دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420
المشاهدات: 190784
تحميل: 3865


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190784 / تحميل: 3865
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 964-319-356-x
العربية

وقال الفضل(١) :

قد عرفت أنّ خالق الشيء غير فاعله ومباشره(٢) ، فالفعل تارة يطلق ويراد به : الخلق ، كما يقال : الله تعالى فاعل كلّ شيء ، وقد يطلق ويراد به :

المباشرة والاعتمال.

وعلى التقديرين فإنّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء الذي خلقه ، وإن كان المخلوق من جملة الصفات كما قدّمنا(٣) .

فمن خلق الظلم لا يقال : إنّه ظالم.

وقد ذكرنا أنّه لم يفرّق بين هذين المعنيين(٤) ، ولو فرّق لم يستدلّ بأمثال هذا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٠.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ١٧٣ من هذا الجزء.

(٣) تقدّم في الصفحتين ١٦٥ و ٢٢٠ من هذا الجزء.

(٤) راجع الصفحة ١٤٩ من هذا الجزء.

٢٤١

وأقول :

إذا أقرّ بإطلاق الفعل على الخلق ، وأنّه يقال : فاعل كلّ شيء ، ويراد خالقه ، فقد صارا مترادفين ، وبطل قوله : إنّ خالق الشيء غير فاعله.

ولو سلّم فلا يرتفع الإشكال بمجرّد هذا الاصطلاح ، إذ يكفينا أن نقول : إنّ من أوجد الظلم والفساد يسمّى ظالما مفسدا لغة وعرفا ، فيلزمهم الإشكال.

وأمّا قوله : « وعلى التقديرين ، فإنّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء »

فغلط ظاهر ، ضرورة أنّ أكثر صفات الله سبحانه من أفعاله ، كالعادل والرحمن والهادي والمحيي والمميت ونحوها ، بل صفات الذات أيضا من مخلوقاته بزعمهم ؛ لأنّها مغايرة له وصادرة عنه بالإيجاب.

ثمّ إنّ مراد المصنّفرحمه‌الله ب‍ « الآخر » في قوله : « ولهذا لا يصحّ إثبات أحدها إلّا حال نفي الآخر » هو الآخر الضدّ ، لا مطلقا.

وحينئذ فلو ثبت الظلم لأحد لم يصحّ إثبات العدل له في مورد ثبوت الظلم له ، فلا يصحّ وصف الله سبحانه بالعادل حال خلقه للظلم وثبوته له ، وهو كفر آخر.

* * *

٢٤٢

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه المحال ؛ لأنّه لو كان هو الخالق للأفعال ، فإمّا أن يتوقّف خلقه لها على قدرتنا ودواعينا ، أو لا ، والقسمان باطلان.

أمّا الأوّل : فلأنّه يلزم منه عجزه سبحانه عمّا يقدر عليه العبد ، ولأنّه يستلزم خلاف المذهب ، وهو وقوع الفعل منه والداعي من العبد ، إذ لو كان من الله تعالى لكان الجميع من عنده ، ولأنّه القدرة والداعي إن أثّرا فهو المطلوب ، وإلّا كان وجودهما كوجود لون الإنسان وطوله وقصره.

ومن المعلوم بالضرورة أنّه لا مدخل للّون والطول والقصر في الأفعال ، وإذا كان هذا الفعل صادرا عنه جاز وقوع جميع الأفعال المنسوبة إلينا منّا.

وأمّا الثاني : فلأنّه يلزم منه أن يكون الله تعالى أوجد ـ أي خلق ـ تلك الأفعال من دون قدرتهم ودواعيهم ، حتّى توجد الكتابة والنساجة المحكمتان ممّن لا يكون عالما بهما ، ووقوع الكتابة ممّن لا يد له ولا قلم ، ووقوع شرب الماء من الجائع في الغاية ، الريّان في الغاية ، مع تمكّنه من الأكل.

ويلزم تجويز أن تنقل النملة الجبال ، وأن لا يقوى الرجل الشديد القوّة على رفع تبنة ، وأن يجوز من الممنوع المقيّد العدو ، وأن يعجز القادر

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٨.

٢٤٣

الصحيح عن تحريك الأنملة(١) .

وفي هذا زوال الفرق بين القوي والضعيف ، ومن المعلوم بالضرورة الفرق بين الزّمن والصحيح.

* * *

__________________

(١) الأنملة ـ بالفتح ـ : المفصل الأعلى الذي فيه الظفر من الإصبع ؛ انظر لسان العرب ١٤ / ٢٩٥ مادّة « نمل ».

٢٤٤

وقال الفضل(١) :

نختار القسم الثاني ، وهو أنّ خلقه تعالى لأفعالنا لا يتوقّف على دواعينا وقدرتنا ، وما ذكره من لزوم وجدان الكتابة بدون اليد وغيره من المحالات العادية ، فهي استبعادات ، والاستبعاد لا يقدح في الجواز العقلي.

نعم ، عادة الله جرت على إحداث الكتابة عند حصول اليد والقلم ، وإن أمكن حصوله وجاز حدوثه عقلا بدون اليد والقلم ، ولكن هو من المحالات العادية كما مرّ غير مرّة(٢) .

وما ذكر أنّه يلزم أن تكون القدرة والداعي إذا لم يكونا مؤثّرين في الفعل ، كاللون والطول والقصر بالنسبة إلى الأفعال ، فهو ممنوع

للفرق بأنّ الفعل يقع عقيب وجود القدرة ، كالإحراق الذي يقع عقيب مساس النار عادة ، ولا يقال لا فرق بالنسبة إلى الإحراق بين النار وغيرها ، إذ لا تجري العادة بحدوث الإحراق عقيب مساس الماء.

فكذلك لم تجر عادة الله تعالى بإحداث الفعل عقيب وجود اللون ، بل عقيب حصول القدرة والداعي مع أنّهما غير مؤثّرين.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٢.

(٢) راجع الصفحة ٢١٤ من هذا الجزء.

٢٤٥

وأقول :

لا يخفى أنّ مقصود المصنّف هو : إنّه يلزم انتفاء الفرق في صحّة نسبة الكتابة إلى ذي اليد أو مقطوعها ؛ لأنّ المفروض عدم دخل القدرة وآلاتها في وجود الأفعال ، وذلك باطل بالضرورة.

وكذا الكلام في تأثير الداعي ، وليس المقصود امتناع حصول الكتابة مثلا بدون الآلات ، فإنّه لا ينكر إمكانه ، بل وقوعه في اللوح وغيره.

وأمّا ما ذكره من الفرق بين القدرة والداعي ، وبين اللون والطول والقصر بجريان العادة ، فليس في محلّه ؛ لأنّ المصنّفرحمه‌الله أراد لزوم عدم الفرق في عدم المدخلية والتأثير ، لا لزوم عدم الفرق أصلا ، وإلّا فالفروق كثيرة.

ولا ريب أنّ عدم الفرق بعدم المدخلية والتأثير خلاف الضرورة ، فإنّ كلّ عاقل يدرك مدخلية القدرة والداعي في الفعل وتأثيرهما فيه ، دون اللون والطول والقصر.

* * *

٢٤٦

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : تجويز أن يكون الله تعالى جاهلا أو محتاجا ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ؛ لأنّ في الشاهد فاعل القبيح إمّا جاهل ، أو محتاج ، مع إنّه ليس عندهم فاعلا في الحقيقة ، فلأن يكون كذلك في الغائب ـ الذي هو الفاعل في الحقيقة ـ أولى.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٩.

٢٤٧

وقال الفضل(١) :

قد مرّ أنّ الخالق غير الفاعل ، بمعنى الكاسب والمباشر(٢) ، وخالق القبيح لا يلزم أن يكون جاهلا أو محتاجا ، حيث لا قبيح بالنسبة إليه ، كما في خلقه لما هو قبيح بالنسبة إلى المخلوق ، فلا يلزم منه جهل ولا احتياج.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٣.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ١٧٣ من هذا الجزء.

٢٤٨

وأقول :

ضرورة العقلاء قاضية بأنّ خلق القبيح وإيجاده أولى بالقبح من كسبه ، بمعنى محلّيّة المحلّ له بلا تأثير ، بل لا معنى لنسبة قبح الفعل الاختياري إلى غير المؤثّر.

فلا محالة يلزم من خلق القبيح أحد الأمرين : الجهل ، والاحتياج ، ولا عبرة بالسفسطات.

* * *

٢٤٩

قال المصنّف ـ رفع الله منزلته ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم منه الظلم ؛ لأنّ الفعل إمّا أن يقع من العبد لا غير

أو من الله تعالى

أو منهما بالشركة ، بحيث لا يمكن تفرّد كلّ منهما بالفعل ، أو لا من واحد منهما

والأوّل : هو المطلوب.

والثاني : يلزم منه الظلم ، حيث فعل الكفر وعذّب من لا أثر له فيه ألبتّة ، ولا قدرة موجدة له ، ولا مدخل له في الإيجاد ، وهو أبلغ أنواع الظلم.

والثالث : يلزم منه الظلم ؛ لأنّه شريك في الفعل ، وكيف يعذّب شريكه على فعل فعله هو وإيّاه؟!

وكيف يبرّئ نفسه من المؤاخذة مع قدرته وسلطنته ، ويؤاخذ عبده الضعيف على فعل فعل هو مثله؟!

وأيضا : يلزم منه تعجيز الله تعالى ، إذ لا يتمكّن من الفعل بتمامه ، بل يحتاج إلى الاستعانة بالعبد.

وأيضا : يلزم المطلوب ، وهو أن يكون للعبد تأثير في الفعل ، وإذا جاز استناد أثر ما إليه ، جاز استناد الجميع إليه.

__________________

(١) نهج الحقّ : ١١٩.

٢٥٠

فأيّ ضرورة تحوج إلى التزام هذه المحالات؟!

فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النقائص التي نزّه الله تعالى نفسه عنها وتبرّأ منها!

* * *

٢٥١

وقال الفضل(١) :

نختار أنّ الفعل ـ بمعنى الخلق ـ يصدر من الله تعالى ، والعبد كاسب للفعل ، مباشر له ، ولا تأثير لقدرته في الفعل.

قوله : « يلزم منه الظلم ».

قلنا : قد سبق أنّ الظلم لا يلزم أصلا ؛ لأنّه يتصرّف في ما هو ملك له ، والتصرّف في الملك كيف شاء المالك لا يسمّى ظلما ، ثمّ إنّ تعذيب العاصي بواسطة كونه محلّا للفعل الموجب للعذاب(٢) .

وأمّا قوله : « فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النقائص ».

فنقول : أنا أخبره بالذي دعاهم إلى تخصيص الخلق بالله تعالى ، وهو الهرب والفرار من الشرك الصريح الذي لزم المخالفين ممّن يدّعون أنّ العبد خالق مثل الربّ ، وهذا فيه خطر الشرك ، وهم يهربون من الشرك!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٤.

(٢) انظر الصفحتين ٩٣ و ٢٣٠ من هذا الجزء.

٢٥٢

وأقول :

لا يمكن أن يكون مجرّد الملك مصحّحا لعذاب من لا ذنب له ؛ لما سبق من أنّه ليس من أحكام الملكيّة جواز إضرار المالك بملكه الحسّاس ، بلا جرم منه ، ولا فائدة له ، بل هو مناف لمقتضى الملكيّة من رعاية المملوك وحمايته عمّا يضرّه(١) .

وأمّا ما أخبر به من الأمر الداعي لأصحابه ، فلو صدق فيه ، فلم أثبتوا لأنفسهم قدرة وإرادة وغيرهما من الصفات الزائدة بزعمهم على الذات ، وأثبتوا لأنفسهم أيضا ملكيّة؟!

وادّعوا مشاركة الله سبحانه في الكلّ! والحال أنّ المشاركة فيها أعظم من المشاركة في الفعل ، بل لو كان الشرك مطلقا باطلا لم تصحّ مشاركة الله تعالى في الوجود والشيئية ، وفي ثبوت الهوية.

فالحقّ ـ كما سبق ـ أنّ المشاركة في ما لا نقص به على الله سبحانه من الأمور التي لا توجب الإلهية ، ولا المعارضة ، أو المماثلة له ، جائزة وواقعة ، كما في محلّ النزاع.

وكيف يكون فيها نقص؟! وهي من مظاهر القدرة الربّانيّة ، ودلائل النزاهة ، حيث جعل قدرة العبيد الفعّالة دليلا على قدرته العظمى ، وطريقا إلى نزاهته عن أفعالهم القبيحة!

نعم ، أنا أخبره أنّ الذي دعاهم إلى الالتزام بذلك وسلوك أسوأ

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٩٥ من هذا الجزء.

٢٥٣

المسالك ، هو التعصّب للأسلاف ، والاقتداء بآثار الآباء.

ومن المضحك أنّه في مقام إنكار تأثير العبيد يثبت التأثير لهم فيقول :

« أنا أخبره بالذي دعاهم » فأشرك بمذهبه ، وأساء باعتقاده إلى ربّه!

وما زال يعاقب المصنّف عقاب الفاعلين للفاعلين المؤثّرين!

أعاذنا الله من مخالفة العمل للقول ، والتعرّض لسخطه ، إنّه أرحم الراحمين.

* * *

٢٥٤

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم مخالفة القرآن العظيم والسنّة المتواترة والإجماع وأدلّة العقل.

* أمّا الكتاب فإنّه مملوء من إسناد الأفعال إلى العبيد ، وقد تقدّم بعضها(٢) .

وكيف يقول الله تعالى :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٣) ولا خالق سواه؟!

ويقول :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٤) ولا تحقّق لهذا الشخص ألبتّة؟!

ويقول :( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ) (٥)

( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (٦)

( لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٧)

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٠.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء.

(٣) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٨٢.

(٥) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦ ، سورة الجاثية ٤٥ : ١٥.

(٦) سورة النجم ٥٣ : ٣١.

(٧) سورة الكهف ١٨ : ٧.

٢٥٥

وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (١)

( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٢) ولا وجود لهؤلاء؟!

ثمّ كيف يأمر وينهى ولا فاعل؟! وهل هو إلّا كأمر الجماد ونهيه؟!

* وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إعملوا ، فكلّ ميسّر لما خلق له »(٣)

«نيّة المؤمن (٤) خير من عمله »(٥)

«إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى »(٦)

* والإجماع دلّ على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى ، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب الرضا به ، والرضا بالكفر حرام بالإجماع.

فعلمنا أنّ الكفر ليس من فعله تعالى ، فلا يكون من خلقه.

* * *

__________________

(١) سورة الجاثية ٤٥ : ٢١.

(٢) سورة ص ٣٨ : ٢٨.

(٣) صحيح البخاري ٦ / ٢٩٨ ح ٤٤٦ وج ٩ / ٢٨٤ ح ١٧٦ ، صحيح مسلم ٨ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٢٨ ح ٤٧٠٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٠ ح ٧٨ ، سنن الترمذي ٤ / ٣٨٨ ح ٢١٣٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٢ ، التوحيد ـ للصدوق ـ : ٣٥٦ ح ٣ ، مجمع البحرين ـ للطريحي ـ ٣ / ٥٢١ مادّة « يسر ».

(٤) كان في الأصل : « المرء » ، وهو تصحيف ، والمثبت من المصادر.

(٥) تقدّم تخريجه في الصفحة ١٢٣ ه‍ ٥ ، فراجع.

(٦) تقدّم تخريجه في الصفحة ١٢٣ ه‍ ٤ ، فراجع.

٢٥٦

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في ما سبق أجوبة كلّ ما استدلّ به من آيات الكتاب العزيز(٢) .

ثمّ إنّ كلّ تلك الآيات معارضة بالآيات الدالّة على أنّ جميع الأفعال بقضاء الله وقدره وإيجاده وخلقه ، نحو :

( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (٣) أي عملكم

و( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٤) وعمل العبد شيء

( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) (٥) وهو يريد الإيمان إجماعا ، فيكون فعّالا له ، وكذا الكفر ، إذ لا قائل بالفصل.

وأيضا : تلك الآيات معارضة بالآيات المصرّحة بالهداية والضلال والختم ، نحو :

( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) (٦)

و( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) (٧) وهي محمولة على حقائقها كما هو الظاهر منها.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٨٦.

(٢) انظر الصفحة ١٥٤ من هذا الجزء.

(٣) سورة الصافّات ٣٧ : ٩٦.

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٦٢.

(٥) سورة هود ١١ : ١٠٧.

(٦) سورة البقرة ٢ : ٢٦.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٧.

٢٥٧

وأنت تعلم أنّ الظواهر إذا تعارضت لم تقبل شهادتها ، خصوصا في المسائل العقلية ، ووجب الرجوع إلى غيرها من الدلائل العقلية القطعية.

وقد ذكرنا في ما سلف من الكلام ما يغني في إثبات المقصد.

وأمّا ما استدلّ به على تعدّد الخالقين من قوله تعالى :( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (١) ، فالمراد بالخالقين هناك : ما يدّعي الكافرون من الأصنام.

فكأنّه يقول : تبارك الله الذي هو أحسن من أصنامكم الّذين تجعلونهم الخالقين المقدّرين بزعمكم ، فإنّهم لا يقدرون على شيء ، والله يخلق مثل هذا الخلق البديع المعجب.

أو المراد من الخالقين : المقدّرين للخلق ، كالمصوّرين ، لا أنّه تعالى أثبت لنفسه شركاء في الخلق.

ولكنّ المعتزلة ومن تابعهم يناسب حالهم ما قال الله تعالى :( وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٤٥.

٢٥٨

وأقول :

قد ظهر ممّا سبق أنّ أجوبته لا تصلح أن توسم باسم الجواب(١) ، ودعواه هنا المعارضة بالآيات الأخر باطلة.

أمّا قوله تعالى :( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، فقد عرفت في أوّل المطلب الأوّل أنّ المراد به السماوات والأرض ، وما فيهما من الأجسام والأعراض والأجرام ، لا ما يشمل أفعال العباد ، فراجع(٣) .

وأمّا قوله تعالى :( أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ * وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (٤) فالمراد فيه ب‍ ( ما يعملون ) هو : ما ينحتونه من الأصنام لا عملهم(٥) ، إذ لا معنى للإنكار على عبادتهم لما ينحتون بحجّة أنّه خلقهم وأعمالهم التي منها عبادتهم التي أنكر عليها!

وأمّا قوله تعالى :( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) ، فالظاهر أنّ معناه أنّه تعالى فعّال لما يريد فعله وتكوينه.

ومن أوّل الدعوى أنّه يريد تكوين الإيمان ، وإنّما يريده تكليفا وتشريعا.

وأمّا المعارضة بالآيات الواردة في الهداية والإضلال والختم ، فمبنيّة

__________________

(١) انظر الصفحة ١٥٦ من هذا الجزء.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٦١ ، سورة الزمر ٣٩. ٦٢ ، سورة غافر ٤٠ : ٦٢.

(٣) راجع ج ٢ / ٣٤٣.

(٤) سورة الصافّات ٣٧ : ٩٥ و ٩٦.

(٥) انظر : تفسير الماوردي ٥ / ٥٨ ، الكشّاف ٣ / ٣٤٥ ، مجمع البيان ٨ / ٢٨١.

تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ١٥١.

٢٥٩

على أنّ المراد بالهداية والإضلال : خلق الهدى والضلال ، وهو ممنوع ؛ بل المراد بالهداية أحد أمور :

الأوّل : الدلالة والإرشاد ، كما في قوله تعالى : إنّا( هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (١) ( إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (٢) .

وقوله تعالى :( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) (٣)

وقوله تعالى :( إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٤) .

.. إلى غيرها من الآيات الكثيرة.

الثاني : الإثابة والإنعام ، كما في قوله تعالى :( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) (٥) .

فإنّ المراد هنا بالهداية : الإثابة ؛ لوقوعها بعد القتل والموت ، كما إنّ المراد هنا بالإضلال : إبطال أعمالهم.

ومثلها في إرادة الإثابة قوله تعالى :( يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) (٦) .

الثالث : التوفيق وزيادة الألطاف ، كما في قوله تعالى :( مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) (٧) ، ونقيضه الإضلال بأن يكلهم إلى أنفسهم ، ويمنعهم زيادة

__________________

(١) سورة البلد ٩٠ : ١٠.

(٢) سورة الإنسان ٧٦ : ٣ ، وتمام الآية :( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) .

(٣) سورة فصّلت ٤١ : ١٧.

(٤) سورة الشورى ٤٢ : ٥٢.

(٥) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ٤٧ : ٤ و ٥.

(٦) سورة يونس ١٠ : ٩.

(٧) سورة الإسراء ١٧ : ٩٧.

٢٦٠