دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٢

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-355-1
الصفحات: 456
المشاهدات: 131617
تحميل: 4448


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131617 / تحميل: 4448
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-319-355-1
العربية

١
٢

٣
٤

المقدمة

من هم الفرة الناجية؟

٥

٦

من هم الفرقة الناجية؟

قال المصنّف العلّامة ـ بعد الحمد والصلاة ـ(١) :

وبعد ،

فإنّ الله تعالى حيث حرّم في كتابه العزيز كتمان بيّناته وآياته ، وحظر إخفاء براهينه ودلالاته ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ )(٢) .

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )(٣) .

وقال رسول الله ٦ : « من علم علما وكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار »(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٦ ـ ٣٨.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٥٩.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٧٤ و ١٧٥.

(٤) ورد الحديث بألفاظ وأسانيد مختلفة في العديد من مصادر الفريقين ، منها :

سنن أبي داود ٣ / ٣٢٠ ح ٣٦٥٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٩٦ ـ ٩٨ ح ٢٦١

٧

تفضّلا منه على بريّته ، وطلبا لإدراجهم في رحمته ، فيرجع الجاهل عن زلله ، ويستوجب الثواب [ بعلمه ] على عمله.

فحينئذ وجب على كلّ مجتهد وعارف إظهار ما أوجب الله تعالى إظهاره من الدين ، وكشف الحقّ ، وإرشاد الضالّين ؛ لئلّا يدخل تحت الملعونين على لسان ربّ العالمين ، وجميع الخلائق أجمعين ، بمقتضى الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية.

وقد قال رسول الله ٦ : «إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله »(١) .

ولمّا كان أبناء هذا الزمان ممّن استغواهم الشيطان ـ إلّا الشاذّ القليل ، الفائز بالتحصيل ـ حتّى أنكروا كثيرا من الضروريّات ، وأخطأوا في معظم المحسوسات ، وجب بيان خطئهم ؛ لئلّا يقتدي غيرهم بهم ، فتعمّ البليّة جميع الخلق ، ويتركون نهج الصدق.

وقد وضعنا هذا الكتاب الموسوم ب‍ «نهج الحقّ وكشف الصدق »(٢) طالبين فيه الاختصار ، وترك الاستكثار ، بل اقتصرنا فيه على مسائل ظاهرة

__________________

و ٢٦٤ ـ ٢٦٦ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٩ ح ٢٦٤٩ ، مسند أحمد ٢ / ٢٦٣ ، مسند أبي يعلى ٤ / ٤٥٨ ح ٢٥٨٥ ، المعجم الكبير ١٠ / ١٢٨ ح ١٠١٩٧ ، المعجم الأوسط ٣ / ٥٣ ح ٢٣١١ ، المعجم الصغير ١ / ١٦٢ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ١٨٢ ح ٣٤٥ و ٣٤٦ ، كنز العمّال ١٠ / ٢١٧ ح ٢٩١٤٦ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٣٧٧ ح ٨٠٨.

(١) الكافي ١ / ٧٥ ح ١٥٨ ، المحاسن ١ / ٣٦١ ح ٧٧٦ ، وانظر ما بمعناه في : تاريخ دمشق ٥٤ / ٨٠ ح ١١٣٦٦ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٣ / ٦ رقم ٣ ، كنز العمّال ١٠ / ٢١٦ ح ٢٩١٤٠.

(٢) كان في الأصل : « كشف الحقّ ونهج الصدق » ، وما أثبتناه هو الصواب وفقا للمصدر.

٨

معدودة ، ومطالب واضحة محدودة.

وأوضحت فيه لطائفة المقلّدين من طوائف المخالفين ، إنكار رؤسائهم ومقلّديهم القضايا البديهية ، والمكابرة في المشاهدات الحسّيّة ، ودخولهم تحت فرق السوفسطائية(١) ، وارتكاب الأحكام التي لا يرتضيها لنفسه ذو عقل ورويّة ؛ لعلمي بأنّ المنصف منهم إذا وقف على مذهب من يقلّده تبرّأ منه ، [ وحاد عنه ، ] وعرف أنّه ارتكب الخطأ والزلل ، وخالف الحقّ في القول والعمل.

فإن اعتمدوا الإنصاف ، وتركوا المعاندة والخلاف ، وراجعوا أذهانهم الصحيحة ، وما تقتضيه جودة القريحة ، ورفضوا تقليد الآباء ، والاعتماد على أقوال الرؤساء ، الّذين طلبوا اللذّة العاجلة ، وأهملوا أحوال الآجلة ، حازوا القسط الأوفى من الإخلاص ، وحصلوا بالنصيب الأسنى من النجاة والخلاص.

وإن أبوا إلّا استمرارا على التقليد ، فالويل لهم من نار الوعيد ، وصدق عليهم قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ )(٢) .

وإنّما وضعنا هذا الكتاب حسبة لله ، ورجاء لثوابه ، وطلبا للخلاص

__________________

(١) السفسطة : هي المغالطة والتمويه والتلبيس بالقول والإيهام ، واللفظ مركّب في اليونانية من « سوفيا » وهي الحكمة ، ومن « أسطس » وهي المموّه ؛ فمعناها حكمة مموّهة ، وكلّ من له قدرة على التمويه والمغالطة بالقول في أيّ شيء كان ، قيل له : إنّه سوفسطائي.

أنظر : معجم المصطلحات العلمية العربية : ٩٠ ـ ٩١ ، التعريفات ـ للجرجاني ـ: ١١٨.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٦٦.

٩

من أليم عقابه ، بكتمان الحقّ ، وترك إرشاد الخلق!

وامتثلت فيه مرسوم سلطان وجه الأرض ، الباقية دولته إلى يوم النشر والعرض ، سلطان السلاطين ، خاقان الخواقين ، مالك رقاب العباد وحاكمهم ، وحافظ أهل البلاد وراحمهم ، المظفّر على جميع الأعداء ، المنصور من إله السماء ، المؤيّد بالنفس القدسية ، والرئاسة الملكية ، الواصل بفكره العالي ، إلى أسنى مراتب المعالي ، البالغ بحدسه الصائب ، إلى معرفة الشهب الثواقب ، غياث [ الملّة و ] الحقّ والدين : أولجايتو خدابنده محمّد(١) ، خلّد [ الله ] ملكه إلى يوم الدين ، وقرن دولته بالبقاء والنصر والتمكين.

وجعلت ثواب هذا الكتاب واصلا إليه ، أعاد الله بركاته عليه ، بمحمّد وآله الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد اشتمل هذا الكتاب على مسائل

__________________

(١) هو : خدابنده محمّد بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولي بن جنكيز خان المغولي ، ملك العراق وخراسان وعراق العجم والروم وأذربيجان والبلاد الأرمينية وديار بكر ، وأولجايتو معناه السلطان الكبير المبارك ، وخدابنده معناه عبد الله ، وقيل : خربندا ، ولد سنة ٦٨٠ ه‍ ، اعتنق الإسلام وسمّي بمحمّد ، وتلقّب بغياث الدين ، كان عادلا كريما سمحا ، تحوّل إلى مذهب الشيعة الإمامية سنة ٧٠٨ ه‍ بعد أن كان حنفيّا ، على أثر مناظرات كثيرة بين المذاهب الإسلامية ـ وقيل : إنّ ذلك كان على يد العلّامة الحلّي ١ ـ ، توفّي في آخر شهر رمضان عام ٧١٦ ه‍ عن بضع وثلاثين سنة ، ودفن بتربته في مدينة « السلطانية » التي أنشأها بين مدينتي قزوين وهمذان.

انظر : أعيان الشيعة ٩ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، مراقد المعارف ١ / ٢١٨ ـ ٢٢٠ ، دول الإسلام : ٤٠٩ ، العبر ٤ / ٤٤ ، البداية والنهاية ١٤ / ٦٢ حوادث سنة ٧١٦ ه‍ ، دول الإسلام : ٤٠٩ حوادث سنة ٧١٦ ه‍ ـ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٦٤٩ ، شذرات الذهب ٦ / ٤٠ وفيات سنة ٧١٦ ه‍.

١٠

وقال الفضل(١) :

الحمد لله المتعزّز بالكبرياء والرفعة والمناعة ، المتفرّد بإبداع الكون في أكمل نظام وأجمل بداعة ، المتكلّم بكلام أبكم كلّ منطيق من قروم(٢) أهل البراعة ، فانخزلوا(٣) آخرا في حجر(٤) العجز وإن بذلوا الوسع والاستطاعة.

أحمده على ما تفضّل بمنح كرائم الأجور على أهل الطاعة ، وفضّل

__________________

(١) إبطال نهج الباطل وإهمال كشف العاطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل ـ ١ / ٢٢ ـ ٣٥.

(٢) قروم ـ جمع : قرم ـ : أي السيّد المعظّم ، المقدّم في المعرفة وتجارب الأمور.

انظر : الصحاح ٥ / ٢٠٠٩ ، لسان العرب ١١ / ١٣٠ ، تاج العروس ١٧ / ٥٦٢ ، مادّة « قرم ».

(٣) كان في طبعة القاهرة : « فانخذلوا » بالذال المعجمة.

والخزل والانخزال : القطع والانقطاع. والخذل والخذلان : ترك الإعانة والنصرة ، والضعف.

انظر مادّتي « خذل » و« خزل » في : الصحاح ٤ / ١٦٨٣ و ١٦٨٤ ، لسان العرب ٤ / ٤٥ و ٨٤ ، تاج العروس ١٤ / ١٩٤ و ١٩٧.

(٤) في طبعة طهران : « حجز ».

وحجر الإنسان ـ بالفتح أو الكسر ـ : حضنه. أو : حجر ـ جمع حجرة ـ : وهي الغرفة.

وحجز أو حجزات ـ جمع حجزة ـ : وهي موضع الالتجاء والاعتصام ، والتمسّك بالشيء ، والتعلّق به ، والأخذ بسبب منه.

أو : حجز ـ بالكسر أو الضمّ ـ : الأصل والمنبت والناحية.

أنظر مادّتي « حجر » و« حجز » في : الصحاح ٢ / ٦٢٣ ، لسان العرب ٣ / ٥٧ و ٦٢ ، تاج العروس ٦ / ٢٤١ و ٢٤٦ وج ٨ / ٤٢ ـ ٤٣.

١١

على فرق الإسلام الفرقة الناجية من أهل السنّة والجماعة ، حتّى كشف نقاب الارتياب عن وجوه مناقبهم صاحب المقام المحمود والعظمى من الشفاعة ، بقوله صلّى الله عليه وسلّم : «لا تزال طائفة من أمّتي منصورين ، لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم الساعة »(١)

صلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد ، الذي فرض الله على كافّة الناس اتّباعه ، وجعل شيعة الحقّ وأئمّة الهدى أشياعه ، وهدى إلى انتقاد «نهج الحقّ » وإيضاح «كشف الصدق » أتباعه.

ثمّ السلام والتحيّة والرضوان على عترته أهل بيته ، وكرام صحبه ، أرباب النجدة والجود والشجاعة ، الّذين جعل الله موالاتهم في سوق الآخرة خير بضاعة ، ما دام ذبّ الباطل عن حريم الحقّ أفضل عمل وخير صناعة.

أمّا بعد :

فإنّ الله بعث نبيّه محمدا صلّى الله عليه وسلّم حين تراكم الأهواء الباطلة ، وتصادم الآراء العاطلة ، والناس هائمون في معتكر حندس(٢) ليل الضلال ،

__________________

(١) هذا من الأحاديث المتواترة معنى ، وقد روته أمّهات مصادر وجوامع الجمهور ، منها : صحيح البخاري ٩ / ١٨١ ح ٨٢ ، التاريخ الكبير ٤ / ١٢ رقم ١٧٩٧ ، صحيح مسلم ١ / ٩٥ ، سنن أبي داود ٣ / ٤ ح ٢٤٨٤ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤ ـ ٥ ح ٦ و ٧ و ٩ و ١٠ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٢٠ ح ٢١٩٢ ، سنن النسائي ٦ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ، مسند الطيالسي : ٩ ، سنن سعيد بن منصور ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥ ح ٢٣٧٢ و ٢٣٧٥ و ٢٣٧٦ ، مسند أحمد ٣ / ٣٨٤ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٣٧٥ ح ٧٣٨٣ ، المعجم الكبير ٢ / ٢٣٨ ح ١٩٩٦ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٨١ ح ٢٣٩٢.

(٢) اعتكر الليل : اشتدّ سواده واختلط والتبس ؛ أنظر : الصحاح ٢ / ٧٥٦ ، لسان

١٢

يعبدون الأوثان ، ويخرّون للأذقان [ سجّدا ] عندها بالغدوّ والآصال ، لا يعرفون ملّة ، ولا يهتدون إلى نحلة ، ولا سير لهم إلى مراتع الحقّ ولا رحلة.

فأقام الله تعالى برسوله الملّة العوجاء ، وهداهم بإيضاح الحقّ إلى السنن الميتاء(١) ، وأوضح للملّة منارها ، وأعلم آثارها ، وأسّس قواعد الدين على رغم الكفرة الماردين ، هم الّذين أبوا إلّا الإقامة على الكفر والبوار ، وإن هداهم إلى سبيل النجاح ، فما أذعنوا للحقّ إلّا بعد ضرب القواضب(٢) وطعن الرماح.

فندب صلّى الله عليه وسلّم لنصرة الدين ، وإعانة الحقّ ، عصبة من صحبه الصادقين ، فانتدبوا ، ونصروا ، ونصحوا ، وأوذوا في سبيل الله ، ثمّ هاجروا واغتربوا.

هم كانوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكرش والعيبة(٣) ، حين كذّبه عتبة

__________________

ـ العرب ٩ / ٣٣٧ ، تاج العروس ٧ / ٢٥٦ ، مادّة « عكر ».

والحندس : الشديد الظلمة ؛ انظر : الصحاح ٣ / ٩١٦ ، لسان العرب ٣ / ٣٥٦ ، تاج العروس ٨ / ٢٥٢.

(١) في إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن « إحقاق الحقّ » : « المتناء » و« الغرّاء » نسخة بدل عنها.

(٢) القواضب ـ جمع قاضب ـ : السيوف القواطع ؛ انظر : الصحاح ١ / ٢٠٣ ، لسان العرب ١١ / ٢٠٢ ، تاج العروس ٢ / ٣٢٧ ، مادّة « قضب ».

(٣) الكرش أو الكرش ـ لغتان بمعنىً ـ : هي لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان ، ومن المجاز : الجماعة من الناس.

انظر : الصحاح ٣ / ١٠١٧ ، لسان العرب ١٢ / ٦٩ ، تاج العروس ٩ / ١٨١ ، مادّة « كرش ».

والعيبة ـ جمعها : عيب وعياب وعيّبات ـ : ما يجعل فيه الثياب ، ووعاء يكون ـ

١٣

وشيبة(١)

فأثنى الله عليهم في مجيد كتابه ، ورضي عنهم ، وتاب عليهم(٢) ، وجعل مناط أمور الدين مرجوعة إليهم.

ثمّ وثب فرقة بعد القرون المتطاولة ، والدول المتداولة ، يلعنونهم ويشتمونهم [ ويسبّونهم ] ، ولكلّ قبيح ينسبونهم ، فويل لهذه الفئة

__________________

فيه المتاع ، وعيبة الرجل : موضع سرّه.

انظر : الصحاح ١ / ١٩٠ ، لسان العرب ٩ / ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، تاج العروس ٢ / ٢٧٠ ، مادّة « عيب ».

أي إنّهم جماعته وصحابته وبطانته ، وموضع سرّه وأمانته ، الّذين يثق بهم ويعتمد عليهم في أموره.

(١) ذكر عتبة وشيبة ـ هنا ـ لم يقصد منه خصوص الرجلين ، بل المراد عموم كفّار قريش.

وعتبة وشيبة هما ابنا ربيعة بن عبد شمس ، قتلا والوليد بن عتبة يوم بدر كفّارا ، بيد أمير المؤمنين الإمام عليّ ٧وحمزة وعبيدة بن الحارث ، وفيهم جميعا نزل قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ )سورة الحجّ ٢٢ : ١٩.

انظر مثلا : صحيح البخاري ٥ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ح ١٧ ـ ٢١ وج ٦ / ١٨١ ح ٢٦٤ و ٢٦٥ ، صحيح مسلم ٨ / ٢٤٦ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٤٦ ح ٢٨٣٥ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٤٧٤ ح ٣١ ، مسند البزّار ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ح ٧١٥ ، وغيرها كثير.

(٢) أشار ابن روزبهان ـ في كلامه هذا ـ إلى آيات قرآنية عديدة بخصوص الثناء والرضا والتوبة على الصحابة ، منها :

قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً )سورة الفتح ٤٨ : ٢٩.

وقوله عزّ وجلّ : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ )سورة الفتح ٤٨ : ١٨.

وقوله سبحانه : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ )سورة التوبة ٩ : ١١٧.

١٤

الباغية ، التي يسخطون العصبة الرضيّة ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، شاهت الوجوه ، ونالت كلّ مكروه.

ثمّ إنّ زماننا قد أبدى من الغرائب ، ما لو رآه محتلم في رؤياه لطار من وكر الجفن نومه ، ولو شاهده يقظان في يومه لاعتكر من ظلام الهموم يومه(١) .

وممّا شاع فيه أنّ فئة من أصحاب البدعة استولوا على البلاد ، وأشاعوا الرفض والابتداع بين العباد.

فاضطرّني حوادث الزمان ، إلى المهاجرة عن الأوطان ، وإيثار الاغتراب وتوديع الأحبّة والخلّان ، وأزمعت الشخوص من وطني أصفهان ، حتّى حططت الرحل بقاسان(٢) .

عازما على أن لا يأخذ جفني القرار(٣) ، ولا تضاجعني الأرض بقرار ،

__________________

(١) في المصدر : بومه.

(٢) قاسان ـ بالسين المهملة ـ : مدينة كانت عامرة آهلة ، كثيرة الخيرات ، واسعة الساحات ، متهدّلة الأشجار ، حسنة النواحي والأقطار ، بما وراء النهر في حدود بلاد الترك ، خربت بغلبة الترك عليها.

وقاسان أو قاشان ـ بالسين المهملة أو الشين المعجمة ـ : مدينة قرب أصفهان ، بينها وبين قم اثنا عشر فرسخا ، وبينها وبين أصفهان ثلاث مراحل.

والتي عناها الفضل هنا هي الأولى دون الثانية ؛ لأنّ أهل الأولى من الجمهور دون الثانية التي أهلها كلّهم شيعة إمامية.

انظر : معجم البلدان ٤ / ٣٣٥ و ٣٣٦ رقمي ٩٣٦١ و ٩٣٦٤ ، مراصد الاطّلاع ٣ / ١٠٥٦ و ١٠٥٧.

(٣) القرار : الهدوء والنوم ، وأقرّ الله عينه ، أي أنام الله عينه ؛ أنظر : لسان العرب ١١ / ١٠٠ ـ ١٠١ مادّة « قرر ».

وفي المصدر : « الغرار » ، وهو النوم القليل.

انظر : الصحاح ٢ / ٧٦٨ ، لسان العرب ١٠ / ٤٥ ، مادّة « غرر ».

١٥

حتّى أستوكر مربعا من مرابع الإسلام ، لم يسمعني فيه الزمان صيت هؤلاء اللئام.

وأستوطن مدينة أتّخذها دار هجرتي ، ومستقرّ رحلتي ، تكون فيها السنّة والجماعة فاشية ، ولم يكن فيها شيء من البدع والإلحاد ناشية.

وأتمسّك بسنّة النبيّ [ صلّى الله عليه وسلّم الرصين ] ( وآله وصحبه المرضيّين )(١) ، وأعبد ربّي حتّى يأتيني اليقين.

فإنّ التمسّك [ بالسنّة ] عند فساد الأمّة طريق رشيد ، وأمر سديد ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : «من تمسّك بسنّتي عند فساد أمّتي فله أجر مائة شهيد »(٢) .

فلمّا استقرّ ركابي بمدينة قاسان ، اتّفق لي مطالعة كتاب من مؤلّفات المولى الفاضل ، جمال الدين ابن المطهّر الحلّي ، غفر الله ذنوبه ، وقد سمّاه بكتاب «نهج الحقّ وكشف الصدق » ، قد ألّفه في أيّام دولة السلطان غياث الدين أولجايتو محمّد خدابنده ، وذكر أنّه صنّفه بإشارته.

وقد كان ذلك الزمان أوان فشو البدعة ، ونبغ نابغة الفرقة الموسومة ب‍ : « الإمامية » من فرق الشيعة!

فإنّ عامّة الناس يأخذون المذاهب من السلاطين وسلوكهم ، والناس على دين ملوكهم ، إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وقليل

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « إبطال نهج الباطل ».

(٢) انظر مثلاً ـ وفي بعضها : « فله أجر شهيد » ـ : المعجم الأوسط ٥ / ٤٧١ ح ٥٤١٤ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٢ / ٣٢٧ رقم ٤٦٠ ، حلية الأولياء ٨ / ٢٠٠ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٥٥ ح ٦٨٨٩ ، مصابيح السنّة ١ / ١٦٣ ح ١٣٩ ، الترغيب والترهيب ١ / ٤٥ ح ٥ ، مشكاة المصابيح ١ / ٩٧ ح ١٧٦ ، مجمع الزوائد ١ / ١٧٢ الجامع الصغير : ٥٤٩ ح ٩١٧١ ، كنز العمّال ١ / ١٨٤ ح ٩٣٦ وص ٢١٤ ح ١٠٧١.

١٦

ما هم!

وقد ذكر في مفتتح ذلك الكتاب أنّه حاول بتأليفه إظهار الحقّ ، وبيان خطأ الفرقة الناجية من أهل السنّة والجماعة ؛ لئلّا يقلّدهم المسلمون ، ولئلّا يقتدوا بهم ، فإنّ الاقتداء بهم ضلالة.

وذكر أنّه أراد بهذا إقامة مراسم الدين ، وحوز(١) [ أجور ] الآخرة ، واقتناء ثواب الّذين يبغون(٢) الحقّ ولا يكتمونه.

ومع ذلك فإنّ جلّ كتابه مشتمل على مطاعن الخلفاء الراشدين ، والأئمّة المرضيّين ، وذكر مثالب العلماء المجتهدين!

فهو في هذا كما ذكر بعض الظرفاء ـ على ما يضعونه على ألسنة البهائم ـ أنّ الجمّال سأل جملا : من أين تخرج؟ قال الجمل : من الحمّام ؛ قال : صدقت ، ظاهر من رجلك النظيف ، وخفّك اللطيف.

فنقول : نعم ، ظاهر على ابن المطهّر أنّه من دنس الباطل ودرن التعصّب مطهّر ، وهو خائض في مزابل المطاعن ، وغريق في حشوش(٣) الضغائن ، فنعوذ بالله من تلبيس إبليس ، وتدليس ذلك الخسيس ، كيف سوّل له وأملى له ، وكثّر في إفشاء الباطل ـ على رغم الحقّ ـ إملاءه؟!

__________________

(١) الحوز : الجمع ، وكلّ من ضمّ شيئا إلى نفسه من مال أو غير ذلك ، فقد حازه حوزا وحيازة ؛ انظر : الصحاح ٣ / ٨٧٥ ، لسان العرب ٣ / ٣٨٨ ، مادّة « حوز ».

(٢) في إبطال نهج الباطل : « يبيّنون » ؛ ولعلّ ما في المتن تصحيف : يبلّغون.

(٣) الحشوش ، جمع : الحشّ والحشّ : الكنف ومواضع قضاء الحاجة.

انظر : الصحاح ٣ / ١٠٠١ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣٩٠ ، لسان العرب ٣ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، القاموس المحيط ٢ / ٢٧٩ ، تاج العروس ٩ / ٩٠ ـ ٩١ ، مادّة « حشش ».

١٧

ومن الغرائب أنّ ذلك الرجل وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمّة الاثني عشر ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وهم صدور إيوان(١) الاصطفاء ، وبدور سماء الاجتباء ، ومفاتيح أبواب الكرم ، ومجاديح(٢) هواطل النعم ، وليوث غياض(٣) البسالة ، وغيوث رياض الإيالة(٤) ، وسبّاق مضامير(٥) السماحة ، وخزّان نقود الرجاحة ، والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية ، والجبال الرواسخ في الفهم والدراية وهم كما قلت فيهم شعرا :

شمّ المعاطس من أولاد فاطمة

علوا رواسي طود العزّ والشرف

فاقوا العرانين(٦) في نشر الندى كرما

بسمح كفّ خلا من هجنة السرف

__________________

(١) الإيوان ـ بكسر الهمزة ـ : الصفّة العظيمة كالأزج ـ وهو البيت الذي يبنى طولا غير مسدود الوجه ـ وجمعه : إيوانات وأواوين.

أنظر : الصحاح ٥ / ٢٠٧٦ ، لسان العرب ١ / ٢٧٣ و ١٣٠ ، تاج العروس ١٨ / ٤٠ ر ج ٣ / ٢٨٧ ، مادّتي « أون » و« أزج ».

(٢) مجاديح السماء : أنواؤها ؛ انظر : الصحاح ١ / ٣٥٨ ، لسان العرب ٢ / ١٩٧ ، مادّة « جدح ».

(٣) الغياض ـ جمع : غيضة ـ : وهي الأجمة ، وهي مجتمع الشجر في مغيض الماء ، يجتمع فيه الماء فينبت فيه الشجر ، من أيّ الشجر كان ، وكذا هي الشجر الملتفّ.

انظر : الصحاح ٣ / ١٠٩٧ ، لسان العرب ١٠ / ١٥٨ ، تاج العروس ١٠ / ١١٧ ، مادّة « غيض ».

(٤) الإيالة : السياسة ، يقال : آل الأمير رعيّته يؤولها أولا وإيالا ، أي ساسها وأحسن رعايتها ؛ انظر : الصحاح ٤ / ١٦٢٨ ، لسان العرب ١ / ٢٦٧ ، مادّة « أول ».

(٥) في طبعتي طهران والقاهرة : « مظاهر » ، والمثبت هو الأنسب بالسياق.

(٦) عرانين القوم : سادتهم وأشرافهم ووجوههم ؛ انظر : الصحاح ٦ / ٢١٦٣ ، لسان العرب ٩ / ١٧٥ ، مادّة « عرن ».

١٨

تلقاهم في غداة الروع إذ رجفت

أكتاف أكفائهم من رهبة التلف

مثل الليوث إلى الأهوال سارعة

حماسة النفس لا ميلا إلى الصلف

بنو عليّ وصيّ المصطفى حقّا (؟)(١)

أحلاف(٢) صدق نموا من أشرف السلف

وهؤلاء الأئمّة الكرام(٣) ، قد كانوا يثنون على الصحابة الكرام ، الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ بما هم أهله من ذكر المناقب والمزايا.

وقد ذكر الشيخ عليّ بن عيسى الإربلي(٤) ـ رحمه الله تعالى ـ في

__________________

(١) علامة الاستفهام من الشيخ المظفّر ١.

(٢) كذا في الأصل ؛ وفي إحقاق الحقّ : أخلاف.

(٣) في إبطال نهج الباطل : « العظام ».

(٤) هو : الشيخ بهاء الدين أبو الحسن عليّ بن عيسى بن فخر الدين أبي الفتح الإربلي ، من كبار علماء الشيعة الإمامية ، كان فاضلا محدّثا ثقة ، شاعرا أديبا منشئا ، جامعا للفضائل والمحاسن ، مؤلّفا شهيرا.

كان والده أميرا حاكما بإربل أيّام تاج الدين محمّد بن الصلايا الحسين ، له تصانيف كثيرة ، منها : كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : ، رسالة الطيف في الإنشاء ، نزهة الأخيار ، حياة الإمامين زين العابدين ومحمّد الباقر ٨ ، ديوان شعر ، وله رسائل علمية وأدبية ، وله أيضا شعر كثير في مدح أهل البيت : ».

ولقبه « الإربلي » نسبة إلى إربل ، وهي : قلعة حصينة ومدينة كبيرة بين الزابين ، من أعمال الموصل ، من جهتها الشرقية.

وجاء في خاتمة كتابه « كشف الغمّة » أنّه فرغ من تصنيفه سنة ٦٨٧ ه‍ ، وتوفّي سنة ٢ / ٦٩٣ ه‍ في بغداد ودفن فيها ؛ ولعلّ ما في شذرات الذهب من أنّه توفّي سنة ٦٨٣ ه‍ تصحيف ، لمنافاته مع ما سبق.

١٩

كتاب « كشف الغمّة في معرفة الأئمّة » ـ واتّفق جميع الإمامية أنّ عليّ بن عيسى من عظمائهم ، والأوحدي النحرير من جملة علمائهم ، لا يشقّ غباره ، ولا يبتدر آثاره ، وهو المعتمد المأمون في النقل ـ وما ذكره هو في الكتاب المذكور نقلا عن كتب الشيعة ، لا عن كتب علماء السنّة :

أنّ الإمام أبا جعفر محمّدا الباقر رضي الله عنه سئل عن حلية السيف ، هل يجوز؟

فقال : نعم [ يجوز ] ، قد حلّى أبو بكر الصدّيق سيفه [ بالفضّة ].

قال الراوي : فقال السائل : أتقول هكذا؟!

فوثب الإمام من مكانه وقال : نعم الصدّيق ، فمن لم يقل له :

« الصدّيق » فلا صدّقه الله في الدنيا والآخرة(١) .

هذه عبارة « كشف الغمّة » وهو كتاب مشهور معتمد عند الإمامية.

وذكر أيضا في الكتاب المذكور ، أنّ الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق قال : « ولدني أبو بكر ( الصدّيق )(٢) مرّتين » ؛ وذلك أنّ أمّ الإمام جعفر كانت أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصدّيق ،

__________________

أمّا مرقده فهو بالكرخ ببغداد ، بداره على الضفة اليمنى لنهر دجلة قرب الجسر العتيق ( جسر الأحرار ) بين الزقاق ونهر دجلة.

انظر : أمل الآمل ٢ / ١٩٥ رقم ٥٨٨ ، رياض العلماء ٤ / ١٦٦ ، الكنى والألقاب ٢ / ١٨ ، مراقد المعارف ٢ / ٩٠ رقم ١٧٤ ، معجم البلدان ١ / ١٦٦ رقم ٤٠٦ ، شذرات الذهب ٥ / ٣٨٣ وفيات سنة ٦٨٣ ه‍ ، هديّة العارفين ٥ / ٧١٤ ، معجم المؤلّفين ٢ / ٤٨٤ رقم ٩٨٠٥.

(١) كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ٢ / ١٤٧ ، نقلا عن صفة الصفوة ـ لأبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي ـ ١ / ٣٩٩ ، باختلاف يسير ؛ وما بين القوسين المعقوفتين أثبتناه من « إبطال نهج الباطل » المطبوع ضمن « إحقاق الحقّ ».

(٢) ليست في كشف الغمّة.

٢٠