دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420
المشاهدات: 190790
تحميل: 3865


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190790 / تحميل: 3865
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 964-319-356-x
العربية

الألطاف.

ويحتمل أن يراد هذا المعنى من الآية التي ذكرها الخصم.

الرابع : التيسير والتسهيل ، وبالإضلال تشديد الامتحان ، ولعلّ منه هذه الآية ، فإنّه سبحانه يضرب الأمثال المذكورة في الآية امتحانا ، فتسهل عند قوم ، وتشتدّ عند آخرين ، هذا كلّه في الهداية والإضلال.

وأمّا الختم المذكور في قوله تعالى :( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) (١) .

فالمراد به : التشبيه ، ضرورة عدم الختم حقيقة على سمعهم ، وعدم الغشاوة على أبصارهم ، فكذا على قلوبهم.

والمعنى : إنّ الكفر تمكّن من قلوبهم فصارت كالمختوم عليها ، وصاروا كمن لا يعقل ، ولا يسمع ، ولا يبصر ، كما قال تعالى :( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (٢) .

ويحتمل(٣) أن يكون الختم كناية عن ضيق قلوبهم عن النظر إلى الدلائل ، وعدم انشراح صدورهم للإسلام ، وإنّما نسبه إلى الله تعالى على الوجهين لخذلانه سبحانه لهم ، وعدم رعايته لهم بمزيد الألطاف ، لكثرة ذنوبهم ، وتتابع مناوأتهم للحقّ ، ولكن لا تزول به القدرة والاختيار ، ولذا قال سبحانه في آية أخرى :( بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (٤) .

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٧.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٧١.

(٣) في مطبوعة طهران : ولا يحتمل.

(٤) سورة النساء ٤ : ١٥٥.

٢٦١

فاستثنى القليل وأثبت لهم الإيمان بعدما طبع على قلوبهم ؛ لأنّ لهم أفعالا حسنة تجرّهم إلى الإيمان والسعادة.

ويحتمل أن يريد :( فَلا يُؤْمِنُونَ )

إلّا إيمانا قليلا لعدم تصديقهم بكلّ ما يلزم التصديق به.

وأمّا تأويله لقوله تعالى :( أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (١) فتأويل بعيد ؛ لأنّ ظاهرها أنّه أحسن الخالقين الفاعلين حقيقة ، كعيسى المذكور بقوله تعالى :

( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ ) (٢) لا الخالقين بالزعم والتقدير ، بل لا يصحّ أوّل التأويلين ؛ لأنّ عبدة الأصنام لا يزعمون أنّها خالقة ، بل يرونها مقرّبة إلى الله تعالى.

وأمّا الآية التي ادّعى مناسبتها لحال العدليّة ، فخطأ ؛ لأنّ مذهبهم لا يناسب الإشراك كما عرفت(٣) ، وإنّما يناسبه مذهب من يدّعي تعدّد القدماء وتركّب الإلهية ، ويرون أنفسهم شركاء لله تعالى في صفاته الذاتية ؛ لأنّ صفاتهم كصفاته زائدة على الذات(٤) !

* * *

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٤.

(٢) سورة المائدة ٥ : ١١٠.

(٣) تقدّم في ج ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٤) راجع ردّ الفضل في ج ٢ / ١٧٥.

٢٦٢

الجواب عن شبه المجبّرة

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

المطلب الحادي عشر

في نسخ شبههم

إعلم أنّ الأشاعرة احتجّوا على مقالتهم بوجهين ، هما أقوى الوجوه عندهم ، يلزم منهما الخروج عن العقيدة!

ونحن نذكر ما قالوا ، ونبيّن دلالتهما على ما هو معلوم البطلان بالضرورة من دين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

الأوّل : قالوا : لو كان العبد فاعلا لشيء ما بالقدرة والاختيار ، فإمّا أن يتمكّن من تركه أو لا

والثاني : يلزم منه الجبر ؛ لأنّ الفاعل الذي لا يتمكّن من ترك ما يفعله موجب لا مختار ، كما يصدر عن النار الإحراق ولا تتمكّن من تركه.

والأوّل إمّا أن يترجّح الفعل حالة الإيجاد ، أو لا والثاني ؛ يلزم منه ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر ، لا لمرجّح ؛ لأنّهما لمّا استويا من كلّ وجه بالنسبة إلى ما في نفس الأمر ، وبالنسبة إلى القادر الموجد ، كان ترجيح القادر للفعل على الترك ترجيحا للمساوي بغير مرجّح ، وإن ترجّح ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢١.

٢٦٣

فإن لم ينته إلى حدّ الوجوب ، أمكن حصول المرجوح مع تحقّق الرجحان ، وهو محال.

أمّا أوّلا ؛ فلامتناع وقوعه حالة التساوي ، فحالة المرجوحية أولى.

وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه مع قيد الرجحان يمكن وقوع المرجوح ، فلنفرضه واقعا في وقت ، والراجح في آخر ، فترجيح أحد الوقتين بأحد الأمرين لا بدّ له من مرجّح غير المرجّح الأوّل ، وإلّا لزم ترجيح أحد المتساويين بغير مرجّح ، فينتهي إلى حدّ الوجوب ، وإلّا تسلسل.

وإذا امتنع وقوع الأثر إلّا مع الوجوب ـ والواجب غير مقدور ، ونقيضه ممتنع غير مقدور أيضا ـ فيلزم الجبر والإيجاب ، فلا يكون العبد مختارا(١) .

الثاني : إنّ كلّ ما يقع فإنّ الله تعالى قد علم وقوعه قبل وقوعه ، وكلّ ما لم يقع فإنّ الله قد علم في الأزل عدم وقوعه.

وما علم الله وقوعه فهو واجب الوقوع ، وإلّا لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا ، وهو محال.

وما علم عدم وقوعه فهو ممتنع ، إذ لو وقع انقلب علم الله تعالى جهلا ، وهو محال أيضا ، والواجب والممتنع غير مقدورين للعبد ، فيلزم الجبر(٢) .

* * *

__________________

(١) المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١١ ـ ١٢ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨١ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢١ ، المواقف : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٢٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٩ ـ ١٥١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ، المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١٨ ، المواقف : ٣١٥ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٣١ ، شرح المواقف ٨ / ١٥٥.

٢٦٤

وقال الفضل (١) :

أوّل ما ذكره من الدليلين للأشاعرة قد استدلّ به أهل المذهب ، وهو دليل صحيح بجميع مقدّماته كما ستراه واضحا إن شاء الله تعالى.

وأمّا الثاني ممّا ذكره من الدليلين فقد ذكره الإمام الرازي على سبيل النقض(٢) ، وليس هو من دلائل الأئمّة الأشاعرة ، وقد ذكر الإمام هذا النقض في شبهة فائدة التكليف والبعثة بهذا التقرير.

ثمّ إنّ هذا الذي ذكروه في لزوم سقوط التكليف ، إن لزم القائل بعدم استقلال العبد في أفعاله ، فهو لازم لهم أيضا لوجوه :

الأوّل : إنّ ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصدور عن العبد ، وإلّا جاز انقلاب العلم جهلا.

وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد ، وإلّا جاز الانقلاب.

ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنّه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته ، لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال كما ذكرتم.

فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال ، فقد لزمكم في مسألة علم الله

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩١.

(٢) محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٨٨ ، المطالب العالية من العلم الإلهي ٨ / ١٨.

٢٦٥

تعالى بالأشياء.

قال الإمام الرازي : « ولو اجتمع جميع العقلاء لم يقدروا أن يوردوا على هذا الوجه حرفا »(١) .

وقد أجابه شارح « المواقف » كما سيرد عليك(٢) .

* * *

__________________

(١) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٢٨.

(٢) شرح المواقف ٨ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

٢٦٦

وأقول :

ما نقله عن الرازي من النقض به لا ينافي الاستدلال به ، فإنّه إن تمّ دلّ على أنّ أفعال العباد جبرية ليست من آثار قدرتهم.

وقد صرّح القوشجي بأنّ الأشاعرة استدلّوا به ، كما ذكره في بحث العلم من الأعراض(١) ، عند قول نصير الدين1 في « التجريد » : « وهو تابع بمعنى أصالة موازنة في التطابق »(٢) .

والظاهر أنّ الخصم إنّما فرّ من تسميته دليلا ليكون فساده أهون على نفسه!

* * *

__________________

(١) شرح التجريد : ٣٣٥.

وقد جاء مؤدّاه في : الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، تبصرة الأدلّة في أصول الدين ٢ / ٦٢٤.

وكذا جاء مؤدّاه في : المواقف وشرحها وشرح المقاصد كما مرّ آنفا في الصفحة ٢٦٤.

(٢) تجريد الاعتقاد : ١٧١.

٢٦٧

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ (١) :

والجواب عن الوجهين من حيث النقض ومن حيث المعارضة

أمّا النقض ، ففي الأوّل من وجوه :

الأوّل ـ وهو الحقّ ـ : إنّ الوجوب من حيث الداعي والإرادة ، لا ينافي الإمكان في نفس الأمر ، ولا يستلزم الإيجاب وخروج القادر عن قدرته وعدم وقوع الفعل بها.

فإنّا نقول : الفعل مقدور للعبد ، يمكن وجوده منه ، ويمكن عدمه ، فإذا خلص الداعي إلى إيجاده ، وحصلت الشرائط ، وارتفعت الموانع ، وعلم القادر خلوص المصالح الحاصلة من الفعل عن شوائب المفسدة ألبتّة ، وجب من هذه الحيثية إيجاد الفعل.

ولا يكون ذلك جبرا ولا إيجابا بالنسبة إلى القدرة والفعل لا غير.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٢.

٢٦٨

وقال الفضل (١) :

هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفي الاختيار ، سواء كان ممكنا في نفس الأمر أو لا.

وكلّ من لا يتمكّن من الفعل وتركه فهو غير قادر ، سواء كان منشأ عدم تمكّنه عدم الإمكان الذاتي لفعله ، أو عدم حصول الشرائط ووجود الموانع ، فما ذكره ليس بصحيح.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٤.

٢٦٩

وأقول :

لمّا زعم الأشاعرة في أوّل الدليلين أنّ العبد إمّا أن يتمكّن من ترك ما فعله أو لا ، فإن لم يتمكّن كان موجبا لا مختارا ، ويلزم الجبر ، أجاب المصنّفرحمه‌الله : « إنّا نختار أنّه لا يتمكّن ».

قولكم : « كان موجبا لا مختارا ».

قلنا : ممنوع ؛ لأنّ عدم التمكّن من الترك إنّما هو بسبب اختيار الفعل وتمام علّته ، فلا ينفي كونه مختارا ، ولا ينافي إمكان الفعل في نفسه وتأثير قدرة العبد فيه.

وهذا معنى ما يقال : « الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ».

وأورد عليه الخصم بأنّ هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفي الاختيار ، وهو كلام لا محصّل له.

ولعلّه يريد أنّا ندّعي أنّ الفعل اضطراري غير اختياري ، لعدم التمكّن من تركه بعد الاختيار والإرادة المؤثّرة ، وإن لم يصر فاعله بذلك موجبا.

وفيه ـ مع أنّ دليل الأشاعرة صريح في لزوم كون الفاعل موجبا ـ يشكل بأنّ عدم التمكّن من الترك بعد الإرادة المؤثّرة لا ينفي حدوثه بالاختيار ، ولا ينافي كونه مقدورا بالذات ، وغاية ما يثبت أنّ الفعل بعد الإرادة التامّة يصير واجبا بالغير ، لا واجبا بالذات ، ولا صادرا بالجبر.

وأمّا ما زعمه من أنّ من لم يتمكّن من الفعل لعدم حصول شرائطه غير قادر عليه ، فهو ممّا لا دخل له بمطلوب الأشاعرة من أنّ الفعل الواقع

٢٧٠

من العبد مجبور عليه!

على أنّ انتفاء شرائط الفعل لا ينفي القدرة عليه ما دامت الشرائط ممكنة.

ولست أعرف كيف بنى الخصم أنّه أجاب عن كلام المصنّف ، مع إنّه سيذكر معنى كلام المصنّف بلفظ شرح « المواقف » ويبني عليه ، ولعلّ الفرق أنّه وجده في الشرح فاعتبره من غير تمييز!

* * *

٢٧١

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

الثاني : يجوز أن يترجّح الفعل ، فيوجده المؤثّر ، أو العدم فيعدمه ، ولا ينتهي الرجحان إلى الوجوب على ما ذهب إليه جماعة من المتكلّمين(٢) ، فلا يلزم الجبر ولا الترجيح من غير مرجّح.

قوله : « مع ذلك الرجحان لا يمتنع النقيض ، فليفرض واقعا في وقت ، فترجيح الفعل وقت وجوده يفتقر إلى مرجّح آخر ».

قلنا : ممنوع ؛ بل الرجحان الأوّل كاف ، فلا يفتقر إلى رجحان آخر.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٢.

(٢) انظر : المطالب العالية من العلم الإلهي ١ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ٢٩ ، شرح المقاصد ١ / ٤٨١ ـ ٤٨٢.

٢٧٢

وقال الفضل (١) :

لا يصحّ أن يكون المرجّح في وقت ترجيح الفعل هو المرجّح الأوّل ، ولا بدّ أن يكون هذا المرجّح غير المرجّح الأوّل ؛ لأنّ هذا المرجّح موجود عند وقوع الفعل مثلا في وقت وقوعه ، ولهذا ترجّح الفعل.

فلو كان هذا المرجّح موجودا عند عدم الفعل ، ولم يترجّح به الفعل ، فلا يكون مرجّحا ، وإذا ترجّح به الفعل فيكون حكم الوقتين مساويا.

ويلزم خلاف المفروض ؛ لأنّا فرضنا أنّ الفعل يوجد في وقت ويعدم في الآخر ، ولا بدّ من مرجّح غير المرجّح الأوّل ليترجّح به الفعل في وقت وينتهي إلى الوجوب ، وإلّا يتسلسل فيتمّ الدليل بلا ورود نقض.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٦.

٢٧٣

وأقول :

لا يخفى أنّ عندنا مسألتين :

الأولى : إنّه هل يمكن ترجّح أحد طرفي الممكن على الآخر برجحان ناش عن ذات الممكن ، غير منته إلى حدّ الوجوب ، بحيث يجوز أنيوجد ممكن بذلك الرجحان من غير احتياج إلى فاعل ، فينسدّ باب إثبات الصانع أو لا يمكن؟

لا ريب أنّه لا يمكن ؛ لأنّ فرض إمكان الشيء يقتضي جواز وقوع الطرفين بالنظر إلى ذاته.

وفرض مرجوحية أحد الطرفين بالنظر إلى ذاته ، يقتضي امتناع وقوع المرجوح ؛ لامتناع ترجّح المرجوح بالضرورة.

ولذا قال نصير الدين1 في « التجريد » : « ولا يتصوّر الأولوية لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته »(١) .

الثانية : إنّه هل يمكن ترجيح الفاعل لأحد الطرفين بمرجّح لا ينتهي إلى حدّ الوجوب ـ كما ذهب إليه جماعة من المتكلّمين(٢) ونقله المصنّف عنهم ـ أو لا يمكن؟

ودليل الأشاعرة من فروع هذه المسألة ، ومبنيّ على عدم إمكان الترجيح بذلك المرجّح ، وهو ممنوع ؛ لأنّ إمكان وقوع الفعل لأجله وكفايته

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ١١٣.

(٢) راجع ما تقدّم انفا في الصفحة ٢٧٢.

٢٧٤

في الإقدام على الفعل ، لا يستلزم خروجه عن المرجوحية ، مع فرض عدم الفعل.

هذا إذا أريد بالمرجّح الأمر الداعي إلى الاختيار.

وأمّا لو أريد به المركّب منهما ومن سائر أجزاء العلّة ، كما هو المقصود في مقام ترجيح أحد طرفي الممكن ، فلا محالة يكون المرجّح موجبا ؛ ولأجله جعل المصنّف الحقّ هو الجواب الأوّل السابق.

* * *

٢٧٥

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الثالث : لم لا يوقعه القادر مع التساوي؟ فإنّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر ، من غير مرجّح.

وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلّمين(٢) ، وتمثّلوا في ذلك بصورة وجدانية ، كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه ، فإنّه يتناول أحدهما من غير مرجّح ، ولا يمتنع من الأكل حتّى يترجّح لمرجّح ، والعطشان يحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه ، والهارب من السبع إذا عنّ(٣) له طريقان متساويان فإنّه يسلك أحدهما ولا ينتظر حصول المرجّح.

وإذا كان هذا الحكم وجدانيا ، كيف يمكن الاستدلال على نقيضه؟!

الرابع : إنّ هذا الدليل ينافي مذهبهم ، فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ؛ لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين(٤) ، فالمتمكّن من الفعل يخرج عن القدرة ؛ لعدم التمكّن من الترك.

وإن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين ، لزمهم وجود الضدّين دفعة

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٢٣.

(٢) انظر : المطالب العالية من العلم الإلهي ١ / ١٠٨ ، شرح المقاصد ١ / ٤٨٤.

(٣) عنّ الشيء : ظهر أمامك ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٤٣٧ مادّة « عنن ».

(٤) تمهيد الأوائل : ٣٢٦ و ٣٣٦ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٠١ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٣ ، المواقف : ١٥٣.

٢٧٦

واحدة ؛ لأنّ القدرة لا تتقدّم على المقدور عندهم(١) .

وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل لزمهم ، إمّا اجتماع الضدّين أو تقدّم القدرة على الفعل.

فانظر إلى هؤلاء القوم الّذين لا يبالون في تضادّ أقوالهم وتعاندها!

* * *

__________________

(١) تمهيد الأوائل : ٣٣٦ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٢ ، المواقف : ١٥١.

٢٧٧

وقال الفضل (١) :

اتّفق العلماء على أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح ، والحكم بعد تصوّر الطرفين ، أي تصوّر الموضوع الذي هو إمكان الممكن ، وتصوّر المحمول ـ الذي هو معنى كونه محوجا إلى السبب ـ ضروري بحكم بديهة العقل بعد ملاحظة النسبة بينهما ، ولذلك يجزم به الصبيان الّذين لهم أدنى تمييز

ألا ترى إلى كفّتي الميزان إذا تساوتا لذاتيهما ، وقال قائل : ترجّحت إحداهما على الأخرى بلا مرجّح من خارج ، لم يقبله صبي مميّز ، وعلم بطلانه بديهة.

فالحكم بأنّ أحد المتساويين لا يترجّح على الآخر إلّا بمرجّح مجزوم به عنده بلا نظر وكسب ، بل الحكم مركوز في طباع البهائم ، ولذا تراها تنفر من صوت الخشب(٢) .

وما ذكر من الأمثلة ، كالجائع في اختيار أحد الرغيفين وغيره ، فإنّه لمّا خالف الحكم البديهي ، يجب أن يكون هناك مرجّح لا يعلمه الجائع ، والعلم بوجود المرجّح من القادر غير لازم ، بل اللازم وجود المرجّح.

وأمّا دعوى كونه وجدانيا مع اتّفاق العقلاء بأنّ خلافه بديهي ، دعوى باطلة كسائر دعاويه ؛ والله أعلم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٩٩.

(٢) انظر : شرح المواقف ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦.

٢٧٨

وأمّا قوله في الوجه الرابع : « إنّ هذا الدليل ينافي مذهبهم ، فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ؛ لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين » إلى آخره.

فنقول في جوابه : عدم صلاحية القدرة للضدّين لا يمنع صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة ، فإنّ المراد من الاحتجاج نفي الاختيار عن العبد ، وإثبات أنّ الفعل واجب الصدور عنه ، وليس له التمكّن من الترك ، وذلك يوجب نفي الاختيار.

فإذا كان المذهب أنّ القدرة لا تصلح للضدّين ، وبلغ الفعل حدّ الوجوب لوجود المرجّح الموجب ، لم يكن العبد قادرا على الترك ، فيكون موجبا لا مختارا ، وهذا هو المطلوب

فكيف يقول : إنّ كون القدرة غير صالحة للضدّين يوجب عدم صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة؟!

فعلم أنّه من جهله وكودنيّته لا يفرّق بين ما هو مؤيّد للحجّة وما هو مناف لها!

ثمّ ما ذكر أنّهم [ إن ](١) خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدين ، لزمهم إمّا اجتماع الضدّين ، أو تقدّم القدرة على الفعل ؛ فهذا شيء يخترعه من عند نفسه ثمّ يجعله محذورا.

والأشاعرة إنّما نفوا هذا المذهب وقالوا : إنّ القدرة لا تصلح للضدّين(٢) ؛ لأنّ القدرة عندهم مع الفعل(٣) ، فيجب أن لا يكون صالحا

__________________

(١) أثبتناه من « إبطال نهج الباطل ».

(٢) راجع تخريجه المارّ آنفا في الصفحة ٢٧٦ ه‍ ٤.

(٣) راجع تخريجه المارّ آنفا في الصفحة ٢٧٧ ه‍ ١.

٢٧٩

للضدّين ، وإلّا لزم اجتماع الضدّين!

أنظروا معاشر المسلمين إلى هذا السارق الحلّي ، الذي اعتاد سرقة الحطب من شاطئ الفرات ، حسب أنّ هذا الكلام حطب يسرق! كيف أتى بالدليل وجعله اعتراضا! والحمد لله الذي فضحه في آخر الزمان ، وأظهر جهله وتعصّبه على أهل الإيمان.

* * *

٢٨٠