دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 140964 / تحميل: 5350
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٥-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الإسلام ، ودفاعهما عن شريعة جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما قاما به من إصلاح في الأمة الإسلامية ، ووقوفهما سداً منيعاً أمام كل المحاولات التي تستهدف النيل من الرسالة الإسلامية ؛ لما يحملانه من خصائص ، ومميّزات ، وقد تواترت الروايات في علو شأنهما وسمو مقامهما ، كل ذلك جعل لهما الدور الفاعل في التأثير البالغ في المسلمين ، سواء على الصعيد الفكري أم الاجتماعي أم غيرهما ، كل ذلك في زمن أصبحت الحياة الإسلامية فيه مسرحاً للخلافات ، والجرائم والآثام ، وأصبحت فيه الحكومة ملكاً عضوضاً يتوارثه بنو أمية فيما بينهم بالقهر والغلبة ، وقد انبرى الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام في ذلك الحين لمعالجة الواقع المرير ، وقد جاء في مجامع أحاديث السنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق ابنه الحسنعليه‌السلام : ( إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق ابنه الحسينعليه‌السلام :( حسين منّي وأنا منه أحبّ الله مَن أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) (٢)

ولذا قام الإمام الحسينعليه‌السلام ثائراً على الظلم آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مضحّياً بنفسه وأهل بيته في سبيل إعلاء كلمة الحق ، طالباً

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٧٩ ح ٢٧٠٤ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٢٩١ ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً من الفريقين .

(٢) التاريخ الكبير ، البخاري : ج ٨ ص ٤١٥ ح ٣٥٣٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٨ ص ٢٢٤ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٣٢ ح ٢٥٨٦ ، ج ٢٢ ص ٢٧٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٧٥ ح ٣٧٢٧ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٥١٣ ؛ وفي صحيح الجامع الصغير ، الألباني : ج ١ ص ٦٠١ ـ ٦٠٢ ح ٣١٤٦ ، قال عن الحديث بأنّه ، (حسن) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢١

الإصلاح في أمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما لاحظ الممارسات البعيدة عن روح الدين والأخلاق من قِبَل الحكومة آنذاك ، حينما اتخذت الإسلام ستاراً لتغطية جرائمها وممارساتها المتهتّكة ؛ ولذا قالعليه‌السلام عندما خرج متوجّهاً إلى الكوفة :( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١) .

وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمةعليهما‌السلام : ( فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك )(٢)

ولا نطيل الحديث في ذلك بعد أن ثبت أنّهماعليهما‌السلام إمامان قاماً أو قعداً(٣) .

الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس الشافعي : ( هو أفقه أهل المدينة )(٤) .

وقال محمد بن أحمد الذهبي ( ت ٧٤٨ ) : ( كان له جلالة عجيبة ، وحق له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه ، وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله )(٥) . وقال أيضاً : ( وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة

ـــــــــــــ

(١) مقتل الحسين : الخوارزمي : ص ٢٧٣ ؛ الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي : ج ١٩ ص ٢١٦ ؛ نقلاً عن أهل البيت ، الأستاذ توفيق أبو علم : ص ١٩٥ ، طبعة مطبعة السعادة ـ القاهرة .

(٤) نقله الجاحظ في رسائله : ص ١٠٦ .

(٥) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٤ ص ٣٩٨ .

٢٢

العلماء العاملين يصلح للإمامة )(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الهاشمي زين العابدين ، ثقة ، ثبت ، عابد ، فقيه ، فاضل ، مشهور ، قال ابن عيينة عن الزهري : ما رأيت قرشياً أفضل منه )(٢) .

وقال ابن حجر في الصواعق : ( وأخرج أبو نعيم والسلفي لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين ، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم ، فقال أهل الشام لهشام ، مَن هذا ؟ قال : لا أعرفه ؛ مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين ، فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثم أنشد :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلّهمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

إذا رأته قريشٌ قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

ينمي إلى ذروة العِزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ

ـــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٢) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ٦٩٢ .

٢٣

وكذا من أبيات تلك القصيدة :

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله

بجدّه أنبياءُ الله قد خُتموا

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف مَن أنكرت والعجمُ

ثم قال :

من معشرٍ حبّهم دين وبغضهم

كفرٌ وقربهم منجى ومعتصمُ

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

فلمّا سمع هشام غضب ، وحبس الفرزدق بعسفان )(١) .

الإمام الباقرعليه‌السلام :

قال في حقّه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ( وهو سيّد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ، وهو الملقّب بالباقر ، باقر العلم ، لقبّه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلق بعد ، وبشّر به ووعد جابر بن عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ .

٢٤

الله برؤيته ، وقال : ستراه طفلاً ، فإذا رأيته فبلّغه عنّي السلام ، فعاش جابر حتى رآه ، وقال له ما وصّى )(١) .

وقال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : ( ومنهم الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، كان من سلالة النبوّة ، وممّن جمع حسب الدين والأبوّة ، تكلّم في العوارض والخطرات ، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات )(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ( قال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ، يعني بالحكم الحكم بن عيينة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه )(٣) .

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ( سمّي بذلك ؛ لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وعرف خفيّه وهو تابعي جليل ، إمام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم )(٤) .

وقال ابن خلكان : ( كان الباقر علماً ، سيّداً ، كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر

ـــــــــــــ

(١) رسائل الجاحظ : ص ١٠٨ ؛ جمعها ونشرها حسن السندوبي .

(٢) حلية الأولياء ، أبو فرج الأصفهاني : ج ٣ ص ١٨٠ ، وكذا بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٩ .

(٣) تذكرة الخواص ، الذهبي : ص ٣٠٢ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات : ج ١ ص ١٠٣ .

٢٥

لأنّه تبقر في العلم )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( أبو جعفر الباقر : سيّد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة )(٢) ، وفي هذا المضمون ما قاله صلاح الدين الصفدي(٣) .

وقال محمد بن المنكدر : ( ما رأيت أحداً يفضّل على علي بن الحسين ، حتى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني )(٤) .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وهو تابعي جليل ، كبير القدر كثيراً ، أحد أعلام هذه الأُمّة ، علماً وعملاً ، وسيادة وشرفاً )(٥) .

وقال الهيتمي في صواعقه بعد أن ذكر علي بن الحسينعليهما‌السلام ما نصّه : ( وارثه منهم ، عبادة وعلماً وزهادة ، أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك : من بقر الأرض ، أي شقّها فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثَمّ قيل فيه : هو باقر العلم ، وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه صفا قلبه وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة ، وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك ، فقيل له وكيف

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٤ ص ٣٠ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصفدي : ج ٤ ص ١٠٤ .

(٤) نقلاً عن تهذيب التهذيب : ج ٩ ص ٣١٣ .

(٥) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٨ .

٢٦

ذاك ؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال :يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السلام ) (١) .

وقال أبو الحنبلي : ( قال عبد الله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده ، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ )(٢) .

وقال محمد بن علي الصبان في إسعاف الراغبين : ( وأما محمد الباقررضي‌الله‌عنه فهو صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته ، لقب بالباقر لأنّه بقر العلم ، أي شقّه وعرف أصله وخفيّه )(٣) .

الإمام الصادقعليه‌السلام :

نقل عن أبي حنيفة أنّه قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي ، فجلست ، ثم ألتفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

(٢) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب : ج ١ ص ٢٦٠ .

(٣) إسعاف الراغبين : ص ٢٥٠ .

٢٧

الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها : كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا وكذا ، ونحن نقول : كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية : ( لو لا السنتان لهلك النعمان )(٢) ، يعني السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقال الحافظ شمس الدين الجزري : ( وثبت عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة (رحمهما الله تعالى) صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حتى قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور )(٣) .

وقال الجاحظ بعد مدح عشرة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن ضمنهم الإمام الصادقعليه‌السلام فقال : ( ومن الذي يُعد من قريش ، أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك فمنهم خلفاء وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا بيوت العجم )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تهذيب الكمال ، المزي : ج ٥ ص ٧٩ ؛ نشر مؤسسة الرسالة .

(٢) نقلاً عن أسنى المطالب عمّا في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : ص ٥٥ .

(٣) المصدر نفسه : ص ٥٥ .

(٤) رسائل الجاحظ : ص ١٠٦ .

٢٨

وقال الذهبي في ترجمة مطوّلة للإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه تاريخ الإسلام ، قال في آخرها : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعمله وشرفه (رضوان الله عليه) )(١) .

وقال أبو عبد الله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان ، في أحداث سنة (٤٨ هـ) : ( الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام ، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أُولي المناقب ، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمس مائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( جعفر بن محمد المعروف بالصادق ، صدوق ، فقيه ، إمام )(٣) .

قال الملا أبو علي القاري في شرح الشفا : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق متفق على إمامته وجلالته وسيادته )(٤) .

وقال محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري في الكواكب الدريّة :

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة ١٤١ ـ ١٦٠) ، الذهبي : ص ٩٣ .

(٢) مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ١ ص ٢٣٨ .

(٣) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ١٦٣ .

(٤) شرح الشفا ، أبو علي القاري : ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٤ .

٢٩

 ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إماماً وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة منها أنّه سُعي به عند المنصور ، فلمّا حجّ أحضر الساعي ، وقال للساعي أتحلف ؟ قال : نعم ، فحلف ، فقال : جعفر المنصور حلّفه بما رآه ، فقال : قل برئت من حول الله وقوّته ، والتجأ إلى حولي وقوّتي ، لقد فعل جعفر كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، ثم حلف فمات مكانه ، ومنها أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل يصلّي ، ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجّة بموته ، ومنها أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمّه زيد :

صَلَبْنا لكم زيْداً على جِذْعِ نَخْلَةٍ

ولم نرَ مَهْديّاً على الجذْعِ يُصْلَبُ

قال اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك ، فافترسه الأسد )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان )(٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس المنذر ، أبو حاتم (ت ٢٧٧ هـ) : ( ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين )(٣) .

وقال الفخر الرازي في بيان معنى الكوثر : ( والقول الثالث : الكوثر

ـــــــــــــ

(١) الكواكب الدريّة : ص ٩٤ .

(٢) الصواعق ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٥ .

(٣) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء : ج ٦ ص ٢٧٠ .

٣٠

أولاده الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي قال : ( موسى الكاظم : وهو وارثه [ أي جعفر الصادق ] علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سُمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم .

وسأله الرشيد كيف قلتم : إنّا ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم أبناء علي ؟ فتلى :( ومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ ) (٢) ، [وعيسى] ليس له أب ، وأيضاً قال تعالى :( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدعُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) ، فكان الحسن والحسين هما الأبناء )(٤) .

وقال خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦) : ( كان من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل زمانه ، وأحد كبار العلماء الأجواد )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج ١٦ ص ١٢٥ .

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥ .

(٣) آل عمران : ٦١ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

(٥) الأعلام ، خير الدين الزركلي : ج ٧ ص ٣٢١ .

٣١

الإمام الرضاعليه‌السلام :

قال في حقّه ابن حبان (ت ٣٥٤ هـ) : ( وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلا أستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة ، وهذا شيء جرّبته (صلّى الله عليه وسلام الله عليه وعليهم أجمعين) )(١) .

وقال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في سير أعلام النبلاء : (علي الرضا الإمام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان ، يقال : أفتى وهو شاب في أيام مالك وقد كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة )(٢) .

وقال أيضاً : ( علي بن موسى الرضا كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته )(٣) .

وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه : ( كان يفتي في مسجد رسول

ـــــــــــــ

(١) الثقات ، الألباني : ج ٨ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٩ ص ٣٨٧ ـ ٣٩٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٢١ .

٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ابن نيّف وعشرين سنة )(١) .

الإمام الجوادعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( عُرف بأبي جعفر الثاني ، وهو وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر )(٢) .

وقال ابن الجوزي : ( كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود )(٣) .

وقال ابن تيمية : ( كان من أعيان بني هاشم معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سُمّي الجواد)(٤) .

وقال الذهبي : ( كان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقد أشار إلى فضله وشرفه صلاح الدين الصفدي في مرآة الجنان(٦) .

وقال الذهبي أيضاً : ( محمد الجواد من سادة قومه )(٧) .

وقال ابن الصباغ المالكي : ( وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر ، القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا )(٨) .

ـــــــــــــ

(١) نقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٧ ص ٣٣٩ .

(٢) مطالب السؤول في مناقب الرسول ، كمال الدين الشافعي : ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) تذكرة الخواص ، السبط ابن الجوزي : ص ٣٢١ .

(٤) منهاج السنّة ، ابن تيمية : ج ٤ ص ٦٨ .

(٥) تاريخ الإسلام: (حوادث ووفيات سنة ٢١١ ـ ٢٢٠) ، الذهبي : ص ٣٥٨ .

(٦) مرآة الجنان ، عبد الله بن أسعد المكي: ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦١ .

(٧) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٨) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، ابن الصباغ المالكي : ص ٢٥٣ .

٣٣

وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت ١٣٥٠ هـ) : ( محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمّة ومصابيح الأُمّة من سادات أهل البيت توفّى وله من العمر (٢٥) سنة وشهر رضي الله عليه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين ونفعنا ببركتهم آمين )(١) .

وقال محمود بن وهيب : ( وهو الوارث لأبيه علماً وفضلاً ، وأجلّ أخوته قدراً وكمالاً )(٢) .

وقال السيد محمد عبد الغفار الهاشمي الأفغاني : ( خاف الملك المعتصم على ذهاب ملكه إلى الإمام محمد الجوادعليه‌السلام إذ كان له قدر عظيم علماً وعملاً )(٣) .

الإمام الهاديعليه‌السلام :

قال في حقّه شمس الدين الذهبي في ( العبر ) : ( وفيها ـ أي سنة ٢٥٤ هجرية ـ توفّي أبو الحسن علي بن الجواد محمد ابن الرضا علي بن الكاظم موسى العلوي الحسيني المعروف بالهادي ، توفّي بسامراء وله أربعون سنة ، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً )(٤) . وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدهعليه‌السلام يستثمر الفرص لإبداء النصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال

ـــــــــــــ

(١) جامع كرامات الأولياء : ج١ : ص ١٦٨ ـ ١٦٩ .

(٢) أئمّتنا : محمد علي دخيل : ج ٢ ص ٢٠٦ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ١٢ ص ٤١٧ ، نقلاً عن كتاب أئمّة الهدى : ص ١٣٥ ـ ط ١ القاهرة .

(٤) العبر في أخبار مَن غبر : ج ١ ص ٢٢٨ ؛ وكذا مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ٢ ص ١١٩ .

٣٤

ابن خلكان في وفيات الأعيان : ( وهو أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية ، كان قد سُعي به إلى المتوكل ، وقيل : إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه ، فوجّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً ، فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثُل بين يديه ، والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعضمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده ، فقال : اعفني ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية للشعر ، قال : لابد أن تنشدني ، فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلبُ الرجال فما أغنتهم القللُ

واستُنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا

أين الأسرة والتيجان والحللُ

أين الوجوه التي كانت منعمةً

من دونها تُضرب الأستار والكللُ

٣٥

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا(١)

وبنفس هذا المضمون قال ابن الوردي في كتابه أخبار مَن غبر(٢) ، وكذا أبو صلاح الصفدي(٣) .

وقال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ( قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن علي بن محمد الهادي قد ضرب على الحرة بابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحلتها ، ولا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمدة إلاّ وله تفضلها وجملتها فكانت نفسه مهذّبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة جرى على الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة ، والخمول في النباهة على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة عليّة )(٤) .

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ( توفّى [ الجواد ] وعمره خمس وعشرون سنة عن ذكرين وبنتين أجلّهم علي العسكري وكان وارث أبيه علماً وسخاءً )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٣ ص ٢٣٨ ؛ دار الكتب العلمية .

(٢) العبر في أخبار من غبر: ج ١ ص ٣٦٤ .

(٣) الوافي بالوفيات ، الصفدي : ج ٢٢ ص ٧٢ ـ ٧٣ .

(٤) الفصول المهمّة : ص ٢٧٠ .

(٥) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣١٢ .

٣٦

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ( أبو الحسن المعروف بالهادي كان فقيهاً إماماً متعبّداً )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( وكذا ولده الملقّب بالهادي شريف جليل )(٢) .

الإمام العسكريعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( اعلم أنّ المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها ، وقلّده فريدها ، ومنحه تقليدها ، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها ، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها ، أنّ المهدي محمد من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه )(٣) .

وقال ابن الجوزي : (... كان عالماً ثقة )(٤) وقال ابن الصباغ المالكي : ( مناقب سيّدنا أبي محمد العسكري دالة على أنّه السري ابن السري ، فلا يشك في إمامته أحد ولا يمتري واحد زمانه من غير مدافع ، ويسبح وحده من غير منازع ، وسيد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة وأفعاله حميدة كاشف الحقائق بنظره الصائب ، ومظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه بالأمور الخفيات ، الكريم

ـــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ، عماد الحنبلي : ج ٢ ص ٢٧٢ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ج ٢ ص ١٤٨ .

(٤) تذكرة الخواص : ص ٣٢٤ .

٣٧

الأصل والنفس والذات ، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمين )(١) .

وقال العباس بن نور الدين المكي (ت ١١٨٠ هـ) : ( أبو محمد الإمام الحسن العسكري : نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر يعرف هو وأبوه بالعسكري ، وأمّا فضائله فلا يحصرها السن )(٢) .

وعن الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري : ( قال نسبه ولمّا ذاع خبر وفاته ارتجّت سُرّ مَن رأى وقامت صيحة واحدة ، وعطلت الأسواق ، وأغلقت الدكاكين ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة وسائر الناس إلى جنازته ، وكانت سرّ مَن رأى يومئذ شبيه بالقيامة )(٣) .

وقال الحضرمي الشافعي : ( أبو محمد الحسن الخالص بن علي العسكري ، كان عظيم الشأن جليل المقدار ووقع له مع المعتمد لما حبسه كرامة ظاهرة مشهورة )(٤)

وقد جمع مدحهمعليهم‌السلام الذهبي في عبارة جامعة حيث قال : ( إنّ بني هاشم أفضل القريش ، وقريشاً أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، كما صحّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في الحديث الصحيح :إنّ الله اصطفى بني

ـــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ص ٢٧٩ ؛ وقال بمضمونه نور الدين السمهودي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف .

(٢) حياة الإمام العسكري ، القرشي : ص ٦٩ .

(٣) شرح إحقاق الحق : ج ٢٩ ص ٦٠ ـ ٦١ ، نقلاً عن أحسن القصص : ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٤) قادتنا كيف نعرفهم ، السيد الميلاني : ج ٧ ص ١١٥ ، عن وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل : ص ٤٢٦ .

٣٨

إسماعيل ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش )(١) .

وقال الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام : ( ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة ، وأنّه صاحب الزمان ، وأنّه حي لا يموت ، حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً .

فوددنا ذلك ، والله .

فمولانا الإمام علي : من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك .

وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .

وكذلك ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون .

وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه .

وكذا ولده الملقّب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) رأس الحسين ، ابن تيمية : ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ ـ ١٢١ .

٣٩

ومن جميع ما تقدّم يتضح ـ لمَن له أذن واعية ـ بطلان المقولة القائلة بأنّ الإمامة لا فائدة منها ، وأنّ الأئمّة الاثني عشر من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) لم يمارسوا دورهم القيادي في الحكومة وهداية الأمة ؛ وذلك لقيام الأئمّة بمسؤوليتهم وأداء دورهم في حياة الأمة في الحفاظ على الرسالة ، وتحصينها ضد التردّي والسقوط في الهاوية .

وإنّ إقصاءهم عن تسلّم الحكم لا يعني تخلّيهم عن مسؤوليتهم في تحمّل أعباء الإمامة بما لها من أبعاد أخرى .

تراث زاخر

وأمّا قول المستشكل : أين هي أقوال أئمّة الاثني عشرية ؟

فنقول : ما عليك إلاّ بمراجعة يسيرة للتراث الشيعي حتى تجده زاخراً بروايات وتوصيات وتوجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في كل المجالات ، ولم تقتصر الاستفادة منها على شيعتهم وأتباعهم فقط ، وإنّما عمّت الفائدة لكل الطوائف الأخرى ، كما تقدّم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

له صفات تأخذ معرفتها » إلى آخره

ففيه : مع إنّ القول بعدم المشابهة مشترك ظاهرا بين الفريقين ، لا يجتمع مع القول بأخذ صفاته من صفات البشر ؛ لأنّ أخذ معرفة صفة من صفة يقتضي المشابهة بينهما ويلزمه أن يكون الموصوفان متشابهين ؛ لأنّ اقتضاء الذاتين للأمرين المتشابهين ، دليل على تشابه الذاتين ، فلا معنى لقوله : « لا يشبه الأشياء ».

وأمّا قوله : « أو نقول : إنّه لا صفات له »

فإن أراد به أنّه لا صفات له زائدة على ذاته ، مغايرة له في الوجود ، فهو قولنا ، وهو الحقّ الصريح.

وإن أراد به انتفاء العلم عنه ، أي انكشاف الأشياء له وحضورها عنده ، وانتفاء القدرة وباقي الصفات عنه فهو باطل ، بعد أن تكون ذاته تعالى بنفسها مصدرا لآثار العلم ، والقدرة ، والإرادة ، وغيرها من الصفات ، بلا حاجة منه إلى الصفات المغايرة له ، فلا يشبه مخلوقاته في الحاجة إلى غيرها في صدور الآثار عنها.

نعم ، لمّا كانت ذاته المقدّسة مصدرا لآثار الصفات ، صحّ أن ينتزع له وصف الحيّ القادر العالم إلى غيرها من صفاته ، فهو سبحانه حيّ قادر عالم أزلا وأبدا ، وهذا معنى جليّ لا يحير فيه إلّا من لا إدراك له.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ الله تعالى كان في الأزل متكلّما بكلام نفسي صفة ذاته »

ففيه : إنّ هذا لا يكفي في البيان ، بل ينبغي أن يضاف إليه أنّه صفة مغايرة لسائر الصفات ، فعنده يحير ذلك الطالب للمعرفة في فهم معناه ولا يجده معقولا ، ويرى الطلب في الأزل والأبد حيث لا مطلوب ،

٤٠١

ولا مطلوب منه من السفه.

وأمّا قوله : « أو يقال : إنّه خلق الكلام وليس هو بمتكلّم ؛ لأنّ خالق الكلام لا يسمّى متكلّما »

فغير صحيح ؛ لصحّة انتزاع وصف المتكلّم له تعالى من خلقه للكلام ، لاختلاف أنحاء تلبّس الذات بالمبدأ ـ كما مرّ ـ على إنّ ذلك مناقشة لفظية في كلمة لم تثبت في الكتاب ، ولم يلزم الحكم بصحّة إطلاقها عليه تعالى ، إلى غير ذلك ممّا عرفته سابقا(١) .

وأمّا قوله : « وإنّه أحدث الأمر والنهي بلا تقدير وإرادة سابقة »

فكذب ظاهر ؛ لأنّا لا ننكر التقدير والإرادة في السابق ، وقولنا بعدم زيادة صفاته تعالى لا يستدعي عدم الإرادة الأزلية المنتزعة من ذاته تعالى ، كالعلم والقدرة والحياة الأزليّات ، وإنّما يتأخّر المراد لوقته ، كما هو كذلك على قولهم.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن نقول : إنّه تعالى مرئي يوم القيامة » إلى قوله : « ولكن هذه الرؤية بلا كيفية ، كما سترى وتعلم »

ففيه : إنّه يستلزم إنكار السامع من وجهين :

الأوّل : إنّه تعالى لو كان صالحا لتعلّق الرؤية به ، فلم لا يرى في الدنيا ، والرؤية فيها أولى ، ليحصل اليقين به وجدانا ، فيطلبها السامع حينئذ فيقع القائل في الحيرة.

الثاني : إنّه لا يتصوّر معنى معقولا للرؤية بلا كيفية ، فينفر المتحيّر عن الدين المشتمل على ما لا يعقل ، فيقع بدل ما أرادوا من الشغف في

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر ١ في الصفحة ٢٢٩ من هذا الجزء.

٤٠٢

العبادة النفرة عنها وعن أصل الدين ، ويعدّ وعدهم في الرؤية غير المعقولة مسخرة ؛ وكاف في شغفه في العبادة أن يعرف ما يستحقّ بها من الثواب الجزيل والقرب من رحمة ربّه الكريم.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ أنبياء الله مكرّمون معصومون من الكذب والكبائر »

ففيه :

أوّلا : إنّه لا معنى للعصمة عن الكذب في دعوى الرسالة كما هو مراده ، وقد سبق.

وثانيا : إنّهم لا ينزّهون الأنبياء عن الكبائر قبل النبوّة ، وبعضهم لا ينزّههم حتّى عن الكفر قبلها! وأمّا بعد النبوّة فلا ينزّهونهم عن الكبائر سهوا ، بل عمدا عند بعضهم ، كما ستسمع إن شاء الله تعالى.

وأمّا قوله : « ولكنّهم بشر لا يأمنون من إمكان وقوع الصغائر »

ففيه : إنّ هذا موجب للنفرة منهم ؛ لأنّ من جاء لتأسيس شرع أو تقوية شرع سابق ، لا يحسن أن يخالفه ، ولا يكون مع المخالفة محلّا للوثوق والاتّباع.

فكيف يسكن إليه الحائر وقد قرعوا سمعه ـ قبل الإيمان به ـ بأنّه يفعل المعاصي ويخالف ما جاء به؟!

ولا يخفى أنّ لفظ « الإمكان » في كلامه فضلة لا محلّ لها!

وأمّا قوله : « فلا تيأس أنت من عفو الله وكرمه ، إن صدر منك ذنب »

ففيه : إنّ هذا قبل السؤال إغراء بالمعصية ودعوة إليها!

وقوله : « فإنّهم أسوة الناس ، ويمكن أن يقع منهم الذنب »

٤٠٣

متناقض المفاد ؛ لأنّ الأسوة هو المتّبع ، ومن يقع منه الذنب يحرم اتّباعه ، مع إنّ العاصي لا يكون أسوة حسنة.

وأمّا قوله في تقرير مذهب الإمامية ، أنّ : « الأنبياء كالملائكة ، يستحيل عليهم الذنب »

فهو افتراء عليهم ؛ لأنّ العصمة عندهم عن الذنب لا تنافي القدرة عليه ، وإلّا لم يصحّ التكليف ؛ على أنّه منقوض بالعصمة عن الكبائر عندهم ، فإنّهم يقولون بها كما زعم.

وأمّا ما ذكره من أنّه : « إذا سمع المتحيّر بشيء من ذنوب الأنبياء ، كما جاء في القرآن : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى )(١) ، يتردّد في نبوّة آدم »

ففيه : إنّه إذا تردّد قيل له : إنّ المراد بالمعصية ترك الأولى(٢) ، وإرادة خلاف الظاهر غير عزيزة في كلام العرب ، وإلّا لم يمكن أن يذكر له أنّ الله ليس بجسم ؛ لأنّه يتردّد في ربوبيّته إذا سمع قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى )(٣) ، ونحوه.

وأمّا قوله : « وهل الأولى أن يقال : إنّ رسول الله ٩ لمّا بعث إلى الناس تابعه جماعة من أصحابه » إلى آخره

ففيه : إنّ هذا خارج عمّا نحن بصدده ؛ لأنّ الكلام في ما هو أقرب إلى العقل المتحيّر من الأمور العقليّة ، لا في الأمور التاريخية التي تتبع

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ١٢١.

(٢) انظر : تنزيه الأنبياء ـ للشريف المرتضى ـ : ٢٥ ، عصمة الأنبياء ـ للفخر الرازي ـ : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) سورة طه ٢٠ : ٥.

٤٠٤

واقعها وتحتاج إلى السبر والاطّلاع ، فالذي ينبغي أن يذكر في مسألة الإمامة ، أنّه :

هل الأولى أن يقال له : إنّ أئمّتنا معصومون مطهّرون من الذنوب ، عالمون بكلّ ما جاء به النبيّ من عند الله ، حافظون لكلّ حكم أراده الله ، منصوص عليهم كأوصياء الأنبياء ، قادرون على سياسة الأمّة على حسب القانون الإلهي ، لا يخطئون ولا يجهلون

أو يقال له : إنّ أئمّتنا ممّن يختارهم الأمّة ، ولو واحد ، حتّى إنّ النبيّ ٦ ترك أمّته سدى ، وأوكل الأمر إلى اختيارهم مع قرب عهدهم بالكفر ، وإن أدّى الحال إلى اختيار مثل : معاوية ، ويزيد ، وعبد الملك ، والوليد ، والمنصور ، والرشيد ، وأشباههم من ملوك الجور والضلال والجهل والفساد ، فهم أئمّتنا ويجب علينا اتّباعهم وتعظيمهم؟!

ولو سلّم أنّ للأمور التاريخية دخلا في ما نحن فيه ، بلحاظ أنّ منها ما يستقرّ به العقل ، ومنها ما يستبعده ، فاللازم أن نذكر في مذهب الإمامية كما ذكر في مذهبه شيئا من التفصيل

فنقول :

لمّا بعث الله تعالى رسوله ٦ وصدع بأمره ، تبعه الناس اختيارا واضطرارا ، وكان فيمن صحبه أناس أخبرهم الرهبان والكهنة بعلوّ أمره ، وبعد صيته ، فصحبوه طلبا للدنيا ، وصحبه آخرون للخوف ، ولكثير منهم ترات(١) عند النبيّ ٦ وابن عمّه ووزيره ، فلمّا أراد الله تعالى

__________________

(١) التّرات ، جمع التّرة : وهي الثأر ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٧ ـ ٢٨ مادّة « ذحل » وج ١٥ / ٢٠٥ مادّة « وتر ».

٤٠٥

قبض نبيّه ٦ إليه أوصى ابن عمّه ـ المعدود أخاه ونفسه بأمر الله ـ كما هي عادة الأنبياء وأهل الولاية.

ولمّا قبضه الله إليه وجد أولئك المتصنّعون فرصة الأطماع والثارات ، واغتنم بعضهم مشغولية الوصي بجهاز النبيّ ٦ فبادروا لعقد البيعة لواحد منهم ، وأعانهم أهل المكر والخداع ، واتّبعهم الرعاع!

فكان الأمر كما قال تعالى منكرا عليهم : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ )(١) ، وكما أخبر رسول الله ٦ أنّهم يرتدّون على أدبارهم القهقرى(٢) ، وأنّه يكون في هذه الأمّة مثل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل(٣) ، الذي من جملته مخالفة أخيه وإرادة قتله ، ولم يبق مع وصيّه إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )(٤) .

فلمّا تمّ الأمر لأولئك القوم وقد كانوا سمعوا من النبيّ ٦ وقوع الفتح بعده لبلاد كسرى وقيصر ، والنفس أمّارة بالإمارة ، ساروا لفتح تلك البلاد ، ووقع الفتح على أيديهم ، فساسوا البلاد على حسب أهوائهم ، وغيّروا الأحكام بآرائهم ، واستأثر ثالثهم بالفيء حتّى كبت به بطنته ، ولو تركوا الأمر لأهله لعمّ الإسلام والعدل وفتحوا الدنيا بأسرها.

فهل ترى أنّ هذا التاريخ أقرب إلى الاعتبار ، أو التأريخ الذي ذكره الخصم؟!

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) انظر مثلا : صحيح البخاري ٨ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ح ١٦٤ ـ ١٦٦.

(٣) انظر : المستدرك على الصحيحين ١ / ٢١٨ ح ٤٤٤ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٩٨ ، مختصر تاريخ دمشق ٦ / ٣٣٧ ، كنز العمّال ١ / ٢١١ ح ١٠٦٠.

(٤) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

٤٠٦

وأمّا ما زعمه من أنّ الأخذ من أمير المؤمنين ٧ لا يختصّ به الإمامية ؛ فالحاكم فيه هو الإنصاف ، كيف؟! وقد خالفه عامّة السنّة بكلّ ما قدروا عليه من أصول الدين وفروعه ، ونبذوه وراء ظهورهم ، ورجعوا إلى من عرفوه بخلافه وانحرافه عنه وعن أبنائه الطاهرين!

وأمّا ما زعمه من أنّهم أخذوا أيضا العقائد من الخلفاء وأكابر الصحابة ؛ فنحن لم نسمع لمن عناهم شيئا من المعارف ، ولم نعلم أنّ النبيّ ٦ شهد لأحد منهم بالعلم والاجتهاد والأمانة! ولكن روى لهم بعض أوليائهم شيئا من ذلك كذبا على النبيّ ٦(١)

وإنّما قال رسول الله ٦ : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها »(٢) ،

__________________

(١) انظر مثلا : الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ ١ / ٣٠٣ ـ ٣٣٥.

(٢) ورد هذا الحديث الصحيح في كثير من كتب الجمهور ، فانظر مثلا :

معرفة الرجال ـ ليحيى بن معين ـ ١ / ٧٩ رقم ٢٣١ وج ٢ / ٢٤٢ رقم ٨٣١ و ٨٣٢ وصحّحه ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ / ٥٤ ح ١١٠٦١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ ح ٤٦٣٧ وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه » وح ٤٦٣٨ وص ١٣٨ ح ٤٦٣٩ ، حلية الأولياء ١ / ٦٤ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٣٧ وج ٤ / ٣٤٨ وج ٧ / ١٧٣ وج ١١ / ٤٨ ـ ٥٠ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للمغازلي ـ : ١١٥ ـ ١٢٠ ح ١٢٠ ـ ١٢٩ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٤ ح ٤٧٧٢ ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام ـ للخوارزمي ـ : ٨٣ ح ٦٩ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٧٨ ـ ٣٨٤ ح ٨٩٧٤ ـ ٨٩٨٧ ، أسد الغابة ٣ / ٥٩٧ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٧ ح ٦٥٠١ ، تذكرة الخواصّ : ٥٢ ، كفاية الطالب : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ، الرياض النضرة ٣ / ١٥٩ ، ذخائر العقبى : ١٤١ ـ ١٤٢ ، مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٦ ـ ١٧ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٨٦ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٥٧ ح ٦٠٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ، لسان الميزان ١ / ٤٣٢ رقم ١٣٤٢ ، الجامع الصغير ـ للسيوطي ـ ١ / ١٦١ ح ٢٧٠٤ و ٢٧٠٥ ، جامع الأحاديث ـ للسيوطي ـ ٣ / ٢٨٢ ح ٨٦٤٩ ، تاريخ الخلفاء : ٢٠٢ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٠ ح ٣٢٨٨٩ و ٣٢٨٩٠ وص

٤٠٧

ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ، فمن أتاها من غيره فهو سارق.

وأمّا ما ادّعاه من أنّا نمزج ما ننقله بألف كذبة ، وأنّهم ينقلون بالأسانيد الصحيحة ؛ فيكفي المنصف في ردّه ما ذكرناه في مقدّمة الكتاب.

والحمد لله الذي جعلنا ممّن يأخذ عن نبيّه وباب مدينة علمه ، وجعلنا ممّن تمسّك بالثقلين ، ونسأله جوارهم في الدارين.

* * *

__________________

٦١٤ ح ٣٢٩٧٨ و ٣٢٩٧٩ وج ١٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ح ٣٦٤٦٣ ، إتحاف السادة المتّقين ٦ / ٢٤٤.

وقد صنّف الحافظ أحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري الحسني كتاب « فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي » جمع فيه طرقه ، وسلك فيه مسلكا مبتكرا أثبت فيه صحّة الحديث بتسعة مسالك ، وأبطل جميع الأكاذيب والادّعاءات بعدم صحّة سند الحديث ؛ فراجع.

٤٠٨

إثبات الحسن والقبح العقليّين

قال المصنّف ١(١) :

المطلب الثاني

في إثبات الحسن والقبح العقليّين

ذهب الإمامية ومن تابعهم من المعتزلة إلى أنّ من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل ، كعلمنا بحسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ.

فإنّ كلّ عاقل لا يشكّ في ذلك ، وليس جزمه بهذا الحكم بأدون من الجزم بافتقار الممكن إلى السبب ، وإنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية.

ومنها : ما هو معلوم بالاكتساب أنّه حسن أو قبيح ، كحسن الصدق الضارّ ، وقبح الكذب النافع.

ومنها : ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه ، كالعبادات(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٢.

(٢) شرح جمل العلم والعمل : ٨٥ ـ ٨٩ ، تقريب المعارف : ٩٧ ـ ٩٩ ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٨٤ ـ ٨٧ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٦١ وما بعدها ، تجريد الاعتقاد : ١٩٧ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٠٢ وما بعدها ، المحيط بالتكليف : ٢٣٤.

٤٠٩

وقالت الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح شرعيّان ، ولا يقضي العقل بحسن شيء ولا قبحه ، بل القاضي بذلك هو الشرع ، فما حسّنه فهو حسن ، وما قبّحه فهو قبيح(١) .

* * *

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٢٨ و ٢٣٤ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٧٠ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٦ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٨١.

٤١٠

وقال الفضل(١) :

قد سبق أنّ الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة(٢) :

الأوّل : صفة الكمال والنقص ، يقال : العلم حسن ، والجهل قبيح ، ولا نزاع في أنّ هذا أمر ثابت للصفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل ، ولا تعلّق له بالشرع.

الثاني : ملاءمة الغرض ومنافرته ، وقد يعبّر عنهما بهذا المعنى بالمصلحة والمفسدة ، وذلك أيضا عقلي ، أي يدركه العقل ، كالمعنى الأوّل.

الثالث : تعلّق المدح والثواب بالفعل ، عاجلا وآجلا ، والذمّ والعقاب كذلك ، فما تعلّق به المدح في العاجل والثواب في الآجل يسمّى حسنا ، وما تعلّق به الذمّ في العاجل والعقاب في الآجل يسمّى قبيحا.

وهذا المعنى الثالث محلّ النزاع ، فهو عند الأشاعرة شرعي ؛ وذلك لأنّ أفعال العباد كلّها ليس شيء منها بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ولا ذمّ فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها.

وعند المعتزلة ومن تبعهم من الإمامية عقلي ، كما ذكر هذا الرجل.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٤١.

(٢) انظر : محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

٤١١

هذا هو المذهب ، وكثيرا ما يشتبه على الناس أحد المعاني الثلاثة بالآخر ، ويحصل منه الغلط فتحفظ عليه ، وإنّما كرّرنا هذا المبحث وأعدناه في الموضع ليتحفّظ عليه.

* * *

٤١٢

وأقول :

ضاق على القوم طريق الاعتذار ، واتّسع عليهم سبيل الانتقاد ، فأقرّوا بالحسن والقبح العقليّين في الأفعال بالتزامهم بالمعنى الأوّل على إطلاقه وهم لا يشعرون ؛ لأنّ العلم ـ ونحوه ممّا جعلوه صفة ـ هو في الحقيقة من الأفعال ، ولذا يكلّف الإنسان بالعلم ومعرفة الأحكام.

لكن إذا ثبت للإنسان قيل : إنّه صفة له ، وكذا كلّ ما هو من نحوه من الأفعال ؛ كالصدق ، والكذب ، والإحسان ، والإساءة ، والعدل ، والظلم ، ونحوها.

وحينئذ فيكون معنى حسنها : إنّه ممّا ينبغي فعلها ، ويستحقّ فاعلها المدح عند العقلاء ، ومعنى قبحها : إنّها ممّا ينبغي تركها ، ويستحقّ فاعلها الذمّ عند العقلاء.

وأمّا ما ذكروه من المعنى الثاني ، فغير متّجه ؛ لأنّ دعوى أنّ الحسن والقبح عقليّان بهذا المعنى غير صحيحة ، إذ إنّ الملاءمة والمنافرة إنّما يستلزمان الحبّ والبغض ، والتحسين والتقبيح الطبعيّين ، لا الحسن والقبح العقليّين ، كما هو ظاهر.

هذا ، وقد أطلق القوم على ملاءمة الغرض ومنافرته : المصلحة والمفسدة ، والظاهر إرادة المصلحة والمفسدة عند الفاعل باعتبار ميله وعدمه ، ولا يمكن أن يريدوا بهما المصلحة والمفسدة الواقعيّتين ، فإنّه لا يصحّ جعلهما تعبيرا آخر عن الملاءمة والمنافرة.

وأمّا المعنى الثالث ، فإنّ معنى الحسن فيه : إنّه ما يستحقّ فاعله

٤١٣

المدح عند العقلاء ، ومعنى القبيح : ما يستحقّ فاعله الذمّ عند العقلاء ، وهذا هو محلّ النزاع ، فإنّا نثبته ، وهم ينكرونه ، فإدخال كلمة « الثواب والعقاب » في تعريفهما خطأ ظاهر.

فالحقّ أنّ النزاع بيننا وبينهم في أنّ الفعل هل فيه جهة تحسّنه أو تقبّحه عقلا ، أو لا؟ بل يتبع في حسنه وقبحه أمر الشارع ونهيه ، ولا حكم للعقل في حسن الأفعال وقبحها ، فما نهي عنه شرعا قبيح ، وما لم ينه عنه حسن ، كالواجب والمندوب ، وكالمباح عند أكثرهم ، وكفعل الله سبحانه ؛ لأنّها جميعا لم ينه عنها شرعا.

وأمّا فعل الصبي فقد قال في « شرح المواقف » : « مختلف فيه »(١) .

وأمّا فعل البهائم فقد قال : « قيل : إنّه لا يوصف بحسن ولا قبح باتّفاق الخصوم »(٢) .

وكيف كان! فقد اختار الأشاعرة الثاني(٣) .

والحقّ عندنا : الأوّل ؛ ضرورة أنّه ـ مع قطع النظر عن الشرع ـ نرى الفرق الواضح بين السجود والتعظيم للملك القهّار ، والسجود والتعظيم لخسيس الأحجار ، وبين الصدق النافع والكذب الضارّ.

وعلى رأي الأشاعرة لا فرق بينهما عقلا ، مع قطع النظر عن الشرع(٤) ، وهو حقيق بالعجب.

* * *

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٣) شرح المواقف ٨ / ١٨١.

(٤) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٣٠ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٤ ، شرح المواقف ٨ / ١٨٢.

٤١٤

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وهو باطل لوجوه

الأوّل : إنّهم أنكروا ما علمه كلّ عاقل من حسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ ، سواء كان هناك شرع أم لا(٢) ، ومنكر الحكم الضروري سوفسطائي.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

(٢) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، المواقف : ٣٢٤ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

٤١٥

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ حسن الصدق النافع ، وقبح الكذب الضارّ ؛ إن أريد بهما صفة الكمال والنقص والمصلحة والمفسدة فلا شكّ أنّهما عقليّان ، كما سبق.

وإن أريد بهما تعلّق المدح والثواب والذمّ والعقاب ، فلا نسلّم أنّه ضروري ، بل هو متوقّف على إعلام الشارع.

وكيف يدرك تعلّق الثواب وهو من الله ، وبالشرع والإعلام من الشارع؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٦٣.

٤١٦

وأقول :

قد عرفت أنّ الصدق والكذب فعلان في أنفسهما ، وأنّ الحسن والقبح ثابتان لهما عقلا مع قطع النظر عن لحاظ الوصفيّة والملاءمة والمنافرة ؛ فيتمّ المطلوب.

ولا دخل للثواب والعقاب في محلّ النزاع حتّى يقال : لا دخل للعقل في إدراكهما!

* * *

٤١٧

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

الثاني : لو خيّر العاقل الذي لم يسمع الشرائع ولا علم شيئا من الأحكام ، بل نشأ في بادية خاليا من العقائد كلّها ، بين أن يصدق ويعطى دينارا ، وبين أن يكذب ويعطى دينارا ، ولا ضرر عليه فيهما ، فإنّه يتخيّر الصدق على الكذب.

ولو لا حكم العقل بقبح الكذب وحسن الصدق لما فرّق بينهما ولا اختار(٢) الصدق دائما.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٣.

(٢) في طبعة القاهرة : وما اختار.

٤١٨

وقال الفضل(١) :

قد سبق جواب هذا(٢) ، وأنّ مثل هذا الرجل لو فرضنا أنّه يختار الصدق بحكم عقله ، فإنّه يختاره لكونه صفة كمال ، أو موجب مصلحة.

وهذا لا نزاع في أنّهما عقليّان ، لا أنّه يختاره لكونه موجبا للثواب والعقاب ، وكيف وهو لا يعرف الثواب ولا العقاب؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٦٧.

(٢) انظر الصفحة ٤١٦.

٤١٩

وأقول :

قد عرفت ما فيه ممّا سبق(١) ، فلا حاجة إلى الإعادة ، ولا أدري متى كان إيجاب الثواب والعقاب معنى للحسن والقبح العقليّين حتّى يدّعيه الإمامية ، ويكون محلّا للنزاع.

وإنّما نقول في المثال : إنّ الصدق ـ بما هو فعل صادر من الشخص ـ حسن عقلا ، والكذب ـ كذلك ـ قبيح عقلا ، وهم ينكرونه.

ولا يخفى أنّ جعله لاختيار الصدق فرضيا دليل على تكلّفهم في إثبات الحسن والقبح العقليّين بالمعنيين اللذين زعم عدم النزاع بهما.

* * *

__________________

(١) انظر الصفحتين ٤١٣ ـ ٤١٤.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456