دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق4%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98836 / تحميل: 5018
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٥٧-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وقال الفضل(١) :

كان عادة أرباب المباهلة أن يجمعوا : أهل بيتهم وقراباتهم ؛ ليشمل البهلة(٢) سائر أصحابهم ، فجمع رسول الله أولاده ، ونساءه.

والمراد بالأنفس ها هنا : الرجال ، كأنّه أمر بأن يجمع نساءه وأولاده ورجال أهل بيته.

فكان النساء : فاطمة ، والأولاد : الحسن والحسين ، والرجال :

رسول الله وعليّ.

وأمّا دعوى المساواة التي ذكرها ، فهي باطلة قطعا ، وبطلانها من ضروريات الدين ؛ لأنّ غير النبيّ من الأمّة لا يساوي النبيّ أصلا ، ومن ادّعى هذا فهو خارج عن الدين.

وكيف يمكن المساواة ، والنبيّ نبيّ مرسل خاتم الأنبياء ، وأفضل أولي العزم ، وهذه الصفات كلّها مفقودة في عليّ؟!

نعم ، لأمير المؤمنين عليّ في هذه الآية فضيلة عظيمة ، وهي مسلّمة ، ولكن لا تصير دالّة على النصّ بإمامته.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٦٢.

(٢) الابتهال : التضرّع ، والاجتهاد في الدعاء وإخلاصه لله عزّ وجلّ.

والبهل : اللعن ، والمباهلة : الملاعنة.

انظر مادّة « بهل » في : الصحاح ٤ / ١٦٤٢ ، لسان العرب ١ / ٥٢٢.

٤٠١

وأقول :

دعوى العادة كاذبة! ولا أدري متى اعتيد أصل المباهلة حتّى يعتاد فيها جمع الأهل والأقارب؟!

ولو كانت هناك عادة بذلك لاعترض النصارى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمخالفتها ، حيث لم يجمع من أهله وأقاربه إلّا القليل!

ولو سلّم ، فمخالفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للعادة دليل على أنّ محلّ العناية الإلهيّة ، والكرامة النبويّة ، هو من جمعهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله سبحانه ، دون بقيّة أقاربه كالعبّاس وبنيه ، وسائر بني هاشم وبناتهم ، وبنات الزهراءعليها‌السلام ، ودون زوجاته ، مع أنّهنّ من نسائه ، ومن أهل بيت سكناه.

وقد عرف أنّهم محلّ عناية الله والشرف عنده ، ومحلّ الخطر والعظمة لديه ، أسقف نجران حيث قال ـ كما عن ابن إسحاق ، ورواه في « الكشّاف » ـ : « إنّي لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها »(١) .

وفي تفسيري الرازي والبيضاوي : « لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها »(٢) .

ثمّ قال الرازي : « واعلم أنّ هذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث »(٣) .

__________________

(١) تفسير الكشّاف ١ / ٤٣٤.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩٠ ، تفسير البيضاوي ١ / ١٦٣.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩٠.

٤٠٢

فيا عجبا قد عرف ذلك لهم النصارى وأنكره من يدّعي الإسلام ، كالفضل وأمثاله! حتّى جعلوا جمعهم من العاديّات ، لا لكرامتهم وفضلهم عند الله تعالى وعزّتهم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وما اكتفى الفضل بمشاركة سائر أقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسائه لهم حتّى أضاف إليهم أصحابه ، فقال : « لتشمل البهلة سائر أصحابهم » ، وهو ضروري البطلان ؛ لأنّ شمولها لهم إن كان باعتبار التبعيّة ، فلا حاجة إلى إحضار الأربعة الأطيبين ؛ لأنّ الكلّ أتباعه

وإن كان لأجل المباشرة ، فالأصحاب كبقيّة الأقارب غير مباشرين.

ولو شملت البهلة غير الأربعة لأحضر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من غيرهم ، ولو واحدا من أفاضل الأقارب والأصحاب!

فلا بدّ أن يكون تخصيص الله والرسول للأربعة الطاهرين ؛ لعناية الله بهم ، وبيانه لفضلهم وكرامتهم عند النبيّ ، وعزّتهم عليه ، واستعانته بدعائهم ، كما قال سبحانه :( ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا دعوت فأمّنوا » ، كما رواه الزمخشري والرازي والبيضاوي وغيرهم(١)

إذ كلّما كثر محلّ العناية ومنجع(٢) الاستجابة ، كان أدخل بالإجابة ؛ لأنّ الاستكثار منهم أظهر في إعظام الله والرغبة إليه ، ولذا يستحبّ في الأدعية كثرة تعظيم الله بأسمائه المقدّسة ، وشدّة إظهار الخضوع لجلاله.

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٤٣٤ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩٠ ، تفسير البيضاوي ١ / ١٦٣ ، وانظر : دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٣٥٥ ح ٢٤٥ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٢.

(٢) المنجع ـ والجمع : مناجع ـ : محالّ ومواضع حصول التأثير والنفع والفائدة ؛ انظر مادّة « نجع » في : لسان العرب ١٤ / ٥٥ ، تاج العروس ١١ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠.

٤٠٣

وبذلك يعلم أفضليّة الحسن والحسين ، فضلا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام والزهراءعليها‌السلام ، على جميع الصحابة وأقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإنّ استعانة سيّد النبيّين بهما في الدعاء بأمر الله سبحانه مع صغرهما ، ووجود ذوي السنّ من أقاربه ، وأصحابه ، لأعظم دليل على امتيازهما بالشرف عند الله ، وتميّزهما مع صغرهما بالمعرفة والفضل ، ولذا قال :( ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) ، فجعل الحسنين ممّن تشمله اللعنة لو كانا من الكاذبين ، وأشركهما في تحقيق دعوة الإسلام ، وتأييد دين الله

فكانا شريكي رسول الله ، وأمير المؤمنين ، والزهراء في ذلك ، ممتازين على الأمّة كما امتاز عيسى وهو صبيّ على غيره.

فظهر دلالة الآية الكريمة على أفضلية الأربعة الأطهار ، ولا سيّما أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ لأنّها جعلته نفس النبيّ ، وعبّرت عنه بالأنفس بصيغة الجمع ، كما عبّرت عن فاطمة بالنساء للإعلام من وجه آخر بعظمهم.

وقول الفضل : « والمراد بالأنفس هاهنا الرجال » ، باطل لوجهين :

الأوّل : إنّ أمر الشخص نفسه ودعوته لها مستهجن ومخالف لما ذكره الأصوليّون من أنّ المتكلّم لا يشمله خطابه ، فإذا قال : يا أيّها الناس اتّقوا الله ؛ لا يكون من المخاطبين ، وإذا دعا الجماعة لا يكون من المدعوّين(١) .

الثاني : ما نقله ابن حجر في ( صواعقه ) عند ذكر الآية ، وهي الآية التاسعة من الآيات النازلة في أهل البيتعليهم‌السلام ، عن الدارقطني : « إنّ عليّا

__________________

(١) انظر مثلا : التبصرة في أصول الفقه : ٧٣ ، إرشاد الفحول : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٤٠٤

يوم الشورى احتجّ على أهلها فقال لهم : أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرحم منّي ، ومن جعله نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه ، غيري؟!

قالوا : اللهمّ لا »(١) .

ونقل الواحدي وغيره ، عن الشعبي ، أنّه قال :( أَبْناءَنا ) الحسن والحسين ،( ونِساءَنا ) فاطمة ،( وأَنْفُسَنا ) عليّ بن أبي طالب(٢) .

وأمّا ما ذكره الفضل من أنّ دعوى المساواة خروج عن الدين ، فخروج عن سنن الحقّ المبين ؛ لأنّ مقصود المصنّفرحمه‌الله هو المساواة في الخصائص والكمال الذاتي ، عدا خاصّة أوجبت نبوّته وميّزته عنه ، وهو مفاد ما حكاه في « كنز العمّال » في فضائل عليّعليه‌السلام (٣) ، عن ابن أبي عاصم ، وابن جرير ، قال : وصحّحه ، وعن الطبراني في « الأوسط » ، وابن شاهين في « السنّة » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «ما سألت الله لي شيئا إلّا سألت لك مثله ، ولا سألت الله شيئا إلّا أعطانيه ، غير أنّه قيل لي : إنّه لا نبيّ بعدك »(٤) .

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣٩.

(٢) أسباب النزول : ٥٧ ، وانظر : دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ح ٢٤٤.

(٣) ص ٤٠٧ من الجزء السادس [ ١٣ / ١١٣ ح ٣٦٣٦٨ وص ١٥١ ح ٣٦٤٧٤ وص ١٧٠ ح ٣٦٥١٣ ]. منهقدس‌سره .

(٤) انظر : السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٨٢ ح ١٣١٣ ، المعجم الأوسط ٨ / ٨٢ ح ٧٩١٧ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥١ ح ٨٥٣٢ و ٨٥٣٣ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٥٧ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٥٠ ح ١٧٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١١٠ ح ١١٧ وص ١٤٣ ح ١٦٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣١٠ ـ ٣١١ ، ذخائر العقبى : ١١٥ ، فرائد السمطين ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ح ١٧١ و ١٧٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠.

٤٠٥

ويدلّ عليه ما روي مستفيضا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ عليّا منّي وأنا منه »(١) .

فتدلّ الآية الشريفة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ لأنّ مساواته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في خصائصه عدا مزية النبوّة تستوجب أن يكون مثله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأفضل من غيره بكلّ الجهات ، وأن يمتنع صيرورته رعيّتة ومأمورا لغيره ، كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

بل يكفي في الدلالة على إمامته مجرّد دلالتها على أفضليّته من جميع الأمّة(٢) .

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٢ ح ٩ وج ٥ / ٨٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٩ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ـ ٥٩١ ح ٣٧١٢ وص ٥٩٣ ح ٣٧١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٦ و ٨١٤٧ وص ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ٨٤٥٣ ـ ٣٤٥٥ وص ١٢٨ ح ٨٤٥٩ وص ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٨٤٧٤ ، مسند أحمد ٤ / ١٦٤ و ١٦٥ و ٤٣٧ ـ ٤٣٨ وج ٥ / ٣٥٦ ، مسند الطيالسي : ١١١ ح ٨٢٩ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٧ ح ٢٠٣٩٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ح ٨ وص ٤٩٩ ح ٢٧ وص ٥٠٤ ح ٥٨ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٥٠ ح ١١٨٧ وص ٥٨٤ ح ١٣٢٠ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ح ٣٥٥ ، مسند الروياني ١ / ٦٢ ح ١١٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤١ ـ ٤٢ ح ٦٨٩٠ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٢٨ ح ٢٦٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٩ ح ٤٥٧٩ ، حلية الأولياء ٦ / ٢٩٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٠٦ ـ ٢١١ ح ٢٦٧ ـ ٢٧٦ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٥ و ٤٧٦٦ و ٤٧٦٨.

(٢) كما يمكن الاستدلال بآية المباهلة على إمامة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بضميمة تفسير قوله تعالى :( ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ) سورة التوبة ٩ : ١٢٠

و( نَفْسِهِ ) هنا هو عليّعليه‌السلام ، ولو كان الضمير يعود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقال : « ولا يرغبوا بأنفسهم عنه » كما هو مقتضى البلاغة وخصوص المورد لا يخصّصه.

انظر : العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية : ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

٤٠٦

ويستفاد من الرازي في تفسير الآية تسليم دلالتها على أفضليّته من الصحابة ؛ لأنّه نقل عن الشيخ محمود بن الحسن الحمصي(١) أنّه استدلّ بجعل عليّعليه‌السلام نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على كونه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ النبيّ أفضل منهم وعليّ نفسه.

ونقل عن الشيعة قديما وحديثا الاستدلال بذلك على فضل عليّ على جميع الصحابة.

وما أجاب الرازي إلّا عن الأوّل ، بدعوى الإجماع على أنّ الأنبياء أفضل من غيرهم قبل ظهور الشيخ محمود(٢) .

وفيه : إنّ الإجماع إنّما هو على فضل صنف الأنبياء على غيره من الأصناف ، وفضل كلّ نبيّ على جميع أمّته ، لا فضل كلّ شخص من الأنبياء على كلّ من عداهم حتّى لو كان من أمم غيرهم.

فذلك نظير تفضيل صنف الرجال على صنف النساء ، حيث إنّه لم يناف فضل بعض النساء على كثير من الرجال.

ولم يختصّ تفضيل أمير المؤمنين على من عدا محمّد من الأنبياء

__________________

(١) هو : تاج الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي ، المعروف بتاج الرازي أو سديد الدين ، فقيه أصولي ، ورع ثقة ، متكلّم ، من علماء الإمامية الأعلام ، له تصانيف كثيرة منها : التعليق الكبير ، التعليق الصغير ، المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد ، التبيين والتنقيح في التحسين والتقبيح ، بداية الهداية ، نقض الموجز ، وغيرها ؛ توفّي في أوائل المئة السابعة.

انظر : فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم : ١٦٤ رقم ٣٨٩ ، رياض العلماء ٥ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، هديّة العارفين ٦ / ٤٠٨ ، طبقات أعلام الشيعة / الثقات العيون في سادس القرون : ٢٧٧ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨٢٠ رقم ١٦٦٥٤.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٩١.

٤٠٧

بالشيخ محمود ، حتّى ينافي ما ادّعاه الرازي من الإجماع(١)

بل قال به الشيعة قبل وجود الشيخ محمود وبعده ، مستدلّين بالآية الكريمة ، وغيرها من الآيات والأخبار المتضافرة ، التي ليس المقام محلّ ذكرها ، وستعرف بعضها(٢) .

__________________

(١) كما أجاب السيّد عليّ الحسيني الميلاني عن هذا الإجماع المدّعى ، في مبحث آية المباهلة من كتابه : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٤٦١ ـ ٤٦٦ ؛ فراجع!

(٢) ومن المضحك الدالّ على إرادة القوم إطفاء أنوار آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما نقله السيوطي [ الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٣ ] في تفسير الآية ، عن ابن عساكر [ تاريخ دمشق ٣٩ / ١٧٧ ] ، أنّه أخرج عن جعفر بن محمّد ، عن أبيهعليهما‌السلام ، في هذه الآية ، أنّه قال : « فجاء بأبي بكر وولده ، وبعمر وولده ، وبعثمان وولده ، وبعليّ وولده »!!

إذ لو صحّ هذا لملأ القوم به الطوامير ، ولما خفي أمره عليهم حتّى يظهره الإمام جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، ولكانت رواية عائشة له أقرب إلى فخرها من ذكر تقبيل النبيّ ٦ إيّاها ، ومسابقته معها ، ولعبها بالبنات في بيته ، وغناء الجواري لها بحضرته ، ووضع خدّها على خدّه بمنظر الأجانب وهي تنظر إلى لعب الحبشة إلى غير ذلك من مفاخرها!!

وما أدري أيّ ولد خلفائهم يصلح للمباهلة به؟!

أعبد الرحمن بن أبي بكر ، أم عبيد الله بن عمر ، الذي قتل نفسا بغير نفس ، وحارب الله ورسوله بحرب أمير المؤمنين بصفّين؟!

أم من تظاهرتا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي حاربت إمام زمانها ، ولم تقرّ في بيتها ، وشتّتت أمر المسلمين ، وقتلت الآلاف العديدة منهم؟!

أم غيرهم من أولادهم ، كعبد الرحمن وعاصم ابني عمر بن الخطّاب ، اللذين شربا الخمر ، كما ذكره في العقد الفريد ، في أواخر الجزء السادس [ ٥ / ٢٨٣ ] ، تحت عنوان : « من حدّ من الأشراف في الخمر وشهّر بها » ، وذكر معهما أخاهما عبيد الله؟!

ويا عجبا ما اكتفى هذا الراوي بالكذب حتّى نسبه إلى جعفر الصادق وأبيه ، _

٤٠٨

وكيف كان ، فقد استفاضت الأخبار بنزول الآية بأهل الكساء ، حتّى روى مسلم والترمذي ـ كلاهما في باب فضائل عليّعليه‌السلام ـ عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : « لمّا نزلت هذه الآية :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال :اللهمّ هؤلاء أهلي »(١) .

ونقله السيوطي أيضا عن ابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في سننه(٢) .

ولا يخفى ما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هؤلاء أهلي » من اختصاص أهل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأربعة الأطهار ، كما يدلّ عليه أيضا حديث الكساء ، وغيره.

ونقل السيوطي أيضا ، عن البيهقي في « الدلائل » ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كتب إلى أهل نجران وذكر خبرا طويلا قال في آخره :

« فلمّا أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل مشتملا على الحسن والحسين ،

__________________

اللذّين قد علم منهما الخلاف ، وتضافرت الأخبار عنهما باختصاص الآية بأهل الكساء!!

وليت شعري ألم يستح القوم من ذكر هذه الرواية المضحكة؟!!

منهقدس‌سره .

نقول : وقد استوفى السيّد عليّ الحسيني الميلاني البحث حول سند الحديث الموضوع ، المشار إليه آنفا في كلام الشيخ المظفّر قدّس سرّه ـ ، في كتابه : الرسائل العشر : الرسالة ٧ ـ رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة / الحديث الثاني ـ حديث المباهلة / ص ١٣ ـ ١٨ ، وكذا في مبحث آية المباهلة من كتابه : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٤١٦ ـ ٤٢٠ ؛ فراجع!

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤.

(٢) الدرّ المنثور ٢ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٣ ح ٤٧١٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٦٣.

٤٠٩

وفاطمة تمشي خلف ظهره ، للملاعنة ، وله يومئذ عدّة نسوة »(١) الحديث

وقد أشار بقوله : « وله عدّة نسوة » إلى أنّ أزواجه لسن من أهل المباهلة ، ولا من محلّ العناية!

.. إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة ، أو المتواترة ، التي تقدّمت الإشارة إلى بعضها في كلام الرازي وغيره.

* * *

__________________

(١) الدرّ المنثور ٢ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، وانظر : دلائل النبوّة ٥ / ٣٨٥ ـ ٣٨٨.

٤١٠

٧ ـ آية :( فَتَلَقَّى آدَمُ )

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

السابعة : قوله تعالى :( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ) (٢) .

روى الجمهور ، عن ابن عبّاس ، قال : سئل رسول الله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال :سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ ؛ فتاب عليه (٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٧.

(٣) انظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ح ٨٩ ، الدرّ المنثور ١ / ١٤٧.

٤١١

وقال الفضل(١) :

اختلف المفسّرون في هذه الكلمات

فقال بعضهم : هو التسبيح والتهليل والتحميد(٢) .

وقال بعضهم : هي مناسك الحجّ ، فيها غفر ذنوب آدم(٣) .

وقال بعضهم : هي الخصال العشرة(٤) التي سمّيت خصال الفطرة ، وقد أمر آدم بالعمل بها ليتوب الله عليه(٥) .

ولو صحّ ما رواه عن الجمهور ـ ولا نعرف هذا الجمهور ـ لدلّ على فضيلة كاملة لعليّ ، ونحن نقول بها ، ونعلم أنّ التوسّل بأصحاب العباء من أعظم الوسائل وأقرب الذرائع ، ولكن لا يدلّ على نصّ الإمامة ، فخرج الرجل من مدّعاه ؛ ويقيم الدلائل على فضائل عليّ من نصّ القرآن! وكلّ هذه الفضائل مسلّمة.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٧٧.

(٢) تفسير القرطبي ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٣) الدرّ المنثور ١ / ١٤٥ ، تفسير الفخر الرازي ٣ / ٢١.

(٤) كذا ، والصواب لغة : « العشر ».

(٥) لم نعثر على من سمّى الخصال العشر بخصال الفطرة ، وقد روي في تفسير الآية :( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ ) سورة البقرة ٢ : ١٢٤ ، عن ابن عبّاس أنّه قال : هي عشر خصال ، كانت فرضا في شرعه وهي سنّة في شرعنا ، خمس في الرأس وخمس في الجسد ، أمّا التي في الرأس : فالمضمضة والاستنشاق وفرق الرأس وقصّ الشارب والسواك ، وأمّا التي في البدن : فالختان وحلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظفار والاستنجاء بالماء.

انظر : تفسير الفخر الرازي ٤ / ٤٢ ، فتح القدير ١ / ١٣٧.

ويبدو أن الأمر اختلط على الفضل ، إذ لا يخفى عدم ملاءمة هذا المعنى مع الآية الكريمة مورد البحث ، وهي :( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ) ؛ فلاحظ!

٤١٢

وأقول :

لا مناسبة بين مناسك الحجّ ونحوها ـ ممّا هو من قسم الأفعال ـ وبين الكلمات التي هي من الأقوال ، فكيف يحسن أن تفسّر بها؟!

ولا يهمّنا اختلافهم بعد ما صرّحت أخبارهم بالمدّعى

ففي « الدرّ المنثور » ، عن ابن النجّار ، بسنده إلى ابن عبّاس ، قال : سألت رسول الله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه.

قال :سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ ؛ فتاب عليه (١) .

ومثله في « ينابيع المودّة »(٢) .

وفي « منهاج الكرامة » للمصنّف ، عن ابن المغازلي ، بسنده إلى ابن عبّاس ، إلّا أنّه قال : « سئل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله » بالبناء للمجهول ، كما ذكره المصنّفرحمه‌الله هنا(٣) .

ونقله ابن الجوزي ، عن الدارقطني ، بلفظ : « سألت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، قال الدارقطني : حدّثنا أبو ذرّ أحمد بن محمّد بن أبي بكر الواسطي ، حدّثنا محمّد بن علي بن خلف العطّار ، حدّثنا حسين الأشقر ، حدّثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : « سألت

__________________

(١) الدرّ المنثور ١ / ١٤٧.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ٢٨٨ ب‍ ٢٤ ح ٤.

(٣) منهاج الكرامة : ١٢٤ ، وراجع : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ح ٨٩.

٤١٣

النبيّ »(١) الحديث.

وزعم ابن الجوزي في ( الأحاديث الموضوعة ) أنّه موضوع ، قال : « تفرّد به عمرو ، عن أبيه أبي المقدام ؛ وتفرّد به حسين ، عنه

وعمرو : قال يحيى [ بن معين ] : لا(٢) ثقة ، ولا مأمون.

وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات عن الأثبات »(٣) .

وفيه : إنّ التفرّد لو تمّ لا يقتضي الوضع ، ولا سيّما في فضائل آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذين يخشى من يروي لهم فضيلة أسنّة الضلال ، وألسنة الضلّال ، بل روايته في فضائلهم بتلك العصور تشهد بوثاقته ، كما سبق في المقدّمة(٤) .

وأمّا ما حكاه عن يحيى ، فلو اعتبرناه فهو معارض بما حكاه عنه في « ميزان الاعتدال » أنّه قال : لا يكذب في حديثه(٥) .

على أنّ ضعف الراوي لا يقتضي وضع روايته!

وأمّا ابن حبّان ، فمع عدم اعتبار قوله ـ كما عرفته في مقدّمة الكتاب(٦) ـ ، لا يقتضي كلامه وضع هذا الحديث بعينه ، مع أنّه قد شهد لعمرو ، أبو داود بالصدق في الحديث ، قال : ليس في حديثه نكارة.

وقال : هو رافضي خبيث ، وكان رجل سوء ، ولكنّه صدوقا في الحديث.

__________________

(١) الموضوعات ٢ / ٣.

(٢) في المصدر : « غير ».

(٣) الموضوعات ٢ / ٣.

(٤) انظر : ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٥) ميزان الاعتدال ٥ / ٣٠٢ رقم ٦٣٤٦.

(٦) انظر : ج ١ / ٣٥ ـ ٣٦ من هذا الكتاب.

٤١٤

وقال أيضا : رافضي خبيث ، ولكن ليس يشبه حديثه أحاديث الشيعة ـ يعني أنّه مستقيم [ الحديث ] ـ.

كما ذكر ذلك كلّه ابن حجر في « تهذيب التهذيب » ، وذكر بعضه في « ميزان الاعتدال »(١) .

وبالجملة : إنّ الرجل صدوق كما قاله أبو داود ، فلا يصحّ نسبة الوضع إليه ، وإنّما طعن به القوم لتشيّعه.

ويعضد هذا الحديث ما نقله السيوطي في « الدرّ المنثور » ، عن الديلمي في « مسند الفردوس » ، بسند أخرجه عن عليّ ، قال : سألت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول الله تعالى :( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ) (٢) .

فقال : إنّ الله أهبط آدم بالهند إلى أن قال : حتّى بعث الله إليه جبرئيل ، قال : قل :

اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد ، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي ، فاغفر لي ، إنّك أنت الغفور الرحيم.

اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد ، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي ، فتب عليّ ، إنّك أنت التوّاب الرحيم.

فهذه الكلمات التي تلقّى آدم »(٣) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ١٢٢ رقم ٥١٥٦ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٣٠٣ رقم ٦٣٤٦.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٧.

(٣) الدرّ المنثور ١ / ١٤٧.

٤١٥

وأمّا دلالة هذه الآية مع تفسيرها بهذه الأخبار على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأوضح من أن تحتاج إلى بيان ؛ لأنّ توسّل شيخ النبيّين بمحمّد وآله ـ بتعليم الله سبحانه ـ وهم في آخر الزمان ، والإعراض عن أعاظم المرسلين وهم أقرب إليه زمانا ، لأدلّ دليل على فضلهم على جميع العالمين ، وعلى عصمتهم من كلّ زلل وإن كان مكروها.

فإنّ آدم إنّما عصى بارتكاب المكروه ، فلا يصحّ التوسّل بهم في التوبة عمّا ارتكب إلّا لأنّهم لم يرتكبوا معصية ومكروها ، فلا بدّ أن تنحصر خلافة الرسول بآله ؛ لفضلهم على الأنبياء ، وعصمتهم دون سائر أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكيف يكون المعصوم من كلّ زلّة الفاضل حتّى على أعاظم الأنبياء رعيّة ومأموما لسائر الناس ، ولا سيّما من أفنى أكثر عمره بالشرك ، وعبادة الأوثان ، وقضى باقيه بالفرار من الزحف ، والعصيان؟!

* * *

٤١٦

٨ ـ آية :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً )

قال المصنّف ـ نوّر الله ضريحه ـ(١) :

الثامنة : قوله تعالى :( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) (٢) .

روى الجمهور ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «انتهت الدعوة إليّ ، وإلى عليّ ، لم يسجد أحدنا لصنم قطّ ، فاتّخذني [ الله ] نبيّا ، واتّخذ عليّا وصيّا »(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ٣٢٢.

٤١٧

وقال الفضل(١) :

هذه الرواية ليست في كتب أهل السنّة والجماعة ، ولا أحد من المفسّرين ذكر هذا.

وإن صحّ ، دلّ على أنّ عليّا وصيّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمراد بالوصاية : ميراث العلم والحكمة ، وليست هي نصّا في الإمامة كما ادّعاه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٨٠.

٤١٨

وأقول :

قد نقل المصنّفرحمه‌الله هذه الرواية في « منهاج الكرامة » عن ابن المغازلي ، ولم ينكرها ابن تيميّة ، ولكنّه طالب بصحّتها(١) .

وفيه : إنّه لا ريب بصحّتها ؛ لأنّ كلّ من يروي في ذلك الزمان فضيلة لآل محمّد فقد أوقع نفسه في خطري : الموت ، وسقوط الشأن ، ولا موجب له إلّا الوثاقة وحبّ الصدق بتلك الرواية ، كما عرفته في مقدّمة الكتاب(٢) .

على أنّ سند الحديث ليس بأيدينا فعلا ، ولعلّه صحيح عندهم.

وأمّا دلالة الآية بضميمة الحديث على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ فلأنّ الحديث قد دلّ على استجابة دعوة إبراهيم في بعض ذرّيّته ، وصيرورتهم أئمّة للناس لكونهم أنبياء أو أوصياء

ودلّ على أنّ الدعوة انتهت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام ، فكانت إمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باتّخاذ الله له نبيّا ، وإمامة عليّ باتّخاذه وصيّا ، فوصايته لا بدّ أن تكون بإمامته للناس ومن أنواعها.

ولو سلّم أنّ المراد بالوصاية وراثة العلم والحكمة ، فهي من خواصّ الأئمّة ؛ لقوله تعالى :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ

__________________

(١) منهاج الكرامة : ١٢٥ ، وانظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ٣٢٢ ، منهاج السنّة ٧ / ١٣٣.

(٢) انظر ج ١ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤١٩

لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) .

ثمّ إنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لم يسجد أحدنا لصنم قطّ » إشارة إلى انتفاء مانع النبوّة والإمامة عنهما ، أعني : المعصية والظلم المذكور في تلك الآية بقوله سبحانه :( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) .

فيكون معنى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله : انتهت إليّ وإلى عليّ دعوة إبراهيم لذرّيّته ؛ لا نتفاء الظلم عنّا الذي جعله الله مانعا عن نيل الإمامة ، فاتّخذني نبيّا وعليّا وصيّا.

وإنّما خصّ السجود للصنم بالذكر دون سائر الظلم والمعصية ؛ لأنّه الفرد الأهمّ في الانتفاء ، وابتلاء عامّة قومه به.

فالمقصود إنّما هو بيان انتفاء المانع المذكور في الآية عنهما ، لا بيان أنّ عدم السجود للصنم علّة تامّة لانتهاء الدعوة إليهما ، حتّى تلزم إمامة كلّ من لم يسجد لصنم ، وإن كان جاهلا عاصيا

ولا بيان كون عدم السجود للصنم فضيلة مختصّة بهما في دائم الدهر ، حتّى يقال بمشاركة كلّ من ولد على الإسلام لهما.

ولا بيان أنّ عدم السجود للصنم سبب تامّ للأفضلية ، حتّى يقال : إنّ بعض من تاب عن الكفر أفضل ممّن ولد على الإسلام.

ثمّ إنّ المراد بانتهاء الدعوة إليهما : وصولها إليهما ، لا انقطاعها عندهما ؛ لتعديته ب‍ « إلى » ، فلا ينفي إمامة الحسن والحسين ، والتسعة من بعدهما ، وقد ظهر بذلك بطلان ما لفّقه ابن تيميّة في المقام(٣) ، ويظهر منه

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣٣ ـ ١٣٥.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442