دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140910 / تحميل: 5347
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( احكام الحج )

الحج من أهم الفرائض في الشريعة الاسلامية ، قال الله تعالى( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) وفي المروي عن الامام الصادقعليه‌السلام أنه قال : ( من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تُجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً ).

( مسألة 523 ) : يجب الحج على البالغ العاقل المستطيع ، وتتحقق الاستطاعة بتوفر الاُمور التالية :

1 ـ سلامة البدن ، بمعنى ان يكون متمكناً من مباشرة الحج بنفسه ، فالمريض أو الهرم ـ اي كبير السن ـ الذي لا يتمكن من أداء الحج إلى آخر عمره ، أو كانت مباشرته لأداء الحج موجبةً لوقوعه في حرج شديد لا يتحمل عادة لا يجب عليه الحج بنفسه.

2 ـ تخلية السرب : ويقصد بها ان يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً ، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى اماكن أداء المناسك ، وكذلك لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض والا لم يجب الحج.

وإذا كان طريق الحج مغلقاً أو غير مأمون الا لمن يدفع مبلغاً من المال فان كان بذله مُجحِفاً بحال الشخص لم يجب عليه ذلك والا وجب وان كان المبلغ معتداً به.

٢٢١

3 ـ النفقة ، ويقصد بها كل ما يحتاج اليه في سفر الحج من تكاليف الذهاب والاياب ـ أو الذهاب فقط لمن لا يريد الرجوع إلى بلده ـ وأجور المسكن وما يصرف خلال ذلك من المواد الغذائية والأدوية وغير ذلك.

4 ـ الرجوع إلى الكفاية ، وهو ان يتمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته بحيث لا يحتاج إلى التكفف ولا يقع في الشدة والحرج بسبب الخروج إلى الحج وصرف ما عنده من المال في سبيله.

5 ـ السعة في الوقت ، بان يكون له متسع من الوقت للسفر إلى الأماكن المقدسة واداء مناسك الحج فلو حصل له المال الكافي لأداء الحج في وقت متأخر لا يتسع لتهيئة متطلبات السفر إلى الحج ـ من تحصيل الجواز والتأشيرة ونحو ذلك ـ أو كان يمكن ذلك ولكن بحرج ومشقة شديدة لا تتحمل عادة ففي هذه الحالة لا يجب عليه الحج في هذا العام ، وعليه أن يحتفظ بماله لأداء الحج في عام لاحق إذا كان محرزاً تمكنه من ذلك من دون عوائق اخرى وكان التصرف فيه يخرجه عن الاستطاعة بحيث لا يتيسر له التدارك ، واما مع عدم احراز التمكن من الذهاب لاحقاً أو تيسر تدارك المال فلا بأس بصرفه وعدم التحفظ عليه.

( مسألة 524 ) : إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج ولكنه كان مديناً بدين مستوعب لما عنده من المال أو كالمستوعب بان لم يكن وافياً لنفقاته لو اقتطع منه مقدار الدين ـ لم يجب عليه الحج ، الا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً كخمسين سنة مثلاً.

( مسألة 525 ) : إذا وجب عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرها من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها ولم يجز له تأخيرها لأجل السفر إلى

٢٢٢

الحج ، ولو كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطوف من المال الذي تعلق به الخمس أو نحوه من الحقوق لم يصحا على الأحوط لزوماً ، ولو كان ثمن هدية من ذلك المال لم يجزئه إلاّ إذا كان الشراء بثمن في الذمة والوفاء من ذلك المال.

( مسألة 526 ) : تجب الاستنابة في الحج اي ارسال شخص للحج عن غيره في حالات ثلاث :

أ ـ إذا كان الشخص قادراً على تأمين نفقة الحج ولكنه كان في حال لا يمكنه معها فعل الحج لمرض ونحوه.

ب ـ إذا كان متمكناً من ادائه بنفسه فتسامح ولم يحج حتى ضعف عن الحج وعجز عنه بحيث لا يأمل التمكن منه لاحقاً.

ج ـ إذا كان متمكناً من أداء الحج ولم يحج حتى مات فيجب ان يستأجر من تركته من يحج عنه.

( مسألة 527 ) : الحج على ثلاثة أنواع : حج التمتع ، وحج الافراد ، وحج القران ، والأول هو وظيفة كل من كان محل سكناه يبعد عن مكة المكرمة اكثر من ثمانية وثمانين كيلومترا ، والآخران وظيفة من كان من اهل مكة أو من كانت المسافة بين محل سكناه ومكة اقل من المقدار المذكور كالمقيمين في جدة.

( مسألة 528 ) : يتألف حج التمتع من عبادتين الأولى ( العمرة ) والثانية ( الحج ) وتجب في عمرة التمتع خمسة أمور حسب الترتيب الآتي :

1 ـ الإحرام بالتلبية.

٢٢٣

2 ـ الطواف حول الكعبة المعظمة سبع مرات.

3 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

4 ـ السعي بين الصفا والمروة سبع مرات.

5 ـ التقصير بقص شيء من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب.

ويجب في حج التمتع ثلاثة عشر أمراً :

1 ـ الاحرام بالتلبية.

2 ـ الوقوف في عرفات يوم التاسع من ذي الحجة من زوال الشمس إلى غروبها.

3 ـ الوقوف في المزدلفة مقداراً من ليلة العيد إلى طلوع الشمس.

4 ـ رمي جمرة العقبة يوم العيد سبع حصيات.

5 ـ الذبح والنحر في يوم العيد أو فيما بعده إلى آخر أيام التشريق في منى.

6 ـ حلق شعر الرأس او التقصير في منى.

7 ـ الطواف بالبيت طواف الحج.

8 ـ صلاة الطواف خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام .

9 ـ الطواف بالبيت طواف النساء.

11 ـ صلاة طواف النساء.

12 ـ المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر.

٢٢٤

( مسألة 529 ) : يتألف حج الافراد من الامور الثلاثة عشر المذكور لحج التمتع باستثناء ( الذبح والنحر ) فانه ليس من اعماله ، كما يشترك حج القرآن مع حج الافراد في جميع الأعمال باستثناء أن المكلف يصحب معه الهدي وقت احرامه لحج القران ، وبذلك يجب الهدي عليه ، والاحرام له كما يصح ان يكون بالتلبية يصح ان يكون بالإشعار والتقليد.

ثم ان من تكون وظيفته حج الافراد أو حج القران يجب عليه أداء العمرة المفردة ايضاً إذا تمكن منها بل إذا تمكن منها ولم يتمكن من الحج وجب عليه اداؤها ، وإذا تمكن منهما معاً في وقت واحد فالأحوط لزوماً تقديم الحج على العمرة المفردة.

وتشترك عمرة المفردة مع عمرة التمتع في الامور الخمسة المذكورة ويضاف اليها : الطواف بالبيت طواف النساء وصلاة هذا الطواف خلف مقام إبراهيم ويتخير الرجل فيها بين التقصير والحلق ولا يتعين عليه التقصير كما في عمرة التمتع.

( مسألة 530 ) : كل واحد من افعال العمرة والحج ـ باقسامهما المذكورة ـ عمل عبادي لا بد من ادائه تخضعاً لله تعالى ، ولها الكثير من الخصوصيات والاحكام مما تكفلت لبيانها رسالة ( مناسك الحج ) فعلى من يروم ادائها ان يتعلم احكامها بصورة وافية لئلا يخالف وظيفته فينقص أو يبطل حجّه أو عمرته.

٢٢٥

٢٢٦

( أحكام زكاة المال )

الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدّس بها ، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في غير واحد من الآيات الكريمة ، وهي احدى الخمس التي بني عليها الإسلام ، وقد ورد أن الصلاة لا تقبل من مانعها ، وإنَّ من منع قيراطاً من الزكاة فليمت ان شاء يهودياً أو نصرانياً ، وهي على قسمين : زكاة الأموال ، وزكاة الأبدان ( زكاة الفطرة ) وسيأتي بيان القسم الثاني بعد ذلك.

( مسألة 531 ) : تجب الزكاة في اربعة اشياء :

(1) في الأنعام : الغنم بقسميها المعز والضأن ، والإبل ، والبقر ومنه الجاموس.

(2) في النقدين : الذهب والفضة.

(3) في الغلاّت : الحنطة والشعير ، والتمر والزبيب.

(4) في مال التجارة على ـ الأحوط وجوباً ـ.

ويعتبر في وجوبها في الجميع أمران :

( الأوّل ) : الملكية الشخصية ، فلا تجب في الأوقاف العامة ، ولا في المال الذي أوصى بان يصرف في التعازي أو المساجد ، أو المدارس ونحوها.

( الثاني ) : ان لا يكون محبوساً عن مالكه شرعاً ، فلا تجب الزكاة في الوقف الخاص ، والمرهون وما تعلق به حق الغرماء ، وأما المنذور التصدق به فتجب فيه الزكاة ولكن يلزم اداؤها من مال آخر لكي لا ينافي الوفاء بالنذر.

٢٢٧

( زكاة الحيوان )

( مسألة 532 ) : يشترط في وجوب الزكاة في الأنعام أمور : فلا تجب بفقدان شيء منها :

(1) استقرار الملكية في مجموع الحول ، فلو خرجت عن ملك مالكها اثناء الحول لم تجب فيها الزكاة ، والمراد بالحول هنا مضي احد عشر شهراً والدخول في الشهر الثاني عشر ـ وان كان الحول الثاني يبدأ من بعد انتهائه ـ وابتداء السنة فيها من حين تملّكها وفي نتاجها من حين ولادتها.

(2) تمكّن المالك ، أو وليّه من التصرف فيها في تمام الحول ، فلو غصبت أو ضلت ، أو سرقت فترة يعتد بها عرفاً لم تجب الزكاة فيها.

(3) السوم ، فلو كانت معلوفة ـ ولو في بعض السنة ـ لم تجب فيها الزكاة ، نعم لا يقدح في صدق السوم علفها قليلاً ، والعبرة فيه بالصدق العرفي ، وتحسب مدة رضاع النتاج من الحول وان لم تكن امهاتها سائمة.

(4) بلوغها حد النصاب ، وسيأتي بيانه.

( مسألة 533 ) : صدق السائمة على ما رعت من الأرض المستأجرة ، او المشتراة للرعي محل اشكال ، فثبوت الزكاة فيها مبني على ـ الاحتياط اللزومي ـ.

( مسألة 534 ) : لا يشترط في وجوب الزكاة في البقر والإبل زائداً على كونها سائمة ان لا تكون عوامل على ـ الأحوط لزوماً ـ فلو استعملت في

٢٢٨

السقي ، أو الحرث ، أو الحمل ، أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط باخراج زكاتها ، وإذا كان استعمالها من القلة بحد يصدق عليها انها فارغة ـ وليست بعوامل ـ وجبت فيها الزكاة بلا اشكال.

( مسألة 535 ) : في الغنم خمسة نصب :

(1) اربعون ، وفيها شاة.

(2) مائة واحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

(3) مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) ثلاثمائة وواحدة ، وفيها اربع شياه.

(5) اربعمائة فصاعداً ففي كل مائة شاة ، وما بين النصابين في حكم النصاب السابق ـ والأحوط لزوماً ـ في الشاة المخرجة زكاة ان تكون داخلة في السنة الثالثة ان كانت معزاً ، وان تكون داخلة في السنة الثانية ان كانت ضأناً.

( مسألة 536 ) : في الإبل اثنا عشر نصاباً :

(1) خمس ، وفيها شاة.

(2) عشرة ، وفيها شاتان.

(3) خمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه.

(4) عشرون ، وفيها اربع شياه.

(5) خمس وعشرون ، وفيها خمس شياه.

(6) ست وعشرون ، وفيها بنت مخاض ، وهي الداخلة في السنة الثانية.

(7) ست وثلاثون ، وفيها بنت لبون ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

٢٢٩

(8) ست واربعون ، وفيها حقة ، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

(9) احدى وستون ، وفيها جذعة ، وهي التي دخلت في السنة الخامسة.

(10) ست وسبعون ، وفيها بنتا لبون.

(11) احدى وتسعون وفيها حقتان.

(12) مائة واحدى وعشرون فصاعداً ، وفيها حقة لكل خمسين ، وبنت لبون لكل اربعين ، بمعنى انه يتعين عدها بالأربعين اذا كان عادَّاً لها بحيث اذا حسبت به لم تكن زيادة ولا نقيصة ، كما اذا كانت مائة وستين رأساً ، ويتعين عدها بالخمسين اذا كان عاداً لها ـ بالمعنى المتقدم ـ كما اذا كانت مائة وخمسين رأساً ، وان كان كل من الأربعين والخمسين عاداً كما اذا كانت مأتي رأس تخير المالك في العدّ بأيّ منهما ، وان كانا معاً عادين لها وجب العد بهما كذلك كما اذا كانت مأتين وستين رأساً فيحسب خمسينين واربع اربعينات.

( مسألة 537 ) : في البقر نصابان :

(1) ثلاثون ، وزكاتها ما دخل منها في السنة الثانية ـ والأحوط لزوماً ـ ان يكون ذكراً.

(2) اربعون ، وزكاتها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة ، وفي ما زاد على اربعين يعد بثلاثين أو أربعين على التفصيل المتقدم ، وما بين النصابين في البقر والإبل في حكم النصاب السابق كما تقدم في الغنم.

( مسألة 538 ) : اذا تولى المالك اخراج زكاة ماله لم يجز له اخراج المريض زكاة اذا كان جميع النصاب في الانعام صحاحاً ، كما لا يجوز له

٢٣٠

اخراج المعيب اذا كان النصاب باجمعه سليماً ، وكذلك لا يجوز له اخراج الهرم اذا كان كان الجميع شباباً ، بل الأمر كذلك مع الاختلاف على ـ الأحوط لزوماً ـ نعم إذا كان جميع افراد النصاب مريضاً ، أو معيباً أو هرماً جاز له الإخراج منها.

( مسألة 539 ) : اذا ملك من الأنعام بمقدار النصاب ثم ملك مقداراً آخر بنتاج او شراء او غير ذلك ، ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون ملكه الجديد بعد تمام الحول لما ملّكه أولاً ، ففي هذه الصورة يبتدئ الحول للمجموع ، مثلاً إذا كان عنده من الابل خمس وعشرون ، وبعد انتهاء الحول ملك واحدة فحينئذٍ يبتدئ الحول لست وعشرين.

( الثانية ) : ان يكون ملكه الجديد اثناء الحول ، وكان هو بنفسه بمقدار النصاب ، ففي هذه الصورة لا ينضم الجديد إلى الملك الأوّل ، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده ـ وان كان الملك الجديد مكملاً للنصاب اللاحق على الأحوط لزوماً ـ ، فإذا كان عنده خمس من الابل فملك خمساً اخرى بعد مضي ستة اشهر ، لزم عليه اخراج شاة عند تمام السنة الأولى ، واخراج شاة اخرى عند تمام السنة من حين تملكه الخمس الاُخرى ، واذا كان عنده عشرون من الابل وملك ستة في اثناء حولها فالأحوط لزوماً ان يعتبر للعشرين حولاً وللستة حولاً آخر ويدفع على رأس كل حول فريضته.

( الثالثة ) : ان يكون ملكه الجديد مكملا للنصاب اللاحق ولا يعتبر نصاباً مستقلاً ، ففي هذه الصورة يجب اخراج الزكاة للنصاب الأوّل عند انتهاء سنته ، وبعده يضم الجديد الى السابق ، ويعتبر لهما حولا واحداً ، فاذا ملك ثلاثين من البقر ، وفي اثناء الحول ملك احد عشر رأساً من البقر

٢٣١

وجب عليه ـ بعد انتهاء الحول ـ اخراج الزكاة للثلاثين ويبتدئ الحول للاربعين.

( الرابعة ) : ان لا يكون ملكه الجديد نصاباً مستقلاً ولا مكملاً للنصاب اللاحق ، ففي هذه الصورة لا يجب عليه شيء لملكه الجديد ، وان كان هو بنفسه نصاباً لو فرض انه لم يكن مالكاً للنصاب السابق ، فاذا ملك اربعين رأساً من الغنم ثم ملك اثناء الحول اربعين غيرها لم يجب شيء في ملكه ثانياً ما لم يصل إلى النصاب الثاني.

( مسألة 540 ) : إذا كان مالكاً للنصاب لا أزيد ـ كاربعين شاة مثلاً ـ فحال عليه ، احوال فان اخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت لعدم نقصانه حينئذٍ عن النصاب ، وان اخرجها منه أو لم يخرجها اصلاً لم تجب الا زكاة سنة واحدة ، ولو كان عنده ازيد من النصاب ـ كأن كان عنده خمسون شاة ـ وحال عليه احوال لم يؤد زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين الى ان ينقص عن النصاب.

( مسألة 541 ) : لا يجب اخراج الزكاة من شخص الأنعام التي تعلقت الزكاة بها ، فلو ملك من الغنم اربعين جاز له ان يعطي شاة من غيرها زكاة.

٢٣٢

( زكاة النقدين )

يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة أمور :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا تجب الزكاة في النقدين من اموال الصبي والمجنون.

( الثاني ) : بلوغ النصاب ، ولكل منهما نصابان ، ولا زكاة فيما لم يبلغ النصاب الأوّل منهما ، وما بين النصابين بحكم النصاب السابق ، فنصابا الذهب : خمسة عشر مثقالاً صيرفياً ، ثم ثلاثة فثلاثة ، ونصابا الفضة : مائة وخمسة مثاقيل ، ثم واحد وعشرون ، فواحد وعشرون مثقالاً وهكذا ، والمقدار الواجب اخراجه في كل منهما ربع العشر ( 2.5%).

( الثالث ) : ان يكونا من المسكوكات النقدية التي يتداول التعامل بها سواء في ذلك السكة الاسلامية وغيرها ، فلا تجب الزكاة في سبائك الذهب والفضة ، والحلي المتخذة منهما ، وفي غير ذلك مما لا يكون مسكوكاً او يكون من المسكوكات القديمة الخارجة عن رواج المعاملة.

وبذلك يعلم انه لا موضوع لزكاة الذهب والفضة في العصر الحاضر الذي لا يتداول فيه التعامل بالعملات النقدية الذهبية والفضية.

( الرابع ) : مضي الحول ، بان يبقى في ملك مالكه واجداً للشروط تمام الحول ، فلو خرج عن ملكه اثناء الحول ، أو نقص عن النصاب ، او الغيت سكته ـ ولو بجعله سبيكة ـ لم تجب الزكاة فيه ، نعم لو ابدل الذهب

٢٣٣

المسكوك بمثله ، أو بالفضة المسكوكة ، أو ابدل الفضة المسكوكة بمثلها ، أو بالذهب المسكوك كلاً أو بعضاً بقصد الفرار من الزكاة وبقي واجداً لسائر الشرائط الى تمام الحول فلا يترك الاحتياط باخراج زكاته حينئذٍ ، ويتم الحول بمضي احد عشر شهراً ، ودخول الشهر الثاني عشر.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول ، فلا تجب الزكاة في المغصوب والمسروق ، والمال الضائع فترة يعتد بها عرفاً.

٢٣٤

( زكاة الغلات الأربع )

يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات الأربع أمران :

( الأوّل : بلوغ النصاب ) ولها نصاب واحد وهو ثلاثمائة صاع ، وهذا يقارب ـ فيما قيل ـ ثمانمائة وسبعة واربعين كيلو غراماً(1) ، ولا تجب الزكاة في ما لم يبلغ النصاب ، فاذا بلغه وجبت فيه وفي ما يزيد عليه ، وان كان الزائد قليلاً.

( الثاني : الملكية حال تعلق الزكاة بها ) فلا زكاة فيها اذا تملكها الانسان بعد تعلق الزكاة بها.

( مسألة 542 ) : تتعلق الزكاة بالغلات حينما يصدق عليها اسم الحنطة

__________________

(1) ان نصاب الغلات قد حدد في النصوص الشرعية بالمكاييل التي كانت متداولة في العصور السابقة ولا تعرف مقاديرها اليوم بحسب المكاييل السائدة في هذا العصر ، كما لا يمكن تطبيق الكيل على الوزن بضابط عام يطرد في جميع انواع الغلات لانها تختلف خفة وثقلاً بحسب طبيعتها ولعوامل اُخرى ، فالشعير اخف وزناً من الحنطة بكثير كما ان ما يستوعبه المكيال من التمر غير المكبوس أقل وزناً مما يستوعبه من الحنطة لاختلاف افرادهما في الحجم والشكل مما تجعل الخلل والفُرَج الواقعة بين أفراد التمر ازيد منها بين افراد الحنطة ، بل ان نفس افراد النوع الواحد تختلف في الوزن بحسب اختلافها في الصنف وفي نسبة ما تحملها من الرطوبة ، ولذلك لا سبيل إلى تحديد النصاب بوزن موحد لجميع الانواع والاصناف ، ولكن الذي يسهل الأمر ان المكلف اذا لم يحرز بلوغ ما ملكه من الغلة حد النصاب لا يجب عليه اخراج الزكاة منه ومع كونه بالمقدار المذكور في المتن يقطع ببلوغه النصاب على جميع التقادير والمحتملات.

٢٣٥

أو الشعير ، أو التمر أو العنب ، إلاّ أن المناط في اعتبار النصاب بلوغها حده بعد يبسها ، حين تصفية الحنطة والشعير من التبن ، واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب ، فاذا كانت الغلة حينما يصدق عليها احد هذه العناوين بحد النصاب ، ولكنها لا تبلغه حينذاك لجفافها لم تجب الزكاة فيها.

( مسألة 543 ) : لا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بُسراً ( خلالاً ) أو رطباً وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمراً ، وأمّا ما يؤكل ويصرف من ثمر الكرم عنباً فيجب إخراج زكاته لو كان بحيث لو بقي وصار زبيباً لبلغ حد النصاب.

( مسألة 544 ) : لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلاّ مرة واحدة ، فاذا ادى زكاتها لم تجب في السنة الثانية ، ولا يشترط فيها الحول المعتبر في النقدين والأنعام.

( مسألة 545 ) : يختلف مقدار الزكاة في الغلات باختلاف الصور الآتية :

( الأولى ) : ان يكون سقيها بالمطر ، أو بماء النهر ، أو بمصّ عروقها الماء من الأرض ونحو ذلك مما لا يحتاج السقي فيه إلى العلاج ، ففي هذه الصورة يجب اخراج عشرها ( 10% ) زكاة.

( الثانية ) : ان يكون سقيها بالدلو والرشا ، والدوالي والمضخات ونحو ذلك ، ففي هذه الصورة يجب اخراج نصف العشر ( 5% ).

( الثالثة ) : ان يكون سقيها بالمطر أو نحوه تارة ، وبالدلو أو نحوه تارة اُخرى ، ولكن كان الغالب احدهما بحد يصدق عرفاً انه سقي به ، ولا يعتد بالآخر ، ففي هذه الصورة يجري عليه حكم الغالب.

٢٣٦

( الرابعة ) : ان يكون سقيها بالأمرين على نحو الاشتراك ، بان لا يزيد احدهما على الآخر ، أو كانت الزيادة على نحو لا يسقط بها الآخر عن الاعتبار ، ففي هذه الصورة يجب اخراج ثلاثة ارباع العشر ( 7.5% ).

( مسألة 546 ) : المدار في التفصيل المتقدم في الثمرة عليها لا على شجرتها ، فاذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء مثلا فلما بلغ اوان اثمارها صار يمص ماء النزيز بعروقه وجب فيه العشر 10%.

( مسألة 547 ) : إذا زرع الأرض حنطة ـ مثلاً ـ وسقاها بالمضخات أو نحوها ، فتسرّب الماء إلى ارض مجاورة فزرعها شعيراً فمصّ الماء بعروقه ولم يحتج الى سقي آخر فمقدار الزكاة في الزرع الأوّل 5% وفي الزرع الثاني 10% على ـ الأحوط لزوماً ـ ومثل ذلك ما إذا زرع الأرض وسقاها بعلاج ثم حصده وزرع مكانه شعيراً مثلا فمصّ الماء المتخلف في الأرض ولم يحتج الى سقي جديد فان ـ الأحوط لزوماً ـ ثبوت الزكاة فيه بنسبة 10%.

( مسألة 548 ) : لا يعتبر في بلوغ الغلات حدّ النصاب استثناء ما صرفه المالك في المؤن قبل تعلق الزكاة وبعده ، فلو كان الحاصل يبلغ حد النصاب ولكنه إذا وضعت المؤن لم يبلغه وجبت الزكاة فيه ، بل الأحوط لزوماً إخراج الزكاة من مجموع الحاصل من دون وضع المؤن ، نعم ما تأخذه الحكومة من اعيان الغلات لا تجب زكاته على المالك.

( مسألة 549 ) : اذا تعلقت الزكاة بالغلات لا يتعين على المالك تحمل مؤونتها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء ، فان له المخرج عن ذلك بان يسلمها الى مستحقها ، أو الحاكم الشرعي وهي على الساق ، أو على الشجر ثم يشترك معه في المؤن.

( مسألة 550 ) : لا يعتبر في وجوب الزكاة أن تكون الغلة في مكان

٢٣٧

واحد ، فلو كان له نخيل أو زرع في بلد لم يبلغ حاصله حد النصاب ، وكان له مثل ذلك في بلد آخر ، وبلغ مجموع الحاصلين في سنة حد النصاب وجبت الزكاة فيه.

( مسألة 551 ) : إذا ملك شيئاً من الغلات وتعلقت به الزكاة ثم مات وجب على الورثة إخراجها ، وإذا مات قبل تعلقها به انتقل المال باجمعه الى الورثة ، فمن بلغ نصيبه حد النصاب ـ حين تعلق الزكاة به ـ وجبت عليه ، ومن لم يبلغ نصيبه حده لم تجب عليه.

( مسألة 552 ) : من ملك نوعين من غلة واحدة كالحنطة الجيدة والرديئة ، جاز له اخراج الزكاة منهما مراعياً للنسبة ، ولا يجوز اخراج تمامها من القسم الرديء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 553 ) : إذا اشترك اثنان أو أكثر في غلة ـ كما في المزارعة وغيرها ـ لم يكف في وجوب الزكاة بلوغ مجموع الحاصل حد النصاب ، بل يختص الوجوب بمن بلغ نصيبه حده.

٢٣٨

( زكاة مال التجارة )

وهو المال الذي يتملكه الشخص بعقد المعاوضة قاصداً به الاكتساب والاسترباح ، فيجب ـ على الأحوط ـ أداء زكاته ، وهي ربع العشر ( 2.5% ) مع استجماع الشرائط التالية :

( الأوّل ) : كمال المالك بالبلوغ والعقل.

( الثاني ) : بلوغ المال حد النصاب وهو نصاب احد النقدين المتقدم في ص (233).

( الثالث ) : مُضيِّ الحول عليه بعينه من حين قصد الاسترباح.

( الرابع ) : بقاء قصد الاسترباح طول الحول ، فلو عدل عنه ونوى به القنية ، أو الصرف في المؤونة مثلاً في الأثناء لم تجب فيه الزكاة.

( الخامس ) : تمكن المالك من التصرف فيه في تمام الحول.

( السادس ) : ان يطلب برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول ، فلو طلب بنقيصة اثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

٢٣٩

( من أحكام الزكاة )

يجب قصد القربة في أداء الزكاة حين تسليمها الى المستحق ، أو الحاكم الشرعي ، أو العامل المنصوب من قبله ، أو الوكيل في ايصالها الى المستحق ـ والأحوط استحباباً ـ استمرار النية حتى يوصلها الوكيل ، وان ادى قاصداً به الزكاة من دون قصد القربة فالأظهر تعيّنه واجزاؤه وإن أثم ، والأولى تسليم الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليصرفها في مصارفها.

( مسألة 554 ) : لا يجب اخراج الزكاة من عين ما تعلقت به فيجوز اعطاء قيمتها من النقود ، دون غيرها على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 555 ) : من كان له على الفقير دين جاز له ان يحتسبه زكاة ، سواء في ذلك موت المديون وحياته ، نعم يعتبر في المديون الميت ان لا تفي تركته باداء دينه ، أو يمتنع الورثة عن ادائه ، او يتعذر استيفاؤه لسبب آخر.

( مسألة 556 ) : يجوز اعطاء الفقير الزكاة من دون إعلامه بالحال.

( مسألة 557 ) : إذا أدى الزكاة الى من يعتقد كونه مصرفاً لها ثم انكشف خلافه استردها إذا كانت عينها باقية ، وكان له استرداد بدلها إذا تلفت العين وقد علم الآخذ ان ما اخذه زكاة ، وأما إذا لم يكن الآخذ عالماً بذلك فلا ضمان عليه ، ويجب على المالك حينئذٍ وعند عدم امكان الاسترداد في الصورة الأولى اخراج بدلها ، نعم اذا كان أداؤه بعد الفحص

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )(٢) ، كما نصّ عليه في كتابه ، ولا خالق سواه

ويعاقب الناس على كسبهم ومباشرتهم الذنوب والمعاصي ، ويلوم العباد بالكسب الذميم ، وهو يخلق الأشياء ، والله يخلق الإعراض ، ولكنّ العبد مباشر للإعراض فهو معرض ، والمعرض من يباشر الفعل لا من يخلق ، وكذا المنع(٣) .

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٢.

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٠٢ ، سورة الرعد ١٣ : ١٦ ، سورة الزمر ٣٩ : ٦٢ ، سورة غافر ٤٠ : ٦٢.

(٣) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦٩ ـ ٩١ ، تمهيد الأوائل : ٣٤١ ـ ٣٤٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٦ ـ ٩٣ ، المسائل الخمسون : ٥٩ ـ ٦١ ، شرح العقائد النسفية : ١٣٥ ـ ١٣٩.

٣٤١

وأقول :

لا يخفى أنّ قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) وارد في مقامين من الكتاب المجيد

الأوّل : قوله تعالى في سورة الأنعام : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ )(١) .

وهو ظاهر في غير أفعال العباد ؛ لأنّه سبحانه قد جعل الأمر بعبادته واستحقاقه لها فرعا عن وحدانيّته وخلقه للكائنات.

ومن الواضح أنّ تفريع الأمر بالعبادة على خلق الكائنات إنّما يتمّ إذا كانت العبادة فعلا للعبد ، إذ لا معنى لقولنا : لا إله إلّا هو خالق عبادتكم وغيرها فاعبدوه.

الثاني : قوله تعالى في سورة الرعد : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ )(٢) .

وقد استدلّ المجبّرة بهذه الآية على مذهبهم من حيث اشتمالها على العموم ، وعلى إنكار من يخلق كخلقه(٣) .

وأجيب بأنّ الآية وردت حجّة على الكفّار ، فلو أريد بها العموم

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١٠٢.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ١٦.

(٣) تمهيد الأوائل : ٣٤٥ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ ، تفسير الفخر الرازي ١٩ / ٣٨.

٣٤٢

لأفعال العباد لانقلبت الحجّة بها للكفّار ؛ لأنّه إذا كان هو الخالق لشركهم لمّا صلح الإنكار عليهم به ، وكان لهم أن يقولوا : إذا كنت قد فعلت ذلك بنا فلم تنكر علينا بفعل فعلته فينا ونحن لا أثر لنا فيه أصلا؟!

مضافا إلى أنّ المراد الإنكار عليهم في جعل آلهة لا يمكن الاشتباه بإلهيّتهم ، إذ لم يجعلوا لله تعالى شركاء لهم خلق يشبه خلقه حتّى يحصل به الالتباس في الإلهية.

وهذا إنّما يراد به المخلوقات المناسبة للإلهية كالسماوات والأرض والأجسام والأعراض ، فيكون عموم قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) إنّما هو بالنسبة إلى تلك المخلوقات ، لا مثل الشرك والإلحاد والظلم والفساد ونحوها ، ممّا يصدر من البشر ويتنزّه عنه خالق العجائب وعظام الأمور وبديع السماوات والأرضين.

ولو أعرضنا عن ذلك كلّه فالعموم مخصّص بالأدلّة العقلية والنقلية ، الكتابية وغيرها ، الدالّة على إنّ العباد هم الفاعلون لأفعالهم ، كما ستعرف إن شاء الله.

وأمّا قوله : « ويعاقب الناس على كسبهم ومباشرتهم الذنوب ».

ففيه : إنّ الكسب إن كان من فعلهم فقد خرج عن مذهبه ، وإن كان من فعل الله تعالى فالإشكال بحاله ؛ إذ كيف يعاقبهم على فعله؟!

وأمّا قوله : « والمعرض من يباشر الإعراض لا من يخلق ».

ففيه : إنّ المصنّف لم يدّع صدق المعرض على الله تعالى بناء على مذهبهم حتّى يجيبه بذلك ، بل يقول في تقرير مذهبهم : إنّه سبحانه يخلق الإعراض في الناس ، وينكر على المعرض أي المحلّ الذي يخلق فيه الإعراض ، كما هو مراد الخصم بمباشر الإعراض.

٣٤٣

وبالضرورة أنّ الإنكار على المحلّ الذي لا أثر له بوجه أصلا جزاف لا يرتضيه العقل ، وإنّما حقّ الإنكار أن يقع على الفاعل المؤثّر.

ومثله الكلام في قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا )(١) ؛ إذ كيف ينكر عليهم وهو الذي منعهم؟!

* * *

__________________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ٩٤.

٣٤٤

قال المصنّف ـ عطّر الله ثراه ـ(١) :

وقالت الإمامية : إنّ الله تعالى لم يفعل شيئا عبثا ، بل إنّما يفعل لغرض ومصلحة ، وإنّما يمرض لمصالح العباد ، ويعوّض الثواب ، بحيث ينتفي العبث والظلم(٢) .

وقالت الأشاعرة : لا يجوز أن يفعل الله تعالى شيئا لغرض من الأغراض ، ولا لمصلحة ، ويؤلم العبد بغير مصلحة ولا غرض(٣) .

بل يجوز أن يخلق خلقا في النار مخلّدين فيها من غير أن يكونوا قد عصوا أو لا(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٤.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ ـ ٥٨ رقم ٢٦ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٨ وما بعدها ، تقريب المعارف : ١١٤ وما بعدها ، قواعد المرام في علم الكلام : ١١٠ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٨.

(٣) الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١١٥ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٦ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢٨ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، المواقف : ٣٣١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

(٤) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ١١٥ ـ ١١٧ ، تمهيد الأوائل : ٣٨٢ ـ ٣٨٦ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٣٤.

٣٤٥

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ أفعال الله تعالى ليست معلّلة بالأغراض.

وقالوا : لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض(٢) ـ كما سيجيء بعد هذا ـ ، ووافقهم في ذلك جماهير الحكماء والإلهيّين.

وهو يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، إن أراد تخليد عباده في النار فهو المطاع والحاكم ، ولا تأثير للعصيان في أفعاله ، بل هو المؤثّر المطلق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٤.

(٢) المسائل الخمسون : ٦٢ المسألة ٣٧ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، طوالع الأنوار : ٢٠٣ المسألة ٥ ، المواقف : ٣٣١ المقصد ٨ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

٣٤٦

وأقول :

ليس في كلامه إلّا ما يتضمّن تصديق المصنّف بما حكاه عنهم والالتزام بنسبتهم إلى العدل الرحمن ما لا يرضى بنسبته إليه ذو وجدان ، فإنّهم إذا أجازوا عليه سبحانه إيلام عبيده بلا غرض ولا مصلحة ، وتخليد عباده بالنار بلا غرض ولا غاية ، فقد أجازوا أن يكون من العابثين وأظلم الظالمين.

وليت شعري ما الذي حسّن لهم تلك المقالات الجائرة الفاجرة في حقّ خالقهم تبعا لإنسان خطأه أكثر من صوابه؟!

وما زعمه من موافقة الفلاسفة محلّ نظر ؛ إذ لا يبعد أنّ الفلاسفة إنّما ينفون الغرض الذي به الاستكمال دون كلّيّ الغرض(١) ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) انظر مثلا : تهافت التهافت : ٤٩١ ، شرح التجريد : ٤٤٣.

٣٤٧

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وقالت الإمامية : لا يحسن في حكمة الله تعالى أن يظهر المعجزات على يد الكذّابين ، ولا يصدّق المبطلين ، ولا يرسل السفهاء والفسّاق والعصاة(٢) .

وقالت الأشاعرة : يحسن كلّ ذلك(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٤.

(٢) النكت الاعتقادية : ٣٧ ، تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ١٧ ـ ١٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥.

(٣) مقالات الإسلاميّين : ٢٢٦ ، المواقف : ٣٤١ و ٣٥٨ ـ ٣٦٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٣٨ ، شرح المواقف ٨ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩ و ٢٦٥ و ٢٨١.

٣٤٨

وقال الفضل(١) :

لا حسن ولا قبح بالعقل عند الأشاعرة ، بل جرى عادة الله تعالى بعدم إظهار المعجزة على يد الكذّابين ، لا لقبحه في العقل ، وهو يرسل الرسل ، وهم الصادقون.

ولو شاء الله أن يبعث من يريد من خلقه ، فهو الحاكم في خلقه ، ولا يجب عليه شيء ، ولا شيء منه قبيح ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٦.

٣٤٩

وأقول :

لا يخفى أنّ تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب ـ عقلا ـ مناف لما يذكرونه عند الكلام في عصمة الأنبياء ، من دلالة المعجزة عقلا على عصمتهم عن الكذب ، في دعوى الرسالة وما يبلّغونه عن الله تعالى.

ولكن إذا كان الكلام تبعا للهوى ومبنيّا على شفا جرف هار ، يجوز الاختلاف فيه بمثل ذلك.

وأمّا دعوى جريان العادة بعدم إظهار المعجزة على يد الكاذب ، فمحتاجة إلى دعوى علم الغيب ممّن لم يقبح عقله إظهار المعجزة على يد الكاذب ، فإنّه لم يعرف كلّ كاذب ، ولم يطّلع على أحوالهم ، فلعلّ بعض من يعتقد نبوّته لظهور المعجزة على يده كان كاذبا ، ولا يمكن العلم بعدم المعجزة لكلّ كاذب من إخبار نبيّنا ٦ ـ إذ لعلّه لم يكن نبيّا ـ وإن تواتر ظهور المعجزات على يده ، على إنّه لم يثبت عنه ذلك الإخبار.

ولو ثبت مع نبوّته فخبره لا يفيد العلم ، لتجويز الأشاعرة الكذب في مثل ذلك على الأنبياء سهوا ، بل عمدا(١) ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وأمّا تجويزهم أن يرسل الله السفهاء والفسّاق ، فأفظع من ذلك ، وسيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٢٨٤ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٣٢٠.

٣٥٠

قال المصنّف ـ أعلى الله منزلته ـ(١) :

وقالت الإمامية : إنّ الله سبحانه لم يكلّف أحدا فوق طاقته(٢) .

وقالت الأشاعرة : لم يكلّف الله أحدا إلّا فوق طاقته ، وما لا يتمكّن من تركه وفعله ، ولامهم على ترك ما لم يعطهم القدرة على فعله.

وجوّزوا أن يكلّف الله مقطوع اليد الكتابة ، ومن لا مال له الزكاة ، ومن لا يقدر على المشي للزمانة الطيران إلى السماء ، وأن يكلّف العاطل الزمن المفلوج خلق الأجسام ، وأن يجعل القديم محدثا والمحدث قديما.

وجوّزوا أن يرسل رسولا إلى عباده بالمعجزات ليأمرهم بأن يجعلوا الجسم الأسود أبيض دفعة واحدة ، ويأمرهم بالكتابة الحسنة ، ولا يخلق لهم الأيدي والآلات ، وأن يكتبوا في الهواء بغير دواة ولا مداد ولا قلم ولا يد ما يقرأه كلّ أحد(٣) .

وقالت الإمامية : ربّنا أعدل وأحكم من ذلك(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٥.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ رقم ٢٦ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٠٠ ، شرح جمل العلم والعمل : ٩٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٣) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٩٨ ـ ١٠٠ و ١١٢ ، تمهيد الأوائل : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ و ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٠.

(٤) النكت الاعتقادية : ٣٢ ، أوائل المقالات : ٥٦ ـ ٥٧ رقم ٢٤ و ٢٦.

٣٥١

وقال الفضل(١) :

تكليف ما لا يطاق جائز عند الأشاعرة ؛ لأنّه لا يجب على الله شيء ، ولا يقبح منه فعل ، إذ يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ومنعه المعتزلة لقبحه عقلا(٢) .

والحال : إنّه لا بدّ لهم أن يقولوا به ، فإنّ الله أخبرهم بعدم إيمان أبي لهب وكلّفه الإيمان ، فهذا تكليف ما لا يطاق ؛ لأنّ إيمانه محال وفوق طاقته ؛ لأنّه إن آمن لزم الكذب في خبر الله تعالى ، وهو محال اتّفاقا.

وهذا شيء يلزم المعتزلة القول بتكليف ما لا يطاق.

ثمّ ما لا يطاق على مراتب : أوسطها ما لا يتعلّق به القدرة الحادثة عادة ، سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومة كخلق الأجسام أم لا ، بأن يكون من جنس ما يتعلّق به ، كحمل الجبل ، والطيران إلى السماء ، والأمثلة التي ذكرها الرجل الطامّاتي فهذا شيء يجوّزه الأشاعرة ، وإن لم يقع بالاستقراء ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(٣) .

وقد عرّفناك معنى هذا التجويز في ما سبق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٨٧.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٣ و ٢٩٥ ، المواقف : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٩٤.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٥٢

وأقول :

لا أدري كيف يقع الكلام مع هؤلاء القوم؟! فإنّ النزاع ينقطع إذا بلغ إلى مقدّمات ضرورية ، وهؤلاء جعلوا نزاعهم في الضروريات!

ليت شعري إذا لم يحكم العقل بامتناع التكليف بما لا يطاق وجوّز أن ينهى الله العبد عن الفعل ، ويخلقه فيه اضطرارا ، ويعاقبه عليه ، فقل لي أيّ أمر يدركه العقل؟!

قيل : اجتمع النظّام والنجّار للمناظرة ، فقال له النجّار : لم يدفع أن يكلّف الله عباده ما لا يطيقون؟!

فسكت النظّام ، فقيل له : لم سكتّ؟!

قال : كنت أريد بمناظرته أن ألزمه القول بتكليف ما لا يطاق ، فإذا التزمه ولم يستح فبم ألزمه؟!(١) .

وجلّ مسائل هذا الكتاب من هذا الباب كما رأيت وترى إن شاء الله تعالى.

وكفاك إنكارهم أن يجب على الله شيء ، فإنّه إذا لم يجب عليه شيء بعدله وحكمته ورحمته ، فأيّ إله يكون؟! وكيف يكون حال الدنيا والآخرة؟!

ومثله تجويز أن يفعل ما يشاء ممّا لا غرض فيه ولا غاية ولا حكمة ولا عدل ، كتكليف ما لا يطاق ؛ تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) انظر مضمونه في : شرح الأصول الخمسة : ٤٠٠.

٣٥٣

وأمّا قوله : « والحال : إنّه لا بدّ لهم أن يقولوا به ، فإنّ الله أخبر بعدم إيمان أبي لهب »

فمدفوع بأنّه تعالى إنّما أخبر بأنّه سيصلى نارا ، وهو لا يستلزم الكفر ؛ لجواز تعذيب المسلم الفاسق

والأولى أن يقول : إنّ الله سبحانه أخبر نبيّه ٦ ، بقوله : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )(١) ونحوه في القرآن كثير ، ومع ذلك كلّف الناس جميعا بالإيمان ، وأخبر بصدور المعاصي من الناس وكلّفهم بالطاعة.

والجواب : إنّ الإخبار بعدم الإيمان مثلا لا يستوجب امتناعه ، بل غاية ما يقتضيه صدور ما أخبر به على ما هو عليه في نفسه من الإمكان ، والممكن مطاق في نفسه ، يصحّ التكليف به أو بخلافه ، وإن علم بعدم وقوعه من المكلّف لاختياره العدم.

فيكون صدق الخبر تابعا لوقوع المخبر به على ما هو عليه في نفسه لا العكس ، نظير تبعية العلم للمعلوم ، فإنّ علمه تعالى بالممكنات لا يجعل خلاف ما علمه ممتنعا ، بل هو تابع للمعلوم ؛ لأنّه عبارة عن انكشاف المعلوم على ما هو عليه.

ولو كان المعلوم تابعا للعلم لما صحّ التكليف أصلا ؛ لصيرورة كلّ مكلّف به ، إمّا واجبا حيث يعلم بوقوعه ، أو ممتنعا حيث يعلم بعدم وقوعه ، ولا يقوله عارف.

وأمّا ما ذكره من أنّ ما لا يطاق على مراتب ، أوسطها إلى قوله :

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

٣٥٤

« هذا شيء نجوّزه » فهو مشعر بأنّهم لا يجوّزون التكليف بالرتبة العليا ، وهي ما يمتنع لنفس مفهومه ، كالجمع بين الضدّين وإعدام الواجب.

والظاهر أنّه من باب تقليل الشناعة ، وإلّا فالمناط عندهم في جواز التكليف بالرتبة الوسطى والسفلى ، هو أنّه تعالى لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء ، وهو يقتضي صحّة التكليف بالرتبة العليا ـ كما ستعرفه وتعرف تمام الكلام فيه في المطلب الثامن ـ ، وكلام القوم في المقام مضطرب ؛ ولذا جعل الخصم أمثلة المصنّف من الوسطى ، والحال أنّ بعضها من العليا ، كجعل القديم محدثا.

ثمّ إنّ الخصم ذكر عدم وقوع التكليف بما لا يطاق بالاستقراء ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(١) ، وهو مناف لقوله سابقا بتكليف أبي لهب بالإيمان وأنّه فوق طاقته.

ومن المضحك وصفه للمصنّف رحمه الله تعالى بالطامّاتي ، والحال أنّ الطامّات هي أقوالهم ، وقد اعترف بها ، وليس للمصنّف إلّا النقل عنهم!

* * *

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٨٦.

٣٥٥

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

وقالت الإمامية : ما أضلّ الله أحدا من عباده عن الدين ، ولم يرسل رسولا إلّا بالحكمة والموعظة الحسنة(٢) .

وقالت الأشاعرة : قد أضلّ الله كثيرا من عباده عن الدين ، ولبّس عليهم ، وأغواهم ، وأنّه يجوز أن يرسل رسولا إلى قوم ولا يأمرهم إلّا بسبّه ومدح إبليس.

فيكون من سبّ الله تعالى ومدح الشيطان ، واعتقد التثليث والإلحاد وأنواع الشرك مستحقّا للثواب والتعظيم.

ويكون من مدح الله تعالى طول عمره ، وعبده بمقتضى أوامره ، وذمّ إبليس دائما ، في العقاب المخلّد واللعن المؤبّد.

وجوّزوا أن يكون في من سلف من الأنبياء ممّن لم يبلغنا خبره من لم تكن شريعته إلّا هذا(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٧٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن ميثم ـ ٥ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠ ، وانظر مؤدّى ذلك في : الذخيرة في علم الكلام : ٣٢٣ ، شرح جمل العلم والعمل : ١٦٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ١٢٤ ـ ١٢٥ ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٧٣ ، تجريد الاعتقاد : ٢٠٢ و ٢١١ و ٢١٢.

(٣) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، المواقف : ٣٢٠ ـ ٣٣٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢.

٣٥٦

وقال الفضل(١) :

مذهب الأشاعرة : إنّ الله خالق كلّ شيء ، ولا يجري في ملكه إلّا ما يشاء ، ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ، بل يقولون : هو الهادي وهو المضلّ ، كما نصّ عليه في كتابه المجيد : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ )(٢) ، وهو تعالى يرسل الرسل ويأمرهم بإرشاد الخلائق.

وما ذكره الرجل الطامّاتي من جواز إرسال الرسل بغير هذه الهداية ، فقد علمت معنى هذا التجويز ، وأنّ المراد من هذا التجويز نفي وجوب شيء عليه.

وهذه الطامّات المميلة لقلوب العوامّ لا تنفع ذلك الرجل ، وكلّ ما بثّه من الطامّات افتراء ، بل هم أهل السنّة والجماعة والهداية.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٢٩١.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٩٣ ، سورة فاطر ٣٥ : ٨.

٣٥٧

وأقول :

لا يخفى أنّ قوله : « لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء » من كلام أبي إسحاق الأسفراييني الشافعي(١) عندما دخل القاضي عبد الجبّار المعتزلي(٢) دار الصاحب بن عبّاد(٣) فرأى أبا إسحاق جالسا ، فقال : سبحان من تنزّه عن الفحشاء! ـ تعريضا بأبي إسحاق بأنّه من الأشاعرة الّذين ينسبون الفحشاء إلى الله تعالى ـ فقال أبو إسحاق : سبحان من لا يجري في ملكه إلّا ما يشاء(٤) .

__________________

(١) تقدّمت ترجمته في صفحة ٥٩ من هذا الجزء.

(٢) هو : أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبّار بن أحمد الهمداني المعتزلي ، أحد كبار متكلّمي المعتزلة ، ولد سنة ٣٥٩ ه‍ ، كان ينتحل مذهب الشافعية في الفروع ، وهو من كبار فقهائهم ، ولّي القضاء بالريّ ، وله تصانيف كثيرة منها : المغني في علم الكلام ، شرح الأصول الخمسة ، طبقات المعتزلة ، وغيرها ، توفّى بالريّ سنة ٤١٥ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد ١١ / ١١٣ ـ ١١٥ رقم ٥٨٠٦ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ رقم ١٥٠ ، لسان الميزان ٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧ رقم ١٥٣٩ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، هديّة العارفين ٥ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩.

(٣) هو : أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عبّاد بن العبّاس الطالقاني ، كان نادرة الدهر في فضائله ومكارمه وكرمه ، أخذ الأدب عن أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي ـ صاحب كتاب « المجمل في اللغة » ـ وكذا عن ابن العميد ، وغيرهما.

كان مولده سنة ٣٢٠ ه‍ بإصطخر ، وقيل بالطالقان ، وتوفّي ليلة الرابع والعشرين من صفر سنة ٣٨٥ ه‍ بالريّ ، ثمّ نقل إلى أصبهان ودفن هناك.

انظر : معجم الأدباء ٢ / ٢١٣ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٢٨ رقم ٩٦ ، سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥١١ رقم ٣٧٧ ، شذرات الذهب ٣ / ١١٣.

(٤) شرح المقاصد ٤ / ٢٧٥ ، شرح العقائد النسفية : ١٤٠ ـ ١٤١ ، تحفة المريد على جوهرة التوحيد : ٤٢.

٣٥٨

وحاصله : إنّ كلّ ما يجري في ملكه من أنواع الفواحش ، والفجور ، والكفر ، والإلحاد ، والكذب ، والظلم ، والغواية ، ونحوها ، إنّما هو بإساءته ومن فعله!

فيا ليت شعري كيف يصلح مع هذا الزعم أن يسبّحه وينزّهه؟!

وأمّا قوله : « ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ».

فهو تعريض بأهل العدل حيث ينسبون تلك الأفعال الشنيعة والأحوال الفظيعة إلى العباد ، وينزّهون الله سبحانه عنها.

ومن المعلوم أنّ ذلك لا يستدعي القول بالشركة ، فإنّهم إنّما يرون أنّه تعالى أقدرهم على أفعالهم بلا حاجة منه إليهم ، ففعلوها بتمكينه لهم ، فلا استقلال لهم حتّى يكونوا آلهة ، فكيف يشبهون المجوس؟! وإنّما الذي يشبههم من يقول بزيادة صفاته على ذاته ، وقدمها مثله ، وحاجته إليها في الخلق ، بحيث لولاها لما خلق شيئا فهي شريكته في الإلهية ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وأمّا ما استدلّ به من قوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ )(١) .

ففيه : إنّ استدلاله موقوف على أن يراد بالإضلال : خلق الضلال ، وبالهداية : خلق الهدى ؛ وهو ممنوع ؛ لجواز أن يراد بالإضلال : الخذلان والإضاعة ، وبالهداية : التوفيق ، كما قال ٧ : «تطاع بتوفيقك وتجحد بخذلانك »(٢) .

__________________

(١) سورة النحل ٦ : ٩٣ ، سورة فاطر ٣٥ : ٨.

(٢) إقبال الأعمال ١ / ٢٩٩ ب‍ ٢٠ دعاء الليلة ١٦ ، وفيه « تعبد » بدل « تطاع ».

٣٥٩

فإنّ الإنسان إذا اجتهد بفعل الخير كان محلّا للتوفيق ، وإذا أصرّ على الشرّ كان أهلا للخذلان ، وآل أمره إلى النفاق والكفر ، كما قال تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً )(١) وقال تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ )(٢) ، ولا قرينة على إنّ المراد بالإضلال والهداية في الآية ما ادّعاه ، بل القرينة على خلافه عقلا ونقلا

أمّا العقل : فلأنّ ذلك يستلزم إبطال الثواب والعقاب ، ونفي العدل ، وفائدة الرسل والكتب ، والأوامر والنواهي ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالى ـ ، ولأنّه لا يحسن لمن ينهى عن شيء أن يفعله ، ولذا قال شعيب : (ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ )(٣)

وقال الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم(٤)

وأمّا النقل : فقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى )(٥) ، ومن عليه الهدى كيف يتركه ويخلق الضلال؟!

وقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى )(٦) .

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٧٧.

(٢) سورة الروم ٣٠ : ١٠.

(٣) سورة هود ١١ : ٨٨.

(٤) البيت من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي ، مطلعها :

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم أعداء له وخصوم

انظر : ديوان أبي الأسود الدؤلي : ١٢٩ ـ ١٣٢ ، خزانة الأدب ٨ / ٥٦٨.

(٥) سورة الليل ٩٢ : ١٢.

(٦) سورة فصّلت ٤١ : ١٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456