دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق4%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140840 / تحميل: 5344
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المحسوسات أصل الاعتقادات

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

المسألة الأولى

في الإدراك

وفيه مباحث :

[ المبحث ] الأوّل

[ الإدراك أعرف الأشياء ]

لمّا كان الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها ـ على ما يأتي ـ وبه تعرف الأشياء ، وحصل فيه من مقالاتهم أشياء عجيبة غريبة ، وجب البدأة به ، فلهذا قدّمناه.

إعلم أنّ الله تعالى خلق النفس الإنسانية ـ في مبدأ الفطرة ـ خالية عن جميع العلوم بالضرورة ، وقابلة لها [ بالضرورة ] ، وذلك مشاهد في حال الأطفال.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٩ ـ ٤٠.

٤١

ثمّ إنّ الله تعالى خلق للنفس آلات بها يحصل الإدراك ، وهي القوى الحاسّة ، فيحسّ الطفل ـ في أوّل ولادته ـ بحسّ اللمس ما يدركه من الملموسات.

ويميّز بواسطة الإدراك البصري ـ على سبيل التدرّج ـ بين أبويه وغيرهما.

وكذا يتدرّج في الطعوم ، وباقي المحسوسات ، إلى إدراك ما يتعلّق بتلك الآلات.

ثمّ يزداد تفطّنه فيدرك بواسطة إحساسه بالأمور الجزئية ، الأمور الكلّيّة ، من المشاركة والمباينة(١) ، ويعقل الأمور الكلّيّة الضرورية بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية.

ثمّ إذا استكمل الاستدلال(٢) ، وتفطّن بمواضع الجدال ، أدرك بواسطة العلوم الضرورية ، العلوم الكسبية.

فقد ظهر من هذا أنّ العلوم الكسبيّة فرع على العلوم الضرورية الكلّيّة ، والعلوم الضرورية الكلّيّة فرع على المحسوسات الجزئية.

فالمحسوسات إذا : هي أصل الاعتقادات ، ولا يصحّ الفرع إلّا بعد

__________________

(١) المشاركة : هي معرفة الأشياء بأمثالها ؛ والمشترك : هو اللفظ الواحد الذي تعدّد معناه وقد وضع للجميع كلّا على حدة ، ككلمة « عين » الموضوعة لحاسّة النظر وينبوع الماء ومعدن الذهب وغيرها.

والمباينة : هي معرفة الأشياء بأضدادها ؛ والتباين : هو أن تكون معاني الألفاظ متكثّرة بتكثّر الألفاظ ، وإن كانت المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو كلّها ، مثل « السيف » و« الصارم » فإنّ الصارم خصوص القاطع من السيوف ، فهما متباينان معنى وإن كانا يلتقيان في الأفراد.

انظر : المنطق ١ / ٤١ و ٤٥.

(٢) كان في الأصل : « العلوم » ؛ وما أثبتناه من نهج الحقّ.

٤٢

صحّة أصله ، فالطعن في الأصل طعن في الفرع.

وجماعة الأشاعرة ـ الّذين هم اليوم كلّ الجمهور ، من : الحنفيّة ، والشافعيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة ـ إلّا اليسير من فقهاء ما وراء النهر(١) ، أنكروا قضايا محسوسة ـ على ما يأتي بيانه ـ فلزمهم إنكار المعقولات الكلّيّة ـ التي هي فرع المحسوسات ـ ويلزمهم إنكار الكسبيّات ؛ وذلك [ هو ] عين السفسطة.

* * *

__________________

(١) وهم أتباع المتكلّم الأصولي أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي الحنفي ، ولد ب‍ « ماتريد » أحد أحياء سمرقند ، وتوفّي بها سنة ٣٣٣ ه‍ ، له كتب ، منها : تأويلات أهل السنّة ، تأويلات القرآن ، بيان وهم المعتزلة ، الدرر في أصول الدين ، عقيدة الماتريدية ، شرح الفقه الأكبر المنسوب لأبي حنيفة.

انظر في ترجمته : الجواهر المضيّة ٣ / ٣٦٠ رقم ١٥٣٢ ، تاج التراجم : ٢٤٩ رقم ٢١٧ ، مفتاح السعادة ٢ / ١٣٣ ، كشف الظنون ١ / ٢٦٢ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٦٩٢ رقم ١٥٨٤٩ ، هديّة العارفين ٦ / ٣٦ ، الأعلام ـ للزركلي ـ ٧ / ١٩.

وبين هذه الفرقة وبين بقية الأشاعرة خلاف في عدّة مسائل كلامية.

انظر ذلك في : شرح العقائد النسفية : ١١٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٩ ، المطالب الوفية شرح العقيدة النسفية : ٨٠ و ٨٣ و ٩٦ و ٩٨.

٤٣

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ هذه المباحث ـ التي صدّر بها كتابه ـ كلّها ترجع إلى بحث الرؤية ، التي وقع فيها الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الإمامية وغيرهم ، وذلك في رؤية الله تعالى التي تجوّزها الأشاعرة ، وتنكرها المعتزلة ؛ كما ستراه واضحا إن شاء الله تعالى.

فجعل المسألة الأولى في الإدراك مع إرادة الرؤية ـ التي هي أخصّ من مطلق الإدراك ـ من باب إطلاق العامّ وإرادة الخاصّ ، بلا إرادة المجاز وقيام القرينة ؛ وهذا أوّل أغلاطه.

والدليل على إنّه أراد بهذا الإدراك ـ الذي عنون به المسألة ـ الرؤية :

أنّه قال : « لمّا كان الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها ـ على ما يأتي ـ [ وبه تعرف الأشياء ] ، وحصل فيه من مقالاتهم أشياء عجيبة غريبة ، وجب البدأة به ».

وإنّما ظهرت مقالاتهم العجيبة ـ على زعمه ـ في الرؤية ، لا في مطلق الإدراك ؛ كما ستعرف بعد هذا.

فإنّ الأشاعرة لا بحث لهم مع المعتزلة في مطلق الإدراك ، فثبت أنّه أطلق الإدراك وأراد به الرؤية ؛ وهو غلط ، إذ لا دلالة للعامّ على الخاصّ.

ثمّ إنّ قوله : « الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها وبه تعرف الأشياء » كلام غير محصّل المعنى ؛ لأنّه إن أراد أنّ الرؤية التي أراد من

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٧٨ ـ ٨١.

٤٤

الإدراك هي أعرف الأشياء في كونها محقّقة ثابتة ، فلا نسلّم الأعرفية ، فإنّ كثيرا من الأجسام والأعراض معروفة محقّقة الوجود مثل الرؤية.

وإن أراد أنّ الإحساس ـ الذي هو الرؤية ـ أعرف بالنسبة إلى باقي المحسوسات(١) ، ففيه :

إنّ كلّ حاسّة بالنسبة إلى متعلّقها ، حالها كذلك ، فمن أين حصل هذه الأعرفية للرؤية؟!

وبالجملة : هذا الكلام غير محصّل المعنى.

ثمّ قوله : « إنّ الله تعالى خلق النفس الإنسانية ـ في مبدأ الفطرة ـ خالية عن جميع العلوم بالضرورة. وقابلة لها [ بالضرورة ] ، وذلك مشاهد في حال الأطفال »

كلام باطل ، يعلم منه أنّه لم [ يكن ] يعرف شيئا من العلوم العقليّة ، فإنّ الأطفال لهم علوم ضروريّة كثيرة من المحسوسات البصريّة والسمعيّة والذوقيّة ، وكلّ هذه المحسوسات علوم حاصلة من الحسّ.

ولمّا لم يكن هذا الرجل من أهل العلوم العقليّة ، حسب أنّ مبدأ الفطرة الذي يذكره الحكماء ويقولون : « إنّ النفس في مبدأ الفطرة خالية عن العلوم » هو حال الطفوليّة ؛ وذلك باطل عند من يعرف أدنى شيء من الحكمة ، فإنّ الجنين ـ فضلا عن الطفل ـ له علوم كثيرة.

بل المراد من مبدأ الفطرة : ان تعلّق النفس بالبدن ، فالنفس في تلك الحال خالية عن جميع العلوم إلّا العلم بذاتها.

وهذا تحقيق ذكر في موضعه من الكتب الحكميّة ، ولا يناسب بسطه

__________________

(١) في إحقاق الحقّ : الإحساسات.

٤٥

في هذا المقام ، والغرض أنّه لم يكن من أهل المعقولات حتّى يظنّ أنّه شنّع على الأشاعرة من الطرق العقليّة.

ثمّ في قوله : « وأنكروا قضايا محسوسة ـ على ما يأتي بيانه ـ فلزمهم إنكار المعقولات الكلّيّة ».

أراد به أنّهم أنكروا وجوب تحقّق الرؤية عند شرائطها ، وعدم امتناع الإدراك عند فقد الشرائط ؛ وأنت ستعلم أنّ كلّ ذلك ليس إنكارا للقضايا المحسوسة.

ثمّ إنّ إنكار القضايا المحسوسة ، أراد به أنّهم يمنعون الاعتماد على القضايا المحسوسة ، لوقوع الغلط في المحسوسات ، فلا يعتمد على حكم الحسّ.

وهذا هو مذهب جماعة من العقلاء ، ذكره الأشاعرة وأبطلوه ، وحكموا بأنّ حكم الحسّ معتبر في المحسوسات ، كما اشتهر هذا في كتبهم ومقالاتهم(١) .

ولو فرضنا أنّ هذا مذهبهم ، فليس كلّ من يعتقد بطلان حكم الحسّ يلزمه إنكار كلّ المعقولات ، فإنّ مبادئ البرهان أشياء متعدّدة ، من جملتها المحسوسات ، فمن أين هذه الملازمة؟!

فعلم أنّ ما أراد ـ في هذا المبحث ـ أن يلزم الأشاعرة من السفسطة ، لم يلزمهم ، بل كلامه المشوّش ـ على ما بيّنّا ـ عين الغلط والسفسطة.

والله العالم.

__________________

(١) انظر : الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٣٧ ، شرح المقاصد ٢ / ٣٠٥ و ٣١٢ ـ ٣١٣ وج ٤ / ١٤٠ ، شرح المواقف ٧ / ٢٠٠ ـ ٢١٠.

٤٦

وأقول :

لا يخفى أنّ النزاع بيننا وبين الأشاعرة لا يخصّ الرؤية ـ وإن كان الكلام فيها أوضح ـ ، بل يعمّ مطلق الإدراك بالحواسّ الظاهريّة.

فإنّهم كما أجازوا تحقّق الرؤية بدون شرائطها ، وأجازوا رؤية الكيفيّات النفسانيّة ـ كالعلم ، والإرادة ، ونحوهما ـ ، ورؤية الكيفيّات الملموسة ، والأصوات ، والطعوم

أجازوا سماع المذكورات ، ولمسها ، وشمّها ، وذوقها ؛ لإحالتهم كلّ شيء إلى إرادة القادر المختار ، من دون دخل للأسباب الطبيعيّة ؛ كما سيصرّح به الخصم في المبحث الآتي وغيره.

ولأجل عموم النزاع ، جعل المصنّف ; عنوان المسألة : الإدراك ، وأراد به مطلق الإحساس بالحواسّ الظاهريّة.

ولذا تعرّض في هذا المبحث الأوّل للقوى الظاهريّة ، وتدرّج الطفل فيها ، ثمّ قال : « فالمحسوسات إذا : هي أصول الاعتقادات ، ولا يصحّ الفرع إلّا بعد صحّة أصله ».

وتعرّض في المبحث الثالث والرابع والسادس لما يتعلّق بغير الرؤية.

فحينئذ لا معنى لما زعمه الخصم من أنّ المصنّف أراد بالإدراك خصوص الرؤية.

ولو سلّم ، فلا وجه لإنكار الخصم صحّة إرادة الرؤية من الإدراك ، وقيام القرينة عليها ، فإنّه بعد ما زعم وجود الدليل على إرادتها منه ، فقد أقرّ بثبوت القرينة ، إذ ليست القرينة إلّا ما يدلّ على المراد باللفظ.

٤٧

ثمّ إنّ قول المصنّف ; : « الإدراك أعرف الأشياء وأظهرها ، وبه تعرف الأشياء » إنّما هو كقولهم : العلم بديهي التصوّر ، وغيره يعرف به ، فلا يحدّ.

فالإدراك حينئذ ـ أعني الإحساس بالحواسّ الظاهريّة ـ بمنزلة العلم الذي هو الإدراك بالقوى الباطنية ، في كونهما معا بديهيّين ، مفهوما ، ووجودا ، وشروطا.

وهذا كلام ظاهر المفهوم ، محصّل المعنى ، لمن له تحصيل!

ثمّ إنّ المصنّف ; أراد بمبدأ الفطرة : ما قبل الولادة ، وهو زمن تعلّق النفس الحيوانية ـ أي قوى الحيوان المدركة والمحرّكة ـ بالبدن ، لقوله :

« فيحسّ الطفل في أوّل ولادته ».

إذ لا يجتمع إثبات الإحساس له مع قوله : « النفس في مبدأ الفطرة خالية من جميع العلوم » لو أراد ب‍ « مبدأ الفطرة » ما هو عند الولادة ، فلا بدّ من اختلاف الزمان ، وأنّه أراد ب‍ « مبدأ الفطرة » ما قبل الولادة.

كما أنّه أراد بالأطفال : مطلق الصغار ـ ولو قبل الولادة ـ لا خصوص المولودين ، ولذا حكم بخلوّهم عن العلوم في مبدأ الفطرة ، حتّى العلم بذواتهم ، إذ لا دليل على استثنائه ـ كما فعله الخصم تقليدا لغيره ـ ، فإنّ الحياة لا تستلزم الشعور والإدراك حتّى للذات.

ولذا ترى من أصابه البنج(١) حيّا لا إدراك له أصلا ، ولا نعرف

__________________

(١) البنج : نبت معروف مسبت مخدّر ، مخبّط للعقل ، مجنّن ، مسكّن لأوجاع الأورام والبثور وأوجاع الأذن ، طلاء وضمادا.

انظر : تاج العروس ٣ / ٣٠٠ ، مجمع البحرين ٢ / ٢٧٩ ، مادّة « بنج » ، وانظر أيضا : ألف باء الأعشاب والنباتات الطبّية ١ / ٣١٣ رقم ١٥٠.

٤٨

أمرا ـ غير الحياة في مبدأ الفطرة ـ يقتضي العلم بالذات ، أو سائر الوجدانيّات.

ولو سلّم ، فتعميم الإدراك للجميع أقرب من تخصيصه بالذات.

ثمّ إنّ المصنّف ; أراد بقوله : « أنكروا قضايا محسوسة » أنّهم أنكروا أصل ثبوتها ، كإنكارهم كون شرائط الرؤية وسائر الإحساسات الظاهريّة ، شرائط واقعيّة لها ، لإحالتهم كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، وقولهم :

« إنّ تلك الشرائط لا دخل لها بالمشروط ، وإنّ الترتّب بينها عاديّ فقط ».

وقد اختلف كلام الخصم هنا.

فمرّة قال : أراد أنّهم أنكروا وجوب تحقّق الرؤية.

ومرّة قال : أراد أنّهم يمنعون الاعتماد على القضايا المحسوسة.

وكلاهما غير مراد للمصنّف ، لكنّه تعرّض لأوّلهما ـ في المباحث الآتية ـ من حيث تفرّعه على إنكار أصل القضايا.

ولعلّه توهّم أنّ المصنّف أشار إلى ثانيهما بقوله : « فالطعن في الأصل طعن في الفرع » وهو خطأ!

فإنّ المصنّف أراد الطعن في القضايا المحسوسة ، من حيث إنكارها ، لا من حيث وقوع الغلط في المحسوسات ، وعدم صحّة الاعتماد عليها ، مع أنّه لا فرق بينهما في أنّ القول بهما موجب لإنكار المعقولات ؛ لتفرّعها عليها.

ولا يرفع الإشكال ما ذكره من أنّ مبادئ البرهان أشياء متعدّدة ؛ لرجوع أكثر غير المحسوسات إليها.

وبالجملة : ليس للإنسان من القوى المدركة إلّا قوى الحواسّ

٤٩

الظاهريّة والباطنيّة والقوّة العاقلة ، ولا شكّ أنّ القوّة العاقلة إنّما تدرك الكلّيّات بواسطة الحواسّ الظاهرية والباطنية ، كما إنّ الباطنيّة إنّما تدرك متعلّقاتها بواسطة الظاهريّة ، فإذا أبطلنا حكم الحسّ الظاهري فقد أبطلنا حكم الحسّ الباطني وحكم العقل ، فلا يعتمد على جميع المعقولات.

٥٠

شرائط الرؤية

قال المصنّف ـ طيّب الله مرقده ـ(١) :

المبحث الثاني

في شرائط الرؤية

أطبق العقلاء بأسرهم ـ عدا الأشاعرة ـ على إنّ الرؤية مشروطة بأمور ثمانية ، ( لا تحصل بدونها )(٢) :

الأوّل : سلامة الحاسّة.

الثاني : المقابلة أو [ ما في ](٣) حكمها ، ( كما )(٤) في الأعراض ، والصور في المرآة ، فلا تبصر شيئا لا يكون مقابلا ، ولا في حكم المقابل.

الثالث : عدم القرب المفرط ، فإنّ الجسم لو التصق بالعين ، لم تمكن رؤيته.

الرابع : عدم البعد المفرط ، فإنّ البعد إذا أفرط لم تمكن رؤيته.

الخامس : عدم الحجاب ، فإنّه مع [ وجود ] الحجاب بين الرائي

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٠ ـ ٤١.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « نهج الحقّ » المطبوع.

(٣) ليست في المصدر ، وقد أضفناها من نسخة إحقاق الحقّ.

(٤) ليست في المصدر.

٥١

والمرئي ، لا تمكن رؤيته.

السادس : عدم الشفّافية ، فإنّ الجسم الشفّاف الذي لا لون له ـ كالهواء ـ لا تمكن رؤيته.

السابع : تعمّد الرائي للرؤية.

الثامن : وقوع الضوء عليه ، فإنّ الجسم الملوّن لا يشاهد في الظلمة.

وحكموا بذلك حكما ضروريا لا يرتابون فيه.

وخالفت الأشاعرة في ذلك جميع العقلاء ـ من المتكلّمين والفلاسفة ـ ولم يجعلوا للرؤية شرطا من هذه الشرائط!(١) .

وهو مكابرة محضة لا يشكّ فيها عاقل!

__________________

(١) انظر : تمهيد الأوائل : ٣١٥ ـ ٣١٦ ، الملل والنحل ١ / ٨٧ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٧٨ ، الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٩٧ ، شرح المقاصد ٤ / ١٩٧ ، شرح المواقف ٨ / ١٣٦.

٥٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ شرط الشيء ما يكون وجوده موقوفا عليه ، ويكون خارجا عنه ، فمن قال : شرط الرؤية هذه الأمور ؛ ما ذا يريد من هذا؟!

إن أراد أنّ الرؤية لا يمكن أن تتحقّق عقلا إلّا بتحقّق هذه الأمور ، واستحال عقلا تحقّقه بدون هذه الأمور

فنقول : لا نسلّم الاستحالة العقليّة ، لأنّا وإن نرى في الأسباب الطبيعيّة وجود الرؤية عند تحقّق هذه الشرائط ، وفقدانها عند فقدان شيء منها ، إلّا أنّه لا يلزم بمجرّد ذلك ـ من فرض تحقّق الرؤية بدون هذه الشرائط ـ محال ، وكلّما كان كذلك لا يكون محالا عقليّا.

وإن أراد أنّ في العادة جري تحقّق المشروط ـ الذي هو الرؤية ـ عند حصول هذه الشرائط ، ومحال عادة أن تتحقّق الرؤية بدون هذه الشرائط مع جوازه عقلا فلا نزاع للأشاعرة في هذا.

بل غرضهم إثبات جواز الرؤية عقلا عند فقدان الشرائط.

ومن ثمّة تراهم يقولون : إنّ الرؤية أمر يخلقه الله في الحيّ ، ولا يشترط بضوء ، ولا مقابلة ، ولا غيرهما من الشرائط التي اعتبرها الفلاسفة(٢) ، وغرضهم ـ من نفي الشرطية ـ ما ذكرنا ، لا أنّهم يمنعون جريان العادة.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٩٢ ـ ٩٣.

(٢) انظر : شرح المواقف ٨ / ١١٦.

٥٣

على إنّ تحقّق الرؤية إنّما يكون عند تحقّق هذه الشرائط ، ومن تتبّع قواعدهم علم أنّهم يحيلون كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار وعموم قدرته ، ولا يعتبرون في خلق الأشياء توقّفه على الأسباب الطبيعيّة كالفلاسفة ، ومن يلحس فضلاتهم كالمعتزلة ومن تابعهم.

فحاصل كلامهم : إنّ الله تعالى قادر على أن يخلق الرؤية في حيّ مع فقدان هذه الشرائط ، وإن كان [ هذا ] خرقا للعادة!

فأين هذا من السفسطة ، وإنكار المحسوسات ، والمكابرة ، التي نسب هذا الرجل إليهم؟!

وسيأتي عليك ( في )(١) باقي التحقيقات.

__________________

(١) ليست في إحقاق الحقّ ، والظاهر أنّها زائدة.

٥٤

وأقول :

لا يخفى أنّ الإمكان والامتناع عقلا ربّما يكونان ضروريّين ، وربّما يكونان كسبيّين ، فإذا كانا ضروريّين استغنى مدّعي ثبوتهما عن الدليل ، ولم تصحّ مقابلته بالردّ والتشكيك.

ولذا لا يحتاج مدّعي امتناع جعل العالم ـ على سعته ـ في بيضة على ضيقها ، إلى دليل.

ولا مدّعي امتناع اجتماع الضدّين ، أو النقيضين ، إلى دليل.

ولا ريب أنّ العقلاء يرون وجود الرؤية بدون شرائطها من الممتنعات العقليّة ، كاجتماع الضدّين والنقيضين ، وكرؤية الأعدام.

وكما لا يسوغ عندهم دعوى إمكان هذه الأمور ونحوها ، لا يسوغ مثلها في الرؤية المعروفة الخاصة إذا لم تجتمع شرائطها.

وما ذكره من أنّهم « يحيلون كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، وعموم قدرته ، ولا يعتبرون في خلق الأشياء توقّفه على الأسباب الطبيعيّة » خطأ ظاهر ؛ لاستلزامه جواز تحقّق الرؤية بلا راء ؛ لأنّ الرائي جزء السبب كالشروط.

فلو جاز عقلا وجود المسبّبات بلا أسبابها الطبيعيّة ، لجاز وجود الرؤية بلا راء ، والقيام بلا قائم ، والعرض بلا معروض ، والجسم بلا مكان ؛ وهو خلاف ضرورة العقلاء.

وأمّا عموم القدرة ، فهو لا يقتضي إلّا تأثيرها في المقدور ، لا في الممتنع ، كجعل الشريك له سبحانه ؛ لأنّ الممتنع ليس متعلّقا للقدرة ،

٥٥

ولا محلّا لها ؛ وليس هذا نقصا في القدرة ألبتّة.

وبالجملة : تأثير الأسباب الطبيعية في مسبّباتها ، وتوقّفها عليها عقلا ، ضروريّ عند العقلاء ، بلا نقص في قدرة القادر ؛ لأنّ محلّ القدرة هو المسبّب بسببه ، لا بدونه.

لكنّ الأشاعرة أنكروا سببيّة الأسباب الطبيعيّة واقعا ، وتوقّف المسبّبات عليها عقلا ، وادّعوا تأثّر المسبّبات عن القادر بلا توسّط أسبابها الطبيعيّة واقعا ، فخالفوا ضرورة العقلاء ، ولزمهم أن يمكن وجود الأسباب الطبيعيّة بلا مسبّباتها ، وبالعكس!

ويترتّب عليه عدم الحكم على الجسم بالحدوث ، ولا على المركّب بالإمكان ، وعدم صحّة الاستدلال بالمقدّمات على النتائج.

أمّا الأوّل : فلاستلزام تلك الدعوى جواز وجود الجسم بلا حركة ولا سكون ؛ لأنّهما أثران طبيعيان للجسم ، وإذا جاز وجوده بدونهما لم يثبت حدوثه ؛ لأنّ الدليل على حدوثه هو استلزامه عقلا للحركة والسكون الحادثين.

وأمّا الثاني : فلأنّ أجزاء المركّب سبب طبيعي له ، فلو جاز عقلا تحقّق المسبّب بدون سببه الطبيعي ، لجاز وجود المركّب بغير أجزائه ، فلم يناف التركيب وجوب الوجود ، وجاز أن يكون المركّب واجبا ، والواجب مركّبا ، وهو باطل.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ محاليّة وجود المركّب بلا أجزائه ، من حيث منافاته لحقيقة التركيب ، لا من حيث السببية ، حتّى يضرّ في المدّعى.

وفيه : إنّ المنافاة إنّما نشأت واقعا من جهة السببيّة ، إذ لو لاها لم تحصل المنافاة.

٥٦

وأمّا الثالث : فلأنّ المقدّمات سبب طبيعي للنتيجة ، فلو لم تؤثّر فيها لجاز عقلا تخلّف النتيجة عنها ، ويبطل الاستدلال كما سيذكره المصنّف ; في أوّل مباحث النظر.

هذا كلّه مضافا إلى أنّ دعوى إمكان الرؤية بلا شرائطها تحتاج إلى دليل ، إذ ليس ذلك ضروريا ، فعليهم إثبات الإمكان.

ولا ينافيه قول الرئيس ابن سينا : « ما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان ، حتّى يذودك عنه واضح البرهان »(١) .

فإنّ المراد بالإمكان فيه هو الاحتمال ، لا مقابل الامتناع.

وأمّا قول الخصم : « لا يلزم من فرض تحقّق الرؤية بدون هذه الشرائط محال ».

فإن أراد به أنّ تحقّق الرؤية بدون شرائطها ليس بمحال ؛ فهو عين الدعوى.

وإن أراد به أنّه لا يلزم منه محال آخر فلا يكون محالا

ففيه : إنّ محالية الشيء لا تتوقّف على أن يلزم منه محال آخر ، وإلّا لم يكن اجتماع الضدّين أو النقيضين ـ كأكثر المحالات ـ محالا.

فإن قلت : لعلّهم يريدون بالرؤية ـ التي ينكرون توقّفها عقلا على الشرائط ـ غير الرؤية المعروفة الحاصلة بالانطباع ، أو بخروج الشعاع القائمة بالقوّة المودعة بالآلة الخاصّة.

قلت : لو أرادوا غيرها ـ كالانكشاف العلمي ـ لكان النزاع لفظيا ، وهو خلاف البديهة ، ولما احتاج الخصم إلى ذكر أنّ قاعدتهم إحالة كلّ

__________________

(١) الإشارات والتنبيهات ٣ / ٤١٨ النمط العاشر في أسرار الآيات.

٥٧

شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، بل كان يكفيه أن يقول : الرؤية التي نجوّزها بلا هذه الشرائط هي غير الرؤية المعروفة المخصوصة.

هذا ، ولا يخفى أنّه لا فرق بين دعوى القوم إمكان الرؤية المعروفة بدون شرائطها ، وبين دعوى امتناعها وجواز إيجاد الله تعالى للمحال ، كما زعمه ـ في بعض المحالات ـ ابن حزم في « الملل والنحل » فحكم بأنّ الله تعالى قادر على أن يجعل المرء قائما قاعدا معا في وقت واحد ، وقاعدا لا قاعدا ، وأن يجعل الشيء موجودا معدوما في وقت واحد ، والجسم الواحد في مكانين ، والجسمين في مكان واحد ، بل جوّز أن يتّخذ الله ولدا!(١) تعالى عن ذلك علوّا كبيرا إلى نحوها من الطامّات.

ويظهر من شيخهم الأشعري تجويز مثل تلك الأمور ، فقد نقل السيّد السعيد ; عن « شرح [ جمع ] الجوامع » للفناري(٢) الرومي(٣) أنّه قال : « أمّا المستحيلات فلعدم قابليّتها للوجود لم تصلح أن تكون محلّا لتعلّق الإرادة »

إلى أن قال : « ولم يخالف في ذلك إلّا ابن حزم فقال في ( الملل

__________________

(١) الفصل في الملل والنحل ٢ / ٢١ ـ ٢٢.

(٢) كان هنا في الأصل : « للنفاوي » وكذا في المواضع التالية ، وهو تصحيف ، انظر الهامش التالي.

(٣) هو : شمس الدين محمّد بن حمزة بن محمّد الفناري الرومي ، ولد سنة ٧٥١ ، وتوفّي سنة ٨٣٤ ه‍ ، كان عارفا بالعربية والمعاني والقراءات والمنطق والأصول ، كثير المشاركة في الفنون ، رحل إلى مصر ، ثمّ رجع إلى الروم ، له مصنّفات عديدة ، منها : فصول البدائع في أصول الشرائع ، تفسير سورة الفاتحة ، شرح مفتاح الغيب في التصوّف للقونوي ، أنموذج العلوم.

انظر : مفتاح السعادة ومصباح السيادة ٢ / ١٠٩ ، شذرات الذهب ٧ / ٢٠٩ ، هديّة العارفين ٦ / ١٨٨ ، الأعلام ـ للزركلي ـ ٦ / ١١٠.

٥٨

والنحل ) : إنّ الله عزّ وجلّ قادر على أن يتّخذ ولدا ، إذ لو لم يقدر عليه لكان عاجزا »!

ثمّ قال الفناري : « وذكر الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني(١) أنّ أوّل من أخذ منه ذلك : إدريس ٧ ، حيث جاءه إبليس في صورة إنسان ، وهو يخيط ويقول في كلّ دخلة وخرجة : سبحان الله والحمد لله ؛ فجاءه بقشرة وقال : هل الله يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة؟ فقال : الله قادر أن يجعل الدنيا في سمّ هذه الإبرة ؛ ونخس(٢) بالإبرة إحدى عينيه ، فصار أعور.

وهذا وإن لم يرو عن رسول الله ٦ فقد اشتهر وظهر ظهورا

__________________

(١) هو : ركن الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني الشافعي ، فقيه متكلّم أصولي ، رحل إلى العراق في طلب العلم ، له مناظرات مع المعتزلة ، وله مصنّفات عديدة ، منها : جامع الجلي والخفي في أصول الدين والردّ على الملحدين ، نور العين في مشهد الحسين ، وأدب الجدل ، ومسائل الدور ، وتعليقة في أصول الفقه ؛ عاش نيّفا وثمانين عاما ، وتوفّي بنيسابور يوم عاشوراء سنة ٤١٨ ه‍ ، وصلّوا عليه في ميدان الحسين ، وحمل إلى إسفرايين فدفن بها.

انظر : الأنساب ـ للسمعاني ـ ١ / ١٤٤ « الإسفراييني ـ بكسر الألف ـ » ، تبيين كذب المفتري : ٢٤٠ ، معجم البلدان ١ / ٢١١ رقم ٦٠١ « أسفرايين ـ بفتح الألف ـ » ، المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور : ١٢٧ رقم ٢٦٩ ، طبقات الفقهاء الشافعية ـ لابن الصلاح ـ ١ / ٣١٢ رقم ٨٧ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٦٩ رقم ٢٧١ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٨ رقم ٤ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٣٥٣ رقم ٢٢٠ ، طبقات الشافعية الكبرى ـ للسبكي ـ ٤ / ٢٥٦ رقم ٣٥٨ ، طبقات الشافعية ـ للأسنوي ـ ١ / ٤٠ رقم ٣٩ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٠٩ ، هديّة العارفين ٥ / ٨ ، الأعلام ـ للزركلي ـ ١ / ٦١.

(٢) نخس الدابّة وغيرها ، ينخسها وينخسها وينخسها ، نخسا : غرز جنبها أو مؤخّرها بعود أو نحوه ، وهو النخس ؛ انظر : الصحاح ٣ / ٩٨١ ، لسان العرب ١٤ / ٨٣ ، تاج العروس ٩ / ٧ ، مادّة « نخس ».

٥٩

لا ينكر.

وقد أخذ الأشعري من جواب إدريس ٧ أجوبة في مسائل كثيرة من هذا الجنس »(١) .

فهذا ـ كما ترى ـ دالّ على تجويز الأشعري جعل الدنيا في قشرة ؛ لأنّ الأخذ منه فرع القول به ، ودالّ على تجويزه ما نقلناه عن ابن حزم ، فإنّه من جنس الجواب الذي افتعلوه على إدريس ٧.

وليت شعري ، إذا كان ذلك ثابتا عن إدريس عند الفناري ، فلم لم يلتزم بجواز خلق المستحيلات؟! ولكنّ الغلط غير ممنوع عندهم على الأنبياء!

هذا ، ولا يخفى أنّ جعل بعض شروط الرؤية المذكورة شرطا ، مبنيّ على إنّ عدم المانع ـ كالحجاب ـ شرط ، كما أنّ ذكر حكم المقابلة فضلة ؛ لأنّ المرئيّ حقيقة هو الصورة التي في المرآة ، وهي مقابلة لا ذو الصورة.

واعلم أنّه كما للرؤية شروط ، فلغيرها من الإحساسات الظاهرية شروط ، ولم يعتبرها القوم أيضا بمقتضى إحالتهم كلّ شيء إلى القادر المختار ، وإنّما خصّ المصنّف الكلام هنا بالرؤية ، لأنّها أظهر ما به الكلام ، وأوضح حالا وشروطا من سائر الإحساسات الظاهرية.

__________________

(١) إحقاق الحقّ ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456