دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442
المشاهدات: 92379
تحميل: 4158


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92379 / تحميل: 4158
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-319-357-8
العربية

الإمامة وإيجاب اتّباعه على الأمّة(١) ! قال في « المواقف » وشرحها ـ وهما عنوان مذهبهم _ :

« وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة ، فاعلم أنّ ذلك [ الحصول ] لا يفتقر إلى الإجماع من جميع أهل الحلّ والعقد ، إذ لم يتمّ عليه [ أي : على هذا الافتقار ] دليل من العقل والسمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كاف في ثبوت الإمامة ، ووجوب اتّباع الإمام على أهل الإسلام ؛ وذلك لعلمنا أنّ الصحابة ـ مع صلابتهم في الدين وشدّة محافظتهم على أمور الشرع كما هو حقّها ـ اكتفوا في عقد الإمامة بذلك المذكور من الواحد والاثنين ، كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان.

ولم يشترطوا في عقدها اجتماع من بالمدينة من أهل الحلّ والعقد ، فضلا عن إجماع الأمّة من علماء أمصار الإسلام ومجتهدي جميع أقطارها ، هذا [ كما مضى ] ولم ينكر عليه أحد.

وعليه ـ أي : على الاكتفاء بالواحد والاثنين في عقد الإمامة ـ انطوت الأعصار بعدهم إلى وقتنا هذا »(٢) .

وأنت إذا نظرت بعين الإنصاف ، وسمعت بأذن واعية ، وتدبّرت في ما ذكرنا ، عرفت بطلان هذا الكلام.

ومن العجب دعواهما اكتفاء الصحابة في عقد الإمامة ببيعة الواحد والاثنين!

ألم يعلما امتناع أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وجماعة من الصحابة

__________________

(١) انظر : تمهيد الأوائل : ٤٦٧ ـ ٤٦٨ ، غياث الأمم : ٨٥ ـ ٨٩.

(٢) المواقف : ٤٠٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣.

٢٦١

عن بيعة أبي بكر ، وتخلّفهم عنها زمنا طويلا ، ولم يكتفوا ببيعة من بايعه من أهل السقيفة فضلا عن عمر وحده؟!

ألم يسمعا تخلّف سعد وابن عمر وأسامة بن زيد ومحمّد بن مسلمة وأبي مسعود الأنصاري وغيرهم عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام مع مشاهدتهم بيعة أهل الحلّ والعقد له(١) ؟!

ألم يدريا أنّ بيعة الأوس لأبي بكر كانت حسدا للخزرج ، لا للاكتفاء المذكور ، كما تشهد به مراجعة تأريخي الطبري وابن الأثير(٢) في كيفية بيعة السقيفة ؛ وكذا بيعة المهاجرين ، إنّما كانت حسدا وعداوة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ؟! كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وأعجب من ذلك دعواهما انطواء الأعصار على ذلك ، فإنّا لم نسمع أنّه اتّفق في زمان اكتفاء الناس ببيعة الواحد والاثنين ، وأنّ التكليف دعاهم إلى التسليم!

نعم ، سمعنا عهد الملوك الخونة لأبنائهم الجهلة الفسقة ، ولكنّه من نصّ الإمام عندهم لا من محلّ الكلام!

ومن المضحك أنّهم يصفون الصحابة بالصلابة في الدين في مثل المقام ، ممّا يحتاجون فيه إلى إثبات صلابتهم ومحافظتهم على أمور الشرع ، ويدّعون في مقام آخر أنّ مبادرتهم إلى البيعة وإعراضهم عن دفن سيّد المرسلين ، خوفا من الفتنة وزوال أمر الإسلام ، فإنّهم إذا كانوا بتلك

__________________

(١) راجع : تاريخ الطبري ٢ / ٦٩٧ ـ ٦٩٨ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ٥٢٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٨٢ ، البداية والنهاية ٧ / ١٨٢.

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٢٤٣ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٩٤ حوادث سنة ١١ ه‍ ، وانظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ١٠.

٢٦٢

الصلابة ، فأيّ خوف يخشى على الإسلام إذا بادروا لدفن نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخّروا البيعة ساعة ، وتذاكروا في أثناء هذا الوقت بتعيين الأولى؟!

وإذا كانوا بتلك الصلابة ، فكيف خاف عمر من وجوه الصحابة أن يفسدوا إذا خرجوا في الجهاد وإمرة البلاد؟! روى الحاكم في « المستدرك » في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من كتاب معرفة الصحابة(١) ، وصحّحه الذهبي في « تلخيصه » ، عن قيس بن أبي حازم ، قال :

جاء الزبير إلى عمر بن الخطّاب يستأذنه في الغزو ، فقال عمر : اجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : فردّد ذلك عليه ، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها : اقعد في بيتك! فو الله إنّي لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا عليّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقد ظهر من كلام « المواقف » وشرحها أنّ إمامة أبي بكر انعقدت ببيعة عمر ، فوجب اتّباعه على أهل الإسلام قاطبة.

فكان ما نسبه المصنّف إليهم صدقا ، وإنّما الفضل جاهل بمذهبه وبمراد المصنّف.

فالمصنّف لم يرد إنكار بيعة الأنصار يوم السقيفة ، بل أراد نفي كون إمامة أبي بكر عن مشورة أهل الحلّ والعقد واجتماع رأيهم ، وإنّما كان أصل انعقادها ببيعة عمر ورضا أربعة ، ولذا كانت فلتة كما قاله عمر(٢) ،

__________________

(١) ص ١٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٢٩ ح ٤٦١٢ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مسند البزّار ١ / ٤٦٦ ح ٣٣٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٥٢ ، كنز العمّال ١١ / ٢٦٧ ح ٣١٤٧٦ ، عون المعبود ١١ / ٣٦٦.

(٢) راجع الصفحة ٢٥٨ ه‍ ١ من هذا الجزء.

٢٦٣

ومع ذلك أوجبوا طاعته على جميع الخلق! وهذا لا يستحلّ القول به من يؤمن بالله وعدله وحكمته.

على أنّ ما ادّعاه الفضل من اتّفاق أرباب التواريخ على أنّ أبا بكر لم يفارق السقيفة حتّى بايعه جميع الأنصار إلّا سعدا ، كذب صريح

قال ابن الأثير(١) : « لمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فقال : ما هذا؟!

فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير.

فقال أبو بكر : منّا الأمراء ومنكم الوزراء.

ثمّ قال أبو بكر : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، عمر وأبا عبيدة أمين هذه الأمّة.

فقال عمر : أيّكم يطيب نفسا أن يخلّف قدمين قدّمهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فبايعه عمر وبايعه الناس.

فقالت الأنصار ـ أو : بعض الأنصار ـ : لا نبايع إلّا عليّا » ؛ انتهى.

ونحوه في « تاريخ الطبري »(٢) .

وقال ابن عبد البرّ في « الاستيعاب » بترجمة أبي بكر : « بويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سقيفة بني ساعدة ، ثمّ بويع له البيعة العامّة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم ، وتخلّف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش »(٣) .

__________________

(١) في كامله ص ١٥٦ من الجزء الثاني [ ٢ / ١٨٩ ، حوادث ١١ ه‍ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ١٩٨ من الجزء الثالث [ ٢ / ٢٣٣ حوادث سنة ١١ ه‍ ]. منهقدس‌سره .

(٣) الاستيعاب ٣ / ٩٧٣ رقم ١٦٣٣.

٢٦٤

وأمّا ما زعمه من أنّ أهل الحلّ والعقد كانوا ذلك اليوم جماعة الأنصار ، فازدراء بحقّ المهاجرين على كثرتهم وكثرة العلماء والأمراء منهم.

ومن طريف الكذب ما قاله من موت سعد بعد سبعة أيّام ، فإنّه لا يجامع اتّفاق العلماء والمؤرّخين على أنّه مات بحوران(١) ، وقال أكثرهم :

مات في إمارة عمر(٢) .

وقال ابن حجر في « الإصابة » ، في ترجمة سعد : « وقصّته في تخلّفه عن بيعة أبي بكر مشهورة ، وخرج إلى الشام فمات بحوران سنة ١٥ وقيل :

سنة ١٦ »(٣) .

وقال الحاكم(٤) : إنّه توفّي بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر وذلك سنة ١٥ ، وروى أيضا أنّه مات بحوران سنة ١٦.

وقال الطبري في « تاريخه »(٥) : كان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يجمّع معهم ، ويحجّ ولا يفيض معهم بإفاضتهم ، فلم يزل كذلك حتّى هلك أبو بكر.

__________________

(١) حوران : كورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة ، ذات قرى كثيرة ومزارع وغير هما ، وفتحت قبل دمشق ؛ انظر : معجم البلدان ٢ / ٣٦٤ رقم ٣٩٨٩.

(٢) انظر : الاستيعاب ٢ / ٥٩٩ رقم ٩٤٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٣٧ حوادث سنة ١٤ ه‍ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٢٧٧ رقم ٥٥ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٧ ـ ٢٨ حوادث سنة ١٣ ه‍ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢٨٦ رقم ٢٣١٧.

(٣) الإصابة ٣ / ٦٧ رقم ٣١٧٥.

(٤) في المستدرك على الصحيحين ص ٢٩٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ٢٨٢ رقم ٥٠٩٨ و ٥٠٩٩ ]. منهقدس‌سره .

(٥) ص ٢١٠ من الجزء الثالث [ ٢ / ٢٤٤ حوادث سنة ١١ ه‍ ]. منهقدس‌سره .

٢٦٥

وقال في « الاستيعاب » ، بترجمة سعد : « وتخلّف سعد بن عبادة عن بيعة أبي بكر ، وخرج من المدينة ، ولم ينصرف إليها إلى أن مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مضتا من خلافة عمر ، وذلك سنة ١٥ ، وقيل : أربع عشرة ، وقيل : بل مات بخلافة أبي بكر سنة ١١ »(١) .

وقال ابن الأثير في « كامله » في تاريخ سنة ١٤ : « وفيها مات سعد بن عبادة ، وقيل : سنة ١١ ، وقيل : سنة ١٥ »(٢) .

وقد ذكر ابن أبي الحديد نحو ذلك في عدّة مواطن من « شرح النهج »(٣) .

وذكره جماعة كثيرون لا يسع المقام استقصاءهم(٤)

وذكر ابن أبي الحديد(٥) : إنّ أبا بكر ـ وقال بعضهم : عمر ـ كتب إلى خالد بن الوليد بالشام أن يقتل سعدا ، فكمن له هو وآخر معه ـ وقيل : هو محمّد بن مسلمة(٦) ـ ليلا ، فرمياه فقتلاه وألقياه في بئر هناك فيها ماء ،

__________________

(١) الاستيعاب ٢ / ٥٩٩ رقم ٩٤٤.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ / ٣٣٧ حوادث سنة ١٤ ه‍.

(٣) انظر : شرح نهج البلاغة ٦ / ١٠ ـ ١١ وج ١٠ / ١١١.

(٤) راجع الصفحة السابقة ه‍ ٢.

(٥) ص ١٩٠ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ٢٢٣ ]. منهقدس‌سره .

(٦) هو : محمّد بن مسلمة بن سلمة بن خالد الأنصاري ، يقال : إنّه أسلم على يد مصعب بن عمير ؛ شهد بدرا ، وكان ممّن اعتزل في الجمل وصفّين ، اختلف في سنة وفاته ، فقيل : توفّي سنة ٤٢ ، وقيل : سنة ٤٣ ، وقيل غير ذلك ، وكان عمره آنذاك ٧٧ سنة.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٣٣٨ رقم ٩٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٩٠ ـ ٤٩٤ ح ٥٨٣٣ ـ ٥٨٤٤ ، الاستيعاب ٣ / ١٣٧٧ رقم ٢٣٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٣٦٩ رقم ٧٧ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٢٧ رقم ٦٥٥٢.

٢٦٦

فهتف صاحب خالد في ظلام الليل ببيتين [ من مجزوء الرمل ] :

نحن قتلنا سيّد الخزر

ج سعد بن عباده

ورميناه بسهمين

فلم نخطئ فؤاده

يريهم أنّ ذلك من شعر الجنّ!

وأمّا قوله : « ولو كان الأنصار سمعوا من رسول الله النصّ على خلافة عليّ ، فلم لم يجعلوه حجّة على أبي بكر »

ففيه : إنّهم إنّما لم يجعلوه حجّة عليه ؛ لأنّه حجّة عليهم ، فإنّهم مثله كانوا يطلبون الإمرة ، وقد اجتمعوا لنصب إمام منهم كما ذكره الفضل ، وهم أوّل من أبطل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصّه يوم الغدير ، لكن بعد ما علموا أنّ قريشا تمالأت على أمير المؤمنين وغصب حقّه ، لما صدر منهم من الصحيفة الجائرة بمكّة ، التي جعلوا أبا عبيدة أمينها ، فسمّوه أمينا لذلك(١) ، ولما وقع منهم من القول البذيء في بعض خيامهم يوم الغدير(٢) ، ومن الفعل الفظيع ليلة الدباب في العقبة إذ همّوا بقتل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ، ولنسبتهم الهجر إليه(٤) فمنعوه من تأكيد النصّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، مضافا إلى تصريح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عليّا لا يزال مظلوما

__________________

وقيل : إنّ صاحب خالد هو المغيرة بن شعبة ، كما في مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٣١ ، الاحتجاج ٢ / ٣١٤.

(١) انظر : تفسير القمّي ٢ / ٣٣٦ ، الكافي ٤ / ٥٤٥ ، الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم ٣ / ١٥٣ ـ ١٥٥.

(٢) انظر : تفسير العيّاشي ٢ / ١٠٣ ـ ١٠٥ ح ٨٩ و ٩٠.

(٣) راجع : مسند أحمد ٥ / ٤٥٣ ، الكشّاف ٢ / ٢٠٣ ، الخصال ٢ / ٤٩٩ ح ٦ ، الاحتجاج ١ / ١٢٧ ـ ١٣٢.

(٤) راجع الصفحة ٩٣ ه‍ ٢ من هذا الجزء.

٢٦٧

مقهورا ، وأنّ الأمّة تغدر به(١)

فخاف الأنصار من ولاية أعداء أمير المؤمنين ، فأرادوا الاستقلال أو المشاركة.

ولا يبعد أنّ كثيرا من الأنصار احتجّوا على أبي بكر بالنصّ على عليّعليه‌السلام ، فلم يبال أبو بكر وأعوانه به ، كما يشهد له ما سبق عن الطبري وابن الأثير أنّ الأنصار أو بعضهم قالوا : « لا نبايع إلّا عليّا! »(٢) .

وأمّا قوله : « وهل يمكن أنّ الأنصار الّذين نصروا الله ورسوله » إلى آخره

فلو سلّم أنّهم سكتوا ولم يذكروا النصّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فهو غير عجيب ؛ لانقلابهم كغيرهم بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما دلّت عليه الآية(٣) ، وأخبار الحوض(٤)

وما رواه البخاري وغيره ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لتتّبعنّ سنن (٥) من

__________________

(١) انظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٢ / ١٧٤ رقم ٢١٠٣ ، الكنى والأسماء ـ للدولابي ـ : ١٠٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ح ٤٦٧٦ ووافقه الذهبي ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٤٠ ، تاريخ بغداد ١١ / ٢١٦ رقم ٥٩٢٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨ ، كنز العمّال ١١ / ٢٩٧ ح ٣١٥٦١.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٦٤ ه‍ ١ و ٢.

(٣) وهي قوله تعالى :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٤) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ ه‍ ١ ، وانظر : الصفحة ٢١٢ ـ ٢١٣ من هذا الجزء.

(٥) السّنّة : الطريقة ، وسنن الطريق وسننه وسننه ـ ثلاث لغات ـ ، وقيل كذلك : سننه : هي نهجه وجهته ومحجّته ؛ والسّنّة ـ كذلك ـ : السّيرة أو الطريقة ، حسنة كانت أو قبيحة.

٢٦٨

كان قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم .

قلنا : يا رسول الله! اليهود والنصارى؟

قال : فمن ؟! »(١)

ونحوه كثير جدّا(٢) .

قال الأزريرحمه‌الله [ من الطويل ] :

أتعجب من أصحاب أحمد إذ رضوا

بتأخير ذي فضل وتقديم ذي جهل

فأصحاب موسى في زمان حياته

رضوا بدلا عن بارئ الخلق بالعجل

وأمّا قوله : « مع أنّ عمر وأبا عبيدة ألزموهم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمّة من قريش »

ففيه : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن قاله ، لكن لم يلزموهم به كراهيّة للتعرّض حينئذ لما فيه نصّ في الجملة ، وإنّما ألزموهم بقولهم : « لن يعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحيّ من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا » ،

__________________

انظر مادّة « سنن » في : الصحاح ٥ / ٢١٣٨ ـ ٢١٣٩ ، لسان العرب ٦ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ، تاج العروس ١٨ / ٣٠٠ و ٣٠٦.

(١) صحيح البخاري ٤ / ٣٢٦ ح ٢٤٩ وج ٩ / ١٨٤ ح ٨٩ و ٩٠ ، صحيح مسلم ٨ / ٥٧ ـ ٥٨ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ٤٣٧ ح ١٧٥٣.

(٢) انظر مثلا : سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢٢ ح ٣٩٩٤ ، سنن الترمذي ٤ / ٤١٢ ـ ٤١٣ ح ٢١٨٠ ، مسند أحمد ٢ / ٣٢٧ وج ٣ / ٩٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٦ / ١٨٦ ح ٥٩٤٣ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٣٦٩ ح ٢٠٧٦٤ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٢٥ ح ٤٥ وص ٣٦ ـ ٣٧ ح ٧٢ ـ ٧٥ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٩٣ ح ١٠٦.

٢٦٩

كما ذكره عمر في خطبته التي رواها البخاري في باب رجم الحبلى ، من كتاب المحاربين(١) ، أو نحو هذا القول.

ولم أعرف أحدا روى أنّهم ألزموهم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأئمّة من قريش ».

وقد أنكره السيّد المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ غاية الإنكار ، كما نقله عنه ابن أبي الحديد(٢) .

نعم ، ورد في بعض روايات القوم أنّ عكرمة بن أبي جهل وابن العاص روياه بعد السقيفة وانقضاء البيعة وندم بعض الأنصار ، كما ذكره ابن أبي الحديد في أوائل المجلّد الثاني ، في منازعة جرت بين المهاجرين والأنصار(٣) .

وأمّا ما أحال الفضل عليه من الجواب عن تعجّب المصنّف من بحث الأشاعرة عن الإمامة وفروعها ، فهو كإحالة الظمآن على السراب ، كما أوضحناه في ما مرّ.

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ / ٣٠٠ ـ ٣٠٤ ح ٢٥.

(٢) ص ١٧ من المجلّد الرابع [ شرح نهج البلاغة ١٧ / ١٦٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : الشافي في الإمامة ١ / ١٢٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٣ ـ ٢٤.

٢٧٠

تعيين إمامة عليّ بدليل العقل

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المبحث الرابع

في تعيين الإمام

ذهبت الإمامية كافّة إلى أنّ الإمام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام (٢) .

وقالت السنّة : إنّه أبو بكر بن أبي قحافة ، ثمّ عمر بن الخطّاب ، ثمّ عثمان بن عفّان ، ثمّ عليّ بن أبي طالب(٣) ، وخالفوا المعقول والمنقول.

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧١.

(٢) هذا من ضروريات المذهب ، ونحن في غنى عن إثباته ، فهو من أوضح الواضحات ، ولكنّنا نذكر عدّة مصادر لذلك على سبيل المثال ، عملا بقواعد المناظرة ، فانظر مثلا : أوائل المقالات : ٤٠ ، الذخيرة في علم الكلام : ٤٣٧ ، شرح جمل العلم والعمل : ٢٠١ ، المنقذ من التقليد ٢ / ٢٩٩ ، تجريد الاعتقاد : ٢٢٣.

(٣) وهذا من الثوابت عندهم ، وفق التسلسل التاريخي لما يسمّى ب‍ « الخلفاء الراشدين » ، ولأحاديث وضعت في ترتيب الخلافة من أجل ذلك ، ولأدلّة استدلّوا بها ، سيأتي الكلام عليها في محالّها ؛ وانظر لما قالوه مثلا : أصول السنّة ـ لأحمد ابن حنبل ـ : ٧٧ ، السنّة ـ لعبد الله بن أحمد بن حنبل ـ ٢ / ٥٩٠ رقم ١٤٠٠ و ١٤٠١ ، العقيدة الطحاوية : ٩١ ، الإبانة عن أصول الديانة : ١٦٨ ـ ١٧٩ ، الإنصاف ـ للباقلّاني ـ : ٦٤ ـ ٦٧ ، أصول الإيمان ـ لابن طاهر البغدادي ـ : ٢٢٣ ـ ٢٢٧ ، تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة ـ لأبي نعيم ـ : ٤٦ ، الإرشاد ـ للجويني _ : ٣٦٣ ، شرح العقائد النسفية : ٢٢٧ ـ ٢٢٩.

٢٧١

أمّا المعقول :

فهي الأدلّة الدالّة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام من حيث العقل ، وهي من وجوه :

الأوّل : الإمام يجب أن يكون معصوما ، وغير عليّ لم يكن معصوما بالإجماع ، فتعيّن أن يكون هو الإمام.

الثاني : شرط الإمام أن لا يسبق منه معصية ، على ما تقدّم ، والمشايخ قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام ، فلا يكونون أئمّة ، فتعيّن عليّعليه‌السلام للعدم الفارق.

الثالث : يجب أن يكون منصوصا عليه ، وغير عليّ من الثلاثة ليس منصوصا عليه ، فلا يكون إماما.

الرابع : الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته ، وغير عليّ لم يكن كذلك ، فتعيّنعليه‌السلام .

الخامس : الإمامة رئاسة عامّة ، وإنّما تستحقّ بالزهد والعلم والعبادة والشجاعة والإيمان ، وسيأتي أنّ عليّاعليه‌السلام هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الأكمل الذي لم يلحقه غيره ، فيكون هو الإمام.

* * *

٢٧٢

وقال الفضل(١) :

مذهب أهل السنّة والجماعة أنّ الإمام بالحقّ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر الصدّيق ، وعند الشيعة : عليّ المرتضى.

ودليل أهل السنّة وجهان :

الأوّل : إنّ طريق ثبوت الإمامة إمّا النصّ ، أو الإجماع بالبيعة

أمّا النصّ فلم يوجد ؛ لما ذكرنا(٢) ولما سنذكر ونفصّل بعد هذا.

وأمّا الإجماع فلم يوجد في غير أبي بكر اتّفاقا من الأمّة.

الوجه الثاني : إنّ الإجماع منعقد على حقّيّة أحد الثلاثة : أبي بكر وعليّ والعبّاس ، ثمّ إنّهما لم ينازعا أبا بكر ، ولو لم يكن على الحقّ لنازعاه كما نازع عليّ معاوية ؛ لأنّ العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك ، ولأنّ ترك المنازعة مع الإمكان مخلّ بالعصمة ؛ لأنّه هو معصية كبيرة توجب انثلام العصمة ، وأنتم توجبونها في الإمامة وتجعلونها شرطا لصحّة الإمامة.

فإن قيل : لا نسلّم الإمكان ـ أي إمكان منازعتهما أبا بكر ـ.

قلنا : قد ذهبتم وسلّمتم أنّ عليّا كان أشجع من أبي بكر ، وأصلب في الدين ، وأكثر منه قبيلة وأعوانا ، وأشرف منه نسبا ، وأتمّ منه حسبا

والنصّ الذي تدّعونه لا شكّ أنّه بمرأى من الناس وبمسمع منهم ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٣٥٦.

(٢) راجع الصفحة ٢٤٤ ـ ٢٤٦ من هذا الجزء.

٢٧٣

والأنصار لم يكونوا يرجّحون أبا بكر على عليّ ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر في آخر عمره على المنبر ، وقال : «إنّ الأنصار كرشي وعيبتي »(١) ، وهم كانوا الجند الغالب والعسكر.

وكان ينبغي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى الأنصار بإمداد عليّ في أمر الخلافة ، وأن يحاربوا من يخالف نصّه في خلافة عليّ.

ثمّ إنّ فاطمة ـ مع علوّ منصبها ـ زوجته ، والحسن والحسين ـ مع كونهما سبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولداه

والعبّاس ـ مع علوّ منصبه ـ معه ، فإنّه روي أنّه قال لعليّ : أمدد يدك أبايعك حتّى يقول الناس : بايع عمّ رسول الله ابن عمّه ، فلا يختلف فيك اثنان(٢) .

والزبير ـ مع شجاعته ـ كان معه ، قيل : إنّه سلّ السيف وقال : لا أرضى بخلافة أبي بكر(٣) .

وقال أبو سفيان : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي عليكم تيميّ؟! والله لأملأنّ الوادي خيلا ورجلا(٤) !

وكرهت الأنصار خلافة أبي بكر ، فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير ؛ كما

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ١١٥ ـ ١١٦ ح ٢٨٧ و ٢٨٩ ، صحيح مسلم ٧ / ١٧٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٧٢ ح ٣٩٠٧ ، مسند أحمد ٣ / ١٥٦ و ١٧٦ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٩٣.

(٢) الإمامة والسياسة ١ / ٢١ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ١ / ١٢١ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٧.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٤ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ٢٦٨.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٧ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ١ / ١٢١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٨٣ ح ٤٤٦٢ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢ / ٤٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٨٩.

٢٧٤

ذكرنا(١) .

ولو كان على إمامة عليّ نصّ جليّ ، لأظهروه قطعا ، ولأمكنهم المنازعة جزما.

كيف لا؟! وأبو بكر شيخ ضعيف جبان ، لا مال له ولا رجال ولا شوكة ، فأنّى يتصوّر امتناع المنازعة معه؟!

وكلّ هذه الأمور تدلّ على أنّ الإجماع وقع على خلافة أبي بكر ، ولم يكن نصّ على خلافة غيره.

وبايعه عليّ حيث رآه أهلا للخلافة ، عاقلا ، صبورا ، مداريا ، شيخا للإسلام.

ولم يكن غرض بين الصحابة لأجل السلطنة والزعامة ، بل غرضهم كان إقامة الحقّ وتقويم الشريعة ليدخل الناس كافّة في دين الإسلام.

وقد كان هذا يحصل من خلافة أبي بكر ، فسلّموا إليه الأمر ، وكانوا أعوانا له في إقامة الحقّ.

هذا هو المذهب الصحيح ، والحقّ الصريح ، الذي عليه السواد الأعظم من الأمّة ،

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليكم بالسواد الأعظم »(٢) .

__________________

(١) تقدّم قريبا في الصفحة ٢٦٤.

وانظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٤٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٨٩ حوادث سنة ١١ ه‍ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ١٨٧ حوادث سنة ١١ ه‍.

(٢) مسند أحمد ٤ / ٣٨٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٣٩ ح ٨٠ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٣٩.

٢٧٥

وأمّا ما استدلّ به من الوجوه العقلية على خلافة عليّ :

فالأوّل : وجوب كون الإمام معصوما ، وقد قدّمنا عدم وجوبه ، لا عقلا ولا شرعا(١) .

وجواب الثاني : عدم اشتراط أن لا تسبق منه معصية كما قدّمنا(٢) .

وجواب الثالث : عدم وجوب النصّ ؛ لأنّ الإجماع في هذا كالنصّ.

وجواب الرابع : عدم وجوب كون الإمام أفضل من الرعيّة ـ كما ذكر ـ إذا ثبت أفضليّة عليّ كرّم الله وجهه.

وجواب الخامس : إنّ أوصاف الزهد والعلم والشجاعة والإيمان كانت موجودة في المشايخ الثلاثة ، وأمّا الأكمليّة في هذه الأوصاف ، فهي غير لازمة إذا كانوا أحفظ للحوزة.

* * *

__________________

(١) راجع الصفحة ٢١ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحة ٢١ وما بعدها من هذا الجزء.

٢٧٦

وأقول :

يرد على دليلهم الأوّل : إنّ النصّ على خلافة عليّ واقع كما ستعرف

وإنّ الإجماع على بيعة أبي بكر لم يقع ؛ كيف؟! ولم يبايعه زعيم الخزرج وسيّدهم سعد بن عبادة ولا ذووه ، إلى أن مات أبو بكر

ولم يبايعه سيّد المسلمين ومولاهم ومن يدور معه الحقّ حيث دار(١) إلّا بعد ما هجموا عليه داره وهمّوا بإحراق بيته(٢) ، كما ستعرفه في مطاعن أبي بكر.

وكذلك الزبير ، لم يبايع إلّا بعد أن كسروا سيفه وأخذوه قهرا(٣) .

ولا المقداد ، إلّا بعد ما دفعوا في صدره وضربوه(٤) .

وكذلك جملة من خيار المسلمين ، لم يبايعوا إلّا بعد الغلبة والقهر ، كسلمان وأبي ذرّ وعمّار وحذيفة وبريدة وأشباههم ، وكذا كثير من سائر

__________________

(١) راجع الصفحة ٢٤٩ ه‍ ٢ من هذا الجزء.

(٢) مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٢ ب‍ ٤٣ ح ٤ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣٠ ، أنساب الأشراف ٢ / ٢٦٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٣ حوادث سنة ١١ ه‍ ، العقد الفريد ٣ / ٢٧٣ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٥١ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٤٨ ، المختصر في أخبار البشر ١ / ١٥٦ ، كنز العمّال ٥ / ٦٥١ ح ١٤١٣٨.

(٣) الإمامة والسياسة ١ / ٢٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٣ و ٢٣٤ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٢٦ حوادث سنة ١١ ه‍ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٨٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٤٨.

(٤) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٧٤.

٢٧٧

المسلمين(١) .

ففي شرح النهج(٢) ، عن البراء بن عازب ، قال :

« لم أزل محبّا لبني هاشم ، فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خفت أن تتمالأ قريش على إخراج الأمر عنهم

إلى أن قال : فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية ، لا يمرّون بأحد إلّا خبطوه وقدّموه ، فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى » الحديث.

.. إلى غير ذلك ممّا يدلّ على أنّ بيعة أبي بكر لم تتمّ إلّا بالقهر والغلبة ؛ ولذا أخّروا دفن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيّام(٣) !

فهل ترى مع هذا يصحّ لمسلم دعوى الإجماع ، ويجزم بوقوعه ، ولا يعتريه الريب فيه ، حتّى يجعله مستندا لدينه الذي يلقى الله عزّ وجلّ به؟!

هذا ، وقد يوجّه الاستدلال بالإجماع بأمرين :

الأوّل : عدم الاعتداد بخلاف البعض إذا حصل اتّفاق الغالب

وفيه : إنّ اتّفاق الغالب ليس بإجماع حقيقة ، ولا حجّة أصلا ؛ لعدم الدليل ، وإلّا لزمهم القول بانعزال عثمان لاتّفاق أكثر أهل الحلّ والعقد على عزله ، فقتل لا متناعه.

__________________

(١) راجع الصفحة ٢٤٥ ه‍ ١ من هذا الجزء.

(٢) ص ٧٣ من المجلّد الأوّل [ شرح نهج البلاغة ١ / ٢١٩ ]. منهقدس‌سره .

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٨ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ٤ / ٥٠٥.

٢٧٨

الثاني : ما ذكره ابن أبي الحديد(١) ، قال : « احتجّ أصحابنا بالإجماع ، فاعتراض حجّتهم بخلاف سعد وولده وأهله اعتراض جيّد وليس يقول أصحابنا : هؤلاء شذّاذ ، فلا نحفل بخلافهم ؛ وإنّما المعتبر الكثرة التي بإزائهم ، وكيف يقولون هذا وحجّتهم الإجماع ، ولا إجماع؟!

ولكنّهم يجيبون عن ذلك بأنّ سعدا مات في خلافة عمر ، فلم يبق من يخالف في خلافته ، فانعقد الإجماع عليها وبايع ولد سعد وأهله من قبل.

وإذا صحّت خلافة عمر صحّت خلافة أبي بكر ؛ لأنّها فرع عنها ، ومحال أن يصحّ الفرع ويكون الأصل فاسدا ».

وفيه : إنّه لو سلّم الإجماع على خلافة عمر ورضى جميع الأمّة ، فإمامته إنّما تصحّ حين تحقّق الإجماع لا قبله ، فتكون أصلا برأسها لا فرعا.

كيف؟! ودعوى الفرعيّة منافية لاستناد صحّة إمامة عمر إلى الإجماع الحادث عليها!

نعم ، كانت فرعا عنها حيث كان الأصل والفرع فاسدين.

وأمّا دليلهم الثاني ؛ ففيه : إنّهم إن أرادوا ثبوت الإجماع على حقّيّة أحد الثلاثة بعد موت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل بيعة أبي بكر ، فهو ممنوع ؛ لأنّ المسلمين ، أو أهل الحلّ والعقد منهم ، لم يجتمعوا حتّى تعرف آراؤهم ، ومن اجتمع منهم في السقيفة كان بعضهم يرى أنّ سعدا حقيق بها ، فكيف يدّعى الإجماع حينئذ على حقّيّة أحد الثلاثة بالخصوص؟!

على أنّا لم نسمع أنّ أحدا ذكر العبّاس حينئذ!

__________________

(١) ص ٢٢٤ من المجلّد الأوّل [ ٣ / ٦ ]. منهقدس‌سره .

٢٧٩

وأيضا : فمذهب القوم أنّ كلّ من جمع العدالة والاجتهاد وغيرهما من الصفات السابقة حقيق بالخلافة ، فما معنى الاختصاص بالثلاثة حتّى يجمع عليه الصحابة؟!

ومجرّد الترجيح لهم ، لا يقتضي الاختصاص بهم وعدم صلوح غيرهم للخلافة.

وإن أرادوا ثبوت الإجماع بعد بيعة أبي بكر ، فهو ينافي ما زعموه من الإجماع على أبي بكر خاصّة إن اتّفق زمن الإجماعين ، وإلّا بطل الإجماع على حقّيّة أحد الثلاثة ، سواء تقدّم أم تأخّر ؛ لأنّ الإجماع على تعيين واحد هو الذي يجب اتّباعه ، فيكون الحقّ مختصّا بأبي بكر ، ولم يصحّ جعل الإجماع على حقّيّة أحد الثلاثة دليلا ثانيا.

ويحتمل بطلان الإجماع المتقدّم وصحّة المتأخّر مطلقا ؛ وهو الأقرب.

وأمّا ما زعمه من إمكان منازعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فممنوع ؛ إذ لا ناصر له إلّا أقلّ القليل ، ولذا قالعليه‌السلام في خطبته الشقشقية :

«فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء »(١) .

.. إلى غير ذلك من متواتر كلامه(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة : ٤٨ الخطبة ٣.

(٢) فقد ثبت في الأحاديث أنّ الأمّة ستغدر بأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تبدي ضغائنها وبغضها وحسدها له إلّا بعد ذلك ـ كما سيأتي قريبا ـ ، وقد شكاعليه‌السلام قريشا وعداوتها له إلى الله في غير موضع ، وأستعدى الله تعالى عليها

انظر في ذلك مثلا : نهج البلاغة : ٤٧٢ رقم ٢٢ وص ٥٠٦ رقم ٢٠٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٦ / ١٥١ وج ٢٠ / ٢٩٨ رقم ٤١٣.

٢٨٠