دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق13%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99020 / تحميل: 5030
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٧-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مِنْكُمْ ) (١) ، فإنّه تعالى أوجب طاعة أولي الأمر على الإطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهو لا يتمّ إلّا بعصمة أولي الأمر ، فإنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية وتحرم طاعته فيها ، فلو وجبت أيضا اجتمع الضدّان ، وجوب طاعته وحرمتها.

ولا يصحّ حمل الآية على إيجاب الطاعة له في خصوص الطاعات ، إذ ـ مع منافاته لإطلاقها ـ لا يجامع ظاهرها من إفادة تعظيم الرسول وأولي الأمر بمساواتهم لله تعالى في وجوب الطاعة ، إذ يقبح تعظيم العاصي ، ولا سيّما المنغمس بأنواع الفواحش.

على أنّ وجوب الطاعة في الطاعات ليس من خوّاص الرسول وأولي الأمر ، بل تجب طاعة كلّ آمر بالمعروف ، فلا بدّ أن يكون المراد بالآية بيان عصمة الرسول وأولي الأمر ، وأنّهم لا يأمرون ولا ينهون إلّا بحقّ.

وقد أقرّ الرازي في تفسيره بدلالة الآية على عصمة أولي الأمر ، لكنّه زعم أنّ المراد بهم أهل الإجماع(٢) !

وفيه ـ مع أنّ المنصرف من أولي الأمر من له الزعامة ـ : إنّ ظاهر الآية إفادة عصمة كلّ واحد منهم لا مجموعهم ؛ لأنّ ظاهرها إيجاب طاعة كلّ واحد منهم ، على أنّ العمل بمقتضى الإجماع ليس من باب الطاعة لهم ؛ لأنّ الإجماع من قبيل الخبر الحاكي.

وأشكل الرازي على إرادة أئمّتنا الأطهار من أولي الأمر بأمور :

* [ الأمر ] الأوّل : إنّ طاعة الأئمّة المعصومين مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم ، فلو وجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم كان هذا

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٤٩.

٢٢١

تكليف ما لا يطاق ، ولو وجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم صار هذا الإيجاب مشروطا ، وظاهر قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) يقتضي الإطلاق(١) .

وفيه أوّلا : النقض بطاعة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة أهل الإجماع ، بناء على أنّهم المراد من أولي الأمر.

وثانيا : الحلّ بأن نقول : إنّ وجوب طاعة الأئمّة ليس مشروطا بمعرفتهم ، وقدرة الوصول إليهم ، بل مطلقا كطاعة الله ورسوله ، فيجب تحصيل معرفتهم ومذهبهم ، مقدّمة لطاعتهم ، فلا يلزم ما ذكره من تكليف ما لا يطاق ولا صيرورة الإيجاب مشروطا.

ومعرفة الأئمّة ممكنة لوجود الأدلّة على إمامتهم ، كما يمكن أخذ الأحكام عنهم كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لوجود الرواة عنهم وإن لم يصل المكلّف إلى شخص الإمام والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

* الأمر الثاني : إنّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر ، وأولو الأمر جمع ، وعندهم لا يكون في الزمان إلّا إمام واحد ، وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر(٢) .

وفيه : إنّ المراد هو الجمع ولكن بلحاظ التوزيع في الأزمنة ، ولا منافاة فيه للظاهر.

* [ الأمر ] الثالث : إنّه تعالى قال :( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) ، ولو كان المراد بأولي الأمر الإمام المعصوم ، لوجب

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

(٣) سورة النساء ٤ : ٥٩.

٢٢٢

أن يقال : فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الإمام(١) .

وفيه : إنّ الردّ إلى أولي الأمر أيضا مأمور به ، لكن اكتفى عن ذكرهم في آخر الآية بما ذكره في أوّلها من مساواة طاعتهم لطاعة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذا عرفت معنى العصمة وأدلّة وجوبها ، عرفت أنّ الفضل قد خلط في معناها ، وأخطأ في تجويز الصغائر على الإمام حتّى بلحاظ خصوص الدليل الثاني الذي اختصّ كلامه فيه ، إذ من جملة فوائد الإمام وجهات الحاجة إليه منع المحرّمات ، فلو فعلها هو احتاج إلى إمام آخر يمنعه ويتسلسل وإن فرض حصول الفوائد الأخر منه ، من الانتصاف للمظلوم ونحوه.

على أنّ خلاف الانتصاف ربّما يكون من الصغائر ، فلا تحصل هذه الفائدة ، وكذا جملة من غيرها من الفوائد.

ودعوى أنّ ترك الصغائر ليس من محلّ الحاجة إلى الإمام ، باطلة ، ضرورة أنّ تركها مطلوب للشارع ، ومن نظامه الشرعي المطلوب تنفيذه كما عرفت.

بقي الكلام في ما ذكره الخصم من شروط الإمام ، فنقول :

إشترطها جماعة منهم وخالف آخرون ، كما يدلّ عليه ما ذكره صاحب « المواقف » وشارحها ، فإنّهما بعد ما ذكرا اشتراط الاجتهاد في الأصول والفروع ، والشجاعة ، والبصارة بتدبير الحرب والسلم ، قالا :

« وقيل : لا يشترط هذه [ الصفات ] الثلاثة ؛ لأنّها لا توجد الآن

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ١٥١.

٢٢٣

مجتمعة ، وإذا لم توجد كذلك ، فإمّا أن يجب نصب فاقدها ، فيكون اشتراطها عبثا ، أو يجب نصب واجدها ، فيكون تكليفا بما لا يطاق ، أو لا يجب هذا ولا ذاك ، فيكون اشتراطها مستلزما للمفاسد التي يمكن دفعها بنصب فاقدها »(١) انتهى ملخّصا.

وبمقتضى سكوت صاحب « المواقف » عن الردّ على هذا الكلام يستفاد موافقته عليه ، وأنّه ممّن لا يشترط هذه الثلاثة.

نعم ، أجاب عنه الشارح ب‍ : « أنّا نختار عدم الوجوب مطلقا ، لكن للأمّة أن ينصبوا فاقدها دفعا للمفاسد »(٢) .

وفيه : إنّهم إذا نصبوه فإمّا أن يجب ترتيب آثار الإمامة عليه ، فحينئذ لم يكن وجه لا شتراطها ، وإن لم يجب فلا فائدة فيه.

هذا ، ويمكن إجراء نحو هذا الكلام في جميع الشروط فتنتفي شرطيّتها جميعا.

ونقل السيّد السعيدرحمه‌الله عن الإسفراييني الشافعي ، في كتاب « الجنايات » ، أنّه قال : « وتنعقد الإمامة بيعة أهل الحلّ والعقد ـ إلى أن قال : ـ وبالقهر والاستيلاء ولو كان فاسقا أو جاهلا أو أعجميا »(٣) .

ونقل أيضا عن صاحب « الوقاية في فقه الحنفية »(٤) ، أنّه قال :

__________________

(١) المواقف : ٣٩٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٤٩.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٣٥٠.

(٣) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٦.

(٤) لم نظفر بنسخة من « الوقاية » أو شرحه أو مختصره.

وكتاب « وقاية الرواية في مسائل الهداية » ، لبرهان الشريعة ـ أو : تاج الشريعة ـ محمود بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي البخاري الحنفي ، المتوفّى في شرع آباد

٢٢٤

« لا يحدّ الإمام حدّ الشرب ؛ لأنّه نائب من الله تعالى »(١) .

ونقل عن شارح « العقائد النسفية » ، أنّه قال : « لا ينعزل الإمام بالفسق والجور ؛ لأنّه قد ظهر الفسق والجور من الأئمّة والأمراء بعد الخلفاء والسلف ، وكانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم »(٢) .

فظهر من هذه الكلمات ونحوها أنّه لا يشترط عند كثير منهم تلك الشروط ، بل يظهر من كلام شارح « العقائد النسفية » دعوى الإجماع على عدم اعتبار العدالة في الإمام دواما(٣) .

والظاهر أنّه لا خصوصيّة للعدالة ولا للدوام ، بل كلّ الشرائط كذلك ابتداء ودواما ؛ لأنّهم ينقادون لمن فقد أيّ شرط كان ، ويخاطبونه بإمرة المؤمنين ، ويحرّمون الخروج عليه ، ويقتلون النفوس بأمره ، ويقيمون الجمع والأعياد بإذنه ، فلا بدّ أن تكون الشروط التي اشترطوها شروطا صناعية جدلية لا عملية.

__________________

ببخارى نحو سنة ٦٧٣ ه‍.

وهو متن مشهور في فروع الفقه الحنفي ، وقد عني العلماء بشأنه قراءة وتدريسا وحفظا ، وعليه شروح كثيرة ، أشهرها شرح حفيده صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود بن محمود ، المتوفّى سنة ٧٤٧ ه‍ ، وللكتاب مختصر لحفيده هذا اسمه « النقاية ».

طبع الكتاب في قازان سنة ١٨٨٨ م ، وطبع شرح حفيده في لكهنو سنة ١٢٩٠ ه‍ طبعة حجرية ، وكذا في مطبعة الإمبراطورية القازانية سنة ١٣١٨ ه‍.

انظر : كشف الظنون ٢ / ٢٠٢٠ ، هديّة العارفين ٢ / ٤٠٦ ، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع : ١٤٤ ، معجم المطبوعات العربية والمعرّبة ٢ / ١١٩٩ ـ ١٢٠٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨١٨ رقم ١٦٦٤١.

(١) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٨.

(٢) إحقاق الحقّ ٢ / ٣١٧ ، وانظر : شرح العقائد النسفية : ٢٣٩.

(٣) شرح العقائد النسفية : ٢٤١.

٢٢٥

فما نسبه المصنّف إليهم من جواز إمامة السرّاق والفسّاق صحيح ألبتّة ، ولا سيّما انعقاد البيعة ، وهو الذي يقتضيه إنكار الحسن والقبح العقليّين ، كما اقتضى أيضا نفي وجوب أن يكون الإمام أفضل من رعيّته ، كما ستعرف.

ويصدّق ذلك ـ بحيث لا يبقى به ريب أصلا ـ أخبارهم الصحيحة عندهم ، التي عليها المعوّل بينهم ، الآمرة بالسماع والطاعة لسلاطين الجور والضلالة ، وقد سبق بعضها في صدر المبحث(١)

التي منها : ما رواه مسلم ، عن ابن عمر ، أنّه قال بعد حادثة الحرّة ، وفعل يزيد فيها الأفعال الشنيعة :

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة »(٢) .

ومنها : ما رواه البخاري ، في الباب الثاني من ( كتاب الفتن ) ، ومسلم ، في باب وجوب طاعة الأمراء من ( كتاب الإمارة ) ، عن عبادة بن الصامت ، قال : « دعانا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعناه ، فكان في ما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة ، ولا ننازع الأمر أهله ، إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان »(٣) .

__________________

(١) راجع الصفحتين ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ٢٢.

(٣) صحيح البخاري ٩ / ٨٥ ح ٧ ، صحيح مسلم ٦ / ١٧ ، وانظر : سنن النسائي ٧ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٤ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ ح ٧٧٧٠ ـ ٧٧٧٦ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٥٧ ح ٢٨٦٦ ، الموطّأ : ٣٩٢ ح ٥ ، مسند أحمد ٥ / ٣١٤ _

٢٢٦

ومنها : ما رواه مسلم ، في باب الأمر بلزوم الجماعة من ( كتاب الإمارة ) ، عن حذيفة ، من حديث قال فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس ».

قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله [ إن أدركت ذلك ]؟

قال : «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وبطنك (١) وأخذ مالك »(٢)

ومنها : ما رواه مسلم ، في باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء ، الأوّل فالأوّل ، من ( كتاب الإمارة ) ، عن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، من حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال فيه :

«من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »

.. إلى أن قال عبد الرحمن : فقلت له : هذا ابن عمّك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا ، والله تعالى يقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ

__________________

و ٣١٩ ، مسند الحميدي ١ / ١٩٢ ح ٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٦١٤ ح ١٤٩ و ١٥٠ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٨٠ ح ١٠٢٩ وص ٤٨٢ ح ١٠٣٥ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٧١١٩ ـ ٧١٢٣ ، مسند الشاشي ٣ / ١١٩ ـ ١٢٣ ح ١١٨٠ ـ ١١٩٠ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ٣٩ ـ ٤٠ ح ٤٥٣٠.

(١) لم ترد في المصدر.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ٢٠ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٥٧ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ١ / ٢٨٣ ح ٣٩٨.

٢٢٧

تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (١) ؟!

قال : فسكت ساعة ، ثمّ قال : أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله »(٢) .

.. إلى غير ذلك من أخبارهم المستفيضة المصرّحة بأنّ من الأئمّة أئمّة جور ، وتجب طاعتهم وإقرارهم على إمرتهم ، ومن خرج عن طاعتهم شبرا مات ميتة جاهليّة.

وما ألطف ما شهد به عبد الرحمن ، وأقرّ به عبد الله ، في حقّ معاوية ، وهو خيرة أئمّتهم بعد الثلاثة ، فيا بشراهم به وبابنه يزيد!!

فمع هذه الأخبار ونحوها من الأخبار المعتبرة المعمول بها عندهم ، كيف تصحّ دعوى أنّهم يشترطون واقعا تلك الشروط في الإمام؟!

فالظاهر أنّ من يشترطها إنّما يريد بها دفع الاستبشاع والمحافظة على الخلفاء الثلاثة ، ببيان أنّهم ممّن جمع هذه الشروط ، وإلّا فما فائدة شروط لا يتّبعونها في سلاطينهم ، ولا تنطبق عندهم على خليفة سوى الثلاثة ، إلّا النزر الأندر؟!

ولذا عجزوا عن تطبيق حديث الاثني عشر خليفة على سلاطينهم(٣) .

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٩.

(٢) صحيح مسلم ٦ / ١٨ ، وانظر : سنن أبي داود ٤ / ٩٤ ح ٤٢٤٨ ، سنن النسائي ٧ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٠٦ ح ٣٩٥٦ ، مسند أحمد ٢ / ١٦١ و ١٩١ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٤١٣ ـ ٤١٤ ح ٧١٤٧ و ٧١٤٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٦٩.

(٣) انظر : تفسير ابن كثير ٢ / ٣١ ـ ٣٢ ، الحاوي للفتاوي ٢ / ٨٥ ، عون المعبود شرح سنن أبي داود ١١ / ٣٦٢ ـ ٣٦٤.

٢٢٨

ورووا أنّ ما بعد الثلاثين سنة ملك عضوض لا خلافة(١) .

ولو سلّم أنّهم يشترطونها واقعا ، فأكثرها لاغ ، إمّا لعدم اعتباره ، أو لعدم كفايته في الإمام.

فمن الأوّل : البلوغ ، فإنّ الحقّ عدم اعتباره ، إذ ليست الإمامة بأعظم من النبوّة ، وقد أرسل الله عيسى ونبّأ يحيى طفلين ، لكن لمّا جعلوا الإمامة بالاختيار كان لاشتراطهم البلوغ وجه.

ومن الثاني : العدالة ، لما عرفت من عدم كفايتها عن العصمة ، وكذا الشجاعة ، والعقل ، والبصارة في تدبير الحرب والسلم ، لما سيأتي في المبحث الآتي من اعتبار أفضليّة الإمام في جميع صفات الكمال ، فلا بدّ أن يكون أشجع الناس وأعقلهم وأبصرهم في الأمور ، ولا يكفي ثبوت أصل الشجاعة والعقل والبصارة فقط.

وكذا الاجتهاد ، ضرورة أنّه لا يكفي في النيابة عن الرسول ، بل لا بدّ أن يكون عالما بجميع أحكام الشريعة علما يقينيّا ؛ لأنّ الله سبحانه قد بلّغ نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكاما أتمّها وأجراها على أمّته إلى يوم الدين ، ولا شكّ أنّ الاجتهاد لا يوصل إليها دائما ، لوقوع الخطأ فيه

فلا يمكن أن لا يجعل الله لنا إماما عالما بجميع الأحكام ويحيلنا على من لا طريق له إلّا الظنّ ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٢١٠ ح ٤٦٤٦ و ٤٦٤٧ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٦ ح ٢٢٢٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٥ ، مسند أحمد ٥ / ٢٢١ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٧٧ ح ٨٧٣ ، المعجم الكبير ١ / ٥٥ ح ١٣ وص ٨٩ ح ١٣٦ وج ٧ / ٨٣ ـ ٨٤ ح ٦٤٤٢ ـ ٦٤٤٤ ، مشكل الآثار ٤ / ٢١٥ ح ٣٦٥٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٥ ح ٤٤٣٨ وص ١٥٦ ح ٤٦٩٧ ، تخريج أحاديث العقائد النسفية ـ للسيوطي ـ : ٢٣١.

٢٢٩

على أنّه إذا أخطأ الإمام في حكم أو موضوع ، فإمّا أن يلزم الناس السكوت عن خطئه ، فيلزم الإغضاء على القبيح ، وربّما يجتهد في تحليل الحرام وما يوجب الضرر والفساد ، فلا تحصل به الفائدة المطلوبة في الإمام وإمّا أن يلزم ردّه ، وهو ربّما يوقع في الشقاق.

نعم ، بقيّة الشروط التي ذكرها صحيحة..

أمّا الحرّية ؛ فلأنّ المملوكية نقص في الشأن والتصرّف.

وأمّا القرشية ؛ فلأنّها وإن لم يحكم بها العقل إلّا أنّه لمّا اتّفق أنّ الأئمّة من قريش ومن آل رسول الله ، صحّ جعلها شرطا بهذا الاعتبار ، كما أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه لا يزال هذا الأمر في قريش ، وأنّ الأئمّة اثنا عشر(١) ، وأوجب التمسّك بعترته كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وقد خالف عمر هذا الشرط وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال : « لو كان سالم حيّا ما جعلتها شورى »(٢)

ونحوه في حقّ معاذ ، كما سيأتي في مطاعن الصحابة.

وأمّا الذكورة ؛ فلأنّ النفوس لا تنقاد غالبا إلى المرأة فلا يحصل منها

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٩ / ١٤٧ ح ٧٩ ، صحيح مسلم ٦ / ٣ ـ ٤ ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٣ ح ٤٢٧٩ ٤٢٨٠ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٤ ح ٢٢٢٣ ، مسند أحمد ١ / ٣٩٨ وج ٥ / ٨٦ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٤٥٦ ح ٧٤٦٣ ، المعجم الكبير ٢ / ٢٢٣ ح ١٩٢٣ ، مسند الطيالسي : ١٠٥ ح ٧٦٧ وص ١٨٠ ح ١٢٧٨ ، الفتن ـ لنعيم بن حمّاد ـ : ٥٢ ـ ٥٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥١٨ ح ١١٢٣ وص ٥٣٤ ح ١١٥٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٣٠ ح ٦٦٢٦ ـ ٦٦٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٤٩٦ ح ٨٣٨٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٣٧ ح ٤٦٨٠.

(٢) أنساب الأشراف ١٠ / ٤٢١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٠ ، الاستيعاب ٢ / ٥٦٨ ، أسد الغابة ٢ / ١٥٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٥٩.

٢٣٠

الغرض من الإمامة ، لكنّ بعض القوم ـ كابن حزم(١) ـ اختار نبوّة أمّ موسى ومريم وأمّ إسحاق! فيلزمه عدم اشتراط الذكورية في الإمام للأولوية.

وتعليل الفضل بأنّ النساء ناقصات العقل والدين ، باطل ؛ إذ كم امرأة أعقل من أكثر الرجال ، بل بعضهنّ بالغات مرتبة العصمة والكمال كما ورد في أخبارنا في حقّ الزهراء وخديجة ومريم وآسية(٢) .

وروى مسلم في فضائل خديجة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون »(٣)

والظاهر أنّه قد سقط ذكر خديجة من الحديث ، وإلّا فلا معنى لروايته في فضائلها ، ولا بدّ أن تكون الزهراء أكمل من هذه الثلاث ؛ لما رواه البخاري وغيره أنّها سيّدة نساء أهل الجنّة(٤) كما ستعرف ، بل لا يبعد سقوط ذكر الزهراء كخديجة من الحديث(٥) .

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٤ / ١١ [ ٢ / ٢٩٦ ]. منهقدس‌سره .

وقال القرطبي بنبوّة مريم عليه السلام في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٥٣!!

كما نقل العسقلاني في فتح الباري ٦ / ٥٥٣ أنّ الأشعري قال بنبوّة ستّ من النساء ، هنّ : حوّاء وسارة وأمّ موسى وهاجر وآسية ومريم ، والضابط عنده أنّ من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهي أو بإعلام ممّا سيأتي فهو نبيّ!! ونقل كذلك ما مرّ آنفا ـ في المتن والهامش ـ عن ابن حزم والقرطبي.

(٢) انظر : الخصال : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٢٢ و ٢٣ ، إعلام الورى ١ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٣.

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٩١ و ١٠٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٦١٩ ح ٣٧٨١ ، وسيأتي مزيد تفصيل له في محلّه.

(٥) والحقّ مع الشيخ المظفّرقدس‌سره ، إذ لو استقصينا موارد الحديث بألفاظه المختلفة في مصادر الجمهور المعتمدة ، فسنجد كيف تلاعبت يد التحريف والخيانة بنصّ _

٢٣١

وإنّما جعلت شهادة المرأتين عن شهادة رجل واحد جريا على الغالب من نقصان عقل المرأة.

وأمّا ما ذكره من أنّهنّ ناقصات الدين ، فلا ينافي إمامتهنّ ؛ لأنّه مفسّر في الأخبار بقعودهنّ عن الصلاة والصوم أيّام المحيض والنفاس ، كما رواه البخاري في ( كتاب الحيض ) ، في باب ترك الحائض الصوم(١) .

فقد ظهر أنّ جملة من كلمات القوم وصحاح أخبارهم تقتضي جواز إمامة الفسّاق والسرّاق كما ذكره المصنّفرحمه‌الله .

__________________

الحديث ، فتارة نجده كاملا مشتملا على اسمي السيّدتين الزهراء وخديجةعليهما‌السلام ، كما في : سنن الترمذي ٥ / ٦٦٠ ح ٣٨٧٨ ، مسند أحمد ١ / ٣١٦ وج ٣ / ١٣٥ ، مسند أبي يعلى ٥ / ١١٠ ح ٢٧٢٢ وص ٣٨٠ ح ٣٠٣٩ ، المعجم الكبير ١١ / ٢٦٦ ح ١١٩٢٨ وج ٢٢ / ٤٠٢ ح ١٠٠٣ وص ٤٠٧ ح ١٠١٩ وج ٢٣ / ٧ ح ١ ـ ٣ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٤٣٠ ح ٢٠٩١٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٣٠ ب‍ ٣٥ ح ٥ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٦٢ ح ٧٠٢٣ و ٧٠٢٥ و ٧٠٢٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٧١ ح ٦٩٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦٥٠ ح ٤١٦٠ وج ٣ / ١٧٢ ح ٤٧٤٦ وص ١٧٤ ح ٤٧٥٤ وص ٢٠٥ ح ٤٨٥٢ و ٤٨٥٣ ووافقه الذهبي عليها كلّها ، تاريخ بغداد ٧ / ١٨٥ رقم ٣٦٣٦ وج ٩ / ٤٠٤ رقم ٥٠٠٨ ، مصابيح السنّة ٤ / ٢٠٢ ح ٤٨٥٠ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١٠٧ ـ ١١٢ ، كنز العمّال ١٢ / ١٤٣ ح ٣٤٤٠٢ ـ ٣٤٤٠٤ وص ١٤٤ ح ٣٤٤٠٦و ص ١٤٥ ح ٣٤٤٠٩ و ٣٤٤١١.

وتارة أسقطت اسم الزهراء البتول عليها السلام فقط! فانظر : صحيح البخاري ٤ / ٣١٨ ح ٢٣٠ ، صحيح مسلم ٧ / ١٣٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٥٩ ـ ٦٦٠ ح ٣٨٧٧ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ و ١٣٢ و ١٤٣ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٩٩ ح ٥٢٢ وص ٤٥٠ ح ٦١٢ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٦٢ ح ٧٠٢١ و ٧٠٢٢ وص ٢٦٣ ح ٧٠٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٠٣ ح ٤٨٤٧ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١٠١ ـ ١٠٦ و ١١٤.

وتارة اسم السيّدة خديجة عليها السلام فقط! انظر مثلا : تاريخ دمشق ٧٠ / ١١٣.

وأسقطت اسميهماعليهما‌السلام تارة أخرى!! فانظر مثلا : صحيح مسلم ٧ / ١٣٣ ، تاريخ دمشق ٧٠ / ١١٦ ـ ١١٧.

(١) صحيح البخاري ١ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ح ٩.

٢٣٢

الإمام أفضل من رعيّته

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث الثاني

في أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته

اتّفقت الإمامية على ذلك ، وخالف فيه الجمهور فجوّزوا تقديم المفضول على الفاضل(٢) ، وخالفوا مقتضى العقل ونصّ الكتاب(٣) ، فإنّ العقل يقبّح تقديم المفضول وإهانة الفاضل ، ورفع مرتبة المفضول وخفض

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٦٨.

(٢) هذا القول من معتقدات الجمهور من المعتزلة والأشاعرة ، وإن اشتهر به المعتزلة دون الأشاعرة

فانظر للمعتزلة : المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ١ / ٢١٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ٣.

وانظر للأشاعرة في ذلك أيضا : غياث الأمم : ١٤٠ ، تفسير القرطبي ١ / ١٨٧ المسألة ١٢ من الآية الكريمة( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) سورة البقرة ٢ : ٣٠ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، شرح العقائد النسفية : ٢٣٨ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

وانظر الصفحة ٢٠٧ من هذا الجزء.

(٣) انظر مثلا : تفسير القرطبي ١ / ١٨٢ في تفسير آية( إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) سورة البقرة ٢ : ٣٠ ؛ وانظر كذلك تفسير قوله تعالى :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) سورة البقرة ٢ : ١٢٤ ، وقوله تعالى :( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) سورة ص ٣٨ : ٢٦.

٢٣٣

مرتبة الفاضل ، والقرآن نصّ على إنكار ذلك فقال تعالى :

( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١)

وقال تعالى :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢) .

وكيف ينقاد الأعلم الأزهد ، الأشرف حسبا ونسبا ، للأدون في ذلك كلّه؟!

* * *

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٩.

٢٣٤

وقال الفضل(١) :

المراد من كون الإمام أفضل من الرعيّة : إن كان كونه أحسب ، وأنسب ، وأشرف ، وأعرف ، وأعفّ ، وأشجع ، وأعلم ؛ فلا يلزم وجوبه عقلا ـ كما ادّعاه ـ على تقدير القول بالوجوب العقلي ؛ لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الإمامة على حفظ الحوزة والعلم بالرئاسة وطريق التعيّش مع الرعيّة ، بحيث لا يكون فظّا غليظا منفّرا ، ولا سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعيّة ، ويكون حامي الذمار

ويكفيه من العلم ما يشترط القوم من الاجتهاد ، وكذا الشجاعة والقرشية في الحسب والنسب

وإن وجد في رعيّته من كان في هذه الخصال أتمّ ولا يكون مثله في حفظ الحوزة ، فالذي يكون أعلم بتدبير حفظ الحوزة ، فالعقل يحكم بأنّه هو الأولى بالإمامة.

وكثير من المفضولين يكونون أصلح للإمامة من الفاضلين ، إذ المعتبر في ولاية كلّ أمر والقيام به معرفة مصالحه ومفاسده وقوّة القيام بلوازمه ، وربّ مفضول في علمه وعمله وهو بالزعامة والرئاسة أعرف ، وبشرائطها أقوم ، وعلى تحمّل أعبائها أقدر.

وإن أراد بالأفضل أن يكون أكثر ثوابا عند الله تعالى ، فهذا أمر يحصل له الشرف والسعادة ، ولا تعلّق له بالزعامة والرئاسة.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٣٢٠.

٢٣٥

وإن أراد بالأفضل الأصلح للإمامة ؛ لكونه أعلم بحفظ الحوزة وتدبير المملكة ، فلا شكّ أنّه أولى ، ولا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون ، بل الأولى والأنسب تقديم هذا إذا لم يسبق عقد بيعة ، فإن سبق وكان في تغييره مظنّة فتنة فلا يجوز التغيير.

هذا جواب ما استدلّ به على هذا المطلب من لزوم القبح العقلي ، مع إنّا غير قائلين به.

وأمّا ما استدّل به من الآية ، فهو يدلّ على عدم استواء العالم والجاهل ، وعدم استواء الهادي والمضلّ والمهتدي والضالّ ، وهذا أمر مسلّم ، فذاك الفاضل الذي لم يصر إماما وصار المفضول إماما يترجّح على المفضول بالعلم والشرف ، ولكن المفضول إذا كان أحفظ لمصالح الحوزة وأصلح للإمامة فهو أحقّ بالإمامة ، والفاضل على فضله وشرفه ، ولا محذور في هذا.

ومن الأشاعرة من فصّل في هذه المسألة وقال : نصب الأفضل إن أثار فتنة لم يجب ، كما إذا فرض أنّ العسكر والرعايا لا ينقادون للفاضل بل للمفضول ، وإلّا وجب(١) .

* * *

__________________

(١) غياث الأمم : ١٤٠ ، تفسير القرطبي ١ / ١٨٧ ، المواقف : ٤١٣ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧٣.

٢٣٦

وأقول :

لا يخفى أنّ رئاسة الإمام رئاسة دينية ، وزعامة إلهيّة ، ونيابة عن الرسول في أداء وظائفه ، فلا تكون الغاية منها مجرّد حفظ الحوزة وتحصيل الأمن في الرعية ، وإلّا لجاز أن يكون الإمام كافرا ، أو منافقا ، أو أفسق الفاسقين إذا حصلت به هذه الغاية.

بل لا بدّ أن تكون الغاية منها تحصيل ما به سعادة الدارين كالغاية من رسالة الرسول ، وهي لا تتمّ إلّا أن يكون الإمام كالنبيّ معصوما ، وأحرص الناس على الهداية ، وأقربهم للاتّباع والانتفاع به في أمور الشريعة والآخرة ، وأحفظهم للحوزة وحقوق الرعية وسياستها على النهج الشرعي.

فلا بدّ أن يكون فاضلا في صفات الكمال كلّها ، من الفهم ، والرأي ، والعلم ، والحزم ، والكرم ، والشجاعة ، وحسن الخلق ، والعفّة ، والزهد ، والعدل ، والتقوى ، والسياسة الشرعية ، ونحوها ؛ ليكون أقرب للاتّباع ، وتسليم النفوس له ، والاقتفاء لآثاره ، فيحصل لهم ـ مع حفظ الحوزة ـ السعادة بكمال الإيمان وشرف الفضائل ، وخير الدارين ، وهي الغاية من رسالة الرسول.

فاتّضح أنّه يجب أن يكون الإمام أفضل من الرعية في جميع المحامد كما هو مراد المصنّفرحمه‌الله ولعلّه مراد الفضل بالوجه الأوّل ، وحينئذ فلا يصحّ ردّه على المصنّف بقوله : « لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الإمامة على حفظ الحوزة » إلى آخره.

٢٣٧

فإنّ هذا وحده لا يكفي في نيابة الرسول ، ولا سيّما إذا رأى الأمير ارتفاع ملكه ونفوذ أمره بسحق الدين وقتل المؤمنين وإخافتهم وتقريب الطالحين ، كما وقع في العصر الأوّل ، وعلى نحوه توالت العصور.

ومنه يعلم أنّ فرض كون المفضول في العلم والعمل أحفظ للحوزة خطأ ؛ لأنّ المطلوب هو الأحفظية على الوجه الشرعي ، وهي فرع الأعلمية والأعملية بوجوه الحفظ الشرعية.

هذا ، والأولى أن لا يذكر الفضل شرط أن لا يكون فظّا غليظا ، ولا شرط أن لا يكون سهلا ضعيفا يستولي عليه الرعية ، فإنّ الأوّل مضرّ بإمامة عمر(١) ، والثاني بإمامة عثمان(٢) .

وبما ذكرنا من وجوب كون الإمام فاضلا في جميع صفات الكمال ، يعلم أنّه لا يصحّ فرض كونه فاضلا في صفة دون أخرى حتّى تتصوّر المعارضة ويقال بتقديم صاحب الصفة التي هي أمسّ بالإمامة ، كما فعل الفضل.

__________________

(١) فإنّه كان يوصف بأنّه فظّ ، غليظ شديد الغلظة ، وعر الجانب ، خشن الملمس ، دائم العبوس ، سريع إلى المساءة ، كثير الجبه والشتم والسبّ ، وكان الناس يقولون لأبي بكر : ماذا تقول لربّك إذا لقيته وقد ولّيت علينا فظّا غليظا؟!

انظر : تاريخ المدينة المنوّرة ـ لابن شبّة ـ ٢ / ٦٧١ ، غياث الأمم : ١٢٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٦٤.

(٢) كان عثمان في أيّامه الأخيرة كثيرا ما يعطي العهود والمواثيق من نفسه ويعلن توبته ، ولكنّ مروان وغيره من بني أميّة يحيدونه عن رأيه وينقاد حسب هواهم وقد روي أنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له : قد أطعت مروان يقودك حيث شاء!

انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٩.

٢٣٨

وأعلم أنّ الإمام إذا كان فاضلا في صفات الكمال ، يلزم أن يكون أطوع لله وأكثر عملا بالبرّ والخير ، فلا بدّ أن يكون أكثر ثوابا.

فحينئذ لو أريد بالأفضل الأكثر ثوابا من حيث لزومه للأفضل في صفات الكمال ، كان متّجها.

ولم يرد عليه ما ذكره الفضل ، على أنّه غير مراد المصنّف.

كما لا يريد ما احتمله الفضل ثالثا ؛ لما عرفت من أنّ الصلوح للإمامة عند المصنّف إنّما يكون بالعصمة والفضل بسائر الصفات الحميدة ، لا بالأعلمية بحفظ الحوزة فقط.

على أنّ قوله : « لا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون »

ظاهر البطلان ؛ لأنّ العقل يقبّح تقديم المفضول بالصلوح للإمامة على الأفضل فيه ، فلا يصحّ حينئذ سبق العقد للمفضول حتّى يكون في تغييره مظنّة فتنة.

لكنّ القوم أنكروا الحسن والقبح العقليّين ، وعليه : فما معنى اشتراطهم اجتهاد الإمام ، وعدالته ، إلى غيرهما من الشروط المتقدّمة سوى القرشية التي قالوا بورود الشرع بها.

وأمّا ما أجاب به عن الآيتين فخطأ ظاهر ؛ إذ لا يراد بهما مجرّد نفي المساواة بين العالم والجاهل ، أو بين الهادي وغيره ، كما تخيّله الفضل ، فإنّ نفي المساواة بينها ضروري غير محتاج إلى البيان ، ولا يمكن أن يقول عاقل بالمساواة حتّى ينكر عليه ، بل المراد هو الإنكار على عدم ترتيب أثر الفرق بينها وعدم اتّباع الأفضل كما هو صريح الآية الأولى ، إذ أنكرت على من لا يقول بأنّ الهادي أحقّ بالاتّباع ممّن لا يهتدي إلّا أن يهدى.

٢٣٩

ولا يخفى أنّ القوم لم يوجبوا تقديم الأعلم مع المساواة في الحفظ ، وكفاهم فيه مخالفة للكتاب العزيز!

هذا ، ولا يعتبر أن يكون الإمام أشرف الناس في الجهات الدنيوية ، من الجاه والمال والسلطان وإن كانت مقرّبة للأتباع ؛ لأنّ المطلوب هو الاتّباع والإيمان الحقيقي ، لا مجرّد الطاعة الظاهرية.

كما لا يعتبر أن لا يساويه أحد في صحّة النسب ، وإنّما يعتبر أن لا يفضله فيه أحد ؛ إذ لا تنافي المساواة فيه حسن التبعة إذا كان أشرف حسبا ، ولذا جاز أن يكون للإمام إخوة من أمّه وأبيه!

فتدبّر! وعلى الله التوفيق.

* * *

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وكان أبو الخطّاب المذكور مِن أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، مُتقناً لِعلم الحديث النبويّ وما يتعلّق به ، عارفاً بالنحو واللغة وأيّام العرب وأشعارها ، أكثرَ بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلاميّة ، ولَقِي بها علماءها ومشائخها ، ثمّ رحل منها إلى برّ العدوة ، ودخل مراكش واجتمع بفضلائها ، ثمّ ارتحل إلى افريقيّة ومنها إلى الديار المصريّة ، ثمّ إلى الشام والشرق وإلى العراق .

وسمع ببغداد مِن بعض أصحاب ابن الحصين ، وسمع بواسط من أبي الفتح محمّد بن أحمد بن المندائي ، ودخل إلى عراق العجم وخراسان وما والاها ومازندران ، كلّ ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمّة الحديث ، وأخذ عنهم ، وهو في تلك الحال يُؤخذ عنه ويُستفاد منه ، وسمِع بأصبهان مِن أبي جعفر الصيدلاني ، وبنيسابور مِن منصور ابن عبد المنعم الفراوي )(١) .

وقال السيوطي في( بغية الوعاة ) :

( عمر بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن الجميل بن فرح بن دحية الكلْبي الأندلسي البلنسي الحافظ ، أبو الخطّاب ، كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، متقناً لِعِلْم الحديث وما يتعلّق به ، عارفاً بالنحو واللغة وأيّام العرب وأشعارها ، سمِع الحديث ورحل ، وله بنى الكامل دار الحديث الكامليّة بالقاهرة ، وجعله شيخاً ، حدّث عنه ابن الصلاح وغيره ، ومات ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ وثلاثينَ وستّمِئة )(٢) .

وقال في كتابه( حسن المحاضرة ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ٣ : ٤٤٨ ـ ٤٥٠ / ٤٩٧ .

(٢) بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنّحاة ٢ : ٢١٨ / ١٨٣٢ .

٣٤١

 ( ابن دحية ، الإمام العلاّمة الحافظ الكبير ، أبو الخطّاب ، عمر بن الحسن الأندلسي البلنسي ، كان بصيراً بالحديث متقناً به ، له حظٌّ وافرٌ مِن اللغة ومشاركة في العربيّة ، له تصانيف ، توطّن مصر وأدّب الملك الكامل ، ودرّس بدار الحديث الكامليّة ، مات أربع عشرة ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ وثلاثينَ وستّمِئة )(١) .

موقف البخاري من حديث الغدير وكلمات الأعلام فيه

ومن غرائب تعصّبات البخاري : طعنه في حديث الغدير المروي عن أكثر من مِئة صحابي ، والبالغ أضعاف شروط التواتر ، والمصرَّح بتواتره مِن قبل الأئمّة الثقات المتبحّرين في الحديث عند أهل السنّة ، كما لا يخفى على مَن اقتطف الأزهار من( الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ) ، واستفاد مِن( الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة ) وكلاهما للحافظ السيوطي ، أو راجع( شرح الجامع الصغير ) لنور الدين العزيزي ، أو (شرح الجامع الصغير ) للمناوي ، أو( المرقاة ) لعليّ القاري ، أو( الأربعين في مناقب أمير المؤمنين ) لجمال الدين المحدّث الشيرازي ، أو( السيف المسلول ) لثناء الله تلميذ وليّ الله والد صاحب التحفة ، أو( أسنى المطالب ) لابن الجزري ، وغيرَ هذهِ الكتب .

قال ابن تيميّة ـ في حديث الغدير ـ: ( وأمّا قوله : مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ، فليس في الصحاح ، لكنْ ممّا رواه العلماء ، وتنازع الناس في صحّته ، فنُقِل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة مِن أهل العلم أنّهم طعنوا فيه

ـــــــــــــــــــ

(١) حسن المحاضرة بمحاسن مصر والقاهرة ١ : ٢٠١ .

٣٤٢

وضعّفوه )(١) .

اللّهمّ إلاّ أنْ يكون قد طعن في بعض طرقه ، فنسب إليه ابن تيميّة الطعن في أصله...!!

فإنْ كان البخاري قد طعن في أصل حديث الغدير ، فقد نصَّ غيرَ واحدٍ مِن أعلام القوم على عدم الاعتبار بكلام مَن طعن فيه كائناً مَن كان... يقول البدخشي : ( هذا حديثٌ صحيحٌ مشهور ، ولم يتكلَّم في صحّته إلاّ مُتعصِّبٌ جاحدٌ لا اعتبار بقوله ، فإنّ الحديث كثيرُ الطُرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتابٍ مفرد ، وقد نصَّ الذهبي على كثيرٍ مِِِِِِِِِِن طرقه بالصحّة ، ورواه من الصحابة عددٌ كثير )(٢) .

وكذلك نسب الحافظ ابن الجزري مُنكِر حديث الغدير إلى الجهل والعصبيّة(٣) .

ترجمة ابن الجزري

وابن الجزري الشافعي ، حافظٌ شهير ، وله تآليف معتمدة ، وقد أثنى العلماء عليه وعلى كتبه :

فقد ترجم له ابن حجر ووصفه بالحافظ الإمام المُقرئ ، وقال : ( انتهت إليه رئاسة علم القراءات في الممالك ، وكان قديماً صنّف الحصن الحصين في الأدعية ، وله به أهل اليمن واستكثروا منه... وكانت عنايته بالقراءات أكثر ،

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنة ٤ : ١٣٦ .

(٢) نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : ٢١ .

(٣) أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب : ٤٨ .

٣٤٣

فجمع ذيل طبقات القرّاء للذهبي وأجاد فيه ، ونظم قصيدةً في قرائة الثلاثة ، وجمع النشر في القراءات العشر... وكان يلقّب في بلاده : الإمام الأعظم... وبالملة ، فإنّه كان عديم النظير ، طائر الصيت ، انتفع الناس بكُتبه وسارت في الآفاق مسير الشمس )(١) .

وترجم له السخاوي ترجمةً مطوّلة ، فذكر مشايخه في مختلف العلوم ، وأنّه قد أذن له غير واحدٍ بالإفتاء والتدريس والإقراء ، وأنّه ولي مشيخة الإقراء بالعادليّة ثمّ مشيخة دار الحديث الأشرفية... وهكذا ذكر أسفاره إلى البلاد المختلفة ، وأورد طرفاً من أخباره فيها... ثمّ ذكر تصانيفه ووصفها بكونها مفيدةً ، ومنها( أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ) .

قال : وقد ذكره الطاووسي في مشيخته وقال : إنّه تفرّد بعلوّ الرواية وحفظ الأحاديث والجرح والتعديل ومعرفة الرواة المتقدّمين والمتأخّرين... ثمّ ذكر السخاوي كلام ابن حجر في حقّه... )(٢) .

هذا ، وقد توفي ابن الجزري سنة ٨٣٣ .

استرابة البخاري في بعض حديث الإمام الصادقعليه‌السلام !!

ومِن أمارات بُغض البخاري لأهل بيتِ النبوّة وانحرافه عنهم : عدم إخراجه عن الإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه ، بل استرابته في بعض حديثه ، والعياذ بالله !!

قال ابن تيميّة في كلامٍ له عن الإمامعليه‌السلام :

ـــــــــــــــــــ

(١) إنباء الغمر بأبناء العمر ٣ : ٤٦٧ .

(٢) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٩ : ٢٥٥ ـ ٢٦٠ .

٣٤٤

 ( فهؤلاء الأئمّة الأربعة ليس منهم مَن أخذ عن جعفر شيئاً مِن قواعد الفقه ، لكنْ روَوا عنه الأحاديث كما روَوا عن غيره ، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه ، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة ، لا في القوّة ولا في الكثرة ، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لمّا بلغه عن يحيى بن سعيد القطّان فيه كلام ، فلم يخرج له ، ويمتنع أنْ يكون حفظه للحديث كحفظ مَن يحتجّ بهم البخاري )(١) .

فانظر إلى كلام هذا الناصب العنيد ، كيف يطعن في الإمام العظيم استناداً إلى القطّان والبخاري ، مع أنّ علمائهم الكبار ، مِن السّابقين واللاّحقين ، يقولون بضرورة حبّ أهل البيت واحترامهم والإقتداء بهم والأخذ منهم ، وحتّى أنّهم ينزّهون أهل السنّة مِن بغض أهل البيت ، ويبرءون ممّن اعترض علهيم أو تكلّم فيهم أو أعرض عنهم ، ويجعلون نسبة هذه الأُمور إلى أهل السنّة من تعصّبات الإماميّة ضدّهم، يقول الكابلي في تعداد تعصّبات الشيعة :

( التاسع عشر : إنّ أهل السنّة أفرطوا في بُغض أهل البيت ، ذكر ذلك ابن شهر آشوب وكثير مِن علمائهم ، ولقَّبوهم بالنواصب ، وهو كذبٌ صرد وعصبيّةٌ ظاهره ، فإنّهم يقولون إنّ الله تعالى أوجب محبّة أهل بيت نبيّه على جميع بريّته ، ولا يُؤمن أحدٌ حتّى يكون عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليه مِن نفسه ، ويَروُون في ذلك أحاديث منها ، ما رواه البيهقي وأبو الشيخ والديلمي : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا يُؤمن أحدٌ حتّى أكون أحبُّ إليه مِن نفسه ، ويكون عترتي أحبّ إليه من نفسه ) .

وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٧ : ٥٣٣ .

٣٤٥

قال :( أحبّوا أهل بيتي بحبّي ) .

إلى غير ذلك من الأخبار .

ويقولون : مَن ترك المودّة في أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد خانه ، وقد قال الله تعالى : ( لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ... ) ، ومَن كره أهل بيته فقد كرههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقد أجاد مَن أفاد :

فَلا تَعدِل بأهلِ البَيتِ خَلْقاً

فأهلُ البيتِ هُم أهلُ السعادة

فبُغضُهم مِن الإنسانِ خُسرٌ

حقيقيٌّ وحُبّهُم عبادة

ويوجبون الصّلاة عليهم في الصلوات قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمّد النيسابوري رحمه الله : مَن آمن بمحمّدٍ ولم يُؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد )(١) .

أقـول :

فلو كانوا صادقين في قولهم ( مَن آمن بمحمّدٍ ولم يُؤمن بأهلِ بيته فليس بمؤمن ) ، وأنّه قد ( أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد ) ، فما ظنّهم بالقطّان والبخاري وابن تيميّة وأمثالهم ؟

وقد ذكر الشاه عبد العزيز الدهلوي ـ في الكلام على حديث :مَثُلُ أهل بيتي كسفينة نوح... ـ : إنّ هذا الحديث يفيد بأنّ الفلاح والهداية منوطٌ بحبّ أهل البيت واتّباعهم ، وأنّ التخلّف عن ذلك موجبٌ للهلاك ، ثمّ زعم أنّ هذا المعنى يختصُّ بأهل السنّة(٢) !!

فإنْ كان صادقاً فيما يقول : فما رأيه فيمن تكلّم في الإمام أبي عبد الله الصّادقعليه‌السلام ؟

هذا ، ولا يتوهّمنّ أحدٌ أنّ تكلّم القطّان والبخاري وأتباعهما في الإمام ليس عن بُغض له وعناد ، وإنّما هو تحقيقٌ في العلم واحتياطٌ في الدين ، فإنّه توهّم فاسد جدّاً ، فإنّه لو لم يكن ما ذكره ابن تيميّة انحرافاً وبُغضاً وعناداً ، فأين العِناد والعداوة والبغض ؟ وبماذا يكون ؟ ومَن المنحرف عنهم والمتعصّب ضدّهم والناصب لهم ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) الصواقع الموبقة ـ مخطوط .

(٢) التحفة الاثني عشريّة : ٢١٩ .

٣٤٦

وهل شدّة الاحتياط والتورّع أدّت إلى أخذ روايات عكرمة الضالّ المُضلّ والناصب المقيت ، وطرح أخبار الإمام الصادق وغيره من أئمّة أهل البيت ؟

وكيف يُقبل هذا الاعتذار للبخاري ؟! وكيف يُعتذر له بذلك ؟ وقد أخرج عن الذهلي ـ مع ما كان بينهما مِن الطعن المُوجب للفسق ـ ومع التدليس في اسمه ، ولم يخرج عن الإمام الصادق ؟!

ولو كان لمثل هذا الاعتذار مجالٌ لَما قال ابن تيميّة : ( ويمتنع أنْ يكون حفظه للحديث كحفظِ مَن يحتجّ بهم البخاري ) !!

طعن القطّان في الإمام الصادق !!

هذا ، وطعن القطّان في الإمام الصّادقعليه‌السلام مذكورٌ في سائر الكتب الرجاليّة ، وهو في جملتين إحداهما : ( في نفسي منه شيء ) والأُخرى : ( مجالد أحبّ إليّ منه ) !!

قال الذهبي : ( جعفر بن محمّد الصادق أبو عبد الله ، وأُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمان بن أبي بكر ، فكان يقول :

ولّدني الصديق مرّتين سمع أباه والقاسم وعطاء وعنه : شعبة والقطّان وقال : في نفسي منه شيء... )(١) .

وقال : ( جعفر بن محمّد بن عليّ ، ثقةٌ ، لم يخرج له البخاري ، وقد وثّقه يحيى بن معين وابن عدي ، وأمّا القطّان فقال : مجالد أحبّ إليّ منه )(٢) .

ترجمة مجالد بن سعيد

هذا ، والحال أنّ مجالد بن سعيد قد طَعَن فيه كثيرٌ من أئمّة القوم :

قال الذهبي : ( مجالد بن سعيد بن عُمير الهمداني ، مشهور ، صاحبُ حديثٍ على لينٍ فيه روى عن قيس بن أبي حازم والشعبي وعنه : يحيى القطّان وأبو أُسامة وجماعة .

ـــــــــــــــــــ

(١) الكاشف ١ : ١٣٩ / ٨٠٧ .

(٢) المغني في الضعفاء ١ : ٢١١ / ١١٥٦ .

٣٤٧

قال ابن معين وغيره : لا يحتجّ به ، وقال أحمد : يرفع كثيراً ممّا لا يرفعه الناس ، ليس بشيء وقال النسائي : ليس بالقويّ ، وذكر الأشج : إنّه شيعي ، وقال الدارقطني : ضعيف وقال البخاري : كان يحيى بن سعيد يُضعّفه ، وكان ابن مهدي لا يروي عنه ، وقال الفلاّس : سمعت يحيى بن سعيد يقول : لو شئت أنْ يجعلها لي مجالد كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل وقيل لخاله الطحّان : دخلتَ الكوفة فلم لم تكتب عن مجالد ؟ قال : لأنّه كان طويل اللّحية ، قلت : مَن أنكر ما له عن الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعاً : لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضّة )(١) .

فانظر مَن هذا الذي قدّمه القطّان على الإمام الصّادقعليه‌السلام ؟ وأحكم على القطّان والبخاري وأضرابهما بما يقتضيه الدين والعدل ؟

موقف الذهبي

والذهبي ، وإنْ وثّق الإمامعليه‌السلام ، لكنّه لم يرد على تعصّبات القطّان والبخاري ضد الإمام ، بل بالعكس ، فقد أورده في كتابه( الميزان ) لتكلّمهما فيه ، حيثُ قال : ( جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين الهاشمي ، أبو عبد الله ، أحد الأئمّة الأعلام ، بَرٌّ، صادقٌ ، كبير الشأن ، لم يحتجّ به البخاري ، قال يحيى بن سعيد : مجالد أحبّ إليّ منه ، في نفسي منه شيء ، وقال مصعب بن عبد الله عن الدراوردي قال : لم يروِ مالك عن جعفر حتّى ظهر أمر بني العبّاس ، قال مصعب بن عبد الله : كان مالك لا يروي عن جعفر حتّى يضمّه إلى أحد وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم : سمعت يحيى يقول : كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن حديث جعفر بن محمّد ، فقال لي : لم لا تسألني عن حديث جعفر ؟ قلت : لا أُريده ، فقال لي : إنْ كان يحفظ فحديث أبيه المسند )(٢) .

هذا ، في الوقت الذي بنى في كتابه هذا على أنْ لا يذكر فيه مَن قدح فيه البخاري وابن عدي ، من الصحابة والأئمّة في الفروع... كما صرّح بذلك في مقدّمة الكتاب حيث قال : ( أمّا بعد ، هدانا الله وسدّدنا ووفّقنا لطاعته ، فهذا كتابٌ جليلٌ مبسوط ، في إيضاح نَقَلة العلم النبويّ وحمَلَة الآثار ، ألّفته بعد كتابي المنعوت بالمُغني ،

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٦ : ٢٣ / ٧٠٧٦ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ١٤٣ / ١٥٢١ .

٣٤٨

وطوّلت فيه العبارة ، وفيه أسماء عدّة مِن الرواة زائداً على من في المغني ، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيّل عل الكامل لابن عدي .

وقد ألّف الحفّاظ مصنّفات جمّة في الجرح التعديل ما بين اختصار وتطويل ، فأوّل من جمع كلامه في ذلك : الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطّان ، وتكلّم في ذلك بعده تلامذته : يحيى بن معين ، وعليّ بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وعمرو بن عليّ الفلاّس ، وأبو خيثمة ، وتلامذتهم : كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي ، وخلق .

ومِن بعدهم مثل : النسائي ، وابن خزيمة ، والترمذي ، والدولابي ، والعقيلي ، وله مصنّفٌ مفيدٌ في معرفة الضعفاء ، ولأبي حاتم ابن حبّان كتابٌ كبيرٌ عندي في ذلك ، ولأبي أحمد ابن عدي كتابُ الكامل هو أكمل الكتب وأجلّها في ذلك ، وكتاب أبي الفتح الأزدي ، وكتاب أبي محمّد ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والضعفاء ، وللدارقطني في الضعفاء ، وللحاكم وغير ذلك ، وقد ذيّل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي بكتابٍ لم أره ، وصنّف أبو الفرج بان الجوزي كتاباً كبيراً في ذلك ، كنت اختصرته أوّلاً ثمّ ذيّلت عليه ذيلاً بعد ذيل .

والساعة ، فقد استخرت الله عزّ وجلّ في عمل هذا المصنّف ، ورتّبته على حروف المعجم حتّى في الآباء ليقرب تناوله ، ورمزت على اسم الرجل من أخرج له في كتابه مِن الأئمّة الستّة : البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ، برموزهم السائرة ، فإن اجتمعوا على إخراج رجل فالرمز (ع) ، وإنْ اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز (غ) .

وفيه من تُكُلّم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين وبأقلّ تجريح ، فلولا أنّابن عدي أو غيره مِن مؤلّفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته ، ولم أر من الرأي أنْ أحذف اسم أحد ممّن له ذكر بتليينٍ مّا في كتب الأئمّة المذكورين ، خوفاً من أنْ يُتَعَقَّب عليّ ، إلاّ أنّي ذكرته لضعفٍ فيه عندي ، إلاّ ما كان في كتب البخاري وابن عدي وغيرهما من الصّحابة ، فإنّي أسقطتهم لجلالة الصحابة رضي الله عنهم ، ولا أذكرهم في

٣٤٩

هذا المصنّف ، فإنّ الضعف إنّما جاء مِن جهة الرواة إليهم ، وكذا لا أذكر في كتابي مِن الأئمّة المتبوعين في الفروع أحداً ، لجلالتهم في الإسلام وعظمتهم في النفوس ، فإنْ ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف ، وما يضرّه ذلك عند الله ولا عند الناس ، إذ إنّما يضرّ بالإنسان الكذِب ، والإصرار على كثرة الخطأ ، والتجرّي على تدليس الباطل فإنّه خيانة ، والمرءُ المسلم يطبع على كلّ شيء إلاّ الخيانة والكذِب ) (١) .

أفهل كان شأن الإمامعليه‌السلام أقلّ مِن شأن عمرو بن العاص وبسر ابن أرطاة وأمثالهما مِن فَسَقَة الصحابة؟

أفهل كان شأن الشافعي وغيره أجلّ مِن شأن الإمام الصّادق ؟

لكنّه التعصّب والنّصب... والعياذ بالله...

ترجمة القطّان

ثمّ انظر إلى تراجم القطّان وكلماتهم في مدحه والثناء عليه ، والمبالغة في تعظيمه وتبجيله :

قال السمعاني : ( القطّان ـ بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة في آخرها نون ، هذه النسبة إلى بيع القطن ، والمشهور بها هو : أبو سعيد يحيى بن

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١١٣ .

٣٥٠

سعيد بن فروخ الأحول القطّان ، مولى بني تميم ، مِن أئمّة أهل البصرة ، يروي عن يحي بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة ، روى عنه أهلُ العراق ، ماتَ يوم الأحد سنة ثمانٍ وتسعين ومِئة ، وكان إذا قيل له في علّته يعافيك الله قال : أحبّه إليّ أحبّه إلى الله عزّ وجلّ ، وكان مِن سادات أهل زمانه حفظاً ووَرَعاً وعقلاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث ، وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ، ومنه تعلّم علمَ الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعليّ ابن المديني .

ذكر عمرو بن عليّ الفلاّس أنّ يحيى بن سعيد القطّان كان يختم القرآن كلّ يوم وليلة ، ويدعو لألف إنسان ، ثمّ يخرج بعد العصر فيحدّث الناس ، وكان يروي عن سميّه يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، والأعمش ، وابن جريج ، والثوري ، وشعبة ، ومالك ، في آخرين وكان يقول : لزمت شعبة عشرين سنة ، فما كنت أرجع مِن عنده إلاّ بثلاثةِ أحاديث وعشرة أكثرما كنت أسمع منه في كلّ يوم وقال يحيى بن معين : أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن في كلّ ليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة ، وما رُئي يطلب جماعةً قط )(١) .

وقال النووي :

( يحيى بن سعيد القطّان هو : أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي مولاهم البصري ، القطّان ، الإمام ، من تابعي التابعين ، سمع : يحيى بن سعيد الأنصاري وحنظلة بن أبي سفيان وابن عجلان وسيف بن سليمان وهشام بن حسام ، وابن جري وسعيد بن عروبة وابن أبي ذئب والثوري وابن

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٤ : ٥١٩ .

٣٥١

عيينة ، ومالاً ومسعراً وشعبة وخلائق .

وروى عنه : الثوري ، وابن عيينة ، وشعبة ، وابن مهدي ، وعفّان ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعليّ بن المديني ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلاّم ، وأبو خيثمة ، وأبو بكر ابن أبي شيبة ، ومسدد ، وعبيد الله بن عمر القواريري ، وعمرو بن عليّ ، وابن مثنّى ، وابن بشّار ، وخلائق مِن الأئمّة وغيرهم .

واتفقوا على إمامته وجلالته ، ووفور حفظه وعلمه وصلاحه .

قال أحمد بن حنبل : ما رأيت مثل يحيى القطّان في كلّ أحواله ، وقال يحيى بن معين : أقام يحيى القطّان عشرين سنة يختم القرآن في كلّ يومٍ وليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة ، وما رُئي يطلب جماعةً قط ، يعني ما فاتته فيحتاج إلى طلبها ـ وقال أحمد بن حنبل : يحيى القطّان إليه المنتهى في التثبّت بالبصرة، وهو أثبت مِن وكيع وابن مهدي وأبي نعيم ويزدي بن هارون ، وقد روى عن خمسين شيخاً ممّن روى عنهم سفيان وقال : لم يكن في زمان يحيى مثله .

وقال أبو زرعة : هو من الثقات الحفّاظ ، وقال يحيى بن معين : قال لي عبد الرحمان بن مهدي : لا ترى بعينك مثل يحيى بن القطّان ، وقال ابن منجويه : كان يحيى القطّان مِن سادات أهل زمانه ورعاً وحفظاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء وقال بندار : كتب عبد الرحمان بن مهدي عن يحيى عن يحيى القطّان ثلاثين ألفاً وحفظها ، قال زهير : رأيت يحيى القطّان بعد وفاته ، عليه قميص ، مكتوب بين كتفيه :بسم الله الرحمن الرحيم ، براءة ليحيى بن سعيد من النار .

٣٥٢

قال ابن سعد : توفّي يحيى القطّان في صفَر سنة ثمانٍ وتسعين ومِئة ، وكان مولده سنة عشرين ومئة )(١) .

وقال الذهبي :

( يحيى بن سعيد بن فروخ ، الحافظ الكبير ، أبو سعيد التميمي مولاهم البصري القطّان ، عن : عروة وحميد والأعمش ، وعنه : أحمد وعليّ ويحيى قال أحمد : ما رأيت مثله وقال بندار : إمام أهل زمانه يحيى القطّان ، واختلفت إليه عشرين سنة فما أظن أنّه عصى الله قط ، ولِد القطّان ١٢٠ ومات ١٩٨ في صفر ، وكان رأساً في العلم والعمل )(٢) .

وقال محمّد بن حبّان :

( يحيى بن سعيد بن فروخ القطّان مولى بني تميم ، كنيته أبو سعيد ، الأحول ، مِن أهل البصرة ، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة ، روى عنه أهل العراق ، ماتَ يوم الأحد يوم الثاني عشر مِن صَفر سنة ثمان وسبعين ومِئة ، وكان إذا قيل له في علّته يعافيك الله قال : أحبّه إليّ أحبّه إلى الله جلّ وعلا ، وصلّى عليه إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، وهو أمير البصرة ، وكان مِن سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً وعقلاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات ، وترْك الضعفاء ، ومنه تعلّم علْم الحديث أحمد ابن حنبل ويحي بن معين ، وعليّ بن المديني وسائر شيوخنا .

حدّثني محمّد ابن الليث الورّاق قال : سمعت عبد الله بن جعفر بن الزبرقان يقول : سمعت عمرو بن عليّ الفلاّس يقول : كان يحيى بن سعيد القطّان يختم القرآن كلّ يوم

ـــــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٥٤ / ٢٤٣ .

(٢) الكاشف ٣ : ٢٤٣ / ٦٢٥٨ .

٣٥٣

وليلة ، ويدعو لألفِ إنسان ، ثمّ يخرج بعد العصر فيحدّث الناس )(١) .

وقال اليافعي :

( الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري الحافظ ، أحد الأعلام قال بندار : اختلفتُ إليه عشرين سنة فما أظنّ أنّه عصى الله قط قال أحمد بن حنبل : ما رأيت مثله وقال ابن معين : أقام يحيى القطّان عشرين سنة يختم في كلّ ليلة ، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة )(٢) .

وقال عبد الحق الدهلوي :

( يحيى بن سعيد القطّان ، بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة ، أبو سعيد ، الأحول التميمي ، مولى بني تميم ، ويُقال ليس لأحدٍ عليه ولاء ، البصري ، إمامٌ كبير ، ثقةٌ حافظٌ عالم ، عارفٌُ بالحديث ، مشهور مكثر ، وكان رأساً في العلم والعمل .

وقال ابن المديني : ما رأيت أعلم بالرجال منه ولا أعلم بصواب الحديث والخطأ من ابن مهدي ، فإذا اجتمعا على ترك حديثِ رجلٍ تُرِك حديثُه ، وإذا حدّث عنه أحدهُما حُدِّث عنه ، وقال مرّة : لم أرَ أحداً أثبت من القطّان .

وقال ابن معين : قال ابن مهدي : لا ترى عينك مثل يحيى القطّان وقال أحمد : ما رأيت مثله وقال بندار : إمامُ أهل زمانه يحيى القطّان ، واختلفت إليه عشرين سنة فما أظنّ أنّه عصى الله قط وقال ابن سعد : كان ثقةً مأموماً رفيعاً حجّة وقال العجلي : بصريٌّ ثقةٌ نقيُّ الحديث ، كان لا يحدّث إلاّ عن ثقة وقال أبو حاتم : ثقةٌ حافظ وقال أبو زرعة : من الثقات الحفّاظ وقال النسائي : ثقة ثبت مرضي وقال أبو بكر ابن منجويه : كان من سادات أهل زمانه حفظاً

ـــــــــــــــــــ

(١) كتاب الثقات ٧ : ٦١١ .

(٢) مرآة الجنان ١ : ٣٥٢ .

٣٥٤

وورعاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً ، وهو الذي مهّد لأهل العراق رَسْم الحديث ، وأمعَن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ، ولِد سنة عشرين ومِئة ، ومات في صفَر سنة ثمانٍ وتسعين ومِئة روى عن : هشام بن عروة و عبد الله بن عمر العمري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأعمش والثوري وشعبة ومالك وغيرهم من الأئمّة .

وروى عنه : عبد الرحمان بن مهدي وأحمد بن حنبل وعليّ ابن المديني ومسدّد ويحيى بن معين ومحمّد بن المثنّى...)(١) .

أقول :

ومن هذه العبارات وأمثالها في مدح القطّان ـ مع علم قائليها بمقالته في الإمام الصادق ( عليه الصلاة والسلام ) ـ تعرف مواقف القوم مِن أئمّة أهل البيت ، فلا يُقبل دفاع بعض الناس عن أهل السنّة ، وأسفهم بأنّهم مُحبّون لأهل البيت ومحترمون لهم ومستمسكون بهم...

قصة كتاب العلل لابن المديني

وممّا يُذكَر في مقام الطعن في البخاري وورعه وأمانته وثقته : قصّته مع كتاب شيخه ابن المديني في العلل :

قال مسلمة بن قاسم في ( تاريخه ) ـ على ما نقل عنه(٢) ـ : ( وسبب تأليف البخاري الكتاب الصحيح ، أنّ عليّ بن المديني ألّف كتاب العلل ، وكان ضنيناً به لا يخرجه إلى أحد ، ولا يحدّث به ، لشرفه وعظم خطره وكثرة فائدته ، فغاب عليّ ابن المديني في بعض حوائجه ، فأتى البخاري إلى بعض بنيه ،

ـــــــــــــــــــ

(١) رجال المشكاة = تحصيل الكمال ـ ترجمة القطّان .

(٢) انظر ترجمته في لسان الميزان ٦ : ٤٣ .

٣٥٥

فبذل له مِئة دينار على أنْ يخرج له كتاب العِلل ، ليراه ويكون عنده ثلاثة أيّام ، ففتنه المال وأخذ منه مِئة دينار ، ثمّ تلطّف مع أُمّه فأخرجت الكتاب ، فدفعه إليه وأخذ عليه العهود والمواثيق أنْ لا يحبسه عنه أكثر مِن الأمد الذي ذكر ، فأخذ البخاري الكتاب ـ وكان مِئة جزء ـ فدفعه إلى مِئة من الورّاقين ، وأعطى كلّ رجلٍ منهم ديناراً على نسخه ومقابلته في يومٍ وليلة ، فكتبوا له الديوان في يومٍ وليلة وقُوبل ، ثمّ صرفه إلى ولد عليّ بن المديني وقال : إنّما نظرت إلى شيء فيه .

وانصرف عليّ بن المديني فلم يعلم بالخبر ، ثمّ ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهوراً واستحفظه ، وكان كثير الملازمة لابن المديني ، وكان ابن المديني يعقد يوماً لأصحاب الحديث ، يتكلّم في عِلَله وطرفه ، فلمّا أتاه البخاري بعد مدّة قال له : ما حبسك عنّا ؟ قال : شغلٌ عرض لي ، ثمّ جعل عليٌّ يلقي الأحاديث ويسألهم عن عِلَلها ، فيبادر البخاري بالجواب بنصّ كلام عليٍّ في كتابه ، فعجب لذلك ثمّ قال له : مِن أين علمت هذا ، هذا قولٌ منصوص ، والله ما أعلم أحداً في زماني يعلم هذا العِلم غيري .

فرجع إلى منزله كئيباً حزيناً ، وعَلِم أنّ البخاري خدَع أهله بالمال حتّى أباحوا له الكتاب ، ولم يزَل مغموماً بذلك ، ولم يلبث إلاّ يسيراً حتّى مات ، واستغنى البخاري عن مُجالسة عليّ والتفقّه عنده بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان ، وتفقّه بالكتاب ، ووضَع الكتاب الصحيح والتواريخ ، فعظم شأنه وعلا ذكره ، وهو أوّل مَن وضع في الإسلام كتاب الصحيح ، فصار الناس له تبعاً ، وبكتابه يقتدي العلماء في تأليف الصحيح ) .

يفيد هذا النص أنّ البخاري كان السبب في موت شيخه عليّ بن المديني ، لتصرّفه في كتاب العِلل الذي وضعه شيخه ، بعد أخذه مِن أهله بالحيلة والخديعة والمكر والكذب...

٣٥٦

طعن مسلم فيمن قال بمقالة البخاري

هذا ، وقد صرّح مسلم بن الحجّاج بالطعن والتشنيع على بعض الأقوال وأصحابها في باب رواية الحديث ونقله ، والحال أنّ البخاري مِن القائلين بذلك القول ، وهذا نصّ كلام مسلم في باب ما تصحّ به رواية الرواة بعضهم عن بعض ، والتنبيه على مَن غلط في ذلك :

( وقد تكلّم بعضٌ منتحلي الحديث مِن أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها ، بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحاً ، لكان رأياً متيناً ومذهباً صحيحاً ، إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله ، وأجدر أنْ لا يكون ذلك تنبيهاً للجهّال عليه ، غير أنّا لمّا تخوّفنا مِن شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأُمور ، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء ، رأينا الكشف عن فساد قوله ورَدّ مقالته بقدر ما يليق بها مِن الردّ ، أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة إنْ شاء الله .

وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والإخبار عن سوء رويّته : أنّ كلّ إسنادٍ لحديثٍ فيه فلان عن فلان ، وقد أحاط العلم بأنّهما قد كانا في عصرٍ واحد ، وجائز أنْ يكون الحديث الذي روى الراوي عمّن روى عنه قد سمِعه منه وشافهه به ، غير أنّه لا نعلم له منه سُماعاً ، ولم نجد في شيء مِن الروايات أنّهما التقيا قط أو تشافها بحديث ، أنّ الحجّة لا تقوم عنده بكلّ خبر جاء هذا المجيء ، حتّى يكون عنده العلم بأنّهما قد اجتمعا من دهرهما مرّة فصاعداً أو تشافها بالحديث بينهما ، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرّة مِن دهرهما فما فوقها ، فإنْ لم يكن عنده علمُ ذلك ، ولم تأتِ به روايةٌ صحيحةٌ تخبِر أنّ هذا الراوي عن صاحبه قد لقِيه مرّة وسمع منه شيئاً ، لم يكن في نقله الخبر عمّن روى عنه عِلم ذلك والأمر كما وصفنا حجّة ، وكان الخبر عنده موقوفاً ، حتّى يرد عليه سماعه منه لشيءٍ مِن الحديث ، قلّ أو كثُر في رواية مثل ما ورد .

وهذا القول ـ يرحمك الله ـ في الطعن في الأسانيد قولٌ مُخترَع مُستحدَث غير مسبوق صاحبه إليه ، ولا مساعد له من أهل العلم عليه ، وذلك أنّ القول الشائع المتّفق

٣٥٧

عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً : أنّ كلّ رجلٍ ثقة روى عن مثله حديثاً ، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصرٍ واحد ـ وإنْ لم يأتِ في خبرٍ قط أنّهما اجتمعا ولا تشافها بكلام ـ فالرواية ثابتة والحجّة بها لازمة ، إلاّ أنْ يكون هناك دلالة بيّنة أنّ هذا الراوي لم يلقَ مَن روى عنه ، أو لم يسمع منه شيئاً ، فأمّا والأمر مبهمٌ على الإمكان الذي فسّرنا ، فالرواية على السماع أبداً حتّى تكون الدلالة التي بيّنّا .

فيُقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته أو للذابّ عنه ، قد أعطيت في جملة قولك أنّ خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجّةٌ يلزم به العمل ، ثمّ أدخلت فيه الشرط بعد ، فقلت حتّى نعلم أنّهما قد كانا التقيا مرّةً فصاعداً أو سمع منه شيئاً ، فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحدٍ يلزم قوله ، وإلاّ فهلمّ دليلاً على ما زعمت ، فإنْ ادّعى قول أحدٍ من علماء السلَف بما زعم من إدخال الشريطة في تثبيت الخبر طُولب به ، ولنْ يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلاً ) .

وأيضاً قال : ( وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهينالحديث بالعلّة التي وصف ، أقلّ مِن أنْ يُعرّج عليه ويُثار ذكره ، إذ كان قولاً مُحدثاً وكلاماً خلفاً ، لم يقُله أحدٌ من أهل العلم سلَف ، ويستنكره من بعدهم خلَف ، فلا حاجة بنا في ردّه بأكثر ممّا شرحنا ، إذا كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه ، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء ، وعليه التكلان ) (١) .

وقال النووي في شرح هذا الكلام :

( حاصل هذا الباب أنّ مسلماً ـ رحمه الله ـ ادّعى إجماع العلماء قديماً وحديثاً على أنّ المعنعن ـ وهو الذي فيه عن فلان ـ محمولٌ على الاتّصال والسماع ، إذا أمكن لقاء مَن أُضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضاً ، يعني مع براءتهم من التدليس ، ونقل مسلم عن بعض أهل عصره أنّه قال لا يقوم الحجّة بها ، ولا الحمل على الاتّصال ، حتّى يثبت أنّهما التقيا في عمرهما مرّة فأكثر ، ولا يكفي إمكان تلاقيهما .

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٥ .

٣٥٨

قال مسلم : وهذا قولٌ ساقطٌ مخترعٌ مستحدث ، لم يسبق قائله إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه ، وأنّ القول به بدعة باطلة ، وأطنب مسلم في الشناعة على قائله ، واحتجّ مسلم بكلام مختصره : إنّ المُعنعن عند أهل العلم محمولٌ على الاتّصال ، إذا ثبت التلاقي مع احتمال الإرسال ، فكذا إذا أمكن التلاقي ، وهذا الذي صار إليه مسلم قد أنكره المحقّقون وقالوا : هذا الذي صار إليه مسلم ضعيف ، والذي ردّه هو المختار الصحيح الذي عليه أئمّة هذا الفن ، مثل عليّ بن المديني ، والبخاري وغيرهما )(١) .

أحاديثٌ باطلة في كتاب البخاري

وكما تكلّمنا باختصارٍ عن البخاري ، فلنتكلّم في كتابه الموصوف بالصحيح ، على ضوء أقوال كبار أئمّة الحديث ، مقتصرين على طعنهم وقدحهم في عدّةٍ من أحاديثه :

حديث خِطبة عائشة

( فمنها ) الحديث في خطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة وقول أبي بكر له : ( إنّما أنا أخوك ) ، وهذا نصّه :

( عن عروة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطَب عائشة ، فقال له أبو بكر : إنّما أنا أخوك ، فقال :( أنت أخي في دين الله وكتابه ، وهي لي حلال ) (٢) .

قال ابن حجَر عن الحافظ مغلطاي : ( في صحّة هذا الحديث نظر ؛ لأنّ الخلّة لأبي بكر إنّما كانت بالمدينة ، وخِطبة عائشة كانت بمكّة ، فكيف يلتئم قوله : إنّما أنا أخوك.

وأيضاً : فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما باشر الخطبة بنفسه ، كما أخرجه ابن أبي عاصم ، مِن طريق يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب ، عن عائشة : إنّ النبيّ أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة ، فقال لها أبو بكر :

ـــــــــــــــــــ

(١) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨ .

(٢) صحيح البخاري ٧ : ٨ .

٣٥٩

وهل تصلح له ، إنّما هي بنت أخيه ؟ فرجعَت فذكرت ذلك للنبيّ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجعي فقولي له : أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له ، فقال : ادعي رسول الله ، فجاء فأنكحه )(١) .

حديث شفاعة إبراهيم لآزر

( ومنها ) الحديث في شفاعة سيّدنا إبراهيمعليه‌السلام لآزر في يوم القيامة .

وهذا الافتراء ذكره البخاري على حسب ديدنه في غير موضعٍ من كتابه السقيم ، وفيه غاية الإزراء بشأن إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه سلام الرب الرحيم ، كما لا يخفى على مَن له ذهن مستقيم ، حيث أثبتوا له في ذلكأوّلاً : مخالفة أمر الله تعالى وثانياً : إصراره على المخالفة والمجادلة حيث لم ينته ـ بناءً على افتراءهم ـ لمّا نهى الله عن الاستغفار له في دار الدنيا ، وثالثا : مخالفته للدلائل العقليّة الدالّة على المنع مِن الاستغفار للمشركين ،ورابعاً : الخطأ والغفلة في ظنّ أنّ تعذيب الكافر خزيٌ له بل خزيٌ أعظم ، وأيّ خزي أعظم من هذا ؟ فإنّ ذلك ممّا لا يتخيّله مَن له أدنى عقل ودراية ، فضلاً عن النبيّ المعصوم المبعوث للهداية ، وخامساً : للجهل بالمراد مِن وعده تعالى بأن لا يخزيه .

وهذه هي ألفاظ الحديث في كتاب التفسير :

( حدّثا إسماعيل قال : حدّثنا أخي ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هُريرة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :يلقى إبراهيم أباه فيقول : يا رب ، إنّك وعدتني ألاّ تخزني يوم يُبعثون ، فيقول الله :إنّي حرّمت

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ٩ : ١٠١ .

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442