دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق3%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98532 / تحميل: 4674
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٦٠-٨
العربية

١
٢

٣
٤

٥
٦

[المطلب الأوّل](١)

تسمية أبي بكر بخليفة رسول الله

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(٢) :

المطلب الأوّل

في المطاعن التي رواها السُنّة في أبي بكر

قالوا : إنّه سمّى نفسه خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكتب إلى الأطراف بذلك(٣) .

وهذا كذب صريح ؛ (لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(٤) اختلف الناسُ فيه

فالإماميّة قالوا : إنّه مات عن وصيّة ، وإنّه استخلف أمير

__________________

(١) إضافة يقتضيها النسق.

(٢) نهج الحقّ : ٢٦٢.

(٣) انظر : كتاب الردّة ـ للواقدي ـ : ٢١٨ ، الإمامة والسياسة ١ / ٣٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠ و ٢٤ ، الأوائل ـ للعسكري ـ : ١٠٠ ، المحلّى ـ لابن حزم ـ ١١ / ١٥٨ و ٤٠٩ ، الاستيعاب ٣ / ٩٧١ ـ ٩٧٢ و ١١٥١ ، تاريخ دمشق ٣٠ / ٢٩٧ ، صفة الصفوة ١ / ١٠٩ ، شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٢١ ، الرياض النضرة ١ / ١٧٦ ، الصواعق المحرقة : ١٣٧.

(٤) في المصدر : «على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لأنّه لم يستخلفه ، و ...».

٧

المؤمنين (عليه السلام) إماماً بعده(١) .

وقالت السُنّة كافّة : إنّه مات بغير وصيّة ، ولم يستخلف أحداً ، وإنّ إمامة أبي بكر لم تثبت بالنصّ إجماعاً ، بل ببيعة عمر بن الخطّاب ، ورضا أربعة لا غير(٢) .

وقال عمر : «إنْ لم أستخلف ، فإنّ رسول الله لم يستخلف ، وإنْ أستخلف ، فإنّ أبا بكر استخلف»(٣) .

وهذا تصريح منه بعدم استخلاف النبيّ أحداً ، وقد كان الأَوْلى أن يقال : إنّه خليفة عمر ؛ لأنّه هو الذي استخلفه!

__________________

(١) وهذا ثابت عندهم بالضرورة ، وهو أساس مذهبهم ، ولا حاجة إلى إيراد أدلّتهم عليه ، وإنّما نذكر بعض مصادره جرياً على عادة المناظرات والمحاورات ؛ فانظر :

أوائل المقالات : ٣٩ ـ ٤٠ ، الشافي في الإمامة ٢ / ٦٥ ، رسائل الشريف المرتضى ١ / ٣٣٩ و ٣٤٠ ، تقريب المعارف : ١٩٢ وما بعدها ، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد : ٣١٦ وما بعدها ، نهج الإيمان : ٦٧ و ٦٨ و ٤٦٢ ، المنقذ من التقليد ٢ / ٣١٠ وما بعدها ، تجريد الاعتقاد : ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، قواعد المرام : ١٨٢ وما بعدها.

(٢) تمهيد الأوائل ـ للباقلاّني ـ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٧ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ١٨ ، المواقف : ٤٠٠.

(٣) صحيح البخاري ٩ / ١٤٥ ح ٧٥ ، صحيح مسلم ٦ / ٥ ، سنن أبي داود ٣ / ١٣٣ ح ٢٩٣٩ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٣٥ ح ٢٢٢٥ ، مسند أحمد ١ / ٤٧ ، مسند البزّار ١ / ٣٥٧ ح ١٥٣ ، مسند عمر بن الخطّاب ـ لأبي بكر النجّاد ـ : ٧٣ ح ٤٢.

٨

وقال الفضل(١) :

ما أجهلَ هذا الرجل باللغة! فإنّ الخليفةَ فعيلةٌ بمعنى الخالف ، وخليفة الرجل من يأتي خلفه ، ولا يتوقّف إطلاق الخليفة المضافة إلى شخص باستخلافه إيّاه.

فمعنى خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الذي تولّى الخلافة بعده ، سواءً استخلفه أم لم يستخلفه.

فلو سلّمنا أنّ أبا بكر هو سمّى نفسه بهذا الاسم ، فإنّه لا يكون كذباً ؛ لِما ذكرنا.

ثمّ لا شكّ أنّ عليّاً خاطبه في أيّام خلافته بخليفة رسول الله ، ولو كان كذباً لَما تكلّم به ولا خاطبه به ، ولكن للشيعة في أمثال هذه المضايق سعة من التقيّة.

والظاهر ، أنّ القوم خاطبوه بذلك ، ولو أنّه سمّى نفسه بهذا صحّ ، كما ذكرنا ، فلا طعن.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٤٨٥ الطبعة الحجرية.

٩

وأقول :

الخلافة هي : الإمامة والولاية العامّة على الأُمّة

وبالضرورة : إنّ الولاية العامّة إنّما تكون بالأصالة لله تعالى ، وبالتَّبع والجعل للنبيّ ثمّ للإمام ، فلا تثبت الخلافة لأحد بدون النصب من الله ورسوله.

وإن شئتَ قلت : الخلافةُ نيابةٌ عن الله ورسوله في الأُمّة ، فلا تكون بدون إنابةِ مَن له الحكم والأمر.

واعترف بذلك صاحب «المواقف» وشارحها ، قالا في المقصد الثالث من مقاصد الإمامة : «وتثبت ببيعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشيعة ، احتجّوا بوجوه :

الأوّل : الإمامة نيابة الله والرسول ، فلا تثبت بقول الغير ؛ إذ لو ثبتت بقوله لكان الإمام خليفةً عنه لا عن الله ورسوله.

قلنا : اختيار أهل البيعة للإمام دليلٌ لنيابة الله ورسوله.

وتلخيصه : إنّ البيعة عندنا ليست مثبتة للإمامة حتّى يتمّ ما ذكرتم ، بل هي علامة مظهرة لها ، كالأقيسة والإجماعات الدالّة على الأحكام»(١) .

انتهى ملخّصاً.

فإنّك ترى أنّهما لم يُنكرا أنّ الإمام والخليفة لا يكون إلاّ

__________________

(١) المواقف : ٣٩٩ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥١.

١٠

بالاستخلاف والنصب من الله ورسوله ، ولكنّهما ادّعيا حصول الاستخلاف من الله ورسوله بسبب البيعة من حيث كشفها عن الاستخلاف والاستنابة.

لكن عرفت في أوائل مبحث الإمامة بطلانَ الرجوعِ إلى الاختيار والبيعة في ثبوت الإمامة ، ولا سيّما بيعة الواحد والاثنين(١) .

ويظهر أيضاً من ابن أبي الحديد الاعتراف بما قلنا ، إلاّ أنّه أجاب عن الإشكال(٢) بما حاصله : إنّه سُمّي خليفة ؛ لاستخلاف النبيّ إيّاه على الصلاة.

وفيه ـ مع منع استخلاف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له على الصلاة ـ : إنّه لو سُلّم لا يقتضي استخلاف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له على الأُمّة ، كما مرّ(٣) .

ويظهر ذلك أيضاً من الرازي كما مرّ في الآية الرابعة والثمانين ، ولكنّه أجاب عنه بحصول الاستخلاف بالأمر بالاختيار ، وقد عرفت أنّه لا أمر بالاختيار(٤) .

وقد يُستدلّ للمدّعى بما رواه في «كنز العمّال»(٥) ، عن ابن الأعرابي(٦) ، قال : روي أنّ أعرابياً جاء إلى أبي بكر فقال : أنت خليفةُ

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢٤٨ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

(٢) ج ٤ ص ١٩٠ من شرحه للنهج [١٧ / ٢٢١]. منه (قدس سره).

(٣) راجع : ج ٥ / ٣٨٦ الأمر الثالث وج ٦ / ٥٦٧ ، من هذا الكتاب.

(٤) راجع : ج ٥ / ٣٨١ ـ ٣٨٨ ، من هذا الكتاب.

(٥) ص ٣٢٢ ج ٦ [١٢ / ٥٣٠ ـ ٥٣١ ح ٣٥٧٠٨]. منه (قدس سره).

وانظر : تاريخ دمشق ١٩ / ٤٩٧ وجاء الخبر فيه محرّفاً ؛ فلاحظ!

(٦) هو : أبو عبد الله محمّد بن زياد بن الأعرابي الهاشمي ، مولاهم ، النسّابة.

كان أحد العالمين باللغة ، كثير السماع والرواية ، وكان من أحفظ الناس للّغات والأيّام والأنساب ، وكان ربيب المفضّل بن محمّد الضبّي ، صاحب

١١

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال : لا.

قال : فما أنت؟!

قال : أنا الخالِفَةُ بعده ؛ أي : القاعدةُ بعده.

أقول :

لم يذكر في «القاموس» من معاني الخالفةِ القاعدةَ ، بل ذكر له معاني أُخر

أحدها : كثير الخلاف.

ثانيها : غير النجيب ، ومَن لا خير فيه.

ثالثها : الأحمق(١) .

__________________

«المفضّليّات» ، فأخذ الأدب عنه وعن الكسائي وغيرهما ، وأخذ عنه إبراهيم الحربي وثعلب وابن السِّكّيت وغيرهم ، له تصانيف كثيرة ، منها : الألفاظ ، تاريخ القبائل ، تفسير الأمثال ، معاني الشعر.

كان أبوه عبداً سندياً ، وكان هو أحول أعرج.

قال عنه الذهبي : «كان صاحب سُنّة واتِّباع».

وُلد بالكوفة سنة ١٥٠ هـ ، وتوفّي بسامرّاء سنة ٢٣١ هـ.

انظر : تاريخ بغداد ٥ / ٢٨٢ رقم ٢٧٨١ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٠٦ رقم ٦٣٣ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٦٨٧ رقم ٢٥٤ ، البلغة في تراجم أئمّة النحو واللغة : ٢٦٤ رقم ٣١٨.

(١) القاموس المحيط ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ مادّة «خلف».

وانظر المادّة ذاتها في : الصحاح ٤ / ١٣٥٥ ، الفائق في غريب الحديث ١ / ٣٩١ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٦٩ ، لسان العرب ٤ / ١٨٣ ـ ١٩٠ ، تاج العروس ١٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ و ٢٠٢ ، وجاء فيها في معنى الكلمة :

١٢

فتدبّر!

ويدلّ على المدّعى أيضاً ما رواه ابن قتيبة في كتاب «الإمامة والسياسة» ، قال : «قال : أبو بكر لقنفذ ـ وهو مولىً له ـ : إذهب فادع لي عليّاً!

فذهب إلى عليّ ، فقال [له] : ما حاجتك؟!

فقال : يدعوك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال عليٌّ : لَسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ...»(١) الحديث.

ومنه يظهر بطلان ما زعمه الخصم من مخاطبة أمير المؤمنين له ب «خليفة رسول الله» ، ولو سُلّم فللتجوّز بابٌ واسعٌ يخرج منه عن الكذب تدعو إليه الضرورة.

كما إنّ التقيّة من دين الله ورسوله ، كما صرّح بها الكتاب(٢)

__________________

الخالِفَةُ : الطالِحُ ، والذي لا غناءَ عنده ولا خيرَ فيه ، والكثيرُ الخلاف والشقاق ، والأحمقُ القليلُ العقلِ ، واللجوجُ من الرجال ، وفاسدُ القومِ وشرُّهم ، وامرأةٌ خالفةٌ إذا كانت فاسدة ومتخلّفة في منزلها.

وأمّا ما ابتدعه ابن الأثير ـ وتبعه بعضُ مَن أتى مِن بعده ـ ، بأنّ أبا بكر إنّما قال ذلك تواضعاً ، فحملٌ للكلام على خلاف ظاهره ، ولا شاهد له ، بل القرائن كلّها على خلافه!

(١) الإمامة والسياسة ١ / ٣٠.

(٢) كقوله تعالى :( لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاّ أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم الله نفسه وإلى الله المصير ) سورة آل عمران ٣ : ٢٨ ؛ انظر : تفسير ابن المنذر النيسابوري ١ / ١٦٤ ـ ١٦٧ رقم ٣٤٨ ـ ٣٥٦ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٢٨ ح ٦٨٢٣ ـ ٦٨٣٠ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ١٤ ـ ١٥ ، تفسير القرطبي ٤ / ٣٨ ، فتح القدير ١ / ٣٣١.

١٣

والسُنّة(١) .

وأمّا مخاطبة الناس له ، فلا ترفع الكذب عنه بتسمية نفسه وكتابته إلى الأطراف بقوله : «مِن خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» ، وقوله في عهده لعمر : «هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(٢) !

__________________

وقوله تعالى :( مَن كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أُكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذاب عظيم ) سورة النحل ١٦ : ١٠٦ ؛ انظر : تفسير الطبري ٧ / ٦٥١ ـ ٦٥٢ ح ٢١٩٤٤ ـ ٢١٩٤٧ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٢٨٣ ، تفسير الماوردي ٣ / ٢١٦ ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد ٣ / ٨٦.

وقوله تعالى :( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله ) سورة غافر ٤٠ : ٢٨ ؛ انظر : تفسير القرطبي ١٥ / ٢٠١.

(١) كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند تعذيب قريش لعمّار وذِكره آلهتهم بخير : «يا عمّار! إنْ عادوا فَعُدْ» ؛ انظر مثلا : تفسير الطبري ٧ / ٦٥١ ح ٢١٩٤٦.

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأحد الرجلين اللذين أسرهما مسيلمة ، فقتل أوّلهما لمّا رفض أن يشهد له بالرسالة ، وأطلق الثاني لمّا شهد له بذلك : «أمّا صاحبك فمضى على إيمانه ، وأمّا أنت فأخذتَ بالرخصة » ؛ انظر : تفسير الحسن البصري ٢ / ٧٦.

وقد استأذن بريدةُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول ما يتخلّص به من شرّ المشركين وإنْ كان خلاف الواقع ، فأذن له (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ انظر : السيرة الحلبية ٢ / ٥٨٣ ـ ٥٨٤.

(٢) انظر مثلا : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٤.

١٤

أبو بكر في جيش أُسامة

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ(١) :

ومنها : إنّه تخلّف عن جيش أُسامة وقد أنفذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معه ، ولم يزل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يُكرّر الأمر بالخروج ويقول : «جهِّزوا جيش أُسامة ، لعن الله المتخلّف عنه »(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٦٣.

(٢) لقد مرّ تخريج كون الشيخين في جيش أُسامة وتخلّفهما عنه مفصّلا في ج ٤ / ٣١٩ هـ ٦ وج ٥ / ٢١٣ هـ ١ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر كذلك : أنساب الأشراف ١ / ٤٩٣ وج ٢ / ١١٥ ، تاريخ دمشق ٨ / ٤٦ رقم ٥٩٦ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٥٢ وج ١٧ / ١٧٥ ـ ١٨٣ ، فتح الباري ٨ / ١٩٢ ب ٨٨ ح ٤٤٦٩ وقال ما نصّه : «وكان ممّن ندب مع أُسامة كبار المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم».

١٥

وقال الفضل(١) :

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعث جيش أُسامة ؛ طلباً لقصاص زيد ؛ وليبلغ خبر قوّة الإسلام إلى ملوك الشام فلا يقصدوا المدينة بعد وفاته ، ولهذا كان يبالغ في بعث جيش أُسامة.

وأمّا قوله : «لعن الله من تخلّف عن جيش أُسامة» ، فهذا من ملحقات الروافض.

فلمّا بلغ أمر الخلافة إلى أبي بكر لم يكن ملائماً لأمر الإسلام أن يذهب الخليفة بنفسه ، سيّما وقد ارتدّ جميع العرب ، فأنفذ أبو بكر جيش أُسامة ؛ امتثالا لأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو بنفسه قام لتجهيز باقي الجيوش وقتال أهل الردّة وحفظ الحوزة ، ومع ذلك استأذن من أُسامة ـ وهو الأمير ـ في التخلّف ، فأذن له.

فيا معشر المسلمين! من كان يعلم هذه الأحوال هل يجعل تخلّف الخليفة القائم بتعبئة الجيوش وجرّ العساكر وإقامة وظائف الدين ، طعناً فيه؟!

هذا ، وقد صحّ أنّ أبا بكر لم يكن في جيش أُسامة ، وقد قال الجزري : «من ادّعى أنّ أبا بكر كان في جيش أُسامة فقد أخطأ ؛ لأنّ النبيّ بعدما أنفذ جيش أُسامة قال : (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس) ، ولو كان مأموراً بالرواح مع أُسامة لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمره بالصلاة بالأُمّة».

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٤٨٦ الطبعة الحجرية.

١٦

وأقول :

لا ريب أنّ أبا بكر كان من جيش أُسامة كما صرّح به في «طبقات» ابن سعد(١) ، و «تهذيب تاريخ الشام» لابن عساكر(٢) ، وفي «كنز العمّال»(٣) عن ابن أبي شيبة عن عروة ، وفي «كامل» ابن الأثير(٤) .

وكلّهم صرّحوا بأنّ من جملة جيش أُسامة أبا بكر وعمر.

وقال الطبري في «تاريخه»(٥) : «أوعب مع أُسامة المهاجرون الأوّلون».

وهو شامل بعمومه لأبي بكر ، بل هو أظهر من يُراد بهذا اللفظ عندهم.

بل الظاهر أنّ في العبارة سقطاً ، وهو : «ومنهم أبو بكر وعمر» ، كما في «كامل» ابن الأثير(٦) ؛ لأنّه مأخوذ من «تاريخ» الطبري.

ونقل ابن أبي الحديد(٧) ، عن أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب «السقيفة» ، عن عبد الله بن عبد الرحمن : «أنّ

__________________

(١) في القسم الثاني من ج ٢ ص ٤١ [٢ / ١٩٢]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٣٩١ ج ٢ [مختصر تاريخ دمشق ٤ / ٢٤٨ رقم ٢٣٧]. منه (قدس سره).

وانظر : تاريخ دمشق ٨ / ٤٦ وص ٦٣ رقم ٥٩٦.

(٣) ص ٣١٢ ج ٥ [١٠ / ٥٧٠ ح ٣٠٢٦٤]. منه (قدس سره).

وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٣٢ ح ٣ وج ٨ / ٥٤٩ ح ١٦.

(٤) ص ١٢٠ ج ٢ [٢ / ١٨٢ حوادث سنة ١١ هـ]. منه (قدس سره).

(٥) ص ١٨٨ ج ٣ [٢ / ٢٢٤ حوادث سنة ١١ هـ]. منه (قدس سره).

(٦) تقدّم تخريجه آنفاً في الهامش رقم ٤.

(٧) ص ٤١ ج ٢ [شرح نهج البلاغة ٦ / ٥٢]. منه (قدس سره).

١٧

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرض موته أمَّر أُسامة على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار ، منهم : أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ـ إلى أن قال : ـ وقام أُسامة وتجهّز للخروج ، فلمّا أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل عن أُسامة والبعث ، فأُخبر أنّهم يتجهّزون ، فجعل يقول : «أنفِذوا بعث أُسامة ، لعن الله مَن تخلّف عنه » ، وكرّر ذلك ـ إلى أن قال : ـ فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أُسامة إلى أن ماتا إلاّ بالأمير».

وبهذا عُلم أنّ لعن المتخلّف ثابت بأخبارهم.

كما ذكره أيضاً الشهرستاني في أوائل «الملل والنحل» ، عند بيان الاختلافات الواقعة في مرض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته ، قال : «الخلاف الثاني في مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال :جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله مَن تخلّف عنه ، فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره ...»(١) إلى آخره.

وحكى شارح «المواقف» في أوّل تذييل «المواقف» عن الآمدي ، أنّه ذكر الاختلافات الواقعة من المسلمين ، وعدّ منها الاختلاف في التخلّف عن جيش أُسامة ، قال : «قال قوم بوجوب الاتّباع ؛ لقوله :جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه.

وقال قوم بالتخلّف عنه ؛ انتظاراً لِما يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه»(٢) .

ومثل هذا الكلام ، وكلام الشهرستاني ، دالاّن على أنّ لعن المتخلّف من الأُمور المسلّمة عندهم.

ولو سُلّم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يلعن المتخلّف ، فالله سبحانه قد

__________________

(١) الملل والنحل ١ / ١٢.

(٢) شرح المواقف ٨ / ٣٧٦.

١٨

لعنه ؛ لأنّ في التخلّف إيذاءً للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد لعن سبحانه من آذاه وأعدّ له عذاباً أليماً ، قال تعالى في سورة الأحزاب :( إنّ الّذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً ) (١) .

وقال سبحانه في سورة التوبة :( والّذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (٢) .

.. إلى غيرهما من الآيات(٣) .

واعلم أنّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظمُ الناسِ سياسةً ، وأفضلُهم حكمةً ، وأسدُّهم رأياً ، وأصوبُهم عملا ، وأظهرُهم عصمةً ، وقد أقدم على بعث أُسامة ـ وهو ابن سبع عشرة سنة ـ رئيساً على كبار الصحابة وشجعانهم ، ومَن مضت لهم التجربة في الحروب والرئاسة ، ولهم السنُّ والسمعة ، مع عظم الوجه الذي وجّهه فيه وأهمّيته وبُعد الشُقة ، حتّى إنّه لمّا قدّمه عليهم قالوا وتكلّموا ، فلم يمنعه طعنهم في إمرته ، وعزم على خلاف رغباتهم ومقاصدهم ، كما أمره الله تعالى بقوله :( فإذا عزمتَ فتوكل على الله ) (٤) (٥) .

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٦١.

(٣) كقوله تعالى :( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله إنّ ذلكم كان عند الله عظيما ) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٤) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٥) هذا ، ويظهر من هذا الخصم [أي : ابن روزبهان] ـ في أوّل كلامه ـ أنّ أبا بكر كان من الجيش ، إلاّ أنّه اعتذر عنه بأنّه استأذن أُسامة ـ وهو الأمير ـ في التخلّف.

ويَرِدُ عليه ـ مع أنّ وقوع الاستئذان ممنوعٌ ـ : إنّه كيف يجوز له الاستئذان

١٩

فلا بُد أن يكون عمله ـ وهو سيّد الحكماء ـ عن حكمة تامة ، وغرض أعظم من رئاسة ذلك الجيش ، وهو التنبيه على عدم أهليّتهم للإمامة والخلافة ، وأنّهم أتباع لا متبوعون ، حتّى لعن المتخلّف ؛ كشفاً عن نفاقهم وأنّهم ينقلبون على أعقابهم ، كما ذكره سبحانه في كتابه

__________________

ولأُسامة الإذن ، وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروج الجيش ، ولعن من تخلّف عنه؟! فمَن تخلّف ـ والحال هذه ـ لا يستحقّ الإمامة

كما إنّ بقاءه تحت إمرة أُسامة ـ كبقيّة الجيش ـ ناف لإمامته له ، بل وللجيش كلّه ؛ ولذا احتاج إلى الاستئذان من أُسامة في تخلّف عمر!

ولو سُلّم أنّه استأذن من أُسامة ، وأنّ له عذراً في التخلّف بارتداد العرب والحاجة إليه في البقاء ، فالكلام لا يختصّ بتخلّفه بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل يعمّ تخلّفه في حياته ، وهو مما لا يتأتّى فيه العذر المذكور.

والحق أنّه لا يصحّ أن يكون عذراً حتّى بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لإمكان أن يخلّفَ أبو بكر مَن يقوم مقامه ، لا سيّما ولم يرتد العرب على الصحيح ، وإنّما كان في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قومٌ آمنوا بمسيلمة وطليحة ، وهم لم يستوجبوا امتناع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعث أُسامة ؛ إذ يكفيهم القليل من المسلمين كما وقع في حربهم.

فاللازم أن لا يمنعوا أبا بكر من امتثال أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسير بجيش أُسامة!

ومن المضحك قوله : «لم يكن ملائماً لأمر الإسلام أن يذهب الخليفة بنفسه» [المتقدّم آنفاً في الصفحة ١٦] ، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرج بنفسه في الغزوات ، فكيف لا يلائم أن يذهب أبو بكر بنفسه؟!

هذا ، ولا يخفى أنّ تأمير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسامة على أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وأمثالهم ، شاهد صدق على انحطاط منازلهم عنه ، ولو في سياسة الجيش وإمرته.

وبالضرورة : إنّ من انحطّت منزلته عن الصبيّ الغرّ ـ ولو في إمرة الجيش ـ لا يمكن أن يصلح للإمامة والزعامة الكبرى ، ولا شكّ أنّ هذا من أوضح مقاصد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

منه (قدس سره).

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601