دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442
المشاهدات: 92196
تحميل: 4146


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92196 / تحميل: 4146
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-319-357-8
العربية

مِنْكُمْ ) (١) ، فإنّه تعالى أوجب طاعة أولي الأمر على الإطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهو لا يتمّ إلّا بعصمة أولي الأمر ، فإنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية وتحرم طاعته فيها ، فلو وجبت أيضا اجتمع الضدّان ، وجوب طاعته وحرمتها.

ولا يصحّ حمل الآية على إيجاب الطاعة له في خصوص الطاعات ، إذ ـ مع منافاته لإطلاقها ـ لا يجامع ظاهرها من إفادة تعظيم الرسول وأولي الأمر بمساواتهم لله تعالى في وجوب الطاعة ، إذ يقبح تعظيم العاصي ، ولا سيّما المنغمس بأنواع الفواحش.

على أنّ وجوب الطاعة في الطاعات ليس من خوّاص الرسول وأولي الأمر ، بل تجب طاعة كلّ آمر بالمعروف ، فلا بدّ أن يكون المراد بالآية بيان عصمة الرسول وأولي الأمر ، وأنّهم لا يأمرون ولا ينهون إلّا بحقّ.

وقد أقرّ الرازي في تفسيره بدلالة الآية على عصمة أولي الأمر ، لكنّه زعم أنّ المراد بهم أهل الإجماع(٢) !

وفيه ـ مع أنّ المنصرف من أولي الأمر من له الزعامة ـ : إنّ ظاهر الآية إفادة عصمة كلّ واحد منهم لا مجموعهم ؛ لأنّ ظاهرها إيجاب طاعة كلّ واحد منهم ، على أنّ العمل بمقتضى الإجماع ليس من باب الطاعة لهم ؛ لأنّ الإجماع من قبيل الخبر الحاكي.

وأشكل الرازي على إرادة أئمّتنا الأطهار من أولي الأمر بأمور :

* [ الأمر ] الأوّل : إنّ طاعة الأئمّة المعصومين مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم ، فلو وجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم كان هذا

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٤٩.

٢٢١

تكليف ما لا يطاق ، ولو وجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم صار هذا الإيجاب مشروطا ، وظاهر قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) يقتضي الإطلاق(١) .

وفيه أوّلا : النقض بطاعة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة أهل الإجماع ، بناء على أنّهم المراد من أولي الأمر.

وثانيا : الحلّ بأن نقول : إنّ وجوب طاعة الأئمّة ليس مشروطا بمعرفتهم ، وقدرة الوصول إليهم ، بل مطلقا كطاعة الله ورسوله ، فيجب تحصيل معرفتهم ومذهبهم ، مقدّمة لطاعتهم ، فلا يلزم ما ذكره من تكليف ما لا يطاق ولا صيرورة الإيجاب مشروطا.

ومعرفة الأئمّة ممكنة لوجود الأدلّة على إمامتهم ، كما يمكن أخذ الأحكام عنهم كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لوجود الرواة عنهم وإن لم يصل المكلّف إلى شخص الإمام والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

* الأمر الثاني : إنّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر ، وأولو الأمر جمع ، وعندهم لا يكون في الزمان إلّا إمام واحد ، وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر(٢) .

وفيه : إنّ المراد هو الجمع ولكن بلحاظ التوزيع في الأزمنة ، ولا منافاة فيه للظاهر.

* [ الأمر ] الثالث : إنّه تعالى قال :( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) ، ولو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم ، لوجب

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

(٣) سورة النساء ٤ : ٥٩.

٢٢٢

أن يقال : فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الإمام(١) .

وفيه : إنّ الردّ إلى أولي الأمر أيضا مأمور به ، لكن اكتفى عن ذكرهم في آخر الآية بما ذكره في أوّلها من مساواة طاعتهم لطاعة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذا عرفت معنى العصمة وأدلّة وجوبها ، عرفت أنّ الفضل قد خلط في معناها ، وأخطأ في تجويز الصغائر على الإمام حتّى بلحاظ خصوص الدليل الثاني الذي اختصّ كلامه فيه ، إذ من جملة فوائد الإمام وجهات الحاجة إليه منع المحرّمات ، فلو فعلها هو احتاج إلى إمام آخر يمنعه ويتسلسل وإن فرض حصول الفوائد الأخر منه ، من الانتصاف للمظلوم ونحوه.

على أنّ خلاف الانتصاف ربّما يكون من الصغائر ، فلا تحصل هذه الفائدة ، وكذا جملة من غيرها من الفوائد.

ودعوى أنّ ترك الصغائر ليس من محلّ الحاجة إلى الإمام ، باطلة ، ضرورة أنّ تركها مطلوب للشارع ، ومن نظامه الشرعي المطلوب تنفيذه كما عرفت.

بقي الكلام في ما ذكره الخصم من شروط الإمام ، فنقول :

إشترطها جماعة منهم وخالف آخرون ، كما يدلّ عليه ما ذكره صاحب « المواقف » وشارحها ، فإنّهما بعد ما ذكرا اشتراط الاجتهاد في الأصول والفروع ، والشجاعة ، والبصارة بتدبير الحرب والسلم ، قالا :

« وقيل : لا يشترط هذه [ الصفات ] الثلاثة ؛ لأنّها لا توجد الآن

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

٢٢٣

مجتمعة ، وإذا لم توجد كذلك ، فإمّا أن يجب نصب فاقدها ، فيكون اشتراطها عبثا ، أو يجب نصب واجدها ، فيكون تكليفا بما لا يطاق ، أو لا يجب هذا ولا ذاك ، فيكون اشتراطها مستلزما للمفاسد التي يمكن دفعها بنصب فاقدها »(١) انتهى ملخّصا.

وبمقتضى سكوت صاحب « المواقف » عن الردّ على هذا الكلام يستفاد موافقته عليه ، وأنّه ممّن لا يشترط هذه الثلاثة.

نعم ، أجاب عنه الشارح ب‍ : « أنّا نختار عدم الوجوب مطلقا ، لكن للأمّة أن ينصبوا فاقدها دفعا للمفاسد »(٢) .

وفيه : إنّهم إذا نصبوه فإمّا أن يجب ترتيب آثار الإمامة عليه ، فحينئذ لم يكن وجه لا شتراطها ، وإن لم يجب فلا فائدة فيه.

هذا ، ويمكن إجراء نحو هذا الكلام في جميع الشروط فتنتفي شرطيّتها جميعا.

ونقل السيّد السعيدرحمه‌الله عن الإسفراييني الشافعي ، في كتاب « الجنايات » ، أنّه قال : « وتنعقد الإمامة بيعة أهل الحلّ والعقد ـ إلى أن قال : ـ وبالقهر والاستيلاء ولو كان فاسقا أو جاهلا أو أعجميا »(٣) .

ونقل أيضا عن صاحب « الوقاية في فقه الحنفية »(٤) ، أنّه قال :

__________________

(١) المواقف : ٣٩٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٤٩.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٣٥٠.

(٣) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٦.

(٤) لم نظفر بنسخة من « الوقاية » أو شرحه أو مختصره.

وكتاب « وقاية الرواية في مسائل الهداية » ، لبرهان الشريعة ـ أو : تاج الشريعة ـ محمود بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي البخاري الحنفي ، المتوفّى في شرع آباد

٢٢٤

« لا يحدّ الإمام حدّ الشرب ؛ لأنّه نائب من الله تعالى »(١) .

ونقل عن شارح « العقائد النسفية » ، أنّه قال : « لا ينعزل الإمام بالفسق والجور ؛ لأنّه قد ظهر الفسق والجور من الأئمّة والأمراء بعد الخلفاء والسلف ، وكانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم »(٢) .

فظهر من هذه الكلمات ونحوها أنّه لا يشترط عند كثير منهم تلك الشروط ، بل يظهر من كلام شارح « العقائد النسفية » دعوى الإجماع على عدم اعتبار العدالة في الإمام دواما(٣) .

والظاهر أنّه لا خصوصيّة للعدالة ولا للدوام ، بل كلّ الشرائط كذلك ابتداء ودواما ؛ لأنّهم ينقادون لمن فقد أيّ شرط كان ، ويخاطبونه بإمرة المؤمنين ، ويحرّمون الخروج عليه ، ويقتلون النفوس بأمره ، ويقيمون الجمع والأعياد بإذنه ، فلا بدّ أن تكون الشروط التي اشترطوها شروطا صناعية جدلية لا عملية.

__________________

ببخارى نحو سنة ٦٧٣ ه‍.

وهو متن مشهور في فروع الفقه الحنفي ، وقد عني العلماء بشأنه قراءة وتدريسا وحفظا ، وعليه شروح كثيرة ، أشهرها شرح حفيده صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود بن محمود ، المتوفّى سنة ٧٤٧ ه‍ ، وللكتاب مختصر لحفيده هذا اسمه « النقاية ».

طبع الكتاب في قازان سنة ١٨٨٨ م ، وطبع شرح حفيده في لكهنو سنة ١٢٩٠ ه‍ طبعة حجرية ، وكذا في مطبعة الإمبراطورية القازانية سنة ١٣١٨ ه‍.

انظر : كشف الظنون ٢ / ٢٠٢٠ ، هديّة العارفين ٢ / ٤٠٦ ، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع : ١٤٤ ، معجم المطبوعات العربية والمعرّبة ٢ / ١١٩٩ ـ ١٢٠٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨١٨ رقم ١٦٦٤١.

(١) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٨.

(٢) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٧ ، وانظر : شرح العقائد النسفية : ٢٣٩.

(٣) شرح العقائد النسفية : ٢٤١.

٢٢٥

فما نسبه المصنّف إليهم من جواز إمامة السرّاق والفسّاق صحيح ألبتّة ، ولا سيّما انعقاد البيعة ، وهو الذي يقتضيه إنكار الحسن والقبح العقليّين ، كما اقتضى أيضا نفي وجوب أن يكون الإمام أفضل من رعيّته ، كما ستعرف.

ويصدّق ذلك ـ بحيث لا يبقى به ريب أصلا ـ أخبارهم الصحيحة عندهم ، التي عليها المعوّل بينهم ، الآمرة بالسماع والطاعة لسلاطين الجور والضلالة ، وقد سبق بعضها في صدر المبحث(١)

التي منها : ما رواه مسلم ، عن ابن عمر ، أنّه قال بعد حادثة الحرّة ، وفعل يزيد فيها الأفعال الشنيعة :

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة »(٢) .

ومنها : ما رواه البخاري ، في الباب الثاني من ( كتاب الفتن ) ، ومسلم ، في باب وجوب طاعة الأمراء من ( كتاب الإمارة ) ، عن عبادة بن الصامت ، قال : « دعانا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعناه ، فكان في ما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة ، ولا ننازع الأمر أهله ، إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان »(٣) .

__________________

(١) راجع الصفحتين ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ٢٢.

(٣) صحيح البخاري ٩ / ٨٥ ح ٧ ، صحيح مسلم ٦ / ١٧ ، وانظر : سنن النسائي ٧ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٤ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ ح ٧٧٧٠ ـ ٧٧٧٦ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٥٧ ح ٢٨٦٦ ، الموطّأ : ٣٩٢ ح ٥ ، مسند أحمد ٥ / ٣١٤ _

٢٢٦

ومنها : ما رواه مسلم ، في باب الأمر بلزوم الجماعة من ( كتاب الإمارة ) ، عن حذيفة ، من حديث قال فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس ».

قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله [ إن أدركت ذلك ]؟

قال : «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وبطنك (١) وأخذ مالك »(٢)

ومنها : ما رواه مسلم ، في باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء ، الأوّل فالأوّل ، من ( كتاب الإمارة ) ، عن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، من حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال فيه :

«من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »

.. إلى أن قال عبد الرحمن : فقلت له : هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا ، والله تعالى يقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ

__________________

و ٣١٩ ، مسند الحميدي ١ / ١٩٢ ح ٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٦١٤ ح ١٤٩ و ١٥٠ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٨٠ ح ١٠٢٩ وص ٤٨٢ ح ١٠٣٥ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٧١١٩ ـ ٧١٢٣ ، مسند الشاشي ٣ / ١١٩ ـ ١٢٣ ح ١١٨٠ ـ ١١٩٠ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ٣٩ ـ ٤٠ ح ٤٥٣٠.

(١) لم ترد في المصدر.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ٢٠ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٥٧ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ١ / ٢٨٣ ح ٣٩٨.

٢٢٧

تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (١) ؟!

قال : فسكت ساعة ، ثمّ قال : أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله »(٢) .

.. إلى غير ذلك من أخبارهم المستفيضة المصرّحة بأنّ من الأئمّة أئمّة جور ، وتجب طاعتهم وإقرارهم على إمرتهم ، ومن خرج عن طاعتهم شبرا مات ميتة جاهليّة.

وما ألطف ما شهد به عبد الرحمن ، وأقرّ به عبد الله ، في حقّ معاوية ، وهو خيرة أئمّتهم بعد الثلاثة ، فيا بشراهم به وبابنه يزيد!!

فمع هذه الأخبار ونحوها من الأخبار المعتبرة المعمول بها عندهم ، كيف تصحّ دعوى أنّهم يشترطون واقعا تلك الشروط في الإمام؟!

فالظاهر أنّ من يشترطها إنّما يريد بها دفع الاستبشاع والمحافظة على الخلفاء الثلاثة ، ببيان أنّهم ممّن جمع هذه الشروط ، وإلّا فما فائدة شروط لا يتّبعونها في سلاطينهم ، ولا تنطبق عندهم على خليفة سوى الثلاثة ، إلّا النزر الأندر؟!

ولذا عجزوا عن تطبيق حديث الاثني عشر خليفة على سلاطينهم(٣) .

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٩.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ١٨ ، وانظر : سنن أبي داود ٤ / ٩٤ ح ٤٢٤٨ ، سنن النسائي ٧ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٠٦ ح ٣٩٥٦ ، مسند أحمد ٢ / ١٦١ و ١٩١ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٤١٣ ـ ٤١٤ ح ٧١٤٧ و ٧١٤٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٦٩.

(٣) انظر : تفسير ابن كثير ٢ / ٣١ ـ ٣٢ ، الحاوي للفتاوي ٢ / ٨٥ ، عون المعبود شرح سنن أبي داود ١١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٤.

٢٢٨

ورووا أنّ ما بعد الثلاثين سنة ملك عضوض لا خلافة(١) .

ولو سلّم أنّهم يشترطونها واقعا ، فأكثرها لاغ ، إمّا لعدم اعتباره ، أو لعدم كفايته في الإمام.

فمن الأوّل : البلوغ ، فإنّ الحقّ عدم اعتباره ، إذ ليست الإمامة بأعظم من النبوّة ، وقد أرسل الله عيسى ونبّأ يحيى طفلين ، لكن لمّا جعلوا الإمامة بالاختيار كان لاشتراطهم البلوغ وجه.

ومن الثاني : العدالة ، لما عرفت من عدم كفايتها عن العصمة ، وكذا الشجاعة ، والعقل ، والبصارة في تدبير الحرب والسلم ، لما سيأتي في المبحث الآتي من اعتبار أفضليّة الإمام في جميع صفات الكمال ، فلا بدّ أن يكون أشجع الناس وأعقلهم وأبصرهم في الأمور ، ولا يكفي ثبوت أصل الشجاعة والعقل والبصارة فقط.

وكذا الاجتهاد ، ضرورة أنّه لا يكفي في النيابة عن الرسول ، بل لا بدّ أن يكون عالما بجميع أحكام الشريعة علما يقينيّا ؛ لأنّ الله سبحانه قد بلّغ نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكاما أتمّها وأجراها على أمّته إلى يوم الدين ، ولا شكّ أنّ الاجتهاد لا يوصل إليها دائما ، لوقوع الخطأ فيه

فلا يمكن أن لا يجعل الله لنا إماما عالما بجميع الأحكام ويحيلنا على من لا طريق له إلّا الظنّ ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٢١٠ ح ٤٦٤٦ و ٤٦٤٧ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٦ ح ٢٢٢٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٥ ، مسند أحمد ٥ / ٢٢١ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٧٧ ح ٨٧٣ ، المعجم الكبير ١ / ٥٥ ح ١٣ وص ٨٩ ح ١٣٦ وج ٧ / ٨٣ ـ ٨٤ ح ٦٤٤٢ ـ ٦٤٤٤ ، مشكل الآثار ٤ / ٢١٥ ح ٣٦٥٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٥ ح ٤٤٣٨ وص ١٥٦ ح ٤٦٩٧ ، تخريج أحاديث العقائد النسفية ـ للسيوطي ـ : ٢٣١.

٢٢٩

على أنّه إذا أخطأ الإمام في حكم أو موضوع ، فإمّا أن يلزم الناس السكوت عن خطئه ، فيلزم الإغضاء على القبيح ، وربّما يجتهد في تحليل الحرام وما يوجب الضرر والفساد ، فلا تحصل به الفائدة المطلوبة في الإمام وإمّا أن يلزم ردّه ، وهو ربّما يوقع في الشقاق.

نعم ، بقيّة الشروط التي ذكرها صحيحة..

أمّا الحرّية ؛ فلأنّ المملوكية نقص في الشأن والتصرّف.

وأمّا القرشية ؛ فلأنّها وإن لم يحكم بها العقل إلّا أنّه لمّا اتّفق أنّ الأئمّة من قريش ومن آل رسول الله ، صحّ جعلها شرطا بهذا الاعتبار ، كما أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه لا يزال هذا الأمر في قريش ، وأنّ الأئمّة اثنا عشر(١) ، وأوجب التمسّك بعترته كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وقد خالف عمر هذا الشرط وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال : « لو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى »(٢)

ونحوه في حقّ معاذ ، كما سيأتي في مطاعن الصحابة.

وأمّا الذكورة ؛ فلأنّ النفوس لا تنقاد غالبا إلى المرأة فلا يحصل منها

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٩ / ١٤٧ ح ٧٩ ، صحيح مسلم ٦ / ٣ ـ ٤ ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٣ ح ٤٢٧٩ ٤٢٨٠ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٤ ح ٢٢٢٣ ، مسند أحمد ١ / ٣٩٨ وج ٥ / ٨٦ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٤٥٦ ح ٧٤٦٣ ، المعجم الكبير ٢ / ٢٢٣ ح ١٩٢٣ ، مسند الطيالسي : ١٠٥ ح ٧٦٧ وص ١٨٠ ح ١٢٧٨ ، الفتن ـ لنعيم بن حمّاد ـ : ٥٢ ـ ٥٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥١٨ ح ١١٢٣ وص ٥٣٤ ح ١١٥٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٣٠ ح ٦٦٢٦ ـ ٦٦٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٤٩٦ ح ٨٣٨٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٣٧ ح ٤٦٨٠.

(٢) أنساب الأشراف ١٠ / ٤٢١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٠ ، الاستيعاب ٢ / ٥٦٨ ، أسد الغابة ٢ / ١٥٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٥٩.

٢٣٠

الغرض من الإمامة ، لكنّ بعض القوم ـ كابن حزم(١) ـ اختار نبوّة أمّ موسى ومريم وأمّ إسحاق! فيلزمه عدم اشتراط الذكورية في الإمام للأولوية.

وتعليل الفضل بأنّ النساء ناقصات العقل والدين ، باطل ؛ إذ كم امرأة أعقل من أكثر الرجال ، بل بعضهنّ بالغات مرتبة العصمة والكمال كما ورد في أخبارنا في حقّ الزهراء وخديجة ومريم وآسية(٢) .

وروى مسلم في فضائل خديجة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون »(٣)

والظاهر أنّه قد سقط ذكر خديجة من الحديث ، وإلّا فلا معنى لروايته في فضائلها ، ولا بدّ أن تكون الزهراء أكمل من هذه الثلاث ؛ لما رواه البخاري وغيره أنّها سيّدة نساء أهل الجنّة(٤) كما ستعرف ، بل لا يبعد سقوط ذكر الزهراء كخديجة من الحديث(٥) .

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٤ / ١١ [ ٢ / ٢٩٦ ]. منهقدس‌سره .

وقال القرطبي بنبوّة مريم عليه السلام في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٥٣!!

كما نقل العسقلاني في فتح الباري ٦ / ٥٥٣ أنّ الأشعري قال بنبوّة ستّ من النساء ، هنّ : حوّاء وسارة وأمّ موسى وهاجر وآسية ومريم ، والضابط عنده أنّ من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهي أو بإعلام ممّا سيأتي فهو نبيّ!! ونقل كذلك ما مرّ آنفا ـ في المتن والهامش ـ عن ابن حزم والقرطبي.

(٢) انظر : الخصال : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٢٢ و ٢٣ ، إعلام الورى ١ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٣.

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٩١ و ١٠٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٦١٩ ح ٣٧٨١ ، وسيأتي مزيد تفصيل له في محلّه.

(٥) والحقّ مع الشيخ المظفّرقدس‌سره ، إذ لو استقصينا موارد الحديث بألفاظه المختلفة في مصادر الجمهور المعتمدة ، فسنجد كيف تلاعبت يد التحريف والخيانة بنصّ _

٢٣١

وإنّما جعلت شهادة المرأتين عن شهادة رجل واحد جريا على الغالب من نقصان عقل المرأة.

وأمّا ما ذكره من أنّهنّ ناقصات الدين ، فلا ينافي إمامتهنّ ؛ لأنّه مفسّر في الأخبار بقعودهنّ عن الصلاة والصوم أيّام المحيض والنفاس ، كما رواه البخاري في ( كتاب الحيض ) ، في باب ترك الحائض الصوم(١) .

فقد ظهر أنّ جملة من كلمات القوم وصحاح أخبارهم تقتضي جواز إمامة الفسّاق والسرّاق كما ذكره المصنّفرحمه‌الله .

__________________

الحديث ، فتارة نجده كاملا مشتملا على اسمي السيّدتين الزهراء وخديجةعليهما‌السلام ، كما في : سنن الترمذي ٥ / ٦٦٠ ح ٣٨٧٨ ، مسند أحمد ١ / ٣١٦ وج ٣ / ١٣٥ ، مسند أبي يعلى ٥ / ١١٠ ح ٢٧٢٢ وص ٣٨٠ ح ٣٠٣٩ ، المعجم الكبير ١١ / ٢٦٦ ح ١١٩٢٨ وج ٢٢ / ٤٠٢ ح ١٠٠٣ وص ٤٠٧ ح ١٠١٩ وج ٢٣ / ٧ ح ١ ـ ٣ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٤٣٠ ح ٢٠٩١٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٣٠ ب‍ ٣٥ ح ٥ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٦٢ ح ٧٠٢٣ و ٧٠٢٥ و ٧٠٢٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٧١ ح ٦٩٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦٥٠ ح ٤١٦٠ وج ٣ / ١٧٢ ح ٤٧٤٦ وص ١٧٤ ح ٤٧٥٤ وص ٢٠٥ ح ٤٨٥٢ و ٤٨٥٣ ووافقه الذهبي عليها كلّها ، تاريخ بغداد ٧ / ١٨٥ رقم ٣٦٣٦ وج ٩ / ٤٠٤ رقم ٥٠٠٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ٢٠٢ ح ٤٨٥٠ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١٠٧ ـ ١١٢ ، كنز العمّال ١٢ / ١٤٣ ح ٣٤٤٠٢ ـ ٣٤٤٠٤ وص ١٤٤ ح ٣٤٤٠٦و ص ١٤٥ ح ٣٤٤٠٩ و ٣٤٤١١.

وتارة أسقطت اسم الزهراء البتول عليها السلام فقط! فانظر : صحيح البخاري ٤ / ٣١٨ ح ٢٣٠ ، صحيح مسلم ٧ / ١٣٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٥٩ ـ ٦٦٠ ح ٣٨٧٧ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ و ١٣٢ و ١٤٣ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٩٩ ح ٥٢٢ وص ٤٥٠ ح ٦١٢ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٦٢ ح ٧٠٢١ و ٧٠٢٢ وص ٢٦٣ ح ٧٠٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٠٣ ح ٤٨٤٧ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١٠١ ـ ١٠٦ و ١١٤.

وتارة اسم السيّدة خديجة عليها السلام فقط! انظر مثلا : تاريخ دمشق ٧٠ / ١١٣.

وأسقطت اسميهماعليهما‌السلام تارة أخرى!! فانظر مثلا : صحيح مسلم ٧ / ١٣٣ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١١٦ ـ ١١٧.

(١) صحيح البخاري ١ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ح ٩.

٢٣٢

الإمام أفضل من رعيّته

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث الثاني

في أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته

اتّفقت الإمامية على ذلك ، وخالف فيه الجمهور فجوّزوا تقديم المفضول على الفاضل(٢) ، وخالفوا مقتضى العقل ونصّ الكتاب(٣) ، فإنّ العقل يقبّح تقديم المفضول وإهانة الفاضل ، ورفع مرتبة المفضول وخفض

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٦٨.

(٢) هذا القول من معتقدات الجمهور من المعتزلة والأشاعرة ، وإن اشتهر به المعتزلة دون الأشاعرة

فانظر للمعتزلة : المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ١ / ٢١٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ٣.

وانظر للأشاعرة في ذلك أيضا : غياث الأمم : ١٤٠ ، تفسير القرطبي ١ / ١٨٧ المسألة ١٢ من الآية الكريمة( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) سورة البقرة ٢ : ٣٠ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، شرح العقائد النسفية : ٢٣٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

وانظر الصفحة ٢٠٧ من هذا الجزء.

(٣) انظر مثلا : تفسير القرطبي ١ / ١٨٢ في تفسير آية( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) سورة البقرة ٢ : ٣٠ ؛ وانظر كذلك تفسير قوله تعالى :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) سورة البقرة ٢ : ١٢٤ ، وقوله تعالى :( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) سورة ص ٣٨ : ٢٦.

٢٣٣

مرتبة الفاضل ، والقرآن نصّ على إنكار ذلك فقال تعالى :

( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١)

وقال تعالى :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢) .

وكيف ينقاد الأعلم الأزهد ، الأشرف حسبا ونسبا ، للأدون في ذلك كلّه؟!

* * *

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٩.

٢٣٤

وقال الفضل(١) :

المراد من كون الإمام أفضل من الرعيّة : إن كان كونه أحسب ، وأنسب ، وأشرف ، وأعرف ، وأعفّ ، وأشجع ، وأعلم ؛ فلا يلزم وجوبه عقلا ـ كما ادّعاه ـ على تقدير القول بالوجوب العقلي ؛ لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الإمامة على حفظ الحوزة والعلم بالرئاسة وطريق التعيّش مع الرعيّة ، بحيث لا يكون فظّا غليظا منفّرا ، ولا سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعيّة ، ويكون حامي الذمار

ويكفيه من العلم ما يشترط القوم من الاجتهاد ، وكذا الشجاعة والقرشية في الحسب والنسب

وإن وجد في رعيّته من كان في هذه الخصال أتمّ ولا يكون مثله في حفظ الحوزة ، فالذي يكون أعلم بتدبير حفظ الحوزة ، فالعقل يحكم بأنّه هو الأولى بالإمامة.

وكثير من المفضولين يكونون أصلح للإمامة من الفاضلين ، إذ المعتبر في ولاية كلّ أمر والقيام به معرفة مصالحه ومفاسده وقوّة القيام بلوازمه ، وربّ مفضول في علمه وعمله وهو بالزعامة والرئاسة أعرف ، وبشرائطها أقوم ، وعلى تحمّل أعبائها أقدر.

وإن أراد بالأفضل أن يكون أكثر ثوابا عند الله تعالى ، فهذا أمر يحصل له الشرف والسعادة ، ولا تعلّق له بالزعامة والرئاسة.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٣٢٠.

٢٣٥

وإن أراد بالأفضل الأصلح للإمامة ؛ لكونه أعلم بحفظ الحوزة وتدبير المملكة ، فلا شكّ أنّه أولى ، ولا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون ، بل الأولى والأنسب تقديم هذا إذا لم يسبق عقد بيعة ، فإن سبق وكان في تغييره مظنّة فتنة فلا يجوز التغيير.

هذا جواب ما استدلّ به على هذا المطلب من لزوم القبح العقلي ، مع إنّا غير قائلين به.

وأمّا ما استدّل به من الآية ، فهو يدلّ على عدم استواء العالم والجاهل ، وعدم استواء الهادي والمضلّ والمهتدي والضالّ ، وهذا أمر مسلّم ، فذاك الفاضل الذي لم يصر إماما وصار المفضول إماما يترجّح على المفضول بالعلم والشرف ، ولكن المفضول إذا كان أحفظ لمصالح الحوزة وأصلح للإمامة فهو أحقّ بالإمامة ، والفاضل على فضله وشرفه ، ولا محذور في هذا.

ومن الأشاعرة من فصّل في هذه المسألة وقال : نصب الأفضل إن أثار فتنة لم يجب ، كما إذا فرض أنّ العسكر والرعايا لا ينقادون للفاضل بل للمفضول ، وإلّا وجب(١) .

* * *

__________________

(١) غياث الأمم : ١٤٠ ، تفسير القرطبي ١ / ١٨٧ ، المواقف : ٤١٣ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧٣.

٢٣٦

وأقول :

لا يخفى أنّ رئاسة الإمام رئاسة دينية ، وزعامة إلهيّة ، ونيابة عن الرسول في أداء وظائفه ، فلا تكون الغاية منها مجرّد حفظ الحوزة وتحصيل الأمن في الرعية ، وإلّا لجاز أن يكون الإمام كافرا ، أو منافقا ، أو أفسق الفاسقين إذا حصلت به هذه الغاية.

بل لا بدّ أن تكون الغاية منها تحصيل ما به سعادة الدارين كالغاية من رسالة الرسول ، وهي لا تتمّ إلّا أن يكون الإمام كالنبيّ معصوما ، وأحرص الناس على الهداية ، وأقربهم للاتّباع والانتفاع به في أمور الشريعة والآخرة ، وأحفظهم للحوزة وحقوق الرعية وسياستها على النهج الشرعي.

فلا بدّ أن يكون فاضلا في صفات الكمال كلّها ، من الفهم ، والرأي ، والعلم ، والحزم ، والكرم ، والشجاعة ، وحسن الخلق ، والعفّة ، والزهد ، والعدل ، والتقوى ، والسياسة الشرعية ، ونحوها ؛ ليكون أقرب للاتّباع ، وتسليم النفوس له ، والاقتفاء لآثاره ، فيحصل لهم ـ مع حفظ الحوزة ـ السعادة بكمال الإيمان وشرف الفضائل ، وخير الدارين ، وهي الغاية من رسالة الرسول.

فاتّضح أنّه يجب أن يكون الإمام أفضل من الرعية في جميع المحامد كما هو مراد المصنّفرحمه‌الله ولعلّه مراد الفضل بالوجه الأوّل ، وحينئذ فلا يصحّ ردّه على المصنّف بقوله : « لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الإمامة على حفظ الحوزة » إلى آخره.

٢٣٧

فإنّ هذا وحده لا يكفي في نيابة الرسول ، ولا سيّما إذا رأى الأمير ارتفاع ملكه ونفوذ أمره بسحق الدين وقتل المؤمنين وإخافتهم وتقريب الطالحين ، كما وقع في العصر الأوّل ، وعلى نحوه توالت العصور.

ومنه يعلم أنّ فرض كون المفضول في العلم والعمل أحفظ للحوزة خطأ ؛ لأنّ المطلوب هو الأحفظية على الوجه الشرعي ، وهي فرع الأعلمية والأعملية بوجوه الحفظ الشرعية.

هذا ، والأولى أن لا يذكر الفضل شرط أن لا يكون فظّا غليظا ، ولا شرط أن لا يكون سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعية ، فإنّ الأوّل مضرّ بإمامة عمر(١) ، والثاني بإمامة عثمان(٢) .

وبما ذكرنا من وجوب كون الإمام فاضلا في جميع صفات الكمال ، يعلم أنّه لا يصحّ فرض كونه فاضلا في صفة دون أخرى حتّى تتصوّر المعارضة ويقال بتقديم صاحب الصفة التي هي أمسّ بالإمامة ، كما فعل الفضل.

__________________

(١) فإنّه كان يوصف بأنّه فظّ ، غليظ شديد الغلظة ، وعر الجانب ، خشن الملمس ، دائم العبوس ، سريع إلى المساءة ، كثير الجبه والشتم والسبّ ، وكان الناس يقولون لأبي بكر : ماذا تقول لربّك إذا لقيته وقد ولّيت علينا فظّا غليظا؟!

انظر : تاريخ المدينة المنوّرة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٦٧١ ، غياث الأمم : ١٢٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٦٤.

(٢) كان عثمان في أيّامه الأخيرة كثيرا ما يعطي العهود والمواثيق من نفسه ويعلن توبته ، ولكنّ مروان وغيره من بني أميّة يحيدونه عن رأيه وينقاد حسب هواهم وقد روي أنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له : قد أطعت مروان يقودك حيث شاء!

انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٩.

٢٣٨

وأعلم أنّ الإمام إذا كان فاضلا في صفات الكمال ، يلزم أن يكون أطوع لله وأكثر عملا بالبرّ والخير ، فلا بدّ أن يكون أكثر ثوابا.

فحينئذ لو أريد بالأفضل الأكثر ثوابا من حيث لزومه للأفضل في صفات الكمال ، كان متّجها.

ولم يرد عليه ما ذكره الفضل ، على أنّه غير مراد المصنّف.

كما لا يريد ما احتمله الفضل ثالثا ؛ لما عرفت من أنّ الصلوح للإمامة عند المصنّف إنّما يكون بالعصمة والفضل بسائر الصفات الحميدة ، لا بالأعلمية بحفظ الحوزة فقط.

على أنّ قوله : « لا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون »

ظاهر البطلان ؛ لأنّ العقل يقبّح تقديم المفضول بالصلوح للإمامة على الأفضل فيه ، فلا يصحّ حينئذ سبق العقد للمفضول حتّى يكون في تغييره مظنّة فتنة.

لكنّ القوم أنكروا الحسن والقبح العقليّين ، وعليه : فما معنى اشتراطهم اجتهاد الإمام ، وعدالته ، إلى غيرهما من الشروط المتقدّمة سوى القرشية التي قالوا بورود الشرع بها.

وأمّا ما أجاب به عن الآيتين فخطأ ظاهر ؛ إذ لا يراد بهما مجرّد نفي المساواة بين العالم والجاهل ، أو بين الهادي وغيره ، كما تخيّله الفضل ، فإنّ نفي المساواة بينها ضروري غير محتاج إلى البيان ، ولا يمكن أن يقول عاقل بالمساواة حتّى ينكر عليه ، بل المراد هو الإنكار على عدم ترتيب أثر الفرق بينها وعدم اتّباع الأفضل كما هو صريح الآية الأولى ، إذ أنكرت على من لا يقول بأنّ الهادي أحقّ بالاتّباع ممّن لا يهتدي إلّا أن يهدى.

٢٣٩

ولا يخفى أنّ القوم لم يوجبوا تقديم الأعلم مع المساواة في الحفظ ، وكفاهم فيه مخالفة للكتاب العزيز!

هذا ، ولا يعتبر أن يكون الإمام أشرف الناس في الجهات الدنيوية ، من الجاه والمال والسلطان وإن كانت مقرّبة للأتباع ؛ لأنّ المطلوب هو الاتّباع والإيمان الحقيقي ، لا مجرّد الطاعة الظاهرية.

كما لا يعتبر أن لا يساويه أحد في صحّة النسب ، وإنّما يعتبر أن لا يفضله فيه أحد ؛ إذ لا تنافي المساواة فيه حسن التبعة إذا كان أشرف حسبا ، ولذا جاز أن يكون للإمام إخوة من أمّه وأبيه!

فتدبّر! وعلى الله التوفيق.

* * *

٢٤٠