دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582
المشاهدات: 122960
تحميل: 4290


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122960 / تحميل: 4290
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-319-359-4
العربية

لا سيف إلّا ذو الفقا

ر ، ولا فتى إلّا عليّ(١)

__________________

(١) السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ٥١ ، وقعة صفّين : ٣١٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٥ ، الأغاني ١٥ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٩٠ ح ٢٣٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٧٣ ح ٢٠٨ ، الروض الأنف ٣ / ٢٨٨ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٩ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ٢٥١ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٣٩٠ رقم ٦٦١٩ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٨.

أمّا « ذو الفقار » : فهو سيف للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ قيل : كان عند المنبّه بن الحجّاج بن عامر بن سهم.

وقيل : كان عند ابنه العاص ؛ إذ كان من ضمن السيوف الستّة التي أهدتها بلقيس للنبيّ سليمان عليه السلام ، ثمّ وصل إلى العاص بن منبّه ، الذي قتله الإمام عليّ عليه السلام يوم بدر كافرا ، وقيل : قتل أباه أيضا.

وقيل : إنّ الحجّاج بن علاط أهدى ذا الفقار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقيل : أنزله جبريل عليه‌السلام من السماء.

وقيل غير ذلك.

ولعلّ بسبب هذا الاختلاف ذكرت بعض المصادر أنّ نداء جبريل عليه السلام كان يوم بدر ، وذكر بعضها الآخر أنّه كان يوم أحد ؛ ولعلّ النداء كان في كلا اليومين فأخبرت كلّ جماعة عن أحدهما.

وسمّي ذا الفقار ؛ لأنّ فيه حفر صغار حسان ، ويقال للحفرة : فقرة ، وجمعها : فقر ، وذكر أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام أخرج ذا الفقار فإذا قبيعته من فضّة ، وإذا حلقته التي تكون فيها الحمائل من فضّة ، وسلسلته.

وقال الأصمعي : ما رأيت شيئا قطّ أحسن منه ، إذا نصب لم ير فيه شيء ، وإذا بطح على الأرض عدّ منه سبع فقر ، وإذا هو صفيحة يمانية يحار الطرف فيه من حسنه.

وكيف كان ، فقد أجمع المؤرّخون على أنّ السيف كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ وهبه لأمير المؤمنين عليه السلام.

انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٤٨ و ٢٢٠ ، العقد الفريد ٢ / ٤٦٦ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٧١ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٤ / ١٦٩ ، مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠ وج ١٧ / ٣١٩ ، البداية والنهاية ٧ / ١٨٠ حوادث سنة ٣٥ ، السيرة

٢٠١

وروي أنّه نادى به يوم بدر أيضا(١) .

* * *

__________________

الحلبية ٢ / ٥١٧ ، مادّة « فقر » في : لسان العرب ١٠ / ٣٠١ ، القاموس المحيط ٢ / ١١٥ ، تاج العروس ٧ / ٣٥٧ ، مجمع البحرين ٣ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

(١) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٩١ ح ٢٣٥ و ٢٣٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٦٧ ح ٢٠٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٧١ ، كفاية الطالب : ٢٧٧ ـ ٢٨٠.

٢٠٢

وقال الفضل(١) :

ما ذكر من الأشياء بعضه منكر ، منها :

إنّ النداء يوم بدر بأنّ « لا سيف إلّا ذو الفقار » من المنكرات ؛ لأنّ « ذو الفقار » كان سيفا لمنبّه بن الحجّاج(٢) ، من أشراف قريش ، وهو قتل يوم بدر ، وصار سيفه المشهور بذي الفقار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان ذو الفقار يوم بدر في يد الكفّار ، وكانوا يقتلون به المؤمنين ، فكيف يجوز أن ينادي مناديها أن : لا سيف إلّا ذو الفقار؟!.

نعم ، هو مطابق لمذهبه ، فإنّه يدّعي أنّ قتل أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله واجب ، فلا يبعد أن يدّعي أنّ المنادي يوم بدر نادى بذكر منقبة ذي الفقار وهو في يد الكفّار.

وهذا السفيه ما كان يعلم الحديث ولا التاريخ ، ومدار أمره ذكر المنكرات والمجهولات ، ولا يبالي التناقض والمخالفة بين الروايات.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٦٦.

(٢) هو : منبّه بن الحجّاج بن عامر السهمي ، كان من وجوه قريش وزنادقتها في الجاهلية ، وكان نديما لطعيمة بن عديّ ، شهد هو وأخوه نبيه بدرا ، وقتل فيها بيد أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام .

انظر : المحبّر : ١٧٧ ، الأغاني ١٧ / ٢٨٢.

٢٠٣

وأقول :

ما بيّنه في وجه الإنكار خطأ ؛ لاحتمال أن يكون لأمير المؤمنينعليه‌السلام سيف ذو فقار حارب به يوم بدر ، أو أنّ سيف منبّه أو ابنه العاص ـ على الخلاف الذي ذكره ابن أبي الحديد(١) ـ صار إلى عليّعليه‌السلام ، وقاتل به لمّا قتلهما وقتل نبيها أخا منبّه ، كما في « شرح النهج » أيضا(٢) .

فعلى أحد هذين الاحتمالين لا يمتنع أن ينادي المنادي يوم بدر : « لا سيف إلّا ذو الفقار ».

وقد حكى السيوطي في « اللآلئ » رواية النداء يوم بدر ، عن ابن عديّ ، وذكر أنّ ابن الجوزي زعم أنّها موضوعة ؛ لأنّ في سندها عمّار ابن أخت سفيان ، وهو متروك(٣) .

فتعقّبه السيوطي بقوله : « كلّا ، بل هو ثقة ثبت ، من رجال مسلم ، وأحد الأولياء الأبدال(٤) ، والمصنّف تبع ابن حبّان في تجريحه ، وقد ردّ عليه »(٥) .

ثمّ إنّه ينبغي التعرّض لثبوت الأخبار التي ذكرها المصنّف بطرقهم ، وبيان وجه الاستدلال بها

__________________

(١) ص ٣٤٧ من المجلّد الثالث [ شرح نهج البلاغة ١٤ / ١٦٨ و ١٦٩ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٣٥٨ من المجلّد المذكور [ ١٤ / ٢١٢ ]. منهقدس‌سره .

(٣) انظر : الموضوعات ١ / ٣٨٢.

(٤) انظر : تاريخ أسماء الثقات ـ لابن شاهين ـ : ٢٢٨ رقم ٨٣٩ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٢٠٣ رقم ٦٠٠٨ ، تهذيب التهذيب ٦ / ٩ رقم ٤٩٨٣.

(٥) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٣٣ ، وانظر : المجروحين ـ لابن حبّان ـ ٢ / ١٩٥.

٢٠٤

[ ١ ـ كسر الأصنام ]

أمّا الخبر الأوّل ؛ وهو خبر كسر الأصنام

فقد أخرجه الحاكم في « المستدرك »(١) ، عن عليّعليه‌السلام ، وصحّحه ، قال : « لمّا كان الليلة التي أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أبيت على فراشه وخرج من مكّة مهاجرا ، انطلق بي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأصنام ، فقال :اجلس .

فجلست إلى جانب الكعبة ، ثمّ صعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على منكبي ، ثمّ قال :انهض .

فنهضت به ، فلمّا رأى ضعفي تحته ، قال : «اجلس ».

فجلست ، فأنزلته عنّي ، وجلس لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال لي :يا عليّ! اصعد!

فصعدت على منكبيه ، ثمّ نهض بي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخيّل لي أنّي لو شئت نلت السماء ، وصعدت إلى الكعبة » الحديث.

ونحوه في « مسند أحمد »(٢) لكن من دون تعيين الليلة ، وكذا في « كنز العمّال »(٣) ، نقلا عن ابن أبي شيبة ، وأبي يعلى في مسنده ، وابن جرير ، والخطيب(٤) .

__________________

(١) ص ٥ من الجزء الثالث [ ٣ / ٦ ح ٤٢٦٥ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٨٤ من الجزء الأوّل. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٤٠٧ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٧١ ح ٣٦٥١٦ ]. منهقدس‌سره .

(٤) انظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٥٣٤ ح ٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٥١ ح ٢٩٢ ، تهذيب الآثار ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ح ٣١ ـ ٣٢ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ رقم ٧٢٨٢.

٢٠٥

ووجه الدلالة فيه على المطلوب ، أنّ اختصاص أمير المؤمنينعليه‌السلام بمشاركة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الواقعة الجليلة الخطيرة ـ بطلب من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ دليل على فضله على غيره ، لا سيّما وقد رقى على منكب دونه العيّوق(١) ، وهام الملائكة والملوك.

وقد أشار الشافعي إلى هذه الواقعة مادحا لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما حكاه في « ينابيع المودّة »(٢) ، فقال [ من الرّمل ] :

قيل لي : قل في عليّ مدحا

ذكره يخمد نارا موصده

قلت : لا أقدم في مدح امرئ

ضلّ ذو اللّبّ إلى أن عبده

والنبيّ المصطفى قال لنا

ليلة المعراج لمّا صعده :

وضع الله بظهري يده

فأحسّ القلب أن قد برّده

وعليّ واضع أقدامه

في محلّ وضع الله يده

بل قد يقال بدلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام من وجه آخر ؛ وهو أنّ ضعفه عن حمل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا كان مخالفا لما هو عليه من القوّة العظيمة ، دلّ على أنّ المنشأ في ضعفه هو رعاية جهة النبوّة ؛ ولذا خيّل له أن لو شاء أن ينال السماء نالها ، فلا يرفع النبيّ على منكبيه ـ بما هو نبيّ ملحوظ به جهة النبوّة ـ إلّا من هو شريك له في أمره ، ومن هو كنفسه ، وخليفته في أمّته.

__________________

(١) العيّوق : نجم أحمر مضيء بطرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثريّا ، ويطلع قبل الجوزاء ، سمّي بذلك لأنّه يعوق الدّبران عن لقاء الثريّا.

انظر مادّة « عوق » في : لسان العرب ٩ / ٤٧٧ ، القاموس المحيط ٣ / ٢٧٩ ، تاج العروس ١٣ / ٣٦٧.

(٢) في الباب ٤٨ [ ١ / ٤٢٣ ]. منهقدس‌سره .

٢٠٦

[ ٢ ـ ولاية عليّعليه‌السلام ]

وأمّا الحديث الثاني ؛ وهو أنّه لا يجوز على الصراط إلّا من كان معه كتاب بولاية عليّعليه‌السلام

فقد سبق مع دلالته على المطلوب في الآية الحادية عشرة(١) .

٣ ـ ردّ الشمس

وأمّا الحديث الثالث ؛ وهو حديث ردّ الشمس

فقد أخرجه كثير بطرق كثيرة ، وصحّحه جماعة

قال ابن حجر في « الصواعق »(٢) : حديث ردّها صحّحه الطحاوي والقاضي في « الشفاء » ، وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره »(٣) .

لكنّ ابن الجوزي على عادته في إنكار ما صحّ في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام زعم وضع الحديث ، وذكر بعض طرقه فوهّنها ، كما حكاه عنه السيوطي في « اللآلئ »(٤) .

ولنذكر مجمل كلام ابن الجوزي

قال بعد ذكر حديث العقيلي عن أسماء بنت عميس : موضوع ،

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) الفصل الثالث من الباب التاسع [ ص ١٩٧ ]. منهقدس‌سره .

(٣) انظر : مشكل الآثار ٢ / ٧ ح ١٢٠٧ و ١٢٠٨ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٨٤ ، طرح التثريب ٦ / ٢٤٧.

(٤) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٨ ، وانظر : الموضوعات ١ / ٣٥٥ و ٣٥٧.

٢٠٧

اضطربت فيه الروايات ، رواه سعيد بن مسعود ، عن أسماء بنت عميس ، بسند فيه فضيل بن مرزوق ، ضعّفه يحيى ، وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات ، ويخطئ على الثقات(١) .

وذكر حديثا آخر ، عن ابن شاهين ، عن أسماء ، وفي سنده عبد الرّحمن بن شريك ؛ قال أبو حاتم : واهي الحديث ، وشيخ ابن شاهين ابن عقدة رافضيّ ، رمي بالكذب ، وهو المتّهم به(٢) .

وذكر أيضا حديثا عن ابن مردويه ، عن أبي هريرة ، وفي سنده داوود ابن فراهيج ، ضعّفه شعبة(٣) .

انتهى ما عن ابن الجوزي.

وتعقّبه السيوطي بقوله : « فضيل ، الذي أعلّ به الطريق الأوّل ، ثقة صدوق ، احتجّ به مسلم في صحيحه ، وأخرج له الأربعة(٤) .

وعبد الرحمن بن شريك ، وإن وهاه أبو حاتم فقد وثّقه

__________________

(١) الموضوعات ١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، وانظر : الضعفاء الكبير ـ للعقيلي ـ ٣ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ رقم ١٣٤٧.

(٢) الموضوعات ١ / ٣٥٦.

(٣) الموضوعات ١ / ٣٥٧.

(٤) انظر روايته في : صحيح مسلم ٢ / ١١٢ وج ٣ / ٨٥ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٩١ ح ٥٧٦ وص ٢٥٦ ح ٧٧٨ ، سنن أبي داود ٤ / ٣١ ح ٣٩٧٨ ، سنن الترمذي ٢ / ٣٤٢ ح ٤٧٧ وج ٣ / ٦١٧ ح ١٣٢٩.

وأمّا ما حكاه ابن الجوزي من تضعيف ابن معين لفضيل بن مرزوق ، فغير صحيح ، فقد وثّقه في كتابيه : التاريخ ٢ / ٤٧٦ رقم ١٢٩٨ ، ومعرفة الرجال ٢ / ٢٣٩ ح ٨٢٤ وفيه : « عن حميد الرواسي ، أنّه كان من أصدق من رأينا من الناس » ، ويعضد هذا التوثيق ما في : تهذيب الكمال ١٥ / ١١٩ ـ ١٢٠ رقم ٥٣٥٥ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠ رقم ٦٧٧٨ ، تهذيب التهذيب ٦ / ٤٢٥ رقم ٥٦٢٦.

٢٠٨

غيره(١) ، وروى عنه البخاريّ في ( الأدب )(٢) .

وابن عقدة ، من كبار الحفّاظ ، والناس مختلفون في مدحه وذمّه ؛ قال الدارقطني : كذب من اتّهمه بالوضع ؛ وقال حمزة السهمي : ما يتّهمه بالوضع إلّا ذو الأباطيل ؛ وقال أبو علي الحافظ : أبو العبّاس إمام حافظ ، محلّه محلّ من يسأل عن التابعين وأتباعهم(٣) (٤) .

__________________

(١) انظر : ميزان الاعتدال ٤ / ٢٨٩ رقم ٤٨٩٢.

نقول : لقد نصّ الذهبي في ترجمة أبي حاتم على أنّه إذا جرح رجلا ينظر فيه ، فإن وثّقه غيره قدّم التوثيق على جرح أبي حاتم ، فقال ما لفظه : « إذا وثّق أبو حاتم رجلا فتمسّك بقوله ، فإنّه لا يوثّق إلّا رجلا صحيح الحديث ، وإذا ليّن رجلا ، أو قال فيه : لا يحتجّ به ؛ فتوقّف حتّى ترى ما قال غيره فيه ، فإن وثّقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنّه متعنّت في الرجال » انظر : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٠.

وكذا وصفه ابن حجر ، فقال عنه : « وأبو حاتم عنده عنت » انظر : هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٦١٦ ترجمة محمّد بن أبي عديّ البصري.

(٢) الأدب المفرد : ٢١٨ ح ٨٢٠.

(٣) انظر : تاريخ بغداد ٥ / ١٤ رقم ٢٣٦٥ ، سير أعلام النبلاء ١٥ / ٣٤٠ رقم ١٧٨ ، ميزان الاعتدال ١ / ٢٨١ رقم ٥٤٧.

(٤) وابن عقدة ، هو : أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد السبيعي الهمداني الكوفي ، الحافظ العلّامة ، أحد أعلام الحديث ، كان زيديا جاروديا.

ولد سنة ٢٤٩ ه‍ بالكوفة ، وطلب الحديث عن خلق كثير بالكوفة وبغداد ومكّة ، وتوفّي سنة ٣٣٢ ه‍.

صنّف كتبا كثيرة نفيسة ، منها : تسمية من شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام حروبه من الصحابة والتابعين ، جزء في فضائل عليّ عليه السلام ، حديث الراية ، صلح الحسن عليه السلام ومعاوية ، طرق حديث الطير ، طرق حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، كتاب من روى عن أمير المؤمنين عليه السلام ومسنده ، كتاب من روى عن الحسن والحسين والأئمّة : ، كتاب من روى عن عليّ بن الحسين عليه السلام ، كتاب من روى عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام ، كتاب من روى

٢٠٩

__________________

عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، كتاب من روى عن زيد بن عليّ ومسنده ، كتاب من روى عن عليّ أنّه : قسيم النار ، كتاب من روى عن فاطمة من أولادها ، كتاب الولاية.

وثّقه أغلب علماء الرجال وأكابر حفّاظ أهل السنّة ، وأثنوا على علمه وحفظه وخبرته وسعة اطّلاعه ، ونصّوا على اعتمادهم عليه ، ونقلوا آراءه في رجال الحديث

قال عنه السمعاني : « كان حافظا متقنا عالما ، جمع التراجم والأبواب والمشيخة ، وأكثر الرواية وانتشر حديثه روى عنه الأكابر من الحفّاظ

وكان الدارقطني يقول : أجمع أهل الكوفة على أنّه لم ير من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العبّاس ابن عقدة أحفظ منه ».

وقال سبط ابن الجوزي : « وابن عقدة مشهور بالعدالة ، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها فنسبوه إلى الرفض ».

وقال السبكي ـ في ذكر الطبقات ـ : « فأين أهل عصرنا من حفّاظ هذه الشريعة : وأبي العبّاس ابن عقدة فهؤلاء مهرة الفنّ ، وقد أغفلنا كثيرا من الأئمّة ، وأهملنا عددا صالحا من المحدّثين ، وإنّما ذكرنا من ذكرناه لننبّه بهم على من عداهم ».

وقال السيوطي : « سمع أمما لا يحصون ، وكتب العالي والنازل حتّى عن أصحابه ، وكان إليه المنتهى في قوّة الحفظ وكثرة الحديث ، ورحلته قليلة ، ألف ، وجمع ».

وقال الهندي الفتني : « وابن عقدة من كبار الحفّاظ ، وثّقه الناس ، وما ضعّفه إلّا عصريّ متعصّب ».

وأمّا طعن بعضهم فيه وقدحهم به وتضعيفهم له ، فلا يعتدّ به ولا يلتفت إليه ؛ لأنّه ليس بشيء ، ولا لشيء إلّا كثرة ما ألّفه وأخرجه في مناقب أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم ؛ ولا سيّما ما أخرجه من طرق حديث الغدير ، حتّى أفرد لها كتابا مستقلّا أسماه : « كتاب الولاية » ، وما نقموا منه إلّا ذلك.

انظر : الأنساب ـ للسمعاني ـ ٤ / ٢١٤ « العقدي » ، تذكرة الخواصّ : ٥٤ ، طبقات الشافعية الكبرى ـ للسبكي ـ ١ / ٣١٤ ـ ٣١٨ ، طبقات الحفّاظ : ٣٥٠ رقم

٢١٠

وداوود ، وثّقه قوم وضعّفه آخرون(١) .

ثمّ الحديث ، صرّح جماعة من الأئمّة والحفّاظ بأنّه صحيح

قال القاضي عياض في ( الشفاء ) : أخرج الطحاوي في ( مشكل الحديث ) ، عن أسماء بنت عميس من طريقين ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ ؛ فذكر هذا الحديث.

قال الطحاوي : وهذان الحديثان ثابتان ، ورواتهما ثقات.

وحكى الطحاوي أنّ أحمد بن صالح كان يقول : لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء ؛ لأنّه من علامات النبوّة(٢) »(٣) .

ثمّ ذكر السيوطي للحديث الأوّل طريقا للطبراني ، وآخر للعقيلي ، وثالثا للخطيب في « تلخيص المتشابه » ، ورابعا لأبي بشر الدولابي في « الذرّيّة الطاهرة »(٤) .

ثمّ قال : « ثمّ وقفت على جزء مستقلّ في جمع طرق هذا الحديث ، تخريج أبي الحسن شاذان الفضلي » ، ثمّ ساق له اثني عشر طريقا ، عن عليّ ، وأسماء ، وأبي هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وأبي ذرّ ؛ لكنّ حديث

__________________

٧٨٩ ، تذكرة الموضوعات : ٩٦ ، هديّة العارفين ٥ / ٦٠ ، أهل البيتعليهم‌السلام في المكتبة العربية : ٦٢٣ ـ ٦٢٥ رقم ٧٦٢ ـ ٧٦٩ ومواضع أخر ، الغدير في التراث الإسلامي : ٤١ رقم ٦ ، نفحات الأزهار ٦ / ٧١ ـ ٧٩.

(١) انظر : ميزان الاعتدال ٣ / ٣١ ـ ٣٢ رقم ٢٦٤٤.

(٢) انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، مشكل الآثار ٢ / ٧ ح ١٢٠٧ و ١٢٠٨ وص ٨ ذ ح ١٢١١ وج ٤ / ٢٦٨ ح ٣٨٥٠ و ٣٨٥١.

(٣) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩.

(٤) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٩ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٢٤ / ١٥٢ ح ٣٩١ ، الضعفاء الكبير ٣ / ٣٢٧ رقم ١٣٤٧ ، تلخيص المتشابه ١ / ٢٢٥ رقم ٣٥٣ ، الذرّيّة الطاهرة : ١٢٩ ح ١٥٦.

٢١١

أبي ذرّ هكذا :

« قال عليّ يوم الشورى : أنشدكم بالله ، هل فيكم من ردّت عليه الشمس غيري حين نام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل رأسه في حجري حتّى غابت الشمس ، فانتبه فقال :يا عليّ! صلّيت العصر؟

قلت : اللهمّ لا.

فقال :اللهم ارددها عليه ، فإنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك ».

ثمّ قال السيوطي : « وروى ابن أبي شيبة طرقا من حديث أسماء ».

ثمّ قال : « وممّا يشهد بصحّة ذلك قول الإمام الشافعي وغيره : ما أوتي نبيّ معجزة إلّا أوتي نبيّنا نظيرها أو أبلغ منها.

وقد صحّ أنّ الشمس حبست على يوشع ليالي قاتل الجبّارين ، فلا بدّ أن يكون لنبيّنا نظير ذلك ، فكانت هذه القصّة نظير تلك ».

انتهى ما في « اللآلئ »(١) .

وقد نسج ابن تيميّة على منوال ابن الجوزي ، فحكم بوضع الحديث(٢) .

قال المصنّفرحمه‌الله في « منهاج الكرامة » : « التاسع : رجوع الشمس له مرّتين ، إحداهما : في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والثانية : بعده.

أمّا الأولى : فروى جابر وأبو سعيد الخدري ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل عليه جبرئيل يوما يناجيه من عند الله ، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشمس ، فصلّى عليّ

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٩ ـ ٣١٢.

(٢) منهاج السنّة ٨ / ١٦٥.

٢١٢

العصر بالإيماء ، فلمّا استيقظ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له :سل الله يرد عليك الشمس لتصلّي العصر قائما ؛ فدعا ، فردّت الشمس ، فصلّى العصر قائما.

وأمّا الثانية : فلمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل ، استعمل كثير من أصحابه دوابّهم ، وصلّى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر ، وفاتت كثيرا ، فتكلّموا في ذلك ، فسأل الله ردّ الشمس فردّت ، ونظمه الحميري فقال [ من الكامل ] :

ردّت عليه الشمس لمّا فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوت هويّ الكوكب

وعليه قد ردّت ببابل مرّة

أخرى وما ردت لخلق مغرب »(١)

وأجاب ابن تيميّة بإنكار الحديثين ، واستشهد بكلام ابن الجوزي ، ثمّ نقل عن أبي القاسم الحسكاني ، أنّه جمع طرق حديث ردّها في أيّام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في مصنّف سمّاه : « مسألة في تصحيح ردّ الشّمس وترغيب النواصب الشّمس »(٢) ، ثمّ ذكر ابن تيميّةطرقه ، وهي أكثر ممّا سبق ،

__________________

(١) منهاج الكرامة : ١٧١ ـ ١٧٢ ؛ وانظر : ديوان السيّد الحميري : ٨٧ ـ ٨٩ ، والأبيات من قصيدته المذهّبة ، التي مطلعها :

هلّا وقفت على المكان المعشب

بين الطويلع فاللوى من كبكب

والمغرب : من جاء بشيء وأمر غريب ؛ انظر : لسان العرب ١٠ / ٣٤ مادّة « غرب ».

(٢) ترجم الذهبي ترجمة حسنة للحاكم الحسكاني أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن الحذّاء الحنفي النيسابوري ، المتوفّى بعد سنة ٤٧٠ ه‍ ، في تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٢٠٠ رقم ١٠٣٢ وذكر له هذا الكتاب قائلا : « ووجدت له مجلسا يدلّ على تشيّعه! وخبرته بالحديث ، وهو تصحيح خبر ردّ الشّمس لعليّ رضي الله عنه وترغيم

٢١٣

أخرجها عن أمير المؤمنين ، وأسماء ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وأورد عليه بأمور ، ولنذكرها مفصّلة وإن كانت مشوّشة في كلامه

الأمر الأوّل : عدم صحّة طرقه ، وبالغ في النقد عليها ، حتّى ضعّف جملة من رجالها ، وهم ممّن احتجّ بهم مسلم ، والبخاري في الصحيحين(١) .

فليت شعري ، كيف يجتمع هذا مع قولهم بصحّة أخبار الصحيحين أجمع؟!

وهل يسلم لهم خبر من نقد بعض رجاله بمثل تلك النقود ، حتّى يصحّ القول بصحّته؟!

وكيف كان! فنحن لا نضيّع الوقت بردّ نقوده بعدما صحّح جملة من

__________________

النواصب الشّمس ».

وذكره له كذلك ابن كثير في البداية والنهاية ٦ / ٦٢ قائلا : « فصل : إيراد هذا الحديث من طرق متفرّقة ، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني يصنّف فيه : تصحيح ردّ الشّمس وترغيم النواصب الشّمس ».

وممّن صحّح هذا الحديث ، شمس الدين الصالحي الدمشقي ، المتوفّى سنة ٩٤٢ ه‍ ، في كتابيه : « مزيل اللبس عن حديث ردّ الشمس » الذي أفرده لهذا الغرض ، وفي كتابه : « سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ٩ / ٤٣٥ ـ ٤٣٩ ، وتطرّق فيه لرواية الحاكم الحسكاني ورميه بالتشيّع ، فقال ما لفظه : « التنبيه الثالث : ليحذر من يقف على كلامي هنا أن يظنّ بي أنّي أميل إلى التشيّع ؛ والله يعلم أنّ الأمر ليس كذلك ، والحامل لي على هذا الكلام أنّ الذهبي ذكر في ترجمة الحافظ الحسكاني أنّه كان يميل إلى التشيّع ؛ لأنّه أملى جزءا في طرق حديث ردّ الشمس ، وهذا الرجل ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغفّار بن إسماعيل الفارسي في ( ذيل تاريخ نيسابور ) فلم يسعفه بذلك ، بل أثنى عليه ثناء حسنا ، وكذلك غيره من المؤرّخين ، نسأل الله تعالى السلامة من الخوض في أعراض الناس بما نعلم وبما لا نعلم »!.

(١) منهاج السنّة ٨ / ١٦٥ ـ ١٧٢ وما بعدها.

٢١٤

طرق الحديث : الطحاوي ، والقاضي عياض ، والحافظ السيوطي ، والحاكم الحسكاني ، وسبط ابن الجوزي في « تذكرة الخواصّ » ، وحسّنها أبو زرعة وغيره(١) .

ولا سيّما أنّ المطلوب الوثوق ، ولا ريب بحصوله من الطرق المستفيضة ، بل هو أشدّ وأقوى من الوثوق من خبر صحيح أو أخبار صحاح.

وإذا ضممت إلى تلك الأحاديث أخبارنا(٢) علمت أنّ ردّها لأمير المؤمنين متواتر.

الأمر الثاني : إنّه لو كان للواقعة أصل ، لكانت من أعظم عجائب العالم التي تتوفّر الدواعي إلى نقلها ، ولم يختصّ نقلها بالقليل(٣) .

ويرد عليه :

أوّلا : إنّ الدواعي إلى عدم نقلها أكثر ؛ لأنّ الناس في أيّام الأمويّين وكثير من الأوقات أعداء لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومجتهدون في نقصه ،

__________________

(١) انظر : مشكل الآثار ٢ / ٨ ذ ح ١٢١١ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٨٤ ، اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٠٨ ـ ٣١٢ ، وأبا القاسم الحسكاني كما في منهاج السنّة ٨ / ١٧٢ ، تذكرة الخواصّ : ٥٤ ، طرح التثريب ٦ / ٢٤٧ ، كفاية الطالب : ٣٨٣ ، فتح الباري ٦ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، عمدة القاري ١٥ / ٤٣ ، شرح المواهب اللدنّية ٦ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ، شرح الشفا ١ / ٤٨٩ و ٥٩٢.

وقد تقدّم رواية الطبراني له بسند حسن كما حكاه عنه غير واحد ممّن تقدّم ، بل قال في مجمع الزوائد ٨ / ٢٩٧ : رواه كلّه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها رجال الصحيح غير إبراهيم بن حسن وهو ثقة.

(٢) انظر : الاحتجاج ١ / ٣٠٨ ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : ١١١ ـ ١١٣ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٧.

(٣) منهاج السنّة ٨ / ١٧١ و ١٧٧.

٢١٥

فكيف يستفيض بينهم نقل هذه الفضيلة العظيمة؟!

وثانيا : إنّه منقوض بانشقاق القمر ، الذي هو معجزة لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، ولا يشاركه فيها عليّ حتّى تتوفّر الدواعي إلى إخفائها ، ومع ذلك لم يروها أكثر من رواة ردّ الشمس.

ودعوى ابن تيميّة الفرق بأنّ انشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس(٢) ، باطلة ؛ لما في « صحيح البخاري » في تفسير :( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) (٣) ، عن أنس ، قال : سأل أهل مكّة أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر(٤) .

وفي « سنن الترمذي » ، في تفسير هذه السورة ، عن جبير بن مطعم ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى صار فرقتين ، على هذا الجبل ، وعلى هذا الجبل ؛ فقالوا : سحرنا محمّد! فقال بعضهم : لئن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلّهم(٥) .

وثالثا : إنّ السبب في عدم تواتر نقل مثل هذه الوقائع في الكتب ، هو أنّ عامّة الناس كانوا أمّيّين ، وما كان التاريخ والتأليف مألوفا بين من يعرف الكتابة منهم ، بلا فرق بين المسلمين وغيرهم ؛ ولذا لم يعرف مؤلّف في تلك العصور ، ولم يصل إلينا من معجزات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا القليل ،

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٥٩ ـ ٦٠ ح ١٣٧ ـ ١٣٩ ، صحيح مسلم ٨ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، مسند أحمد ١ / ٣٧٧ و ٤١٣ و ٤٤٧ وج ٣ / ٢٧٥ وج ٤ / ٨٢ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ٢٦٢ ـ ٢٦٨ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٨٠ ـ ٢٨٣.

(٢) منهاج السنّة ٨ / ١٧١.

(٣) سورة القمر ٥٣ : ١.

(٤) صحيح البخاري ٦ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ح ٣٦١.

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٣٧٢ ح ٣٢٨٩.

٢١٦

ولا سيّما من طرق السنّة.

وإنّما وقع التأليف نادرا في التابعين ، وكثر في تبع التابعين ، على حين لم يبق من ذكر الحوادث السالفة إلّا ما ندر ، وتناسى الناس فضائل أمير المؤمنين ؛ خوفا أو عنادا ، لا سيّما ما هو صريح في إمامته.

الأمر الثالث : إنّ خصوصيّات الروايات متنافية من وجوه ، وهو يكشف عن كذب الواقعة.

الأوّل : دلالة بعضها على طلوع الشمس حتّى وقعت على الجبال وعلى الأرض ، وبعضها حتّى توسّطت السماء ، وبعضها حتّى بلغت نصف المسجد.

وهذا دالّ على أنّ ذلك بالمدينة ؛ لأنّ المقصود مسجدها ، وكثير من الأخبار يدلّ على أنّه بالصهباء(١) في غزوة خيبر(٢) .

الثاني : إنّ بعضها يدلّ على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوحى إليه ، وبعضها كان نائما ثمّ استيقظ.

الثالث : دلالة بعضها على أنّ عليّا كان مشغولا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعضها على أنّه كان مشغولا بقسم الغنائم.

.. إلى غير ذلك من الخصوصيّات المتنافية(٣) .

__________________

(١) الصّهباء : اسم موضع بينه وبين خيبر روحة ، سمّيت بذلك لصهوبة لونها وهو حمرتها أو شقرتها ؛ انظر : معجم البلدان ٣ / ٤٩٤ ـ ٤٩٥ رقم ٧٦٧٩.

(٢) المعجم الكبير ٢٤ / ١٤٥ ح ٣٨٢ ، مشكل الآثار ٢ / ٧ ح ١٢٠٨ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٨٤ ، البداية والنهاية ٦ / ٦٢.

(٣) راجع الصفحة ٢٠٠ ه‍ ١ ففيه تخريج جلّ روايات ردّ الشمس بمختلف طرقها وخصوصيّاتها.

وأجملها ابن تيميّة في منهاج السنّة ٨ / ١٧٥ و ١٨٣ ـ ١٨٦.

٢١٧

والجواب : إنّ تنافي الخصوصيّات لا يوجب كذب أصل الواقعة ، وإنّما يقتضي الخطأ في الخصوصيّات ؛ إذ لا ترى واقعة تكثّرت طرقها إلّا واختلف النقل في خصوصيّاتها ، حتى إنّ قصّة انشقاق القمر قد وردت ـ في الرواية التي تقدّمت عن الترمذي(١) ـ بأنّ القمر صار فرقتين على جبلين.

وفي رواية أخرى للترمذي : إنشقّ فلقتين ، فلقة من وراء الجبل ، وفلقة دونه(٢) .

وفي « صحيح البخاري » : فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه(٣) .

على أنّه لا تنافي بين تلك الخصوصيّات ؛ لأنّ المراد بجميع الخصوصيّات في الوجه الأوّل : هو رجوع الشمس إلى وقت صلاة العصر ، كما صرّح به بعض الأخبار(٤) .

لكن وقعت المبالغة في بعضها بأنّها توسّطت السماء(٥) ، والمبالغة غير عزيزة في الكلام.

كما أنّ وقوع ردّ الشمس في غزوة خيبر ، لا ينافي بلوغها نصف

__________________

(١) تقدّمت آنفا في الصفحة ٢١٦ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٣٧٢ ح ٣٢٨٩.

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٣٧٠ ـ ٣٧١ ح ٣٢٨٥.

(٣) صحيح البخاري ٦ / ٢٥٢ ح ٣٥٨.

(٤) الظاهر أنّ جميع الأخبار الواردة ، وليس بعضها ، قد صرّحت بأنّ ردّ الشمس كان إلى وقت صلاة العصر ؛ فراجع الصفحة ٢٠٠ ه‍ ١ من هذا الجزء.

(٥) كذا في الأصل ، ولم يرد لفظ « السماء » في أيّ من ألفاظ الحديث ، ولعلّ الشيخ المصنّفقدس‌سره كنّى بذلك عن « وسط المسجد » و « نصف المسجد » و « وقعت على الجبال » و « وقفت على الجبال » و « بيضاء نقيّة » كما جاءت به نصوص الروايات ؛ فلاحظ!

٢١٨

المسجد.

وأمّا الخصوصيّات في الوجه الثاني ، فلا تنافي بينها أيضا ؛ لصحّة حمل نوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على غشية الوحي والاستيقاظ على تسرّيه ؛ ولذا عبّر بعض الأخبار بالاستيقاظ بعد ذكر نزول جبرئيل وتغشّي الوحي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وأمّا الخصوصيّات في الوجه الثالث ، فهي أظهر بعدم التنافي بينها ؛ إذ لا يبعد أنّ قسم الغنائم هو الحاجة التي وقعت قبل شغل عليّعليه‌السلام بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا في عرضه.

وعلى هذا القياس في سائر الخصوصيّات التي يتوهّم تنافيها.

الأمر الرابع : اشتمال الأحاديث على المنكرات :

منها : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا ربّ! إنّ عليّا في طاعتك وطاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس ».

قال أبو سعيد : فو الله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتّى رجعت بيضاء نقيّة.

ومنها : إنّها لمّا غابت سمع لها صرير كصرير المنشار.

ومنها : إنّها أقبلت ولها صرير كصرير الرحى.

وإنّما قلنا : إنّ هذه منكرات ؛ لأنّ الشمس لا تلاقي من الأجسام ما يوجب هذه الأصوات التي تصل من فلك الشمس إلى الأرض(٢) .

والجواب : إنّ الله سبحانه لا يعجز عن إحداث الصوت ليكون

__________________

(١) تاريخ دمشق ٧٠ / ٣٦ رقم ٩٤٠٩.

(٢) منهاج السنّة ٨ / ١٨٤ ـ ١٩٢.

٢١٩

للسمع حظّ من هذه الفضيلة كما للبصر ، فيزيد التيقّن بها ، والالتفات إليها.

ولو تسرّبنا(١) إلى هذه المناقشات منعنا انشقاق القمر ، وسقوط شقّيه على الجبلين أو الجبل وما دونه ، فإنّه أكبر من ذلك.

فإذا أجيب هاهنا بأنّ الله شقّه وصغّر جرمه وأنزله إلى الأرض إيضاحا للحجّة ، فليجب بمثله في المقام.

وممّا اشتملت عليه من المنكرات ـ بزعم ابن تيميّة ـ نوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد صلاة العصر ، وهو مكروه ، ولا يفعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أيضا تنام عيناه ولا ينام قلبه(٢) ؛ فكيف يفوّت على عليّ صلاته؟!

ثمّ إنّ تفويت الصلاة إن كان جائزا لم يكن على عليّ إثم إذا صلّى العصر بعد الغروب ، وليس عليّ أفضل من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبيّ قد فاتته العصر يوم الخندق ، ولم ترد عليه الشمس.

وقد نام ومعه عليّ وسائر الصحابة عن الفجر حتّى طلعت الشمس ، ولم ترجع إلى الشرق.

وإن كان التفويت محرّما فهو من الكبائر ، ومن فعل هذا كان من

__________________

(١) إنسرب وتسرّب : دخل في السّرب ؛ وهو جحر الثعلب والذئب ، وغيرهما من الحيوانات.

والسّرب : الطريق والوجهة.

انظر : تاج العروس ٢ / ٧٢ ـ ٧٣ مادّة « سرب ».

ومرادهقدس‌سره : أنّنا لو حدنا عن الأسلوب الصحيح في المناظرة وأوغلنا في إثارة الشكوك ، لأنكرنا المعجزات.

(٢) انظر : صحيح البخاري ١ / ٧٨ ح ٤ وج ٥ / ٣٣ ـ ٣٤ ح ٧٦ و ٧٧ ، صحيح مسلم ٢ / ١٨٠ ، سنن أبي داود ١ / ٥١ ح ٢٠٢ ، مسند أحمد ١ / ٢٧٤ و ٢٧٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ١ / ١٥٦ ح ٥ ب‍ ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٤٦٨ ح ٣٦١٤.

٢٢٠