دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442
المشاهدات: 92251
تحميل: 4146


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92251 / تحميل: 4146
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-319-357-8
العربية

الذي لا يصدر إلّا من الأنذال وأسافل الناس وأدناهم حياء وغيرة!

كرواية البخاري في الباب الثاني من كتاب العيدين(١)

وفي باب الدرق ، من كتاب الجهاد والسير ، عن عائشة ، قالت : « كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ، فإمّا سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإمّا قال : تشتهين تنظرين؟

فقلت : نعم!

فأقامني وراءه ، خدّي على خدّه ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة(٢) .

حتّى إذا مللت قال : حسبك؟

قلت : نعم.

قال : فاذهبي »(٣) .

فليت شعري كيف حال من يجعل نفسه وزوجته منظرا لأهل الفساد واللهو ، وهو يحثّهم على اللعب ، ويحرّكهم إلى النظر إليهما ملتصقي الخدّين ، وخدّها على خدّه؟!

فهل ترى فوق هذا خلاعة؟!

لعمر الله ما من أحد يؤمن بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرضى بهذه النسبة إلى سيّد المرسلين ، الذي كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها(٤) ، وقال :

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ٥٤ ح ٢ وص ٦٨ ح ٣٤.

(٢) جنس من الحبشة ، أو لقب لهم ، أو اسم أبيهم الأكبر ؛ انظر : تاج العروس ٤ / ٤٦٠ مادّة « رفد ».

(٣) صحيح البخاري ٤ / ١٠٨ ح ١١٨ ، وانظر : صحيح مسلم ٣ / ٢٢.

(٤) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٣١ ح ٦٩ و ٧٠ وج ٨ / ٤٨ ح ١٢٦ ، صحيح مسلم _

٨١

«الحياء من الإيمان »(١)

وكان أشدّ الخلق غيرة ومروءة ، وقال : «من لا مروءة له لا إيمان له »(٢)

وكان أعظم الناس وقارا ، حتّى إنّ ضحكه التبسّم(٣)

فكيف ينقاد إلى هوى عائشة هذا الانقياد ولا يلتفت إلى ما فيه من النقص والهوان؟!

ويا عجبا! كيف يجتمع هذا التهتّك من عائشة مع ما رواه أحمد(٤) عنها؟!

__________________

٧ / ٧٨ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٩٩ ح ٤١٨٠ ، مسند أحمد ٣ / ٧١ و ٧٩ و ٨٨ و ٩١ و ٩٢ ، المعجم الكبير ١٨ / ٢٠٦ ح ٥٠٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٦ / ٩٢ ح ٨.

(١) صحيح البخاري ١ / ٢١ ح ٢٣ ، صحيح مسلم ١ / ٤٦ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٤٠٠ ح ٤١٨٤ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٥٣ ح ٤٧٩٥ ، سنن الترمذي ٤ / ٣٢١ ح ٢٠٠٩ ، سنن النسائي ٨ / ١٢١ ، الموطّأ : ٧٩٠ ح ١٠ ، مسند أحمد ٢ / ٥٦ و ١٤٧ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٣٠٢ ح ٥٤٢٤ وج ١٣ / ٤٨٨ ح ٧٥٠١ ، المعجم الكبير ١٠ / ١٩٦ ح ١٠٤٤٢ وج ١٨ / ١٧٨ ح ٤٠٩ وج ٢٢ / ٤١٣ ح ١٠٢٤ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ١١ / ١٤٢ ح ٢٠١٤٦ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٦ / ٩٢ ح ١٣.

(٢) لم نعثر عليه بهذا اللفظ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلفظ : « كرم المرء تقواه ، ومروءته خلقه ، وحسبه دينه » و « كرم المرء دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه » وما يؤدّي هذا المعنى.

انظر : كتاب المروءة ـ لابن المرزبان ـ : ٢٣ ـ ٣٤ ح ١ ـ ١١.

هذا ، وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام حديث بلفظين قريبين ممّا في المتن ، هما : « من لا دين له لا مروءة له » و « من لا مروءة له لا همّة له » ؛ انظر : غرر الحكم ودرر الكلم ـ للآمدي ـ ٢ / ١٦٣ رقم ٢٨٥ و ٢٨٦.

(٣) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٦١ ـ ٥٦٢ ح ٣٦٤٢ و ٣٦٤٥ ، مسند أحمد ٥ / ٩٧ و ١٠٥ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٤٥٠ ح ٧٤٥٥ وص ٤٥٣ ح ٧٤٥٨ ، المعجم الكبير ٢ / ٢٤٤ ح ٢٠٢٤ ، شرح السنّة ٧ / ٤٢٥ ح ٣٦٤٢.

(٤) مسند أحمد ٦ / ٢٠٢. منهقدس‌سره .

٨٢

قالت : « كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي ، فأضع ثوبي فأقول : إنّما هو زوجي وأبي ، فلمّا دفن عمر معهم فو الله ما دخلت إلّا وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياء من عمر ».

ولا أدري أين ذهب هذا الحياء من الأموات عنها يوم الجمل ، وهي تلفّ الألوف بالألوف من الأحياء؟!

الرابع : إنّ اللهو والصياح منافيان لحرمة المساجد ووضعها ، فكيف يرضى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، ويمكّن منهما فيها أهل اللهو والطرب؟! قال الله تعالى :( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (١) .

فهل كان من عمرانها اللعب والغناء؟!

وروى القوم في صحاحهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من سمع رجلا ينشد ضالّة في المسجد فليقل : لا ردّها الله عليك ؛ فإنّ المساجد لم تبن لهذا »(٢)

وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن تناشد الأشعار في المسجد(٣) ، وأن تقام فيه الحدود(٤) ، وأن ترفع فيه الأصوات ، فكيف يرضى بإعلان اللهو والغناء في

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٨.

(٢) صحيح مسلم ٢ / ٨٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٥٢ ح ٧٦٧ ، سنن أبي داود ١ / ١٢٥ ح ٤٧٣ ، مسند أحمد ٢ / ٣٤٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٢٧٣ ح ١٣٠٢ ، مسند أبي عوانة ١ / ٣٣٩ ح ١٢١٢ و ١٢١٣ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٤٤٧ وج ٦ / ١٩٦ وج ١٠ / ١٠٢.

(٣) انظر : سنن الترمذي ٢ / ١٣٩ ح ٣٢٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٤٧ ح ٧٤٩ ، سنن النسائي ٢ / ٤٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ٢٦٢ ح ٧٩٤ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٢٧٤ ح ١٣٠٤.

(٤) انظر : سنن الترمذي ٤ / ١٢ ح ١٤٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٨٦٧ ح ٢٥٩٩

٨٣

المسجد الأعظم؟!

والعجب أنّهم يروون أنّه يحثّ على اللهو في مسجده!!

ويروي البخاري في باب رفع الصوت في المساجد ، من كتاب الصلاة ، عن السائب ، قال : « كنت قائما في المسجد فحصبني رجل ، فإذا عمر بن الخطّاب ، فقال : اذهب فأتني بهذين ؛ فجئته بهما.

قال : من أنتما؟ ـ أو : من أين أنتما؟ ـ.

قالا : من أهل الطائف.

قال : لو كنتما من أهل هذا البلد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! »(١) .

ولكن لا عجب ، فإنّهم ينسبون تلك الخلاعة القبيحة إلى صفوة الله من خلقه ، ويزعمون أنّ عمر في منتهى الغيرة ، حتّى إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل في المنام قصر عمر في الجنّة رعاية منه لغيرة عمر(٢) !

وذلك كلّه ممّا يكشف عن حال رجالهم وأخبارهم فانظر وتبصّر!

الخامس : إنّ راوي تلك الأخبار ـ التي زعموا دلالتها على إباحة اللهو ـ هو : عائشة ، إلّا ما قلّ عن غيرها ، ومن الواضح أنّها متّهمة بإرادة

__________________

و ٢٦٠٠ ، مسند أحمد ٣ / ٤٣٤ ، المعجم الكبير ٢ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ح ١٥٩٠ وج ٣ / ٢٠٤ ح ٣١٣١.

(١) صحيح البخاري ١ / ٢٠٣ ح ١٢٩ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

(٢) صحيح البخاري ٥ / ٧٥ ذ ح ١٧٦ وج ٧ / ٦٤ ح ١٥٥ و ١٥٦ وج ٩ / ٧٠ ـ ٧١ ح ٤٠ و ٤١ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٤ ، مسند أحمد ٣ / ٣٧٢ وص ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، مسند أبي يعلى ٣ / ٤٦٧ ح ١٩٧٦ وج ٤ / ١٣ ح ٢٠١٤ وص ٥١ ح ٢٠٦٣ ، مسند الطيالسي : ٢٣٨ ح ١٧١٥ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٧ / ٤٨١ ح ٢٥ و ٢٦.

٨٤

الافتخار وإظهار حبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لها ، وبيان فضل أبيها وخليله ، كما هو ظاهر على صفحات تلك الروايات!

وما اكتفت بذلك حتّى جعلت تحرّض الناس على إعطاء بناتهم زمام اللهو واللعب ، وما خصّته بوقت ، فقالت ـ كما في كثير من روايات البخاري وغيره ـ : « فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ ، الحريصة على اللهو »(١) .

ولعلّ هذه التتمّة تشهد بأنّ تلك الأخبار من وضع الكذّابين الّذين يريدون التقرّب إلى ملوك الجهل والفساد ، من الأمويّين والعبّاسيّين وأمرائهم!

فإذا عرفت هذه الأمور ، ظهر لك أنّه لا يستبيح ذو عقل وذو دين الاستدلال بتلك الأخبار على إباحة اللهو في شيء من الأوقات ، لا سيّما والكتاب العزيز ناطق بحرمته(٢) .

وأيّ عاقل يشكّ بكذب تلك الأخبار التي تحطّ من قدر النبيّ والنبوّة؟!

وبذلك يظهر لك حال من نسب إليهم الخصم الاتّفاق على جواز اللهو استنادا إليها!

وأمّا ما ذكره من تتمّة الحديث ، فمن إضافاته ، على أنّها لا تنفعه بالنظر إلى تلك الأمور السابقة

ومن أحبّ الاطّلاع على كذبه في هذه الإضافة ـ أعني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ / ٥٠ ح ١٢٠ ، صحيح مسلم ٣ / ٢٢ ، سنن النسائي ٣ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، مسند أحمد ٦ / ٨٤ و ٨٥ و ١٦٦ و ٢٧٠.

(٢) في قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) سورة لقمان ٣١ : ٦.

٨٥

« فإنّها أيّام عيد » تعليلا لقوله لأبي بكر : « دعها » ـ فليراجع الباب الثاني من كتاب العيدين من صحيح البخاري(١) ، وآخر كتاب العيدين من صحيح مسلم(٢) (٣) .

وأمّا ما ذكره من أنّ ذلك من خصال نساء المدينة ، فمحلّ تأمّل ؛ لأنّه مستفاد من روايات عائشة ، وفيها ما سبق.

وأمّا ما ذكره من إظهار هنّ السرور ، وأنّه عبادة ؛ ففيه : إنّ إظهار السرور وإن كان عبادة ، لكن إذا لم يكن باللهو ، فإنّه يحرّم حينئذ كما لو أظهر بشرب الخمر ونحوه.

وأمّا ما أجاب به عن رقص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأكمامه ـ وحاشاه ـ ، فمن قول الهجر ؛ لأنّ الرقص سفه ظاهر وخلاعة بيّنة ، ومن أكبر النقص بالرئيس ، وأعظم منافيات الحياء والمروءة في تلك الأوقات ، وأشدّ المباينات للرسالة لإرشاد الخلق بتهذيبهم عن السفه والنقائص وتذكيرهم بمقرّبات الآخرة ، لا سيّما بالملأ العامّ مع حضور النقّاد والأضداد ، فلا يمكن أن يلتزم بتسويغه لطلب الألفة وتطييب الخواطر ؛ لأنّ حفظ شرف الرسالة وفخامتها ودفع نقد النقّاد والمشكّكين أهمّ ، بل لا يحسن

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ٥٤ ح ٢.

(٢) صحيح مسلم ٣ / ٢٢.

(٣) إنّ جملة « فإنّها أيّام عيد » التي زعم ابن روزبهان أنّها تتمّة للحديث الذي استدلّ به العلّامة الحلّيقدس‌سره غير موجودة فيه! ولذلك تمسّك الشيخ المظفّرقدس‌سره بتكذيبه إلّا أنّ هذه الجملة مذكورة بعينها في حديث آخر من صحيح البخاري ، وإنّما ألحقها الفضل منه ، وهو غير محلّ النزاع ، فلم يك أمينا في ما نقله! فانظر : صحيح البخاري ٢ / ٦٨ ح ٣٤!

وانظر : صحيح البخاري ٢ / ٥٤ ح ٢ ، صحيح مسلم ٣ / ٢٢ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٤ / ٥٣ ح ٣١٦٨.

٨٦

لذلك أقلّ منافيات المروءة فضلا عن مثل الرقص مع النساء!

وأمّا التشريع ، فلا يصلح أن يكون داعيا لفعل المنافي مع إمكان البيان اللفظي ، كما لا يصلح أن يكون داعيا له إرادة إيمان الناس ؛ لأنّ فعل المنافي مبعّد عنه لا مقرّب له ، حتّى لو أوجب الألفة ، فإنّ الألفة لا توجب الاعتقاد ، ولو سلّم إيجابها له في الجملة فخطر المنافي للمروءة أعظم.

وأمّا استشهاده بالبيت ، ففي محلّه ؛ لأنّا سخطنا على أخبارهم لكذب رواتها واشتمالها على المناكير والأضاليل فأبدينا بعض مساويها ، وأمّا هم فرضوا بها على علّاتها ، فعميت عيون قلوبهم عن معايبها وإن أوهنت مقام النبوّة ، بل ومقام الربوبية! كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

* * *

٨٧

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وفي الصحيحين : إنّ ملك الموت لمّا جاء لقبض روح موسى لطمه موسى ففقأ عينه(٢) .

فكيف يجوز لعاقل أن ينسب موسى ـ مع عظمته ، وشرف منزلته ، وطلب قربه من الله تعالى والفوز بمجاورة عالم القدس ـ إلى هذه الكراهة؟!

وكيف يجوز منه أن يوقع بملك الموت ذلك ، وهو مأمور من قبل الله تعالى؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ / ١٩١ ح ٩٥ وج ٤ / ٣٠٦ ح ٢٠٧ ، صحيح مسلم ٧ / ١٠٠ ؛ وانظر : سنن النسائي ٤ / ١١٨ ـ ١١٩ ، مسند أحمد ٢ / ٢٦٩ و ٣١٥ و ٣٥١ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ١١ / ٢٧٤ ح ٢٠٥٣٠ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ١ / ٢٦٦ ذ ح ٥٩٩ ، مسند أبي عوانة ١ / ١٦٠ ح ٤٦٤ ، مصابيح السنّة ٤ / ٢٣ ـ ٢٤ ح ٤٤٤٠.

٨٨

وقال الفضل(١) :

الموت بالطبع مكروه للإنسان ، وكان موسى رجلا حادّا كما جاء في الأخبار والآثار ، فلمّا صحّ الحديث وجب أن يحمل على كراهته للموت ، وبعثته الحدّة على أن لطم ملك الموت ، كما أنّه ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه ، وهذا الاعتراض وارد على ضرب هارون وكسر ألواح التوراة التي أعطاه الله إيّاها هدى ورحمة ، ويمكن أن يقال : كيف يجوز أن ينسب إلى موسى إلقاء الألواح ، وطرح كتاب الله ، وكسر لوحه ، إهانة لكتاب الله؟! وكيف يجوز له أن يضرب هارون وهو نبيّ مرسل؟!

وكلّ هذه عند أهل الحقّ محمول على ما يعرض البشر من صفات البشرية ، وليس فيه قدح في ملكة عصمة الأنبياء.

وأمّا عند ابن المطهّر فهي محمولة على ذنوب الأنبياء

ولو لم يكن القرآن متواترا ، ونقل لابن المطهّر الحلّي أنّ موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه ، لكان ينكر هذا ويعترض بمثل هذه الاعتراضات ، فلو أنّه أنصف من نفسه يعلم ما نقوله في تعصّبه حقّ.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٤٣.

٨٩

وأقول :

كان موسىعليه‌السلام شديد الغضب لله تعالى ، ولم يكن حادّا تخرجه الحدّة إلى غضب الله عليه.

وقوله : « فلمّا صحّ الحديث » إلى آخره ، باطل

إذ كيف يصحّ حديث يرويه الكذبة عن أبي هريرة الخرافي الكذوب ، وهو يشتمل على ما يحيله العقل؟! فإنّ الأنبياءعليهم‌السلام معصومون عن الذنوب ، لا سيّما الكبائر بإقرار الخصم ، ولا سيّما مثل هذه الجناية الكبرى على أحد عظماء الملائكة ، ورسول الله العامل بأمره ، إن صحّ عقلا أن يقع مثلها على الملائكة الروحانيّين.

ولو سلّم جواز وقوع مثل هذه الكبيرة منهم ، فأيّ عاقل يجوّز على موسى ـ مع عظم شأنه ـ أن يكره الانتقال إلى عالم الكرامة والرحمة ، وهو الهادي والداعي إليه ، والعالم بما أعدّ الله فيه لأوليائه؟!

ولو سلّم خوفه من الموت وكراهته له ، فأيّ عاقل يجوّز قلع عين ملك الموت مع روحانيّته وشفافيّته بلطمة بشر؟!

ولو سلّم أنّه تصوّر له بصورة شخص تؤثّر فيه اللطمة ، فكيف يقدر موسى عليه وهو على شفا جرف الموت ، وملك الموت بقوّته العظمى مؤيّدا بالقدرة الربّانية التي يتسلّط بها على نفوس العالمين بلا كلفة ومقاومة؟!

ويا للعجب! كيف ضيّع الله حقّ الملك المرسل بأمره ولم يقاصّه من

٩٠

موسى ، والقصاص حقّ ثابت في القرآن والتوراة ، بل لم يعاقبه أصلا ، وأكرمه حيث خيّره بين الموت والحياة؟! فهل عند الله هوادة ، أو يختلف حكمه في بريّته؟!

هذا ، وقد حمل بعضهم الحديث على المدافعة عن نفسه ، بدعوى أنّ الملك تصوّر له بصورة إنسان معتد عليه يريد إهلاكه ، فلا معصية منه!(١)

وفيه : إنّه لا يلائم ما في تمام الحديث : فقال : « أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت وقد فقأ عيني »(٢) ، فإنّه يدلّ على شكايته منه والتعريض بذمّه بعدم إرادته للموت ، وهو لا يصحّ إذا كان مدافعا عن نفسه ؛ لوجوب المدافعة وإن أحبّ الموت.

على أنّه لا وجه لتصوّر ملك الموت بصورة معتد ، فإنّه من الحمق والجهل.

ودعوى الامتحان لا وجه لها(٣) ؛ لأنّه إن أريد الامتحان في حبّه للموت فهو لا يناسب تصوّره بصورة من تجب مدافعته ، وإن أريد الامتحان في مخالفة الواجب من المدافعة فهو لا يجامع القول بعصمته ، بل لا معنى لهذا الامتحان ؛ لأنّ كلّ إنسان يدافع بمقتضى طبعه عن نفسه حيث يمكن ، وإن لم تجب عليه المدافعة ، على أنّه لا يلائم التعبير بكراهة الموت إلى تمام الحديث

ويدلّ على معرفة موسى بملك الموت ، فلا يصحّ الحمل المذكور ،

__________________

(١) انظر : فتح الباري ٦ / ٥٤٦ ، إرشاد الساري ٧ / ٣٩٦.

(٢) تقدّم تخريج الحديث عن صحاح القوم ، فراجع الصفحة ٨٨ ه‍ ٢.

(٣) فتح الباري ٦ / ٥٤٦ ـ ٥٤٧.

٩١

ما رواه مسلم بإحدى روايتيه عن أبي هريرة ، قال :

« جاء ملك الموت إلى موسىعليه‌السلام فقال : أجب ربّك.

فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها!

قال : فرجع الملك إلى الله عزّ وجلّ ، فقال : إنّك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ، وقد فقأ عيني.

قال : فردّ الله إليه عينه وقال : ارجع إلى عبدي فقل له : الحياة تريد؟

فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور ، فما توارت يدك من شعره فإنّك تعيش بها سنة.

قال : ثمّ مه؟

قال : ثمّ الموت.

قال : فالآن يا ربّ من قريب »(١) .

فإنّ قوله : « أجب ربّك » دالّ على معرفة موسى بملك الموت ، وإنّه ليس من المعتدين.

وأصرح من هذه الرواية ما رواه أحمد عن أبي هريرة(٢) ، قال :

« كان ملك الموت يأتي الناس عيانا ، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه ، فأتى ربّه فقال : يا ربّ! عبدك موسى فقأ عيني ، ولو لا كرامته عليك

__________________

(١) ونحوه في مسند أحمد ٢ / ٢٦٩ و ٣١٥ و ٣٥١. منهقدس‌سره .

وانظر : صحيح مسلم ٧ / ١٠٠ ، وقد تقدّم تخريجه مفصّلا في الصفحة ٨٨ ه‍ ٢ ، فراجع.

(٢) مسند أحمد ٢ / ٥٣٣. منهقدس‌سره .

وانظر : مجمع الزوائد ٨ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ عن أحمد والبزّار.

٩٢

لعنفت به(١) » الحديث.

ثمّ إنّهم ذكروا في توجيه الحديث أمورا أخر تشبه الخرافة

منها : إنّ موسى أراد إظهار وجاهته عند الملائكة ؛ فإنّ فعل الحرام مناف لدعوى الوجاهة عند الله تعالى ، وهذه الإرادة بهذا الفعل الخاسر أولى أن تقع من الحمقاء السافلين ، لا من الأنبياء والمرسلين!

ومنها : إنّه وقع من غير اختياره ؛ لأنّ للموت سكرات ؛ وكأنّ هذا التوجيه مأخوذ من قول عمر : « إنّ النبيّ ليهجر »(٢) !

__________________

(١) عنف به وعليه : إذا لم يكن رفيقا في أمره ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٤٢٩ مادّة « عنف ».

(٢) روى الجمهور هذا القول بألفاظ متعدّدة ، وعمّوا على اسم قائله في بعضها ، والهدف من ذلك غير خاف

* فقد روي بلفظ : « قالوا : هجر رسول الله! » كما في صحيح البخاري ٤ / ١٦٢ ح ٢٥١

* وبلفظ : « وقالوا : ما شأنه؟! أهجر؟! » و « فقالوا : إنّ رسول الله يهجر! » كما في : صحيح مسلم ٥ / ٧٥ ـ ٧٦ ، مسند أحمد ١ / ٢٢٢ و ٣٥٥ ، مصنّف عبد الرزّاق ٦ / ٥٧ ح ٩٩٩٢ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٢٨

* وبلفظ : « قال عمر كلمة معناها أنّ الوجع قد غلب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » كما في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٥١

* وبلفظ : « قال عمر : إنّ النبيّ غلبه الوجع » و « فقال عمر : إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع » كما في صحيح البخاري ١ / ٦٥ ـ ٦٦ ح ٥٥ وج ٧ / ٢١٩ ح ٣٠ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، مسند أحمد ١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٨٨ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٠١ ح ٦٥٦٣ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ١٢

* وبلفظ : « قال عمر : دعوا الرجل فإنّه ليهجر » كما في سرّ العالمين ـ المطبوع ضمن مجموعة رسائل الغزّالي ـ : ٤٥٣.

وسيأتي تفصيل ذلك في محلّه.

٩٣

وكيف يناسب ذلك تمام الحديث وشكاية ملك الموت منه؟!

وهل هذا الموجّه أعرف بحال موسى من ملك الموت؟!

ومنها : إنّ المراد صكّه بالحجّة وفقأ عين حجّته(١) ؛ ولا أعلم أيّ مباحثة وقعت بينهما ضلّ فيها ملك الموت؟!

وكيف يجتمع هذا مع قوله : « فردّ الله عليه عينه »(٢) إلى آخر الفقرات؟!

وأمّا ما ذكره من النقض بقصّة الألواح ؛ فهو وارد عليه أيضا ؛ لأنّ إلقاءها وكسرها إهانة لكتاب الله [ و ] كفر لا يقوله الخصم ، بل لو لم يقصد به الإهانة كان كبيرة كضرب النبيّ ، وهو يقول بعصمتهم عن الكبائر!

وأمّا ما حمله عليه ؛ فإن أراد به ما يعرض البشر من دون شعور ، فهو من أعظم النقص ، وتجويزه على الأنبياء رافع للثقة بهم ، وهل هذا إلّا كما ذمّ الله عليه الكافرين إذ قالوا :( إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) (٣) ؟! فإنّ سلب الشعور إن لم يكن جنونا فهو بمنزلته ، ولو جاز ، لجاز الجنون عليهم ؛ لأنّه ممّا يعرض البشر أيضا!

وإن أراد به ما لا يسلب معه الشعور ، فتلك الأفعال كبيرة ، والأنبياء معصومون عنها ، بل إذا كان الإلقاء بقصد الإهانة يكون كفرا!

ومن الغريب أنّ الخصم بظاهر كلامه خصّ الحمل عند أصحابه بذلك ، مع أنّه في كلّ ما سبق من المباحث عيال على « المواقف » وشرحها ، وهما لم يذكرا هذا! وإنّما ذكرا وجوها أخر :

__________________

(١) فتح الباري ٦ / ٥٤٧.

(٢) انظر : صحيح مسلم ٧ / ١٠٠.

(٣) سورة الحجر ١٥ : ٦.

٩٤

منها : ما اختاره صاحب « المواقف » ، وهو أنّ فعل موسى بأخيه لم يكن على سبيل الإيذاء ، بل أراد أن يدنيه لنفسه ليتفحّص منه عن حقيقة الحال ، فخاف هارون أن يعتقد بنو إسرائيل خلافه(١) ، فقال :( تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ) (٢) الآية.

وهذا الحمل منقول عن السيّد المرتضى(٣) وأنّ الرازي استحسنه(٤) .

ومنها : إنّ موسى لمّا رأى جزع أخيه واضطرابه من قومه أخذه ليسكّن من قلقه(٥) .

ومنها : إنّ موسى لمّا غلب عليه الهمّ [ واستيلاء الفكر ] أخذ برأس أخيه لا على طريق الإيذاء ، بل كما يفعل الإنسان بنفسه من عضّ يده وشفته وقبض لحيته ، إلّا أنّه نزّل أخاه منزلة نفسه ، لأنّه شريكه في ما يناله من خير أو شرّ(٦) .

ثمّ قال الشارح : « قال الآمدي : لا يخفى بعد هذه التأويلات وخروجها عن مذاق العقل »(٧) .

ولم يذكر الشارح لنفسه شيئا وكأنّه على مذاق الآمدي ، وهو في محلّه لبعد هذه الوجوه جدّا ، مع أنّها لا ترفع إشكال إلقاء الألواح

__________________

(١) المواقف : ٣٦٣ ، وانظر : شرح المواقف ٨ / ٢٧٢.

(٢) سورة طه ٢٠ : ٩٤.

(٣) تنزيه الأنبياء : ١١٧.

(٤) تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ١٠٩ ، الأربعين في أصول الدين ٢ / ١٤٦ ، عصمة الأنبياء : ٨٤.

(٥) شرح المواقف ٨ / ٢٧٢ ، وانظر : تنزيه الأنبياء ـ للمرتضى ـ : ١١٧.

(٦) شرح المواقف ٨ / ٢٧٢ ، وانظر : تنزيه الأنبياء ـ للمرتضى ـ : ١١٦.

(٧) شرح المواقف ٨ / ٢٧٢.

٩٥

والأولى في الجواب أنّ بني إسرائيل لمّا كفروا واتّخذوا العجل ، أراد موسىعليه‌السلام أن يبيّن لهم عظيم جرمهم وشديد سخطه عليهم ، فألقى الألواح الكريمة إظهارا للضجر من فعلهم ، وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه مع علمه ببراءة ساحته ، تفظيعا لعملهم ، وتنبيها لهم على سوء ما أتوا به ، وعلى مساءته منهم من باب : إيّاك أعني واسمعي يا جارة(١) ، كما هو في القرآن كثير ، قال تعالى :( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٢) ، مع علمه سبحانه بأنّه معصوم عن الشرك وقال تعالى :( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) (٣) الآية

فيكون فعل موسى لمصلحة انزجارهم عن الكفر حتّى أظهر لأخيه أنّه ينبغي مفارقتهم واتّباعه له لعظيم ما جاءوا به ، فيكون فعله راجحا لا حراما ، بخلاف فقء عين ملك الموت ، فإنّه لا مصلحة فيه البتّة!

واعلم أنّه ليس في الآية الكريمة أنّ موسى كسر الألواح وضرب أخاه كما ادّعاه الخصم ، ولكن حمله على ذلك هضم الحقّ والتهويل على الغافلين.

وأمّا قوله : « وأمّا عند ابن المطهّر فهي محمولة على ذنوب الأنبياء »

ففيه : إنّ الطاهر ابن المطهّر لا ينكر إلّا ما هو صريح بالذنب والجهل ، كرواية فقء عين ملك الموت ، لا على ما يقرّب فيه التوجيه ويتّضح فيه الحمل كالآية الشريفة ، فتدبّر واستقم!

__________________

(١) مجمع الأمثال ١ / ٨٠ رقم ١٨٧.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٦٥.

(٣) سورة الحاقّة ٦٩ : ٤٤.

٩٦

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

وفي « الجمع بين الصحيحين » أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في صفة الخلق يوم القيامة : « وإنّهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة فيعتذر إليهم ، فيأتون نوحا فيعتذر إليهم ، فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم! أنت نبيّ الله وخليله ، اشفع لنا إلى ربّك ، أما ترى ما نحن فيه؟! فيقول لهم : إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولم يغضب بعده مثله ، وإنّي قد كذبت ثلاث كذبات ، نفسي نفسي ، إذهبوا إلى غيري »(٢) .

وفي « الجمع بين الصحيحين » أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لم يكذب إبراهيم النبيّ إلّا ثلاث كذبات »(٣) .

كيف يحلّ لهؤلاء نسبة الكذب إلى الأنبياء؟!

وكيف الوثوق بشرائعهم مع الاعتراف بتعمّد كذبهم؟!

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٢.

(٢) الجمع بين الصحيحين ٣ / ١٦٤ ـ ١٦٦ ح ٢٣٨٨ ؛ وانظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٧٠ ح ١٤٣ وص ٢٨١ ح ١٦٤ وج ٦ / ١٥٧ ـ ١٥٩ ح ٢٣٣ ، صحيح مسلم ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٨٨ ح ٣١٤٨ ، مسند أحمد ٢ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ وج ٣ / ٢٤٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤١٥ ح ٣٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم _ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ح ٨١١ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، مسند أبي عوانة ١ / ١٤٧ ـ ١٥٠ ح ٤٣٧ ـ ٤٤٠.

(٣) الجمع بين الصحيحين ٣ / ١٨٤ ح ٢٤١٥ ؛ وانظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٨٠ ح ١٦١ وج ٧ / ٩ ح ٢٢ ، صحيح مسلم ٧ / ٩٨ ، سنن أبي داود ٢ / ٢٧٢ ح ٢٢١٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ح ٣١٦٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٩٨ ح ٨٣٧٤ و ٨٣٧٥ ، مسند أحمد ٢ / ٤٠٣ ، مسند أبي يعلى ١٠ / ٤٢٦ ـ ٤٢٨ ح ٦٠٣٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٣٦٦.

٩٧

وقال الفضل(١) :

قد عرفت في ما مضى أنّ الإجماع واقع على وجوب عصمة الأنبياء عن الكذب(٢) .

وأمّا الكذبات المنسوبة إلى إبراهيم لما صحّ الحديث ، فالمراد منه صورة الكذب لا حقيقته ، كما قال :( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) (٣)

وكان مراده إلزامهم ونسبة الفعل إلى كبيرهم ؛ لأنّ الفأس الذي كسّر به الأصنام وضعه على رقبة كبير الأصنام ، فالكذب المؤوّل ليس كذبا في الحقيقة ، بل هو صورة الكذب إذا كان التأويل ظاهرا ، وهذا لا بأس به عند وقوع الضرورة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٤٨.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٠ من هذا الجزء.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٦٣.

٩٨

وأقول :

سبق أنّ أكثرهم أجازوا صدور الكبائر عن الأنبياء سهوا قبل النبوّة وبعدها ، وعمدا قبلها ، وأنّ بعضهم أجاز صدورها عمدا بعدها ، ومنها الكذب في غير التبليغ ، بل أجاز بعضهم صدور الكفر عنهم لله(١)

وقد نقل الخصم هناك بعض ذلك(٢) ، فكيف يزعم هنا الإجماع على عصمتهم عن الكذب؟!

وأمّا ما زعمه من أنّ المراد صورة الكذب ، فلا يلائم الحديث ، ولنذكره لتتّضح الحال

روى البخاري في كتاب تفسير القرآن ، في سورة بني إسرائيل ، عن أبي هريرة ما ملخّصه :

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أنا سيّد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون ممّ ذلك؟! يجمع الله الناس الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، وتدنو الشمس ، فيبلغ الناس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ، فيقول الناس : ألا ترون ما قد بلغكم؟! ألا تنظرون من يشفع إلى ربّكم؟!

فيقول بعض الناس لبعض : عليكم بآدم ؛ فيأتونه ، فيعتذر بأنّ الله سبحانه نهاه عن الشجرة فعصاه

ويأتون نوحا بأمر آدم ، فيعتذر بأنّ له دعوة على قومه

__________________

(١) ( لله ) راجع الصفحتين ١٧ و ٣٠ من هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحتين ٢٠ ـ ٢١.

٩٩

ويأتون إبراهيم بأمر نوح ، فيعتذر بأنّه كذب ثلاث كذبات

ويأتون موسى بأمر إبراهيم ، فيعتذر بأنّه قتل نفسا لم يؤمر بقتلها

ويأتون عيسى بأمر موسى ، فيعتذر

ثمّ قال : ولم يذكر ذنبا »(١) .

وهذا صريح بأنّ تلك الأمور الواقعة من الأنبياء الأوّل ذنوب ، وبعضها من الكبائر ، كالكذب وقتل النفس.

ومن المعلوم أنّ صورة الكذب ليست ذنبا إذا أدّت إليها الضرورة الدينية ، بل هي طاعة عظمى.

وقد صرّح أيضا بأنّ إبراهيم صاحب خطيئة حديث آخر رواه البخاري عن أنس في أواخر « كتاب الرقاق » ، وحديث رواه عنه أيضا في « كتاب التوحيد » في باب قول الله تعالى :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (٢) قال فيهما ما حاصله :

« يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون : لو استشفعنا إلى ربّنا؟

فيأتون آدم ، ثمّ نوحا ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ موسى ، فيقول كلّ منهم : لست هناك ؛ ويذكر خطيئته »(٣) .

__________________

(١) تقدّم تخريجه في الصفحة ٩٧ ه‍ ٢ و ٣.

(٢) سورة القيامة ٧٥ : ٢٢ و ٢٣.

(٣) صحيح البخاري ٨ / ٢٠٩ ح ١٤٩ وج ٩ / ٢١٧ ح ٣٩ باب قول الله تعالى :( لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) ، صحيح مسلم ١ / ١٢٤ ـ ١٢٦ ،مسند أحمد ٣ / ١١٦ و ٢٤٤ و ٢٤٧ ، مسند أبي يعلى ٥ / ٣٩٦ ـ ٣٩٨ ح ٣٠٦٤ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٧ / ٤١٦ ـ ٤١٨ ح ٣٧ و ٣٩ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٣٦٠ ـ ٣٦٥ ح ٨٠٤ ـ ٨١٠ وص ٣٦٧ ـ ٣٧٤ ح ٨١٢ ـ ٨١٧ ، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ : ٢٤٨ ـ ٢٥٠ و ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، مسند أبي عوانة ١ / ١٥١ ـ ١٥٤ ح ٤٤٣ ـ ٤٤٧ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ٥٤٥ ح ١٩٠٢.

١٠٠