دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق4%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99191 / تحميل: 5039
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٧-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مِنْكُمْ ) (١) ، فإنّه تعالى أوجب طاعة أولي الأمر على الإطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهو لا يتمّ إلّا بعصمة أولي الأمر ، فإنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية وتحرم طاعته فيها ، فلو وجبت أيضا اجتمع الضدّان ، وجوب طاعته وحرمتها.

ولا يصحّ حمل الآية على إيجاب الطاعة له في خصوص الطاعات ، إذ ـ مع منافاته لإطلاقها ـ لا يجامع ظاهرها من إفادة تعظيم الرسول وأولي الأمر بمساواتهم لله تعالى في وجوب الطاعة ، إذ يقبح تعظيم العاصي ، ولا سيّما المنغمس بأنواع الفواحش.

على أنّ وجوب الطاعة في الطاعات ليس من خوّاص الرسول وأولي الأمر ، بل تجب طاعة كلّ آمر بالمعروف ، فلا بدّ أن يكون المراد بالآية بيان عصمة الرسول وأولي الأمر ، وأنّهم لا يأمرون ولا ينهون إلّا بحقّ.

وقد أقرّ الرازي في تفسيره بدلالة الآية على عصمة أولي الأمر ، لكنّه زعم أنّ المراد بهم أهل الإجماع(٢) !

وفيه ـ مع أنّ المنصرف من أولي الأمر من له الزعامة ـ : إنّ ظاهر الآية إفادة عصمة كلّ واحد منهم لا مجموعهم ؛ لأنّ ظاهرها إيجاب طاعة كلّ واحد منهم ، على أنّ العمل بمقتضى الإجماع ليس من باب الطاعة لهم ؛ لأنّ الإجماع من قبيل الخبر الحاكي.

وأشكل الرازي على إرادة أئمّتنا الأطهار من أولي الأمر بأمور :

* [ الأمر ] الأوّل : إنّ طاعة الأئمّة المعصومين مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم ، فلو وجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم كان هذا

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٤٩.

٢٢١

تكليف ما لا يطاق ، ولو وجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم صار هذا الإيجاب مشروطا ، وظاهر قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) يقتضي الإطلاق(١) .

وفيه أوّلا : النقض بطاعة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة أهل الإجماع ، بناء على أنّهم المراد من أولي الأمر.

وثانيا : الحلّ بأن نقول : إنّ وجوب طاعة الأئمّة ليس مشروطا بمعرفتهم ، وقدرة الوصول إليهم ، بل مطلقا كطاعة الله ورسوله ، فيجب تحصيل معرفتهم ومذهبهم ، مقدّمة لطاعتهم ، فلا يلزم ما ذكره من تكليف ما لا يطاق ولا صيرورة الإيجاب مشروطا.

ومعرفة الأئمّة ممكنة لوجود الأدلّة على إمامتهم ، كما يمكن أخذ الأحكام عنهم كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لوجود الرواة عنهم وإن لم يصل المكلّف إلى شخص الإمام والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

* الأمر الثاني : إنّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر ، وأولو الأمر جمع ، وعندهم لا يكون في الزمان إلّا إمام واحد ، وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر(٢) .

وفيه : إنّ المراد هو الجمع ولكن بلحاظ التوزيع في الأزمنة ، ولا منافاة فيه للظاهر.

* [ الأمر ] الثالث : إنّه تعالى قال :( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) ، ولو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم ، لوجب

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

(٣) سورة النساء ٤ : ٥٩.

٢٢٢

أن يقال : فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الإمام(١) .

وفيه : إنّ الردّ إلى أولي الأمر أيضا مأمور به ، لكن اكتفى عن ذكرهم في آخر الآية بما ذكره في أوّلها من مساواة طاعتهم لطاعة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذا عرفت معنى العصمة وأدلّة وجوبها ، عرفت أنّ الفضل قد خلط في معناها ، وأخطأ في تجويز الصغائر على الإمام حتّى بلحاظ خصوص الدليل الثاني الذي اختصّ كلامه فيه ، إذ من جملة فوائد الإمام وجهات الحاجة إليه منع المحرّمات ، فلو فعلها هو احتاج إلى إمام آخر يمنعه ويتسلسل وإن فرض حصول الفوائد الأخر منه ، من الانتصاف للمظلوم ونحوه.

على أنّ خلاف الانتصاف ربّما يكون من الصغائر ، فلا تحصل هذه الفائدة ، وكذا جملة من غيرها من الفوائد.

ودعوى أنّ ترك الصغائر ليس من محلّ الحاجة إلى الإمام ، باطلة ، ضرورة أنّ تركها مطلوب للشارع ، ومن نظامه الشرعي المطلوب تنفيذه كما عرفت.

بقي الكلام في ما ذكره الخصم من شروط الإمام ، فنقول :

إشترطها جماعة منهم وخالف آخرون ، كما يدلّ عليه ما ذكره صاحب « المواقف » وشارحها ، فإنّهما بعد ما ذكرا اشتراط الاجتهاد في الأصول والفروع ، والشجاعة ، والبصارة بتدبير الحرب والسلم ، قالا :

« وقيل : لا يشترط هذه [ الصفات ] الثلاثة ؛ لأنّها لا توجد الآن

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

٢٢٣

مجتمعة ، وإذا لم توجد كذلك ، فإمّا أن يجب نصب فاقدها ، فيكون اشتراطها عبثا ، أو يجب نصب واجدها ، فيكون تكليفا بما لا يطاق ، أو لا يجب هذا ولا ذاك ، فيكون اشتراطها مستلزما للمفاسد التي يمكن دفعها بنصب فاقدها »(١) انتهى ملخّصا.

وبمقتضى سكوت صاحب « المواقف » عن الردّ على هذا الكلام يستفاد موافقته عليه ، وأنّه ممّن لا يشترط هذه الثلاثة.

نعم ، أجاب عنه الشارح ب‍ : « أنّا نختار عدم الوجوب مطلقا ، لكن للأمّة أن ينصبوا فاقدها دفعا للمفاسد »(٢) .

وفيه : إنّهم إذا نصبوه فإمّا أن يجب ترتيب آثار الإمامة عليه ، فحينئذ لم يكن وجه لا شتراطها ، وإن لم يجب فلا فائدة فيه.

هذا ، ويمكن إجراء نحو هذا الكلام في جميع الشروط فتنتفي شرطيّتها جميعا.

ونقل السيّد السعيدرحمه‌الله عن الإسفراييني الشافعي ، في كتاب « الجنايات » ، أنّه قال : « وتنعقد الإمامة بيعة أهل الحلّ والعقد ـ إلى أن قال : ـ وبالقهر والاستيلاء ولو كان فاسقا أو جاهلا أو أعجميا »(٣) .

ونقل أيضا عن صاحب « الوقاية في فقه الحنفية »(٤) ، أنّه قال :

__________________

(١) المواقف : ٣٩٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٤٩.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٣٥٠.

(٣) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٦.

(٤) لم نظفر بنسخة من « الوقاية » أو شرحه أو مختصره.

وكتاب « وقاية الرواية في مسائل الهداية » ، لبرهان الشريعة ـ أو : تاج الشريعة ـ محمود بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي البخاري الحنفي ، المتوفّى في شرع آباد

٢٢٤

« لا يحدّ الإمام حدّ الشرب ؛ لأنّه نائب من الله تعالى »(١) .

ونقل عن شارح « العقائد النسفية » ، أنّه قال : « لا ينعزل الإمام بالفسق والجور ؛ لأنّه قد ظهر الفسق والجور من الأئمّة والأمراء بعد الخلفاء والسلف ، وكانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم »(٢) .

فظهر من هذه الكلمات ونحوها أنّه لا يشترط عند كثير منهم تلك الشروط ، بل يظهر من كلام شارح « العقائد النسفية » دعوى الإجماع على عدم اعتبار العدالة في الإمام دواما(٣) .

والظاهر أنّه لا خصوصيّة للعدالة ولا للدوام ، بل كلّ الشرائط كذلك ابتداء ودواما ؛ لأنّهم ينقادون لمن فقد أيّ شرط كان ، ويخاطبونه بإمرة المؤمنين ، ويحرّمون الخروج عليه ، ويقتلون النفوس بأمره ، ويقيمون الجمع والأعياد بإذنه ، فلا بدّ أن تكون الشروط التي اشترطوها شروطا صناعية جدلية لا عملية.

__________________

ببخارى نحو سنة ٦٧٣ ه‍.

وهو متن مشهور في فروع الفقه الحنفي ، وقد عني العلماء بشأنه قراءة وتدريسا وحفظا ، وعليه شروح كثيرة ، أشهرها شرح حفيده صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود بن محمود ، المتوفّى سنة ٧٤٧ ه‍ ، وللكتاب مختصر لحفيده هذا اسمه « النقاية ».

طبع الكتاب في قازان سنة ١٨٨٨ م ، وطبع شرح حفيده في لكهنو سنة ١٢٩٠ ه‍ طبعة حجرية ، وكذا في مطبعة الإمبراطورية القازانية سنة ١٣١٨ ه‍.

انظر : كشف الظنون ٢ / ٢٠٢٠ ، هديّة العارفين ٢ / ٤٠٦ ، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع : ١٤٤ ، معجم المطبوعات العربية والمعرّبة ٢ / ١١٩٩ ـ ١٢٠٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨١٨ رقم ١٦٦٤١.

(١) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٨.

(٢) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٧ ، وانظر : شرح العقائد النسفية : ٢٣٩.

(٣) شرح العقائد النسفية : ٢٤١.

٢٢٥

فما نسبه المصنّف إليهم من جواز إمامة السرّاق والفسّاق صحيح ألبتّة ، ولا سيّما انعقاد البيعة ، وهو الذي يقتضيه إنكار الحسن والقبح العقليّين ، كما اقتضى أيضا نفي وجوب أن يكون الإمام أفضل من رعيّته ، كما ستعرف.

ويصدّق ذلك ـ بحيث لا يبقى به ريب أصلا ـ أخبارهم الصحيحة عندهم ، التي عليها المعوّل بينهم ، الآمرة بالسماع والطاعة لسلاطين الجور والضلالة ، وقد سبق بعضها في صدر المبحث(١)

التي منها : ما رواه مسلم ، عن ابن عمر ، أنّه قال بعد حادثة الحرّة ، وفعل يزيد فيها الأفعال الشنيعة :

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة »(٢) .

ومنها : ما رواه البخاري ، في الباب الثاني من ( كتاب الفتن ) ، ومسلم ، في باب وجوب طاعة الأمراء من ( كتاب الإمارة ) ، عن عبادة بن الصامت ، قال : « دعانا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعناه ، فكان في ما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة ، ولا ننازع الأمر أهله ، إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان »(٣) .

__________________

(١) راجع الصفحتين ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ٢٢.

(٣) صحيح البخاري ٩ / ٨٥ ح ٧ ، صحيح مسلم ٦ / ١٧ ، وانظر : سنن النسائي ٧ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٤ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ ح ٧٧٧٠ ـ ٧٧٧٦ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٥٧ ح ٢٨٦٦ ، الموطّأ : ٣٩٢ ح ٥ ، مسند أحمد ٥ / ٣١٤ _

٢٢٦

ومنها : ما رواه مسلم ، في باب الأمر بلزوم الجماعة من ( كتاب الإمارة ) ، عن حذيفة ، من حديث قال فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس ».

قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله [ إن أدركت ذلك ]؟

قال : «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وبطنك (١) وأخذ مالك »(٢)

ومنها : ما رواه مسلم ، في باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء ، الأوّل فالأوّل ، من ( كتاب الإمارة ) ، عن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، من حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال فيه :

«من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »

.. إلى أن قال عبد الرحمن : فقلت له : هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا ، والله تعالى يقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ

__________________

و ٣١٩ ، مسند الحميدي ١ / ١٩٢ ح ٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٦١٤ ح ١٤٩ و ١٥٠ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٨٠ ح ١٠٢٩ وص ٤٨٢ ح ١٠٣٥ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٧١١٩ ـ ٧١٢٣ ، مسند الشاشي ٣ / ١١٩ ـ ١٢٣ ح ١١٨٠ ـ ١١٩٠ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ٣٩ ـ ٤٠ ح ٤٥٣٠.

(١) لم ترد في المصدر.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ٢٠ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٥٧ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ١ / ٢٨٣ ح ٣٩٨.

٢٢٧

تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (١) ؟!

قال : فسكت ساعة ، ثمّ قال : أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله »(٢) .

.. إلى غير ذلك من أخبارهم المستفيضة المصرّحة بأنّ من الأئمّة أئمّة جور ، وتجب طاعتهم وإقرارهم على إمرتهم ، ومن خرج عن طاعتهم شبرا مات ميتة جاهليّة.

وما ألطف ما شهد به عبد الرحمن ، وأقرّ به عبد الله ، في حقّ معاوية ، وهو خيرة أئمّتهم بعد الثلاثة ، فيا بشراهم به وبابنه يزيد!!

فمع هذه الأخبار ونحوها من الأخبار المعتبرة المعمول بها عندهم ، كيف تصحّ دعوى أنّهم يشترطون واقعا تلك الشروط في الإمام؟!

فالظاهر أنّ من يشترطها إنّما يريد بها دفع الاستبشاع والمحافظة على الخلفاء الثلاثة ، ببيان أنّهم ممّن جمع هذه الشروط ، وإلّا فما فائدة شروط لا يتّبعونها في سلاطينهم ، ولا تنطبق عندهم على خليفة سوى الثلاثة ، إلّا النزر الأندر؟!

ولذا عجزوا عن تطبيق حديث الاثني عشر خليفة على سلاطينهم(٣) .

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٩.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ١٨ ، وانظر : سنن أبي داود ٤ / ٩٤ ح ٤٢٤٨ ، سنن النسائي ٧ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٠٦ ح ٣٩٥٦ ، مسند أحمد ٢ / ١٦١ و ١٩١ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٤١٣ ـ ٤١٤ ح ٧١٤٧ و ٧١٤٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٦٩.

(٣) انظر : تفسير ابن كثير ٢ / ٣١ ـ ٣٢ ، الحاوي للفتاوي ٢ / ٨٥ ، عون المعبود شرح سنن أبي داود ١١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٤.

٢٢٨

ورووا أنّ ما بعد الثلاثين سنة ملك عضوض لا خلافة(١) .

ولو سلّم أنّهم يشترطونها واقعا ، فأكثرها لاغ ، إمّا لعدم اعتباره ، أو لعدم كفايته في الإمام.

فمن الأوّل : البلوغ ، فإنّ الحقّ عدم اعتباره ، إذ ليست الإمامة بأعظم من النبوّة ، وقد أرسل الله عيسى ونبّأ يحيى طفلين ، لكن لمّا جعلوا الإمامة بالاختيار كان لاشتراطهم البلوغ وجه.

ومن الثاني : العدالة ، لما عرفت من عدم كفايتها عن العصمة ، وكذا الشجاعة ، والعقل ، والبصارة في تدبير الحرب والسلم ، لما سيأتي في المبحث الآتي من اعتبار أفضليّة الإمام في جميع صفات الكمال ، فلا بدّ أن يكون أشجع الناس وأعقلهم وأبصرهم في الأمور ، ولا يكفي ثبوت أصل الشجاعة والعقل والبصارة فقط.

وكذا الاجتهاد ، ضرورة أنّه لا يكفي في النيابة عن الرسول ، بل لا بدّ أن يكون عالما بجميع أحكام الشريعة علما يقينيّا ؛ لأنّ الله سبحانه قد بلّغ نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكاما أتمّها وأجراها على أمّته إلى يوم الدين ، ولا شكّ أنّ الاجتهاد لا يوصل إليها دائما ، لوقوع الخطأ فيه

فلا يمكن أن لا يجعل الله لنا إماما عالما بجميع الأحكام ويحيلنا على من لا طريق له إلّا الظنّ ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٢١٠ ح ٤٦٤٦ و ٤٦٤٧ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٦ ح ٢٢٢٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٥ ، مسند أحمد ٥ / ٢٢١ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٧٧ ح ٨٧٣ ، المعجم الكبير ١ / ٥٥ ح ١٣ وص ٨٩ ح ١٣٦ وج ٧ / ٨٣ ـ ٨٤ ح ٦٤٤٢ ـ ٦٤٤٤ ، مشكل الآثار ٤ / ٢١٥ ح ٣٦٥٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٥ ح ٤٤٣٨ وص ١٥٦ ح ٤٦٩٧ ، تخريج أحاديث العقائد النسفية ـ للسيوطي ـ : ٢٣١.

٢٢٩

على أنّه إذا أخطأ الإمام في حكم أو موضوع ، فإمّا أن يلزم الناس السكوت عن خطئه ، فيلزم الإغضاء على القبيح ، وربّما يجتهد في تحليل الحرام وما يوجب الضرر والفساد ، فلا تحصل به الفائدة المطلوبة في الإمام وإمّا أن يلزم ردّه ، وهو ربّما يوقع في الشقاق.

نعم ، بقيّة الشروط التي ذكرها صحيحة..

أمّا الحرّية ؛ فلأنّ المملوكية نقص في الشأن والتصرّف.

وأمّا القرشية ؛ فلأنّها وإن لم يحكم بها العقل إلّا أنّه لمّا اتّفق أنّ الأئمّة من قريش ومن آل رسول الله ، صحّ جعلها شرطا بهذا الاعتبار ، كما أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه لا يزال هذا الأمر في قريش ، وأنّ الأئمّة اثنا عشر(١) ، وأوجب التمسّك بعترته كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وقد خالف عمر هذا الشرط وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال : « لو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى »(٢)

ونحوه في حقّ معاذ ، كما سيأتي في مطاعن الصحابة.

وأمّا الذكورة ؛ فلأنّ النفوس لا تنقاد غالبا إلى المرأة فلا يحصل منها

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٩ / ١٤٧ ح ٧٩ ، صحيح مسلم ٦ / ٣ ـ ٤ ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٣ ح ٤٢٧٩ ٤٢٨٠ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٤ ح ٢٢٢٣ ، مسند أحمد ١ / ٣٩٨ وج ٥ / ٨٦ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٤٥٦ ح ٧٤٦٣ ، المعجم الكبير ٢ / ٢٢٣ ح ١٩٢٣ ، مسند الطيالسي : ١٠٥ ح ٧٦٧ وص ١٨٠ ح ١٢٧٨ ، الفتن ـ لنعيم بن حمّاد ـ : ٥٢ ـ ٥٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥١٨ ح ١١٢٣ وص ٥٣٤ ح ١١٥٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٣٠ ح ٦٦٢٦ ـ ٦٦٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٤٩٦ ح ٨٣٨٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٣٧ ح ٤٦٨٠.

(٢) أنساب الأشراف ١٠ / ٤٢١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٠ ، الاستيعاب ٢ / ٥٦٨ ، أسد الغابة ٢ / ١٥٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٥٩.

٢٣٠

الغرض من الإمامة ، لكنّ بعض القوم ـ كابن حزم(١) ـ اختار نبوّة أمّ موسى ومريم وأمّ إسحاق! فيلزمه عدم اشتراط الذكورية في الإمام للأولوية.

وتعليل الفضل بأنّ النساء ناقصات العقل والدين ، باطل ؛ إذ كم امرأة أعقل من أكثر الرجال ، بل بعضهنّ بالغات مرتبة العصمة والكمال كما ورد في أخبارنا في حقّ الزهراء وخديجة ومريم وآسية(٢) .

وروى مسلم في فضائل خديجة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون »(٣)

والظاهر أنّه قد سقط ذكر خديجة من الحديث ، وإلّا فلا معنى لروايته في فضائلها ، ولا بدّ أن تكون الزهراء أكمل من هذه الثلاث ؛ لما رواه البخاري وغيره أنّها سيّدة نساء أهل الجنّة(٤) كما ستعرف ، بل لا يبعد سقوط ذكر الزهراء كخديجة من الحديث(٥) .

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٤ / ١١ [ ٢ / ٢٩٦ ]. منهقدس‌سره .

وقال القرطبي بنبوّة مريم عليه السلام في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٥٣!!

كما نقل العسقلاني في فتح الباري ٦ / ٥٥٣ أنّ الأشعري قال بنبوّة ستّ من النساء ، هنّ : حوّاء وسارة وأمّ موسى وهاجر وآسية ومريم ، والضابط عنده أنّ من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهي أو بإعلام ممّا سيأتي فهو نبيّ!! ونقل كذلك ما مرّ آنفا ـ في المتن والهامش ـ عن ابن حزم والقرطبي.

(٢) انظر : الخصال : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٢٢ و ٢٣ ، إعلام الورى ١ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٣.

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٩١ و ١٠٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٦١٩ ح ٣٧٨١ ، وسيأتي مزيد تفصيل له في محلّه.

(٥) والحقّ مع الشيخ المظفّرقدس‌سره ، إذ لو استقصينا موارد الحديث بألفاظه المختلفة في مصادر الجمهور المعتمدة ، فسنجد كيف تلاعبت يد التحريف والخيانة بنصّ _

٢٣١

وإنّما جعلت شهادة المرأتين عن شهادة رجل واحد جريا على الغالب من نقصان عقل المرأة.

وأمّا ما ذكره من أنّهنّ ناقصات الدين ، فلا ينافي إمامتهنّ ؛ لأنّه مفسّر في الأخبار بقعودهنّ عن الصلاة والصوم أيّام المحيض والنفاس ، كما رواه البخاري في ( كتاب الحيض ) ، في باب ترك الحائض الصوم(١) .

فقد ظهر أنّ جملة من كلمات القوم وصحاح أخبارهم تقتضي جواز إمامة الفسّاق والسرّاق كما ذكره المصنّفرحمه‌الله .

__________________

الحديث ، فتارة نجده كاملا مشتملا على اسمي السيّدتين الزهراء وخديجةعليهما‌السلام ، كما في : سنن الترمذي ٥ / ٦٦٠ ح ٣٨٧٨ ، مسند أحمد ١ / ٣١٦ وج ٣ / ١٣٥ ، مسند أبي يعلى ٥ / ١١٠ ح ٢٧٢٢ وص ٣٨٠ ح ٣٠٣٩ ، المعجم الكبير ١١ / ٢٦٦ ح ١١٩٢٨ وج ٢٢ / ٤٠٢ ح ١٠٠٣ وص ٤٠٧ ح ١٠١٩ وج ٢٣ / ٧ ح ١ ـ ٣ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٤٣٠ ح ٢٠٩١٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٣٠ ب‍ ٣٥ ح ٥ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٦٢ ح ٧٠٢٣ و ٧٠٢٥ و ٧٠٢٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٧١ ح ٦٩٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦٥٠ ح ٤١٦٠ وج ٣ / ١٧٢ ح ٤٧٤٦ وص ١٧٤ ح ٤٧٥٤ وص ٢٠٥ ح ٤٨٥٢ و ٤٨٥٣ ووافقه الذهبي عليها كلّها ، تاريخ بغداد ٧ / ١٨٥ رقم ٣٦٣٦ وج ٩ / ٤٠٤ رقم ٥٠٠٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ٢٠٢ ح ٤٨٥٠ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١٠٧ ـ ١١٢ ، كنز العمّال ١٢ / ١٤٣ ح ٣٤٤٠٢ ـ ٣٤٤٠٤ وص ١٤٤ ح ٣٤٤٠٦و ص ١٤٥ ح ٣٤٤٠٩ و ٣٤٤١١.

وتارة أسقطت اسم الزهراء البتول عليها السلام فقط! فانظر : صحيح البخاري ٤ / ٣١٨ ح ٢٣٠ ، صحيح مسلم ٧ / ١٣٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٥٩ ـ ٦٦٠ ح ٣٨٧٧ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ و ١٣٢ و ١٤٣ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٩٩ ح ٥٢٢ وص ٤٥٠ ح ٦١٢ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٦٢ ح ٧٠٢١ و ٧٠٢٢ وص ٢٦٣ ح ٧٠٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٠٣ ح ٤٨٤٧ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١٠١ ـ ١٠٦ و ١١٤.

وتارة اسم السيّدة خديجة عليها السلام فقط! انظر مثلا : تاريخ دمشق ٧٠ / ١١٣.

وأسقطت اسميهماعليهما‌السلام تارة أخرى!! فانظر مثلا : صحيح مسلم ٧ / ١٣٣ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١١٦ ـ ١١٧.

(١) صحيح البخاري ١ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ح ٩.

٢٣٢

الإمام أفضل من رعيّته

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث الثاني

في أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته

اتّفقت الإمامية على ذلك ، وخالف فيه الجمهور فجوّزوا تقديم المفضول على الفاضل(٢) ، وخالفوا مقتضى العقل ونصّ الكتاب(٣) ، فإنّ العقل يقبّح تقديم المفضول وإهانة الفاضل ، ورفع مرتبة المفضول وخفض

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٦٨.

(٢) هذا القول من معتقدات الجمهور من المعتزلة والأشاعرة ، وإن اشتهر به المعتزلة دون الأشاعرة

فانظر للمعتزلة : المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ١ / ٢١٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ٣.

وانظر للأشاعرة في ذلك أيضا : غياث الأمم : ١٤٠ ، تفسير القرطبي ١ / ١٨٧ المسألة ١٢ من الآية الكريمة( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) سورة البقرة ٢ : ٣٠ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، شرح العقائد النسفية : ٢٣٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

وانظر الصفحة ٢٠٧ من هذا الجزء.

(٣) انظر مثلا : تفسير القرطبي ١ / ١٨٢ في تفسير آية( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) سورة البقرة ٢ : ٣٠ ؛ وانظر كذلك تفسير قوله تعالى :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) سورة البقرة ٢ : ١٢٤ ، وقوله تعالى :( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) سورة ص ٣٨ : ٢٦.

٢٣٣

مرتبة الفاضل ، والقرآن نصّ على إنكار ذلك فقال تعالى :

( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١)

وقال تعالى :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢) .

وكيف ينقاد الأعلم الأزهد ، الأشرف حسبا ونسبا ، للأدون في ذلك كلّه؟!

* * *

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٩.

٢٣٤

وقال الفضل(١) :

المراد من كون الإمام أفضل من الرعيّة : إن كان كونه أحسب ، وأنسب ، وأشرف ، وأعرف ، وأعفّ ، وأشجع ، وأعلم ؛ فلا يلزم وجوبه عقلا ـ كما ادّعاه ـ على تقدير القول بالوجوب العقلي ؛ لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الإمامة على حفظ الحوزة والعلم بالرئاسة وطريق التعيّش مع الرعيّة ، بحيث لا يكون فظّا غليظا منفّرا ، ولا سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعيّة ، ويكون حامي الذمار

ويكفيه من العلم ما يشترط القوم من الاجتهاد ، وكذا الشجاعة والقرشية في الحسب والنسب

وإن وجد في رعيّته من كان في هذه الخصال أتمّ ولا يكون مثله في حفظ الحوزة ، فالذي يكون أعلم بتدبير حفظ الحوزة ، فالعقل يحكم بأنّه هو الأولى بالإمامة.

وكثير من المفضولين يكونون أصلح للإمامة من الفاضلين ، إذ المعتبر في ولاية كلّ أمر والقيام به معرفة مصالحه ومفاسده وقوّة القيام بلوازمه ، وربّ مفضول في علمه وعمله وهو بالزعامة والرئاسة أعرف ، وبشرائطها أقوم ، وعلى تحمّل أعبائها أقدر.

وإن أراد بالأفضل أن يكون أكثر ثوابا عند الله تعالى ، فهذا أمر يحصل له الشرف والسعادة ، ولا تعلّق له بالزعامة والرئاسة.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٣٢٠.

٢٣٥

وإن أراد بالأفضل الأصلح للإمامة ؛ لكونه أعلم بحفظ الحوزة وتدبير المملكة ، فلا شكّ أنّه أولى ، ولا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون ، بل الأولى والأنسب تقديم هذا إذا لم يسبق عقد بيعة ، فإن سبق وكان في تغييره مظنّة فتنة فلا يجوز التغيير.

هذا جواب ما استدلّ به على هذا المطلب من لزوم القبح العقلي ، مع إنّا غير قائلين به.

وأمّا ما استدّل به من الآية ، فهو يدلّ على عدم استواء العالم والجاهل ، وعدم استواء الهادي والمضلّ والمهتدي والضالّ ، وهذا أمر مسلّم ، فذاك الفاضل الذي لم يصر إماما وصار المفضول إماما يترجّح على المفضول بالعلم والشرف ، ولكن المفضول إذا كان أحفظ لمصالح الحوزة وأصلح للإمامة فهو أحقّ بالإمامة ، والفاضل على فضله وشرفه ، ولا محذور في هذا.

ومن الأشاعرة من فصّل في هذه المسألة وقال : نصب الأفضل إن أثار فتنة لم يجب ، كما إذا فرض أنّ العسكر والرعايا لا ينقادون للفاضل بل للمفضول ، وإلّا وجب(١) .

* * *

__________________

(١) غياث الأمم : ١٤٠ ، تفسير القرطبي ١ / ١٨٧ ، المواقف : ٤١٣ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧٣.

٢٣٦

وأقول :

لا يخفى أنّ رئاسة الإمام رئاسة دينية ، وزعامة إلهيّة ، ونيابة عن الرسول في أداء وظائفه ، فلا تكون الغاية منها مجرّد حفظ الحوزة وتحصيل الأمن في الرعية ، وإلّا لجاز أن يكون الإمام كافرا ، أو منافقا ، أو أفسق الفاسقين إذا حصلت به هذه الغاية.

بل لا بدّ أن تكون الغاية منها تحصيل ما به سعادة الدارين كالغاية من رسالة الرسول ، وهي لا تتمّ إلّا أن يكون الإمام كالنبيّ معصوما ، وأحرص الناس على الهداية ، وأقربهم للاتّباع والانتفاع به في أمور الشريعة والآخرة ، وأحفظهم للحوزة وحقوق الرعية وسياستها على النهج الشرعي.

فلا بدّ أن يكون فاضلا في صفات الكمال كلّها ، من الفهم ، والرأي ، والعلم ، والحزم ، والكرم ، والشجاعة ، وحسن الخلق ، والعفّة ، والزهد ، والعدل ، والتقوى ، والسياسة الشرعية ، ونحوها ؛ ليكون أقرب للاتّباع ، وتسليم النفوس له ، والاقتفاء لآثاره ، فيحصل لهم ـ مع حفظ الحوزة ـ السعادة بكمال الإيمان وشرف الفضائل ، وخير الدارين ، وهي الغاية من رسالة الرسول.

فاتّضح أنّه يجب أن يكون الإمام أفضل من الرعية في جميع المحامد كما هو مراد المصنّفرحمه‌الله ولعلّه مراد الفضل بالوجه الأوّل ، وحينئذ فلا يصحّ ردّه على المصنّف بقوله : « لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الإمامة على حفظ الحوزة » إلى آخره.

٢٣٧

فإنّ هذا وحده لا يكفي في نيابة الرسول ، ولا سيّما إذا رأى الأمير ارتفاع ملكه ونفوذ أمره بسحق الدين وقتل المؤمنين وإخافتهم وتقريب الطالحين ، كما وقع في العصر الأوّل ، وعلى نحوه توالت العصور.

ومنه يعلم أنّ فرض كون المفضول في العلم والعمل أحفظ للحوزة خطأ ؛ لأنّ المطلوب هو الأحفظية على الوجه الشرعي ، وهي فرع الأعلمية والأعملية بوجوه الحفظ الشرعية.

هذا ، والأولى أن لا يذكر الفضل شرط أن لا يكون فظّا غليظا ، ولا شرط أن لا يكون سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعية ، فإنّ الأوّل مضرّ بإمامة عمر(١) ، والثاني بإمامة عثمان(٢) .

وبما ذكرنا من وجوب كون الإمام فاضلا في جميع صفات الكمال ، يعلم أنّه لا يصحّ فرض كونه فاضلا في صفة دون أخرى حتّى تتصوّر المعارضة ويقال بتقديم صاحب الصفة التي هي أمسّ بالإمامة ، كما فعل الفضل.

__________________

(١) فإنّه كان يوصف بأنّه فظّ ، غليظ شديد الغلظة ، وعر الجانب ، خشن الملمس ، دائم العبوس ، سريع إلى المساءة ، كثير الجبه والشتم والسبّ ، وكان الناس يقولون لأبي بكر : ماذا تقول لربّك إذا لقيته وقد ولّيت علينا فظّا غليظا؟!

انظر : تاريخ المدينة المنوّرة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٦٧١ ، غياث الأمم : ١٢٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٦٤.

(٢) كان عثمان في أيّامه الأخيرة كثيرا ما يعطي العهود والمواثيق من نفسه ويعلن توبته ، ولكنّ مروان وغيره من بني أميّة يحيدونه عن رأيه وينقاد حسب هواهم وقد روي أنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له : قد أطعت مروان يقودك حيث شاء!

انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٩.

٢٣٨

وأعلم أنّ الإمام إذا كان فاضلا في صفات الكمال ، يلزم أن يكون أطوع لله وأكثر عملا بالبرّ والخير ، فلا بدّ أن يكون أكثر ثوابا.

فحينئذ لو أريد بالأفضل الأكثر ثوابا من حيث لزومه للأفضل في صفات الكمال ، كان متّجها.

ولم يرد عليه ما ذكره الفضل ، على أنّه غير مراد المصنّف.

كما لا يريد ما احتمله الفضل ثالثا ؛ لما عرفت من أنّ الصلوح للإمامة عند المصنّف إنّما يكون بالعصمة والفضل بسائر الصفات الحميدة ، لا بالأعلمية بحفظ الحوزة فقط.

على أنّ قوله : « لا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون »

ظاهر البطلان ؛ لأنّ العقل يقبّح تقديم المفضول بالصلوح للإمامة على الأفضل فيه ، فلا يصحّ حينئذ سبق العقد للمفضول حتّى يكون في تغييره مظنّة فتنة.

لكنّ القوم أنكروا الحسن والقبح العقليّين ، وعليه : فما معنى اشتراطهم اجتهاد الإمام ، وعدالته ، إلى غيرهما من الشروط المتقدّمة سوى القرشية التي قالوا بورود الشرع بها.

وأمّا ما أجاب به عن الآيتين فخطأ ظاهر ؛ إذ لا يراد بهما مجرّد نفي المساواة بين العالم والجاهل ، أو بين الهادي وغيره ، كما تخيّله الفضل ، فإنّ نفي المساواة بينها ضروري غير محتاج إلى البيان ، ولا يمكن أن يقول عاقل بالمساواة حتّى ينكر عليه ، بل المراد هو الإنكار على عدم ترتيب أثر الفرق بينها وعدم اتّباع الأفضل كما هو صريح الآية الأولى ، إذ أنكرت على من لا يقول بأنّ الهادي أحقّ بالاتّباع ممّن لا يهتدي إلّا أن يهدى.

٢٣٩

ولا يخفى أنّ القوم لم يوجبوا تقديم الأعلم مع المساواة في الحفظ ، وكفاهم فيه مخالفة للكتاب العزيز!

هذا ، ولا يعتبر أن يكون الإمام أشرف الناس في الجهات الدنيوية ، من الجاه والمال والسلطان وإن كانت مقرّبة للأتباع ؛ لأنّ المطلوب هو الاتّباع والإيمان الحقيقي ، لا مجرّد الطاعة الظاهرية.

كما لا يعتبر أن لا يساويه أحد في صحّة النسب ، وإنّما يعتبر أن لا يفضله فيه أحد ؛ إذ لا تنافي المساواة فيه حسن التبعة إذا كان أشرف حسبا ، ولذا جاز أن يكون للإمام إخوة من أمّه وأبيه!

فتدبّر! وعلى الله التوفيق.

* * *

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442