دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق4%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140855 / تحميل: 5346
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

له صفات تأخذ معرفتها » إلى آخره

ففيه : مع إنّ القول بعدم المشابهة مشترك ظاهرا بين الفريقين ، لا يجتمع مع القول بأخذ صفاته من صفات البشر ؛ لأنّ أخذ معرفة صفة من صفة يقتضي المشابهة بينهما ويلزمه أن يكون الموصوفان متشابهين ؛ لأنّ اقتضاء الذاتين للأمرين المتشابهين ، دليل على تشابه الذاتين ، فلا معنى لقوله : « لا يشبه الأشياء ».

وأمّا قوله : « أو نقول : إنّه لا صفات له »

فإن أراد به أنّه لا صفات له زائدة على ذاته ، مغايرة له في الوجود ، فهو قولنا ، وهو الحقّ الصريح.

وإن أراد به انتفاء العلم عنه ، أي انكشاف الأشياء له وحضورها عنده ، وانتفاء القدرة وباقي الصفات عنه فهو باطل ، بعد أن تكون ذاته تعالى بنفسها مصدرا لآثار العلم ، والقدرة ، والإرادة ، وغيرها من الصفات ، بلا حاجة منه إلى الصفات المغايرة له ، فلا يشبه مخلوقاته في الحاجة إلى غيرها في صدور الآثار عنها.

نعم ، لمّا كانت ذاته المقدّسة مصدرا لآثار الصفات ، صحّ أن ينتزع له وصف الحيّ القادر العالم إلى غيرها من صفاته ، فهو سبحانه حيّ قادر عالم أزلا وأبدا ، وهذا معنى جليّ لا يحير فيه إلّا من لا إدراك له.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ الله تعالى كان في الأزل متكلّما بكلام نفسي صفة ذاته »

ففيه : إنّ هذا لا يكفي في البيان ، بل ينبغي أن يضاف إليه أنّه صفة مغايرة لسائر الصفات ، فعنده يحير ذلك الطالب للمعرفة في فهم معناه ولا يجده معقولا ، ويرى الطلب في الأزل والأبد حيث لا مطلوب ،

٤٠١

ولا مطلوب منه من السفه.

وأمّا قوله : « أو يقال : إنّه خلق الكلام وليس هو بمتكلّم ؛ لأنّ خالق الكلام لا يسمّى متكلّما »

فغير صحيح ؛ لصحّة انتزاع وصف المتكلّم له تعالى من خلقه للكلام ، لاختلاف أنحاء تلبّس الذات بالمبدأ ـ كما مرّ ـ على إنّ ذلك مناقشة لفظية في كلمة لم تثبت في الكتاب ، ولم يلزم الحكم بصحّة إطلاقها عليه تعالى ، إلى غير ذلك ممّا عرفته سابقا(١) .

وأمّا قوله : « وإنّه أحدث الأمر والنهي بلا تقدير وإرادة سابقة »

فكذب ظاهر ؛ لأنّا لا ننكر التقدير والإرادة في السابق ، وقولنا بعدم زيادة صفاته تعالى لا يستدعي عدم الإرادة الأزلية المنتزعة من ذاته تعالى ، كالعلم والقدرة والحياة الأزليّات ، وإنّما يتأخّر المراد لوقته ، كما هو كذلك على قولهم.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن نقول : إنّه تعالى مرئي يوم القيامة » إلى قوله : « ولكن هذه الرؤية بلا كيفية ، كما سترى وتعلم »

ففيه : إنّه يستلزم إنكار السامع من وجهين :

الأوّل : إنّه تعالى لو كان صالحا لتعلّق الرؤية به ، فلم لا يرى في الدنيا ، والرؤية فيها أولى ، ليحصل اليقين به وجدانا ، فيطلبها السامع حينئذ فيقع القائل في الحيرة.

الثاني : إنّه لا يتصوّر معنى معقولا للرؤية بلا كيفية ، فينفر المتحيّر عن الدين المشتمل على ما لا يعقل ، فيقع بدل ما أرادوا من الشغف في

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر ١ في الصفحة ٢٢٩ من هذا الجزء.

٤٠٢

العبادة النفرة عنها وعن أصل الدين ، ويعدّ وعدهم في الرؤية غير المعقولة مسخرة ؛ وكاف في شغفه في العبادة أن يعرف ما يستحقّ بها من الثواب الجزيل والقرب من رحمة ربّه الكريم.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ أنبياء الله مكرّمون معصومون من الكذب والكبائر »

ففيه :

أوّلا : إنّه لا معنى للعصمة عن الكذب في دعوى الرسالة كما هو مراده ، وقد سبق.

وثانيا : إنّهم لا ينزّهون الأنبياء عن الكبائر قبل النبوّة ، وبعضهم لا ينزّههم حتّى عن الكفر قبلها! وأمّا بعد النبوّة فلا ينزّهونهم عن الكبائر سهوا ، بل عمدا عند بعضهم ، كما ستسمع إن شاء الله تعالى.

وأمّا قوله : « ولكنّهم بشر لا يأمنون من إمكان وقوع الصغائر »

ففيه : إنّ هذا موجب للنفرة منهم ؛ لأنّ من جاء لتأسيس شرع أو تقوية شرع سابق ، لا يحسن أن يخالفه ، ولا يكون مع المخالفة محلّا للوثوق والاتّباع.

فكيف يسكن إليه الحائر وقد قرعوا سمعه ـ قبل الإيمان به ـ بأنّه يفعل المعاصي ويخالف ما جاء به؟!

ولا يخفى أنّ لفظ « الإمكان » في كلامه فضلة لا محلّ لها!

وأمّا قوله : « فلا تيأس أنت من عفو الله وكرمه ، إن صدر منك ذنب »

ففيه : إنّ هذا قبل السؤال إغراء بالمعصية ودعوة إليها!

وقوله : « فإنّهم أسوة الناس ، ويمكن أن يقع منهم الذنب »

٤٠٣

متناقض المفاد ؛ لأنّ الأسوة هو المتّبع ، ومن يقع منه الذنب يحرم اتّباعه ، مع إنّ العاصي لا يكون أسوة حسنة.

وأمّا قوله في تقرير مذهب الإمامية ، أنّ : « الأنبياء كالملائكة ، يستحيل عليهم الذنب »

فهو افتراء عليهم ؛ لأنّ العصمة عندهم عن الذنب لا تنافي القدرة عليه ، وإلّا لم يصحّ التكليف ؛ على أنّه منقوض بالعصمة عن الكبائر عندهم ، فإنّهم يقولون بها كما زعم.

وأمّا ما ذكره من أنّه : « إذا سمع المتحيّر بشيء من ذنوب الأنبياء ، كما جاء في القرآن : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى )(١) ، يتردّد في نبوّة آدم »

ففيه : إنّه إذا تردّد قيل له : إنّ المراد بالمعصية ترك الأولى(٢) ، وإرادة خلاف الظاهر غير عزيزة في كلام العرب ، وإلّا لم يمكن أن يذكر له أنّ الله ليس بجسم ؛ لأنّه يتردّد في ربوبيّته إذا سمع قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى )(٣) ، ونحوه.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ رسول الله ٩ لمّا بعث إلى الناس تابعه جماعة من أصحابه » إلى آخره

ففيه : إنّ هذا خارج عمّا نحن بصدده ؛ لأنّ الكلام في ما هو أقرب إلى العقل المتحيّر من الأمور العقليّة ، لا في الأمور التاريخية التي تتبع

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ١٢١.

(٢) انظر : تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ٢٥ ، عصمة الأنبياء ـ للفخر الرازي ـ : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) سورة طه ٢٠ : ٥.

٤٠٤

واقعها وتحتاج إلى السبر والاطّلاع ، فالذي ينبغي أن يذكر في مسألة الإمامة ، أنّه :

هل الأولى أن يقال له : إنّ أئمّتنا معصومون مطهّرون من الذنوب ، عالمون بكلّ ما جاء به النبيّ من عند الله ، حافظون لكلّ حكم أراده الله ، منصوص عليهم كأوصياء الأنبياء ، قادرون على سياسة الأمّة على حسب القانون الإلهي ، لا يخطئون ولا يجهلون

أو يقال له : إنّ أئمّتنا ممّن يختارهم الأمّة ، ولو واحد ، حتّى إنّ النبيّ ٦ ترك أمّته سدى ، وأوكل الأمر إلى اختيارهم مع قرب عهدهم بالكفر ، وإن أدّى الحال إلى اختيار مثل : معاوية ، ويزيد ، وعبد الملك ، والوليد ، والمنصور ، والرشيد ، وأشباههم من ملوك الجور والضلال والجهل والفساد ، فهم أئمّتنا ويجب علينا اتّباعهم وتعظيمهم؟!

ولو سلّم أنّ للأمور التاريخية دخلا في ما نحن فيه ، بلحاظ أنّ منها ما يستقرّ به العقل ، ومنها ما يستبعده ، فاللازم أن نذكر في مذهب الإمامية كما ذكر في مذهبه شيئا من التفصيل

فنقول :

لمّا بعث الله تعالى رسوله ٦ وصدع بأمره ، تبعه الناس اختيارا واضطرارا ، وكان فيمن صحبه أناس أخبرهم الرهبان والكهنة بعلوّ أمره ، وبعد صيته ، فصحبوه طلبا للدنيا ، وصحبه آخرون للخوف ، ولكثير منهم ترات(١) عند النبيّ ٦ وابن عمّه ووزيره ، فلمّا أراد الله تعالى

__________________

(١) التّرات ، جمع التّرة : وهي الثأر ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٧ ـ ٢٨ مادّة « ذحل » وج ١٥ / ٢٠٥ مادّة « وتر ».

٤٠٥

قبض نبيّه ٦ إليه أوصى ابن عمّه ـ المعدود أخاه ونفسه بأمر الله ـ كما هي عادة الأنبياء وأهل الولاية.

ولمّا قبضه الله إليه وجد أولئك المتصنّعون فرصة الأطماع والثارات ، واغتنم بعضهم مشغولية الوصي بجهاز النبيّ ٦ فبادروا لعقد البيعة لواحد منهم ، وأعانهم أهل المكر والخداع ، واتّبعهم الرعاع!

فكان الأمر كما قال تعالى منكرا عليهم : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ )(١) ، وكما أخبر رسول الله ٦ أنّهم يرتدّون على أدبارهم القهقرى(٢) ، وأنّه يكون في هذه الأمّة مثل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل(٣) ، الذي من جملته مخالفة أخيه وإرادة قتله ، ولم يبق مع وصيّه إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )(٤) .

فلمّا تمّ الأمر لأولئك القوم وقد كانوا سمعوا من النبيّ ٦ وقوع الفتح بعده لبلاد كسرى وقيصر ، والنفس أمّارة بالإمارة ، ساروا لفتح تلك البلاد ، ووقع الفتح على أيديهم ، فساسوا البلاد على حسب أهوائهم ، وغيّروا الأحكام بآرائهم ، واستأثر ثالثهم بالفيء حتّى كبت به بطنته ، ولو تركوا الأمر لأهله لعمّ الإسلام والعدل وفتحوا الدنيا بأسرها.

فهل ترى أنّ هذا التاريخ أقرب إلى الاعتبار ، أو التأريخ الذي ذكره الخصم؟!

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) انظر مثلا : صحيح البخاري ٨ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ح ١٦٤ ـ ١٦٦.

(٣) انظر : المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ح ٤٤٤ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٩٨ ، مختصر تاريخ دمشق ٦ / ٣٣٧ ، كنز العمّال ١ / ٢١١ ح ١٠٦٠.

(٤) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

٤٠٦

وأمّا ما زعمه من أنّ الأخذ من أمير المؤمنين ٧ لا يختصّ به الإمامية ؛ فالحاكم فيه هو الإنصاف ، كيف؟! وقد خالفه عامّة السنّة بكلّ ما قدروا عليه من أصول الدين وفروعه ، ونبذوه وراء ظهورهم ، ورجعوا إلى من عرفوه بخلافه وانحرافه عنه وعن أبنائه الطاهرين!

وأمّا ما زعمه من أنّهم أخذوا أيضا العقائد من الخلفاء وأكابر الصحابة ؛ فنحن لم نسمع لمن عناهم شيئا من المعارف ، ولم نعلم أنّ النبيّ ٦ شهد لأحد منهم بالعلم والاجتهاد والأمانة! ولكن روى لهم بعض أوليائهم شيئا من ذلك كذبا على النبيّ ٦(١)

وإنّما قال رسول الله ٦ : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها »(٢) ،

__________________

(١) انظر مثلا : الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ ١ / ٣٠٣ ـ ٣٣٥.

(٢) ورد هذا الحديث الصحيح في كثير من كتب الجمهور ، فانظر مثلا :

معرفة الرجال ـ ليحيى بن معين ـ ١ / ٧٩ رقم ٢٣١ وج ٢ / ٢٤٢ رقم ٨٣١ و ٨٣٢ وصحّحه ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ / ٥٤ ح ١١٠٦١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ ح ٤٦٣٧ وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه » وح ٤٦٣٨ وص ١٣٨ ح ٤٦٣٩ ، حلية الأولياء ١ / ٦٤ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٣٧ وج ٤ / ٣٤٨ وج ٧ / ١٧٣ وج ١١ / ٤٨ ـ ٥٠ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للمغازلي ـ : ١١٥ ـ ١٢٠ ح ١٢٠ ـ ١٢٩ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٣ ح ٦٩ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٧٨ ـ ٣٨٤ ح ٨٩٧٤ ـ ٨٩٨٧ ، أسد الغابة ٣ / ٥٩٧ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٧ ح ٦٥٠١ ، تذكرة الخواصّ : ٥٢ ، كفاية الطالب : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٥٩ ، ذخائر العقبى : ١٤١ ـ ١٤٢ ، مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٦ ـ ١٧ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٦ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٥٧ ح ٦٠٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ، لسان الميزان ١ / ٤٣٢ رقم ١٣٤٢ ، الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ ١ / ١٦١ ح ٢٧٠٤ و ٢٧٠٥ ، جامع الأحاديث ـ للسيوطي ـ ٣ / ٢٨٢ ح ٨٦٤٩ ، تاريخ الخلفاء : ٢٠٢ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٠ ح ٣٢٨٨٩ و ٣٢٨٩٠ وص

٤٠٧

ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ، فمن أتاها من غيره فهو سارق.

وأمّا ما ادّعاه من أنّا نمزج ما ننقله بألف كذبة ، وأنّهم ينقلون بالأسانيد الصحيحة ؛ فيكفي المنصف في ردّه ما ذكرناه في مقدّمة الكتاب.

والحمد لله الذي جعلنا ممّن يأخذ عن نبيّه وباب مدينة علمه ، وجعلنا ممّن تمسّك بالثقلين ، ونسأله جوارهم في الدارين.

* * *

__________________

٦١٤ ح ٣٢٩٧٨ و ٣٢٩٧٩ وج ١٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ح ٣٦٤٦٣ ، إتحاف السادة المتّقين ٦ / ٢٤٤.

وقد صنّف الحافظ أحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري الحسني كتاب « فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي » جمع فيه طرقه ، وسلك فيه مسلكا مبتكرا أثبت فيه صحّة الحديث بتسعة مسالك ، وأبطل جميع الأكاذيب والادّعاءات بعدم صحّة سند الحديث ؛ فراجع.

٤٠٨

إثبات الحسن والقبح العقليّين

قال المصنّف ١(١) :

المطلب الثاني

في إثبات الحسن والقبح العقليّين

ذهب الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل ، كعلمنا بحسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ.

فإنّ كلّ عاقل لا يشكّ في ذلك ، وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب ، وإنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.

ومنها : ما هو معلوم بالاكتساب أنّه حسن أو قبيح ، كحسن الصدق الضارّ ، وقبح الكذب النافع.

ومنها : ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه ، كالعبادات(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٢.

(٢) شرح جمل العلم والعمل : ٨٥ ـ ٨٩ ، تقريب المعارف : ٩٧ ـ ٩٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٨٤ ـ ٨٧ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٦١ وما بعدها ، تجريد الاعتقاد : ١٩٧ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٠٢ وما بعدها ، المحيط بالتكليف : ٢٣٤.

٤٠٩

وقالت الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح شرعيّان ، ولا يقضي العقل بحسن شيء ولا قبحه ، بل القاضي بذلك هو الشرع ، فما حسّنه فهو حسن ، وما قبّحه فهو قبيح(١) .

* * *

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٢٨ و ٢٣٤ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٦ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٨١.

٤١٠

وقال الفضل(١) :

قد سبق أنّ الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة(٢) :

الأوّل : صفة الكمال والنقص ، يقال : العلم حسن ، والجهل قبيح ، ولا نزاع في أنّ هذا أمر ثابت للصفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل ، ولا تعلّق له بالشرع.

الثاني : ملاءمة الغرض ومنافرته ، وقد يعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة والمفسدة ، وذلك أيضا عقلي ، أي يدركه العقل ، كالمعنى الأوّل.

الثالث : تعلّق المدح والثواب بالفعل ، عاجلا وآجلا ، والذمّ والعقاب كذلك ، فما تعلّق به المدح في العاجل والثواب في الآجل يسمّى حسنا ، وما تعلّق به الذمّ في العاجل والعقاب في الآجل يسمّى قبيحا.

وهذا المعنى الثالث محلّ النزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعي ؛ وذلك لأنّ أفعال العباد كلّها ليس شيء منها بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ولا ذمّ فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها.

وعند المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية عقلي ، كما ذكر هذا الرجل.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٤١.

(٢) انظر : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

٤١١

هذا هو المذهب ، وكثيرا ما يشتبه على الناس أحد المعاني الثلاثة بالآخر ، ويحصل منه الغلط فتحفظ عليه ، وإنّما كرّرنا هذا المبحث وأعدناه في الموضع ليتحفّظ عليه.

* * *

٤١٢

وأقول :

ضاق على القوم طريق الاعتذار ، واتّسع عليهم سبيل الانتقاد ، فأقرّوا بالحسن والقبح العقليّين في الأفعال بالتزامهم بالمعنى الأوّل على إطلاقه وهم لا يشعرون ؛ لأنّ العلم ـ ونحوه ممّا جعلوه صفة ـ هو في الحقيقة من الأفعال ، ولذا يكلّف الإنسان بالعلم ومعرفة الأحكام.

لكن إذا ثبت للإنسان قيل : إنّه صفة له ، وكذا كلّ ما هو من نحوه من الأفعال ؛ كالصدق ، والكذب ، والإحسان ، والإساءة ، والعدل ، والظلم ، ونحوها.

وحينئذ فيكون معنى حسنها : إنّه ممّا ينبغي فعلها ، ويستحقّ فاعلها المدح عند العقلاء ، ومعنى قبحها : إنّها ممّا ينبغي تركها ، ويستحقّ فاعلها الذمّ عند العقلاء.

وأمّا ما ذكروه من المعنى الثاني ، فغير متّجه ؛ لأنّ دعوى أنّ الحسن والقبح عقليّان بهذا المعنى غير صحيحة ، إذ إنّ الملاءمة والمنافرة إنّما يستلزمان الحبّ والبغض ، والتحسين والتقبيح الطبعيّين ، لا الحسن والقبح العقليّين ، كما هو ظاهر.

هذا ، وقد أطلق القوم على ملاءمة الغرض ومنافرته : المصلحة والمفسدة ، والظاهر إرادة المصلحة والمفسدة عند الفاعل باعتبار ميله وعدمه ، ولا يمكن أن يريدوا بهما المصلحة والمفسدة الواقعيّتين ، فإنّه لا يصحّ جعلهما تعبيرا آخر عن الملاءمة والمنافرة.

وأمّا المعنى الثالث ، فإنّ معنى الحسن فيه : إنّه ما يستحقّ فاعله

٤١٣

المدح عند العقلاء ، ومعنى القبيح : ما يستحقّ فاعله الذمّ عند العقلاء ، وهذا هو محلّ النزاع ، فإنّا نثبته ، وهم ينكرونه ، فإدخال كلمة « الثواب والعقاب » في تعريفهما خطأ ظاهر.

فالحقّ أنّ النزاع بيننا وبينهم في أنّ الفعل هل فيه جهة تحسّنه أو تقبّحه عقلا ، أو لا؟ بل يتبع في حسنه وقبحه أمر الشارع ونهيه ، ولا حكم للعقل في حسن الأفعال وقبحها ، فما نهي عنه شرعا قبيح ، وما لم ينه عنه حسن ، كالواجب والمندوب ، وكالمباح عند أكثرهم ، وكفعل الله سبحانه ؛ لأنّها جميعا لم ينه عنها شرعا.

وأمّا فعل الصبي فقد قال في « شرح المواقف » : « مختلف فيه »(١) .

وأمّا فعل البهائم فقد قال : « قيل : إنّه لا يوصف بحسن ولا قبح باتّفاق الخصوم »(٢) .

وكيف كان! فقد اختار الأشاعرة الثاني(٣) .

والحقّ عندنا : الأوّل ؛ ضرورة أنّه ـ مع قطع النظر عن الشرع ـ نرى الفرق الواضح بين السجود والتعظيم للملك القهّار ، والسجود والتعظيم لخسيس الأحجار ، وبين الصدق النافع والكذب الضارّ.

وعلى رأي الأشاعرة لا فرق بينهما عقلا ، مع قطع النظر عن الشرع(٤) ، وهو حقيق بالعجب.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٣) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٤) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٣٠ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٢.

٤١٤

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وهو باطل لوجوه

الأوّل : إنّهم أنكروا ما علمه كلّ عاقل من حسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ ، سواء كان هناك شرع أم لا(٢) ، ومنكر الحكم الضروري سوفسطائي.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

(٢) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، المواقف : ٣٢٤ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

٤١٥

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ حسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ ؛ إن أريد بهما صفة الكمال والنقص والمصلحة والمفسدة فلا شكّ أنّهما عقليّان ، كما سبق.

وإن أريد بهما تعلّق المدح والثواب والذمّ والعقاب ، فلا نسلّم أنّه ضروري ، بل هو متوقّف على إعلام الشارع.

وكيف يدرك تعلّق الثواب وهو من الله ، وبالشرع والإعلام من الشارع؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٦٣.

٤١٦

وأقول :

قد عرفت أنّ الصدق والكذب فعلان في أنفسهما ، وأنّ الحسن والقبح ثابتان لهما عقلا مع قطع النظر عن لحاظ الوصفيّة والملاءمة والمنافرة ؛ فيتمّ المطلوب.

ولا دخل للثواب والعقاب في محلّ النزاع حتّى يقال : لا دخل للعقل في إدراكهما!

* * *

٤١٧

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

الثاني : لو خيّر العاقل الذي لم يسمع الشرائع ولا علم شيئا من الأحكام ، بل نشأ في بادية خاليا من العقائد كلّها ، بين أن يصدق ويعطى دينارا ، وبين أن يكذب ويعطى دينارا ، ولا ضرر عليه فيهما ، فإنّه يتخيّر الصدق على الكذب.

ولو لا حكم العقل بقبح الكذب وحسن الصدق لما فرّق بينهما ولا اختار(٢) الصدق دائما.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

(٢) في طبعة القاهرة : وما اختار.

٤١٨

وقال الفضل(١) :

قد سبق جواب هذا(٢) ، وأنّ مثل هذا الرجل لو فرضنا أنّه يختار الصدق بحكم عقله ، فإنّه يختاره لكونه صفة كمال ، أو موجب مصلحة.

وهذا لا نزاع في أنّهما عقليّان ، لا أنّه يختاره لكونه موجبا للثواب والعقاب ، وكيف وهو لا يعرف الثواب ولا العقاب؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٦٧.

(٢) انظر الصفحة ٤١٦.

٤١٩

وأقول :

قد عرفت ما فيه ممّا سبق(١) ، فلا حاجة إلى الإعادة ، ولا أدري متى كان إيجاب الثواب والعقاب معنى للحسن والقبح العقليّين حتّى يدّعيه الإمامية ، ويكون محلّا للنزاع.

وإنّما نقول في المثال : إنّ الصدق ـ بما هو فعل صادر من الشخص ـ حسن عقلا ، والكذب ـ كذلك ـ قبيح عقلا ، وهم ينكرونه.

ولا يخفى أنّ جعله لاختيار الصدق فرضيا دليل على تكلّفهم في إثبات الحسن والقبح العقليّين بالمعنيين اللذين زعم عدم النزاع بهما.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحتين ٤١٣ ـ ٤١٤.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456