دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق4%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99079 / تحميل: 5038
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٧-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وما أدري كيف تتصوّر الخطيئة من نوح في دعائه ، وهو إنّما دعا على الكافرين الّذين لا يلدون إلّا فاجرا كفّارا؟!

ودعوى أنّ خطيئته لنسبته ذلك إليهم كذبا ، باطلة ، إذ لو سلّم عدم إضلالهم وأنّهم يلدون مؤمنا ، فنسبة ذلك إن صدرت منه خطأ فلا خطيئة له ، وإن صدرت عمدا كانت له خطيئتان : الكذب والدعوة على من لا يستحقّ ، لا خطيئة واحدة كما يظهر من الأخبار هذه!

وممّا ينكره العقل على هذه الأحاديث :

أوّلا : إعراض المسلمين عن طلب الشفاعة من نبيّهم وهم يعتقدون أنّه سيّد الأنبياء ، وعدول من عدا عيسى من هؤلاء الأنبياء عن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يعلمون أنّه أولى بالشفاعة.

كما ينكر العقل عليها ثانيا : مخاطبة الناس بعضهم بعضا ، وطلبهم الرأي وهم في حال الشدّة وقد دنت الشمس منهم ، والله سبحانه يقول :( يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) (١) .

وأيضا فقد نسب في حديثي أنس إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رؤية الله(٢) ، وقد عرفت امتناعها(٣) .

ونسب إليه في حديث أنس بكتاب التوحيد ، أنّه قال : « فأستأذن

__________________

(١) سورة الحجّ ٢٢ : ٢.

(٢) انظر الهامش رقم ٣ من الصفحة السابقة ، عن البخاري وغيره.

(٣) راجع ج ٢ / ٤٧ و ١١٠ فما بعدها من هذا الكتاب.

١٠١

على ربّي في داره »(١) فأثبت له المكان ، وهو يوجب الإمكان.

واعلم أنّا نعتقد أنّ إبراهيمعليه‌السلام لم يكذب قطّ حتّى بقوله :( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) (٢)

إمّا لكونه ليس من باب الإخبار الحقيقي ، بل من باب التبكيت والإلزام لهم بالحجّة على بطلان مذهبهم وعبادتهم لما لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرّا ، كما يشهد له قوله :( فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) (٣) .

وإمّا للاشتراط بقوله :( إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) ؛ لدلالته على أنّ إخباره مقيّد به بناء على كونه شرطا لقوله :( فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) .

ولكنّ الكلام في أحاديث القوم الدالّة على الكذب الحقيقي من إبراهيمعليه‌السلام ، وأنّ خطيئته تمنعه من الشفاعة.

نعم ، للبخاري في « كتاب بدء الخلق » ، ولمسلم في « باب فضائل إبراهيم » ، رواية تدلّ على أنّ كذبتين من الثلاث حقيقيّتان ، إلّا أنّهما في ذات الله! والثالثة بصورة الكذب لمصلحة شرعية(٤) !

وهذه الرواية لا توجب صرف روايات الشفاعة عن ظاهرها من الخطيئة ، بل تنافيها وتضادّها ، وإلّا فما معنى اعتذار إبراهيم عن الشفاعة بالكذب والخطيئة إذا كان كذبه في ذات الله ، أو صوريّا لمصلحة شرعية؟!

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ٥٤٨ ذ ح ١٩٠٢ ، وانظر : صحيح البخاري ٩ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ح ٣٩ ، مسند أحمد ٣ / ٢٤٤ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٣٦٠ ح ٨٠٤ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٢٤٨.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٦٣.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٦٣.

(٤) صحيح البخاري ٤ / ٢٨٠ ح ١٦١ كتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، صحيح مسلم ٧ / ٩٨ ؛ وقد تقدّم ذلك عنهما وعن غيرهما في الصفحة ٩٧ من هذا الجزء.

١٠٢

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

وفي « الجمع بين الصحيحين » أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم إذ قال :( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٢) ، ويرحم الله لوطا ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي »(٣) .

كيف يجوز لهؤلاء الاجتراء على النبيّ بالشكّ في العقيدة؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٣.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٦٠.

(٣) الجمع بين الصحيحين ٣ / ٤٥ ح ٢٢٢٥ ، وانظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٩٠ ح ١٧٤ وج ٦ / ٦٧ ح ٦٠ ، صحيح مسلم ١ / ٩٢ وج ٧ / ٩٨ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٣٥ ح ٤٠٢٦ ، مسند أحمد ٢ / ٣٢٦ ، مسند أبي عوانة ١ / ٧٧ ـ ٧٨ ح ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٣٠ ح ٦١٧٥.

١٠٣

وقال الفضل(١) :

كان من عادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله التواضع مع الأنبياء كما قال : « لا تفضّلوني على يونس بن متّى »(٢)

وقال : « لا تفضّلوني على موسى »(٣) .

وقد ذكر في هذا الحديث فضائل الأنبياء ، فذكر ثبات إبراهيم في الإيمان ، والمراد بالحديث أنّ إبراهيم مع ثباته في الإيمان وكمال استقامته في إثبات الصانع ، كان يريد الاطمئنان ويقول :( وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٤) ، فغيره أحقّ بهذا التردّد الذي يوجب الاطمئنان.

وأمّا الترحّم على لوط فهو أمر واقع ، فإنّ لوطا كان يأوي إلى ركن شديد كما قال :( آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) (٥) ، فترحّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله له لكونه كان ضعيفا ، وليس فيه الدلالة على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عاب لوطا في إيوائه إلى ركن شديد.

وأمّا قوله : « لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي »

ففيه : وصف يوسف بالصبر والتثبّت في الأمور ، وأنّه صبر مع طول

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٥١.

(٢) انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٢٦ ، البداية والنهاية ١ / ٢١٣ ، إتحاف السادة المتّقين ٢ / ١٠٥.

(٣) صحيح البخاري ٣ / ٢٤٣ ح ٢ ، صحيح مسلم ٧ / ١٠١.

(٤) سورة البقرة ٢ : ٢٦٠.

(٥) سورة هود ١١ : ٨٠.

١٠٤

السجن حتّى تبيّن أمره.

فانظروا معاشر الناظرين : هل في هذه الأمور يرجع عيب وشين إلى الأنبياء ، مع أنّ الحديث صحّ وهو يطعن في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

نعوذ بالله من رأيه الفاسد.

* * *

١٠٥

وأقول :

لا ريب بتواضع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المؤمنين فضلا عن النبيّين ، لكن لا وجه للتواضع المدّعى مع إبراهيم ويوسف ، إذ لا يصحّ تواضع الشخص بإثباته لنفسه أمرا قبيحا ، كقول الشخص : أنا فاسق ، أو نحوه.

وقول النبيّ : « نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم » فإنّ الشكّ في الصانع والحشر أعظم الأمور نقصا ومباينة لمن هو في محلّ الدعوة إلى الإقرار بالصانع والحشر.

وقريب منه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي » ، فإنّه دالّ على قلّة صبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وحكمته بالنسبة إلى يوسف ، وهو لا يلائم دعوته إلى مكارم الأخلاق والصبر الكامل والتسليم

فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جعل نفسه أدنى صبرا من يوسف الذي توسّل غفلة إلى خلاصه من السجن بمخلوق ، فقال :( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) (١) ، لما ناسب طلبه من الناس الصبر الأعلى ، والتسليم لأمر الله في كلّ شيء ، والاستعانة بالله لا بغيره في كلّ أمر.

كما إنّ تواضع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ذكره الخصم مع موسى ويونس كاذب ، وإلّا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله متناقض القول ؛ لأنّه يقول في مقامات أخر :

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ٤٢.

١٠٦

«أنا سيّد ولد آدم »(١)

ويقول : «إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيّين ، وخطيبهم ، وصاحب شفاعتهم غير فخر »(٢)

ويقول : «أنا سيّد الناس يوم القيامة »(٣) .

وكذا في الحديث السابق الذي ذكر فيه اعتذار أعاظم الأنبياء عن الشفاعة.

وهذا الذي زعم الخصم تواضع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه مع موسى قد رواه القوم بقصّة ظاهرة الكذب ؛ لأنّهم زعموا فيها أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنكر على من فضّله على موسى ، وأنّه أظهر بمحضر اليهودي الشكّ في فضله على موسى ، مستندا إلى أنّه ينفخ في الصور وأنّه أوّل من يبعث ، فإذا موسى آخذ بالعرش فلا يدري النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أحوسب موسى بصعقته في الطور ، أم بعث قبله؟!

__________________

(١) صحيح مسلم [ ٧ / ٥٩ ] كتاب الفضائل / باب تفضيل نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله . منهقدس‌سره .

وانظر : سنن أبي داود ٤ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ح ٤٦٧٣ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٨٨ ح ٣١٤٨ وص ٥٤٨ ح ٣٦١٥ ، مسند أحمد ١ / ٢٨١ و ٢٩٥ وج ٢ / ٥٤٠ وج ٣ / ٢ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٧ / ٤٠٠ رقم ١٧٤٨.

(٢) مسند أحمد ٥ / ١٣٧ و ١٣٨. منهقدس‌سره .

وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٤٧ ذ ح ٣٦١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٤٤٣ ح ٤٣١٤ ، الكامل في الضعفاء ٤ / ١٢٩ ضمن الرقم ٩٦٩ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ١٤٣ ح ٢٤٠ و ٢٤١ وج ٤ / ٨٨ ح ٦٩٦٩.

(٣) مسند أحمد ٥ / ٣٨٨. منهقدس‌سره .

وانظر كذلك : مسند أحمد ١ / ٢٨١ و ٢٩٥ وج ٢ / ٤٣٥ وج ٣ / ٢ و ١٤٤ ، صحيح البخاري ٦ / ١٥٧ ح ٢٣٣ ، صحيح مسلم ١ / ١٢٧ و ١٢٩ ، سنن الترمذي ٤ / ٥٣٨ ح ٢٤٣٤ ، مسند أبي عوانة ١ / ١٤٧ ـ ١٤٩ ح ٤٣٧ ـ ٤٤٠ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٨٣ ح ٨٢ وج ٤ / ٦١٧ ـ ٦١٨ ح ٨٧١٢.

١٠٧

وهذا إغراء لليهودي بالجهل! حيث ادّعى أنّ الله اصطفى موسى على البشر ، فلا يمكن أن يصدر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله !

روى ذلك مسلم في باب فضائل موسى ، والبخاري في أوّل أبواب الخصومات بعد كتاب المساقاة ، وفي تفسير سورة الأعراف ، وفي كتاب بدء الخلق(١) .

وأمّا قوله : « وقد ذكر في هذا الحديث فضائل الأنبياء »

ففيه : إنّا لا نعرف فضيلة ذكرت فيه لإبراهيم ولوط

أمّا لإبراهيم ؛ فلأنّه لم يشتمل بالنسبة إليه إلّا على إثبات الشكّ له في الحشر ، ولا أقلّ من دلالته على أنّه ضعيف اليقين ، وذلك مباين للنبوّة ، ومناف لقوله تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ) (٢) وقوله تعالى :( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٣) .

والحقّ أنّ إبراهيمعليه‌السلام لم يطلب الاطمئنان بالحشر ، بل بغيره(٤) ، أو

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٠١ ، صحيح البخاري ٣ / ٢٤٣ ح ٢ و ٣ وج ٤ / ٣٠٧ ح ٢٠٨ وج ٦ / ١١٤ ـ ١١٥ ح ١٦٠.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٥١.

(٣) سورة الأنعام ٦ : ٧٥.

(٤) ذكر في ذلك عدّة وجوه ، نذكر منها أنسبها بمقام خليل الرحمن إبراهيمعليه‌السلام ونبوّته :

١ ـ سكون القلب إلى المشاهدة والمعاينة ، ليصير علم اليقين عين اليقين ، كما يحبّ المؤمن أن يرى الجنّة وهو مؤمن بها من قبل ، وذلك من دون تطرّق الشكّ أو الوساوس والخطرات أساسا كما ورد عن بعض المفسّرين ، فهذا ينافي العصمة

٢ ـ الاطمئنان من القتل وخوف انقطاع التبليغ بسبب ذلك بعد أن هدّده نمرود _

١٠٨

طلب الاطمئنان بالحشر لقومه بأن يكون خطابه مع الله مجاراة لهم لطلبهم له كقول موسى :( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ) (١) (٢) .

وأمّا عدم اشتماله على فضيلة للوط ؛ فلأنّ قول النبيّ : « ويرحم الله لوطا ، لقد كان يأوي إلى ركن شديد »(٣) ، ظاهر في التعريض بلوط ، حيث قال :( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) (٤) .

فإنّ قول لوط يدلّ على أنّه لم يأو إلى ركن شديد لمكان « لو » ، فعرّض به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه كاذب ، لأنّه آوى ، أو بأنّه ضعيف القلب لا يرى الركن الشديد ركنا شديدا ، وكلاهما ذمّ لا فضيلة!

ومن المضحك أنّ الخصم استدلّ على إيوائه إلى ركن شديد بقوله في الآية :( آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) ، مع أنّ معناها : « لو آوي »!

وأيّ عيب يريد الخصم أن يشتمل عليه الحديث أكثر من الضعف الذي زعمه ، وهو مناف للإمامة فضلا عن النبوّة؟! حتّى إنّ الخصم بنفسه حكم في مبحث الإمامة بأنّه يشترط في الإمام أن يكون شجاعا قويّ القلب ، فكيف يجوز إثبات الضعف للنبيّ؟! وكيف يصحّ الحديث الدالّ على ذلك؟!

__________________

بذلك في المحاججة التي جرت بينهما في الإحياء والإماتة.

انظر مثلا : تفسير الثعلبي ٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٢ ، تنزيه الأنبياء ـ للمرتضى ـ : ٥١ ، مجمع البيان ٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨ الوجهين الأوّل والثالث ، تفسير الفخر الرازي ٧ / ٤٢ الوجهين الثاني والرابع ، عصمة الأنبياء ـ للفخر الرازي ـ : ٥٤ الوجه السادس.

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٤٣.

(٢) انظر مثلا : تنزيه الأنبياء ـ للمرتضى ـ : ٥١.

(٣) تقدّم تخريجه في الصفحة ١٠٣ ه‍ ٣.

(٤) سورة هود ١١ : ٨٠.

١٠٩

والحقّ أنّ ذلك القول من لوطعليه‌السلام لم يكن عن ضعف منه ، وإنّما قاله لأنّ نظر الناس إلى القوّة التي يشاهدونها لا إلى الله تعالى ، فخاطبهم على حسب عقولهم ، أو لأنّه قال ذلك استفزازا لعشيرته واستنصارا بهم على الحقّ.

* * *

١١٠

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

وفي الصحيحين ، قال : « بينما الحبشة يلعبون عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بحرابهم ، دخل عمر فأهوى إلى الحصباء ، فحصبهم بها ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعهم يا عمر »(٢) .

وروى الغزّالي في « إحياء علوم الدين » : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا وعنده جوار يغنّين ويلعبن ، فجاء عمر فاستأذن ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للجوار [ ي ] : اسكتن! فسكتن ، فدخل عمر وقضى حاجته ، ثمّ خرج

فقال لهنّ : عدن ؛ فعدن إلى الغناء.

فقلن : يا رسول الله! من هذا الذي كلّما دخل قلت : اسكتن ؛ وكلّما خرج قلت : عدن إلى الغناء؟!

قال : هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل »(٣) .

كيف يحلّ لهؤلاء القوم رواية مثل ذلك عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

أيرى عمر أشرف من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث لا يؤثر سماع الباطل والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤثره؟!!

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٣.

(٢) صحيح البخاري ٤ / ١٠٦ ح ١١٣ ، صحيح مسلم ٣ / ٢٣ ، وانظر : الجمع بين الصحيحين ٣ / ٣٣ ح ٢٢١١ ، مسند أحمد ٢ / ٣٠٨ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ١٠ / ٤٦٦ ح ١٩٧٢٤ ، مسند أبي عوانة ٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ح ٢٦٥٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ٥٤٤ ح ٥٨٣٧ ، شرح السنّة ٣ / ١٧٩ ح ١١١٢.

(٣) لم نجده في إحياء علوم الدين ـ المطبوع الموجود بين أيدينا ـ بهذا اللفظ ، ونقله عنه السيّد ابن طاووس في الطرائف : ٣٦٤.

١١١

وقال الفضل(١) :

أمّا لعب الحبشة بالحراب فإنّه كان يوم عيد ، وقد ذكرنا أنّه يجوز اللهو يوم العيد بالاتّفاق(٢) .

ويمكن أن يكون تجويز ذلك اللعب بالحراب ؛ لأنّه ينفع في الحرب ، وفيه المهارة من طعن الحربة وكيفية تعليمه وإلقائه في الحرب ، وكلّ ما كان من أمر الحرب فلا بأس به.

ويمكن أن يكون عمر لم يعلم جوازه فعلّمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا ما روي عن الغزّالي ، فإن صحّ يمكن حمله على جواز اللعب مطلقا ، أو في أيّام الأعياد ، وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يسمعه لضرورة التشريع حتّى يعلم أنّ اللهو ليس بحرام ، وربّما كان عمر يمتنع منه ومكّنه على عدم السماع ، ليعلم أنّ الأولى تركه ، وسمع هو ـ كما ذكرنا ـ لضرورة التشريع ، فهل يلزم من هذا أن يكون عمر أشرف من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعمر من أمّته وممّن يتعلّم منه الشريعة؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٥٧.

(٢) تقدّم في الصفحة ٧٦ من هذا الجزء.

١١٢

وأقول :

دعواه أنّ ذلك اللعب كان يوم عيد ، رجم بالغيب ، ومجرّد ورود بعض أخبارهم في وقوع لعب يوم عيد لا يقتضي أن يكون هذا اللعب كذلك.

ومن نظر إلى أخبارهم الكثيرة في وقوع اللعب عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عدم تعيين وقت(١) ، علم أنّه لم يختصّ بوقت ، على أنّك عرفت حال ما استدلّوا به لحلّيّة اللهو في العيد(٢) .

وأمّا تعليله لحلّيّة اللعب في الحراب بنفعه في الحرب ، وأنّ كلّ ما كان من أمر الحرب فلا بأس به ، فدعوى مجرّدة عن دليل.

وأمّا عذره بأنّ عمر لا يعلم ، فمستلزم لأن يكون عمر ـ بحصبه للحبشة بمحضر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مقدّما بين يدي الله ورسوله ، وهو ممّا نهى الله عنه في كتابه العزيز(٣) .

ومن أظرف الأمور أنّه كلّما وردت رواية تتضمّن مثل ذلك يكون محلّها عند الخصم جهل عمر وتعليم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه ، فهلّا علم جواز

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٢ / ٥٤ ح ٢ ، صحيح مسلم ٣ / ٢٢ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٤ / ٥٣ ح ٣١٦٨ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٨٠ ح ٣٦٩٠ و ٣٦٩١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٣٠٩ ح ٨٩٥٧ ، الكامل في الضعفاء ٣ / ٥١ رقم ٦٠٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٥٩ ح ٤٧٣٧ ، تاريخ دمشق ٤٤ / ٨٢ و ٨٤.

(٢) راجع ما مرّ في الصفحة ٧٨ وما بعدها من هذا الجزء.

(٣) وذلك قوله تعالى :( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) سورة الحجرات ٤٩ : ١.

منه قدس‌سره .

١١٣

اللهو في العيد من أوّل مرّة؟!

وأمّا جوابه عن رواية الغزّالي بأنّه يمكن حملها على جواز اللعب مطلقا

ففيه : إنّه لا يصحّ معارضة السنّة للكتاب المجيد بنحو المباينة(١) ، فكيف يحلّل اللهو بها مطلقا وقد حرّمه الكتاب كذلك؟!

وأمّا دعوى السماع لضرورة التشريع ، فقد عرفت ما فيها من منع الضرورة ؛ لعدم انحصار طريق التشريع بالسماع(٢) ، وكيف يسمعه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأولى ترك السماع بإقرار الخصم؟!

أيحتمل أن يمتنع عمر منه ويمكّنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الامتناع ، ولا يمتنع عنه بنفسه الطاهرة وله عنه مندوحة بالتشريع القولي؟!

ولو توقّف تشريع جواز المكروهات على فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لها ، للزم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتي بكلّ مكروه ، كما يلزم أن يأتي بكلّ محرّم أبيح للضرورة ، كشرب الخمر ، فيضطرّه الله سبحانه إليه فيشربه تشريعا له ؛ ولم يقل به مسلم!

ولو سلّم حاجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماع للتشريع كفى سماعه أوّل مرّة ، فما باله يقول : « عدن » إذا خرج عمر؟! وما باله تكرّرت منه الوقائع الكثيرة كما تفيده أخبارهم؟!

ثمّ إنّ تعبير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اللهو ب‍ « الباطل » دليل على أنّه حرام لا مكروه ، فإنّ المكروه لا يسمّى باطلا ، فيلزم أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند

__________________

(١) وذلك لصدق المخالفة للكتاب إذا كان التعارض مستقرّا ولم يكن هناك ما يصلح لأن يكون قرينة على التخصيص أو التقييد ، فيجب طرحه.

(٢) راجع الصفحة ٨٧ من هذا الجزء.

١١٤

القوم مرتكبا للحرام والباطل دون عمر ، وكذا عند عمر نفسه ، فيكون أفضل من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الإسلام السلام!!

وقريب من رواية الغزّالي ما رواه أحمد ، عن الأسود بن سريع(١) ، قال : « أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا رسول الله! إنّي قد حمدت ربّي بمحامد ومدح وإيّاك.

قال : هات ما حمدت به ربّك.

قال : فجعلت أنشده ، فجاء رجل أدلم(٢) فاستأذن ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بين بين.

قال : فتكلّم ساعة ثمّ خرج ، فجعلت أنشده ، ثمّ جاء فاستأذن ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : بين بين ؛ ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثا.

فقلت : يا رسول الله! من هذا الذي استنصتّني له؟!

قال : عمر بن الخطّاب ، هذا رجل لا يحبّ الباطل ».

* * *

__________________

(١) مسند أحمد ٣ / ٤٣٥. منهقدس‌سره .

وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ١ / ٣١٨ ـ ٣٢٠ ح ٣٣٤ ـ ٣٣٦ ، المعجم الكبير ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ح ٨٤٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧١٢ ـ ٧١٣ ح ٦٥٧٦ ، حلية الأولياء ١ / ٤٦.

والأسود بن سريع بن حمير بن عبادة التميمي السعدي ، كان شاعرا قاصّا ، وكان أوّل من قصّ في مسجد البصرة ، مات سنة ٤٢ ه‍ في زمان معاوية ، وقيل : فقد أيّام الجمل ، وقيل : لمّا قتل عثمان ركب الأسود سفينة وحمل معه أهله وعياله ، فانطلق فما رئي بعد.

انظر : الاستيعاب ١ / ٨٩ رقم ٤٤ ، أسد الغابة ١ / ١٠٣ ـ ١٠٤ رقم ١٤٤ ، الإصابة ١ / ٧٤ ـ ٧٥ رقم ١٦١.

(٢) الأدلم : الطويل الشديد السواد من الرجال ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٣٩٥ مادّة « دلم ».

١١٥

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

وفي « الجمع بين الصحيحين » عن أبي هريرة ، قال : « أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف قياما قبل أن يخرج إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا قام في مصلّاه ذكر أنّه جنب ، فقال لنا : مكانكم! فلبثنا على هيئتنا قياما ، فاغتسل ثمّ خرج إلينا ورأسه يقطر ، فكبّر وصلّينا »(٢) .

فلينظر العاقل هل يحسن منه وصف أدنى الناس بأنّه يحضر الصلاة ويقوم في الصفّ وهو جنب؟!

وهل هذا إلّا من التقصير في عبادة ربّه وعدم المسارعة إليها؟! وقد قال تعالى :( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (٣) ( فاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) (٤)

فأيّ مكلّف أجدر بقبول هذا الأمر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وفي « الجمع بين الصحيحين » عن أبي هريرة ، قال : « صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إحدى صلاتي العشيّ ـ وأكثر ظنّي أنّها العصر ـ ركعتين ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٤.

(٢) الجمع بين الصحيحين ٣ / ٥٦ ح ٢٢٣٧ ، وانظر : صحيح البخاري ١ / ١٢٨ ح ٢٧ وص ٢٦٠ ـ ٢٦١ ح ٣٥ و ٣٦ ، صحيح مسلم ٢ / ١٠١ ، سنن أبي داود ١ / ٥٩ ح ٢٣٥ ، سنن النسائي ٢ / ٨١ ـ ٨٢ و ٨٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٨٥ ح ١٢٢٠ ، مسند أحمد ٢ / ٥١٨.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٣٣.

(٤) سورة البقرة ٢ : ١٤٨ ، سورة المائدة ٥ : ٤٨.

١١٦

ثمّ سلّم ، ثمّ قام إلى خشبة في مقدّمة المسجد فوضع يده عليها ، وفيهم أبو بكر وعمر ، فهاباه أن يكلّماه.

وخرج سرعان الناس فضجّ الناس وقالوا : أقصرت الصلاة؟! ورجل يدعى ذو اليدين قال : يا نبيّ الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟!

فقال : لم أنس ولم تقصر.

قال : بلى نسيت.

قال : صدق ذو اليدين.

فقام فصلّى ركعتين ، ثمّ سلّم »(١) .

فلينظر العاقل هل يجوز نسبة هذا الفعل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

وكيف يجوز منه أن يقول : « ما نسيت »؟! فإنّ هذا سهو في سهو!

ومن يعلم أنّ أبا بكر وعمر حفظا ما نسي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أنّهما لم يذكرا ذلك للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

* * *

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين ٣ / ١٨٢ ح ٢٤١٢ ، وانظر : صحيح البخاري ١ / ٢٠٦ ح ١٣٩ وج ٢ / ١٥١ ـ ١٥٢ ح ٢٥٣ وج ٨ / ٢٩ ح ٧٩ ، صحيح مسلم ٢ / ٨٦ ، سنن أبي داود ١ / ٢٦٣ ح ١٠٠٨ ، سنن النسائي ٣ / ٢٠ ـ ٢١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٨٣ ح ١٢١٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٥١ ب‍ ١٧٥ ح ١٤٩٩ ، مسند أحمد ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ و ٢٤٨ و ٢٨٤.

١١٧

وقال الفضل(١) :

قد مرّ في ما سبق جواز السهو والنسيان على الأنبياء ؛ لأنّهم بشر ، سيّما إذا كان السهو موجبا للتشريع(٢) ، فإنّ التشريع في الأعمالالفعلية آكد وأثبت من الأقوال ، فما ذكر من حديث تذكّر الجنابة فمن باب النسيان ، وفيه تشريع العمل بعد النسيان إذا تذكّر.

ولهذا ترجم البخاري الباب الذي ذكر فيه هذا الحديث بقوله : « باب من تذكّر أنّه جنب رجع فاغتسل »(٣) ، ولا يلزم من هذا نقص.

وما ذكر من سهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة ، فهو سهو يتضمّن التشريع ؛ لأنّه شرّع بذلك النسيان جواز وقوع الفعل المتعلّق بالصلاة في أثناء الصلاة ، وكذا الكلام القليل.

والعجب أنّه قال : « كيف يجوز أن يحفظ أبو بكر وعمر ما نسي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! »

وأيّ عجب في هذا؟! فإنّ الإمام كثيرا ما يسهو ، والمأمومون لا يسهون ، فلا يلزم من هذا تفضيل المأموم على الإمام ، وهل هذه الكلمات إلّا ترّهات ومزخرفات؟!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٥٩.

(٢) تقدّم في الصفحتين ٢١ و ٥١ من هذا الجزء.

(٣) صحيح البخاري ١ / ١٢٨ ح ٢٧.

١١٨

وأقول :

بيّنّا في ما سبق امتناع وقوع السهو من النبيّ في العبادة ، وبطلان التشريع بالأفعال الموجبة لنقصه كما في المقام(١) ، فإنّ سهوه عن الغسل حتّى يشارف على الدخول في الصلاة أو يدخل فيها نقص ظاهر ، إذ هو خلاف المحافظة على العبادة والسبق إلى الخير ، ومناف لما حثّ به على كثرة تلاوة القرآن التي تكره من الجنب ، بل تحرّم إذا كان من العزائم(٢) .

على أنّه معرّض لنزول الملائكة عليه ، والملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب كما استفاض في أخبارهم(٣) ، فكيف يؤخّر غسله هذا التأخير حتّى ينسى؟!

وأيضا : قد تضافرت الأخبار ـ كما سبق ـ بأنّه تنام عيناه ولا ينام قلبه(٤) ، فكيف ينام عن عبادة ربّه وهو يقظان؟!

ولا يمكن أن يسهيه الله طلبا للتشريع ؛ فإنّ نبيّه أشرف عنده من أن يجعله عرضة للنقص ومحلّا للانتقاد بأمر عنه مندوحة ، وهي التشريع بالقول.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٥٣ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) انظر : مسند البزّار ٢ / ٢٨٤ ح ٧٠٦ ، مجمع الزوائد ١ / ٢٧٦ وج ٢ / ٨٥ ، كنز العمّال ١ / ٦٢١ ح ٢٨٧٣.

(٣) سنن أبي داود ١ / ٥٧ ح ٢٢٧ ، سنن النسائي ١ / ١٤١ ، سنن الدارمي ٢ / ١٩٦ ح ٢٦٥٩ ، مسند أحمد ١ / ٨٣ و ١٠٧ و ١٣٩ و ١٥٠ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢٧٨ ح ٦١١ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ٢٠١.

(٤) راجع الصفحة ٥٤ ه‍ ٤ من هذا الجزء.

١١٩

ودعوى أنّ التشريع بالأعمال الفعلية آكد لا نعرف وجهها ، بل الأمر بالعكس ؛ لأنّ الفعل يحتمل خصوصية النبيّ بخلاف القول العامّ.

ولو تنزّلنا عن هذا كلّه ، فلا نتصوّر حاجة للتشريع في أمر الغسل ؛ لأنّ الواجب المؤقّت الذي لم يفت وقته ، أو غير المؤقّت ، لا يحتاج إلى التشريع بعد النسيان ، لكفاية الأمر الأوّل في لزوم الإتيان به.

هذا ، ولا يخفى أنّ حديث الجنابة الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله لم يصرّح بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر الجنابة بعد الدخول في الصلاة ، ولكنّ حديث أحمد(١) عن أبي هريرة صرّح به ، قال : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى الصلاة ، فلمّا كبّر انصرف ، وأومأ إليهم ـ أي : كما أنتم ـ ، ثمّ خرج فاغتسل ، ثمّ جاء ورأسه يقطر فصلّى بهم ، فلمّا صلّى قال : إنّي كنت جنبا فنسيت أن أغتسل ».

وكذا حديث أحمد عن عليّعليه‌السلام (٢) ، قال : « صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما ، فانصرف ثمّ جاء ورأسه يقطر ماء ، فصلّى بنا ، ثمّ قال : إنّي صلّيت بكم آنفا وأنا جنب ، فمن أصابه مثل الذي أصابني ، أو وجد رزّا(٣) في بطنه ، فليصنع مثل ما صنعت ».

ومثله في كنز العمّال ، عن الطبراني(٤) .

__________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٤٤٨. منهقدس‌سره .

(٢) مسند أحمد ١ / ٩٩. منهقدس‌سره .

(٣) الرّزّ : غمز الحدث وحركته في البطن للخروج حتّى يحتاج صاحبه إلى دخول الخلاء ، كان بقرقرة أو بغير قرقرة ، وأصل الرّزّ الوجع يجده المرء في بطنه.

انظر : لسان العرب ٥ / ٢٠٢ مادّة « رزز ».

(٤) كنز العمّال ٤ / ٢٢٣ [ ٨ / ١٧١ ح ٢٢٤٢٦ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المعجم الأوسط ٦ / ٣٤٩ ح ٦٣٩٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442