دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140947 / تحميل: 5347
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

له صفات تأخذ معرفتها » إلى آخره

ففيه : مع إنّ القول بعدم المشابهة مشترك ظاهرا بين الفريقين ، لا يجتمع مع القول بأخذ صفاته من صفات البشر ؛ لأنّ أخذ معرفة صفة من صفة يقتضي المشابهة بينهما ويلزمه أن يكون الموصوفان متشابهين ؛ لأنّ اقتضاء الذاتين للأمرين المتشابهين ، دليل على تشابه الذاتين ، فلا معنى لقوله : « لا يشبه الأشياء ».

وأمّا قوله : « أو نقول : إنّه لا صفات له »

فإن أراد به أنّه لا صفات له زائدة على ذاته ، مغايرة له في الوجود ، فهو قولنا ، وهو الحقّ الصريح.

وإن أراد به انتفاء العلم عنه ، أي انكشاف الأشياء له وحضورها عنده ، وانتفاء القدرة وباقي الصفات عنه فهو باطل ، بعد أن تكون ذاته تعالى بنفسها مصدرا لآثار العلم ، والقدرة ، والإرادة ، وغيرها من الصفات ، بلا حاجة منه إلى الصفات المغايرة له ، فلا يشبه مخلوقاته في الحاجة إلى غيرها في صدور الآثار عنها.

نعم ، لمّا كانت ذاته المقدّسة مصدرا لآثار الصفات ، صحّ أن ينتزع له وصف الحيّ القادر العالم إلى غيرها من صفاته ، فهو سبحانه حيّ قادر عالم أزلا وأبدا ، وهذا معنى جليّ لا يحير فيه إلّا من لا إدراك له.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ الله تعالى كان في الأزل متكلّما بكلام نفسي صفة ذاته »

ففيه : إنّ هذا لا يكفي في البيان ، بل ينبغي أن يضاف إليه أنّه صفة مغايرة لسائر الصفات ، فعنده يحير ذلك الطالب للمعرفة في فهم معناه ولا يجده معقولا ، ويرى الطلب في الأزل والأبد حيث لا مطلوب ،

٤٠١

ولا مطلوب منه من السفه.

وأمّا قوله : « أو يقال : إنّه خلق الكلام وليس هو بمتكلّم ؛ لأنّ خالق الكلام لا يسمّى متكلّما »

فغير صحيح ؛ لصحّة انتزاع وصف المتكلّم له تعالى من خلقه للكلام ، لاختلاف أنحاء تلبّس الذات بالمبدأ ـ كما مرّ ـ على إنّ ذلك مناقشة لفظية في كلمة لم تثبت في الكتاب ، ولم يلزم الحكم بصحّة إطلاقها عليه تعالى ، إلى غير ذلك ممّا عرفته سابقا(١) .

وأمّا قوله : « وإنّه أحدث الأمر والنهي بلا تقدير وإرادة سابقة »

فكذب ظاهر ؛ لأنّا لا ننكر التقدير والإرادة في السابق ، وقولنا بعدم زيادة صفاته تعالى لا يستدعي عدم الإرادة الأزلية المنتزعة من ذاته تعالى ، كالعلم والقدرة والحياة الأزليّات ، وإنّما يتأخّر المراد لوقته ، كما هو كذلك على قولهم.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن نقول : إنّه تعالى مرئي يوم القيامة » إلى قوله : « ولكن هذه الرؤية بلا كيفية ، كما سترى وتعلم »

ففيه : إنّه يستلزم إنكار السامع من وجهين :

الأوّل : إنّه تعالى لو كان صالحا لتعلّق الرؤية به ، فلم لا يرى في الدنيا ، والرؤية فيها أولى ، ليحصل اليقين به وجدانا ، فيطلبها السامع حينئذ فيقع القائل في الحيرة.

الثاني : إنّه لا يتصوّر معنى معقولا للرؤية بلا كيفية ، فينفر المتحيّر عن الدين المشتمل على ما لا يعقل ، فيقع بدل ما أرادوا من الشغف في

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر ١ في الصفحة ٢٢٩ من هذا الجزء.

٤٠٢

العبادة النفرة عنها وعن أصل الدين ، ويعدّ وعدهم في الرؤية غير المعقولة مسخرة ؛ وكاف في شغفه في العبادة أن يعرف ما يستحقّ بها من الثواب الجزيل والقرب من رحمة ربّه الكريم.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ أنبياء الله مكرّمون معصومون من الكذب والكبائر »

ففيه :

أوّلا : إنّه لا معنى للعصمة عن الكذب في دعوى الرسالة كما هو مراده ، وقد سبق.

وثانيا : إنّهم لا ينزّهون الأنبياء عن الكبائر قبل النبوّة ، وبعضهم لا ينزّههم حتّى عن الكفر قبلها! وأمّا بعد النبوّة فلا ينزّهونهم عن الكبائر سهوا ، بل عمدا عند بعضهم ، كما ستسمع إن شاء الله تعالى.

وأمّا قوله : « ولكنّهم بشر لا يأمنون من إمكان وقوع الصغائر »

ففيه : إنّ هذا موجب للنفرة منهم ؛ لأنّ من جاء لتأسيس شرع أو تقوية شرع سابق ، لا يحسن أن يخالفه ، ولا يكون مع المخالفة محلّا للوثوق والاتّباع.

فكيف يسكن إليه الحائر وقد قرعوا سمعه ـ قبل الإيمان به ـ بأنّه يفعل المعاصي ويخالف ما جاء به؟!

ولا يخفى أنّ لفظ « الإمكان » في كلامه فضلة لا محلّ لها!

وأمّا قوله : « فلا تيأس أنت من عفو الله وكرمه ، إن صدر منك ذنب »

ففيه : إنّ هذا قبل السؤال إغراء بالمعصية ودعوة إليها!

وقوله : « فإنّهم أسوة الناس ، ويمكن أن يقع منهم الذنب »

٤٠٣

متناقض المفاد ؛ لأنّ الأسوة هو المتّبع ، ومن يقع منه الذنب يحرم اتّباعه ، مع إنّ العاصي لا يكون أسوة حسنة.

وأمّا قوله في تقرير مذهب الإمامية ، أنّ : « الأنبياء كالملائكة ، يستحيل عليهم الذنب »

فهو افتراء عليهم ؛ لأنّ العصمة عندهم عن الذنب لا تنافي القدرة عليه ، وإلّا لم يصحّ التكليف ؛ على أنّه منقوض بالعصمة عن الكبائر عندهم ، فإنّهم يقولون بها كما زعم.

وأمّا ما ذكره من أنّه : « إذا سمع المتحيّر بشيء من ذنوب الأنبياء ، كما جاء في القرآن : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى )(١) ، يتردّد في نبوّة آدم »

ففيه : إنّه إذا تردّد قيل له : إنّ المراد بالمعصية ترك الأولى(٢) ، وإرادة خلاف الظاهر غير عزيزة في كلام العرب ، وإلّا لم يمكن أن يذكر له أنّ الله ليس بجسم ؛ لأنّه يتردّد في ربوبيّته إذا سمع قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى )(٣) ، ونحوه.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ رسول الله ٩ لمّا بعث إلى الناس تابعه جماعة من أصحابه » إلى آخره

ففيه : إنّ هذا خارج عمّا نحن بصدده ؛ لأنّ الكلام في ما هو أقرب إلى العقل المتحيّر من الأمور العقليّة ، لا في الأمور التاريخية التي تتبع

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ١٢١.

(٢) انظر : تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ٢٥ ، عصمة الأنبياء ـ للفخر الرازي ـ : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) سورة طه ٢٠ : ٥.

٤٠٤

واقعها وتحتاج إلى السبر والاطّلاع ، فالذي ينبغي أن يذكر في مسألة الإمامة ، أنّه :

هل الأولى أن يقال له : إنّ أئمّتنا معصومون مطهّرون من الذنوب ، عالمون بكلّ ما جاء به النبيّ من عند الله ، حافظون لكلّ حكم أراده الله ، منصوص عليهم كأوصياء الأنبياء ، قادرون على سياسة الأمّة على حسب القانون الإلهي ، لا يخطئون ولا يجهلون

أو يقال له : إنّ أئمّتنا ممّن يختارهم الأمّة ، ولو واحد ، حتّى إنّ النبيّ ٦ ترك أمّته سدى ، وأوكل الأمر إلى اختيارهم مع قرب عهدهم بالكفر ، وإن أدّى الحال إلى اختيار مثل : معاوية ، ويزيد ، وعبد الملك ، والوليد ، والمنصور ، والرشيد ، وأشباههم من ملوك الجور والضلال والجهل والفساد ، فهم أئمّتنا ويجب علينا اتّباعهم وتعظيمهم؟!

ولو سلّم أنّ للأمور التاريخية دخلا في ما نحن فيه ، بلحاظ أنّ منها ما يستقرّ به العقل ، ومنها ما يستبعده ، فاللازم أن نذكر في مذهب الإمامية كما ذكر في مذهبه شيئا من التفصيل

فنقول :

لمّا بعث الله تعالى رسوله ٦ وصدع بأمره ، تبعه الناس اختيارا واضطرارا ، وكان فيمن صحبه أناس أخبرهم الرهبان والكهنة بعلوّ أمره ، وبعد صيته ، فصحبوه طلبا للدنيا ، وصحبه آخرون للخوف ، ولكثير منهم ترات(١) عند النبيّ ٦ وابن عمّه ووزيره ، فلمّا أراد الله تعالى

__________________

(١) التّرات ، جمع التّرة : وهي الثأر ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٧ ـ ٢٨ مادّة « ذحل » وج ١٥ / ٢٠٥ مادّة « وتر ».

٤٠٥

قبض نبيّه ٦ إليه أوصى ابن عمّه ـ المعدود أخاه ونفسه بأمر الله ـ كما هي عادة الأنبياء وأهل الولاية.

ولمّا قبضه الله إليه وجد أولئك المتصنّعون فرصة الأطماع والثارات ، واغتنم بعضهم مشغولية الوصي بجهاز النبيّ ٦ فبادروا لعقد البيعة لواحد منهم ، وأعانهم أهل المكر والخداع ، واتّبعهم الرعاع!

فكان الأمر كما قال تعالى منكرا عليهم : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ )(١) ، وكما أخبر رسول الله ٦ أنّهم يرتدّون على أدبارهم القهقرى(٢) ، وأنّه يكون في هذه الأمّة مثل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل(٣) ، الذي من جملته مخالفة أخيه وإرادة قتله ، ولم يبق مع وصيّه إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )(٤) .

فلمّا تمّ الأمر لأولئك القوم وقد كانوا سمعوا من النبيّ ٦ وقوع الفتح بعده لبلاد كسرى وقيصر ، والنفس أمّارة بالإمارة ، ساروا لفتح تلك البلاد ، ووقع الفتح على أيديهم ، فساسوا البلاد على حسب أهوائهم ، وغيّروا الأحكام بآرائهم ، واستأثر ثالثهم بالفيء حتّى كبت به بطنته ، ولو تركوا الأمر لأهله لعمّ الإسلام والعدل وفتحوا الدنيا بأسرها.

فهل ترى أنّ هذا التاريخ أقرب إلى الاعتبار ، أو التأريخ الذي ذكره الخصم؟!

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) انظر مثلا : صحيح البخاري ٨ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ح ١٦٤ ـ ١٦٦.

(٣) انظر : المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ح ٤٤٤ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٩٨ ، مختصر تاريخ دمشق ٦ / ٣٣٧ ، كنز العمّال ١ / ٢١١ ح ١٠٦٠.

(٤) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

٤٠٦

وأمّا ما زعمه من أنّ الأخذ من أمير المؤمنين ٧ لا يختصّ به الإمامية ؛ فالحاكم فيه هو الإنصاف ، كيف؟! وقد خالفه عامّة السنّة بكلّ ما قدروا عليه من أصول الدين وفروعه ، ونبذوه وراء ظهورهم ، ورجعوا إلى من عرفوه بخلافه وانحرافه عنه وعن أبنائه الطاهرين!

وأمّا ما زعمه من أنّهم أخذوا أيضا العقائد من الخلفاء وأكابر الصحابة ؛ فنحن لم نسمع لمن عناهم شيئا من المعارف ، ولم نعلم أنّ النبيّ ٦ شهد لأحد منهم بالعلم والاجتهاد والأمانة! ولكن روى لهم بعض أوليائهم شيئا من ذلك كذبا على النبيّ ٦(١)

وإنّما قال رسول الله ٦ : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها »(٢) ،

__________________

(١) انظر مثلا : الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ ١ / ٣٠٣ ـ ٣٣٥.

(٢) ورد هذا الحديث الصحيح في كثير من كتب الجمهور ، فانظر مثلا :

معرفة الرجال ـ ليحيى بن معين ـ ١ / ٧٩ رقم ٢٣١ وج ٢ / ٢٤٢ رقم ٨٣١ و ٨٣٢ وصحّحه ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ / ٥٤ ح ١١٠٦١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ ح ٤٦٣٧ وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه » وح ٤٦٣٨ وص ١٣٨ ح ٤٦٣٩ ، حلية الأولياء ١ / ٦٤ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٣٧ وج ٤ / ٣٤٨ وج ٧ / ١٧٣ وج ١١ / ٤٨ ـ ٥٠ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للمغازلي ـ : ١١٥ ـ ١٢٠ ح ١٢٠ ـ ١٢٩ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٣ ح ٦٩ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٧٨ ـ ٣٨٤ ح ٨٩٧٤ ـ ٨٩٨٧ ، أسد الغابة ٣ / ٥٩٧ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٧ ح ٦٥٠١ ، تذكرة الخواصّ : ٥٢ ، كفاية الطالب : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٥٩ ، ذخائر العقبى : ١٤١ ـ ١٤٢ ، مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٦ ـ ١٧ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٦ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٥٧ ح ٦٠٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ، لسان الميزان ١ / ٤٣٢ رقم ١٣٤٢ ، الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ ١ / ١٦١ ح ٢٧٠٤ و ٢٧٠٥ ، جامع الأحاديث ـ للسيوطي ـ ٣ / ٢٨٢ ح ٨٦٤٩ ، تاريخ الخلفاء : ٢٠٢ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٠ ح ٣٢٨٨٩ و ٣٢٨٩٠ وص

٤٠٧

ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ، فمن أتاها من غيره فهو سارق.

وأمّا ما ادّعاه من أنّا نمزج ما ننقله بألف كذبة ، وأنّهم ينقلون بالأسانيد الصحيحة ؛ فيكفي المنصف في ردّه ما ذكرناه في مقدّمة الكتاب.

والحمد لله الذي جعلنا ممّن يأخذ عن نبيّه وباب مدينة علمه ، وجعلنا ممّن تمسّك بالثقلين ، ونسأله جوارهم في الدارين.

* * *

__________________

٦١٤ ح ٣٢٩٧٨ و ٣٢٩٧٩ وج ١٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ح ٣٦٤٦٣ ، إتحاف السادة المتّقين ٦ / ٢٤٤.

وقد صنّف الحافظ أحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري الحسني كتاب « فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي » جمع فيه طرقه ، وسلك فيه مسلكا مبتكرا أثبت فيه صحّة الحديث بتسعة مسالك ، وأبطل جميع الأكاذيب والادّعاءات بعدم صحّة سند الحديث ؛ فراجع.

٤٠٨

إثبات الحسن والقبح العقليّين

قال المصنّف ١(١) :

المطلب الثاني

في إثبات الحسن والقبح العقليّين

ذهب الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل ، كعلمنا بحسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ.

فإنّ كلّ عاقل لا يشكّ في ذلك ، وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب ، وإنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.

ومنها : ما هو معلوم بالاكتساب أنّه حسن أو قبيح ، كحسن الصدق الضارّ ، وقبح الكذب النافع.

ومنها : ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه ، كالعبادات(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٢.

(٢) شرح جمل العلم والعمل : ٨٥ ـ ٨٩ ، تقريب المعارف : ٩٧ ـ ٩٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٨٤ ـ ٨٧ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٦١ وما بعدها ، تجريد الاعتقاد : ١٩٧ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٠٢ وما بعدها ، المحيط بالتكليف : ٢٣٤.

٤٠٩

وقالت الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح شرعيّان ، ولا يقضي العقل بحسن شيء ولا قبحه ، بل القاضي بذلك هو الشرع ، فما حسّنه فهو حسن ، وما قبّحه فهو قبيح(١) .

* * *

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٢٨ و ٢٣٤ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٦ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٨١.

٤١٠

وقال الفضل(١) :

قد سبق أنّ الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة(٢) :

الأوّل : صفة الكمال والنقص ، يقال : العلم حسن ، والجهل قبيح ، ولا نزاع في أنّ هذا أمر ثابت للصفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل ، ولا تعلّق له بالشرع.

الثاني : ملاءمة الغرض ومنافرته ، وقد يعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة والمفسدة ، وذلك أيضا عقلي ، أي يدركه العقل ، كالمعنى الأوّل.

الثالث : تعلّق المدح والثواب بالفعل ، عاجلا وآجلا ، والذمّ والعقاب كذلك ، فما تعلّق به المدح في العاجل والثواب في الآجل يسمّى حسنا ، وما تعلّق به الذمّ في العاجل والعقاب في الآجل يسمّى قبيحا.

وهذا المعنى الثالث محلّ النزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعي ؛ وذلك لأنّ أفعال العباد كلّها ليس شيء منها بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ولا ذمّ فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها.

وعند المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية عقلي ، كما ذكر هذا الرجل.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٤١.

(٢) انظر : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

٤١١

هذا هو المذهب ، وكثيرا ما يشتبه على الناس أحد المعاني الثلاثة بالآخر ، ويحصل منه الغلط فتحفظ عليه ، وإنّما كرّرنا هذا المبحث وأعدناه في الموضع ليتحفّظ عليه.

* * *

٤١٢

وأقول :

ضاق على القوم طريق الاعتذار ، واتّسع عليهم سبيل الانتقاد ، فأقرّوا بالحسن والقبح العقليّين في الأفعال بالتزامهم بالمعنى الأوّل على إطلاقه وهم لا يشعرون ؛ لأنّ العلم ـ ونحوه ممّا جعلوه صفة ـ هو في الحقيقة من الأفعال ، ولذا يكلّف الإنسان بالعلم ومعرفة الأحكام.

لكن إذا ثبت للإنسان قيل : إنّه صفة له ، وكذا كلّ ما هو من نحوه من الأفعال ؛ كالصدق ، والكذب ، والإحسان ، والإساءة ، والعدل ، والظلم ، ونحوها.

وحينئذ فيكون معنى حسنها : إنّه ممّا ينبغي فعلها ، ويستحقّ فاعلها المدح عند العقلاء ، ومعنى قبحها : إنّها ممّا ينبغي تركها ، ويستحقّ فاعلها الذمّ عند العقلاء.

وأمّا ما ذكروه من المعنى الثاني ، فغير متّجه ؛ لأنّ دعوى أنّ الحسن والقبح عقليّان بهذا المعنى غير صحيحة ، إذ إنّ الملاءمة والمنافرة إنّما يستلزمان الحبّ والبغض ، والتحسين والتقبيح الطبعيّين ، لا الحسن والقبح العقليّين ، كما هو ظاهر.

هذا ، وقد أطلق القوم على ملاءمة الغرض ومنافرته : المصلحة والمفسدة ، والظاهر إرادة المصلحة والمفسدة عند الفاعل باعتبار ميله وعدمه ، ولا يمكن أن يريدوا بهما المصلحة والمفسدة الواقعيّتين ، فإنّه لا يصحّ جعلهما تعبيرا آخر عن الملاءمة والمنافرة.

وأمّا المعنى الثالث ، فإنّ معنى الحسن فيه : إنّه ما يستحقّ فاعله

٤١٣

المدح عند العقلاء ، ومعنى القبيح : ما يستحقّ فاعله الذمّ عند العقلاء ، وهذا هو محلّ النزاع ، فإنّا نثبته ، وهم ينكرونه ، فإدخال كلمة « الثواب والعقاب » في تعريفهما خطأ ظاهر.

فالحقّ أنّ النزاع بيننا وبينهم في أنّ الفعل هل فيه جهة تحسّنه أو تقبّحه عقلا ، أو لا؟ بل يتبع في حسنه وقبحه أمر الشارع ونهيه ، ولا حكم للعقل في حسن الأفعال وقبحها ، فما نهي عنه شرعا قبيح ، وما لم ينه عنه حسن ، كالواجب والمندوب ، وكالمباح عند أكثرهم ، وكفعل الله سبحانه ؛ لأنّها جميعا لم ينه عنها شرعا.

وأمّا فعل الصبي فقد قال في « شرح المواقف » : « مختلف فيه »(١) .

وأمّا فعل البهائم فقد قال : « قيل : إنّه لا يوصف بحسن ولا قبح باتّفاق الخصوم »(٢) .

وكيف كان! فقد اختار الأشاعرة الثاني(٣) .

والحقّ عندنا : الأوّل ؛ ضرورة أنّه ـ مع قطع النظر عن الشرع ـ نرى الفرق الواضح بين السجود والتعظيم للملك القهّار ، والسجود والتعظيم لخسيس الأحجار ، وبين الصدق النافع والكذب الضارّ.

وعلى رأي الأشاعرة لا فرق بينهما عقلا ، مع قطع النظر عن الشرع(٤) ، وهو حقيق بالعجب.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٣) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٤) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٣٠ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٢.

٤١٤

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وهو باطل لوجوه

الأوّل : إنّهم أنكروا ما علمه كلّ عاقل من حسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ ، سواء كان هناك شرع أم لا(٢) ، ومنكر الحكم الضروري سوفسطائي.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

(٢) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، المواقف : ٣٢٤ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

٤١٥

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ حسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ ؛ إن أريد بهما صفة الكمال والنقص والمصلحة والمفسدة فلا شكّ أنّهما عقليّان ، كما سبق.

وإن أريد بهما تعلّق المدح والثواب والذمّ والعقاب ، فلا نسلّم أنّه ضروري ، بل هو متوقّف على إعلام الشارع.

وكيف يدرك تعلّق الثواب وهو من الله ، وبالشرع والإعلام من الشارع؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٦٣.

٤١٦

وأقول :

قد عرفت أنّ الصدق والكذب فعلان في أنفسهما ، وأنّ الحسن والقبح ثابتان لهما عقلا مع قطع النظر عن لحاظ الوصفيّة والملاءمة والمنافرة ؛ فيتمّ المطلوب.

ولا دخل للثواب والعقاب في محلّ النزاع حتّى يقال : لا دخل للعقل في إدراكهما!

* * *

٤١٧

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

الثاني : لو خيّر العاقل الذي لم يسمع الشرائع ولا علم شيئا من الأحكام ، بل نشأ في بادية خاليا من العقائد كلّها ، بين أن يصدق ويعطى دينارا ، وبين أن يكذب ويعطى دينارا ، ولا ضرر عليه فيهما ، فإنّه يتخيّر الصدق على الكذب.

ولو لا حكم العقل بقبح الكذب وحسن الصدق لما فرّق بينهما ولا اختار(٢) الصدق دائما.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

(٢) في طبعة القاهرة : وما اختار.

٤١٨

وقال الفضل(١) :

قد سبق جواب هذا(٢) ، وأنّ مثل هذا الرجل لو فرضنا أنّه يختار الصدق بحكم عقله ، فإنّه يختاره لكونه صفة كمال ، أو موجب مصلحة.

وهذا لا نزاع في أنّهما عقليّان ، لا أنّه يختاره لكونه موجبا للثواب والعقاب ، وكيف وهو لا يعرف الثواب ولا العقاب؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٦٧.

(٢) انظر الصفحة ٤١٦.

٤١٩

وأقول :

قد عرفت ما فيه ممّا سبق(١) ، فلا حاجة إلى الإعادة ، ولا أدري متى كان إيجاب الثواب والعقاب معنى للحسن والقبح العقليّين حتّى يدّعيه الإمامية ، ويكون محلّا للنزاع.

وإنّما نقول في المثال : إنّ الصدق ـ بما هو فعل صادر من الشخص ـ حسن عقلا ، والكذب ـ كذلك ـ قبيح عقلا ، وهم ينكرونه.

ولا يخفى أنّ جعله لاختيار الصدق فرضيا دليل على تكلّفهم في إثبات الحسن والقبح العقليّين بالمعنيين اللذين زعم عدم النزاع بهما.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحتين ٤١٣ ـ ٤١٤.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456