دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420
المشاهدات: 190939
تحميل: 3865


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190939 / تحميل: 3865
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 964-319-356-x
العربية

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

السادس : الآيات التي فيها أمر العباد بالأفعال والمسارعة إليها قبل فواتها.

كقوله تعالى :( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (٢)

( أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ ) (٣)

( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) (٤)

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ) (٥)

( فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ) (٦)

( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ) (٧)

( وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ ) (٨) .

وكيف يصحّ الأمر بالطاعة والمسارعة إليها مع كون المأمور ممنوعا عاجزا عن الإتيان؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٠٩.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٣٣.

(٣) سورة الأحقاف ٤٦ : ٣١.

(٤) سورة الأنفال ٨ : ٢٤.

(٥) سورة الحجّ ٢٢ : ٧٧.

(٦) سورة النساء ٤ : ١٧٠.

(٧) سورة الزمر ٣٩ : ٥٥.

(٨) سورة الزمر ٣٩ : ٥٤.

١٨١

وكما يستحيل أن يقال للمقعد الزمن : قم ، ولمن يرمى من شاهق جبل : احفظ نفسك(١) فكذا ها هنا.

* * *

__________________

(١) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٥.

١٨٢

وقال الفضل(١) :

أمر العباد بالمسارعة في الخيرات من باب التكليف ، وقد سبق فائدة التكليف(٢) وأنّه ربّما يصير داعيا إلى إقبال العبد إلى الله تعالى.

وخلق الثواب والعقاب عقيب التكليف والبعثة وعمل العباد ، كخلق الإحراق عقيب النار.

فكما لا يحسن أن يقال : لم خلق الله الإحراق عقيب النار؟

كذلك لا يحسن أن يقال : لم خلق الثواب والعقاب عقيب الطاعة والمعصية؟ فإنّه تعالى مالك على الإطلاق ، ويحكم ما يريد.

وأمّا قوله : كيف يصحّ الأمر بالطاعة والمأمور عاجز؟!

فالجواب : ما سبق أنّه ليس بعاجز عن الكسب والمباشرة ؛ والكلام في الخلق والتأثير لا في الكسب والمباشرة(٣) !

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٣.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٣٦.

(٣) انظر الصفحة ١٥٥.

١٨٣

وأقول :

قد عرفت أنّ هذا كلّه من الهذيان أو التمويه(١) ، فلا يحسن بنا إضاعة القرطاس لأجله مرّة أخرى!

* * *

__________________

(١) راجع الصفحتين ١٤٨ و ١٦٩.

١٨٤

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

السابع : الآيات التي حثّ الله تعالى فيها على الاستعانة به.

قوله تعالى :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) (٢)

( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) (٣)

( اسْتَعِينُوا بِاللهِ ) (٤) .

فإذا كان الله تعالى خلق الكفر والمعاصي ، كيف يستعان ويستعاذ به؟!

وأيضا : يلزم بطلان الألطاف والدواعي ؛ لأنّه تعالى إذا كان هو الخالق لأفعال العباد ، فأيّ نفع يحصل للعبد من اللطف الذي يفعله الله تعالى؟!

ولكنّ الألطاف حاصلة كقوله تعالى :( أَ وَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ) (٥)

( وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ) (٦)

( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ) (٧)

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٠.

(٢) سورة الفاتحة ١ : ٥.

(٣) سورة النحل : ١٦ : ٩٨.

(٤) سورة الأعراف ٧ : ١٢٨ ، ووردت في المصدر بدلا عن هذه آية :( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ) سورة البقرة ٢ : ١٥٣.

(٥) سورة التوبة ٩ : ١٢٦.

(٦) سورة الزخرف ٤٣ : ٣٣.

(٧) سورة الشورى ٤٢ : ٢٧.

١٨٥

( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ) (١)

( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (٢) (٣) .

* * *

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٢) سورة العنكبوت ٢٩ : ٤٥.

(٣) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٥.

١٨٦

وقال الفضل(١) :

خلق الكفر والمعاصي لا يوجب أن لا يستعان من الخالق ولا يستعاذ به ، فإنّ الاستعانة والاستعاذة لأجل أن لا يخلق ما يوجب الاستعانة والاستعاذة ، ولو كان الأمر كما ذكروا لانسدّ باب الدعاء والطلب من الله تعالى ؛ لأنّه خالق الأشياء.

وهذا من الترّهات التي لا يتفوّه بها عاقل فضلا عن فاضل.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٤.

١٨٧

وأقول :

الاستعانة : طلب إعانة المعين على فعل المستعين ، فإذا كان الفعل والأثر لله وحده ، كيف يحصل معنى الاستعانة؟!

كما إنّ الاستعاذة به تعالى من الشيطان إنّما تكون إذا كان الشيطان أثر ، فإذا كان الأثر لله وحده ، كيف يستعاذ به من غير المؤثّر؟!

هذا هو مراد المصنّف لا ما فهمه الخصم!

ودعوى أنّ الاستعانة والاستعاذة لأجل أن لا يخلق موجبهما دعوى شبيهة بالكسب في عدم ظهور معناها ، مع إنّها لا تنافي وجه الاستدلال الذي ذكرناه!

فنحن ندعوه سبحانه بأن يعيننا على فعل الخير ، ويعيذنا من فعل الشيطان وشرّه ، وباب دعائه تعالى مفتوح للسائلين.

وقد تغافل الخصم عمّا ذكره المصنّف من لزوم بطلان الألطاف والدواعي ؛ لعجزه عن الجواب! ولعلّه عن غفلة ؛ لأنّ من كانت بضاعته دعوى الكسب ونحوه لا يعجز عن الجواب.

* * *

١٨٨

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

الثامن : الآيات الدالّة على اعتراف الأنبياء بذنوبهم وإضافتها إلى أنفسهم.

كقوله تعالى حكاية عن آدمعليه‌السلام :( رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ) (٢)

وعن يونسعليه‌السلام :( سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٣)

وعن موسىعليه‌السلام :( إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ) (٤)

وقال يعقوب لأولاده :( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ) (٥)

وقال يوسفعليه‌السلام :( مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ) (٦)

وقال نوحعليه‌السلام :( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) (٧) .

فهذه الآيات تدلّ على اعتراف الأنبياء بكونهم فاعلين لأفعالهم(٨) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٠.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ٢٣.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٨٧.

(٤) سورة النمل ٢٧ : ٤٤ ، سورة القصص ٢٨ : ١٦.

(٥) سورة يوسف ١٢ : ١٨.

(٦) سورة يوسف ١٢ : ١٠٠.

(٧) سورة هود ١١ : ٤٧.

(٨) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٦.

١٨٩

وقال الفضل(١) :

اعتراف الأنبياء بكونهم فاعلين لا يدلّ على اعتقادهم بكونهم خالقين ، والمدّعى هو هذا ، وفيه التنازع ، فإنّ كلّ إنسان يعلم أنّه فاعل للفعل ، ولكن الكلام في الخلق والإيجاد ، فليس فيه دلالة لمدّعاه!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٦.

١٩٠

وأقول :

سبق أنّ إسناد الفعل الاختياري إلى فاعله صريح الدلالة على إيجاده إيّاه ، وأنّ الكسب بالمعنى الذي فسّره به ، إنّما هو عبارة عن نسبة محلّيّة لا فاعليّة(١) ، فتكون الآيات دليلا واضحا على المطلوب.

وقوله : إنّ « الكلام في الخلق والإيجاد »

مسلّم ؛ والآيات دالّة عليه ، فإنّ الخلق لغة هو الفعل ، وإن كان ينصرف في الاستعمال إلى فعل الله تعالى خاصّة ، ولذا يتقصّده الخصم ، ليستبشع السامع من دعوى الأنبياء في أنفسهم الخلق ، ولم يعلم أنّ الله تعالى نسبه إلى عيسى فقال :( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ ) (٢)

ونسبه إلى غيره فقال :( وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ) (٣)

وقال سبحانه :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٤) .

* * *

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٥٦ من هذا الجزء.

(٢) سورة المائدة ٥ : ١١٠.

(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ١٧.

(٤) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

١٩١

قال المصنّف ـ طاب مثواه ـ(١) :

التاسع : الآيات الدالّة على اعتراف الكفّار والعصاة بأنّ كفرهم ومعاصيهم كانت منهم.

كقوله تعالى :( وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ )

ـ إلى قوله تعالى : ـ( أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ) (٢)

وقوله تعالى :( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) (٣)

( كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) ـ إلى قوله تعالى : ـ فَكَذَّبْنا(٤)

وقوله تعالى :( أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ ) (٥) ( فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) (٦) (٧) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١١.

(٢) سورة سبأ ٣٤ : ٣١ و ٣٢.

(٣) سورة المدّثّر ٧٤ : ٤٢ و ٤٣.

(٤) سورة الملك ٦٧ : ٨ و ٩.

(٥) سورة الأعراف ٧ : ٣٧.

(٦) سورة الأعراف ٧ : ٣٩.

(٧) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٦.

١٩٢

وقال الفضل(١) :

اعتراف الكفّار يوم القيامة لظهور ما ينكره المعتزلة ، وهو أنّ الكسب من العبد ، والخلق من الله تعالى.

ألا ترى إلى قوله تعالى لهم يوم القيامة :( فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) (٢) أي كان هذا الجزاء لكسبكم الأعمال السيّئة.

وكلّ هذا يدلّ على أنّ للعبد كسبا يؤاخذ به يوم القيامة ويجزى به ، ولا يدلّ على ما هو محلّ النزاع ، وهو كونه خالقا لفعله وموجدا إيّاه ، فليس فيها دلالة على المقصود.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٧.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ٣٩.

١٩٣

وأقول :

التعلّل بالكسب عليل ؛ لأنّه معنى حادث اخترعه الأشاعرة ، فكيف تحمل عليه الآية؟! والحال أنّ معناه اللغوي : العمل.

وهل يفهم عربي أنّ معنى الآية( فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما )

أنّكم محلّ لفعل أنا خلقته؟!

وهل يصحّ من العدل أن يذيقهم العذاب لأجل جعله لهم محلّا لفعله؟!

وكذا الآيات الأخر صريحة في المطلوب لما عرفت من أنّ إسناد الفعل الاختياري إلى فاعله صريح في إيجاده إيّاه(١) .

* * *

__________________

(١) انظر الصفحة ١٦٩.

١٩٤

قال المصنّف ـ قدّس الله نفسه ـ(١) :

العاشر : الآيات التي ذكر الله تعالى فيها ما يحصل منهم من التحسّر في الآخرة على الكفر ، وطلب الرجعة.

قال تعالى :( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا ) (٢)

( قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً ) (٣)

( وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً ) (٤)

( أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (٥) (٦) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٢.

(٢) سورة فاطر ٣٥ : ٣٧.

(٣) سورة المؤمنون ٢٣ : ٩٩ و ١٠٠.

(٤) سورة السجدة ٣٢ : ١٢.

(٥) سورة الزمر ٣٩ : ٥٨.

(٦) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٦.

١٩٥

وقال الفضل(١) :

التحسّر وطلب الرجعة لاكتساب الأعمال السيّئة والاعتقادات الباطلة التي من جملتها اعتقاد الشركاء لله تعالى ، كما هو مذهب المجوس ومن تابعهم من الملّيّين كالمعتزلة وتابعيهم ، وليس في هذه الآيات دليل على مدّعاهم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٨.

١٩٦

وأقول :

سبق أنّ الكسب كأصل الفعل لا أثر للعبد فيه(١) ، فكيف يتحسّر لوقوعه منه والمؤثّر غيره؟!

وكيف يطلب الرجعة للعمل وهو عود على بدء؟! لأنّ العمل لغيره ولا قدرة له على الدفع!

وما الفائدة بالرجعة والمحسن مثل المسيء عند الأشاعرة في تجويز العذاب؟! ولعلّه يكون الأمر فيها أسوأ!

ونتيجة مقالتهم أنّ الله سبحانه خلق في العبد الكفر والمعصية ، وجعله محلّا لها بإرادته من دون أثر للعبد أصلا ، ويعاقبه عليهما بأشدّ العقاب!

ويخلق فيه التحسّر وطلب الرجعة ولا يجيبه إليها ، ويخلق فيه الاعتراف بالظلم ، وهو خلق الظلم فيه ، ويخيّره في أفعاله ولا خيار له!

ومع ذلك لا جور ولا سفه في فعله ، بل كلّه عدل ورحمة وصواب ، ما هذا إلّا شيء عجاب!!

* * *

__________________

(١) راجع الصفحة ١٦١ ـ ١٦٢ من هذا الجزء.

١٩٧

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

فهذه الآيات وأمثالها من نصوص الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

فما عذر فضلائهم؟! وهل يمكنهم الجواب عند هذا السؤال : كيف تركتم هذه النصوص ونبذتموها وراءكم ظهريّا؟! إلّا بأنّا طلبنا الحياة الدنيا وآثرناها على الآخرة!

وما عذر عوامّهم في الانقياد إلى فتوى علمائهم واتّباعهم في عقائدهم؟!

وهل يمكنهم الجواب عند السؤال : كيف تركتم هذه الآيات وقد جاءكم بها النذير ، وعمّرناكم ما يتذكّر فيه من تذكّر؟! إلّا بأنّا قلّدنا آباءنا وعلماءنا من غير فحص ولا بحث ولا نظر ، مع كثرة الخلاف وبلوغ الحجّة إلينا!

فهل يقبل عذر هذين القبيلين ، وهل يسمع كلام الفريقين؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٢.

١٩٨

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في ما مضى أنّ النصّ ما لا يحتمل خلاف المقصود(٢) ، وقد علمت في كلّ الفصول من استدلالاته بالآيات أنّها دالّة على خلاف مقصوده ، فهي نصوص مخالفة لمدّعاه.

والعجب أنّه يفتخر ويباهي بإتيانها ثمّ يقول : ما عذر علمائهم وعوامّهم؟!

فنقول : أمّا عذر علمائهم فإنّهم يقولون يوم القيامة : إلهنا كنّا نعلم أنّه لا خالق في الوجود سواك ، وأنت خلقت كلّ شيء ، ونحن كسبنا المعصية أو الطاعة ، فإن تعذّبنا فنحن عبادك ، وإن تغفر لنا فبفضلك وكرمك ، ولك التصرّف كيف شئت.

وأمّا عذر عوامّهم فإنّهم يقولون : إلهنا! إنّ نبيّك محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرنا أن نكون ملازمين للسواد الأعظم ، فقال : عليكم بالسواد الأعظم(٣) ؛ ورأينا في أمّته السواد الأعظم كان أهل السنّة ، فدخلنا فيهم واعتقدنا مثل اعتقادهم ، ورأينا المعتزلة ومن تابعهم من الشيعة كاليهود ، يخفون مذهبهم ويسمّونه التقية ، ويهربون من كلّ شاهق إلى شاهق ، ولو نسب إليهم أنّهم معتزليّون أو شيعة يستنكفون عن هذه النسبة ، فعلمنا أنّ الحقّ مع السواد الأعظم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٩.

(٢) راجع الصفحة ١٦٧.

(٣) السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ١ / ٣٩ ح ٨٠ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٣٩.

١٩٩

وأقول :

قد سبق أنّ النصّ ما لا يحتمل الخلاف بحسب فهم أهل اللسان(١) ، وأنّ الآيات الكريمة كذلك ، ونحن نكل إلى السامع قوله : « دالّة على خلاف مقصودة »(٢) .

وأمّا ما ذكره في عذر علمائهم فهو لا يسمع عند من يعلم الحقائق والصادق من الكاذب ، ويعلم أنّهم ما قالوا ذلك في الدنيا إلّا لإغواء العوامّ المساكين وتلبيس الحقّ المبين! فيقول لهم : كيف تقولون لا خالق في الوجود سواك ، وأنتم تقولون بألسنتكم ما ليس في قلوبكم؟! فإنّا نشاهد أعمالكم تشهد عليكم بخلاف أقوالكم ، إذ تحتالون للدنيا ومقاصدكم بكلّ حيلة ، وتتنازعون عليها بما ترون لكم من كلّ حول وقوّة.

وكيف تقولون ذلك وهذه آيات الكتاب المجيد تتلى عليكم بنسبة الأفعال إلى العباد؟! وقد صرّح بعضها بلفظ الخلق ، قال تعالى :( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) (٣) ( وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ) (٤)

فما غايتكم بهذا المقال إلّا الإضلال ، ونفي فعل القبيح عن أنفسكم ، وإثباته للمنزّه عن كلّ عيب ونقص!

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٦٩.

(٢) المتقدّم في الصفحة السابقة.

(٣) سورة المائدة ٥ : ١١٠.

(٤) سورة العنكبوت ٢٩ : ١٧.

٢٠٠