دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140856 / تحميل: 5346
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

القدم والحدوث اعتباريّان

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث العاشر

في أنّ القدم والحدوث اعتباريّان

ذهب بعض الأشاعرة إلى أنّ القدم وصف ثبوتي قائم بذات الله تعالى(٢) .

وذهبت الكرّامية إلى أنّ الحدوث وصف ثبوتي قائم بذات الحادث(٣) .

وكلا القولين باطل ؛ لأنّ القدم لو كان موجودا مغايرا للذات ، لكان إمّا قديما ، أو حادثا

فإن كان قديما كان له قدم آخر ويتسلسل.

وإن كان حادثا كان الشيء موصوفا بنقيضه ، وكان الله تعالى محلّا

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧١.

(٢) هو قول عبد الله بن سعيد الكلابي ، انظر : مقالات الإسلاميّين : ١٦٩ ـ ١٧٠ ، شرح الأصول الخمسة : ١٨٣ ، تلخيص المحصّل : ١٢٦ ، المواقف : ٢٩٧ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٩.

(٣) الملل والنحل ـ للبغدادي ـ : ١٥٠ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ١٠١ ، شرح العقائد النسفية : ١٠٢ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٢٥.

٣٢١

للحوادث ، وكان الله تعالى قبل حدوثه ليس بقديم

والكلّ معلوم البطلان.

وأمّا الحدوث ، فإن كان قديما لزم قدم الحادث الذي هو شرطه ، وكان الشيء موصوفا بنقيضه ؛ وإن كان حادثا تسلسل.

والحقّ : إنّ القدم والحدوث من الصفات الاعتباريّة.

* * *

٣٢٢

وقال الفضل(١) :

ليس كون القدم وصفا ثبوتيا مذهب الشيخ الأشعري ، وما اطّلعت على قوله فيه.

وأمّا قوله : « لو كان القدم وصفا ثبوتيا ، فإمّا أن يكون قديما فيكون له قدم آخر ويتسلسل ».

فالجواب عنه : إنّا لا نسلّم لزوم التسلسل ، إذ قد يكون قدم القدم بنفسه.

وأيضا : جاز أن يكون قدم القدم أمرا اعتباريا ، فإنّ وجود فرد من أفراد الطبيعة لا يستلزم وجود جميعها.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٦٩.

٣٢٣

وأقول :

من المضحك اختلاف كلامه في سطر واحد ، فإنّه زعم أنّ كون القدم وصفا ثبوتيا ليس مذهب الأشعري ، ثمّ عقّبه بقوله : « ما اطّلعت على قوله فيه »!

ولا يخفى أنّ جوابيه عن التسلسل راجعان إلى جواب واحد ؛ لأنّ إضافة القدم إلى القدم تستدعي التعدّد حقيقة أو اعتبارا ، فإذا انتفى الحقيقي لحكمه بأنّ قدم القدم نفسه ، تعيّن التعدّد الاعتباري ، وأن يكون قدم القدم اعتباريا ، فيكون الجواب الأوّل عين الثاني.

وفيه : إنّ القدم سلبي ؛ لأنّه عبارة عن عدم المسبوقية بالغير أو بالعدم ، فلا يمكن أن يكون ثبوتيا مع إنّه قد سبق أنّ التماثل في الأفراد يستدعي وحدة حقيقتها ، وأنّ ما تكرّر نوعه يجب كونه اعتباريا.

وبالجملة : الماهيّة الحقيقية لا يمكن أن يكون بعض أفرادها خارجيا والآخر ممتنعا ذاتا ـ كما هو ظاهر ـ ، فكيف يمكن أن يكون بعض أفراد القدم ثبوتيا والبعض الآخر اعتباريا ممتنع الوجود في الخارج ، للزوم التسلسل؟!

وبهذا يعلم بطلان الجواب عن إشكال التسلسل في الحدوث لو أجيب عنه بنحو ما أجاب الخصم عن إشكال التسلسل بالنسبة إلى قدم القدم.

* * *

٣٢٤

نقل الخلاف في مسائل العدل

قال المصنّف ١(١) :

المبحث الحادي عشر

في العدل

وفيه مطالب :

[ المطلب ] الأوّل

في نقل الخلاف في مسائل هذا الباب

إعلم أنّ هذا أصل عظيم تبتني عليه القواعد الإسلامية ، بل الأحكام الدينية مطلقا ، وبدونه لا يتمّ شيء من الأديان ، ولا يمكن أن يعلم صدق نبيّ من الأنبياء على الإطلاق إلّا به ، على ما نقرّره في ما بعد إن شاء الله تعالى.

وبئس ما اختاره الإنسان لنفسه مذهبا خرج به عن جميع الأديان ، ولم يمكنه أن يتعبّد الله تعالى بشرع من الشرائع السابقة واللاحقة ، ولم يجزم به على نجاة نبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو مطيع في جميع أفعاله من

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٢.

٣٢٥

أولياء الله وخلصائه ، ولا على عذاب أحد من الكفّار والمشركين وأنواع الفسّاق والعاصين.

فلينظر العاقل المقلّد ، هل يجوز له أن يلقى الله تعالى بمثل هذه العقائد الفاسدة ، والآراء الباطلة المستندة إلى اتّباع الشهوة والانقياد إلى المطامع؟!

* * *

٣٢٦

وقال الفضل(١) :

عقد هذا المبحث لإثبات العدل الذي ينتسبون إليه هم والمعتزلة

وحاصله : إنّهم يقولون باختيار العبد في الأفعال ، وإنّه خالق أفعاله ، وإلّا لم يكن تعذيب العبد عدلا عند عدم الاختيار ؛ ويقولون بوجوب جزاء العاصي ، وبالحسن والقبح العقليّين ، وغيرهما ممّا يذكره في هذا الفصل.

ويدّعي أنّ الخروج عن هذا يوجب عدم متابعة نبيّ من الأنبياء.

وهذا دعوى باطلة فاسدة.

ونحن إن شاء الله تعالى نذكر في هذا البحث كلّ مقالة من قولي الإمامية والأشاعرة على حدة ، ونذكر حقيقة تلك المسألة قائمين بالإنصاف إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٧٢.

٣٢٧

وأقول :

ستعرف ما في دعواه القيام بالإنصاف كما يشهد لذلك قوله هنا :

« يقولون بوجوب جزاء العاصي » فإنّه لا يريد به إلّا التهويل ومجانبة الإنصاف ؛ لأنّا نقول : إنّ العقاب حقّ الله تعالى ، وله العفو عن حقّه ، كما ستعرف.

نعم ، لو أراد بوجوبه وجوب جعل أصل الجزاء على المعصية بلحاظ الاستحقاق وإن كان له العفو ، كان صدقا ، وهو مذهبنا ، ولكنّه لا يريده كما سيتّضح إن شاء الله تعالى.

* * *

٣٢٨

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

قالت الإمامية ومتابعوهم من المعتزلة : إنّ الحسن والقبح عقليّان مستندان إلى صفات قائمة بالأفعال ، أو وجوه واعتبارات تقع عليها(٢) .

وقالت الأشاعرة : إنّ العقل لا يحكم بحسن شيء ألبتّة ولا يقبّحه ، بل كلّ ما يقع في الوجود من أنواع الشرور : كالظلم ، والعدوان ، والقتل ، والشرك ، والإلحاد ، وسبّ الله تعالى ، وسبّ ملائكته وأنبيائه وأوليائه ، فإنّه حسن(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٢.

(٢) انظر رأي الإمامية في : الذخيرة في علم الكلام : ١٠٥ ـ ١٠٦ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٦١ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٧.

وانظر رأي المعتزلة في : شرح الأصول الخمسة : ٣٠١ وما بعدها ، الملل والنحل ١ / ٣٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٣.

(٣) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر للرازي ـ ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، المواقف : ٣٢٣ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢.

٣٢٩

وقال الفضل(١) :

الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة :

الأوّل : صفة الكمال والنقص يقال : العلم حسن والجهل قبيح ولا نزاع في أنّ هذا ثابت للصفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل ، ولا تعلّق له بالشرع.

الثاني : ملاءمة الغرض ومنافرته وقد يعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة والمفسدة ، فيقال : الحسن ما فيه مصلحة ، والقبيح ما فيه مفسدة ؛ وذلك أيضا عقلي ، أي يدركه العقل كالمعنى الأوّل

الثالث : تعلّق المدح والثواب بالفعل عاجلا وآجلا ، أو الذمّ والعقاب كذلك

فما تعلّق به المدح في العاجل والثواب في الآجل يسمّى : حسنا

وما تعلّق به الذمّ في العاجل والعقاب في الآجل يسمّى : قبيحا

وهذا المعنى هو محلّ النزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعي ؛ وذلك لأنّ أفعال العباد كلّها ليس شيء منها في نفسه بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ، ولا ذمّ فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها

وعند المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية : عقلي(٢) .

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٧٤.

(٢) إلى هنا أخذ الفضل ـ كعادته ـ مناقشته نصّا من شرح المواقف ٨ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

٣٣٠

وإدراك الحسن والقبح موقوف على حكم الشرع ، والشرع كاشف عنهما في ما لا يستقلّ العقل بإدراكه ، فالعقل حاكم.

فيا معشر العقلاء : بأيّ مذهب يلزم أن يكون الظلم والعدوان والقتل والشرك وسبّ الله ورسوله وما ذكره من الترّهات والطامات حسنا؟!

هل الشرع حسّن هذه الأشياء وحكم بحسنه؟!

وعلى تقدير أن يكون حاكما بالحسن ، هل يقول الأشاعرة : إنّ الشرع حكم بحسن هذه الأشياء حتّى يلزم ما يقول؟!

فعلم أنّ الرجل كودن(١) طامّاتي متعصّب ، فتعصّب لنفسه لا لله ورسوله!

والعجب أنّه كان لا يأمل أنّ العقلاء ربّما ينظرون في هذا الكتاب فيفتضح عندهم ، ما أجهله من رجل متعصّب ، نعوذ بالله من شرّ الشيطان وشركه!

* * *

__________________

(١) الكودن : هو البرذون من الدوابّ ، وقيل : هو الفيل ، وقيل : البغل ، ويشبّه به البليد.

انظر مادّة « كدن » في : الصحاح ٦ / ٢١٨٧ ، لسان العرب ١٢ / ٤٨ ، تاج العروس ١٨ / ٤٧٥.

٣٣١

وأقول :

نسب المصنّف أوّلا إلى الأشاعرة : إنّ العقل لا يحكم بحسن شيء من الأفعال ولا بقبحه ، فعارضه الخصم بأنّهم يقولون بالحسن والقبح بالمعنيين الأوّلين ـ وسيأتي إن شاء الله تعالى في أوّل المطلب الثاني ـ أنّ هذا التفصيل ممّا أحدثه المتأخّرون تقليلا للشناعة ، وستعرف ما فيه ، وأنّه لا ينفعهم.

ثمّ نسب إليهم القول بأنّ كلّ فعل يقع في الوجود من أنواع الشرور كالظلم ، والشرك ، وغيرهما ، حسن ، وهو مبنيّ على تعريفهم للفعل القبيح بما نهي عنه شرعا وللفعل الحسن بما لم ينه عنه ، فإنّه على هذا تكون هذه الأفعال حسنة ؛ لأنّها فعل الله تعالى ، ولا نهي عن فعله.

ولكنّ المتأخّرين تخلّصوا عنه بالقول بأنّ الفعل الحسن ما أمر به شرعا ، وما يستحقّ فاعله المدح في العاجل ، والثواب في الآجل فلا يشمل فعله تعالى.

ولكن على تقديره فنحن نسألهم عن فعل الله تعالى ، فإن أقرّوا بحسنه لزمهم القول بحسن هذه الشرور ، وإن لم يقرّوا بحسنه فقد خرجوا عن الإسلام!

ودعوى أنّ هذه الشرور حسنة بلحاظ انتسابها إلى الله تعالى بالخلق ، قبيحة ، بلحاظ انتسابها إلى العبد بالوصفيّة ، وكونه محلّا لها باطلة ، لعدم معقوليّة حسنها من الفاعل ، وقبحها من المحلّ والموصوف بها من دون أن

٣٣٢

يكون له أثر فيها أصلا ، وإنّما الأثر لله وحده.

وبالجملة : أصل الفعل ومحلّه وجميع جهاته صادرة من الله تعالى ، فكلّها حسنة ، فبأيّ شيء يكون قبيحا؟!

* * *

٣٣٣

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

وقالت الإمامية ومتابعوهم من المعتزلة : إنّ جميع أفعال الله تعالى حكمة وصواب ، وليس فيها ظلم ، ولا جور ، ولا كذب ، ولا عبث ، ولا فاحشة.

والفواحش والقبائح والكذب والجهل من أفعال العباد ، والله تعالى منزّه عنها وبريء منها(٢) .

وقالت الأشاعرة : ليس جميع أفعاله تعالى حكمة وصوابا ؛ لأنّ الفواحش والقبائح كلّها صادرة عنه تعالى ؛ لأنّه لا مؤثّر غيره(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٣.

(٢) انظر مضمون ذلك في : أوائل المقالات : ٥٦ رقم ٢٤ ، تصحيح الاعتقاد : ٤٢ ـ ٤٥ ، شرح جمل العلم والعمل : ٨٥ ـ ٨٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٧٩ ـ ١٨١ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٨ ـ ١٩٩.

وانظر آراء المعتزلة في : شرح الأصول الخمسة : ٣٠١ وما بعدها ، الملل والنحل ١ / ٣٩ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٣) انظر مضمون ذلك في : الإبانة في أصول الديانة : ١٢٦ ـ ١٥٤ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣١٩ ونقل قولهم : « إنّ أفعال الله ليست معلّلة بالأغراض » ، الأربعين في أصول الدين ـ للغزّالي ـ : ١٨ ، المسائل الخمسون ـ للفخر الرازي ـ : ٥٩ ـ ٦٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ : ٣٢٠ ـ ٣٥٢ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ، شرح العقيدة الطحاوية : ٦١ ـ ٦٣.

٣٣٤

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب ؛ وذلك من جهة أنّه لا قبيح منه ولا واجب عليه ، فلا يتصوّر منه فعل قبيح ولا ترك واجب(٢) ، وجميع أفعاله تعالى حكمة وصواب.

والفواحش والقبائح من مباشرة العبد للأفعال ولا يلزم من قولنا :

« لا مؤثّر في الوجود إلّا الله » أن تكون الفواحش والقبائح صادرة عنه ، بل هي صادرة من العبد ومن مباشرته وكسبه.

والله تعالى خالق للأفعال ، ولا قبيح بالنسبة إليه ، بل قبح الفعل من مباشرة العبد ، كما سيجيء في مبحث خلق الأعمال

فما نسبه إليهم هو افتراء محض ناشئ من تعصّب وغرض فاسد!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٧٦.

(٢) المواقف : ٣٢٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٩٥.

٣٣٥

وأقول :

من أعجب العجب وأوضح المحال نفي صدورها عن الله سبحانه وإثباتها للعبد.

والحال : إنّ الخالق الفاعل لها بزعمهم هو الله تعالى ، والعبد محلّ صرف لا أثر له ولا تصرّف بوجه أصلا.

وما أدري كيف يكون كسبها من العبد؟! والكسب بأيّ معنى فسّر إنّما هو من فعل الله تعالى.

وكيف يكون قبحها من مباشرة العبد ، والمباشرة أثر لله تعالى؟! إذ لا مؤثّر في الوجود سواه ، وكلّ أثره حسن.

فهل يعقل أن يكون الشيء بجهة حسنه قبيحا ، إذ أيّ جهة تفرض للقبح إنّما هي من فعل الله ، وفعله ـ بما هو فعله ـ حسن.

لكن بنى القوم أمرهم على المكابرة وناطوا الحقائق بالتمويه.

وأمّا قوله : « ولا واجب عليه » فستعرف ما فيه إن شاء الله تعالى.

* * *

٣٣٦

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

وقالت الإمامية : نحن نرضى بقضاء الله تعالى كلّه ، حلوه ومرّه ؛ لأنّه لا يقضي إلّا بالحقّ(٢) .

وقالت الأشاعرة : لا نرضى بقضاء الله كلّه ؛ لأنّه قضى بالكفر ، والفواحش ، والمعاصي ، والظلم ، وجميع أنواع الفساد(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٣.

(٢) انظر : تصحيح الاعتقاد ـ المطبوع ضمن المجلّد ٥ من « مصنّفات الشيخ المفيد » ـ : ٥٤ ـ ٥٩ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٩٣.

(٣) انظر مضمونه في : تمهيد الأوائل : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٥ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٨.

٣٣٧

وقال الفضل(١) :

تقول الأشاعرة : نحن نرضى بقضاء الله كلّه ، والكفر ، والفواحش ، والمعاصي ، والظلم ؛ وجميع أنواع الفساد ليست هي القضاء ، بل هي المقضيّات(٢) .

والفرق بين القضاء والمقضي ظاهر ؛ وذلك لأنّه ليس يلزم من وجوب الرضا بالشيء باعتبار صدوره عن فاعله ، وجوب الرضا به باعتبار وقوعه صفة لشيء آخر ؛ إذ لو صحّ ذلك لوجب الرضا بموت الأنبياء ، وهو باطل إجماعا.

والإنكار المتوجّه نحو الكفر إنّما هو بالنظر إلى المحلّيّة ، لا إلى الفاعلية.

وللكفر نسبة إلى الله تعالى باعتبار فاعليّته له وإيجاده إيّاه

ونسبة أخرى إلى العبد باعتبار محلّيّته له واتّصافه به ، وإنكاره باعتبار النسبة الثانية دون الأولى.

ثمّ إنّهم قائلون بأنّ التمكين على الشرور من الله تعالى ، والتمكين بالقبيح قبيح ، فيلزمهم ما يلزمون به الأصحاب(٣) .

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٧٩.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٥ ، المواقف : ٣٢٢ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٣) شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٨.

٣٣٨

وأقول :

لا يعقل التفكيك بين القضاء والمقضي في الرضا وعدمه ، ضرورة أنّ من رضي بأمر فقد رضي بصدوره عن فاعله ، ومن سخطه فقد سخط صدوره عن فاعله.

فإذا زعم الأشاعرة أنّ الله سبحانه قد قضى بالفواحش وخلقها ، فقد لزمهم من عدم الرضا بها عدم الرضا بقضاء الله تعالى.

وأمّا موت الأنبياء فلا نسلّم عدم وجوب الرضا به إذا قضاه الله تعالى ، كيف؟! وهو سبحانه لا يقضي إلّا بالحقّ والصواب!

نعم ، لا نحبّ موتهم حبّا لهم وطمعا في مصالحنا بهم.

وما زعمه من توجّه الإنكار إلى الكفر باعتبار المحلّية لا الفاعلية ، فمكابرة خارجة عن حيّز العقل إذا كانت المحلّية قهرية.

وأمّا ما ذكره من أنّ التمكين من القبيح قبيح ، فممنوع إذا اقترن التمكين منه ببيان قبحه والنهي عنه ، فإنّه حينئذ يكون التمكين منه حسنا ؛ إذ بطاعته لنهي مولاه وتركه اختيارا ينال السعادتين.

* * *

٣٣٩

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

وقالت الإمامية والمعتزلة : لا يجوز أن يعاقب الله الناس على فعله ، ولا يلومهم على صنعه(٢) ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى )(٣) .

وقالت الأشاعرة : لا يعاقب الله الناس إلّا على ما لم يفعلوه ، ولا يلومهم إلّا على ما لم يصنعوه ، وإنّما يعاقبهم على فعله فيهم ، يفعل فيهم سبّه وشتمه ، ثمّ يلومهم عليه ويعاقبهم لأجله

ويخلق فيهم الإعراض ، ثمّ يقول : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ )(٤)

ويمنعهم من الفعل ويقول : (ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا )(٥) (٦) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٣.

(٢) أوائل المقالات : ٦١ رقم ٣١ ، تصحيح الاعتقاد : ٤٨ ـ ٥٣ ، الذخيرة في علم الكلام : ٢٣٩ ـ ٢٤٢ ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٤٨ ـ ٣٥٢ ، الملل والنحل ١ / ٣٩ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤.

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ١٥ ، سورة فاطر ٣٥ : ١٨.

(٤) سورة المدّثّر ٧٤ : ٤٩.

(٥) سورة الإسراء ١٧ : ٩٤.

(٦) انظر أقوال الأشاعرة هذه في : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٤ ـ ١١٦ ، تمهيد الأوائل : ٣٧٦ ـ ٣٧٨.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الثالث : لو كان الحسن والقبح شرعيّين لما حكم بهما من ينكر الشرائع ، والتالي باطل ؛ فإنّ البراهمة(٢) بأسرهم ينكرون الشرائع والأديان كلّها ، ويحكمون بالحسن والقبح ، مستندين إلى ضرورة العقل في ذلك(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

(٢) البراهمة أو البرهمانية : نسبة إلى برهمان أو برهام ، وهو اسم مؤسّس هذه الطريقة ، وقيل : هم قبيلة بالهند فيهم أشراف أهل الهند ، ويقولون : إنّهم من ولد برهمي ملك من ملوكهم ؛ ولهم علامة ينفردون بها ، وهي خيوط ملوّنة بحمرة وصفرة يتقلّدونها تقلّد السيوف ، وقيل : إنّهم قائلون بالتوحيد! ومن أصول هذه الطائفة ـ كذلك ـ نفي النبوّات أصلا وقرّروا استحالتها في العقول ، وقد تفرّقوا أصنافا ، فمنهم : أصحاب البددة ، وهم البوذيّون ؛ وأصحاب الفكر والوهم ، وهم العلماء منهم بالفلك والنجوم وأحكامها المنسوبة إليهم ؛ وأصحاب التناسخ.

انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ١ / ٨٦ ، الملل والنحل ٣ / ٧٠٦ ـ ٧١٦.

(٣) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٧١ ، شرح المواقف ٨ / ١٩٢.

٤٢١

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ البراهمة المنكرين للشرائع يحكمون بالحسن والقبح للأشياء لصفة الكمال والنقص والمصلحة والمفسدة ، لا تعلّق الثواب والعقاب.

وكيف يحكمون بالثواب والعقاب وهم لا يعرفونهما؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٦٨.

٤٢٢

وأقول :

البراهمة يحكمون بحسن الأفعال وقبحها بما هي أفعال ، كما هو محلّ الكلام على الصحيح

وما اختلقه بعض الأشاعرة من تعدّد المعاني والتفصيل فيها فإنّما قصدوا به الفرار لكن في غير الطريق المستقيم ، أو تسليم للحقّ لكن بوجه المعارضة.

* * *

٤٢٣

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

الرابع : الضرورة قاضية بقبح العبث ، كمن يستأجر أجيرا ليرمي من ماء الفرات في دجلة ، ويبيع متاعا ـ أعطي في بلده عشرة دراهم ـ في بلد يحمله إليه بمشقّة عظيمة ، ويعلم أنّ سعره كسعر بلده بعشرة دراهم أيضا.

وقبح تكليف ما لا يطاق كتكليف الزمن الطيران إلى السماء ، وتعذيبه دائما على ترك هذا الفعل.

وقبح ذمّ العالم الزاهد على علمه وزهده ، وحسن مدحه ، وقبح مدح الجاهل الفاسق على جهله وفسقه ، وحسن ذمّه عليهما.

ومن كابر في ذلك فقد أنكر أجلى الضروريات ؛ لأنّ هذا الحكم حاصل للأطفال ، والضروريات قد لا تحصل لهم.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

٤٢٤

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ قبح العبث لكونه مشتملا على المفسدة ، لا لكونه موجبا لتعلّق الذمّ والعقاب ، وهذا ظاهر.

وقبح مذمّة العاقل ، وحسن مدحة الزاهد ؛ للاشتمال على صفة الكمال والنقص.

فكلّ ما يذكر هذا الرجل من الدلائل هو إقامة الدليل على غير محلّ النزاع ، فإنّ الأشاعرة معترفون بأنّ كلّ ما ذكره من الحسن والقبح عقليّان ، والنزاع في غير هذين المعنيين.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٧٠.

٤٢٥

وأقول :

ليت شعري أكان محلّ الكلام في حسن الأفعال وقبحها عقلا مشروطا بأن لا تكون فيها مصلحة ومفسدة حتّى يقول : إنّ قبح العبث لكونه مشتملا على مفسدة؟!

ومنشأ اشتباهه أنّه رأى أصحابه يعبّرون عن ملاءمة الغرض ومنافرته بالمصلحة والمفسدة(١) ، فتخيّل ذلك ولم يعلم أنّهم إنّما جعلوا الحسن والقبح ـ اللذين بمعنى الملاءمة والمنافرة ، والمصلحة والمفسدة ـ خارجين عن محلّ النزاع ؛ لا أنّه يشترط في محلّ النزاع عدم المصلحة والمفسدة في الفعل واقعا.

على إنّ قبح العبث ضروري وإن لم يشتمل على مفسدة ، بل لو اشتمل عليها لم يثبت القبح عندهم بمعنى المنافرة للغرض ، إذ لا غرض للعابث ، فيلزم أن لا يقبح العبث عندهم وقد أقرّوا بقبحه!

وأمّا قوله : « وقبح مذمّة العالم ، وحسن مدحة الزاهد »

ففيه : تسليم للحقّ باسم المعارضة ، والوفاق بصورة الخلاف ، فما ضرّهم لو أنصفوا؟!

واعلم أنّ الخصم لم يجب عن قبح تكليف ما لا يطاق عجزا عن الجواب ؛ لأنّ التكليف المذكور ليس عندهم صفة نقص ولا مفسدة ، وإلّا لما أجازوه على الله تعالى.

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٨٢.

٤٢٦

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الخامس : لو كان الحسن والقبح باعتبار السمع لا غير لما قبح من الله تعالى شيء.

ولو كان كذلك لما قبح منه تعالى إظهار المعجزات على يد الكاذبين ، وتجويز ذلك يسدّ باب معرفة النبوّة(٢) .

فإنّ أيّ نبيّ أظهر المعجزة عقيب ادّعاء النبوّة لا يمكن تصديقه مع تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب في دعوى النبوّة.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٤.

(٢) انظر : شرح الأصول الخمسة : ٣١٨ و ٣٢١ ، ومؤدّاه في : المحيط بالتكليف : ٢٣٥.

٤٢٧

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّه لم يقبح من الله شيء.

قوله : « لو كان كذلك لما قبح منه إظهار المعجزات على يد الكاذبين ».

قلنا : عدم إظهار المعجزة على يد الكذّابين ليس لكونه مقبحا عقلا ، بل لعدم جريان عادة الله تعالى ، الجاري مجرى المحال العادي بذلك.

قوله : « تجويز هذا يسدّ باب معرفة النبوّة ».

قلنا : لا يلزم هذا ؛ لأنّ العلم العادي حاكم باستحالة هذا الإظهار ، فلا ينسدّ ذلك الباب.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٧١.

٤٢٨

وأقول :

كيف تصحّ دعوى العادة؟! والحال أنّه لا اطّلاع له على كلّ من ادّعى النبوّة!

ولو فرض الاطّلاع فمن المحتمل كذب كلّ من جاء بمعجزة ، فلا تثبت نبوّة صادقة فضلا عن جريان العادة بها.

على إنّه كيف يقطع بعدم تخلّف العادة في مقام تخلّف العادة بإظهار المعجزة؟!

* * *

٤٢٩

قال المصنّف ١(١) :

السادس : لو كان الحسن والقبح شرعيّين ، لحسن من الله تعالى أن يأمر بالكفر ، وتكذيب الأنبياء ، وتعظيم الأصنام ، والمواظبة على الزنا والسرقة ، والنهي عن العبادة والصدق ؛ لأنّها غير قبيحة في أنفسها ، فإذا أمر الله بها صارت حسنة ؛ إذ لا فرق بينها وبين الأمر بالطاعة ، فإنّ شكر المنعم ، وردّ الوديعة ، والصدق ، ليست حسنة في أنفسها ، ولو نهى الله عنها كانت قبيحة(٢) .

لكن لمّا اتّفق أنّه تعالى أمر بهذه مجانا لغير غرض ولا حكمة ، صارت حسنة ، واتّفق أنّه نهى عن تلك فصارت قبيحة ، وقبل الأمر والنهي لا فرق بينها.

ومن أدّاه عقله إلى تقليد من يعتقد ذلك فهو أجهل الجهّال ، وأحمق الحمقاء ، إذا علم أنّ معتقد رئيسه ذلك!

ومن لم يعلم ووقف عليه ثمّ استمرّ على تقليده فكذلك!

فلهذا وجب علينا كشف معتقدهم لئلّا يضلّ غيرهم وتستوعب البلية جميع الناس.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٤.

(٢) انظر : شرح الأصول الخمسة : ٣١٨ ـ ٣٢٠.

٤٣٠

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّه لا يلزم من كون الحسن والقبح شرعيّين ، بمعنى أنّ الشرع حاكم بالحسن ، والقبح أن يحسن من الله الأمر بالكفر والمعاصي ؛ لأنّ المراد بهذا الحسن : إن كان استحسان هذه الأشياء ، فعدم هذه الملازمة ظاهر ؛ لأنّ من الأشياء ما يكون مخالفا للمصلحة لا يستحسنه الحكيم ، وقد ذكرنا أنّ المصلحة والمفسدة حاصلتان للأفعال بحسب ذواتها.

وإن كان المراد بهذا الحسن عدم الامتناع عليه ، فقد ذكرنا أنّه لا يمتنع عليه شيء عقلا ، لكن جرى عادة الله على الأمر بما اشتمل على مصلحة من الأفعال ، والنهي عمّا اشتمل على مفسدة من الأفعال.

فالعلم العادي حاكم بأنّ الله تعالى لم يأمر بالكفر وتكذيب الأنبياء قطّ ، ولم ينه عن شكر المنعم وردّ الوديعة ، فحصل الفرق بين هذا الأمر والنهي بجريان عادة الله الذي يجري مجرى المحال العادي ، فلا يلزم شيء ممّا ذكر هذا الرجل ، فقد زعم أنّه فلق الشعر في تدقيق هذا السؤال الظاهر دفعه عند أهل الحقّ ، حتّى رتّب عليه التشنيع والتفظيع ، فيا له من رجل ما أجهله!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٧٢.

٤٣١

وأقول :

قد سبق أنّ القبيح عندهم ما نهي عنه شرعا ، والحسن ما لم ينه عنه كما في « المواقف »(١) .

وحينئذ فالأفعال كلّها ليست حسنة أو قبيحة بالنظر إلى ذواتها وقبل تعلّق التكاليف بها ، وإنّما تكون حسنة أو قبيحة بعد تعلّقها بها.

فلو تعلّق أمره تعالى مثلا بالكفر وتكذيب الأنبياء وتعظيم الشياطين كانت حسنة وكان أمره أيضا حسنا ؛ لأنّ أمره من فعله ، وفعله حسن ؛ لأنّه لم ينه عنه فيشمله تعريف الحسن المذكور ، كما صرّح به في « شرح المواقف »(٢) وذكرناه سابقا(٣)

وحينئذ يتمّ ما ذكره المصنّف ١ بقوله : « لو كان الحسن والقبح شرعيّين لحسن من الله تعالى أن يأمر بالكفر » فإنّ الكفر ـ مثلا ـ ليس قبيحا قبل التكليف ، فيصحّ تعلّق الأمر به ، وإذا تعلّق به صار حسنا كما يحسن الأمر به.

وبذلك يعلم أنّه لا محلّ لتفسير الخصم للحسن والقبح الشرعيّين بأنّ الشرع حاكم بهما ، ولا لترديده في مراد المصنّف ; بالحسن بين أمرين لا دخل لهما بمقصود المصنّف ولا بمصطلح الأشاعرة.

على إنّه لو أراد المصنّف الشقّ الأوّل فهو لازم لهم على مذهبهم ؛

__________________

(١) المواقف : ٣٢٣.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٨٢.

(٣) انظر الصفحتين ٤١٣ ـ ٤١٤ من هذا الجزء.

٤٣٢

لأنّ الأمور التي ذكرها المصنّف ، من الكفر وتكذيب الأنبياء وأشباههما مخلوقة لله تعالى عندهم ومن أفعاله ، فلو كانت مخالفة للمصلحة ولا يستحسنها الحكيم لما فعلها.

ودعوى أنّ فعله لها إنّما يدلّ على استحسانه لها من حيث فاعليّته لها ، لا من حيث كسب العبد إيّاها ومحلّيّته لها ، غير ضارّة في المطلوب لو سلّمت ، إذ لا يهمّنا إلّا إثبات ما أنكره الخصم من استحسانها على مذهبهم من أيّ حيثية كانت.

وقوله : « قد ذكرنا أنّ المصلحة والمفسدة حاصلتان للأفعال بحسب ذواتها »

خطأ ظاهر ؛ لأنّ الذي ذكره هو حصول المصلحة والمفسدة بمعنى الملاءمة والمنافرة لا الذاتيّين(١) .

وأمّا ما ذكره في الشقّ الثاني بقوله : « وإن كان المراد عدم الامتناع عليه ، فقد ذكرنا أنّه لا يمتنع عليه شيء عقلا ».

ففيه : إنّه بعد ما بيّن في الشقّ الأوّل أنّ الحكيم لا يستحسن ما يكون مخالفا للمصلحة ، كيف لا يمتنع عليه الأمر به؟! فإنّ الحكيم لا يجوز عليه أن يأمر بما يكون مخالفا للمصلحة ولا يستحسنه.

ثمّ ما ذكره من جريان العادة غير مفيد له ، فإنّه لو سلّم العلم بالعادة مع عدم الاطّلاع على أديان جميع الأنبياء ، فالإشكال إنّما هو من جهة جواز أمره تعالى بالكفر ونحوه وحسنه ، لا من جهة الوقوع حتّى يجيب بعدم جريان العادة.

__________________

(١) انظر الصفحة ٤١١ من هذا الجزء.

٤٣٣

وبالضرورة : إنّ تجويز مثله على الحكيم إخراج له عن الحكمة ، وهو كفر!

فظهر أنّ المصنّف قد فلق الشعر بتدقيقه ، فجزاه الله تعالى عن الدين وأهله أفضل جزاء المحسنين ، وجعلنا من أعوانه على الحقّ ، إنّه أكرم المسؤولين.

* * *

٤٣٤

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

السابع : لو كان الحسن والقبح شرعيّين ، لزم توقّف وجوب الواجبات على مجيء الشرع ، ولو كان كذلك لزم إفحام الأنبياء ؛ لأنّ النبيّ إذا ادّعى الرسالة وأظهر المعجزة كان للمدعوّ أن يقول : إنّما يجب عليّ النظر في معجزتك بعد أن أعرف أنّك صادق ، فأنا لا أنظر حتّى أعرف صدقك ، ولا أعرف صدقك إلّا بالنظر ، وقبله لا يجب عليّ امتثال الأمر ؛ فينقطع النبيّ ولا يبقى له جواب!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٤.

٤٣٥

وقال الفضل(١) :

جواب هذا قد مرّ في بحث النظر(٢)

وحاصله : إنّه لا يلزم الإفحام ؛ لأنّ المدعوّ ليس له أن يقول : إنّما يجب عليّ النظر في معجزتك بعد أن أعرف أنّك صادق ؛ بل النظر واجب عليه بحسب نفس الأمر.

ووجوب النظر لا يتوقّف على معرفته له ؛ للزوم الدور كما سبق ، فلا يلزم الإفحام.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٧٥.

(٢) انظر الصفحة ١٤٥ من هذا الجزء.

٤٣٦

وأقول :

قد سبق أنّ ارتفاع الإفحام إنّما يكون بعلم المدعوّ بالوجوب لا بمجرّد ثبوته واقعا ، كما ذكرناه موضّحا فراجع(١) .

* * *

__________________

(١) انظر الصفحتين ١٤٩ ـ ١٥٠ من هذا الجزء.

٤٣٧

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الثامن : لو كان الحسن والقبح شرعيّين لم تجب المعرفة ؛ لتوقّف معرفة الإيجاب على معرفة الموجب ، المتوقّفة على معرفة الإيجاب ، فيدور

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٤.

٤٣٨

وقال الفضل(١) :

جواب هذا أيضا قد مرّ في ما سبق(٢) ، وأنّ توقّف وجوب المعرفة على الإيجاب ممنوع.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٧٦.

(٢) انظر الصفحة ١٤٣ من هذا الجزء.

٤٣٩

وأقول :

قد مرّ فساد جوابه بما لا يخفى على ذي معرفة ، فراجع(١) .

* * *

__________________

(١) انظر الصفحة ١٤٨ ـ ١٥٠ من هذا الجزء.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456