دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582
المشاهدات: 122963
تحميل: 4290


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122963 / تحميل: 4290
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-319-359-4
العربية

ينقل عن كتبهم ؛ لإلزامهم ، لا لحاجة به إليها ؛ لغناه عنها بالأدلّة القطعيّة ؛ العقليّة والنقليّة ، التي اشتملت عليها كتب أصحابه.

وقد تجاهل في معرفتها ومعرفة علماء الإمامية ورواتهم ظنّا منه أن يخدع الجهّال بذلك ، وهيهات أن تخفى الشمس على ذي عين!

نعم ، ما زالوا ـ وإلى الآن ـ يتغافلون عن كتب الشيعة ، ويتعامون عن النظر إليها ، كراهة لاتّضاح الحقّ ، ورغبة في ملّة الآباء!

وأمّا قوله : « فهو يترك المنقولات في الصحاح »

فكذب ظاهر ؛ لأنّ المصنّفرحمه‌الله ينقل عنها وعن غيرها ، كما ستعرف ، وكلّها عنده بمنزلة واحدة في الوهن ، لكنّه يروي عن الجميع ما يحتجّ به عليهم.

ولا يمكن أن نصحّح شيئا منها سوى ما يتعلّق بفضائل أهل البيت ونقائص أعدائهم ، كما سبق وجهه في المقدّمة ، وبيّنا فيها حال صحاحهم ، وأنّها بالسقم أحرى(١) .

ومن الطرائف إنكاره بلوغ عدد الشيعة إلى عصره حدّ الكثرة ، فلو صدق فما باله فرّ من بلاده إلى ما وراء النهر ، ثمّ استغاث في آخر هذا الكتاب من استيلائهم على ما هنالك؟!

وإن جهل كثرتهم ، فليسأل عنهم أئمّته بني أميّة يوم الدار وصفّين ، ويوم استولى عليهم بنو العبّاس ، وليسأل عنهم بني العبّاس أيّام البويهيّين والحمدانيّين والفاطميّين!

وقد ذكر المؤرّخون أنّ بليّة معاوية على الكوفة أشدّ ؛ لكثرة من

__________________

(١) راجع : ج ١ / ٤١ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢١

فيها من الشيعة(١) .

نعم ، ما زال أعداء آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومخالفوهم أكثر ، كما قال عزّ اسمه :( وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١١ / ٤٤ ، النصائح الكافية : ١٢٦.

(٢) سورة يوسف ١٢ : ١٠٣.

نقول : وقد توسّع السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في دراسة حديث النور دراسة مفصّلة ، سندا ودلالة ، في الجزء الخامس من موسوعته « نفحات الأزهار » ؛ فراجع!

٢٢

٢ ـ حديث : ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة

قال المصنّف ـقدس‌سره ـ(١) :

الثاني : من « مسند أحمد » : « لمّا نزل :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل بيته ثلاثين ، فأكلوا وشربوا ثلاثا ، ثمّ قال لهم :من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة؟

فقال عليّ :أنا .

فقال :أنت »(٣) .

ورواه الثعلبي في تفسيره بعد ثلاث مرّات ، في كلّ مرّة سكت القوم غير عليّعليه‌السلام (٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٣.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

(٣) مسند أحمد ١ / ١١١ و ١٥٩ و ٣٣١.

(٤) تفسير الثعلبي ٧ / ١٨٢ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٠٧ ـ ٨٠٨ ح ١١٠٨ وص ٨٧١ ح ١١٩٦ وص ٨٨٧ ح ١٢٢٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٥ ـ ١٢٦ ح ٨٤٥١ ، مسند البزّار ٢ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ٤٥٦ ، المعجم الأوسط ٣ / ٢٤١ ح ٢٨٣٦ ، تفسير الحبري : ٣٤٨ ، تهذيب الآثار ٤ / ٦٠ ح ٥٠ وص ٦٢ ح ١٢٧ ، تاريخ الطبري ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ، تفسير الطبري ٩ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ح ٢٦٨٠٦ ، العلل الواردة في الأحاديث ـ للدارقطني ـ ٣ / ٢٧٥ رقم ٢٩٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٣ ح ٤٦٥٢ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٤٢٥ ح ٣٣١ قطعة

٢٣

وقال الفضل(١) :

هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في « الموضوعات » في قصّة طويلة ، وليس فيه : «ويكون خليفتي » ، وهذا من وضعه ، أو من وضع مشايخه من شيوخ الرفض وأهل التهمة والافتراء(٢) .

وفي مسند أحمد بن حنبل : «ويكون خليفتي » غير موجود ، بل هو من إلحاقات الرفضة.

وهذان الكتابان اليوم موجودان ، وهم لا يبالون من خجلة الكذب والافتراء ، بل الرواية : «ويكون معي في الجنّة »(٣) .

__________________

منه ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠ قطعة منه ، شواهد التنزيل ١ / ٤٢٠ ـ ٤٢١ ح ٥٨٠ ، تفسير البغوي ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٩ ـ ٥٠ ، الوفا بأحوال المصطفى : ١٨٣ ـ ١٨٤ ح ٢٤٩ ، كفاية الطالب : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، فرائد السمطين ١ / ٨٥ ح ٦٥ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٣٩ ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ ١ / ٤٥٧ ـ ٤٥٩ ، البداية والنهاية ٣ / ٣٢ ـ ٣٣ ، مجمع الزوائد ٨ / ٣٠٢ عن البزّار وأحمد والطبراني في « الأوسط » وقال : « رجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح ، غير شريك وهو ثقة » ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣١ ـ ١٣٣ ح ٣٦٤١٩ عن ابن إسحاق وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي ـ والأخيران كلاهما في « دلائل النبوّة » ـ ، ينابيع المودّة ١ / ٣١١ ـ ٣١٢ ح ١ و ٢.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤١٢.

(٢) لم يذكره ابن الجوزي في قصّة طويلة ، بل أشار إلى رواية يوم الدار إشارة ، فانظر : الموضوعات ١ / ٩٩ ؛ وتأمّل!

(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ١١١ وقد جاء فيه : «ويكون معي في الجنّة ، ويكون خليفتي » ، فتأمّل!

٢٤

وهو من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث أقبل إذ الناس أدبر ، وأقدم إذ الناس أحجم(١) ، وفضائله أكثر من أن تحصى ، عليه سلام الله يترى ، مرّة بعد أخرى.

* * *

__________________

(١) كذا وردت الجملتان السابقتان ؛ وهو غير عزيز من مثل ابن روزبهان!

٢٥

وأقول :

من أعجب العجب أن يكذب هذا الرجل ، وينسب الكذب إلى آية الله المصنّفرحمه‌الله ، وشدّد النكير عليه وعلى علمائنا أهل الصدق والأمانة.

وإذا أردت أن تعرف كذبه ، فراجع « المسند » ، ص ١١١ من الجزء الأوّل ، تجد الحديث مشتملا على لفظ «خليفتي ».

وهكذا نقله في « كنز العمّال »(١) ، عن « المسند » ، وعن ابن جرير ، قال : « وصحّحه » ، وعن الطحاوي ، والضياء في « المختارة » ، التي حكى في أوّل « الكنز »(٢) صحّة جميع ما فيها عن السيوطي في ديباجة « جمع الجوامع ».

ونقل في « الكنز » أيضا(٣) هذا الحديث بقصّة طويلة ، عن ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقي ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخره : «قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا؟

__________________

(١) ص ٣٩٦ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٣٦٤٠٨ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٠ ح ٥ ، شرح معاني الآثار ٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ وج ٤ / ٣٨٧.

(٢) كنز العمّال ١ / ٩.

(٣) ص ٣٩٧ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١٣٣ ذ ح ٣٦٤١٩ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٢ ح ١٢٧ ، دلائل النبوّة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٤٢٥ ح ٣٣١ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٢٦

قال عليّعليه‌السلام : فقلت :أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي ، فقال :إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا!

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ ».

ونقل هذا الحديث الطبري في « تاريخه »(١) ، وابن الأثير في « الكامل »(٢) .

وحكى في « كنز العمّال »(٣) ، عن ابن جرير حديثا آخر ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه مثل قوله الأوّل : «هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ».

وحكى ابن أبي الحديد في « شرح النهج »(٤) ، عن أبي جعفر الإسكافي ، أنّه قال : وروي في الخبر الصحيح أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّف عليّاعليه‌السلام في مبدأ الدعوة أن يصنع طعاما ويدعو له بني عبد المطّلب ، فصنع له طعاما ودعاهم له

ثمّ ضمن لمن يؤازره ، وينصره على قوله ، أن يجعله أخاه في الدين ، ووصيّه بعد موته ، وخليفته من بعده ؛ فأمسكوا كلّهم وأجابه هو وحده ، فقال لهم :هذا أخي ووصيّي ، وخليفتي من بعدي.

__________________

(١) ص ٢١٧ من الجزء الثاني [ ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٢٨ من الجزء الثاني [ ١ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦ ]. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٣٩٢ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١١٤ ح ٣٦٣٧١ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٢ ح ١٢٧.

(٤) ص ٢٦٣ من المجلّد الثالث [ ١٣ / ٢١٠ ـ ٢١١ ]. منهقدس‌سره .

٢٧

فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب : أطع ابنك! فقد أمّره عليك » ؛ انتهى ملخّصا.

وهذه الأخبار كلّها اشتملت على لفظ « الخليفة ».

ونقل في « الكنز »(١) ، عن ابن مردويه خبرا آخر ، اشتمل على لفظ « الولاية » ، قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومدّ يده : «من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي؟ ».

فمددت يدي ، وقلت : أنا أبايعك! فبايعني على ذلك.

وأنت تعلم أنّ المراد بالولاية ـ هنا ـ هو المراد بالخلافة ، بقرينة ما سبق ، وقوله : « من بعدي » ، فإنّ النصرة والحبّ لا يختصّان بما بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّما تختصّ به الخلافة.

وأعجب من الفضل ابن تيمية! حيث أنكر وجود أصل الحديث في الصحاح والمسانيد(٢) عند ذكر المصنّفرحمه‌الله له في « منهاج الكرامة »(٣) ، مع ما عرفت من رواية أحمد بن حنبل له في « المسند » وغير أحمد ممّن عرفت(٤) .

نعم ، أقرّ بوجوده في تفسير ابن جرير والبغوي والثعلبي وابن أبي حاتم ، لكنّه ناقش في إسناد كلّ منهم(٥) بما مرّ جوابه إجمالا في

__________________

(١) ص ٤٠١ من الجزء المذكور [ ١٣ / ١٤٩ ح ٣٦٤٦٥ ]. منهقدس‌سره .

(٢) منهاج السنّة ٧ / ٢٩٩.

(٣) منهاج الكرامة : ١٤٧ ـ ١٤٨.

(٤) انظر الصفحة ٢٣ ه‍ ٣ و ٤ من هذا الجزء.

(٥) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٠ ـ ٣٠٣ ؛ وانظر : تهذيب الآثار ٤ / ٦٠ ح ٥ وص ٦٢ ح ١٢٧ ، تفسير الطبري ٩ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ح ٢٦٨٠٦ ، تفسير البغوي ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.

٢٨

مقدّمة الكتاب(١) .

مع أنّه قد استفاضت الطرق وقوّى بعضها بعضا ، وحكموا بصحّة بعضها كما سمعت ، فلا محلّ للمناقشة.

على أنّ مناقشته في سند رواية الثعلبي إجماليّة مردودة عليه ، إلّا مع البيان.

ومناقشته في سند رواية ابن أبي حاتم(٢) ، إنّما هي باشتماله على عبد الله بن عبد القدّوس ، وهو قد ضعّفه الدارقطني(٣) .

وقال النسائي : ليس بثقة(٤) .

وقال ابن معين : ليس بشيء ، رافضي خبيث(٥) .

وفيه :

إنّ تضعيف هؤلاء معارض بما في « تقريب » ابن حجر : إنّه صدوق(٦) .

__________________

(١) راجع : ج ١ / ٢٧ من هذا الكتاب.

(٢) ناقض ابن تيميّة نفسه بمناقشته هذه ، فإنّه قد مدح ابن أبي حاتم وتفسيره ، مصرّحا بأنّ لابن أبي حاتم لسان صدق ، وأنّ تفسيره خال من الموضوعات ، ومتضمّن للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير ، وبأسانيد معروفة!

انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣ و ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٣) الضعفاء والمتروكين : ١١٤ رقم ٣٢٠.

(٤) الضعفاء والمتروكين ـ للنسائي ـ : ١٤٥ رقم ٣٣٧.

(٥) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٨٢ رقم ٣٥٣٦ ، وقال ابن معين في معرفة الرجال ١ / ٧٦ رقم ٢٠٧ : « قال : وسمعت يحيى وسئل عن عبد الله بن عبد القدّوس ، فقال : شيخ كان يقدم الريّ ، لا أعرفه.

(٦) تقريب التهذيب ١ / ٥١٠ رقم ٣٤٥٧.

٢٩

وقال في « تهذيب التهذيب » : قال محمّد بن عيسى : ثقة(١) .

وذكره ابن حبّان في « الثقات »(٢) .

وقال البخاري : وهو في الأصل صدوق ، إلّا أنّه يروي عن أقوام ضعاف(٣) .

مع أنّه أيضا من رجال « سنن الترمذي »(٤) .

ولا ريب أنّ مدح هؤلاء مقدّم على قدح أولئك ؛ لعدم العبرة بقدح أحد المتخالفين في الدين بالآخر من غير حجّة ، بخلاف مدحه له ؛ فإنّ الفضل ما شهدت به الأعداء.

وعبد الله هذا قد زعموه من الشيعة ، وإن كنّا لا نعرف الرجل في الشيعة! ولعلّه لمّا روى في فضل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله نسبوه إلى الرفض والخبث!!

وغمزه ابن عديّ بقوله : عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت(٥) .

وليت شعري ، أبهذا صار ضعيفا واستحقّ أن يوصف بالخبث؟!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٨٢ رقم ٣٥٣٦.

(٢) الثقات ٧ / ٤٨.

(٣) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٨٢ رقم ٣٥٣٦.

(٤) وضع له ابن حجر في « تهذيب التهذيب » رمز « خت. ت » ، والأوّل إشارة إلى رواية البخاري عنه في صحيحه في التعاليق ، والثاني إشارة إلى رواية الترمذي عنه ، ثمّ قال : « أخرج له أبو داود حديثا في كتاب الفتن ».

انظر : سنن الترمذي ٤ / ٤٢٩ ح ٢٢١٢ كتاب الفتن ـ باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف ، سنن أبي داود ٤ / ١٠٠ ح ٤٢٦٦ كتاب الفتن ـ باب كفّ اللسان.

(٥) الكامل في الضعفاء ٤ / ١٩٨ رقم ١٠٠٨ ، على أنّه نقل توثيق محمّد بن عيسى الترمذي له في الصفحة ١٩٧!!

٣٠

كما لا يعتبر ـ أيضا ـ طعنهم في أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم ، راوي حديث ابن جرير والبغوي ، على ما ذكره ابن تيميّة(١) ؛ لأنّه ـ كما في « ميزان الاعتدال » ـ من الشيعة ، ولا سيّما قد شهد بحقّه الذهبيّ أنّه كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال(٢) .

وأمّا ما نسبه الفضل إلى ابن الجوزي ، فلا يبعد أنّه من كذباته ، وإلّا لنسبه إليه في « كنز العمّال » بالنسبة إلى بعض الأحاديث التي نقلناها عنه ، فإنّ عادته أن يروي عن كتاب « الموضوعات »(٣) .

وأيضا لم يذكره السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » المأخوذة من كتاب « الموضوعات ».

ولو صحّت النسبة إلى ابن الجوزي ، فلا عبرة بكلامه ؛ لأنّه أيضا

__________________

(١) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٢.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ رقم ٥١٥٢.

نقول : إنّ أبا مريم عبد الغفّار بن القاسم ليس بمجمع على تركه ، بل هو مختلف فيه ، ونقلوا عن غير واحد مدحه وتوثيقه

قال الحافظ ابن حجر : « قال أبو حاتم : ليس بمتروك ، وكان من رؤساء الشيعة ، وكان شعبة حسن الرأي فيه.

وقال شعبة : لم أر أحفظ منه ».

انظر : تعجيل المنفعة : ٣٩٧ رقم ٦٦٥.

وقال ابن عديّ : « سمعت أحمد بن محمّد بن سعيد ـ يعني : ابن عقدة ـ يثني على أبي مريم ويطريه ، وتجاوز الحدّ في مدحه حتّى قال : لو انتشر علم أبي مريم وخرّج حديثه لم يحتج الناس إلى شعبة ولعبد الغفّار بن القاسم أحاديث صالحة ويكتب حديثه مع ضعفه ».

انظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ رقم ١٤٧٩.

وراجع : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

(٣) راجع الصفحة ٢٤ من هذا الجزء.

٣١

طرف النزاع.

وأمّا ثناؤه على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد تأبّط به شرّا ؛ لأنّ قصده به أن يروّج كذبه وإنكاره لما رواه المصنّفرحمه‌الله ، وترتفع عنه تهمة النصب ؛ وهيهات أن يخفى حاله وقد أنكر الواضحات!

أتراه يفعل ذلك لو كانت الرواية في ما يؤيّد طريقته؟!

ثمّ إنّ من جملة الحديث الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله في « منهاج الكرامة » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بني عبد المطّلب وهم أربعون رجلا(١) ، فجعل ابن تيمية ذلك طريقا للطعن في الحديث ، بدعوى عدم بلوغهم في ذلك الوقت إلى هذا القدر(٢) .

وفيه : إنّه لو سلّم فلا يبعد أن المراد ببني عبد المطّلب : ما يشمل بني المطّلب ؛ لاختصاصهم بهم حتّى كأنّهم منهم ؛ ولذا كانوا معهم في حصار الشعب.

ويشهد له ما في « كامل » ابن الأثير ، حيث إنّه لمّا نقل الحديث قال : حضروا ومعهم نفر من بني المطّلب(٣) .

ولو سلّم أنّ المراد خصوص بني عبد المطّلب ، فغاية ما يلزم منه خطأ الراوي أو مبالغته في عددهم ، وهو لا ينافي صحّة أصل الواقعة المرويّة بطرق مستفيضة ، ولا تكاد تسلم واقعة مروية بطرق عن الخطأ في الخصوصيات.

ومنه أيضا يعلم ما في طعن ابن تيميّة في الحديث ، من حيث

__________________

(١) منهاج الكرامة : ١٤٧.

(٢) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٤.

(٣) الكامل في التاريخ ١ / ٥٨٤.

٣٢

اشتماله على أنّ الرجل منهم كان يأكل الجذعة(١) ، ويشرب الفرق(٢) ، مدّعيا أنّهم لم يكونوا معروفين بمثل هذه الكثرة من الأكل والشرب(٣) ؛ وذلك لأنّ غاية ما يلزم منه مبالغة الراوي ، أو الخطأ في ذلك ، وهو غير ضارّ في صحّة أصل الواقعة(٤) .

على أنّ عدم معروفيّتهم به لا تدلّ على العدم ، لا سيّما وقد كان الكثير من قريش كذلك ، كما تشهد به كتب التاريخ(٥) .

وقد أورد ابن تيميّة على الحديث بأنّه كيف يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للجماعة :من يؤازرني على أمري يكن وصيّي وخليفتي من بعدي ؟ والحال أنّ مجرّد الإجابة إلى مثل ذلك لا يوجب الخلافة ؛ فإنّ جميع

__________________

(١) الجذعة ـ والجمع : جذعات ـ : الأنثى الصغيرة السنّ من الإبل والخيل والبقر والضأن والمعز ، ولا يقال لها جذعة في الإبل إلّا إذا أتمّت أربعة أعوام ودخلت في السنة الخامسة ، وفي الخيل إذا استتمّ الفرس سنتين ودخل في الثالثة ، وكذا في البقر ، وفي الضأن إذا أتمّت سنة وقيل : ثمانية أو تسعة أشهر ، وفي المعز إذا أتمّت سنة من عمرها.

انظر : لسان العرب ٢ / ٢١٩ ـ ٢٢٠ مادّة « جذع ».

(٢) الفرق ـ بالتحريك ـ : مكيال يسع ستّة عشر رطلا ، وهي اثنا عشر مدّا ، وثلاثة أصوع عند أهل الحجاز ؛ وقيل الفرق : خمسة أقساط ، والقسط : نصف صاع ؛ فأمّا الفرق ـ بالسكون ـ : فمئة وعشرون رطلا ، وفيه الحديث : «ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حرام ».

انظر : لسان العرب ١٠ / ٢٤٨ مادّة « فرق ».

(٣) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٦.

(٤) نقول : المراد هنا : بيان إعجاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ شبع هؤلاء القوم ورووا وعددهم أربعون رجلا ، وحالهم في الأكل والشرب ما تقدّم ذكره آنفا ، من ذاك الطعام القليل!!

(٥) انظر : العقد الفريد ٣ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، ربيع الأبرار ٢ / ٦٨٢ و ٧٣٧ ، المستطرف ١ / ١٨٠ ـ ١٨١.

٣٣

المسلمين وازروه ولم يكن منهم أحد خليفة ، ومن الجائز أيضا أن يجيبه جماعة منهم ، وحينئذ فمن الخليفة منهم؟!(١) .

وفيه : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقل إنّ هذا علّة تامّة للخلافة بعده ، حتّى تلزم خلافة كلّ من فعل ذلك وإن لم يكن من عشيرته ، بل أراد بأمر الله إنذار عشيرته وترغيبهم ؛ لأنّهم أولى به وبنصرته ، فلم يجعل هذه المنزلة إلّا لهم

وليعلم من أوّل الأمر أنّ هذه المنزلة لعليّعليه‌السلام خاصّة ؛ فإنّ الله سبحانه ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمان أنّه لا يجيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويؤازره تماما إلّا عليّعليه‌السلام ، فكان ذلك من باب تثبيت إمامته ، وإلقاء الحجّة على قومه.

وحينئذ ، فلا يصحّ فرض تعدّد المجيبين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ولو صحّ ووقع ، لعيّن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأولى والأحقّ.

هذا ، وقد صرّحت بالخلافة لعليّعليه‌السلام أخبار أخر

منها : ما سبق في الآية السادسة والثلاثين في سبب نزول سورة النجم(٢) .

ومنها : ما سيأتي في بعض أحاديث الثّقلين.

ومنها : ما في المواقف » ، في مبحث الإمامة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال لعليّ : «أنت أخي ووصيّي ، وخليفتي من بعدي ، وقاضي ديني »(٣) ، بكسر الدال(٤) .

__________________

(١) منهاج السنّة ٧ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٢) انظر مبحث سورة النجم في ج ٥ / ١٧٠ ـ ١٧٦ من هذا الكتاب.

(٣) المواقف : ٤٠٦.

(٤) شرح المواقف ٨ / ٣٦٣.

٣٤

وأجاب عنه هو والشارح بأمرين :

الأوّل : إنّه معارض بالنصوص الدالّة على إمامة أبي بكر(١) .

وفيه : إنّه لو سلّم وجودها ودلالتها فليست حجّة علينا ؛ لأنّها من أخبارهم الخاصّة بهم(٢) ، بل هي من الكذب المسلّم ؛ لإقرارهم بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يخلّفه(٣) .

الثاني : منع صحّة الحديث ؛ للدليل القاطع على عدم النصّ الجليّ ؛ لأنّه لو وجد لتواتر ، ولعارض عليّ أبا بكر في الإمامة ، ولصلابة الأصحاب في الدين ؛ فكيف لا يتّبعون النصّ المبين؟!(٤) .

ويرد على الأوّل : إنّ حصول التواتر مشروط بعدم الشبهة ، وهي ثابتة لهم ، بل الثابت أعظم منها ، وهو التعصّب ، الذي هو قذى البصائر.

وهل تبقى شبهة مع نصّ الكتاب العزيز بانحصار الولاية بالله ورسوله وأمير المؤمنين ، ونصّ حديث الغدير والمنزلة والثقلين ، وغيرها ، فإنّها متواترة ، ونصّ في إمامته ـ ولو بمجموعها ـ لو أنصفوا؟!

__________________

(١) المواقف : ٤٠٦ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦٣.

(٢) كان ابن حزم ممّن اعترف بهذا وقرّره ، فقد قال ما نصّه : « لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا ، فهم لا يصدّقونها ، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم ، فنحن لا نصدّقها ؛ وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم على بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّة به ، سواء صدّقه المحتجّ أو لم يصدّقه ؛ لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري ، فيصير حينئذ مكابرا منقطعا إن ثبت على ما كان عليه ».

انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ / ١٢.

(٣) ومن المقرّين بذلك القاضي الإيجي والشريف الجرجاني.

انظر : المواقف : ٤٠٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٤.

(٤) المواقف : ٤٠٤ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٩.

٣٥

ولو سلّم أنّها ليست نصّا جليّا ، ولا متواترة معنى بإمامتهعليه‌السلام ، فالمطالبة بتواتر ما هو أجلى منها ليست في محلّها ؛ للصوارف عنه ، فإنّ عامّة قريش وكثيرا من الأنصار في الصدر الأوّل أعداء أمير المؤمنين ، فمنهم غاصب له ، ومنهم معين على غصبه ، ومنهم راض به ، والباقي رعاع وسوقة إلّا القليل ، والقليل لا يقدر على بيان النصّ الجليّ ، خوفا من الأمراء ، بل حتّى الكثير يخاف منهم!

ولذا خفي أمر الغدير ، فاحتاج أمير المؤمنين بعد زمن قريب إلى الاستشهاد بمن بقي من الصحابة ، مع أنّه لم يشهد له بعضهم ، عداوة له فأصابته دعوته ، كما سبق(١) .

ولو فرض إمكان بيان النصّ الكامل في الصدر الأوّل ، فلا ريب بعدم إمكانه أيّام معاوية والشجرة الملعونة ؛ لأنّهم أوجبوا سبّ إمام المتّقين ، وتتبعوا بالقتل والحبس من روى له فضيلة ، أو رأى له فضلا(٢) !

__________________

(١) انظر : ج ٤ / ٣٢٨ ؛ وانظر حديث من أصابته الدعوة في : جمهرة النسب ٢ / ٣٩٥ ، المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ٣٢٠ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٨٦ ، تاريخ دمشق ٩ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٤ وج ١٩ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ، الصواعق المحرقة : ١٩٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ١ / ٦٦٣ ح ٩٠٠ ، حلية الأولياء ٥ / ٢٦ ـ ٢٧ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٧٤ ح ٣٣ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٧٨ ح ٣٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٦.

(٢) روى أبو الحسن المدائني في كتاب « الأحداث » ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة ، أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ؛ فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ؛ لكثرة من بها من شيعة عليّعليه‌السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّعليه‌السلام ، فقتلهم تحت كلّ

٣٦

فكيف يمكن حينئذ أن تتواتر رواية النصّ الجليّ ، وكذا في الأيّام المتأخّرة ، كأيّام كثير من بني العبّاس ، الّذين هم مثل بني أميّة في تتبّع الشيعة وجحد حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟!

ولا أعجب من طلب حصول التواتر بالنصّ الجليّ عند قوم يخالف مذهبهم ، مع اهتمام علمائهم لدنياهم في نقصه وإثبات مفضوليّته ، وأنّ تمام مناصب سلاطينهم وأمرائهم بإنكار النصّ عليه وعلى الأئمّة من ولده!

ويرد على دعوى معارضته لأبي بكر : إنّها ممنوعة وظاهرة المكابرة ؛ إذ أيّ معارضة تطلب في مقام الخوف على الإسلام أكبر من الامتناع عن بيعته وإظهار أنّه ظالم غاصب ، ولم يبايعه إلّا قهرا بعد ستّة أشهر أو أكثر(١) .

__________________

حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ، ألّا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة

إلى أن قال : ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : أنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّا وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه ؛ وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به ، واهدموا داره ؛ فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق إلى آخره.

انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١١ / ٤٤ ـ ٤٥.

وقال محمّد بن بحر الرّهني : لعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٢١٥ ( سجستان ).

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٢٨٨ ح ٢٥٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٩٤.

٣٧

إلى غير ذلك ممّا صدر من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما عرفت بعضه في المبحث الرابع من مباحث الإمامة(١) .

ويرد على دعوى صلابة الأصحاب في الدين : إنّها محلّ تأمّل ، ولا سيّما بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولنسأل عنها قوله تعالى :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (٢)

وسورة براءة ، المسمّاة بالفاضحة ؛ لأنّها فضحت أكثر الصحابة(٣)

وقوله تعالى :( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها ) (٤) ،

حيث تركوا الواجب ولم يبالوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانفضّوا للهو والتجارة ، ولم يبق معه إلّا النادر(٥)

.. إلى كثير من الآيات الكريمة(٦) .

ولنسأل أحاديث الحوض ، التي حكم بعضها بارتداد جلّ الصحابة ،

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢٦١ وما بعدها وص ٢٨٠ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٣) انظر : تفسير الماوردي ٢ / ٣٣٦ ، تفسير البغوي ٢ / ٢٢٤ ، تفسير الكشّاف ٢ / ١٧١ ، زاد المسير ٣ / ٢٩٤ ، تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٢٢٣ ، تفسير القرطبي ٨ / ٤٠ ، تفسير البيضاوي ١ / ٣٩٤ ، تفسير النسفي ٢ / ١١٤ ، تفسير الخازن ٢ / ١٩٨ ، تفسير النيسابوري ٣ / ٤٢٧ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، فتح القدير ٢ / ٣٣١.

(٤) سورة الجمعة ٦٢ : ١١.

(٥) روي أنّه لم يبق في المسجد إلّا اثنا عشر رجلا ، وقيل أقلّ من ذلك ؛ انظر مثلا : الدرّ المنثور ٨ / ١٦٥ ـ ١٦٧.

(٦) كقوله تعالى :( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلأَقَلِيلاً ) سورة الأحزاب ٣٣ : ١٠ ـ ٢٠.

٣٨

وأنّهم إلى النار ، ولم يسلم منهم إلّا مثل همل النّعم(١)

.. إلى غيرها من الأخبار التي لا تحصى ، وسيمرّ عليك بعضها إن شاء الله تعالى.

وقد أجاب القوشجي في « شرح التجريد » عن الخبر الذي حكيناه عن « المواقف » بعد ذكر نصير الدينرحمه‌الله له(٢) ، فقال :

« وأجيب بأنّه خبر واحد في مقابلة الإجماع ، ولو صحّ لما خفي على الصحابة والتابعين ، والمهرة المتقنين من المحدّثين ، سيّما عليّ وأولاده الطاهرين ؛ ولو سلّم ، فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين »(٣) .

ويشكل بمنع الإجماع ، كما مرّ في المبحث الرابع ، وبيّنّا أنّه لم يخف على الصحابة(٤) ، ولكن أخفوه عن عمد ، كحديث الغدير(٥) .

وكذا أخفاه من علم به من غير الصحابة ، عداوة لعليّعليه‌السلام ، أو خوفا من معاوية وأشباهه(٦) .

وأمّا دعوى خفائه على أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين ؛ فمخالفة لما تواتر عنهم من حصول النصّ عليه بالخلافة ، ولما ظهر من أحوالهم في تضليل الأوّلين ، فكم صرّحوا ولوّحوا بالنصّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فما زاد مخالفيهم إلّا عداوة وإعراضا عن الحقّ!

__________________

(١) راجع : ج ٢ / ٢٧ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ وتخريج حديث الحوض فيهما ، من هذا الكتاب.

(٢) تجريد الاعتقاد : ٢٣١ ، وانظر : المواقف : ٤٠٦.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، وانظر الصفحة ٣٥ من هذا الجزء.

(٤) راجع : ج ٤ / ٢٤٩ و ٢٧٩ وما بعدها من هذا الكتاب.

(٥) راجع : ج ١ / ١٩ ـ ٢١ من هذا الكتاب.

(٦) راجع : ج ٤ / ٢٨٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

٣٩

وأمّا إنكار دلالته على نفي خلافة الآخرين ؛ فمكابرة للضرورة ؛ إذ أيّ دليل أصرح في نفيها من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خليفتي من بعدي »؟!

ولو كان التقليد بقوله : « من بعدي » غير دالّ على ذلك ، لم تثبت خلافة أحد بلا فصل بالنصّ!

وليت شعري! ما بال وصيّة أبي بكر لعمر كانت نصّا في خلافته له بلا فصل دون وصيّة النبيّ لأمير المؤمنين ، وهي ليست بأصرح منها في الدلالة على عدم الفصل ، وكذا وصايا سائر السلاطين لولاة عهدهم ، كما سبق في الآية الثانية من الآيات التي ذكرها المصنّفرحمه‌الله (١) ؟!

ومن جملة الأخبار المصرّحة بخلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ما في « ميزان الاعتدال » بترجمة عبد الله بن داهر ، حيث ذكر أنّه روى بسنده عن ابن عبّاس : « ستكون فتنة ، فمن أدركها فعليه بالقرآن وعليّ بن أبي طالب.

قال : فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [ وهو آخذ بيد عليّ ] يقول :هذا أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني ، وهو فاروق هذه الأمّة ، ويعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو خليفتي من بعدي »(٢) .

قال في « الميزان » : قال ابن عديّ : عامّة ما يرويه في فضائل عليّ ،

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٣٤٨ من هذا الكتاب.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ / ٩٣ رقم ٤٣٠٠ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٦ / ٢٦٩ ح ٦١٨٤ ، الاستيعاب ٤ / ١٧٤٤ رقم ٣١٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤١ ـ ٤٣ ، كفاية الطالب : ١٨٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٢ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٢ ح ٣٢٩٦٤ وص ٦١٦ ح ٣٢٩٩٠ ، أسد الغابة ٥ / ٢٧٠ رقم ٦٢٠٧.

٤٠