظر : البداية والنهاية ١٤ / ٦٢ ، معجم المؤلّفين ٢ / ٧٦ رقم ٦٧٥٦ ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢٤ / ٤١٦ رقم ٢١٨٣.

٣١٩
٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْعِقابِ ) . انّ العذاب الشديد غير مخالف لرحمته الواسعة ، كما لا يتوهّم أحدا انّ رحمته العامّة هي إعطاء الفرصة للظالمين ان يفعلوا ما يريدون. لانّه في هذه الموارد يكون شديد العقاب ، والحصول على نتائج هذه الصفتين للربّ يعني( لَذُو مَغْفِرَةٍ ) و( لَشَدِيدُ الْعِقابِ ) مرهون بسلوك الإنسان نفسه.

* * *

ملاحظتان

1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟

يستفاد من خلال آيات متعدّده في القرآن الكريم انّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين اثبات «المعاد الجسماني» لانّهم كانوا يتعجّبون دائما من هذا الموضوع وهو : كيف يبعث الإنسان من جديد بعد ان صار ترابا؟ كما اشارت اليه الآية السابقة( أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهناك سبع آيات اخرى تشير الى هذا الموضوع (الآية 35 و 82 من سورة المؤمنون 7 ـ 2 النمل 6 ـ 1 و 53 الصافات ـ 3 ق 7 ـ 4 الواقعة).

ومن هنا يتّضح انّ هذا التساؤل كان مهمّا بالنسبة إليهم حيث كانوا يكرّرونه في كلّ فرصة ، ولكن القرآن الكريم يجيبهم بعبارات قصيرة وقاطعة ، فمثلا الآية (29) من سورة الأعراف :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) تتكوّن من كلمات قليلة ولكنّها مفحمة لهم ، وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) لانّكم في الخلق الاوّل لم تكونوا شيئا امّا الآن فتوجد على الأقل عظام نخرة مع التراب المتبقّي منكم.

وفي بعض الأحيان يأخذ بأيدي الناس ويدعوهم الى التفكّر والإمعان في عظمة وقدرة الخالق( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .

٣٤١

2 ـ هل انّ الله يعفو عن الظالمين؟

قرانا في الآيات المتقدّمة انّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا ، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه ، ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لان يصلحوا أنفسهم ، والّا فهو تعالى شديد العقاب.

ويمكن ان نستفيد من هذه الآية انّ الذنوب الكبيرة ـ ومن جملتها الظلم ـ قابلة للغفران (ولكن بتحقّق شروطها) ، وهو ردّ على قول المعتزلة بأنّ الذنوب الكبيرة لا يغفرها الله ابدا.

وعلى ايّة حال فـ «المغفرة الواسعة» و «العقاب الشديد» في الواقع تجعل كل المعترفين بوجود الله بين «الخوف» و «الرجاء» الذي يعتبر من العوامل المهمّة لتربية الإنسان ، فلا ييأس من رحمة الله لكثرة الذنوب ، ولا يأمن من العذاب لقلّتها.

ولهذا جاء في الحديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنئ احد العيش ، ولولا وعيد الله وعقابه لاتّكل كلّ واحد»(1) .

ومن هنا يتّضح انّ الذين يقولون ـ أثناء ارتكابهم المعاصي ـ انّ الله كريم ، يكذبون في اتّكالهم على كرم الله ، فهم في الواقع يستهزءون بعقاب الله.

* * *

__________________

(1) مجمع البيان ، المجلد 5 و 6 ، ص 278 ـ تفسير القرطبي ، المجلّد السّادس ، ص 3514.

٣٤٢

الآية

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ(7) )

التّفسير

ذريعة اخرى!

بعد ما أشرنا في الآيات السّابقة الى مسألة «التوحيد» و «المعاد» ، تتطرّق هذه الآية الى واحدة من اعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ومن الواضح انّ احدى وظائف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اظهار معاجزه لكي يدلّ على صدقه وصلته بالوحي الالهي ، والذي يبحث عن الحقيقة له الحقّ في المطالبة بالمعجزة أثناء شكّه وتردّده في تصديق الدعوة ، او تتّضح له دلائل النبوّة عن طريق آخر.

ولكن يجب ان نلتفت الى هذه النقطة وهي : انّ اعداء الأنبياء لم يكن لديهم حسن نيّة او اتّباع للحقّ عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما

٣٤٣

يسمّى بـ «المعجزات الاخلاقية».

اقتراحهم للمعاجز لم يكن لكشف الحقيقة ، ولهذا لم يستجب الأنبياء لمطاليبهم ، وفي الحقيقة كانت هذه الفئة من الكفّار المعاندين يعتقدون انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي القدرة على انجاز اي عمل خارق للعادة ، وايّ واحد منهم يقترح عليه انجاز عمل ما سوف يلبّي مطاليبه.

ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي انّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.

ولذلك نقرا في تكملة الآية قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) .

* * *

بحثان

هنا يرد سؤالان :

1 ـ هل الآية «انّما أنت منذر ...» جواب للكفّار؟

كيف يمكن لجملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ان تكون جوابا للكفّار عند طلبهم المعجزة؟

الجواب : بالاضافة الى ما قلناه سابقا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست له القدرة الغيبية المطلقة كي يطلبوا منه الاعجاز ، لانّ الوظيفة الاولى له هي إنذار أولئك الذين يسيرون في طريق الضلال ، والدعوة الى الصراط المستقيم ، وإذا ما احتاجت هذه الدعوة الى المعجزة فسوف يأتي بها النّبي ، ولكن لا يأتي بها للمعاندين البعيدين عن هذه المسيرة.

فمعنى الآية : انّ الكفّار نسوا انّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة الى الله ، واعتقدوا انّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.

٣٤٤

2 ـ ما هو المقصود من جملة( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ؟

قال بعض المفسّرين : انّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول ، فأصل الجملة تكون (أنت منذر وهاد لكلّ قوم).

ولكن هذا التّفسير خلاف الظاهر ، لانّ الواو في جملة( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) تفصل بين جملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ولو كانت كلمة «هاد» قبل «لِكُلِّ قَوْمٍ » كان المعنى السّابق صحيحا. ولكن الأمر ليس كذلك.

والشيء الآخر هو انّ هدف الآية بيان انّ هناك قسمين من الدعوة الى الله : أحدهما ان يكون عمل الداعي هو الإنذار فقط. والآخر : ان يكون العمل هو الهداية.

وسوف تسألون حتما : ما هو وجه التفاوت بين (الإنذار) و (الهداية)؟ نقول في جواب هذا السؤال : انّ الإنذار للذين اضلّوا الطريق ودعوتهم تكون الى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والاستقامة للذين آمنوا.

وفي الحقيقة انّ المنذر مثل العلّة المحدثة ، امّا الهادي فبمنزلة العلّة الباقية وهذه هي التي تعبّر عنها بالرّسول والامام ، فالرّسول يقوم بتأسيس الشريعة والامام يقوم بحفظها وحراستها. (ليس من شكّ انّ الهداية في آيات اخرى مطلقة للرسول ، ولكن بقرينة المنذر في هذه الآية نفهم انّ المقصود من الهادي هو الشخص الحافظ والحامي للشريعة).

هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقا ، فقد قال الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انا المنذر وعلي الهادي».

ولا بأس ان نشير الى عدّة من هذه الرّوايات :

1 ـ في ذيل هذه الآية من تفسير الفخر الرازي مرفوعا عن ابن عبّاس قال : وضع رسول الله يده على صدره فقال : «انا المنذر» ثمّ اومأ الى منكب عليعليه‌السلام وقال : (أنت الهادي بك يهتدي المهتدون من بعدي) هذه الرّواية ذكرها العلّامة

٣٤٥

«ابن كثير» في تفسيره ، والعلّامة «ابن الصبّاغ المالكي» في الفصول المهمّة ، و «الكنجي» الشافعي في كفاية الطالب و «الطبري» في تفسيره ، و «ابو حيّان الاندلسي» في تفسيره البحر المحيط ، وكذلك «العلّامة النيسابوري» في تفسيره الكشّاف ، وعدد آخر من المفسّرين.

2 ـ نقل «الحمويني» وهو من علماء اهل السنّة المعروفين في كتابه فرائد السمطين عن ابو هريرة قال «ان المراد بالهادي عليعليه‌السلام ».

3 ـ «مير غياث الدين» مؤلّف كتاب (حبيب السيّد) كتب يقول في المجلّد الثّاني صفحة 12 : «قد ثبت بطرق متعدّدة انّه لمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) قال لعلي : «انا المنذر وأنت الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي».

كما نقل هذا الحديث «الآلوسي» في (روح المعاني) و «الشبلنجي» في (نور الأبصار) والشيخ «سليمان القندوزي» في (ينابيع المودّة).

وبما انّ اكثر هذه الرّوايات مسنده الى ابن عبّاس فإنّه لم يكن الشخص الوحيد الذي روى ذلك ، فأبو هريرة نقل ذلك فيما ذكره الحمويني ، وحتّى علي نفسه ـ طبقا لما نقله الثعلبي ـ قد قال : «المنذر النّبي والهادي رجل من بني هاشم» يعني نفسه(1) .

لا شكّ انّ هذه الأحاديث لا تصرّح بالخلافة ، ولكن بالنظر الى ما تحتويه هذه الكلمة (الهداية) من المعنى الواسع ، فإنّها غير منحصرة بعليعليه‌السلام بل تشمل جميع العلماء واصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يقومون بنفس المهمّة ، فإنّه يتّضح لنا تخصيص علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الرّوايات بهذا العنوان يدلّ على انّه المصداق البارز له ، وذلك لما يمتاز به من الخصوصيات ، وهذا المطلب لا يكون منفصلا عن خلافة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

* * *

__________________

(1) للمزيد من الاطلاع راجع كتاب احقاق الحقّ ، المجلّد الثّالث ، ص 87 وما بعدها.

٣٤٦

الآيات

( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) )

التّفسير

علم الله المطلق :

نقرا في هذه الآيات قسما من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكلّ شيء ، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات التوحيد ، وهو العلم الذي يكون أساسا للمعاد والعدالة الالهيّة يوم القيامة وهذه الآيات استندت الى هذين القسمين : (العلم بنظام التكوين ، والعلم بأعمال العباد).

تقول الآية اوّلا :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) في رحمها ، سواء من أنثى الإنسان او الحيوان( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ) اي تنقص قبل موعدها المقرّر( وَما

٣٤٧

تَزْدادُ ) (1) اي يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.

في تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين :

يعتقد البعض ـ انّها تشير ـ كما ذكرنا آنفا ـ الى وقت الولادة ، وهي على ثلاثة انواع : فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده ، واخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك ويعلم لحظة الولادة بالتحديد ، وهذه من الأمور التي لا يستطيع اي احد او جهاز ان يحدّد موعده ، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة ، وسببه واضح لانّ استعدادات الأرحام والاجنّة مختلفة ، ولا احد يعلم بهذا التفاوت.

وقال بعض آخر : انّها تشير الى ثلاث حالات مختلفة للرحم ايّام الحمل ، فالجملة الاولى تشير الى نفس الجنين الذي تحفظه ، والجملة الثانية تشير الى دم الحيض الذي ينصبفي الرحم ويمصّه الجنين ، والجملة الثالثة اشارة الى الدم الاضافي الذي يخرج أثناء الحمل أحيانا ، او دم النفاس أثناء الولادة(2) .

وهناك عدّة احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية دون ان تكون متناقضة فيما بينها ، ويمكن ان يكون مراد الآية اشارة الى مجموع هذه التفاسير ، ولكن الظاهر انّ التّفسير الاوّل اقرب ، بدليل جملة (تحمل) المقصود منها الجنين والجمل (تغيض) و (تزداد) بقرينة الجملة السابقة تشير الى الزيادة والنقصان في فترات الحمل.

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام او الامام الباقرعليه‌السلام

__________________

(1) «تغيض» أصلها الغيض بمعنى ابتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد ، و «الغيضة» المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، و «ليلة غائضة» اي مظلمة.

(2) يقول صاحب الميزان مؤيّدا هذا الراي : إنّ بعض روايات ائمّة اهل البيت يؤيّد هذا الراي. وابن عبّاس ممّن يؤيّد هذا الراي ايضا ، ولكن بالنظر الى الرّوايات المنقولة في تفسير نور الثقلين في ذيل الآية فإنّ أكثرها يؤيّد ما قلناه في الراي الاوّل.

٣٤٨

في تفسير الآية انّ «الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كلّ شيء حمل على تسعة أشهر». وفي تكملة الحديث يقول : «كلّما رأت المراة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد وبعدد الايّام التي زاد فيها في حملها من الدم»(1) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) ولكي لا يتصوّر احد انّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل ، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب ، كما انّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب ايضا. فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول :( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب( الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ ) فهو يحيط بكلّ شيء ، ولا يخفى عنه شيء.

ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم :( سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ) (2) وهذا هو الحقّ فالذي يوجد في كلّ مكان لا معنى للغيب والشهادة او الليل والنهار عنده ، فهو محيط بها وعالم بأخبارها بشكل متساو.

* * *

بحوث

1 ـ القرآن وعلم الاجنّة

أشار القرآن المجيد مرارا الى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون احد الادلّة على التوحيد ومعرفة الله وعلمه المطلق ، وبالطبع فإنّ علم الاجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقا عبارة عن معلومات اوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشف عن

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 2 ، صفحة 485.

(2) «سارب» من سرب على وزن ضرر ، بمعنى الماء الجاري ، ويقال للشخص الذاهب الى عمل ايضا.

٣٤٩

كثير من اسرار هذا العالم الساكن والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع ان نقول : انّ اكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامن في تكوين الجنين ومراحل تكامله.

فمن هذا الذي يرعى هذا الكائن المخفي وبتعبير القرآن واقع «في ظلمات ثلاث» الذي يمتاز بالظرافة ودقّة التكوين وان يوصل له المقدار اللازم من الغذاء ويرشده مراحل حياته؟

وعند ما تقول الآية السابقة :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) فليس المقصود من علمه بالذكر والأنثى فقط ، بل بكلّ خصائصه والطاقة الكامنة فيه ، هذه الأشياء لا يستطيع احد وبأي وسيلة ان يتعرّف عليها ، وعلى هذا فإنّ وجود هذا النظام الدقيق والمعقّد للجنين ومراحل تكامله لا يمكن ان يكون بدون صانع عالم وقدير.

2 ـ كلّ شيء له مقدار

نحن نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ كلّ شيء له حدّ محدود ولا يتجاوزه ، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وفي الآية 21 سورة الحجر يقول تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) والآية التي نحن بصددها( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .

كلّ هذه تشير الى انّه ليس هناك شيء في العالم بدون حساب ، حتّى الموجودات في الطبيعة التي نعتبرها في بعض الأحيان غير مهمّة ، فإنّ وجودها على أساس حساب دقيق ، علمنا بذلك ام لم نعلم ، وأساسا فإنّ معنى حكمة الله هو ان يجعل لكلّ ما في الكون حدّا ومقدارا ونظاما.

وكلّ ما حصلناه اليوم من اسرار الكون بواسطة العلوم يؤكّد هذه الحقيقة ، فمثلا نرى انّ دم الإنسان ـ الذي هو المادّة الحياتية لوجود الإنسان والذي يقوم

٣٥٠

بنقل المواد الضروريّة اللازمة لخلايا الجسم ـ يتركّب من عشرين مادّة او اكثر ، وبنسب ثابتة دقيقة بحيث لو تمّ اي تغيير فيها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر ، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل في الجسم يقومون بتحليل الدم وقياس نسبة السكر والدهن وسائر مركّبات الدم الاخرى ، ويتمّ تشخيص العلّة بواسطة معرفة زيادة او نقصان هذه النسب ، وليس دم الإنسان وحده له هذه الميزة ، بل كلّ ما في الوجود له نفس هذه الدقّة في النظام.

ولا بدّ هنا من التنبيه على انّ ما يظهر لنا في بعض الأحيان من عدم النظام في عالم الوجود هو في الواقع ناتج من قصور في علومنا ومعرفتنا ، فالإنسان الذي يؤمن بالله لا يمكن ان يتصوّر ذلك ، وبتطوّر العلوم تتأكّد لنا هذه الحقيقة.

وكي نستطيع ان نتعلّم هذا الدرس وهو انّ المجتمع الانساني الذي هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العيش بسلام ، فعليه ان يجعل شعار( كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) يسود جميع جوانبه ، ويجتنب الإفراط والتفريط في اعماله وتخضع جميع مؤسساته الاجتماعية للحساب والموازين.

3 ـ الغيب والشهادة سواء عند الله

استندت هذه الآيات الى انّ الغيب والشهادة معلومان عند الله ، فهما مفهومان نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود ، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواسا ذات مدى نسبي ، فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا ، وما كان خارجا عنه فهو غيب ، فلو فرضنا انّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن الأشياء وإدراكها ، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا.

وبما انّ كلّ شيء له حدّ محدود غير الذات الالهيّة ، فإنّ لغير الله تعالى غيب وشهادة ، ولانّ ذات الله غير محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ كلّ شيء بالنسبة

٣٥١

اليه شهادة ، ولا معنى للغيب بالنسبة اليه ، وإذا ما قلنا ـ انّ الله عالم الغيب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غيب وشهادة ، امّا هو فهما عنده سواء. لنفترض انّنا ننظر ما في أيدينا في النهار ، فهل نجهل ما فيها؟! جميع الكون في مقابل علم الله أوضح من هذا واظهر.

4 ـ الآثار التربوية في إدراكنا لعلم الله

أثناء قراءتنا للآيات الماضية التي تقول : انّ الله يعلم السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده ، هل نجد في أنفسنا ايمانا بهذه الحقيقة؟ لو كنّا مؤمنين بذلك حقّا ونشعر بأنّ الله تعالى مطّلع علينا فإنّ هذا الايمان والاحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟.

نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام في جوابه لمن سأله عن طريقتهم في الحياة قال : «علمت انّ الله مطلع عليّ فاستحييت».

كما نشاهد كثيرا من المواقف من تأريخ المسلمين وحياتهم تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، يقال : دخل أب وابنه في بستان ، فتسلّق الأب شجرة ليقطف ثمارها دون اذن صاحبها ، بينما بقي الابن أسفل الشجرة لمراقبة الأوضاع. وفجأة صاح الابن الذي كان مؤمنا ومتعلّما ونادى أباه بأن ينزل بسرعة ، عندها خاف الأب ونزل فورا وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، فقال الابن : كان قصدي هو الله المحيط بنا جميعا ، كيف يمكن ان تخاف ان يراك الإنسان ، ولا تخاف ان يراك الله؟! اين الايمان؟!

* * *

٣٥٢

الآية

( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) )

التّفسير

المعقّبات الغيبية!

علمنا في الآيات السابقة انّ الله بما انّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية انّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (1) .

ولكي لا يتصوّر احد انّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمس في المزلّات ، او يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كلّ ذلك ينتظر من الله او الملائكة ان يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما

__________________

(1) هناك حديث بين المفسرين في ان الضمير (له) لمن يعود ، وكما تشير الآية فإنه يعود للإنسان كما تؤكد عليه الآيات السابقة ، ولكن بعضهم قال : يعود للنبي او لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل الآية [فتأمل].

٣٥٣

بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وكي لا يتبادر الى الأذهان انّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب او الجزاء؟ هنا تضيف الآية( وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ولهذا السبب فإنّه حين صدور العذاب الالهي على قوم او امّة ، فسوف ينتهي دور المعقّبات ويتركون الإنسان عرضة للحوادث

* * *

بحوث

1 ـ ما هي المعقّبات؟

«المعقّبات» كما جاء في مجمع البيان للعلّامة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة) وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية انّ الله سبحانه وتعالى امر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار ومن بين يديه ومن خلفه.

انّ الإنسان ـ بدون شك ـ معرّض في حياته الى كثير من الحوادث الروحية والجسمية ، فالامراض والمتغيّرات في السّماء والأرض محيطة بالإنسان ، وخصوصا في مرحلة الطفولة التي لا يدرك فيها ما يجري حوله ويكون هدفا سهلا للإصابة بها ، فقد يتعجّب الإنسان كيف ينجو الطفل وينمو من بين جميع هذه الحوادث ، وخصوصا في العوائل التي لا تدرك هذه المسائل وتعاني من قلّة الامكانيات كأبناء الريف الذين يعانون من الحرمان والفقر وهم معرضون للامراض اكثر من غيرهم.

وإذا ما امعنّا النظر في هذه المسائل فسوف نجد انّ هناك قوى محافظة ، تحفظ الإنسان في مقابل هذه الحوادث كالدرع الواقي.

وكثيرا ما يتعرّض الإنسان الى حوادث خطرة ويتخلّص منها بشكل

٣٥٤

اعجازي تجعله يشعر انّ كلّ ذلك ليس صدفة وانّما هناك قوى محافظة تحميه.

وهناك كثير من الأحاديث المنقولة عن ائمّة المسلمين تؤكّد ذلك ومن جملتها : الحديث المروي عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية يقول : «يحفظ بأمر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه الى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان من نهار يتعاقبانه».

وفي حديث آخر عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «ما من عبد الّا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه وبين امر الله».

ونقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنينعليه‌السلام «انّ مع كلّ انسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه».

كما نقرا في نهج البلاغة في وصف الملائكة من الخطبة الاولى «ومنهم الحفظة لعباده».

انّ عدم إدراكنا لوجود المعقّبات عن طريق الحسّ او التجربة العلمية ليس دليلا على عدم وجودهم ، لانّه غير منحصر في هذا المجال فقط ، فالقرآن الكريم والمصادر المعرفية الاخرى اشارت الى امور كثيرة وراء الحسّ والتي لا يمكن إثباتها بالطرق العادية. واكثر من ذلك ما قلنا سابقا من انّنا نتعرّض في حياتنا الى كثير من المخاطر والتي لا يمكن النجاة منها الّا بوجود هذه القوى المحافظة (ورأيت في حياتي بعض من هذه النماذج المحيّرة ، والتي كانت بالنسبة لي كشخص صعب التصديق دليلا على وجود هذا المعقّب اللامرئي).

2 ـ التغيير يبدأ من النفس (قانون عام)

تبيّن الجملة( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ) والتي جاءت في موردين متفاوتين في القرآن الكريم ، انّها قانون عام ، قانون حاسم ومنذر!

٣٥٥

هذا القانون الذي هو واحد من القوانين الاساسيّة لعلم الاجتماع في الإسلام ، يقول لنا : انّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم ، وما أصاب القوم من السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم ، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله المنجّمون ليس له أساس من الصحّة ، فالأساس والقاعدة هي ارادة الامّة إذا أرادت العزّة والافتخار والتقدّم ، او العكس ان أرادت هي الذلّة والهزيمة ، حتّى اللطف الالهي او العقاب لا يكون الّا بمقدّمة. فتلك ارادة الأمم في تغيير ما بأنفسهم حتّى يشملهم اللطف او العذاب الالهي.

وبتعبير آخر : انّ هذا الأصل القرآني الذي يبيّن واحدا من اهمّ المسائل الاجتماعية في الإسلام ، يؤكّد لنا ان اي تغيير خارجي للأمم مرتبط بالتغيير الداخلي لها ، واي نجاح او فشل يصيب الامّة ناشئ من هذا الأمر ، والذين يبحثون عن العوامل الخارجية لتبرير اعمالهم وتصرّفاتهم ويعتبرون القوى المستعمرة والمتسلّطة هي السبب في شقائهم يقعون في خطأ كبير ، لانّ هذه القوى الجهنميّة لا تستطيع ان تفعل شيئا إذا لم تكن لديها قدرة ومركز في داخل المجتمع.

المهمّ ان نطهّر مجتمعاتنا من هذه المقرّات والمراكز للمستعمرين ولا نجعلها تنفذ في داخل مجتمعنا ، فهؤلاء بمنزلة الشياطين ، ونحن نعلم انّ الشيطان ليس له سبيل على عباد الله المخلصين ، فهو يتسلّط على الذي مهّد له السبيل في داخله.

يقول هذا الأصل القرآني : انّنا يجب ان نثور من الداخل كي ننهي حالة الشقاء والحرمان ، ثورة فكرية وثقافية ، ثورة ايمانيّة وأخلاقية ، وأثناء وقوعنا في مخالب الشقاء يجب ان نبحث فورا عن نقاط الضعف فينا ، ونطهّر أنفسنا منها بالتوبة والرجوع الى الله ونبدأ حياة جديدة مفعمة بالنّور والحركة ، كي نستطيع في ظلّها ان نبدّل الهزيمة الى نصر ، لا ان نخفي نقاط الضعف وعوامل الهزيمة هذه ونبحث عنها في خارج المجتمع ونظلّ ندور في الطرق الملتوية.

٣٥٦

هناك كتب ومؤلّفات كثيرة كتبت عن عوامل انتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين ، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية ، ولكن إذا ما أردنا ان نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب ان نبحث عن ذاك النصر او تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والاخلاقية في المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الاسلامية في ايران ، او ثورة الجزائر او ثورة المسلمين الافغان ، نشاهد بوضوح انطباق هذا الأصل القرآني عليها. فقبل ان تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة طريقتها في التعامل معنا ، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء.

وعلى ايّة حال فهذا درس ليومنا ولغدنا ولمستقبلنا ولكلّ المسلمين والأجيال القادمة. ونحن نرى انّ القيادات المنتصرة فقط هي التي استطاعت ان تقود وتغيّر شعوبها على أساس هذا الأصل الخالد ، وفي تاريخ المسلمين والإسلام شواهد على ذلك كثيرة.

* * *

٣٥٧

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) )

التّفسير

قسم آخر من دلائل عظمة الله :

يتطرّق القرآن الكريم مرّة ثانية الى آيات التوحيد وعلائم العظمة واسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول ان تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الاشارة الى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الايمان في

٣٥٨

قلوب الناس ، فتشير اوّلا الى البرق( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ، ويحدث صوتا مخيفا وهو الرعد من جانب آخر ، وقد يسبّب أحيانا الحرائق للناس وخصوصا في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ، وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) القادرة على ارواء ظمأ الاراضي الزراعية.

بركات الرعد والبرق :

نحن نعلم انّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الاخرى ، وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ، فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ، ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا ، ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الالكترونات فانّهما تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرعد.

وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ، وخطورتها تكمن في انّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر راس السلك السالب ، حتّى الإنسان في الصحراء يمكن ان يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان الى رماد في لحظة واحدة ، ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب ان يلجأ الإنسان الى شجرة او حائط او الى الجبال او الى اي مرتفع آخر ، او ان يستلقي في ارض منخفضة.

وعلى ايّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ

٣٥٩

فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا الى ثلاثة منها :

1 ـ السقي : ـ من الطبيعي انّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان الى (15) الف درجة مئوية ، وهذه الحرارة كافية لان تحرق الهواء المحيط بها ، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).

2 ـ التعقيم : ـ ونتيجة للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الاوكسجين في قطرات الماء ، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل او الماء المؤكسد (2 O 2 H ) ومن آثاره قتل المكروبات ، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ، فعند نزول هذه القطرات الى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ، ولهذا السبب يقال انّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.

3 ـ التغذية والتسميد : ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ، وعند نزولها الى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعا من السّماد النباتي ، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.

يقول بعض العلماء : انّ مقدار ما ينتجه البرق من الاسمدة في السنة يصل الى عشرات الملايين من الاطنان ، وهذه كميّة كبيرة جدّا.

وعلى ايّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ، فيمكن ان تكون دليلا واضحا لمعرفة الله ، كلّ ذلك من بركات البرق. كما انّه يمكن ان يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ، وقد تحرق الإنسان او الأشجار ، ومع انّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ، فهي مع ذلك عامل خوف للناس ، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون اشارة الى جميع هذه الأمور.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456