دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582
المشاهدات: 122925
تحميل: 4290


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122925 / تحميل: 4290
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-319-359-4
العربية

إنّه صاحب الحوض ، واللواء ، والصراط ، والإذن

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

المطلب الرابع : في أنّه صاحب الحوض ، واللواء ،

والصراط ، والإذن.

روى الخوارزمي ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ يوم القيامة على الحوض ، لا يدخل الجنّة إلّا من جاء بجواز من عليّ »(٢) .

وعنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى جبرئيل أن يجلس على باب الجنّة ، فلا يدخلها إلّا من معه براءة من عليّ عليه‌السلام »(٣) .

__________________

فصيحا مفوّها ، برع في إنشاء الخطب ، أخذ علم العربية عن جار الله الزمخشري ، وتخرّج به جماعة ، من مصنّفاته : مناقب الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، مناقب الإمام أبي حنيفة.

انظر : الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة ٣ / ٥٢٣ رقم ١٧١٨ ، المختصر المحتاج إليه من ذيل تاريخ بغداد ـ للذهبي ـ : ٣٦٠ رقم ١٣٤١ ، كشف الظنون ٢ / ١٨٣٧ و ١٨٤٤ ، هديّة العارفين ٦ / ٤٨٢ ، معجم البلدان ٢ / ٤٥٤ رقم ٤٤٤٤.

(١) نهج الحقّ : ٢٦١.

(٢) لم نجده بهذا اللفظ ، وانظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧١ ح ٤٨ وص ٣١٠ ح ٣٠٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٤٠ ح ١٥٦.

(٣) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ح ٣٢٤ ، وانظر : تاريخ

٤٨١

وعن جابر بن سمرة ، قال : قيل : يا رسول الله! من صاحب لوائك في الآخرة؟

قال : «صاحب لوائي في الآخرة ، صاحب لوائي في الدنيا ، عليّ ابن أبي طالب »(١) .

وعن عبد الله بن أنس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنّم ، لم يجز عليه إلّا من معه كتاب بولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام »(٢) .

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

فلينظر العاقل إذا كانت مثل هذه وأضعافها أضعافا مضاعفة يرويها السنّة في صحاح الأخبار عندهم ، والآيات ـ أيضا ـ موافقة لها ثمّ يتركونها ، هل يجوز له تقليدهم؟!

ومع ذلك لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة ولا رذيلة ولا معصية ألبتّة ، والتجأوا في التقليد إلى قوم رووا عنهم كلّ رذيلة ، ونسبوهم إلى مخالفة الشريعة في قضايا كثيرة! ولنذكر هنا بعضها في مطالب

* * *

__________________

أصفهان ١ / ٤٠٠ ح ٧٥٥ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٤٨ ح ١٧٢ ، فرائد السمطين ١ / ٢٨٩ ح ٢٢٨ ؛ وراجع : ج ٥ / ٧ ـ ٨ من هذا الكتاب!

(١) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٥٨ ح ٣٦٩ ؛ وانظر الصفحة ٤٢٤ ـ ٤٢٥ من هذا الجزء.

(٢) انظر : مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٧١ ح ٤٨ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢١٩ ح ٢٨٩ ؛ وراجع الصفحة ١٩٩ ه‍ ٣ من هذا الجزء.

٤٨٢

وقال الفضل(١) :

من ضروريّات الدين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب الحوض المورود ، والشفاعة العظمى ، والمقام المحمود يوم القيامة.

وأمّا أنّ عليّا صاحب الحوض ، فهو من مخترعات الشيعة ولم يرد به نقل صحيح.

وهذا الرجل ، الذي ينقل كلّ مطالبه من كتب أصحابنا ، لم ينقل هذا منهم ؛ وذلك لأنّه لم يصحّ فيه نقل عندنا.

ولكن ما ذكره لمّا كان من الفضائل والمناقب لمولانا عليّ بن أبي طالب ، فنحن لا ننكره ؛ لأنّ كلّ ما نقل من فضائله وفضائل أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما لم يكن سببا إلى الطعن في أفاضل الصحابة ، فنتسلّمه ونوافقه فيه ؛ لأنّ فضائلهم لا تحصى ، ولا ينكره إلّا منكر نور الشمس والقمر.

وأمّا ما ذكره ، أنّ أمثال هذه الأخبار يرويها السنّة ، وهي في صحاح الأخبار عندهم ، والآيات أيضا موافقة لها ، ثمّ يتركونها ، هل يجوز لهم تقليدهم؟!

فإنّ أهل السنّة يعملون بكلّ حديث وخبر صحيح بشرائطها.

ولكن كما صحّ عندهم الأحاديث الدالّة على فضل عليّ بن أبي طالب وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كذلك صحّ عندهم الأحاديث الدالّة على

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٦٧ الطبعة الحجرية.

٤٨٣

فضائل الخلفاء الراشدين ، فهم يجمعون بين الأحاديث الصحاح ، وينزلون كلّا منزله الذي أنزله الله ، ولا ينقصون أحدا ممّن صحّ فيه هذا الحديث

والشيعة ينقلون الأحاديث من كتب أصحابنا ممّا يتعلّق بفضائل أهل البيت ، ويسكتون عن فضائل الخلفاء وأكابر الصحابة ؛ ليتمشّى لهم الطعن والقدح ، وهذا غاية الخيانة في الدين.

وأيّة خيانة أعظم من أنّ رجلا ذكر بعض كلام أحد ممّا يتعلّق بشيء ، وترك البعض الآخر بما يتعلّق بعين ذلك الشيء ، ليتمشّى به مذهبه ومعتقده؟!

ونعوذ بالله من هذه العقائد الفاسدة.

ثمّ ما ذكره ، أنّ أهل السنّة « لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة ولا رذيلة ولا معصية ألبتّة ».

فجوابه أن نقول :

أيّها الجاهل العاميّ ، الضالّ العاصي! الشيعة ينسبون أنفسهم إلى الأئمّة الاثني عشر

أترى أئمّة أهل السنّة والجماعة يقدحون في أهل بيت النبوّة والولاية؟!

أتراهم ـ يا أعمى القلب! ـ أنّهم يفترون مثلك ومثل أضرابك على الأئمّة ، ويفترون المطاعن والمثالب ممّا لم يصحّ به خبر ، بل ظاهر عليه آثار الوضع والبطلان ، ولا كظهور البدر ليلة الأضحيان؟!

ثمّ ذكر أنّهم « التجأوا في التقليد إلى قوم رووا عنهم كلّ رذيلة ، ونسبوهم إلى مخالفة الشريعة ».

فجوابه : إنّهم لم يرووا عمّن يقلّدونه رذيلة أصلا ، بل هو يفتري

٤٨٤

الكذب عليهم ، ومن هاهنا يريد أن يشرع في مطاعن الخلفاء ، ويبدأ بأبي بكر الصدّيق

ونحن نقول له : أنت لا تروي شيئا يعتدّ به إلّا من صحاحنا ، وها نحن قبل شروعك في مطاعن أبي بكر الصدّيق ، نذكر شيئا يسيرا من فضائله المذكورة في صحاحنا.

وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند السنّة أنّها من موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام ، فعملّها وجعلها وديعة عند الإمام جعفر الصادق ، فلمّا توفّي حسب الناس أنّه من كلامه(١)

والله أعلم بحقيقة هذا الكلام ، وهذا من المشهورات

مع هذا ، لا ثقة لأهل السنّة بالمشهورات ، بل لا بدّ من الإسناد الصحيح حتّى يصحّ الرواية.

وأمّا صحاحنا ، فقد اتّفق العلماء أنّ كلّ ما عدّ من الصحاح ـ سوى التعليقات في الصحاح الستّة ـ لو حلف بالطلاق أنّه من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من فعله وتقريره ، لم يقع الطلاق ، ولم يحنث(٢) .

وها نحن نشرع في بعض فضائل الصدّيق ؛ إظهارا للحقّ ، الحقيق

__________________

(١) نقول : إن كان يقصد باليهودي هو من يسمّى ب‍ « عبد الله بن سبأ » ، فلنا أن نتساءل ـ على فرض ثبوت شخصية ابن سبأ ـ ، أنّه كيف لقي الإمام الصادقعليه‌السلام ، المستشهد سنة ١٤٨ ه‍؟! فإنّ ابن سبأ ـ على ما يروى ويدّعى ـ كان في عصر عثمان ، وهو الذي ألّب الناس عليه ، وأجّج نار الثورة حتّى قتل ، وهو الذي أحرقه الإمام عليّعليه‌السلام وأصحابه ، فكيف اجتمع بالإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، وهو متأخّر عنه بزمن طويل ، حتّى يودعه كتبه الموضوعة المختلقة؟!

(٢) انظر : شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ١ / ٢٨ ، مقدّمة ابن الصلاح : ١٦.

وراجع : ج ١ / ٣٩ من هذا الكتاب!

٤٨٥

بالتحقيق ، فنقول :

أوّل خلفاء الإسلام : أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة ، من أولاد تيم ابن مرّة ، ونسبه يتّصل برسول الله في مرّة ، كان له ولدان : تيم وكلاب ، فكلاب هو أبو قصيّ ، وقصيّ جدّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتيم هو جدّ أبي بكر الصدّيق.

وكان أبو بكر الصدّيق قبل البعثة من أكابر قريش وأشرافها ، وصناديدها ، وكان قاضيا حكما بينهم ، وكان صاحب أموال كثيرة ، حتّى اتّفق جميع أرباب التواريخ ، أنّه لم يبلغ مال قريش مبلغ مال أبي بكر.

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصادقه ويحبّه ، ويجلس في دكّانه ، وهو كان يحبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله محبّة شديدة ، لا يفارقه ليلا ولا نهارا ، وكان يعين رسول الله بماله وأسبابه.

فلمّا بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يظهر حال نبوّته في أوّل الأمر على الناس ، فذكر لأبي بكر فصدّقه ، وقال رسول الله : « ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلّا وأظهر تردّدا ما خلا أبي(١) بكر »(٢) ( كما قال )(٣) .

فأخذ أبو بكر يدعو الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فآخر ذلك اليوم الذي أسلم أتى بعيون قبائل قريش ممّا(٤) كانوا يصادقونه في مكّة ، وهم :

عثمان بن عفّان ـ من عيون بني أميّة ـ ، وسعد بن أبي وقّاص ـ من

__________________

(١) كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والصواب لغة : « أبا »!

(٢) انظر : البداية والنهاية ٣ / ٢٢.

(٣) كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والعبارة مضطربة ومبهمة ، وذلك غير عزيز من فصاحة وبلاغة الفضل! ولعلّ في العبارة سقطا ، وربّما كان مراده : « فكان الأمر كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ أبي بكر » ؛ فلاحظ!

(٤) كذا في الأصل وإحقاق الحقّ ؛ والصواب لغة : « ممّن »!

٤٨٦

أشراف بني زهرة ـ ، وطلحة بن عبيد الله ـ من أشراف تيم ـ ، والزبير بن العوّام ـ من أشراف بني أسد بن عبد العزّى ـ ، وغيرهم من الأشراف ، فبايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإسلام(١) .

ثمّ أخذ في الدعوة ، ولا يقدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر إلّا بمشاورته وهو يدعو الناس!

وكان عاقلا لبيبا مدبّرا ، مقبول القول ، وكان يبذل ماله في إعانة المسلمين وفي تشهير الإسلام.

وروي في الصحيح ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متّخذا خليلا من أمّتي لاتّخذت أبا بكر ، ولكن أخوّة الإسلام ومودّته ، لا تبقينّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر »(٢) .

وفيه ـ أيضا ـ : عن عبد الله بن مسعود ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : « لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، ولكنّه أخي وصاحبي ، وقد اتّخذ الله صاحبكم خليلا »(٣) .

وفي الصحاح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما لأحد عندنا يد إلّا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر ، فإنّ له عندنا يدا يكافئه الله يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قطّ ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإنّ صاحبكم خليل الله »(٤) .

__________________

(١) انظر : السيرة الحلبية ١ / ٤٤٩.

(٢) انظر : صحيح البخاري ١ / ٢٠١ ح ١٢٥ ، صحيح مسلم ٧ / ١٠٨.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٠٨.

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٦٨ ـ ٥٦٩ ح ٣٦٦١.

٤٨٧

ثمّ لمّا أخذ الكفّار في إيذاء المسلمين وتعذيبهم ، قام أبو بكر بأعباء أذيّة قريش وإعانة المعذّبين ، والذبّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما هو مشتهر معلوم لا يحتاج إلى بيانه.

وكان يشتري المعذّبين من الكفّار ، واشترى بلال بن رباح ، وفدى غيره من الصحابة ، وابتلي بلاء حسنا لا يكون فوقها مرتبة حتّى جاء وقت الهجرة فصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، وأنزل الله فيه :( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) (١) .

وأثنى الله عليه في كتابه العزيز في مواضع عديدة ممّا يطول ذكرها ، ولو لا أنّ الكتاب غير موضوع لذكر التفاصيل ، لفصّلنا مناقبه في عشر مجلّدات!

ثمّ بعد الهجرة أقام يحفظ الدين والجهاد ، ولم يقدر أحد من الشيعة أن يدّعي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غزا غزوة وتخلّف عنه أبو بكر حتّى توفّي.

وإجماع الأمّة على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقدّمه على أصحابه ويفضّله عليهم ، وهو لم يفارق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قطّ في غزاة ، ولا سفر ، ولا فرّ في غزوة ، ومن ادّعى خلاف ذلك فهو مفتر كذّاب ، مخالف لضرورات الدين.

ذكر في « صحيح البخاري » ، عن محمّد بن الحنفيّة ، قال : قلت لأبي : أيّ الناس خير بعد النبيّ؟

قال : أبو بكر.

قلت : ثمّ من؟

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٤٠.

٤٨٨

قال : عمر.

قال : [ و ] خشيت أن يقول : عثمان ، قلت : ثمّ أنت؟

قال : ما أنا إلّا رجل من المسلمين(١) .

انظروا معاشر العقلاء! إنّ أمير المؤمنين عليّ هكذا يذكر الخلفاء ، ثمّ جاء ابن المطهّر الأعرابي ، البوّال على عقبيه ، ويضع لهم المطاعن ، قاتله الله من رجل سوء بطّاط(٢) .

وأيضا : عن عبد الله بن عمر ، قال : كنّا في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نعدل بأبي بكر أحدا ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ لا نفاضل بينهم(٣) .

وفي رواية : كنّا نحن نقول ـ ورسول الله حيّ ـ : أفضل أمّة النبيّ بعده أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان(٤) .

وفي الصحاح : عن ابن عمر ، عن رسول الله ، أنّه قال لأبي بكر : « أنت صاحبي في الغار ، وصاحبي في الحوض »(٥) .

وفيها : عنه ، قال : قال رسول الله : « أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ يأتي أهل البقيع فيحشرون معي ، ثمّ ينتظر أهل

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٧١ ح ١٦٨.

(٢) البطّاط : صانع البطّات ، جمع البطّة ؛ وهي الدبّة بلغة أهل مكّة ؛ لأنّها تعمل على شكل البطّة من الحيوان ، أو هو إناء كالقارورة يوضع فيه الدهن وغيره ؛ انظر مادّة « بطط » في : لسان العرب ١ / ٤٣١ ، تاج العروس ١٠ / ١٩٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ٨٢ ح ١٩٣.

(٤) سنن أبي داود ٤ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ح ٤٦٢٨.

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٥٧٢ ح ٣٦٧٠.

٤٨٩

مكّة حتّى تحشر بين الحرمين »(١) .

وفي الصحاح : عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتاني جبرئيل فأخذ بيدي فأراني باب الجنّة الذي يدخل منه أمّتي.

فقال أبو بكر : يا رسول الله! وددت أنّي كنت معك حتّى أنظر إليه.

فقال رسول الله : أما إنّك يا أبا بكر أوّل من يدخل الجنّة من أمّتي »(٢) .

والأخبار في هذا أكثر من أن تحصى

ثمّ لمّا قرب وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعله في مرضه إماما للناس ؛ ليكون تلويحا إلى خلافته ، وهذا كالمتواتر عند المسلمين ، ولم يتردّد واحد في أنّ أبا بكر في أيّام مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤمّ الناس.

وفي الصحاح : عن عائشة ، قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه : « ادعي لي أبا بكر أباك ، وأخاك ، حتّى أكتب كتابا ، فإنّي أخاف أن يتمنّى متمنّ ، ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبا بكر »(٣) .

وفي الصحاح : عن جبير بن مطعم ، قال : أتت النبيّ امرأة فكلّمته في شيء ، فأمرها أن ترجع إليه ، قالت ، يا رسول الله! أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ ـ كأنّها تريد الموت ـ.

قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر(٤) .

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٨١ ح ٣٦٩٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥٠٥ ح ٣٧٣٢.

(٢) سنن أبي داود ٤ / ٢١٢ ح ٤٦٥٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٧ ح ٤٤٤٤.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١١٠ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٣٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ١٥٣.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٧ / ١١٠.

٤٩٠

والأخبار الدالّة على الإشارة بخلافته كثيرة ، وهي تعارض الأخبار الدالّة على خلافة عليّ.

والإجماع فضل زائد ودليل تامّ على صحّة خلافته.

ثمّ إنّ الرجل السوء يذكر لمثل هذا الرجل المطاعن ، لعن الله كلّ مخالف طاعن.

وكنت حين بلغت باب المطاعن أردت أن أطوي عنه كشحا ، ولا أذكر منه شيئا ؛ لأنّها تؤلم خاطر المؤمن ، ويفرح بها المنافق الفاسد الدين ؛ لأنّ من المعلوم أنّ الدين قام في خلافة هؤلاء الخلفاء الراشدين.

ولمّا سمع المنافق أنّ هؤلاء مطعونون ، فرح بأنّ الدين المحمّدي لا اعتداد به ؛ لأنّ هؤلاء المطعونين ـ حاشاهم ـ كانوا مؤسّسي هذا الدين ، وهذا ثلمة عظيمة في الإسلام ، وتقوية كاملة للكفر ، أقدم به الروافض ، لا أفلحوا!

ولكن رأيت لو أنّي أترك هذا الباب ولم أجاوبه ، يظنّ الناس أنّ ما أورده من الأباطيل كان كلاما متينا ، ونقلا صحيحا لا يقدر على مجاوبته ، فعزمت أن أجري على وفق ما جريت في هذا الكتاب ، من ذكر كلامه والردّ عليه ، والله الموفّق.

* * *

٤٩١

وأقول :

لا ريب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو صاحب الحوض ، ولكنّ عليّا هو المتولّي عليه ، فهو صاحبه أيضا ، كما أنّ لواء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة ـ وهو لواء الحمد ـ بيد عليّعليه‌السلام أيضا ، كما صرّحت بهذا كلّه أخبار القوم(١) ، فضلا عن أخبارنا(٢) .

فمنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك »(٣) ، عن عليّ بن أبي طلحة ،

__________________

(١) فلم يكن ذلك من مخترعات الشيعة كما ادّعاه ابن روزبهان ، بل رواه جمع من أئمّة وحفّاظ وأعلام أهل السنّة ، فانظر ـ علاوة على ما تقدّم في الصفحتين ٤٨١ و ٤٨٢ من هذا الجزء ، وما سيأتي في الصفحات التالية منه ـ : المعجم الأوسط ١ / ١١٠ ح ١٩٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، مطالب السؤول : ٨١ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٨٢ و ٣٨٣.

وانظر مادّة « صيد » في : الفائق في غريب الحديث ٢ / ٣٢٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ / ٦٥ ، لسان العرب ٧ / ٤٥١.

(٢) انظر مثلا : كتاب سليم ٢ / ٧٠٨ ح ١٦ وص ٧٤٧ ح ٢٤ ، بصائر الدرجات : ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ح ١١ ، تفسير فرات ٢ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ح ٤٩٨ و ٤٩٩ ، تفسير القمّي ٢ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، تفسير العيّاشي ٢ / ١١٦ ح ١٢٧ ، كفاية الأثر : ١٠١ ، علل الشرائع ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ب‍ ١٣٠ ح ٦ وص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ب‍ ١٣٧ ح ١ ، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٧٢ ح ٦٣ وج ٢ / ٥٢ ـ ٥٣ ح ١٨٩ ، الخصال : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ح ١٩ وص ٤١٥ ـ ٤١٦ ح ٥ و ٦ وص ٥٧٣ و ٥٨٢ ـ ٥٨٣ ح ٧ ، الأمالي ـ للصدوق ـ : ١٧٨ ح ١٨٠ وص ٤٠٢ ح ٥٢٠ وص ٥٨٦ ح ٨٠٧ وص ٧٥٦ ح ١٠١٩ ، الأمالي ـ للمفيد ـ : ٢٧٢ ذ ح ٣ ، الأمالي ـ للطوسي ـ : ٢٠٩ ح ٣٥٩ ، فضائل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ لابن شاذان ـ : ٦٩ ـ ٧٠ ح ٩٤ و ٩٥ ، إعلام الورى ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٨٥.

(٣) ص ١٣٨ ج ٣ [ ٣ / ١٤٨ ح ٤٦٦٩ ]. منهقدس‌سره .

٤٩٢

وصحّحه ، أنّ الحسنعليه‌السلام ، قال لمعاوية بن حديج :أنت السابّ لعليّ والله إن لقيته ـ وما أحسبك تلقاه ـ يوم القيامة ، لتجده قائما على حوض رسول الله يذود عنه رايات المنافقين.

ونحوه في « الصواعق » ، عن الطبراني(١) .

ومنها : ما في « الصواعق » ـ أيضا ـ ، عن الطبراني :يا عليّ! معك يوم القيامة عصا من عصيّ الجنّة تذود بها المنافقين عن الحوض (٢) .

ومنها : ما في « الصواعق » ، عن أحمد : أعطيت في عليّ خمسا ـ إلى أن قال : ـ وأمّا الثانية : فلواء الحمد بيده ، آدم ومن ولده تحته.

وأمّا الثالثة : فواقف على حوضي ، يسقي من عرف من أمّتي(٣) .

ونحوه في « كنز العمّال »(٤) .

وروى في « الكنز » ـ أيضا ـ ، عن الطبراني ، عن عليّعليه‌السلام :إنّي أذود عن حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيديّ هاتين القصيرتين ؛ الكفّار

__________________

وانظر : السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٣٤٦ ح ٧٧٦ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ١٣٩ ـ ١٤١ ح ٦٧٧١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠.

(١) في المقصد الثالث من المقاصد المتعلقة بالآية الرابعة عشرة ، وهي آية المودّة [ الصواعق المحرقة : ٢٦٥ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المعجم الكبير ٣ / ٨١ ـ ٨٢ ح ٢٧٢٧ وص ٩١ ـ ٩٢ ح ٢٧٥٨.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٦٥ ، وانظر : المعجم الصغير ٢ / ٨٩ ، فردوس الأخبار ٢ / ٤٨٢ ح ٨٣١٤ ، ذخائر العقبى : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٣.

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٦٥ ، وانظر : فضائل الصحابة ٢ / ٨٢٢ ح ١١٢٧ ، ذخائر العقبى : ١٥٥ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٣٨٤.

(٤) ص ٤٠٢ و ٤٠٣ من الجزء السادس [ ١٣ / ١٥٢ ح ٤٦٤٧٦ وص ١٥٤ ح ٣٦٤٧٩ ]. منهقدس‌سره .

٤٩٣

والمنافقين (١) .

وروى فيه ـ أيضا(٢) ـ ، عن عمر ـ من حديث طويل ـ ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فيه :وأنت تتقدّمني بلواء الحمد ، وتذود عن حوضي.

وفيه ـ أيضا(٣) ـ : عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ :أنت أمامي يوم القيامة ، فيدفع إليّ لواء الحمد ، فأدفعه إليك ، وأنت تذود الناس عن حوضي.

وقد ذكر كثير من أخبارهم أمر اللواء فقط ، كخبر « الكنز »(٤) ، عن الديلمي ، عن أبي سعيد :يا عليّ! أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

وخبره الآخر(٥) ، عن الخطيب ، والرافعي ، عن عليّعليه‌السلام ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له :سألت الله يا عليّ فيك خمسا ـ إلى أن قال : ـأعطاني فيك أنّ أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ، وأنت معي ، معك لواء الحمد ، وأنت تحمله بين يديّ تسبق به الأوّلين والآخرين.

__________________

(١) كنز العمّال ١٣ / ١٥٧ ح ٣٦٤٨٤ ، وانظر : المعجم الأوسط ٥ / ٣٦٧ ح ٥١٥٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٥ ، الرياض النضرة ٣ / ١٨٦ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٣.

(٢) ص ٣٩٣ ج ٦ [ ١٣ / ١١٧ ذ ح ٣٦٣٧٨ ]. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٤٠٠ ج ٦ [ ١٣ / ١٤٥ ح ٣٦٤٥٥ ]. منهقدس‌سره .

(٤) ص ١٥٥ ج ٦ [ ١١ / ٦١٢ ح ٣٢٩٦٥ ]. منهقدس‌سره .

(٥) ص ١٥٩ ج ٦ [ ١١ / ٦٢٥ ح ٣٣٠٤٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ بغداد ٤ / ٣٣٩ رقم ٢١٦٧ ، التدوين في أخبار قزوين ٢ / ٤٢ رقم ٨٦٣.

٤٩٤

وروى نحوه في محلّ آخر(١) .

وحكى(٢) عن الطبراني ، عن بريدة ، قالوا : يا رسول الله! من يحمل رايتك يوم القيامة؟

قال :من يحسن أن يحملها إلّا من حملها في الدنيا ؛ عليّ بن أبي طالب.

.. إلى غيرها من الأخبار المصرّحة بأنّ عليّا صاحب حوض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولوائه في الآخرة(٣) ، وقد ذكر قسما منها في « ينابيع المودّة »(٤) .

وأمّا روايات الإذن ، التي ذكر قسما منها المصنّفرحمه‌الله (٥) ، الدالّة على أنّه لا يدخل الجنّة ، ولا يجوز الصراط ، إلّا من بيده جواز وبراءة من عليّعليه‌السلام ، فمستفيضة.

وقد تقدّم بعضها في الآية الحادية عشرة ، وهي قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٦) ، فراجع(٧) !

وأمّا ما زعمه الفضل من الخيانة في نقل فضائل أهل البيتعليهم‌السلام من كتبهم والسكوت عن فضائل خلفائهم ، فخطأ ؛ لأنّا ننقل فضائل

__________________

(١) ص ٣٩٦ ج ٣ [ ١٣ / ١٢٩ ح ٣٦٤١١ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٣٩٨ ج ٦ [ ١٣ / ١٣٦ ح ٣٦٤٢٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المعجم الكبير ٢ / ٢٤٧ ح ٢٠٣٦ عن جابر.

(٣) راجع ما مرّ في الصفحات ٤٨١ و ٤٨٢ و ٤٩٣ ـ ٤٩٤ من هذا الجزء.

(٤) ينابيع المودّة ١ / ٣٩٥ ـ ٣٩٧ ح ١٠ و ١٣ ـ ١٧.

(٥) تقدّم ذلك في الصفحتين ٤٨١ و ٤٨٢ من هذا الجزء.

(٦) سورة الصافّات ٣٧ : ٢٤.

(٧) راجع : ج ٥ / ٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤٩٥

أهل البيت من كتبهم للاحتجاج بها عليهم ، مع علمنا بصحّتها ؛ لورودها في أخبارنا ، وإن كانت أخبارهم متلجلجة البيان.

وأمّا ما رووه في فضائل من خالف أهل البيت ، فنحن نعتقد كذبه ، وأنّه ممّا حدث في أيّام معاوية وبعده طلبا للدراهم البيض ، والدنانير الصفر ، ومراغمة لآل محمّد ، وتقرّبا لأهل الخلاف ، كما سبق في المقدّمة(١) .

وليت شعري ، كيف يطلب منّا أن نعتمد ما ليس حجّة عندنا؟! بل تواتر لدينا عكسه ، وظهر لنا ضدّه ، حتّى علمنا ـ كما دلّت عليه أخبارهم ـ أنّ كلّ ضلال وقع إنّما أساسه من رووا لهم الفضائل من يوم منعوا نبيّ الرحمة عن كتابة كتاب لا يضلّ المسلمون بعده أبدا(٢) .

وأمّا ما نال به كرامة الإمام العلّامة المصنّفرحمه‌الله لقوله : « لم ينقلوا عن أئمّة الشيعة منقصة » إلى آخره

ففيه : إنّه أيّ مانع لهم عن القدح بهم لو وجدوا إليه سبيلا ، وليسوا عندهم بأعظم وأحبّ من خلفائهم ، وقد نقلوا عنهم ما نقلوا؟! كما ستعرفه(٣) .

وأمّا قوله : « أنت لا تروي شيئا يعتدّ به إلّا من صحاحنا »

ففيه : إنّه إن أراد أنّ صحاحهم ممّا يعتدّ بها حتّى عندنا ، فليس بصحيح ، وليس ما نرويه منها إلّا للاحتجاج به عليهم ؛ لأنّه حجّة عندهم.

وإن أراد أنّها ممّا يعتدّ بها عندهم خاصّة ، فذكره لما فيها من

__________________

(١) راجع : ج ١ / ٧ ـ ٢٥ من هذا الكتاب.

(٢) انظر : ج ٤ / ٩٣ و ٢٦٧ من هذا الكتاب.

(٣) سيأتي تفصيله في موضعه من الجزء السابع إن شاء الله.

٤٩٦

فضائل أوليائهم لا فائدة فيه ؛ لعدم حاجة أصحابه إلى نقلها ، وعدم صلوحها للاحتجاج بها علينا ؛ وهذا غير خفيّ عليه.

ولكن ، وما حيلة المضطرّ إلّا ركوبها(١)

أو لأنّه يريد أن يخدع السذّج بها وبما لفّقه ، ممّا لا يخفى حتّى على أهل المعرفة من قومه.

وأمّا قوله : « وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند السنّة » إلى آخره

ففيه : إنّه لو صحّ نقله للشهرة عند أصحابه ، فهي ليست أوّل شهرة كاذبة أريد بها تشييد الباطل ، فقد اشتهر عندهم إدخال ـ من زعموه ـ ربّهم رجله في نار جهنّم حتّى تقول : قط قط(٢) .

واشتهر بينهم إلقاء الشيطان على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تلك الغرانيق العلى ، منها الشفاعة ترتجى(٣) .

واشتهر عندهم رقص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأكمامه واستماعه للغناء الباطل دون عمر وأبي بكر(٤) .

__________________

(١) عجز بيت مشهور يتمثّل به ، للكميت بن زيد الأسدي ( ٦٠ ـ ١٢٦ ه‍ ) ، من البحر الطويل ، وتمام البيت :

وإن لم يكن إلّا الأسنّة مركب

فلا رأي للمحمول إلّا ركوبها

انظر : جمهرة أشعار العرب : ٧٩٠ رقم ٤٩ ، ديوان الكميت ١ / ١٠٢ رقم ٤٩.

وورد البيت بلفظ آخر ، هكذا :

إذا لم تكن إلّا الأسنّة مركب

فلا رأي للمضطرّ إلّا ركوبها

انظر : لباب الآداب : ١٦٤.

(٢) راجع : ج ١ / ٥٠ وج ٤ / ١٦٣ ـ ١٦٦ من هذا الكتاب.

(٣) راجع : ج ٤ / ١٨ و ٤٣ ـ ٤٩ من هذا الكتاب.

(٤) راجع : ج ٤ / ٧٤ ـ ٨٧ من هذا الكتاب.

٤٩٧

إلى غير ذلك من المشهورات الباطلة قطعا.

ولو كان لهذا الرجل معرفة ، لما روى هذه الشهرة عن أصحابه ؛ لأنّها تكشف عن كون شهراتهم من هذا القبيل ، مخالفة للضرورة والوجدان ، فإنّ كتب الشيعة مملوءة بالنقل عن إمامهم الصادقعليه‌السلام ، وما أحد نقل عن كتاب له ، وإنّما يروون عن لسانه وألسنة الأئمّة الميامين ومراسلاتهم ، وها هي ذي كتب الشيعة بمنظر لمن أراد الاطّلاع عليها.

وأمّا ما زعمه ، من اتّفاق علمائهم على أنّ كلّ ما في الصحاح لو حلف بالطلاق إلى آخره

ففيه : إنّ من حلف كذلك حانث جزما ؛ لأمور :

الأوّل : إنّ كثيرا ممّا فيها متناف ، فكيف تصدق كلّها؟!

الثاني : اشتمالها على ما فيه نقص لله ورسوله ـ كما سبق في مباحث النبوّة(١) ـ وهما منزّهان عن النقص.

الثالث : إنّ الكثير من رواتها كذبة فسقة ـ كما تقدّم في المقدّمة(٢) ـ ، فكيف يحلف الحالف على صدقهم ولا يحنث؟!

الرابع : إنّ بعض أخبارها واضحة الكذب ؛ كالذي رواه البخاري في أواخر الجزء الثاني ، في باب مقدم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه المدينة ، عن عثمان ، قال : « أمّا بعد ، فإنّ الله بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ ، وكنت ممّن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث به محمّد ، ثمّ هاجرت هجرتين ،

__________________

(١) انظر : ج ٤ / ١٧ ـ ١٧٠ ، وراجع : ج ١ / ٤٩ ـ ٥٢ ، من هذا الكتاب.

(٢) انظر : ج ١ / ٥٧ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤٩٨

ونلت صهر رسول الله ، وبايعته ، فو الله ما عصيته ولا غششته حتّى توفّاه الله »(١) ، فإنّه قد ثبت عصيانه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو بفراره في الغزوات ، كفراره في أحد ثلاثة أيّام(٢) .

فإذا وقع مثل هذا الكذب في الرواية ، فكيف لا يحنث الحالف؟!

ونحوه ـ في ظهور الكذب ـ ما رواه البخاري ـ أيضا ـ ، في باب هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل إلى المدينة وهو مردف أبا بكر ، وأبو بكر شيخ يعرف ، ونبيّ الله شابّ لا يعرف(٣) الحديث.

فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أكبر سنّا ، وشأنا ، وبيتا ، وأثرا ، وشهرة ، بدعوته التي تستدعي القصد إليه ورؤيته ومعرفته ، فكيف كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شابّا لا يعرف ، وأبو بكر شيخا يعرف؟!

ونحوهما كثير!!

وإذا أردت أن تعرف حقيقة صحاحهم ، فعليك بمراجعة مقدّمة الكتاب(٤) ، وكفاك أنّ عمدة أحاديثها تنتهي إلى عائشة ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وهم ليسوا محلّ الاعتماد ، فضلا عن السند الذي ينتهي إليهم.

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ١٦٨ ح ٤٠٥.

(٢) انظر : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٢ ، المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٩ ، أنساب الأشراف ١ / ٣٩٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٩ ، تفسير الفخر الرازي ٩ / ٦٤ تفسير الآية ١٥٩ من سورة آل عمران ، شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢١ و ٢٢ و ٢٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٢ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٨٩ ح ٨١٠٢.

وراجع : الصفحات ٤٠٠ و ٤١٤ و ٤١٦ من هذا الجزء.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ١٦١ ح ٣٩٢.

(٤) راجع : ج ١ / ٤١ وما بعدها من هذا الكتاب.

٤٩٩

أمّا عائشة ؛ فلما سبق من بغضها لأمير المؤمنين(١) ، وما سيأتي في المآخذ ، من صدور الكبائر عنها(٢) .

على أنّها قد روت كثيرا من النقص للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي يعلم الإنسان بكذبه(٣) ، ونسبت إليه جهله بنبوّته في أوّل البعثة حتّى عرّفته خديجة وورقة نبوّته ، وهو مخالف لضرورة الدين ، كما مرّ بيانه في مباحث النبوّة(٤) .

وأمّا ابن عمر ؛ فيعلم حاله من عدّة وقائع

منها : ما نقله الفضل عنه ، من تفضيل الصحابة لأبي بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، على وجه كان مفروغا عنه عندهم ، وأنّهم يتركون بعد الثلاثة سائر الصحابة بلا تفضيل بينهم ، فيكون عليّ من سائر المسلمين لا يرون له فضلا على غيره(٥) .

وقد تعقّبه صاحب « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإنّه بعد ما روى حديث ابن عمر المذكور ، قال : « وهو الذي أنكر [ ه‍ ](٦) ابن معين ، وتكلّم فيه بكلام غليظ ؛ لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر ، أنّ عليّا أفضل الناس بعد عثمان ، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه

وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان

__________________

(١) راجع الصفحات ١٤٩ ـ ١٥١ من هذا الجزء!

(٢) سيأتي ذلك في موضعه من الجزء السابع إن شاء الله.

(٣) انظر مثلا : ج ٤ / ٦٤ ـ ٨٧ و ١٤٢ ـ ١٤٥ و ١٥٢ ـ ١٥٩ من هذا الكتاب.

(٤) انظر : ج ٤ / ١٣٧ ـ ١٤٢ من هذا الكتاب.

(٥) مرّ ذلك في الصفحة ٤٨٩ من هذا الجزء.

(٦) كان في الأصل والمصدر : « أنكر » ؛ وما أضفناه مقتضى اللغة والكلام.

٥٠٠